فيسبوك تويتر RSS



العودة   مجلة الإبتسامة > الحياة الاجتماعية > نبض مواطن

نبض مواطن أخبار و مقالات و عواميد صحف يوميه, صور كاريكاتوريه تحكي واقع الوطن والمواطن

الإهداءات



 
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم December 14, 2014, 09:05 AM
 
المناضل خالد أبو زكي الأسدي

صفحات من حياة الفارس المجاهد والمربي الزاهد
المناضل خالد أبو زكي الأسدي

كاظم فنجان الحمامي

كان رحمه الله مناضلا شهماً عنيداً شفافاً صادقاً. يدرك بأن المناضلين عندما يتهافتون على المواقع السلطوية الدنيوية، ويتحولون إلى سياسيين محترفين سيتعاملون مع الحياة كما يتعامل التجار في أسواق الربح والخسارة.
كان مثالا يُحتذى به في صدق النضال وقوة المثابرة وشدة البأس على من طغى وتجبر. كان صوتاً يصدح بالحق وقلماً يضرب بشدة على الظلمة والطغاة والمفسدين رغم قسوة الغربة وآلام الأمراض المزمنة.
أحب الشعب العراقي ونذر نفسه للدفاع عنه وعن قضاياه العادلة. عرفته ساحات النضال وميادينها، فكان يتقدم الصفوف بجرأته المعهودة. كانت راية الجهاد لا تفارق قبضته. يلوح بها عالياً. معلناً تحديه للأنظمة الفاسدة. لم يقبل المساومة على مبادئه، ولم يتنازل عن مواقفه الرافضة لحكم الظلمة.
كان رحمه الله مربياً فاضلاً، سباقاً لعمل الخير، مؤمناً تقياً يخاف الله ويخشاه، تواقاً ليوم العودة إلى العراق الذي طالما تغنى بحبه، متفائلاً بالفرج القريب. يسعى جاهداً للعمل من أجل تقريب يوم اللقاء. كان الهم العراقي شاغله ليلاً نهاراً.
ولد الحاج خالد ﭼلوب عباس الأسدي (أبو زكي) في مدينة البصرة عام 1951 لأسرة فقيرة متدينة. أمضى طفولته في منطقة العشار، في محلة صغيرة تدعى(أم الدجاج). أنهى فيها دراسته الابتدائية والمتوسطة. له شقيقتان إحداهما اكبر منه سناً، والأخرى اصغر منه. توفيت قبل وفاته بسنتين في حادث سير. عانى والده من مرض مزمن منذ أيام طفولته، ما اضطر والدته أن تأخذ على عاتقها مهمة إعالة أطفالها، فكانت تبيع الفاكهة في كشك صغير في سوق شعبية.
انتقلت أسرته من (العشار) إلى ضواحي (المعقل) عام 1968، وعلى وجه التحديد إلى (خمسميل). تأخر خالد في دراسته مدة سنه بسبب مرضه البلهاريزيا ومضاعفاتها، التي أدت إلى تكلس المثانة وتضخم الكليتين.
التحق بإعدادية المعقل عام 1969، فتعرف فيها على مجموعة من الأصدقاء الملتزمين بآداب الإسلام وأخلاق المؤمنين، فتأثر بهم وارتبط معهم بروابط تنظيمية قادته إلى العمل الإسلامي الدءوب، وفتحت أمامه آفاق الكتابات الأدبية، فكان من رواد القصة القصيرة، مواظباً على المشاركة الفاعلة في المؤتمرات الأدبية والمنتديات الشعرية، ناهيك عن شغفه بالسفرات والرحلات الطلابية.
دخل معهد إعداد المعلمين في البصرة عام 1972 وكانت أمنيته أن يكون معلماً ومربياً. فانظم في المعهد إلى الحركة الإسلامية، فتوسعت مداركه الفكرية وتحسنت مؤهلاته القيادية، فعمل بصمت من دون أن ترصده عيون المخبرين والوصوليين، وانصرف للتوعية الإسلامية ومقارعة النظام البائد من دون أن تلتفت إليه السلطة الحاكمة.
تخرج في معهد إعداد المعلمين عام 1974، والتحق بسلك التعليم في مدرسة (الاتحاد) الابتدائية في ناحية طلحه (قضاء القرنة). كان يذهب صباحاً بسيارة مؤجرة مع مجموعة من رفاقه. ينطلقون يومياً من (مفرق الكزيزة)، ويعودون بعد الظهر إلى منطقة (خمسميل). كان يستغل أوقات الذهاب والإياب في المطارحات الإسلامية والمناقشات الفكرية والحوارات الأدبية مع رفاقه. ترك الراحل (أبو زكي) بصماته الواضحة على تلاميذه وعلى أهاليهم لما كان يتمتع به من خصال رائعة وأخلاق عاليه.
تعرض للاعتقال عام 1976 وأودع سجن الفضيلية في بغداد لمدة ثلاث سنوات بتهمة الانتماء إلى التنظيمات الإسلامية، فالتقى خلف قضبان السجن مع رواد الحركات الإسلامية، فعمل معهم في السر. كانت تلك الحقبة على الرغم من صعوبتها ومرارتها وآلامها من المراحل الانتقالية المؤثرة في صقل مواهبه الرسالية والحركية.
أفرجوا عنه عام 1979 بعد شموله بالعفو العام، فعاد لمزاولة عمله كمعلم، وتعمق في نشاطاته الإسلامية. لم ينقطع عن التوعية والتبليغ، ولم ينقطع عن التنظيم الحركي، ولم ترهبه سنوات السجن والتعذيب في الأقبية المظلمة.
غادر العراق في نيسان 1980 بعد أن ضيقوا عليه الخناق وعلى إخوته العاملين في سبيل الله، ففتح صفحة جديدة من صفحات النشاط الإسلامي الحركي والتوعوي بعيدا عن أعين السلطة الجائرة. كان من أشهر العاملين في مجالات التبليغ، فعقد المؤتمرات والندوات الفكرية. كان يكتب للإذاعة، ويتحدث عن شهداء الحركة الإسلامية ورفاقه في سوح النضال، وله مؤلفات كثيرة في صورة كتيبات مبسطة.
درس في الحوزة العلمية وتجاوز مرحلة ( المقدمات) وتخطى مرحلة (السطوح)، وتدرج في الدراسات الإسلامية العليا، التي أمضى فيها حوالي ست سنوات رغم انشغاله في العمل التثقيفي، وارتباطه بشرح وتدريس كتاب (المكاسب للشيخ مرتضى الأنصاري) لطلاب الحوزة.
الحاج (أبو زكي) متزوج من امرأتين: زوجته الأولى المرحومة (أم وليد)، وله منها خمس بنات وثلاثة أولاد. أكبرهم (وليد) الذي استشهد في العراق في انتفاضة 1991 عند الهجوم على مبنى المخابرات في منطقة الخندق بالبصرة مع مجموعه من المنتفضين ضد النظام الظالم. توفيت (أم وليد) في المهجر قبل وفاته بثلاث سنوات اثر تعرضها لجلطه دماغيه قاتله. أما زوجته الثانية (أم زكي) فقد تزوجها في المهجر عام 1981 وله منها ثلاثة أولاد وبنتان.
جمع (أبو زكي) كل صفات القيادة ومقوماتها. التزامٌ ديني وشجاعةٌ وثبات. نخوةٌ وشهامة، ولعلَّ لغتي المتواضعة لا تسعفني للتعبير عنه. وأرى بأن أي كلمة تُكتب في وصفه قليلةٌ أمام بطولاته وتضحياته.
كان بسيطاً مع البسطاء، عملاقاً مع الكبار. يتعامل بمرونة تامة مع كل الأعمار والمستويات. يحرص أشد الحرص على توعية المقاتلين في الجبهات. يكرس وقته كله لتوجيههم. يتجول في الخنادق الأمامية وأزيز الرصاص يدوي من حوله من دون أن يرفَّ له جفن. يتابع توصياته لمقاتليه. يوصيهم بالصلاة والصيام والصبر والثبات، والاتكال على الله. يذكرهم بالسيرة النبوية الشريفة، وغزوات النبي صلى الله عليه وسلم. تراه على المواجهات الحاسمة مقاتلاً شجاعاً لا يهاب المنية، ولا تكاد تميز بينه وبين أي المجاهدين من حوله، وذلك لأنه فرض نفسه قائداً ومعلماً، فكان تواضعه وشجاعته رأس ماله بين زملائه ورفاقه.
عاد بلهفة بعد سقوط النظام الظالم، والتقى الذين كانوا معه في الغربة، فلمس منهم الترحيب السطحي والوعود الزئبقية والمجاملات الفارغة، وهكذا خرج منهم بخُفَّي حُنين، واستعان على بلواه بالصبر والصلاة والدعاء. فعلى الرغم من معرفتهم المسبقة بنضاله الطويل وتضحياته الجسيمة كان التهميش من نصيبه. شأنه شأن أصحاب الكفاءات الذين استبعدتهم بلدوزرات التهميش وأدرِجوا في سجلات النسيان.
شعر (أبو زكي) بصدمة عابرة سرعان ما تجاوزها بحكمته ومرونته وقناعته بما يقدره له الله الواحد الأحد الفرد الصمد، فالرجل لم يكن من طلاب المناصب، ولا من الساعين نحو المراتب. لذا كان من الطبيعي أن يواجه المتعالين بصلابته الفولاذية وإيمانه المطلق بقضيته العادل.
كانت أمنيته أن يعود لسلك التعليم ليمارس هواياته التربوية والتوجيهية. فظل جليس الدار منطويا في صومعته حتى جاء اليوم الذي عاد فيه إلى التعليم كأي موظف عائد إلى موقعه بعد الفصل القسري. بيد أنه وجد نفسه مثقلاً بتراكمات الأمراض التي رافقته منذ طفولته، فكانت الإحالة إلى التقاعد هي المحطة النهائية التي رسمت مشواره الأخير، في الوقت الذي كان فيه أصحاب القصور الفارهة ينعمون بالامتيازات المالية السخية والخدمات الأميرية الباذخة.
عاش رحمه الله تحت وطأة الأمراض المستعصية، فكان ضعف القلب وفشل الكليتين وداء السكري هي المعاول التي أنهكته وأقعدته، لكنه ظل محتفظا بروحه المرحة وابتسامته التي لا تفارق طلعته البهية. اشتد عليه المرض وأصيب بأزمة قلبية حادة، وجلطة دماغية أفقدته القدرة على النطق. فلم ييأس ولم يتذمر. كان قلمه المرتعش هو اللسان المُعبِّر عن خلجاته، وهو صلة التفاهم المباشرة مع الأصحاب والأحباب. ظل محتفظا بفكر ثاقب وذاكرة قوية قلما تجدها عند من يتعرضون إلى مثل هذه الظروف الصحية القاهرة.
من المفارقات العجيبة أنه كان في أمس الحاجة للفحص والمعاينة والعلاج في مستشفيات البلدان المتقدمة. فكان أصدقاؤه في لندن على أهبة الاستعداد لتسخير طاقاتهم المادية والطبية في خدمته. بيد أن تسهيلات السفر لأغراض العلاج كانت متوقفة على التأشيرة التي ينبغي أن يقدمها له المتنفذون في العراق. أرسل لهم جواز سفره، فنسوه في أدراج مكاتبهم. أتصل بهم عشرات المرات، لكنهم كانوا في عالم آخر لا يمت بأي صلة بتلك الأيام الخوالي التي أمضاها معهم في نضاله القديم.
طالت المدة، وتعقدت الأمور. وتغيرت مواقف رفاق الأمس وتبدلت أخلاقهم وأمزجتهم، حتى جاء اليوم الذي انتقل فيه (أبو زكي) إلى العالم الآخر صباح يوم التاسع والعشرين من شهر أيلول (سبتمبر) من هذا العام (2014). أثر إصابته بجلطة دماغية مميتة لم تمهله طويلا.
سوف يفتقدك العراق يا أبا زكي، ويفتقدك الفقراء والبسطاء الذين ضحيت من أجلهم. لن ينساك هؤلاء أبداً أيها العزيز الغالي، وسيقتفون أثرك خطوة خطوة حتى يتحرر العراق نهائياً من بؤر الفساد، وحتى يتخلص من خلايا الإرهاب، وحتى تتحقق أمانيك كلها في عراق حر مستقل موحد آمن مستقر بإذن الله.
حزينةً هي البصرة يا أبا الوليد. حزينة على فراقك يا أخي وصديقي وزميلي. تبكي رحيل معلماً رائداً مقداماً. تبكي ابنها البار. تبكي مناضلاً قلَّ نظيره في هذا الزمن. ولا نقول إلا ما يرضي الله. حسبنا الله ونعم الوكيل. رحمك الله يا أبا زكي، وأسكنك فسيح جناته، وتجاوز عنا وعنك. اللهم اجعل جنان الخُلد منزله مع نبي الهدى وآل بيته الأطهار عليهم السلام.

الصور المصغرة للصور المرفقة
اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	22.JPG‏
المشاهدات:	11
الحجـــم:	60.4 كيلوبايت
الرقم:	13197   اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	33.JPG‏
المشاهدات:	10
الحجـــم:	109.8 كيلوبايت
الرقم:	13198  

اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	55.JPG‏
المشاهدات:	9
الحجـــم:	83.3 كيلوبايت
الرقم:	13199   اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	أبو زكي.JPG‏
المشاهدات:	11
الحجـــم:	47.3 كيلوبايت
الرقم:	13200  

 

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أبو الأعلى المودودي ... الداعية المناضل الأمل القادم شخصيات عربية 4 January 17, 2012 08:05 PM
المناضل الشهيد...فرحات حشاد . سلمى فاروق شخصيات عربية 2 April 2, 2011 12:37 PM
25 خسارة لمن لم يصلي في المسجد ذكرها الدكتور الشيخ خالد الجبير !! عزف الغروب النصح و التوعيه 0 July 1, 2009 12:33 AM
المناضل((تشى جيفارا))مقتطفات من حياته ...!!! نورا2009 شخصيات اجنبية 5 January 22, 2008 09:44 PM


الساعة الآن 08:45 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر