فيسبوك تويتر RSS


  #10  
قديم October 18, 2017, 09:53 PM
 
رد: القاهرة فى منتصف القرن التاسع عشر بقلم الأديب الكبير مكاوي سعيد



القاهرة فى منتصف القرن التاسع عشر (9)
مكاوي سعيد



أما الفصل المعنون بـ«مدن الموتى.. المقابر» فيحدثنا «إدوارد وليم لين»، مؤلف كتاب «القاهرة فى منتصف القرن التاسع عشر»، عن القرافات والجبانات فى تلك الفترة، وأهمها ما كان موجوداً فوق «الجبل المقطم»، الذى يؤكد المقريزى وغيره من المؤلفين العرب أن هذا الجبل- فى رأى البعض- لما كان منقطع الشجر والنبات سُمى مُقطّمّاً، والمُقطّم مأخوذ من القّطم، وهو القطع. ويقول البعض إنه أكثر الجبال أشجاراً، ولكنها نُقلت بمعجزة إلى جبل بيت المقدس. ويؤكدون أيضاً أن موسى عليه السلام سجد فسجد معه كل شجرة من المقطم إلى طُرة، وهو الآن المكان الذى به مَقطَع الحجارة. ويقول البعض إنه سُمى «جبل المُقطّم» (بدون ألف ولام التعريف السابقة على كلمة جبل) نسبة إلى المُقطّم ابن مصر أو مصرايم (على الرغم من أن البعض يرى أنه لا يُعرف لمصر ولد اسمه المقطم). أو حكيم يدعى مُقيطام عاش زمن مصرايم، وكان يعنى بصناعة الكيمياء على هذا الجبل.
وجبل المُقطّم هو ذلك الجبل الذى يقوم خلف القاهرة وقلعتها، يتكون من الصخور الجيرية ذات لون ضارب إلى الصفرة، وهذه الصخور تمتلئ أو تتكون بالكامل فى بعض الأحفوريات. وقد قام محمد على ببناء حصن قوى أعلى القمة المستوية لهذا الجبل. نصعد إلى هذا الحصن عن طريق ممر منحدر يمر فوق قنطرة عالية وضيقة. ويوجد أيضاً أعلى الجبل- ليس بعيداً عن الحصن- مسجد نصف متهدم، يعتبر بمثابة مكان للعبادة للحامية المتواجدة. ويوجد فى الواجهة الغربية للجبل العديد من الكهوف القديمة صغيرة الحجم، يتعذر الوصول إليها بسهولة، كانت فى الأصل جبانات، ولكن يبدو أنها كانت تستخدم فى بعض الفترات مأوًى للرهبان المسيحيين المضطهدين. وبالاتجاه قليلاً ناحية الشمال نجد بقايا مبنًى صغير تعلوه قبة، تدعى- نظراً لموقعها- قبة الهواء. واحتلت البساتين حقولاً كثيرة شمالى القاهرة، محاطة بمنخفضات وأسوار غير مستوية من الحجر، تكثر بها أشجار النخيل والموز والتين الشوكى والأترج والليمون، إلى غير ذلك، زرعت كلها دون نظام معين. وفى نفس هذا الجانب تقع بقايا الجامع الكبير للظاهر بيبرس، السلطان المملوكى، والذى أنشئ سنة 665هـ /1268م.
تقع الجبانة الشرقية الكبيرة (تسمى خطأ من قبل الرحالة بـ«مقابر الخلفاء») فى السهل الرملى الصحراوى الواقع بين القاهرة وجبل المقطم، وتمتد بعيداً فى الصحراء من الجهة الشمالية. وهذه الجبانة تحوى العديد من قبور سلاطين المماليك. بعض هذه الأضرحة تضارع أروع مساجد القاهرة.
وتقع جبانة أخرى كبيرة جنوبى القاهرة تدعى «القرافة». لا تضم مساجد بها أضرحة مثل الجبانة الشرقية، لكنها أكثر اتساعاً منها، وكثير من أضرحتها زُين بشكل غاية فى الفخامة، وهى تقع على طرق الصحراء، وتتقاطع مع العديد منها. ولقد دُفن فيها الكثير من بكوات المماليك. ويطلق على الجزء الجنوبى من هذه القرافة «مقابر الإمام»، لأنها تحتوى ضريح الإمام الشافعى (ت 819 م)، صاحب المذهب الشافعى، الذى ينتمى له معظم القاهريين. وغير بعيد عن ضريح الإمام، تجويف واسع ضحل، بداخله بركة تدعى «عين الصيرة»، وذكر حسن قاسم أن هذه البئر هى ما تخلف عن مسجد الرُعينى، وبالمسجد بئر يستشفى بمائها بإذن الله، وكان مستفيضاً عند المصريين أن من أصابته الحمى فيأخذ من ماء هذه البئر ويغتسل به فتذهب عنه الحمى، وسميت بالصيرة لأن ماءها صير، أى شديد الملوحة.
رد مع اقتباس
  #11  
قديم October 18, 2017, 09:55 PM
 
رد: القاهرة فى منتصف القرن التاسع عشر بقلم الأديب الكبير مكاوي سعيد



القاهرة فى منتصف القرن التاسع عشر (10)
مكاوي سعيد


يوجد فى الضواحى الغربية لمدينة القاهرة العديد من البساتين وبعض البِرك. كان يحتل موقعها فى السابق كيمان من النفايات، عملت على إفساد هواء المدينة وقامت بحجب الرؤية، وفى السابق كان يتم إلقاء كل الحيوانات النافقة فى القاهرة على هذه الكيمان، وسرعان ما كان يتم التهامها بواسطة الطيور الجارحة والكلاب. يقع على ضفة النهر، على نحو ميل جنوبى بولاق قصر إبراهيم باشا، وذلك الخاص بحريمه (منطقة جاردن سيتى الآن). ويتكونان من مبان بيضاء كبيرة ذات نوافذ زجاجية، على الطراز المعتاد للقصور التركية فى مصر. ويقع إلى الجنوب قليل من هذه المبانى على ضفة النهر أيضاً، «قصر العينى»، وهو بناء واسع مربع الشكل يتوسطه صحن، صار الآن كلية للطب بعد أن كان قصراً فى السابق. (اتُّخذ هذا القصر والبساتين من حوله متنزهاً عظيماً للسلاطين والولاة والأمراء وعامة الناس فى العصرين المملوكى والعثمانى، وفى العصر العثمانى خاصة كان القصر بمثابة محطة استقبال لولاة مصر العثمانية، ثم حوّله الفرنسيون إبان حملتهم على مصر إلى مستشفى عسكرى، وهذا المستشفى أودع فيه جثة الجنرال «كليبر» بعد اغتياله على يد سليمان الحلبى، بعد ذلك أمر محمد على باشا بتجديده سنة 1227هـ/ 1812م، ثم عهد إلى كلوت بك أن يتخذ منه مقراً لمدرسة الطب ومستشفى للعلاج، فاتخذ منه المذكور قسمين: قسم للرجال أطلق عليه صحة الرجال، وآخر للنساء، وفى سنة 1241هـ/ 1826م أمر محمد على باشا بأن يتخذ من أحد أجزاء هذا القصر جناحاً لمدرسة الجهادية الحربية التى أنشأها فى هذا التاريخ، إلى جانب مدرسة الطب، فبقيت به حتى سنة 1252هـ/ 1836م، ثم نُقلت منه إلى أبوزعبل، وبقى القصر مستشفى عاماً وداراً عمومية للعلاج حتى اليوم.


واستقى اسمه من «العينى» وهو رجل علم شهير، كان قصره يقع فى هذا المكان. وإلى الجنوب من هذا المبنى يوجد مقر صغير للدراويش، اتخذ موقعاً جذاباً على النهر، واختفى نصفه خلف أوراق الشجر، يدعى «تكية البكتاشية»، كان معداً فى الأصل للدراويش من العجم. (هذا الموضع المذكور تحول إلى زاوية صغيرة باسم «جامع الشيخ العبيط» التى حل محلها «جامع عمر مكرم» فيما بعد).
أما «السبع سواقى» فتقع إلى الجنوب من فُم الخليج، قناة أو مجرى صناعى، تعمل على إيصال مياه النيل إلى القلعة. تبدأ هذه القناة من خلال مبنى سداسى الشكل، يرتفع حوالى ستين أو سبعين قدماً، يدعى «السبع سواقى»، وإن كان لا يحتوى إلا على ست فقط من تلك الآلات التى تقوم برفع المياه إلى أعلى القناة. ويبلغ طول هذه القناة من موقعها حتى القلعة حوالى ميلين. وأقيم المجرى ومعها السواقى بواسطة السلطان الغورى. وإلى الجنوب من المجرى تقع مصر العتيقة، وتمتد على طول ضفة النيل لأكثر من ميل، حيث تقع المنازل الرئيسية صوب النيل وجزيرة الروضة، التى سميت بهذا الاسم لكثرة مزارعها، وكانت الروضة قديماً محاطة بسور له أبراج، دمرها عمرو بن العاص حين أخذ الجزيرة من قوات الحاكم الرومانى. ومصر العتيقة هى بلدة صغيرة، تمتد فى غير نظام، وهى لا تحتل سوى جزء صغير جداً من الفسطاط، ومن أهم جوامعها «جامع عمرو» الذى يُطلق عليه «الجامع العتيق» و«تاج الجوامع»، لكونه أول جامع أقيم فى مصر.
__________________
الحمد لله في السراء والضراء .. الحمد لله في المنع والعطاء .. الحمد لله في اليسر والبلاء


Save
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
القاهرة فى منتصف القرن التاسع عشر ،بقلم الأديب الكبير، مكاوي سعيد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
تحميل صور من شمالي جزيرة العرب في منتصف القرن التاسع عشر ، جورج أوغست فالين ، pdf معرفتي كتب السيرة الذاتية والرحلات 2 August 15, 2020 10:52 AM
صدر حديثا كتاب "أحوال العباد" للكاتب الكبير مكاوى سعيد FARES_MASRY الأخبار الثقافية وعروض الكتب 1 December 8, 2013 09:08 PM
تاريخ أوربا الحديث في القرن التاسع عشر مكتبة التاريخ كتب التاريخ و الاجتماعيات 6 April 19, 2012 01:36 AM
تحميل كتاب الضوء اللامع لأهل القرن التاسع وردة الثلج كتب منوعه و أخرى 0 December 3, 2011 04:47 PM
ممكن كتاب أو حتى لو معلومات عن القرن التاسع عشر عنزية أرشيف طلبات الكتب 3 December 11, 2008 10:04 PM


الساعة الآن 12:05 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر