فيسبوك تويتر RSS


  #1  
قديم August 30, 2016, 06:58 AM
 
فامشوا في مناكبها

فَائِدَة جليلة قَوْله تَعَالَى
{هُوَ الَّذِي جعل لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النشور} أخبر سُبْحَانَهُ أَنه جعل الأَرْض ذلولا منقادة للْوَطْء عَلَيْهَا وحفرها وشقّها وَالْبناء عَلَيْهَا وَلم يَجْعَلهَا مستصعبة ممتنعة على من أَرَادَ ذَلِك مِنْهَا وَأخْبر سُبْحَانَهُ أَنه جعلهَا مهادا وفراشا وبساطا وقرارا وكفاتا وَأخْبر أَنه دحاها وطحاها وَأخرج مِنْهَا ماءها ومرعاها وثبَّتها بالجبال ونهج فِيهَا الفجاج والطرق وأجرى فِيهَا الْأَنْهَار والعيون وَبَارك فِيهَا وقدّر فِيهَا أقواتها وَمن بركتها أَن الْحَيَوَانَات كلهَا وأرزاقها وأقواتها تخرج مِنْهَا وَمن بركاتها أَنَّك تودع فِيهَا الْحبّ فتخرجه لَك أَضْعَاف أَضْعَاف مَا كَانَ وَمن بركاتها أَنَّهَا تحمل الْأَذَى على ظهرهَا وَتخرج لَك من بَطنهَا أحسن الْأَشْيَاء وأنفعها فتوارى مِنْهُ كل قَبِيح وَتخرج لَهُ كل مليح وَمن بركتها أَنَّهَا تستر قبائح العَبْد وفضلات بدنه وتواريها وتضمّه وتؤويه وَتخرج لَهُ طَعَامه وَشَرَابه فَهِيَ أحمل شَيْء للأذى وأعوده بالنفع فَلَا كَانَ من التُّرَاب خير مِنْهُ وَأبْعد من الْأَذَى وَأقرب إِلَى الْخَيْر
وَالْمَقْصُود أَنه سُبْحَانَهُ جعل لنا الأَرْض كَالْجمَلِ الذلول الَّذِي كَيْفَمَا يُقَاد ينقاد وَحسن التَّعْبِير بمناكبها عَن طرقها وفجاجها لما تقدّم من وصفهَا بِكَوْنِهَا ذلولا فالماشي عَلَيْهَا يطَأ على مناكبها وَهُوَ أَعلَى شَيْء فِيهَا وَلِهَذَا فسرت المناكب بِالْجَبَلِ كمناكب الْإِنْسَان وَهِي أعاليه قَالُوا وَذَلِكَ تَنْبِيه على أَن الْمَشْي فِي سهولها أيسر وَقَالَت طَائِفَة بل المناكب الجوانب والنواحي وَمِنْه مناكب الْإِنْسَان لجوانبه وَالَّذِي يظْهر أَن المُرَاد بالمناكب الأعالي وَهَذَا الْوَجْه الَّذِي يمشي عَلَيْهِ الْحَيَوَان هُوَ العالي من الأَرْض دون الْوَجْه الْمُقَابل لَهُ فان سطح الكرة أَعْلَاهَا وَالْمَشْي إِنَّمَا يَقع فِي سطحها وَحسن التَّعْبِير عَنهُ بالمناكب لما تقدّم من وصفهَا بِأَنَّهَا ذَلُول ثمَّ أَمرهم أَن يَأْكُلُوا من رزقه الَّذِي أودعهُ فِيهَا فذلّلها لَهُم ووطّأها وفتق فِيهَا السبل والطرق الَّتِي يَمْشُونَ فِيهَا وأودعها رزقهم فَذكر تهيئة الْمسكن للِانْتِفَاع والتقلب فِيهِ بالذهاب والمجيء وَالْأكل مِمَّا أودع فِيهَا للساكن ثمَّ نبّه بقوله وَإِلَيْهِ النُّشُورُ على أنّا فِي هَذَا الْمسكن غير مستوطنين وَلَا مقيمين بل دخلناه عابري سَبِيل فَلَا يحسن أَن نتخذه وطنا ومستقرّا وَإِنَّمَا دخلناه لنتزوّد مِنْهُ إِلَى دَار الْقَرار فَهُوَ منزل عبور لَا مُسْتَقر حبور ومعبر وممر لَا وَطن ومستقر فتضمّنت الْآيَة الدّلَالَة على ربوبيّته ووحدانيّته وَقدرته وحكمته ولطفه والتذكير بنعمه وإحسانه والتحذير من الركون إِلَى الدُّنْيَا واتخاذها وطنا ومستقرا بل نسرع فِيهَا السّير إِلَى دَاره وجنّته فَالله فِي مَا ضمن هَذِه الْآيَة من مَعْرفَته وتوحيده والتذكير بنعمه والحث على السّير إِلَيْهِ والاستعداد للقائه والقدوم عَلَيْهِ والإعلام بِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ يطوي هَذِه الدَّار كَأَن لم تكن وَأَنه يحي أَهلهَا بعد مَا أماتهم وَإِلَيْهِ النشور
##$
ابن القيم
من كتاب الفوائد
__________________
اللهم لا إله إلا أنت سبحانك
اللهم إنهم عبيدك و أبناء عبيدك
أهلي في سوريا خذ بيدهم و ارحمهم من هذه الفتن ، و انشر السلام و الأمن في ديارهم
يا رب نصرك ، يا رب نصرك ، يا رب نصرك
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع



الساعة الآن 08:21 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر