فيسبوك تويتر RSS



العودة   مجلة الإبتسامة > الروايات والقصص > روايات و قصص منشورة ومنقولة

روايات و قصص منشورة ومنقولة تحميل روايات و قصص منوعة لمجموعة مميزة من الكتاب و الكاتبات المنشورة إلكترونيا



إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم May 8, 2014, 11:46 AM
 
نبذة مختصرة عن الأدب الماليزي

الادب الماليزي او المالاوي هو مجموعة من الأعمال الأدبية التي تنتج في شبه جزيرة الملايو حتى عام 1963 وفي دولة ماليزيا بعد ذلك. وياتي الأدب الماليزي في لغة السكان الاصليين
(اللغة المالاوية) كما يكتب في اللغتين الانكليزية والصينية لانتشارهما في البلاد. . والادب الماليزي يضم جزءا مهما من ثقافة ماليزيا، إذ انه يصور مختلف جوانب الحياة فيها. .

وقد نقلت الاعمال الادبية الماليزية المبكرة شفويا في ظل غياب النقل الكتابي، مما جعل الادب الشفهي يشتمل على مجموعة متنوعة من التراث والفلكلور المالاوي مثل مثل الخرافات والأساطير والقصص والحكايات الشعبية، والملاحم، والشعر، والأمثال.
وظل الادب الماليزي قيد الحياة بين السكان الأصليين

( Orang asli) في اللغة المالاوية، وكذلك في ظل وجود عرقيات آخرى خصوصا في ساراواك وصباح.
وبحلول القرن التاسع عشر الميلادي، بدأت كتابة الادب المالاوي، ويعزى ذلك إلى دخول الاسلام الى شبه الجزيرة في القرن الخامس عشر واعتماد الكتابة الجاوية، حيث ظهر تأثر واضح بالادب والتراث الاسلامي،

وظهر ادب لاهوتي جديد اشتمل على الحكايات الدينية مثل قصص الانبياء.
الشعر الملاوي
شاع الشعر التقليدي بين الملاي بهدف التسلية وكذلك لتسجيل الاحداث والتاريخ ونقل الشرائع والقوانين السائدة.

وهنالك ثلاثة اشكال من الشعر المالاوي التقليدي:
Mantera
Pantun
Syair
كما ان الشعر المالاوي الحديث يحتوي على نوع من الشعر

يسمى sajak.
ومن الكتاب الماليزيين المعروفين الكاتب عبد الله بن عبد القادر

(1796-1854)، والكاتب مونشي عبد الله (1796-1854) وآخرين. .

أضواء على خصائص الشعر الملايوي الحديث
د. علاء حسني المزين

كانت الفَتْرة الممتدَّة من أواخِر القرن التاسع عشر الميلادي حتى أواسط القَرن العشرين من أخصَبِ فترات التاريخ الملايوي الحديث، وأزخرها بالأحداث والتطوُّرات والإنجازات التي تَركَتْ بصماتها على مختلف أوجُهِ الحياة في دُوَلِ الأرخبيل إلى اليوم.

وممَّا يلفت الأنظار ويُثِير الانتباهَ أنَّ الحركة الثقافية بالعالم الملايوي في كلٍّ من ماليزيا وسنغافورة وإندونيسيا - التي أُتِيحَ للباحث شيءٌ من الاطِّلاع عليها - كانت مواكبة - إنْ لم تكن رائدة - موجِّهة للحركة السياسية؛ حيث يبدو للمتأمِّل المتفحِّص ذلك التداخُل أو التناغُم الرائع بين الحركتين، وهو ما يُؤكِّد مُجدَّدًا دور النِّضال الفكري الوطني بكافَّة أشكاله في إحداث تلك النقلة الكبيرة التي شَهِدَها العالم الملايوي في تلك الفترة وما بعدها، وهو ما يُوهِن - من ثَمَّ - ذلك التركيز غير المنصف على العامل الاقتصادي أو الدَّور الاستعماري، ويضَع كلاًّ منهما موضعَه الحق.

ولقد كان للشعر والشعراء حُضورٌ بارز في ذلك المشهد، حتى إنَّه ليُذكِّرنا بدور الشعر البارز في رِيادة النهضة في دِيارنا العربيَّة، فبقدْر ما تأثَّر الطرح الشعري - كما هو مألوفٌ مطَّرد - بمجمل التطوُّرات التي شهدَتْها المنطقة بتلك المرحلة، فلقد كانت له فيها آثار لا تقلُّ عُمقًا وأهميَّة، ولا غرو فالشعر لغة الوجدان وهمسات الروح، وتجاوبه مع تطلُّعات الأمَّة - كل أمَّة - وتجاوبها معه في تلك الفترات الحاسمة ممَّا لا مُشاحَّة فيه.

ولا شكَّ أنَّ دراسة خَصائص الشعر في تلك الفترة ستقف بنا على قليلٍ أو كثيرٍ من ملامح هذا التأثير المُتبادَل وعوامله، كما قد تُرِينا شيئًا من النواقص التي تحتاج إلى تدارُك ورَتْقٍ من المهتمِّين، وهو ما ينعكس إيجابيًّا على تطوُّر الشعر، وعلى توجيه الحركة الأدبيَّة بوجْه عام، وفوق هذا أو معه فإنَّ من شأنها أيضًا أنْ تكشف عن أبعاد تجربة شعرية ثرية لم يُقدَّر أنْ تطرب بأنغامها من قبلُ الأذنُ العربية؛ لبُعد الشُّقَّة المكانية واللسانية والنفسية، وفي بعض هذا - في تقديري - ما يُمثِّل حافزًا علميًّا كافيًا لمثْل هذه الدراسة التي تَسعَى لاستخلاص أبرز ما تميَّز به العَطاء الشعري في هذه المنطقة القصيَّة من عالَم الإسلام الرحيب.


أولاً: الخصائص الشكلية:
1- غلَبَة الشكل الشعري الجديد SAJAK:
ظهرت البوادر الأولى لهذا الشكل الشعري الجديد في العقدين الأوَّلين من القَرن العشرين بإندونيسيا، وانتقلتْ إلى ماليزيا في الثلاثينيَّات من ذلك القرن على يد بونجوك وهارون الرشيد أمين وغيرهما، ولم يلبثْ هذا الشكل الجديد الذي بدَا محاولةً محمومةً للتخلُّص من القُيود التقليديَّة التي ميَّزت الأشكال الشعريَّة القديمة - أنْ أصبحَتْ له الغلبة التامَّة منذ الخمسينيَّات على مجمل الطرح الشعري، ويرى محمد حاجي صالح أنَّ الشعر الحرَّ استنفَدَ نحوًا من ثلاثين عامًا من التجريب حتى غدا مقبولاً لدى الشاعر الماليزي[1].

ومن الطبعي أنْ يكون ذلك في بيئةٍ شديدة التمسُّك بالتقاليد التليدة وتراثها القديم.

وبرغْم أنَّ ذلك الشكل الشعري الجديد ظهر أوَّل ظهوره بتأثير التوجُّهات الأدبية والنقدية القادمة من الغرب، إلا أنَّه حاوَل الاستفادة من الأشكال التراثية الملايوية كبنتون وسلوكا وجوريندوم ونحوها، وقد حرص في الوقت ذاته على أنْ يختطَّ لنفسه منهجًا مستقلاًّ عنها لتبدو له شخصيَّته المميزة من جهة، ومن جهةٍ أخرى ليكون عنوانًا على استيعاب قِيَمِ الحياة الجديدة، والانعتاق من أسْر الرُّؤى القديمة، وسلبيَّات الحياة الماضية التي أصبحت في وجدان الملايوي الجديد عُنوانًا على حِقَبٍ مسكونة بالمرارة والآلام والقهْر والتخلُّف؛ إذ لم تعد المشكلة لَدَى مُفكِّري تلك المرحلة وأُدَبائها - كما يقول عمر يونس - هي التقليد، وإنما كانت المشكلة هي تحرير البلاد من قيود هذا التقليد[2].

ومن ثَمَّ بدَا الشعر على هيئته الجديدة تلك مَعلَمًا رئيسًا من معالم معركةٍ حضاريَّة كُبرَى كان المجتمع في معمعانها، وهو مَلمَح آخَر قد يُعِيد إلى الأذهان ما خبرناه في واقعنا العربي في فتراتٍ مماثلة وفي بيئات متنوِّعة.

ولست أستبعد أنْ تكون قلَّة القيود، أو التوجُّه نحو التحرُّر من كافَّة القيود الشكلية للعمل الشعري؛ اكتفاءً بارتفاق الروح الشعريَّة، وما يُعرَف بالموسيقا الداخليَّة المنبعثة من أصداء الكلمات ممَّا شجَّع على ظُهور الكثير من المواهب الشعريَّة الجديدة تمامًا مثلما كان ظهور الشعر الحر في العالم العربي إيذانًا بامتِلاء الميدان بالمتشاعرين من كلِّ حدب وصوب ممَّن أغراهم الشكل الجديد وسُهولته البادية باقتحام الميدان.

ومن هنا فإنَّ توجُّهات أولئك الذين حاوَلُوا الاستفادةَ من الأشكال الشعرية التقليدية بالتراث الملايوي أمثال عثمان أوانج وسلمي مانجا وماسوري س. ن. وغيرهم - تبدو مدفوعة ليس فقط بالدوافع القوميَّة ذات الحضور القوي عميق الغَوْر في تلك الفترة، وإنما بدافِع الغيرة على الشعر من أنْ يصبح أداةً خالية من أيِّ شكلٍ من أشكال الضوابط الفنية، بما يغري كثيرًا من الأدعياء، الأمر الذي يضرُّ بالحركة الشعرية ذاتها على المدى البعيد.

ومن الملاحظ بصفةٍ عامَّة أنَّ محاولات التجريب على الشكل الجديد قد التزمتْ حدود الوسط والاعتدال خِلال تلك الحقبة؛ ومن ثَمَّ فإنَّ المحاولات الأكثر تطرُّفًا أو ملاحقة للصراعات الشعرية الغربية أو محاكاةً لها؛ كمُحاولات مَن عُرِفوا بالشعراء التجريبيين، أو الشعر الصلب أو الإسمنتي (CONCRETE POETRY) - لم تظهر إلا في عقدٍ تالٍ[3]، ولعلَّ تراث الاعتدال والتوسُّط الذي التزمَتْه الحركة الشعرية الملايوية عمومًا هو الذي لم يَكتُب لمحاولات التجديد الأكثر تطرُّفًا وتغريبًا نصيبًا من الاستِمرار والاستِقرار.

2- وضوح آثار التراث الشعري الملايوي:
رأى الروَّاد الأوائل لحركة التجديد الشعري أنَّ الاستناد إلى التراث الشعري الملايوي الثري بقِيَمِه الفنيَّة يمكنه أنْ يعطي المصداقية لعملية التجريب، ويلفت الأنظار المستأسرة للأشكال التقليدية، ويُتِيح الفرص لاستكشاف أو استخلاص ما يمكن استخلاصه من القيثارة القديمة من أنْغامٍ يمكن توقيعها على القيثارة الجديدة.

وإذا كان رستم أفندي قد رادَ تك السبيل مع البدايات المبكِّرة لحركة التجديد، فإنَّ الظاهرة قد شهدَتْ مزيدًا من الازدهار على يدي أمير حمزة الشاعر الإندونيسي السومطري في ثلاثينيَّات القرن العشرين[4]، ويرى محمد حاجي صالح أنَّ فترة الثلاثينيَّات في إندونيسيا تُشبِه فترة الخمسينيَّات في الملايو؛ إذ تكوَّنت في الأولى حركة بوجانجا بارو (PUJANGGA BARU) أو الشاعر الجديد وتكوَّنت في الأخرى حركةُ أدباء الخمسينيَّات (ASAS 50)، وقد ظهرت في إنتاج الطائفتين عناصرُ تقليديَّة وأخرى غربيَّة متجاورة جنبًا إلى جنب[5]، وهي ملاحظةٌ دقيقة، وبخاصَّة إذا أشرنا إلى أنَّ الدوافع القوميَّة كانت هي الأقوى تأثيرًا لدى الطائفتين.

ويمكن بَلوَرة أهمِّ جوانب التأثُّر بالتراث الشعري الملايوي في الظواهر الصوتيَّة الموسيقيَّة، وفي استخدام الألفاظ والرُّموز، وفي التزام التقنيات الفنية المميِّزة لأشكالٍ شعريَّة معيَّنة.

على الصعيد الأول نلحَظُ عناية الشعراء الملايويين في تلك الفترة بما يُسمِّيه بعض النقَّاد "البلاغة الصوتية" في أشعارهم، برغم تحرُّرهم أحيانًا من قُيود ذات طبيعة صوتية، أو ممَّا كان من أهم مميزات الشعر الحر، فنلحَظُ مثلاً استخدامَ أشكالٍ من الجناس الداخلي بين الكلمات، وحُسن التنغيم، وتنوُّع النبرات وهو ما نراه بوضوحٍ في أشعار رستم أفندي - أحد روَّاد حركة التجديد الشعري - وهو ما يتكرَّر بعدُ لدى كثيرين من شعراء الملايو كبنجوك، وسالمي مانجا، وعثمان أوانج، وماسوري وغيرهم، وبرغم أنَّ تحوُّل الشعر الملايوي بتطوُّره الحديث من شعر لسان إلى شعر كتابةٍ قد أثَّر على تلك الظاهرة، إلاَّ أنَّ أثَرها لم يزلْ واضحًا ملموسًا، أمَّا الجانب الثاني الذي ظهر فيه تأثيرُ التراث الشعري الملايوي، وهو استخدام الألفاظ والرموز التي تعودُ إلى ذلك التراث - فنَراه في معظم أعمال الشعراء الملايويين الجدد على تفاوُتٍ، فمنهم مَن يبدو قاموسه الشعري شديدَ الميل إلى الألفاظ التراثيَّة، كثير الاستدعاء للرموز العائدة إلى ذلك التراث، وهو ما نراه مثلاً لَدَى بنجوك، وهارون الرشيد، وأمير حمزة، ومنهم مَن لا يبدو لديه الاستغراق التراثي، وهو ما يظهر أكثر في المتأخِّرين على وجه الخصوص الذين أصبح تعرُّضهم للمؤثِّرات الغربيَّة ومستجدات الواقع الثقافي أكثرَ.

أمَّا الجانب الثالث من جوانب التأثُّر فنلحظه في التأثير الواسع للبنتون على وجْه الخُصوص مقارنةً بسِواه من الأشكال الشعريَّة؛ ففي أعمال عثمان أوانج المنشورة (Gelombang) (أمواج) نلحَظُ خَصائص بنتون واضحة، وإنْ كانت تتنوَّع من أشكال مصبوبة في ذلك القالب الشعري حرفيًّا حتى تصل إلى أشكالٍ يستشفُّ منها بعض بصمات ذلك الفن، وإنْ بدَتْ مُتحرِّرة منه إلى حدٍّ ما[6].

ومن الجدير بالذكر هنا أنَّ ظاهرة العودة للتراث الشعري الملايوي، ومحاولة الاستفادة منه على مستوى التكنيك الفني والمضمون معًا، لم تكن وقفًا على مرحلة المخاض الثوري التي امتدَّت حتى نهايات الستينيَّات؛ أي: بعد حصول ماليزيا على استِقلالها، وإنما امتدَّت الظاهرة، واشتدَّت في السبعينيَّات والثمانينيَّات، حين أسفرت الأحداث التي شهدَتْها البلاد في نهاية الستينيَّات عن مزيدٍ من استثارة المشاعر القوميَّة الملايويَّة، ومزيد من الاندفاع نحو إحياء التراث الملايوي،

وكان للمَكاسِب السياسيَّة التي حصل عليها العُنصر الملايوي في تلك الفترة انعكاساتٌ واضحة في ذلك الصدد؛ ومن ثَمَّ رأينا مَزِيدًا من الاندفاع في الاتجاه ذاته، سَواء من قبل الشعراء القدامى الذين رادوا هذا السبيل وكان لهم حضورٌ في ذلك الحين، من أمثال: عثمان أوانج، وعبدالصمد سعيد، أو الشعراء الذين برزوا في تلك الفترة أمثال: فردوس عبدالله، ومحمد حاجي صالح، وقاسم أحمد، وقد تلازَمَ مع ظاهرة العودة للتراث في السبعينيَّات ظاهرةٌ أخرى هي استِيحاء المفاهيم الإسلاميَّة وهي الظاهرة السبعينيَّة الفريدة التي تستحقُّ مبحثًا مستقلاًّ.

3- الوضوح والمباشرة:
في مقابل نُزُوع التراث الشعري الملايوي وبخاصَّة في أهمِّ فنونه - أي: بنتون - إلى التركيز والتكثيف الرمزي إلى حدِّ الغموض والإلغاز أحيانًا، اتجه الشعر الحديث وبخاصَّة في مرحلة المخاض الثوري إلى الحِرص على لغةٍ تواصليَّة، مألوفة لَدَى أكبر عددٍ من القرَّاء، دونما تضحيةٍ في الوقت نفسه بخصائص التجربة الشعريَّة.

ولم يكنْ غريبًا أنْ ينزع الشعر الملايوي الحديث ذلك المنزع لأسبابٍ فنية واجتماعيَّة في آنٍ واحد، فلقد كان من الناحية الفنيَّة تفريعًا على الفنون التراثيَّة، لا هو هي، ولا هو غيرها تمامًا، وإنما شيء فيه من الجديد مثل ما فيه من القديم؛ ومن ثَمَّ كانت رغبة التميُّز الفني تلعَبُ دورها في إعطائه خَصائصَه التي تميَّز بها، وكان من الطبعي أنْ يلجأ إلى لغةٍ تواصُلية تثبت جدَّته وفرادته واختلافه عن التراث، وجَدارته - من ثَمَّ - بالاستمرار والبقاء باعتباره فنًّا جديدًا واعدًا، وربما كان دافع التميُّز الفني لدى شعراء المرحلة منبثقًا عن شعورٍ قومي كذلك لإثبات أنَّ العقلية الملايوية أو الخيال الملايوي في الحقيقة غير عقيم، وأنَّ بإمكانه أنْ ينتج للحاضر مثلما أنتج في الماضي، وأفضل.

كذلك كانت النَّزعة الفردية التي سَيْطرت على الساحة الأدبيَّة في تلك الفترة من أهمِّ العوامل المؤثِّرة في ذلك؛ إذ اتَّجه الشعراء للبَوْح بمكنونات صُدورهم وخَبايا أنفسهم يقينًا بأنَّ الشعر لا يكون شعرًا بغير ذلك، ولا شكَّ أنَّ سَيْطرة فكرة البوح والذاتيَّة قد تتمخَّض في أحد بعدَيْها عن ارتفاق لغة تواصليَّة أساسًا.

يُضاف إلى تلك العوامل الفنيَّة العامل الاجتماعي ذو الآثار الواسعة الذي يتمثَّل في تلك التغييرات الكُبرى التي شهدَتْها المنطقة، وفي مقدِّمتها الحركة الوطنية الاستقلالية، وما تمخَّض عنها من فعاليات اجتماعية وتحوُّلات.

4- الميل إلى الإيجاز:
من المعروف أنَّ فنَّ بنتون أشهر الأشكال الشعريَّة الملايوية القديمة يميلُ إلى الإيجاز والتركيز والتكثيف الرمزي، حتى ليُعتَبر أفضل أشكاله هو تلك الرباعيَّة القائمة بذاتها؛ حيث تكون كلُّ رباعية مستقلَّة عمَّا قبلها أو بعدها، وهي ظاهرةٌ تشبه إلى حدٍّ ما ظاهرة البيت الواحد في إطار القصيدة العربية التقليدية؛ إذ يُعتَبر البيت وحدة القصيدة، ويُمثِّل في ذاته قيمةً فنيَّة تستحقُّ التقدير والإشادة.

وحيث إنَّ بنتون هو أكثر الأشكال الشعريَّة التراثيَّة تأثيرًا في التجربة الشعريَّة الجديدة، فلم يكنْ مُستغرَبًا أنْ تَسرِي روح بنتون النازعة نحو التركيز والإيجاز إلى الشعر الجديد فيما سرى من أسراره إلاَّ أنَّ لظاهرة الميل نحو الإيجاز في الشعر الحديث أسبابًا وأبعادًا أخرى أعمق من مجرَّد التأثُّر ببنتون.

لقد كان فن (شَعِر) في النصف الثاني من القرن التاسع عشر من أكثر الأشكال الشعريَّة رَواجًا، وربما كان السبب في ذلك أنَّ تراث شَعِر كان يدور حول الحقائق الصوفيَّة، وللصوفيَّة تأثيرٌ واسع في المجتمع الملايوي، وكان يُسجِّل أحداثًا تاريخيَّة تقتَرِب من الحكايات الملايويَّة التقليديَّة التي اعتادَ المجتمع الملايوي قِراءتها والتسلِّي بها؛ ومن ثَمَّ كانت قراءة شعر في المحافل والمجالس من العادات الملايويَّة المألوفة آنذاك.

ولا أستَبعِد - من ثَمَّ - أنَّ نُزُوع الشعر الحديث نحو الإيجاز والاختصار كان بمثابة ردَّة الفعل الفنيَّة لتلك الأعمال الشعريَّة المُسرِفة في طولها المتمثِّلة في (شَعِر).

وخُلاصة القول: أنَّ الشعر الملايوي اتَّجه نحو الإيجاز بصفةٍ عامَّة، إلا أنَّ هذا لا يمتنع معه ظهورُ تجارب شعريَّة اتَّسمتْ بطولٍ نسبي كما رأينا بعدُ في عمل كمالا (أحمد كمال عبدالله) الذي نال عليه جائزةً تقديرية وهو قصيدته الطويلة المعروفة (Meditasi) أو تأمُّلات.

ولا يمكن في نهاية المطاف أنْ نحكُم بأنَّ التطوُّر نحو الإيجاز كان يُمثِّل قفزةً إلى الأمام أو نزعُم أنَّه بالعكس كان عودة إلى الوراء، وإنما الضابط دائمًا هو مَدَى قُدرة الشاعر من خِلال قصيدته أنْ يستكمل لتجربته عناصر النجاح الفني شكلاً ومضمونًا.

5- النغمة الهادئة:
توزَّعت الإنتاجَ الشعري الملايوي الحديث بصفة عامة نغمتان: إحداهما صاخبة مجلجِلة نشعُر بها في الأعمال الوطنيَّة عُمومًا، وفيها تظهر عادة الخاصَّة اللسانيَّة للشعر الملايوي، وتبدو القصيدة نشيدًا حماسيًّا قويًّا، والنغمة الثانية وهي التي بَدَتْ أكثر انتشارًا ووُضوحًا في جنبات الساحة الشعريَّة، وهي النغمة الهادئة الأقرب إلى نغمة التأمُّل الصوفي.

وقد ظهرت النغمة الهادئة مُبكِّرًا في أشعار الروَّاد الأوائل لحركة التجديد الشعري، وهي ظاهرةٌ أرجَعَها النقَّاد إلى كون التجربة الشعريَّة المقلدة هي تجربة شُعَراء المرحلة الرومانسيَّة في أوربا، أولئك الذين غلبتْ عليهم نزعتهم السوداويَّة ونظراتهم المتشائمة من الحياة[7].

وربما كان هذا التفسير مُلائِمًا فيما يتعلَّق ببعض هؤلاء الرُّوَّاد الأوائل ومَن تأثَّر بهم، إلا أنَّه لا يصلح لتفسير الظاهرة فيما يتعلَّق بالواقع الملايوي، وإنْ كان شعراء الملايو الأوائل قد تأثَّروا بغير شكٍّ بالشعراء الإندونيسيين الذين انتقَلتْ إليهم تلك المشاعر الكئيبة، وبخاصَّة خير الأنوار.

والحقيقة أنَّ هذه الظاهرة تَرجِع في تقديري إلى سببين: أوَّلهما الطبيعة الشخصيَّة الملايوية ذاتها التي تنزع منزعًا تأمُّليًّا صوفيًّا هادئًا، وثانيهما هو واقع المرحلة؛ حيث كانت تسيطر القوى الاستعمارية وصنائعها، وحيث كان الملايوي مظلومًا في وطنه، مغبونًا في حقه، مسكونًا بمشاعر اليأس والحرمان، مأسورًا بمظاهر الفقر والأسى، من هنا كانت النغمة الهادئة الساكنة المنكسِرة استجابةً لخبرات حيويَّة واقعيَّة لا انعكاسًا لتجربة خارجيَّة، ولعلَّ تلك النغمة تأصَّلت في قيثارة الشعر الملايوي الحديث نتيجة سَيْطرة نزعة البوح الفردي عليه منذ فترةٍ مبكرة[8].

</B>


رد مع اقتباس
  #2  
قديم May 8, 2014, 11:51 AM
 
رد: نبذة مختصرة عن الأدب الماليزي



ثانيًا: الخصائص الروحيَّة (المضمونيَّة):
1- الاندماج مع الطبيعة:
طبيعة بلاد الملايو طبيعة شاعرة بما تضمُّه من مظاهر خلابة من الأشجار المورقة دائمة الخضرة، والمياه الجارية، والجبال الشاهقة، والحياة الوادعة الناعمة في أحضانها.

ولقد افتُتِن الشاعر الملايوي القديم بطبيعة بلاده، ومن ثَمَّ رأينا آثار ذلك باديةً في التراث الشعري الملايوي، حتى إنَّ شعراء بنتون جعلوا أغلب اعتمادهم على الطبيعة في استمداد صورهم وتصوُّراتهم، وفي تجسيد أفكارهم، وقد بَدَتْ عناية الشعراء المحدثين بالارتباط بالطبيعة واضحة منذ البداية، كما نرى في القصائد المبكِّرة لروَّاد حركة التجديد الإندونيسيين مثل: رستم أفندي وسنوسي بانيه، ولدى الشعراء الملايويين الروَّاد كذلك كبونجوك، وماسوري، وعثمان أوانج، وغيرهم.

إنَّ لُجوء الشاعر إلى الطبيعة لم يَبْدُ هُروبًا إليها من إحباطات الواقع وآلامه فحسب مثلما رأينا مثلاً لدى شعراء الاتجاه الرومانسي، وإنما اللجوء إلى الطبيعة هنا هو لجوء فطري ينسجم مع طبيعة النفس الملايويية ومكوناتها، ومن هنا لم تَبْدُ الظاهرة ردَّة فعل تتهاوَى بعد حينٍ إذا زالتْ أسبابها، وإنما خصيصة أصيلة تمتدُّ بجذورها إلى الماضي السحيق، وتزحف بآثارها إلى صفحات المستقبل؛ ومن ثَمَّ رأينا استِمرار الظاهرة في شعراء السبعينيَّات والثمانينيَّات على اختلاف ما بين تلك المراحل في العوامل الرئيسة الموجِّهة للطرح الشعري خِلالها، وهو دليل أصالتها وقوَّة تأصُّلها.

2- التوجُّه الاجتماعي النقدي:
تميَّز الشعر الحديث مبكرًا باتِّخاذه موقفًا وطنيًّا، زادَه قوَّة وتأصُّلاً تبنِّي جماعة (asas 50) لذلك النهج حين رفعت شعارها "الفن للمجتمع".

ولقد حمل شُعَراء المرحلة الثوريَّة - مرحلة الخمسينيَّات - همومَ الطبقات الفقيرة الكادحة من الفلاحين والصيَّادين وصِغار العمَّال والحرفيين؛ لأنهم هم أنفسهم وُلِدُوا وترَعرَعوا في أحضان تلك الطبقات، كما حملوا آلام المجتمع وآماله، في الحريَّة والاستقلال والحياة الآمِنة الكريمة المستقرَّة.

ومع الوقت، ونتيجةً لذيوع التوجُّه الإنساني في الآداب العالميَّة بعد الحرب الكونيَّة الثانيَّة، وشُيُوع الفكر الشيوعي ذي المنزع الأممي في طرحه كذلك، اتَّسعت رؤية شعراء المنطقة لتَسَع الهموم الإنسانيَّة بصفةٍ عامَّة، وإنْ كانت الهموم الآسيوية قد استأثرت بالجانب الأكبر من ذلك الجهد؛ بتأثير الدعاية اليابانيَّة من جهةٍ، وبظهور بوادر الاستقطاب العالمي بين شرق وغرب من جهةٍ أخرى، واللافت للنظر أنَّ الاستعمار وإنْ كان أسَّ البلاء، ومصدر الأدواء التي مُنِيتْ بها المنطقة، إلا أنَّه لم ينلْ ما يستحقُّ من قواصف الشعراء وانتقاداتهم نهاية الأربعينيَّات وأوائل الخمسينيات، وإن اشتدَّت نغمة الهجوم والتعريض به في مراحل متأخِّرة، وهي ظاهرةٌ لم يشذَّ عنها منسوبو الحركات الإصلاحية أو الإسلاميون - أيضًا - في عالم الملايو آنذاك، ومنهم مُحرِّرو "مجلة الإمام" التي تبنَّت فكر الحركة الإصلاحيَّة الإسلاميَّة الحديثة (فكر الأفغاني ومحمد عبده).

وربما كانت الطبيعة الملايوية الدمثة التي تكرَه المواجهة، وتُؤثِر الصبر، والحركة الهادئة، مع شدَّة القبضة الاستعماريَّة وسطوتها، مع طُول المدَّة التي عاشَتْها المنطقة تحت نَيْرِ الاستعمار، وامتصاص الشعوب بعض أخلاقيَّات المستعمِر، ثم وُجود شكلٍ من أشكال التحالُف بين السلاطين والمستعمِرين، مع دَهاء المستعمر وبخاصَّة المستعمِر الإنجليزي، وظُهوره بمظهر مُنقِذ البلاد، ومنتشلها من وهاد التخلُّف والفقر والضياع، وصانع نهضتها الحديثة، إضافةً إلى ضعف الحركات الإسلاميَّة الواعية بصفةٍ عامَّة، ربما كانت هذه العوامل مجتمعةً ممَّا أوجد تلك الظاهرة المثيرة للاستغراب والتساؤل.

لقد وجد شعراء المرحلة مجالاً خصبًا لإنتاجهم الشعري في نقْد الواقع الاجتماعي لأمَّتهم الملايويَّة، وكأنهم اعتبروا أنَّ الأمَّة مُصابة بذلك الداء الذي أسماه "مالك بن نبي" (القابلية للاستعمار)، وأنَّ أنجع سُبُلِ التخلُّص من الاستعمار لا تكون إلا بِمُداواة المجتمع من تلك الحالة-المرض، وذلك بفضْح حقيقتها ومظاهرها، والأخْذ بيد أمَّتِهم للخُروج منها، وهي نظرةٌ واقعيَّة لا تخلو من منطقٍ، ولعلَّها أثمرت بالفعل بعضَ الثمار حين قامت الأحزاب الشعبية والجمعيات الأهلية كأدواتِ ضغطٍ لإنهاء الظاهرة الاستعماريَّة.

وبرغم الطبيعة الملايويَّة التي تنفر من المواجهة وتُؤثِر العافية فإنَّ أشعار النقد الاجتماعي قد تكاثَرتْ كثرةً لافتةً للنظر، ولعلَّ الشعراء أحسُّوا بفِطرتهم أنَّ لهذا المنزع ضرورة حضاريَّة لكبح جماح حركة الاندفاع نحو تقليد الغرب من جهةٍ، وتقوية النسيج الاجتماعي بتَنقِيته من آثار التخلُّف من جهةٍ أخرى، وتنوَّعت أساليب النقد الاجتماعي من الشكل المباشر شديد اللهجة إلى الشكل غير المباشر الهادئ الليِّن الذي يميلُ إلى إبداء الموقف، وإعطاء النُّصح أكثر من أيِّ شيء آخَر.

وقد استأثَرت الحكومات الملايويَّة إثْر قيامها بعدَ الاستقلال بقدرٍ غير ضئيلٍ من نقد الشعراء، وقد بدا بعضه لاذِعًا، وكان انتقاد الحكومات في الغالب يدورُ حول التقصير في إنجاز مشروعاتها، أو فشلها في الارتقاء بالإنسان الملايوي المتردِّية أحواله، والذي قامت تلك الحكومات الوطنيَّة أساسًا في سبيل إسعاده.

وقد ارتفعتْ نغمة النقد الاجتماعي في الخمسينيَّات والستينيَّات على وجْه الخُصوص[9]، ثم اتخذت أبعادًا أخرى في السبعينيَّات والثمانينيَّات مع ارتفاع صوت الاتجاه الإسلامي، وممارسته النقدَ الاجتماعي من منظور مُغايِر دُون إهمالٍ للمنظور السابق.

وممَّا استأثر بالاهتمام النقدي لدى شعراء المرحلة تكاسُل الشعب الملايوي عن ممارسة أدواره، والتمكين لنفسه في بلاده في مواجهة الأجناس المجلوبة التي باتتْ أكثر سَيْطرة وتمكُّنًا، وقد دَندَن الشعراء حول تلك القضيَّة مبكرًا، واستحثُّوا الشعب الملايوي على الدأب والحركة والنشاط؛ ليمتلك ناصيةَ أموره، ويَنال مكانته بين أولئك الغُرَباء، كما استأثرت المدينة بما تعنيه في الوجدان الشعري من زِحام وضوضاء وعلاقات اجتماعيَّة مترهِّلة، وأنماط حياة جديدة بعضها ضارٌّ بلا شك.

استأثرت المدينة باهتِمام الشعراء مبكرًا، فوجَّهوا سِهام انتقاداتهم للمدينة بصفةٍ عامَّة باعتبارها رمزًا للحياة الصاخبة والتفكُّك الاجتماعي والتدهور الخلقي[10]، في مقابل القرية التي باتَتْ رمزًا للبكارة الاجتماعيَّة، والطهارة والنَّقاء، ودِفء العلاقات الإنسانيَّة.

وجديرٌ بالذكر أنَّ ذلك المَلمَح الحضاري الرائع في نقْد الواقع، وتقديم البدائل ما أمكن بقي واحدًا من ملامح التجربة الشعريَّة الملايويَّة، بل إنَّ زخم الفكرة الإسلاميَّة التي راحَتْ تشقُّ طريقها بثَباتٍ في الساحة الملايويَّة قد أعطى لعمليَّة النقد الاجتماعي دفعة جديدة، وأبعادًا وآفاقًا أعمق.

3- الموقف المحايد من الدِّين:
المجتمع الملايوي بصفةٍ عامَّة مجتمع متديِّن، بل ربما كان أكثر شعوب منطقة جنوب شرق آسيا تدينًا فطريًّا، ولقد لاحَظ الاستعماريون الإنجليز تلك الظاهرة منذ البداية فحرصوا على التعامُل بحذر إزاءها، فنأَوْا بأنفسهم رسميًّا عن أنْ يكونوا مسؤولين عن الشؤون الدينيَّة بالبلاد التي احتلوها، وأسندوا تلك المهمة للسلاطين، واكتفوا بإدارة الأمور من وَراء الستار، وكان لتلك الصِّيغة التي انتهت إليها العلاقة بين المستعمر والسلاطين آثارها المباشرة على الحالة الدينيَّة بالمنطقة[11].

وبقدْر ما كان للتغريب الذي مارَسَه المستعمِر بدَهاءٍ في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية من آثارٍ سلبيَّة ملموسة لا تَخفَى على الأجيال الجديدة التي ترَعرَعتْ في كنفه، فإنَّه لم يستطع أنْ يُخَلخِل أسس الوجدان الديني إلى الحدِّ الذي يُوجِد حالاتٍ من الإلحاد التام، وهو ما أرجعه أساسًا إلى قوَّة وتأثير مؤسسات التطبيع الاجتماعي والديني وفي مقدمتها الأسرة.

من هنا لم تظهر في الساحة الأدبيَّة في تلك الفترة وبخاصَّة في المحيط الشعري أصواتٌ نافرة من الدِّين، ناقمة عليه، محمِّلة إياه أسباب التخلُّف والتدهور الاجتماعي، حتى إنَّ عبدالصمد سعيد الذي رأيناه في قصَّته المشهورة سالينا (Salina) وهي أضخم عملٍ أدبي في اللغة الملايوية في العصر الحديث - مستهينًا بالحلِّ الديني لأدواء المجتمع الحديث، بل مُتمرِّدًا ساخرًا إلى حَدٍّ ما على الرمز المعبِّر لذلك - لا نَكاد نلمس في أشعاره تلك الرُّوح التي بدَتْ في قصَّته إلا لمحات خاطفة يُمكِن تأويلها، بل إنَّ أشعار قاسم أحمد الذي تأثَّر بالاتجاهات الاشتراكيَّة وكاد أنْ يكون أمَّة واحده في هذا السبيل، لم تكدْ تظهر لدَيْه نغمة التهكُّم والاستهزاء بالدِّين أو التمرُّد على حقائقه إلا في قصيدته موت الإله (Tuhan mati) التي اعتَذَر عنه فيها أحدُ الباحثين لأنَّه لم يكن يقصد التهكُّم أو التمرُّد، وإنما قصد إظهار ضعْف الوازع الديني في نفوس أفراد المجتمع[12].

وأيًّا ما كان الأمر فلم يكن الدِّين - بصفة عامَّة - والإسلام على وجْه الخصوص غَرَضًا لهجومٍ مباشر أو تعريض فج في أيٍّ من الأعمال الشعرية الملايوية منذ صَحْوتها الحديثة وحتى اليوم، إلا أنَّ هذا لا يمنع وجودَ أمثلة دالَّة على وهن الحقيقة الدينية في النفوس وضعْف تأثيرها، وعدم الحِرص على الصدور عن رؤيةٍ دينيَّة في معالجة القضايا، وتناول الموضوعات.

ولا شكَّ أنَّ شعراء المرحلة المبكرة تأثَّروا بالشاعر الإندونيسي خير الأنوار الذي نحا منحًى وجوديًّا إلى حدٍّ كبير في أعماله، وبدا عميقَ التأثُّر بالتوجُّه الرومانسي في البيئة الهولندية في القرن السابع عشر، كما بدا متشكِّكًا إلى حَدٍّ ما فيما يتعلَّق بالحقائق الدينيَّة[13]، وإلى هذا التأثُّر في تقديري يرجع كثيرٌ من ظواهر الانفلات من قيود الالتزام الإسلامي في بعض التجارب الشعرية آنَذاك.

ويُذكَر في هذا الصدد أنَّ ولع شعراء المرحلة الثورية بالانحِياز للطبقات المسحوقة والمظاليم قد أنتج ظاهرة "قصائد المومسات" - إذا صحَّت التسمية -- وهي القصائد التي تناوَلَ فيها الشعراء مشكلات هذه الفئة الاجتماعيَّة بغير قليلٍ من التعاطُف، وبرغم فَجاجة هذا التوجُّه إلا أنَّه لا يُمثِّل في ذاته دلالةً على انحرافٍ كبير، وإنما هو صدورٌ عن موقف اجتماعي غالب ضاغط، وربما كان كذلك تأثُّرًا بالإنتاج الأدبي الغربي، وهي الأسباب نفسها التي أبرزت ظاهرة مُماثِلة في الساحة الأدبيَّة المصريَّة في الفترة ذاتها تقريبًا، أمَّا وصف التجارب العاطفيَّة في عِبارات غير محتشمة، وإنْ كان قليل الحدوث إلا أنَّه التوجُّه الأكثر دلالةً على ذلك الوهن الديني الحاصل.

وبصفةٍ عامَّة لم تبدُ في العطاء الشعري الملايوي ظاهرةُ استمداد الرموز والأساطير العائدة إلى التراث الكنسي الغربي اكتفاءً برموز التراث الملايوي الخاص، وبرغم أنَّ خير الأنوار قد تأثَّر إلى حَدٍّ ما بتلك الرموز والرؤية النصرانية عمومًا[14]، إلا أنَّ مَن تأثَّر به من شُعَراء الملايو قد سَلِمَ من ذلك في الأغلب حتى كاد أنْ يخلو ديوان الشعر الملايوي الحديث تمامًا من الرموز النصرانيَّة، وهي إيجابيَّةٌ تُضاف لرصيده بغير شك.

4- نُدرة استدعاء التراث الإسلامي:
يَلحَظ المطالع لدواوين الشعر الملايويَّة في حقبة الخمسينيَّات والستينيَّات ضعفًا واضحًا في الاستمداد من التراث الإسلامي الزاخر، بل يلحظ قلَّة الاكتراث بالاستناد إليه والتعويل عليه في بناء الرُّؤَى والتصوُّرات والمواقف إزاء القضايا المختلفة التي يتعرَّض لها، ويبدو القاموس الشعري لأغلب شُعَراء تلك الحقبة فقيرًا إلى حَدٍّ كبيرٍ في المفردات والرموز ذات الدلالات الإسلاميَّة[15].

وبرغم أنَّ التاريخ الملايوي وتراث المنطقة لم يكنْ غائبًا، إلا أنَّ حضوره كذلك لم يكن بالقدر الذي ينمُّ عن عنايةٍ كبيرة، وتقديرٍ عالٍ، ولربما كانت تجربة محمد حاجي صالح التي ظهرت متأخِّرة في السبعينيَّات حين قدَّم مجموعة أشعاره التاريخيَّة - أقول: ربما كانت هذه التجربة ملاحظةً منه لذلك النقص الكبير.

وإذا كان ضعفُ الارتباط بالتاريخ المحلي وعدم بروز الاعتزاز به يُبرِّره غلبة الأسطورة عليه، وقلَّة ما فيه من الإنجازات الحضاريَّة ذات القيمة الرفيعة، وبخاصَّة في الحقبة الإسلاميَّة التي ينتمي إليها شعراء الملايويين، بالإضافة إلى استئثار نزعة الاهتمام بالمستقبل باعتباره مسرحًا لإمكاناتٍ عديدة تستدرك ما فات، فإنَّ ضعف الاستمداد من التراث الإسلامي لا يبدو مُبرَّرًا لديَّ إلا بضيق الثقافة الإسلاميَّة لأولئك الشعراء، وقُصورها عن أنْ تكون مَوئِلاً يستمدُّون منه الرؤى والأفكار والرموز، وهو ما يُؤكِّده الناقد الماليزي المعروف مناسكنا بقوله: "إنَّ الجيل الجديد بدَا كما لو كان حريصًا على الابتعاد عن الفكر الإسلامي، ومن الأدباء آنذاك مَن كان يعتبر دخول عنصر إسلامي في عملٍ أدبي شيئًا يُضعِف قيمته، بالإضافة إلى أنَّ غالبيَّتهم لم ينالوا قسطًا كافيًا من التعليم الديني"[16].

ومن الطبعي أنَّ المؤسَّسات التربويَّة الدينيَّة التقليديَّة يَكادُ اهتمامها ينحَصِر في تنمية الوجدان الديني، وبثِّ المفاهيم الأساسية أو ما يُعرَف بفروض العين، مع ترك الفرصة لأصحاب المواهب الخاصَّة في مواصلة تحصيلهم العلمي بصورةٍ ذاتية؛ لتوسيع دائرة ثقافتهم الإسلاميَّة، وهو ما أشكُّ أنَّه كان في تلك الأجواء التي اكتنفت المرحلةَ محطَّ الاهتمام لدى الجيل الجديد الذي استأثرَتْ باهتمامه مظاهر الحياة الجديدة بدَواعِيها، ولا شكَّ أنَّ وهن ارتباط الروَّاد الذين أثرَوا التجربة الشعرية الملايوية بالثقافة الإسلامية - وهو الوهن الذي نلحظه بوضوحٍ في أشعارهم - قد انتقل إلى مَن بعدهم ممَّن تأثَّر بهم.

وربما كان للمادَّة الأدبيَّة التي توافَرتْ من خِلال الترجمة في معهد سلطان إدريس لتدريب المعلِّمين وغيره - ربما كان لها أثرٌ ما في ذلك؛ إذ إنَّ أغلبها كان يحمل الرؤية الغربيَّة، وكانت تتمُّ باختيار وتحت إشراف المعلِّمين الإنجليز بالمعهد؛ ومن ثَمَّ تمت عمليَّة تشكيل الوجدان الأدبي الحديث عبر تلك المواد المختارة التي كان لها ذُيُوع منذ العشرينيات[17].

وبرغم نُدرَة الاستِدعاء التراثي إلا أنَّ ذلك لا يعني انعدام استفادة البعض من التراث الإسلامي الزاخر، واللجوء إليه من حينٍ لآخَر، لاستعارة رمز أو قناع يُعبِّر الشاعر من خِلاله عن أفكاره، ومن الطبعي أنَّ العودة للتراث الإسلامي الملايوي كانت أكثر من الالتفات إلى التراث الإسلامي العام.

وبصفةٍ عامَّة: لم يبدُ الشعر في تلك الحقبة في محاولةٍ للوقوف موقف الدفاع عن الإسلام ضدَّ كلِّ ما يُشاع عنه، أو يُوجَّه إليه من سِهام الاتِّهامات، وندر - من ثَمَّ - في الديوان الشعري الملايوي آنذاك تجاربُ الدفاع عن التراث الإسلامي العام، أو الدفاع به، وهو الأمر الذي حاوَل شعراء السبعينيَّات تدارُكَه وبلغ التوجُّه - من ثَمَّ - أقصى نضجه بظهور الاتجاه الإسلامي في السبعينيَّات.

وبعدُ، فإنَّ التجربة الشعرية الملايوية - كما رأينا - تجربة ثرية بإنتاجها المتنوِّع، وخصائصها المميزة التي لفتَتْ إليها من قبلُ أنظار الكثيرين من نقَّاد الأدب وأساطينه شرقًا وغربًا، وقد تركت - ولم تزل - آثارها في الواقع الاجتماعي، وواكبت ورادت الحركة الوطنيَّة بالبلاد، وأسهمتْ في نهضتها وتقدُّمها بغير شكٍّ، وإذا كانت آثار التحوُّلات الكبرى التي طرأت على المنطقة قد انعكست سلبًا على مسيرتها نوعًا ما، إلا أنها تبقى ماضية واعدة بمستقبلٍ أكثر إشراقًا وحضورًا وفاعليَّة، ونأمُل أنْ تكون هذه الدراسة بما لمستْ من مواطن القوَّة والأصالة، وبما أبانَتْ من هناتٍ لم تزل بادية ملامحها - وسيلةً للتدارك والاستدراك، وهذا غاية ما يرجوه ناقدٌ حادبٌ بنقده، وهو عين ما تسعى إليه حركة أدبية ناشطة طَمُوح.

المصدر: مجلة الأدب الإسلامي - العدد 69، 1432هـ / 2011م.


</B>
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
تعرف علي خصوصية الأدب الإسلامي , أهم خصائص الأدب الأسلامي Yaqot روايات و قصص منشورة ومنقولة 0 March 5, 2014 03:36 PM
تحميل كتاب الأدب الصغير و الأدب الكبير لابن المقفع وردة الثلج كتب اللغة والبلاغة 0 November 30, 2011 04:06 PM
نبذة مختصرة عن علم النفس دانة عمان علم النفس 9 September 4, 2010 11:14 PM
نبذة مختصرة عن التنويم المغناطيسي فيصل 3000 علم النفس 3 September 27, 2009 04:05 PM
نبذة عن البحر الميت بحر بلا امواج معلومات ثقافيه عامه 10 May 15, 2009 09:08 PM


الساعة الآن 11:40 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر