فيسبوك تويتر RSS



العودة   مجلة الإبتسامة > الروايات والقصص > روايات و قصص منشورة ومنقولة

روايات و قصص منشورة ومنقولة تحميل روايات و قصص منوعة لمجموعة مميزة من الكتاب و الكاتبات المنشورة إلكترونيا



إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم June 15, 2014, 04:50 PM
 
تحليل كتاب إشكالية المنهج في الدراسات الإنسانية والأدبية


إشكالية المنهج في الدراسات الإنسانية والأدبية
علي صديقي *
كاتب وباحث من المغرب
هناك شبه إجماع بين الباحثين ومؤرخي العلوم على أن العلوم الإنسانية قد نشأت في القرن التاسع عشر([1]) حينما بدأت هذه العلوم في الاستقلال، غير أن شبه الإجماع هذا، حول النشأة، يقابله خلاف بين العلماء وفلاسفة العلم حول طبيعة المنهج في هذه العلوم. ولهذا يمكن القول إن العلوم الإنسانية قد نشأت نشأة غير مكتملة؛ فهي وإن استطاعت تحديد موضوعها وحصره، فإنها لم تستطع خلق منهج يلائم طبيعة موضوعها.
إذا، فالإشكال المنهجي في العلوم الإنسانية حديث، يعود بالأساس إلى القرن التاسع عشر؛ وهو القرن الذي كان فيه المنهج الاستنباطي في العلوم الرياضية، والمنهج الاستقرائي في العلوم الطبيعية قد بلغا غايتهما في النضج واستكمال سيطرتهما على كافة الميادين، وهو ما وضع هذه العلوم أمام خيارين:
1- إما أن تجد لنفسها منهجا يلائم طبيعتها لا هو استنباطي ولا هو استقرائي.
2- وإما أن تحاول تبني هذين المنهجين وتطبيقهما على دراساتها. وفي كلتا الحالتين كانت النتائج مؤلمة: "ففي الحالة الأولى تباينت مناهج الدراسات الإنسانية بين المنهج الاستردادي في التاريخ، إلى منهج التحليل النفسي في علم النفس، إلى منهج الملاحظة المشاركة في الأنتروبولوجيا، إلى منهج تأملي ذاتي في الفلسفة... وهكذا، والنتيجة أننا لسنا أمام منهج واحد. وفي الثانية حصلت الطامة الكبرى: تحويل الإنسان إلى مجرد رقم أو عدد أو قضية أولية أو ثانوية مما يمكن إخضاعه لمنهج استنباطي، أو إحالة الإنسان إلى مادة من مواد الطبيعة لمنهج استقرائي."([2])
لقد شهدت العلوم الفيزيائية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر تطورا كبيرا، وبلغت مستوى من التقدم لم تبلغه من قبل. ونتيجة لذلك، أصبحت الفيزياء نموذجا معرفيا، وسلطة مرجعية لباقي العلوم سواء كانت طبيعية أم إنسانية. يقول محمد عابد الجابري: "يمكن القول بصفة عامة إن الفكر العلمي بمختلف جوانبه ومنازعه – وكذا الفكر الفلسفي- قد بقي، طوال القرنين الماضيين، يتحرك داخل البنيان الذي شيده نيوتن، وذلك إلى درجة أن الأفكار والنظريات العلمية التي ظهرت خلال المدة المذكورة، لم تكن تقبل، أو على الأقل لم يكن ينظر إليها بعين الارتياح والرضا، إلا إذا كانت مندرجة في النظام العام الذي أقامه صاحب نظرية الجاذبية."([3])
وهكذا اعتبر المنهج العلمي الذي نشأ مع هذه العلوم نموذجا للتفكير العلمي ومعيارا تقاس به علمية العلوم حتى عندما يتعلق الأمر بموضوعات أخرى غير موضوعات الفيزياء، وهذا ما جعل أحد علماء البيولوجيا المعاصرين يعتبر هذه السيطرة لنموذج الفيزياء "أكبر سقطة لفلسفة العلم منذ نشأتها حتى وقت قريب"، ذلك أن اتخاذ الفيزياء نموذجا للعلم، جعل "ما يسمى «فلسفة العلم» مجرد فلسفة للعلوم الفيزيائية"([4]). ولذلك، فقد انصب عمل ماير، في هذا الكتاب، على إبراز الفرق بين البيولوجيا والفيزياء، وهو عمل يتوجه به إلى زملائه البيولوجيين الذين سيطرت عليهم مفاهيم الفيزياء. يقول إرنست ماير، موضحا الفرق بين البيولوجيا والفيزياء:" وبوضوح أكثر فأكثر، بدأت أرى أن «البيولوجيا» نوع من العلوم يختلف تماما عن العلوم الفيزيائية، وهذا الاختلاف الجذري يشمل مادة موضوعاته، وتاريخه، ووسائل تحصيله وفلسفته. ففي الوقت الذي نرى فيه كل العمليات الحيوية متوائمة مع قوانين الفيزياء والكيمياء، يتعذر إخضاع الكائنات الحية لهذه القوانين «الفيزيو كيماوية»، كما أن العلوم الفيزيائية قد ظلت عاجزة عن التعامل مع جوانب كثيرة من الطبيعة كانت مقتصرة على عالم الأحياء."([5])
ويخلص ماير من حديثه عن الخصائص المميزة للحياة، والتي تجعل البيولوجيا تختلف جذريا عن الفيزياء لاختلاف مادة موضوعاتهما، ومن كشفه عن قصور نموذج الفيزياء في التعامل مع الكائنات الحية، إلى أنه ليس هناك ما "يبرر اعتبار الفيزياء مثالا نموذجيا للعلم كما ينبغي أن يكون لمجرد أنها كانت أسبق العلوم إلى استيفاء مقومات العلم؛ فهذه الحقيقة التاريخية لا تجعلها أكثر «عالمية» من الأخير الأصغر وهو البيولوجيا."([6])
ولم يتوقف تأثير النموذج الفيزيائي عند حد البيولوجيا، بل امتد ليفرض هيمنته على مختلف المجالات: على الطب والفلسفة واللاهوت والأخلاق، بل وعلى الفنون والآداب.([7])
وفي مجال العلوم الاجتماعية، تأثر أوجست كونت (A. Comte) بفيزياء نيوتن، واستمد منها فلسفته الوضعية التي حاول أن يرسي علم الاجتماع على أساسها، ذلك أن إصرار نيوتن على ضرورة تأييد التجربة لأي فرضية للتأكد من صدقها وصحتها، جعله قريبا من الوضعيين الذين كثيرا ما عبروا عن انتمائه إليهم، بل "إن أوجست كونت كان يتخذ من قانون الجاذبية الذي قال به نيوتن، نموذجا لما يجب أن يكون عليه التفكير الموضعي (الوضعي)."([8])
لقد سادت القرن التاسع عشر نزعة علموية وثوقية، تعتقد بإمكانية تفسير كل الظواهر باختلاف أنواعها، والتي ظلت دون تفسير حتى ذلك الوقت. وخضع مفكرو هذا العصر وفلاسفته لسيطرة نموذج فيزياء نيوتن القائم على التجربة، وتم تعميم أسس المنهج الوضعي([9]) لتشمل العلوم الإنسانية... وكان من نتائج ذلك كله، أن تم اختزال الظواهر الإنسانية في جوانبها الحسية والفيزيقية، وإسقاط كل ما هو متجاوز ومتعال وغيبي من هذا الوجود، حتى إنه لم يعد هناك فرق بين الظاهرة الإنسانية والظاهرة الطبيعية. كما تم فصل العلم عن كل قيمة أخلاقية، واكتفي بطرح سؤال الوسائل دون سؤال الأهداف والغايات، ذلك أن "الحالة الوضعية تقوم أساسا على اعتبار الظواهر خاضعة للقوانين، وأن مهمة البحث العلمي هي العمل على الكشف عن هذه القوانين؛ أي بيان شروط وجود الظواهر، لا أسبابها الأولى والأخيرة. إن المهم والأساسي – في نظر أوجست كونت – هو بيان كيف يحدث الشيء، لا البحث في «لماذا يحدث»."([10])
إن هذه النتائج العكسية لتطبيق أسس المنهج الوضعي، المستمدة من العلوم الطبيعية، على الدراسات الإنسانية، دفعت عددا من العلماء وفلاسفة العلم إلى التنبيه على التباين الحاصل بين فروع هذين العلمين، وإلى وضع حدود فاصلة بينهما، لأن تجاهل ظاهرة الاختلاف و«اللاتجانس» هذه، القائمة بين المجالين، لا تؤدي فقط إلى كثرة المفاهيم الخاطئة، وإنما، أحيانا، إلى أوهام لا يمكن أن تتحقق بأي حال من الأحوال.
يكشف تاريخ العلوم عن صراع مستمر بين العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية، "إذ تدعي الأولى، بإصرار، أنها هي التي تبرر الثانية [تؤسسها]، بينما تضطر هذه إلى البحث عن مرتكزاتها وتبرير منهجياتها خارج كل النزعات النفساوية والسوسيولوجية والتاريخوية، وتطهير تاريخها من جرثومة هذه النزعات جميعها"([11]).
فإذا كانت العلوم الطبيعية تسعى إلى صياغة قوانين عامة، كلية ومطلقة، فإن غاية ما تسعى إليه العلوم الإنسانية، هي بناء قوانين وقواعد تقريبية واحتمالية، تفتقد إلى الكلية واليقين المطلق. لذلك، فلا يمكن القول إن العلوم الإنسانية يمكن أن تصل إلى قوانين مماثلة لتلك القوانين التي تصل إليها العلوم المادية، "فحين لا يكون الموضوع قابلا للدراسة العلمية، فلا فائدة عندئذ من اصطناع أدق المناهج"([12])؛ فموضوع العلوم الإنسانية هو الإنسان، والطبيعة البشرية تتميز بأنها تتجاوز الطبيعة/المادة، إضافة إلى أن كل فرد يتميز بخصوصيات تجعله يختلف عن باقي الأفراد، "فالأفراد ليسوا نسخا متطابقة يمكن صبها في قوالب جاهزة وإخضاعها جميعها للقوالب التفسيرية نفسها، فكل فرد وجود غير مكتمل، مشروع يتحقق في المستقبل، واستمرار للماضي"([13]).
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
تحميل مجلة الدراسات اللغوية والأدبية Yaqot عروض البوربوينت 0 May 9, 2014 05:08 PM
تحميل كتاب شرح المنهج المنتخب الى قواعد المذهب وردة الثلج كتب التاريخ و الاجتماعيات 0 January 6, 2012 04:20 PM
تحميل كتاب الأساليب الإنشائية في النحو العربي وردة الثلج تحميل كتب مجانية 1 December 8, 2011 11:02 PM
تحميل كتاب المنهج الصوتي للبنية العربية وردة الثلج كتب الادب العربي و الغربي 0 November 19, 2011 05:18 PM
تحميل كتاب إشكالية الموقف الغربي من الامة الإسلامية ألاء ياقوت كتب السياسة و العلاقات الدوليه 0 May 22, 2010 01:14 PM


الساعة الآن 10:29 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر