فيسبوك تويتر RSS



العودة   مجلة الإبتسامة > الروايات والقصص > روايات و قصص منشورة ومنقولة

روايات و قصص منشورة ومنقولة تحميل روايات و قصص منوعة لمجموعة مميزة من الكتاب و الكاتبات المنشورة إلكترونيا



إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم June 15, 2014, 04:58 PM
 
تحميل رواية بائعة الورد لغابريل غارسيا ماركيز

تحسست مينا طريقها في عتمة الفجر، و لبست ثوﺑﻬا القصير الأكمام الذي كانت قد علقته في الليلة الماضية قرب
الفراش، و جعلت تفتش في الصندوق الكبير عن الكمين المنفصلين الذين يكسوان الذراعين امتثا ً لا للواجب قبل
الذهاب إلى الكنيسة ... ثم بحثت عنهما فوق المسامير المعلقة على الحائط و خلف الأبواب، حريصة في كل ذلك ألا
تحدث أقل جلبة لكيلا توقظ جدﺗﻬما العمياء، التي كانت نائمة في نفس الغرفة ... و لكن ما أن اعتادت عيناها
العتمة، حتى لاحظت أن جدﺗﻬا قد ﻧﻬضت من الفراش، فذهبت إليها في المطبخ لكي تسألها عن الكمين .. فقالت
الجدة العمياء :
-هما في الحمام .. إنني غسلتهما أمس بعض الظهر ..
و فع ً لا وجدﺗﻬما في المطبخ، معلقين من سلك ممدود بمشبكين .. و لكنهما كانا لا يزالان مبتلين .. فعادت مينا ﺑﻬما
إلى المطبخ و بسطتهما فوق أحجار الموقد .. و كانت الجدة العمياء تقلب القهوة و قد سمرت حدقتي عينيها
الجامدتين على جدار الشرفة التي رصت فيها أصص الزهور مليئة بأعشاب طيبة ..
قالت لها مينا : لا تأخذي أشيائي مرة ثانية .. لا يمكنك هذه الأيام أن تتأكدي من طلوع الشمس ..
حركت المرأة العمياء وجهها نحو الصوت و قالت :
-إنني نسيت أن هذا يوم الجمعة الأول من أسبوع الفصح، موعد القداس ..
و بعد أن تأكدت الجدة بنفس قوي من فمها أن القهوة نضجت، رفعت الإناء عن الموقد، ثم قالت :
-ضعي قطعة من الورق تحت الكمين، لأن أحجار الموقد متسخة .
أجرت مينا أصابعها على أحجار الموقد .. فوجدها متسخة فع ً لا، و لكن بطبقة من السناج المتحجر الذي لا يمكن
أن يلوث الكمين إذا لم يحتكا بالأحجار .. على أﻧﻬا قالت لجدﺗﻬا :
-إذا اتسختا فستكونين أنت المسؤولة ..!
و ما لبثت الجدة العمياء أن صبت لنفسها قدحًا من القهوة، و قالت و هي تجذب مقعدًا شطر الشرفة :
-أنت غاضبة .. و من المحرم أن يذهب الانسان للقداس و هو غاضب ...
و جلست لشرب القهوة عن كثب من الزهور في الحوش .. و عندما انبعث رنين دقات الناقوس الأولى إيذانًا بموعد
القداس رفعت مينا الكمين عن الموقد، فكانا لا يزالان مبتلين .. بيد أﻧﻬا لبستهما .. فإن القس لا يرضى دخول أحد
إلى الكنيسة بثوب عاري الذراعين .. ثم مسحت آثار الأحمر من وجهها بمنشفة، و أخذت كتاب الصلاة و الشال
من غرفتها، و خرجت للشارع ...
و بعد ربع ساعة عادت أدراجها ...
فقالت الجدة العمياء و هي جالسة في مواجهة الزهور في الحوش :
-سوف تصلين إلى هناك بعد القراءة الأولى ..
أما مينا فقالت و هي تتجه إلى دورة المياه :
-لن أتمكن من الذهاب إلى القداس اليوم .. الأكمام مبتلة، و الثوب كله " مكركش .. "
و على الأثر شعرت بعينين فاهمتين تتبعاﻧﻬا ..
و ما لبثت العجوز أن هتفت : يوم الجمعة الأول و لا تذهبين للقداس ..!
و لما عادت مينا من دورة المياه صبت لنفسها قدحًا من القهوة و جلست في المدخل المطلي بالمصيص الأبيض عن
قرب من العجوز العمياء .. بيد أﻧﻬا لم تستطع أن تشرب القهوة .. و غمغمت في سخط كامن و هي تشعر بأﻧﻬا
توشك على الغرق في دموعها الحبيسة :
-أنت السبب ..!
فهتفت العجوز العمياء : أنت تبكين ..!
و أضافت و هي تمر قرب جدﺗﻬا بعد أن وضعت قدح القهوة على الأرضية : يجب أن تذهبي للاعتراف لأنك
جعلتني أضيع قداس يوم الجمعة الأول ..!
أما الجدة العجوز فقد لزمت مكاﻧﻬا جامدة تنتظر أن تغلق باب غرفة النوم .. و ما لبثت أن اتجهت إلى آخر الشرفة
ثم انحنت تتحسس حتى عثرت على قدح القهوة على الأرض غير مشروب .. فقالت و هي تسكب القهوة في الإناء
الخزفي :
-الله يعلم أن ضميري مستريح ..
و في هذه اللحظة خرجت أم مينا من غرفة النوم، و قالت للعجوز :
-مع من تتكلمين ؟ ..
فأجابت : مع نفسي !.. قلت لك قبل الآن انني في طريقي إلى الجنون ..!
و عندما احتجبت مينا في غرفتها فكت أزرار " المشد " و أخرجت ثلاثة مفاتيح صغيرة معلقة في مشبك .. ففتحت
بأحدها الدرج السفلي في " التواليت " و أجرت منه علبة متوسطة فتحتها بمفتاح آخر .. و من داخلها أخرجت
مجموعة خطابات مكتوبة على ورق ملون و مربوطة بحزام من المطاط .. فأخفت الخطابات داخل مشدها ثم أعادت
العلبة إلى مكاﻧﻬا و أغلقت الدرج .. و أخيرًا ذهبت إلى دورة المياه و ألقت بالرسائل في المرحاض ..
و لما رجعت مينا إلى المطبخ قالت لها أمها :
-حسبتك في الكنيسة ..
فتولت الجدة العمياء الرد قائلة : لم تتمكن من الذهاب .. أنا نسيت أن هذا يوم الجمعة الأول، و غسلت الأكمام
بعد ظهر أمس ..
فغمغمت مينا : اﻧﻬا لا تزال مبتلة ..
فقالت العجوز العمياء : انني أقوم بأعمال كثيرة هذه الأيام ..
و قالت مينا : و أنا مطالبة بتسليم مائة و خمسين " دستة " ورد لمناسبة عيد الفصح ..
و لم تلبث حرارة الشمس أن تزايدت مبكرًا .. و قبل الساعة السابعة كانت مينا قد أعدت " مشغل الورد
الصناعي " في غرفة المعيشة : سلة مليئة بأوراق الورد، و لفافة سلك، و علبة من ورق الكريب، و مقصان، و بكرة
خيط، و إناء به غراء.. و بعد برهة جاءت ترينيداد التلميذة المترهبة في الكنيسة تحمل علبة كرتون تحت إبطها، و
سألتها على الفور لم ْ لم تذهب لحضور القداس .. فأجابت مينا :
-لم تكن الأكمام جاهزة ..
فقالت ترينيداد : كان يمكن استعارة كمين من أي أحد ..
و جذبت كرسيًا و جلست قرب سلة أوراق الورد .. فقالت مينا :
-وجدتني متأخرة كثيرًا ..
و فرغت من صنع وردة .. فوضعت ترينيداد علبة الكرتون على الأرض و اشتركت في العمل .. فنظرت مينا إلى
العلبة قائلة :
-هل اشتريتِ حذاءً جديدًا ؟
فأجابت ترينيداد : هي فئران ميتة ..
و لما كانت ترينيداد ماهرة في تركيب أوراق الورد، فقد تفرغت مينا لعمل سيقان من السلك مغلفة بورق أخضر
.. و ظلت كلتاهما تعمل في صمت دون أن تلاحظا تقدم الشمس في غرفة المعيشة، التي كانت مزخرفة بصور تزينية
و عائلية .. و عندما تفرغت مينا من صنع السيقان تحولت إلى ترينيداد بنظرة تفيض أسى، فكفت هذه عن العمل و
قالت لها :
-ماذا جرى ؟
فمالت مينا نحوها و قالت : إنه رحل ..!
فألقت ترينيداد المقص في حجرها قائلة : لا ... لا تقولي هذا !؟؟
فكررت مينا كلماﺗﻬا قائلة : إنه رحل ..!
فحدقت ترينيداد فيها طوي ً لا، و قالت مقطبة : و الآن ؟ ..
فأجابت مينا بصوت ثابت : الآن لا شيء ..
و قبيل الساعة العاشرة تأهبت ترينيداد للانصراف، فاستمهلتها مينا لكي تلقي الفئران في المرحاض، و في طريقها
مرت بالعجوز العمياء التي كانت تستقي الزهور في الأصص، فقالت لها مينا :
-أراهن أنك لن تعرفي ما بداخل هذه العلبة ..
و هزت العلبة بالفئران ... فأرهفت العجوز حواسها، قائلة :
-هزيها مرة ثانية ...
فكررت مينا العملية ,بيد أن العجوز لم تستطع أن تتعرف على ما بداخل العلبة رغم هزها مرة ثالثة، فقالت مينا :
-هي الفئران التي وقعت في المصيدة في الكنيسة الليلة الفائتة .
و عندما عادت أدراجها مرت بجانب الجدة العمياء دون أن تكلمها .. بيد أن العجوز تبعتها إلى غرفة المعيشة لكي
تستكمل مينا عملية الورد الصناعي، و قالت لها :
-يا مينا .. إذا أردت أن تكوني سعيدة، فلا تعترفي بشيء لشخص غريب عنك ..
تطلعت إليها مينا دون أن تتكلم .. فجلست الجدة العجوز في المقعد المواجه لها محاولة أن تساعدها في العمل . بيد
أن مينا استوقفتها ..
فقالت الجدة العمياء : أنت عصبية .. لماذا لم تذهبي إلى القداس ؟ ..
-أنت تعرفين السبب أكثر من غيرك ..
فقالت العجوز العمياء : لو كان السبب الأكمام، لما فكرت في الخروج من البيت .. هناك شخص كان ينتظرك في
الطريق، و هو الذي سبب لك الشعور بخيبة الأمل ..
مرت مينا بيديها أمام عيني جدﺗﻬا، كأنما تمسح لوحًا غير مرئي من الزجاج، و قالت :
-أنت ساحرة ..!
فقالت المرأة العمياء : إنك ذهبت إلى دورة المياه مرتين هذا الصباح .. و أنت لا تذهبين دائمًا أكثر من مرة ..
استمرت مينا في استكمال الورد الصناعي، بينما عادت العجوز تقول :
-هل تجسرين على أن تريني ما تخفينه في درج "التواليت" ؟ ..
فتركت مينا الوردة التي بيدها متمهلة و أخرجت المفاتيح الثلاثة الصغيرة من مشدها و وضعتها في يد العجوز قائلة
:
-اذهبي و انظري بعينيك ...
فجعلت العجوز تفحص المفاتيح بأناملها، و قالت :
-إن عيني لا يمكنها الرؤية في قاع المرحاض ..!
رفعت مينا رأسها، و عندئذ اعتراها إحساس مختلف .. فقد شعرت أن الجدة العمياء عرفت اﻧﻬا تتطلع إليها .. و
لهذا قالت لها :
-انزلي في المرحاض إذا كان ما افعله يهمك إلى هذه الدرجة ..!
تجاهلت الجدة العجوز هذا الرد اللاذع، و قالت :
-أنت دائمًا تجلسين في الفراش و تكتبين حتى الصباح المبكر ..
فقالت مينا : أنت نفسك تطفئين النور قبل النوم ..
فعاجلتها العمياء قائلة : و في الحال تنيرين أنت بطاريتك .. و بإمكاني أن أعرف أنك تكتبين، من صوت انفاسك ..
بذلت مينا جهدًا للاحتفاظ ﺑﻬدوئها، و قالت دون أن ترفع رأسها :
-جميل .. و لنفرض أن هذا هو ما يحدث، فما هو الغريب في ذلك ؟ ..
فردت العجوز قائلة : لا شيء .. إلا أن هذا أضاع منك حضور قداس يوم الجمعة الأول ..
و عند هذا الحد حملت مينا بكلتي يديها بكرة الخيط و المقصين و كومة من الورود التي لم تتم، و ألقت ﺑﻬا جميعًا في
السلة، ثم واجهت الجدة العمياء قائلة :
-هل تحبين أن أقول لك مالذي ذهبت لكي أفعله في المرحاض ؟
و ظلت الإثنتان متحفزتين إلى أن تولت مينا الرد بنفسها، قائلة :
-ذهبت لكي آتي ببعض المخلفات ..!
و عندئذ طوحت الجدة العمياء بالمفاتيح الصغيرة في السلة ,و غمغمت قائلة و هي تتجه إلى المطبخ :
-كان يمكن أن يكون سببًا لا بأس به، و كان يمكن أن تقنعيني لولا أﻧﻬا المرة الأولى في حياتك التي سمعتك فيها
تشتمين ..!
و في هذه اللحظة كانت أم مينا آتية في الممشى من الناحية المقابلة محتضنة كومة من الورود الشائكة ، و قالت :
-ماذا جرى ؟ ..
فتولت الجدة العمياء الرد قائلة :
-إنني جننت .. لكن الظاهر أنكم لا تفكرون في إرسالي إلى مستشفى اﻟﻤﺠانين طالما لا أرمي أحدًا بالحجارة..!


رد مع اقتباس
  #2  
قديم June 21, 2014, 06:11 AM
 
رد: تحميل رواية بائعة الورد لغابريل غارسيا ماركيز

الاسلام عليكم
كيف يمكنني ان احمل تتمة القصة ،
مع احترامي
رد مع اقتباس
  #3  
قديم July 28, 2014, 06:52 PM
 
رد: تحميل رواية بائعة الورد لغابريل غارسيا ماركيز

مشكور
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
تحميل كتاب سيرة حياة غابرييل غارسيا ماركيز جيرالد مارتن زيـــن العـآبديـن كتب السيرة الذاتية والرحلات 80 May 2, 2014 06:16 PM
مائة عام من العزلة - رائعة غابرييل غارسيا ماركيز advocate الروايات والقصص المترجمة 59 March 11, 2013 03:03 AM
تحميل كتاب الحب في زمن الكوليرا لـ غابرييل غارسيا ماركيز رومانسيه adilelkir الروايات والقصص المترجمة 9 March 21, 2012 12:57 AM
الحب وشياطين اخرى -غابرييل غارسيا ماركيز advocate كتب الادب العربي و الغربي 22 November 29, 2008 05:39 PM


الساعة الآن 12:07 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر