فيسبوك تويتر RSS


  #1  
قديم July 23, 2016, 03:04 AM
 
Smile إسكندرية الخراط

إسكندرية الخراط



رسائل نشرت في احتفالية المجلس الأعلى للثقافة بسبعينية إدوار الخراط سنة 1996

رسالة من إلياس خورى – لبنان
بين الإسكندرية وبيروت تقع مسافات من الذكرى والحنين والماضى الذى انقضى.
مدينتان على حافة المتوسط الشرقى عرفتا بهاء المدن وانحدارها، جمال أن تكون مشرقا، وذلك العصف الذى يجعل من مشرقيتك مركزا لعالم قديم يتهاوى.
المدى الكوزموبوليتى الذى عرفته الإسكندرية فى نسيجها الداخلى، وفى تركيبتها السكانية والثقافية، حولها إلى مدينة فيها أسطورة الأدب والمدى الكوزموبوليتى فى بيروت،وهو يفد إليها بعد خراب حيفا وضمور الإسكندرية، حولها إلى أسطورة الحرب وصنع لها أدبا من فتات الأرواح ومزق الأجساد.
ننظر من بيروت إلى الإسكندرية اليوم لنرى هذا المدى المشرقى وقد تهاوى تحت ضربات الغزو الخارجى والتحولات الداخلية، عجز الشرق عن أن يحتفظ بمدنه الكبرى فتركها لمصائرها، والمدن أيضا لها مصائر، والمدن أيضا تخاف، والمدن أيضا تموت.
من بيروت أرى الإسكندرية وهى تتشكل اليوم فى قلم واحد من أبنائها هى.
أراها تتخذ لنفسها اسم إدوار الخراط، تأخذه بذراعيها المكتهلتين بالتاريخ والمآسى وتُدخله إلى ذاكرتها الغنية بإسهام من كتبوها.
إدوار الخراط ليس كاتب الإسكندرية لأنه روى لنا عن ترابها الزعفران، فالخراط لم يكتب حكاية الإسكندرية، كتب الحكايات والحكايات ما كانت لتأتى إلا لأنها من هناك، من أرض سحرها ناسها روحها تعدديُتها، جمالها يكمن فى ذلك التزاوج العجيب بين ناسها المختلفى المشارب والثقافات والأديان.
يأتى الخراط إلى هذه النكهة ببيانه العربى وسحر البيان فى ألا يكشف نفسه، يأتيها بهذا المزج العجيب بين أقصى الحداثة، وأقصى البحث فى لغة الجذور. لتأتى رواياته وكأنها مقاطع من الأشياء والأحاسيس المتداخلة، وهى ترسم صور الأشياء وتمحوها وتعيد رسمها من جديد.
إنه الشعر، إنها الرواية.
اللغة العربية تنساب إلى سحرها الخرافى ولا تبقى أسيرته. تأخذ اللغة شكل الأعماق وهى تنفجر فى الداخل، فتكون أمام وصف الأشياء تارة، وأمام لغة هذا الوصف تارة أخرى، ونعيش بين الكلمة والكلمة، كأننا نبحث عن شعر ضاع وسط نثر الحياة وهمومها وتداعياتها.
من ميخائيل إلى ميخائيل، رجل واحد فى رجال لا يحصون، وكتابة واحدة فى كتابات تتعدد كأنها تتوالد من نفسها، وتتعجن فى سرها، وتتحول متوالية روائية، تحكى وتحكى، كى ينفتح الكلام على الكلام وتولد الأشياء من الأشياء.
حين يكرم هذا الملتقى إدوار الخراط، فإنه يُكرمنا جميعا، لأنه يكرم الإسكندرية وهى تكتب بلسانها العربى، ويكرم التجربة الأدبية الجديدة التى تقف اليوم على مشارف الأسئلة، ويكرم الرواية بوصفها فن الحرية والمستقبل والبحث، ويكرم الأدب بوصفه مختبرا لغويا يعيد صنع المادة الأولى التى تشكل الروح وتقيم التواصل فى حاضرنا، وتربط بين هذا الحاضر والماضى.
يكرم فكرة أن يقيم الكاتب فى منطقة الإبداع، أى فى منطقة الخطر الكبرى، حيث كل شىء معرض للاندثار، وحيث يصبح الكاتب جزءا من لعبة الكتابة.
يكرم فكرة الحرية، فكرة أن نقول الأشياء ونبحث عنها ونجدها.
لهذا الرجل المتلبك اليوم بحبنا، نقول حبنا من جديد، ونشكره لأنه كتب ويكتب وهو يعلم أن ما كتبه لم يعد ملكا له، وأن اسم الكاتب ليس أكثر من عنوانى فرعى لحكاية كبرى سوف تندغم فى حكايات جديدة.
فإدوار الخراط يعلم أن الكاتب هو أقل أبطاله بطولة، وأن بطولته هى فى أن يمحو اسمه داخل الأسماء، ونتذكر الكاتب، ونقول له كم كانت كلماته لحظات تضىء لنا ليل البحث عن الكلمات.
__________________
الحمد لله في السراء والضراء .. الحمد لله في المنع والعطاء .. الحمد لله في اليسر والبلاء


Save
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الهبة والموهبة, إدوار الخراط.

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
وداعا. . إدوار الخراط المخلص للغة والمحب للحياة معرفتي الأخبار الثقافية وعروض الكتب 0 December 1, 2015 02:37 PM
إدوار الخراط , إختناقات العشق والصباح , قصص , حصريا من معرفتي معرفتي كتب الادب العربي و الغربي 6 March 31, 2014 05:16 PM
إدوار الخراط ،أمواج الليالي ، متتالية قصصية معرفتي الروايات والقصص العربية 6 November 27, 2011 07:56 PM
النظام الطاغوتي في الجزائر يصف الهبة الجماهيرية بأنها أعمال إجرامية eyouba قناة الاخبار اليومية 1 January 16, 2011 06:36 PM


الساعة الآن 02:56 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر