فيسبوك تويتر RSS



العودة   مجلة الإبتسامة > الحياة الاجتماعية > نبض مواطن

نبض مواطن أخبار و مقالات و عواميد صحف يوميه, صور كاريكاتوريه تحكي واقع الوطن والمواطن

الإهداءات



 
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم January 13, 2014, 02:24 PM
 
أم غازي: امرأة نحتت الصخر بأظافرها

من الأمهات المثاليات في البصرة


أم غازي امرأة نحتت الصخر بأظافرها



كاظم فنجان الحمامي

ولِدت (أم غازي) في مدينة ميسان عام 1916, وكانت رحمها الله امرأة فاضلة صابرة مناضلة. التحقت بصفوف الفقراء في منتصف القرن الماضي. واجهت في البصرة مصاعب الحياة غير عابئة بتحدياتها المرهقة وتقلباتها المزاجية المفاجئة, فتحملت ويلاتها ونكباتها من دون أن تطلب العون من أحد, كانت بمفردها عبارة عن فوج ميداني مستقل. حملت عناوين الكفاح والصمود والإباء. عاشت في أوساط منطقة المعقل, متنقلة بين الأحياء الفقيرة, فالتصقت صورتها بذاكرتنا حتى يومنا هذا.
كان زوجها (لعيبي منصور حسين الشميلاوي) من الطبقة العمالية الكادحة, التي تحملت عبء الأعمال المينائية الثقيلة, فاستطاع بفطنته ونباهته أن يصبح عام 1932 رئيسا لمجموعة عمالية مؤلفة من أبناء القرى والأرياف, الذين كانوا يعملون في أرصفة ميناء (المعقل) بأسمالهم القروية البالية. كان عنوان وظيفته المدون في هويته الصادرة عام 1932 هو (تنديل حماميل), والتنديل مفردة هندية تعني رئيس زمرة العمل, أما (حماميل) فهي كلمة عراقية دارجة, تعني (حمالين) جمع حمّال. كان (أبو غازي) مثالا للأب الحنون, والزوج المخلـص، والرجل الشرقي الشريف المتميز بمعاني الرجولة والشهامة، عرفه الناس بمشاعره الوطنية الصادقة.
عقد العزم عام 1947 على الذهاب إلى فلسطين لمشاركة أشقائه (إبراهيم وكريم) في القتال والتصدي للعصابات الصهيونية, التي تزايدت أعدادها وقتذاك, لكنه لم يستطع اللحاق بهما بسبب تعرضه للاعتقال والمكوث وراء قضبان السجن عقابا له على تطلعاته الوطنية التحررية, وهكذا تركوا وراءهم ثلاث أسر بنسائها وأطفالها بلا مُعيل ولا مُعين. وجدت (أم غازي) نفسها مُجبرة على إطعامهم وأكسائهم وتلبية متطلباتهم, فقادها تفكيرها الفطري نحو افتتاح كشك صغير في سوق المعقل (مارگيل) من أجل أن توفر لهم لقمة العيش, ومن أجل أن تنتشلهم من مخالب البؤس والفاقة, ثم افتتحت متجراً صغيراً في سوق (خمسين حوش), وتوسعت أنشطتها عام 1963 فافتتحت متجراً كبيراً في سوق (الأُبُلِّة), المتجر الذي مكثت فيه حتى عام 1990, وهو العام الذي قررت فيه الاستراحة بعدما أعياها المرض وأرهقها الإجهاد, وهي التي لم تفكر يوماَ بمغادرة عرينها حتى في أحلك ظروف القصف الجوي العنيف, الذي صب حممه فوق أحياء البصرة عام 1987.
عملت (أم غازي) على مدار الساعة ابتداء من عام 1947 وحتى وفاتها عام 2009. رحلة شاقة وزعت فيها وقتها وجهدها بين السوق والبيوت المنكوبة, التي كانت ترعاها وتشرف عليها.
لقد تحولت في ختام رحلتها الكفاحية الطويلة إلى راعية لفقراء الحي, تسهر على راحة أبنائها. توفر المؤن للأسر الهاربة من ظلم الأنظمة الإقطاعية الجائرة. تحتضن الأرامل. تُحسن التعامل مع التلاميذ الأيتام الذين لا قدرة لهم على شراء مستلزمات المدرسة, ولسنا مغالين إذا قلنا أنها سبقت الأم (تيريزا) بعقود, وتفوقت عليها بصلابة عودها وقوتها الجسدية الهائلة, فقد تميزت بصبرها في الملمات, وجلدها في الأزمات الصعبة, ومثابرتها التي لا تعرف اليأس.
كانت تمتلك قدرات استثنائية في البيع والشراء, فهي لا تجيد القراءة والكتابة, لكن ذاكرتها الفولاذية قادرة على تنفيذ العمليات الحسابية المضنية, وقادرة على حفظها وتبويبها وتوثيقها. والعجيب بالأمر أنها كانت تعنون حساباتها, وتصنفها بأسماء كوميدية, تبتكرها لزبائنها على وفق علاماتهم الفارقة, من مثل: الأخرس, أبو شوارب, الأبقع, المنكرش, الحرامي, أبو بايسكل, الـﮔصير, الأعرج, المضمد, الإطفائي, الفرار (الهارب).
من طرائف مواقفها, في عام 1985 اشترى منها رجل بطيخة كبيرة (رَقِّية), وكان من متطوعي الجيش الشعبي, فخطفت منه بندقيته الأوتوماتكية (كلاشنكوف) واحتفظت بها كرهينة, ثم طالبته بدفع ما بذمته من مبالغ مترتبة عليه منذ عام 1958. وقف الرجل مصدوماً مندهشاً من ذاكرتها التي لا تتعرض للعطب, حتى هو نفسه لم يكن يتذكر الواقعة, لكنها أقنعته بالأدلة القطعية, ولم يسترد بندقيته إلا بشق الأنفس, بعد أن دفع لها المبلغ كاملاً.
فازت (أم غازي) بألقاب الأم المثالية في حياتها وبعد مماتها, وكان لها الدور الأكبر في تربية أبنائها والارتقاء بمستواهم الأكاديمي نحو الأفضل, تخرج أبنها الأكبر غازي (مواليد 1937) في دار المعلمين, وكان من طلائع النخبة الثقافية المنتخبة, وشاءت الأقدار أن تشهد وفاته عام 2007, فدخلت مجلس العزاء محنية الظهر, شاردة الذهن, تصيح: ولدي. أُريد ولدي. أين ولدي ؟.
لم تكن بهذا الحزن عندما فقدت ولدها الفنان التشكيلي أسعد (مواليد 1955), الذي اغتالته غربان الشر في بيروت عام 1982, ولم تكن بهذا الجزع عندما فقدت ابنها الأصغر مؤيد (مواليد 1957), الذي سقط مضرجا بدمه في معارك شرق البصرة, ولم تكن بهذا الضعف عندما علمت بوقوع أبنها رعد (مواليد 1956) أسيراً عام (1982), ثلاثة من أعز أولادها اختفوا في عام واحد.
لقد عادت بها الذاكرة في شيخوختها إلى اليوم الذي فقدت فيه ابنتها البكر صالحة (مواليد 1939), فاختارت الاعتكاف في بيت أبنتها الصغرى خنساء (مواليد 1960), منشغلة بتربية أحفادها, وعينها على ابنتها الكبرى حمدية (مواليد 1943) تلك المرأة الحديدية, التي ورثت عن أمها وأبيها الصفات الحميدة بخصالها المحمودة, عندما تولت العناية بشؤون أشقائها الأصغر منها في غياب أمها. ثمانية رجال خرجوا من هذا البيت ليحملوا صلابة هذه المرأة وصبرها على الشدائد, أولهم غازي, وآخرهم مؤيد, وأوسطهم حميد وصلاح وصباح ومهدي وأسعد ورعد.
رحلت أم غازي قبل بضعة أعوام, لكنها لم تغادر ذاكرتنا المعقلية المزدانة بأجمل المشاهد, ولن يتلاشى ذكرها من دفاترنا المؤطرة بأروع المواقف النضالية الصادقة.
والحديث ذو شجون

الصور المصغرة للصور المرفقة
اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	أسعد لعيبي.JPG‏
المشاهدات:	522
الحجـــم:	51.5 كيلوبايت
الرقم:	12470   اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	أم غازي.jpg‏
المشاهدات:	588
الحجـــم:	35.8 كيلوبايت
الرقم:	12471  

اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	هوية أبو غزي.jpg‏
المشاهدات:	506
الحجـــم:	32.2 كيلوبايت
الرقم:	12472   اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	هوية.jpg‏
المشاهدات:	249
الحجـــم:	34.6 كيلوبايت
الرقم:	12473  

 

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
وصفة عمل ارز حبة وحبة , كيفية عمل ارز حبة وحبة Yaqot وصفات الطبخ 0 December 18, 2013 12:45 PM
التخلص من ترهلات الصدر،شد الصدر،علاج ترهل الصدر RiiFi مجلة العناية بالبشرة 0 September 26, 2013 09:50 PM
خلطة لتكبير الصدر،خلطات تكبير الصدر،وصفات سريعه المفعول،خلطة مضمونه طبيعية لتكبير الصدر Ruh مجلة العناية بالبشرة 202 October 22, 2012 08:12 PM
كيفية علاج السحر.طرق علاج السحر.رقية السحر والمسحور بالقران سعود النصح و التوعيه 12 October 14, 2010 10:39 AM


الساعة الآن 08:26 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر