فيسبوك تويتر RSS



العودة   مجلة الإبتسامة > الموسوعة العلمية > معلومات ثقافيه عامه

معلومات ثقافيه عامه نافذتك لعالم من المعلومات الوفيره في مجالات الثقافة و التقنيات والصحة و المعلومات العامه



Like Tree1Likes

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #166  
قديم October 3, 2013, 10:58 PM
 
رد: هل ... وهل ... ثم هل.. تعلم؟


امرؤ القيس
نحو (130 - 80 ق. هـ = 496 - 544 م)

هَلْ غَادَرَ الشُّعَرَاءُ منْ مُتَـرَدَّمِ
أم هَلْ عَرَفْتَ الدَّارَ بعدَ تَوَهُّـمِ
يَا دَارَ عَبْلـةَ بِالجَواءِ تَكَلَّمِـي
وَعِمِّي صَبَاحاً دَارَ عبْلةَ واسلَمِي
فَوَقَّفْـتُ فيها نَاقَتي وكَأنَّهَـا
فَـدَنٌ لأَقْضي حَاجَةَ المُتَلَـوِّمِ
وتَحُـلُّ عَبلَةُ بِالجَوَاءِ وأَهْلُنَـا
بالحَـزنِ فَالصَّمَـانِ فَالمُتَثَلَّـمِ
حُيِّيْتَ مِنْ طَلَلٍ تَقادَمَ عَهْـدُهُ
أَقْـوى وأَقْفَـرَ بَعدَ أُمِّ الهَيْثَـمِ
حَلَّتْ بِأَرض الزَّائِرينَ فَأَصْبَحَتْ
عسِراً عليَّ طِلاَبُكِ ابنَةَ مَخْـرَمِ
عُلِّقْتُهَـا عَرْضاً وأقْتلُ قَوْمَهَـا
زعماً لعَمرُ أبيكَ لَيسَ بِمَزْعَـمِ
ولقـد نَزَلْتِ فَلا تَظُنِّي غَيْـرهُ
مِنّـي بِمَنْـزِلَةِ المُحِبِّ المُكْـرَمِ
كَـيفَ المَزارُ وقد تَربَّع أَهْلُهَـا
بِعُنَيْـزَتَيْـنِ وأَهْلُنَـا بِالغَيْلَـمِ
إنْ كُنْتِ أزْمَعْتِ الفِراقَ فَإِنَّمَـا
زَمَّـت رِكَائِبُكُمْ بِلَيْلٍ مُظْلِـمِ
مَـا رَاعَنـي إلاَّ حَمولةُ أَهْلِهَـا
وسْطَ الدِّيَارِ تَسُفُّ حَبَّ الخِمْخِمِ
فِيهَـا اثْنَتانِ وأَرْبعونَ حَلُوبَـةً
سُوداً كَخافيةِ الغُرَابِ الأَسْحَـمِ
إذْ تَسْتَبِيْكَ بِذِي غُروبٍ وَاضِحٍ
عَـذْبٍ مُقَبَّلُـهُ لَذيذُ المَطْعَـمِ
وكَـأَنَّ فَارَةَ تَاجِرٍ بِقَسِيْمَـةٍ
سَبَقَتْ عوَارِضَها إليكَ مِن الفَمِ
أوْ روْضـةً أُنُفاً تَضَمَّنَ نَبْتَهَـا
غَيْثٌ قليلُ الدَّمنِ ليسَ بِمَعْلَـمِ
جَـادَتْ علَيهِ كُلُّ بِكرٍ حُـرَّةٍ
فَتَرَكْنَ كُلَّ قَرَارَةٍ كَالدِّرْهَـمِ
سَحّـاً وتَسْكاباً فَكُلَّ عَشِيَّـةٍ
يَجْـرِي عَلَيها المَاءُ لَم يَتَصَـرَّمِ
وَخَلَى الذُّبَابُ بِهَا فَلَيسَ بِبَـارِحٍ
غَرِداً كَفِعْل الشَّاربِ المُتَرَنّـمِ
هَزِجـاً يَحُـكُّ ذِراعَهُ بذِراعِـهِ
قَدْحَ المُكَبِّ على الزِّنَادِ الأَجْـذَمِ
تُمْسِي وتُصْبِحُ فَوْقَ ظَهْرِ حَشيّةٍ
وأَبِيتُ فَوْقَ سرَاةِ أدْهَمَ مُلْجَـمِ
وَحَشِيَّتي سَرْجٌ على عَبْلِ الشَّوَى
نَهْـدٍ مَرَاكِلُـهُ نَبِيلِ المَحْـزِمِ
هَـل تُبْلِغَنِّـي دَارَهَا شَدَنِيَّـةَ
لُعِنَتْ بِمَحْرُومِ الشَّرابِ مُصَـرَّمِ
خَطَّـارَةٌ غِبَّ السُّرَى زَيَّافَـةٌ
تَطِـسُ الإِكَامَ بِوَخذِ خُفٍّ مِيْثَمِ
وكَأَنَّمَا تَطِـسُ الإِكَامَ عَشِيَّـةً
بِقَـريبِ بَينَ المَنْسِمَيْنِ مُصَلَّـمِ
تَأْوِي لَهُ قُلُصُ النَّعَامِ كَما أَوَتْ
حِـزَقٌ يَمَانِيَّةٌ لأَعْجَمَ طِمْطِـمِ
يَتْبَعْـنَ قُلَّـةَ رأْسِـهِ وكأَنَّـهُ
حَـرَجٌ على نَعْشٍ لَهُنَّ مُخَيَّـمِ
صَعْلٍ يعُودُ بِذِي العُشَيرَةِ بَيْضَـةُ
كَالعَبْدِ ذِي الفَرْو الطَّويلِ الأَصْلَمِ
شَرَبَتْ بِماءِ الدُّحرُضينِ فَأَصْبَحَتْ
زَوْراءَ تَنْفِرُ عن حيَاضِ الدَّيْلَـمِ
وكَأَنَّما يَنْأَى بِجـانبِ دَفَّها الـ
وَحْشِيِّ مِنْ هَزِجِ العَشِيِّ مُـؤَوَّمِ
هِـرٍّ جَنيبٍ كُلَّما عَطَفَتْ لـهُ
غَضَبَ اتَّقاهَا بِاليَدَينِ وَبِالفَـمِ
بَرَكَتْ عَلَى جَنبِ الرِّدَاعِ كَأَنَّـما
بَرَكَتْ عَلَى قَصَبٍ أَجَشَّ مُهَضَّمِ
وكَـأَنَّ رُبًّا أَوْ كُحَيْلاً مُقْعَـداً
حَشَّ الوَقُودُ بِهِ جَوَانِبَ قُمْقُـمِ
يَنْبَاعُ منْ ذِفْرَى غَضوبٍ جَسرَةٍ
زَيَّافَـةٍ مِثـلَ الفَنيـقِ المُكْـدَمِ
إِنْ تُغْدِفي دُونِي القِناعَ فإِنَّنِـي
طَـبٌّ بِأَخذِ الفَارسِ المُسْتَلْئِـمِ
أَثْنِـي عَلَيَّ بِمَا عَلِمْتِ فإِنَّنِـي
سَمْـحٌ مُخَالقَتي إِذَا لم أُظْلَـمِ
وإِذَا ظُلِمْتُ فإِنَّ ظُلْمِي بَاسِـلٌ
مُـرٌّ مَذَاقَتُـهُ كَطَعمِ العَلْقَـمِ
ولقَد شَربْتُ مِنَ المُدَامةِ بَعْدَمـا
رَكَدَ الهَواجرُ بِالمشوفِ المُعْلَـمِ
بِزُجاجَـةٍ صَفْراءَ ذاتِ أَسِـرَّةٍ
قُرِنَتْ بِأَزْهَر في الشَّمالِ مُقَـدَّمِ
فإِذَا شَـرَبْتُ فإِنَّنِي مُسْتَهْلِـكٌ
مَالـي وعِرْضي وافِرٌ لَم يُكلَـمِ
وإِذَا صَحَوتُ فَما أَقَصِّرُ عنْ نَدَىً
وكَما عَلمتِ شَمائِلي وتَكَرُّمـي
وحَلِـيلِ غَانِيةٍ تَرَكْتُ مُجـدَّلاً
تَمكُو فَريصَتُهُ كَشَدْقِ الأَعْلَـمِ
سَبَقَـتْ يَدايَ لهُ بِعاجِلِ طَعْنَـةٍ
ورِشـاشِ نافِـذَةٍ كَلَوْنِ العَنْـدَمِ
هَلاَّ سأَلْتِ الخَيـلَ يا ابنةَ مالِـكٍ
إنْ كُنْتِ جاهِلَةً بِـمَا لَم تَعْلَمِـي
إِذْ لا أزَالُ عَلَى رِحَالـةِ سَابِـحٍ
نَهْـدٍ تعـاوَرُهُ الكُمـاةُ مُكَلَّـمِ
طَـوْراً يُـجَرَّدُ للطَّعانِ وتَـارَةً
يَأْوِي إلى حَصِدِ القِسِيِّ عَرَمْـرِمِ
يُخْبِـركِ مَنْ شَهَدَ الوَقيعَةَ أنَّنِـي
أَغْشى الوَغَى وأَعِفُّ عِنْد المَغْنَـمِ
ومُـدَّجِجٍ كَـرِهَ الكُماةُ نِزَالَـهُ
لامُمْعـنٍ هَـرَباً ولا مُسْتَسْلِـمِ
جَـادَتْ لهُ كَفِّي بِعاجِلِ طَعْنـةٍ
بِمُثَقَّـفٍ صَدْقِ الكُعُوبِ مُقَـوَّمِ
فَشَكَكْـتُ بِالرُّمْحِ الأَصَمِّ ثِيابـهُ
ليـسَ الكَريمُ على القَنا بِمُحَـرَّمِ
فتَـركْتُهُ جَزَرَ السِّبَـاعِ يَنَشْنَـهُ
يَقْضِمْـنَ حُسْنَ بَنانهِ والمِعْصَـمِ
ومِشَكِّ سابِغةٍ هَتَكْتُ فُروجَهـا
بِالسَّيف عنْ حَامِي الحَقيقَة مُعْلِـمِ
رَبِـذٍ يَـدَاهُ بالقِـدَاح إِذَا شَتَـا
هَتَّـاكِ غَايـاتِ التَّجـارِ مُلَـوَّمِ
لـمَّا رَآنِي قَـدْ نَزَلـتُ أُريـدُهُ
أَبْـدَى نَواجِـذَهُ لِغَيـرِ تَبَسُّـمِ
عَهـدِي بِهِ مَدَّ النَّهـارِ كَأَنَّمـا
خُضِـبَ البَنَانُ ورَأُسُهُ بِالعَظْلَـمِ
فَطعنْتُـهُ بِالرُّمْـحِ ثُـمَّ عَلَوْتُـهُ
بِمُهَنَّـدٍ صافِي الحَديدَةِ مِخْـذَمِ
بَطـلٌ كأَنَّ ثِيـابَهُ في سَرْجـةٍ
يُحْذَى نِعَالَ السِّبْتِ ليْسَ بِتَـوْأَمِ
ياشَـاةَ ما قَنَصٍ لِمَنْ حَلَّتْ لـهُ
حَـرُمَتْ عَلَيَّ وَلَيْتَها لم تَحْـرُمِ
فَبَعَثْتُ جَارِيَتي فَقُلْتُ لها اذْهَبـي
فَتَجَسَّسِي أَخْبارَها لِيَ واعْلَمِـي
قَالتْ : رَأيتُ مِنَ الأَعادِي غِـرَّةً
والشَاةُ مُمْكِنَةٌ لِمَنْ هُو مُرْتَمـي
وكـأَنَّمَا التَفَتَتْ بِجِيدِ جَدَايـةٍ
رَشَـاءٍ مِنَ الغِـزْلانِ حُرٍ أَرْثَـمِ
نُبّئـتُ عَمْراً غَيْرَ شاكِرِ نِعْمَتِـي
والكُـفْرُ مَخْبَثَـةٌ لِنَفْسِ المُنْعِـمِ
ولقَدْ حَفِظْتُ وَصَاةَ عَمِّي بِالضُّحَى
إِذْ تَقْلِصُ الشَّفَتَانِ عَنْ وَضَحِ الفَمِ
في حَوْمَةِ الحَرْبِ التي لا تَشْتَكِـي
غَمَـرَاتِها الأَبْطَالُ غَيْرَ تَغَمْغُـمِ
إِذْ يَتَّقُـونَ بـيَ الأَسِنَّةَ لم أَخِـمْ
عَنْـها ولَكنِّي تَضَايَقَ مُقْدَمـي
لـمَّا رَأيْتُ القَوْمَ أقْبَلَ جَمْعُهُـمْ
يَتَـذَامَرُونَ كَرَرْتُ غَيْرَ مُذَمَّـمِ
يَدْعُـونَ عَنْتَرَ والرِّماحُ كأَنَّهـا
أشْطَـانُ بِئْـرٍ في لَبانِ الأَدْهَـمِ
مازِلْـتُ أَرْمِيهُـمْ بِثُغْرَةِ نَحْـرِهِ
ولِبـانِهِ حَتَّـى تَسَـرْبَلَ بِالـدَّمِ
فَـازْوَرَّ مِنْ وَقْـعِ القَنا بِلِبانِـهِ
وشَـكَا إِلَىَّ بِعَبْـرَةٍ وَتَحَمْحُـمِ
لو كانَ يَدْرِي مَا المُحاوَرَةُ اشْتَكَى
وَلَـكانَ لو عَلِمْ الكَلامَ مُكَلِّمِـي
ولقَـدْ شَفَى نَفْسي وَأَذهَبَ سُقْمَهَـا
قِيْلُ الفَـوارِسِ وَيْكَ عَنْتَرَ أَقْـدِمِ
والخَيـلُ تَقْتَحِمُ الخَبَارَ عَوَابِسـاً
مِن بَيْنَ شَيْظَمَـةٍ وَآخَرَ شَيْظَـمِ
ذُللٌ رِكَابِي حَيْثُ شِئْتُ مُشَايعِي
لُـبِّي وأَحْفِـزُهُ بِأَمْـرٍ مُبْـرَمِ
ولقَدْ خَشَيْتُ بِأَنْ أَمُوتَ ولَم تَـدُرْ
للحَرْبِ دَائِرَةٌ على ابْنَي ضَمْضَـمِ
الشَّـاتِمِيْ عِرْضِي ولَم أَشْتِمْهُمَـا
والنَّـاذِرَيْـنِ إِذْ لَم أَلقَهُمَا دَمِـي
إِنْ يَفْعَـلا فَلَقَدْ تَرَكتُ أَباهُمَـا
جَـزَرَ السِّباعِ وكُلِّ نِسْرٍ قَشْعَـمِ


هو امرؤ القيس بن حجر بن الحارث بن عمرو بن حجر آكل المرار بن معاوية بن ثور وهو كندة. شاعر جاهلي يعد أشهر شعراء العرب على الإطلاق، يماني الأصل، مولده بنجد. كان أبوه ملك أسد وغطفان، ويروى أن أمّه فاطمة بنت ربيعة بن الحارث بن زهير أخت كليب ومهلهل ابني ربيعة التغلبيين. وليس في شعره ما يثبت ذلك، بل إنه يذكر أن خاله يدعى ابن كبشة حيث يقول:

خالي ابنُ كبشة قد علمتَ مكانه - وأبو يزيدَ ورهطُهُ أعمامي

قال الشعر وهو غلام، وجعل يشبب ويلهو ويعاشر صعاليك العرب، فبلغ ذلك أباه، فنهاه عن سيرته فلم ينته، فأبعده إلى حضرموت موطن أبيه وعشيرته، وهو في نحو العشرين من عمره. أقام زهاء خمس سنين، ثم جعل يتنقل مع أصحابه في أحياء العرب، يشرب ويطرب ويغزو ويلهو، إلى أن ثار بنو أسد على أبيه فقتلوه، فبلغه ذلك وهو جالس للشراب فقال: رحم الله أبي! ضيعني صغيراً وحملني دمه كبيراً، لا صحو اليوم ولا سكر غداً، اليوم خمر وغداً أمر. وذهب إلى المنذر ملك العراق، وطاف قبائل العرب حتى انتهى إلى السموأل، فأجاره ومكث عنده مدة، ثم قصد الحارث بن شمر الغساني في الشام، فسيره الحارث إلى القسطنطينية للقاء قيصر الروم يوستينياس، ولما كان بأنقرة ظهرت في جسمه قروح فأقام فيها إلى أن مات.

وليس يعرف تاريخ ولادة امرئ القيس ولا تاريخ وفاته، ويصعب الوصول إلى تحديد تواريخ دقيقة مما بلغنا من مصادر. وتذهب بعض الدراسات الحديثة إلى أن امرأ القيس توفي بين عام 530م. وعام 540م. وأخرى إلى أنّ وفاته كانت حوالي عام 550م. وغيرها تحدّد عام 565م. إلاّ أن هناك بعض الأحداث الثابتة تاريخياً ويمكن أن تساعد على تحديد الفترة التي عاش فيها.

يقول ابن قتيبة إن قبَّاذ ملك الفرس ملَّك الحارث بن عمرو جدّ امرئ القيس على العرب. ويقول أهل اليمن إن تبّعاً الأخير ملَّكه وكان الحارث ابن أخته، فلما هلك قبَّاذ خلفه ابنه أنو شروان فملَّك الحيرة المنذر بن ماء السماء. ولا يبدو من تناقض بين ما يراه ابن قتيبة وما يرويه عن أهل اليمن فليس بمستبعد أن تبّعاً هو من ولَّى الحارث ملكاً في الشمال. وكندة تعود إلى أصول يمنية، وذلك لا يمنع من أن يكون قبَّاذ قوَّى ملك الحارث وبسط نفوذه على مناطق لم تكن خاضعة له من قبل. وهذا ما يذهب إليه الأصبهاني ناقلاً عن كثير من الروايات المتفقة على أن قبَّاذ طرد المنذر من الحيرة لأنه رفض الدخول معه في الدعوة التي قام بها مزدك في عهده والتي يدعو فيها إلى إباحة الحرم، على حدّ تعبير الأصبهاني، وشدَّد ملك الحارث الذي أخذ بالمزدكية عقيدة، ويبدو أنه ملَّك الحارث على الحيرة مكان المنذر. ويرجّح أن الحارث أخذ بالمزدكية لبسط نفوذه ونفوذ قومه على شبه الجزيرة حتى أصبح بإمكانه أن يولّي أبناءه الملك على مناطق شاسعة. ولما مات قبَّاذ أخذ الحكم ابنه أنو شروان وذلك عام 531م. وكان على خلاف مع أبيه في شأن مزدك وتعاليمه، فأعاد المنذر إلى الحيرة، وقاتل الحارث الذي هرب إلى أرض كليب ونجا. ولا يعرف تاريخ وفاة الحارث، وتختلف الروايات عن كيفية موته: فكلب يزعمون أنهم قتلوه، وكندة تزعم أنه مات خلال رحلة صيد، وآخرون يقولون إنه مكث في بني كلب حتى مات حتف أنفه. ويستنتج ممّا تقدم أن حجراً كان ملكاً على أسد قبل عام 531م. حين كان أبوه ما يزال في أوج سلطته. ولا خلاف على مولد امرئ القيس ببلاد أسد أي أنه ولد قبل عام 531م. وأي تاريخ محدَّد يوضع لولادته ليس أكثر من مجرَّد تخمين.

وكذلك الأمر بالنسبة لتاريخ وفاته الذي يمكن أن يرجّح من خلال استقراء الأحداث التاريخية المدوَّنة كما وصلتنا. فقد ثارت بنو أسد وقتلت حجراً أباه، ولا يعرف لهذا الحدث تاريخ، إلاّ أن معظم الروايات التي يوردها الأصبهاني تتفق على أن امرأ القيس كان شاباً عند مقتل أبيه. ويروي أبو عمرو الشيباني (م206هـ) أن امرأ القيس قاتل مع أبيه ضد بني أسد حين انهزمت كندة، وفرَّ على فرس له شقراء بينما يروي ابن السكيت (م245هـ) أنه كان في مجلس شراب يلعب النرد حين أتاه نعي أبيه ووصيته بالثأر. غير أن الهيثم بن عدي (م 206هـ) يذكر أن امرأ القيس لما قتل أبوه كان غلاماً قد ترعرع. ولكن هذه الباحثة لا تطمئن إلى صحة هذه الرواية لأن امرأ القيس قال معظم شعره اللاهي، بما في ذلك مطوَّلته، "قفا نبكِ" قبل مقتل أبيه، وليس ذلك بشعر غلام، بل شعر رجل ناضج. كما أن هذه الرواية لا تؤيِّدها الروايات الأخرى عن مقتل حجر التي تجعل من الشاعر إما مقاتلاً في جيش أبيه وإما لاهياً يقول: "ضيّعني صغيراً وحمَّلني دمه كبيراً" حسب رواية ابن الكلبي (م204هـ). كما أنها تنفي روايات سعيه للثأر لأبيه، المتفق عليها، فكيف يسعى غلامٌ ذلك المسعى الكبير.

وأما الحدث الذي يسهم، دون غيره، في تحديد الفترة التي توفي فيها امرؤ القيس، فهو ذهابه إلى القسطنطينية ولقاؤه قيصر الذي توجّه إليه لطلب المعونة في استرداد ملك أبيه، مستغلاً العداوة التاريخية بين الروم والفرس وصراعه مع المنذر بن ماء السماء الذي أعاده أنو شروان إلى الحيرة طارداً منها جدّه الحارث. وقد كانت بين امرئ القيس وبين المنذر حروب طويلة. وكان إمبراطور بيزنطية حينذاك يوستنيانوس، وهو آخر أعظم أباطرة بيزنطية، وقد حكم من عام 527م. إلى 565م.، وخاض حروباً امتدت طوال حياته ضد أنو شروان، وكانت أنطاكية والمناطق المحيطة بها مسرحاً لتلك الحروب. وقد تم توقيع أول معاهدة سلم بينهما عام 532م.، وسُمِّيت "معاهدة السلام الأبدي". غير أن الحرب عادت إلى الاشتعال وسقطت أنطاكية بيد الفرس عام 540م. وبقيت بأيديهم حتى عام 545م. حين وقَّعت بينهما اتفاقية هدنة. وتجدَّدت الحرب عام 551م، واتفق مجدَّداً على هدنة عام 557م، ولم تعد أنطاكية إلى بيزنطية إلاّ عام 561م. حين اتفق يوستنيانوس وأنو شروان على هدنة لمدّة خمسين سنة بشرط أن تدفع بيزنطية الجزية لفارس.

ولعلَّه يصحّ الاستنتاج ممَّا تقدّم أن امرأ القيس لم يذهب إلى القسطنطينية إلا بعد عام 561م، بعد انتهاء تلك الحروب وبعد عودة أنطاكية إلى الروم، لأن طريق رحلته إلى القسطنطينية تمرّ في تلك المناطق التي لن يجتازها وهي بأيدي أعدائه من الفرس وأنصارهم من العرب. وقد وفَّر امرؤ القيس نفسه دليلاً على الطريق التي سلكها في تلك الرحلة في قصيدته "سما لك شوق بعدما كان أقصرا"، وفيها يذكر بلاد الشام التي مرَّ بقراها ومدنها كحوران وبعلبك وحماه وخملى، ومنها إلى أراضي الإمبراطورية الرومانية الشرقية. ومن هنا تميل هذه الباحثة إلى تحديد تاريخ وفاة امرئ القيس، التي تجمع الروايات أنها حدثت في طريق عودته من القسطنطينية، بين عام 563م. و 564م. وقبل عام 565م، تاريخ وفاة يوستنيانوس.

ويذهب الرواة إلى أن قيصر بعث إليه في طريق عودته بحلّة مسمومة تقرّح جلده حين لبسها ومات، بعد أن كان قد أحسن وفادته زوَّده بجيش لمساعدته في استرداد ملك أبيه، وإن اختلفوا في الأسباب التي قادته إلى قتله. ورواية الحلّة المسمومة ظاهرة التهافت وكذلك قصة قتله والوشاية به، وليس في شعره ما يوحي بذلك. ويبدو أن امرأ القيس مات بمرض جلديّ يذكره في شعره، وقد عانى منه في السابق وإن لم يكن بالحدّة نفسها، وهو افتراض يدعمه بيت شعر قاله:

تأوَّبني دائي القديمُ فغلّسا - أُحاذِرُ أن يرتدَّ دائي فأُنْكَسا

عاش امرؤ القيس حياة غنيّة بالتجربة بين قطبي اللهو الحرب. وكان في عزّة ورخاء عيش حين كان أبوه ملكاً، يلهو ويشرب ويذهب إلى الصيد ويقول الشعر، إلى أن طرده أبوه فكان يسير في أحياء العرب مع شذّاذهم مواصلاً حياة اللهو والشرب والأكل والغناء. وبعد مقتل أبيه حرَّم على نفسه الخمر والنساء حتى يأخذ بثأره، وواصل السعي لاسترداد الملك المفقود. وسيرة امرئ القيس تكشف جوانب تاريخية مهمّة من تاريخ القبائل العربية في تلك الحقبة، من اليمن إلى أواسط شبه الجزيرة وشمالها، وتتضمّن صورة من صور الصراع المحتدم بين الروم والفرس وعملائهم من الغساسنة واللّخميين. وكان امرؤ القيس قد طاف في طول شبه الجزيرة وعرضها باحثاً عن أنصار لدعمه في سعيه للثأر لأبيه واسترداد ملكه أو هارباً من أعدائه. لقد استنصر أولاً بكراً وتغلب فنصروه وقاتلوا معه بني أسد حتى كثرت فيهم الجرحى والقتلى وهربوا، ولكنهم رفضوا أن يلحقوا ببني أسد حين أراد امرؤ القيس أن يتبعهم بحجة أنه قد أصاب ثأره. فذهب إلى اليمن واستنصر أزد شنوءة فأبوا أن ينصروه. فلحق بحمير فساعدته، واستأجر من قبائل العرب رجالاً وسار بهم إلى بني أسد، والتقاه المنذر ومعه جيوش من إياد وبهراء وتنوخ مع جيش من الأساورة أمدّه به أنو شروان. فتفرَّقت حمير وهرب هو وجماعنه، فنزل في رجل من بني حنظلة ولبث عنده حتى بعث المنذر إلى الرجل مائة من أصحابه يوعده بالحرب إن لم يسلِّم امرأ القيس وجماعته، ونجا امرؤ القيس وابنته هند ويزيد بن معاوية بن الحارث ابن عمه، والتجأ عند سعد بن الضباب الإيادي، ثم نزل في بني نبهان من طيء، وبعدها انتقل إلى رجل من بني ثعل من طيء استجار به فوقعت بين الثعلي وبعض أعداء امرئ القيس حرب فخرج من عندهم ونزل برجل من بني فزارة قيل إنه هو من نصحه بالذهاب إلى قيصر، وأرسله إلى السموأل بتيماء فاستودعه دروعه وماله وابنته وبقي معها ابن عمه. وبعث به السموأل إلى الحارث بن أبي شمر الغسّاني بالشام الذي أوصله إلى قيصر. والحارث، وهو الذي ملَّكه الإمبراطور البيزنطي على الشام ليقاتل أعداء الإمبراطورية وبالأخص أنصار الفرس من العرب وعلى رأسهم اللخميين ممثلين بالمنذر بن ماء السماء، عدو امرئ القيس، ليس من المستغرب أن يساعد عدوّ عدوّه على الوصول إلى غايته ليشتد في قتال ذلك العدو. ولا مجال لإثبات ما إذا كان قيصر قد دعمه بجيش كما قال الرواة العرب، وليس بمستبعد أن لا يفعل ذلك خصوصاً إذا قبلنا الافتراض بأن امرأ القيس توجَّه إليه بعد توقيع هدنة الخمسين سنة مع أنو شروان، بعد استرداد أنطاكية.

إن ما يبرز ممّا ذكرنا من أحداث هو أن هذه الفترة من تاريخ العرب كانت فترة صراع داخلي بين القبائل العربية المشتَّتة الولاء بين الروم والفرس، القوَّتين العظميين في ذلك الزمان، وقطبي الصراع السياسي العنيف في ذلك التاريخ، وكانت تلك المرحلة مرحلة انحسار سياسي واقتصادي واجتماعي في تاريخ شبه الجزيرة العربية، فاليمن سقط سنة 525م. تحت الاحتلال الحبشي، وسقطت بذلك مملكة كندة التي استمدَّت كيانها وقوّتها من اليمن، وتناثرت القبائل التي اتحدت تحت لوائها بعد أن كانت ? على حدّ قول برنارد لويس- بما حقَّقته من مكانة وانتصارات وتوسّع، أعظم اتحاد قبل الإسلام، بين قبائل الشمال والوسط، وصلت إلى ذروة نضجها في القرن السادس الميلادي، ولها تدين اللغة العربية الموحَّدة ويدين التراث الشعري الموحَّد، بنشأتهما وتطوّرهما. وقد أخفقت محاولة امرئ القيس في تجميع شتات تلك القبائل وإعادة بناء المملكة، وكانت محاولة فردية جاءت في وقت عمَّ فيه الانحلال والفوضى والانهيارات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وظلَّ الانحدار مستمراً، ولكنه كان ينطوي على بذور نهضة كبيرة فتَّقتها الدعوة الإسلامية ففجَّرت انبعاثاً حضارياً أصيلاً حقَّق للعرب وحدتهم السياسية ودولة امتدَّت من الصين إلى أواسط أوروبا.

وقال عنه ابن بليهد: بلدته (أي امرؤ القيس) ذو جرة قرية بمخلاف "السكاسك" في اليمن، وهو رجل كان كثير التنقل في أول شبابه، ولذلك ورد في شعره كثير من أسماء المواضع في مختلف أنحاء الجزيرة؛ فذكر مواضع من حضرموت، كدمون وعندل، ومواضع في شمال نجد كأسيس والطها وتيماء السموءل، ومواضع في عالية نجد الشمالية، كمنعِج وعاقِل؛ ومواضع في عالية نجد الجنوبية، كالدخول وحومل وتوضح والمقراة. ومن عادة الشعراء المتقدمين ذكر المواضع المتباعدة في القصيدة الواحدة. بل في البيت الواحد وقد وفد على قيصر ملك الروم، وهو يقول في هذه الرحلة:

بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه - وأيقن أنّا لاحقان بقيصرا

وإذا كان الحديث يجر بعضه بعضاً فإني أحب أن أشير إلى غلط وقع فيه كثير من الباحثين في المواضع، وهو الاعتقاد بأن بلد الشاعر صاحب هذه المعلقة هي "مراة" المعروفة في الوشم، وأول من علمته وقع في هذا الخطأ كاتب نشر في جريدة "أم القرى" منذ ثلاث وعشرين سنة تقريباً رحلة بعنوان "الرحلة السلطانية". ثم أتى كاتب آخر فنشر رحلة أخرى في جريدة "صوت الحجاز" في سنتها الأولى، قال فيها إن "مراة" هي "المقراة" التي وردت في شعر امرئ القيس، ثم جاء كاتب ثالث فقال في كتاب مطبوع معروف: إن امرأ القيس ولد في "مراة" وآخر من علمته وقع في ذلك الخطأ: الأستاذ أحمد حسين في كتابه "مشاهداتي في جزيرة العرب". ومنشأ هذا الخطأ: أن "مراة" قد نسبت في بعض مؤلفات القدامى إلى امرئ القيس، ولكن اسم امرئ القيس اسم شائع في العهد الجاهلي، واشتهر به كثير من الشعراء وغيرهم، وللأستاذ حسن السندوبي بحث ممتع عن "المراقسة" طبعه مع ديوان امرئ القيس، وفي "المزهر" للسيوطي و "شعراء النصرانية" لليسوعي تفصيل عنهم. والذي وقع في مؤلفات أسلافنا من العلماء صحيح. ولكن امرأ القيس الذي تنسب إليه "مراة" ليس هو امرؤ القيس بن حُجر الكندي، صاحب المعلقة؛ فقد جاء هذا الخطأ من الاغترار بذكر "امرئ القيس" وإنما هو امرؤ القيس بن زيد مناة بن تميم، وتميم هم سكان الوشم في العهد القديم. فمراة لبني امرئ القيس، وثرمداء لبني سعد، وأثيفية لبني يربوع من بني حنظلة الذين منهم بلال الشاعر، وذات غسل لبني العنبر. وامرؤ القيس بن حجر الشاعر المشهور لم يسكن مراة المعروفة في بلاد الوشم.

وقد اهتم المستشرقون الغربيون بشعراء المعلقات وأولوا اهتماماً خاصاً بالتعرف على حياتهم، فقد قالت ليدي آن بلنت وقال فلفريد شافن بلنت عن امرئ القيس في كتاب لهما عن المعلقات السبع صدر في بداية القرن العشرين: امرؤ القيس بن حجر، أقدم وأكثر شعراء الجاهلية الذين وصلت أعمالهم إلينا إثارة للاهتمام. كان عربياً نبيل الدم ينحدر من ملوك حمير من كندة، الذين حكموا جزءاً من اليمن تحت سلطة رئيس عائلتهم، توبا، التي عرف بها أو لقب إمبراطور اليمن. يقول أبو عبيدة، مؤرخ عاش في زمن هارون الرشيد إن هؤلاء قد حصلوا على ملكهم في أيام مملكة حمير، حيث انحدرت بعض القبائل من وائل ووجدوا أنفسهم في حالة من الفوضى لافتقارهم إلى رئيس كبير، فعقدوا اجتماعاً وقالوا:" صار للحمقى منا اليد الطولى وأكل القوي فينا الضعيف. لنذهب إلى توبا عله ينصب رئيساً علينا." فوضعهم تحت حكم قريبه حجر عقيل المرار الكندي وحكمهم حجر وأولاده من بعده. كان حجر والد امرؤ القيس الحفيد الأول لحجر الأول. الشيء نفسه حدث معه حيث اختارته قبيلة بني أسد وقطفان حاكماً عليهما. كان ملوك كندي آخر الذين حكموا اليمن من حمير وعادوا إلى موطنهم الأصلي حمير في حضرموت في آخر قرن قبل الإسلام.

والده حجر بن حارث أمير قبيلتي بني أسد وقطفان في اليمن. أنزل منزلة خاصة في خيمة والده كونه أصغر أخوته، وكذلك احتفت به نساء القبيلة في شبابه لوسامته وفطنته، ونسبت له كثير من المغامرات الغرامية بما في ذلك ما ذكره في معلقته. غضب والده عليه بسبب فضائحه وإفراطه في شعر الحب، فأرسله كما الحال والشباب في هذه الأيام ليرعى إبله في مكان بعيد في الصحراء، لكن هذا لم يستمر طويلاً. أهمل مهمته وقضى وقته في نظم الشعر عن دوابه وفرس والده، حتى أوكل إليه العمل كمجرد راعي خراف ما أعتبره امرؤ القيس إهانة عظيمة. جرح هذا كبرياءه فرفض وخرج في زمرة من الصعاليك حتى طرد أخيراً من مناطق نفوذ والده.

وكان الرجال الذين يرتكبون أخطاء أخلاقية بحق القبيلة يطردون منها وينبذون من قبل أفراد القبيلة. ما زال هؤلاء الهاربين يشكلون عصابات من اللصوص الخارجين عن القانون حتى هذه الأيام، وهم أشد خطراً على المسافرين من غزوات البدو العادية. يعيشون في الجبال بين الصخور وفي الكهوف حيثما وجدت في الجزيرة. وصفهم دوفتي باسم " هبيلة " في كتابه " الصحراء العربية " يقول:" الهبيلة أشرار الصحراء الذين يخشاهم رجال القبائل البدو الرحل، كما يخشى الحضر وسكان الواحات البدو. الهبيلة عادة شباب أوغاد لا يملكون ماشية أو قطعان يعرضون أنفسهم لكل مخاطرة شرسة، لكن بعضهم رجال وحيدين مفعمين بالنشاط يحركهم مزاجهم غير الهادىء من كسلهم في ظل الخيام إلى التجوال خلسة كالذئاب بحثاً عن فريسة في البراري. يتحمل هؤلاء الخارجين عن القانون المصاعب الشاقة وغالباً ما تكون لهم صفات الوثنية المتوحشة. يقال إنهم لا يتركون أحداً حياً. إلى حد ما هم دوماً من الخدم الذين لا يفهمون بسهولة ويترصدون فريستهم تحت الصخور وفي الأدغال. خلال سنوات ترحاله والسنوات التي تلت، عندما كان في الخامسة والعشرين تقريباً، كتب معلقته الشهيرة، أول المعلقات.

كما تزوج في الفترة نفسها زوجته الأولى، لم يكن ذلك أقل أعماله الطائشة، إذ قيل إنه أقسم بعدم الزواج ثانية إلا أن يقابل المرأة التي تحل لغزاً ابتدعه. كان سؤال اللغز " ما ثمانية وأربعة واثنان ?" وكانت الإجابة التي يتلقاها عادة " الرقم 14 " حتى كان يوماً فيه مسافراً في نجد، وقابل في طريقه شيخاً مع ابنته الذكية التي حلت اللغز بقولها:" أما ثمانية فأطباء الكلبة، وأما أربعة فأحلاف الناقة وأما اثنان فثديا المرأة." فخطبها إلى أبيها فزوجه إياها وأنجب منها عدة أبناء وابنته هند. لا تعرف زوجة امرؤ القيس الأولى باستثناء أنها من عائلة كريمة. وشرطت هي عليه أن تسأله ليلة بنائها عن ثلاث خصال. فجعل لها ذلك وأن يسوق لها مائة من الإبل وعشر أعبد وعشرة وصائف وثلاث أفراس. ففعل ذلك. ثم أن بعث عبداً له إلى المرأة وأهدى إليها نحياً من السمن ونحياً من عسل وحلة من عصب. فنزل العبد ببعض المياه فنشر الحلة ولبسها فتعلقت بعشرة فانشقت. وفتح النحيين فطعم أهل الماء منهما فنقصا. ثم قدم على حي المرأة وهو خلوف. فسألها عن أبيها وأمها وأخيها ودفع إليها هديتها. فقالت له أعلم مولاك أن أبي ذهب يقرب بعيداً ويبعد قريباً، وأن أمي ذهبت تشق النفس نفسين، وأن أخي يراعي الشمس وأن سماءكم انشقت وأن وعاءكم نضبا. فقدم الغلام على مولاه فأخبره. فقال: أما قولها إن أبي ذهب يقرب بعيداً ويبعد قريباً فإن أباها ذهب يحالف قوماً على قومه. وأما قولها ذهبت أمي تشق النفس نفسين، فإن أخاها في سرح له يرعاه فهو ينتظر وجوب الشمس ليروح به. وأما قولها: إن سماءكم انشقت فإن البرد الذي بعثت به انشق. أما قولها إن وعاءكم نضبا، فإن النحيين الذين بعثت بهما نقصا. فأصدقني. فقال : يا مولاي، إني نزلت بماء من مياه العرب. فسألوني عن نسبي فأخبرتهم إني ابن عمك ونشرت الحلة فانشقت وفتحت النحيين فأطعمت منهما أهل الماء. فقال: أولى لك!

ثم ساق مائة من الإبل وخرج نحوها ومعه الغلام. فنزل منزلاً. فخرج الغلام يسقي الإبل فعجز، فأعانه امرؤ القيس فرمى به الغلام في البئر، وخرج حتى أتى المرأة بالإبل وأخبرهم أنه زوجها. فقيل لها: قد جاء زوجك. فقالت: والله ما أدري أزوجي هو أم لا! ولكن انحروا له جزوراً وأطعموه من كرشها وذنبها ففعلوا. فقالت: اسقوه لبناً جزوراً وهو الحامض فسقوه فشرب. فقالت: افرشوا له الفرث والدم. ففرشوا له فنام فلما أصبحت أرسلت إليه إني أريد أن أسألك. فقال: سلي عما شئت. فقالت: مما تختلج شفتاك? قال لتقبيلي إياك. قالت: فمم يختلج كشحاك? قال: لالتزامي إياك. قالت: فمما يختلج فخذاك? قال لتوركي إياك. قالت: عليكم العبد فشدوا أيديكم به. ففعلوا. قال: ومر قوم فاستخرجوا امرؤ القيس من البئر. فرجع إلى حيه. فاستاق مائة من الإبل وأقبل إلى امرأته. فقيل لها قد جاء زوجك. فقالت: والله ما أدري أزوجي هو أم لا، ولكن انحروا له جزوراً فأطعموه من كرشها وذنبها ففعلوا. فلما أتوه بذلك قال: وأين الكبد والسنام والملحاء! فأبى أن يأكل. فقالت: اسقوه لبناً حارزاً. فأبى أن يشربه وقال: فأين الصريف والرثيئة! فقال: افرشوا له عند الرف والدم. فأبى أن ينام وقال: افرشوا لي فوق التلعة الحمراء واضربوا عليها خباء. ثم أرسلت إليه: هلم شريطتي عليك في المسائل الثلاث. فأرسل إليها أن سلي عما شئت. فقالت: مما تختلج شفتاك? قال: لشرب المشعشعات. قالت: فمما يختلج كشحاك? قال: للبسي الحبرات. قالت: فمما تختلج فخذاك? قال لركضي المطهمات. فقالت: هذا زوجي لعمري! فعليكم به واقتلوا العبد. فقتلوه. ودخل امرؤ القيس بالجارية.

أتاه أثناء تجواله نعي أبيه وقد قتل في تمرد بني أسد. أوصى الوالد قبل موته بمواشيه وقطعانه لمن يأخذ بثأره من أبنائه ولا يبكي حين يأتيه خبر موته. بكى الأبناء الكبار كلهم، لكن امرؤ القيس كان منهمكاً في لعبة الداما عند وصول الخبر فلم يوله اهتماماً حتى أتم لعبته وربحها. ثم دون إشارة على أسى نهض وامتطى حصانه وعاد مع الرسل الذين جلبوا الخبر ليستعد للأخذ بالثار. هذا ما أراده حجر وبذلك حصل امرؤ القيس على الإرث.

وشكك بعض المعلقين الأوائل في أن هذا هو الاسم الحقيقي للشاعر الذي اسماه ابن قاسم المغربي "جنداه" مفسراً أن اسم امرؤ القيس كان مجرد اسم مستعار فقط. يقولون إن امرؤ القيس تعني "رجل الأسى" وإن الاسم المستعار أعطي للشاعر بسبب المحن التي واجهها. يقول الشيخ محمد عبده، أعظم دارس للعربية في عصرنا، إن هذا غير صحيح. يؤكد أن معنى امرؤ القيس ببساطة هو "الرجل" أي عبد قيس، أحد الآلهة الوثنية عند العرب، وإن الاسم استخدم دوماً كاسم علم مثلما يستخدم المسلمون الآن اسم عبد الله والمسيحيون عبد المسيح. صحيح أن قيس تحمل معنى الأسى أو المصاعب وربما كان الصنم يعني قديس الأسى الورع. يتكلم المؤرخون اليونانيون عن الشاعر ببساطة باسم قيس.

كان ما تبقى من تاريخ حياته، كما رواه صاحب كتاب الأغاني المصدر الرئيسي لمثل هذه القصص حكاية طويلة من المصاعب جلبتها عليه طاعته لوالده. عند عودته إلى اليمن، ناصره أقاربه من تغلب وبكر في قتاله فوراً- تنحدر القبيلتان من وائل وينتمي امرؤ القيس إلى تغلب من جهة أمه. إنهما القبيلتان اللتان شكت أمرهما إلى عمر بن هند، ما سبب في نظم معلقة عمر بن كلثوم والحارث- وأوقع اتحادهم الرعب في بني أسد، حتى أنهم أرسلوا رسلاً إلى امرؤ القيس عارضين، علاوة على الفدية المعتادة، تقديم أحد زعمائهم إليه ليفعل به ما يشاء. لكن بعد قضاء امرؤ القيس ليلة قلقة رفض في الصباح والدموع في عينيه كل مساومة. أعاد الرسل وهاجم بني أسد. حدث أن خيم هؤلاء مع قبيلته كنانة. ثم هجم قبل بزوغ الفجر تماماً مما أدى إلى ذبح رجال تغلب وبكر دون علم بعض أفراد من قبيلة كنانة التي لم تكن لها عداوة معهما. غضبت القبيلتان من امرؤ القيس حملاه مسؤولية الخطأ، مع ذلك تبعوا معه قبيلة بني أسد عند نبع ماء وهزموهم، وإن فر بعضهم أثناء الليل. أراد امرؤ القيس مطاردتهم، لكن تغلب وبكر رفضتا وتركتاه لائمتان " ويل لك، أنت رجل شؤم! " وعادتا إلى ديارهما. طلب امرؤ القيس مساعدة أقاربه الآخرين، لكنهم رفضوا تباعاً، وبمساعدة مرتزقة من القبائل فقط استطاع الأخذ بثأره. يقال إنه عندما أدرك بني أسد في " بباله " وبها صنم تعظمه العرب يقال له ذو الخلصة. متبعاً عادة عربية وثنية، استقسم عنده بقداحة وهي ثلاثة الآمر والناهي والمتربص. فأجالها فخرج الناهي، ثم أجالها فخرج الناهي، ثم أجالها فخرج الناهي ثم أجالها فخرج الناهي. فجمعها وكسرها وضرب بها وجه الصنم وقال: مصصت بظر أمك! لو أبوك قتل ما عقتني " ثم خرج فظفر ببني أسد.

وصلت هذه الأخبار المنذر ملك الحيرة، فأرسل فرسان ضد امرؤ القيس الذي هرب من مكان إلى آخر ومن قبيلة إلى أخرى، من اليمن حتى نهر الفرات، باحثاً عن مأوى وحاملاً معه ما تبقى من إرث. كان يستقبل في كل مكان بالترحاب بسبب قصائده، لكن بخشية من غضب ملك الحيرة. جاء في ترحاله إلى تلال طي، وعجا وسلمى (جبل شمر الآن) فاستقبله زعيم طي استقبالاً حسناً، وزوجه من ابنة من قبيلة أم جندب التي كانت زوجته الثانية. يقال إنها كانت ذكية أيضاً وفي أحد الأيام، كانت تصغي من خلف ستارة إلى زوجها وشاعر غريم، علقمه، يلقيان بقصائد في مدح خيولهما، وكان الحكم من أفضل منهما. منحت الجائزة للغريب وحجتها أن امرؤ القيس افتخر بسرعة جواده لأنه يحثه بصوته وسوطه، بينما افتخر الآخر بأن جواده ليس بحاجة لهذا. غضب امرؤ القيس وطلقها في الحال وسافر بحثاً عن مكان إقامة جديد مريح، وعداوة المنذر تطارده.

وكان هناك ثأر عائلي بين ملوك كندة وملوك الحيرة سبب ذلك كما ذكر في كتاب الأغاني: في الأيام التي كان الحارث بن حجر ملك كندة والمنذر ملك الحيرة وكسرى كبعد الفيروز على عرش فارس، ظهر في البلاط الفارسي مدرساً اسمه مردك بمذهب جديد بشر بثنائية الله (كروح طيبة وأخرى شريرة) وكذلك بمشاعة الحريم وإلى حد ما لا ينبغي على رجل رفض تقديم زوجته لرجل آخر. اعتنق كبعد هذه المبادىء وطلب من المنذر وأتباعه اعتناقها أيضاً وكذلك الحارث.

أطاع الحارث طلبه، لكن المنذر رفض. لهذا السبب فصل كعبد المنذر من حكومته وعين الحارث حاكماً للحيرة مكانه. حدث أن كان كبعد جالساً مع زوجته يوماً، أم ابنه أنوشروان، وطلب مردك الملكة لإشباع شهوته. وافق كسرى، لكن أنوشروان نقم على إهانة أمه وتوسل مردك أن يتراجع حتى لو طلب منه تقبيل قدمه. أذعن مردك لذلك، غير أن المرارة بقيت في نفس أنوشروان. عند وفاة كبعد وتولي أنوشروان الحكم، انتقم من مردك وطائفته، الزنادقة، وقضى عليهم وأعاد المنذر إلى مملكته. كما أرسل فرسانه الفرس مع المنذر لإخراج الحارث من حكم الحيرة ومعهم رجال بني تغلب والبحرة وإياد وتبع المنذر الحارث حتى إلى أرض كليب، وأخذ بني تغلب من الحارث ثروته وثمانية وأربعين من رجال بيته، الذين ذبحهم المنذر في حفر الأملاك في أرض مزينا، وعلى هذا أنشد عمر بن كلثوم:

وسيد معشر قد توجوه - بتاج الملك يحمي المحجرينا

أخيراً بعد ترحال طويل لجأ إلى السموءل الذي بني لنفسه حصناً في واحة تيما شمال نجد، حيث كان بإمكانه تحدي كل القادمين. يقال إن امرؤ القيس كان ما زال يحمل خمسة أطقم قتال ورثها عن أجداده، لكل منها اسم، كما كانت سيوف الفرسان الأبطال المسيحيين. كان معه ابنته هند وابن عمه زيد. استقبل السموءل كل هؤلاء تحت حمايته وبقوا هناك حتى زادت ضغوط المنذر ولم يود امرؤ القيس توريط مضيفه في المشاكل وبناءً على نصيحته ذهب إلى القيصر في القسطنطينية.

كان وضع الحدود الشمالية للجزيرة العربية آنذاك مثلما هي اليوم أو قبل مئة سنة بين القبائل والإمبراطورية العثمانية. ادعى الإمبراطور، الذي لا يملك أي سلطة حقيقية جنوب فلسطين، دوماً ملكية الجزيرة بكاملها، بينما في الجزء الشرقي من الصحراء، ادعى كسرى فارس أن له سلطان على قبائل الفرات عبر وسائط ملوك الحيرة. وعليه، كان الإمبراطور الحامي الطبيعي ضد المنذر، ولم يكن طلب امرؤ القيس بلا طائل. مر عبر حكام فلسطين وسوريا وآسيا الصغرى إلى القسطنطينية، ووصل بلاط الإمبراطور حيث استقبل بكل حفاوة. أهله منصبه كأمير من عائلة كندي الملكية في حمير الدخول إلى الإمبراطور شخصياً ونزل في القصر مثلما كان الأمراء الأعوان المنفيين من نجد ينزلون في قصر يلدز. مع ذلك، لم يستمر حسن طالعه طويلاً حيث اتهم بعلاقة غرامية مع ابنة الإمبراطور، فأجبر على الرحيل ثانية عائداً صوب بلده، لكنه لم يعش حتى يراها. لحقه ضباط القيصر في أ نقرة وتظاهروا بتقديم هدية وداع له من سيدهم عبارة عن رداء شرف مسموم أدى إلى قتله، كما يقال سنة 565 ميلادية وهو في الخامسة والأربعين. كان قبره موجوداً حتى القرن الثاني الهجري.

كسب السموءل سمعة جيدة بين العرب لإخلاصه في هذه المغامرة. ضغط عليه خادم الإمبراطور الحارث ملك غسان لإعطائه الأطقم الخمسة المتروكة في عهدته في تيما، لكنه رفض ودفع حياة ابنه ثمناً لذلك، الذي قبض عليه الحارث كرهينة، وهكذا بقيت أمانته مضرب مثل بين العرب لوقت طويل.

يعرف وزن بيت معلقة امرؤ القيس بالبحر الطويل حيث ينتهي كل بيت بتفعيلة مزدوجة وبصوت " لي " يقول المستشرقون إنها الأنموذج الذي استخدمه باقي شعراء المعلقات تقريباً وأسس لمدرسة جديدة في الشعر العربي قبل ذلك. بين المعلقات السبع هي التي تحتوي على أهم العناصر الإنسانية والطبيعية وأقلها قدحاً، كما أنها الأسهل للفهم. باستثناء النقل المفاجيء من موضوع إلى آخر، ما هو مشترك بين المعلقات كلها، هناك قليل من الإرباك أو ما يصعب فهمه. يبدأ الشاعر بمغامراته الغرامية المروية بواقعية ثم يذهب إلى وصف الليل في الصحراء والسحر وامتطاء جواده، وقيادة الضباء والاحتفال عند الغروب. تنتهي القصيدة بصورة عاصفة مفاجئة بيت التلال، قطعة تعتبر أرفع مستوى من الشعر وصل إلينا من شعراء الصحراء. إنها أول وأسهل المعلقات السبع ومبنية بأقل فن واع لذاته.

وقال دبليو إى كولستون عن امرئ القيس في كتاب من تحريره وتقديمه عن الشعر العربي: كان ابن حجر بن الحارث أميراً من قبيلة كندة. اسمه الحقيقي صندج، سمي امرؤ القيس لكثرة ما ألم به من مصائب. أطلق الرسول عليه لقب "الملك الضليل" لكونه أفضل شعراء عرب الجاهلية، كما قال فيه أيضاً إن بإمكانه قيادته إلى المحن. يلمح إلى مغامراته الغرامية مع فتاة من قبيلة أخرى في معلقته. سخط والده عليه ونفاه من القبيلة. هام سنوات حيث عاش حياة مجنون بين عرب الصحراء، حياة محفوفة بالمخاطر تشوبها الفاقة، تتراوح بين الوقوف ببئر ماء إلى الاحتفال ورفاقه بلحم ناقة واحتساء خمر بينما تغني المطربات. وهكذا كان الشاعر منهمكاً في الشراب واللعب عندما جاءه رسول من قبيلته يعلمه بمقتل والده من قبل متمردين من رعيته. لم يجب أمرؤ القيس وقال لرفيقه الذي توقف عن اللعب " استمر " لكن عند نهاية اللعبة قال لرفيقه إنه لم يود إفساد لعبته، ثم التفت إلى الرسول واستمع إلى تفاصيل اغتيال والده وقال " ضيعني صغيراً وحملني دمه كبيراً، اليوم خمر وغداً أمر".

زحف امرؤ القيس بجيش من قبيلتي تغلب وبكر (لم تكونا على خلاف آنذاك) إلى المتمردين الذين فروا خشية ثأره واحتموا بملك الحيرة، حينئذ تخلى أنصاره عنه فطلب العون من أمير الحمرية مرتضى الخير، الذي وعده بخمسة مئة رجل، لكنه مات ولم يبد خلفه حماساً لمساعدة الأمير التعيس.

التجأ امرؤ القيس إلى مطالعة طالعه، كما كانت عادة العرب في الجاهلية قبل اتخاذ قرار. سحب سهام الحظ الثلاثة " الأمر، الناهي، والمتربص" وكان المنع حظه ثلاث مرات. كسر الأسهم وألقى بها في وجه الصنم قائلاً:" لو أبوك قتل ما عقتني ".

حين وجد أنه لن يحصل على مساعدة من أمير اليمن، قصد بلاط الإمبراطور جوستينين، لكن لسوء حظه أن عربياً كان قد سبقه هناك وكان والد امرؤ القيس قد قتل والده، فلعب في عقل الإمبراطور وجعله يحقد على امرؤ القيس. غادر امرؤ القيس البلاط فلحقه رسول بثوب مسموم إلى أنقرة وما أن لبسه حتى أصيب بألم حاد وغطى جسده القرح ومات بعد حين. كانت آخر كلماته:

رب خطبة مسحنفره - وطعنة مثعنجرة
وجفنة متحيرة - حلت بأرض أنقرة


شرح معلقة امرؤ القيس

خاطب الشاعر صاحبيه ، وقيل بل خاطب واحدا وأخرج الكلام مخرج الخطاب لاثنين ، لان العرب من عادتهم إجراء خطاب الاثنين على الواحد والجمع ، فمن ذلك قول الشاعر: فإن تزجراني يا ابن عفان أنزجر، وأن ترعياني أحمِ عِرضاً ممنّعاً خاطب الواحد خطاب الاثنين ، وإنما فعلت العرب ذلك لان أدنى أعوان الرجل هم اثنان : راعي إبله وراعي غنمه ، وكذلك الرفقة أدنى ما تكون ثلاثة ، فجرى خطاب الاثنين على الواحد لمرور ألسنتهم عليه ، ويجوز أن يكون المراد به : قف قف ، فإلحاق الألف إشارة الى أن المراد تكرير اللفظ كما قال أبو عثمات المازني في قوله تعالى : "قال رب أرجعون " المراد منه أرجعني أرجعني ، جعلت الواو علما مشعرا بأن المعنى تكرير اللفظ مرارا ، وقيل : أراد قفن على جهة التأكيد ، فقلب النون ألفا في حال الوصل ، لأن هذه النون تقلب ألفا في حال الوقف ، فحمل الوصل على الوقف ، ألا ترى أنك لو وقفت على قوله تعالى : "لنسفعن" قلت : لنسفعا . ومنه قول الأعشى: وصلِّ على حين العشيّات والضحى ولا تحمد المثرين واللهَ فاحمدا = أراد فاحمدَن ، فقلب نون التأكيد ألفا ، يقال يكى يبكي بكاء وبكى ، ممدودا ومقصورا ، أنشد ابن الأنباري لحسان بن ثابت شاهدا له: بكت عيني وحق لها بكاها، وما يعني البكاء ولا العويل فجمع بين اللغتين ، السقط : منقطع الرمل حيث يستدق من طرفه ، والسقط أيضا ما يتطاير من النار ، والسقط أيضا المولود لغير تمام ، وفيه ثلاث لغات : سَقط وسِقط وسُقط في هذه المعاني الثلاثة ، اللوى:رمل يعود ويلتوي ، الدخول وحومل: موضعان . يقول : قفا وأسعداني وأعيناني ، أو : قف وأسعدني على البكاء عند تذكري حبيباً فارقته ومنزلا خرجت منه ، وذلك المنزل أو ذلك الحبيب أو ذلك بمنقطع الرمل المعوج بين هذين الموضعين
1
توضح والمقراة موضعان ، وسقط بين هذه المواضع الأربعة ، لم يعف رسمها ، أي لم ينمح أثرها ، الرسم: ما لصق بالأرض من آثار الدار مثل البقر و الرماد وغيرهما ، والجمع أرسم ورسوم ، وشمال ، فيها ست لغات : شمال وشمال وشأمل وشمول وشَمْل و شَمَل ، نسج الريحين: اختلافهما عليها وستر إحداهما إياها بالتراب وكشف الأخرى التراب عنها . وقيل : بل معناه لم يقتصر سبب محوها على نسج الريحين بل كان له أسباب منها هذا السبب ، ومر السنين ، وترادف الامطار وغيرها . وقيل : بل معناه لم يعف رسم حبها في قلبي وإن نسجتها الريحان . والمعنيان الاولان أظهر من الثالث ، وقد ذكرها كلها ابن الانبارى
2
الآرآم : الظباء البيض الخالصة البياض ، وأحداهما رئم ، بالكسر ، وهي تسكن الرمل ، عرصات (في المصباح) عرصة الدار : ساحتها ، وهي البقعة الواسعة التي ليس فيها بناء ، والجمع عراص مثل كلبة الكلاب ، وعرصات مثل سجدة وسجدات ،وعن الثعالبي : كل بقعة ليس فيها بناء فهي عرصة ، و(في التهذيب) : سميت ساحة الدار عرصة لأن الصبيان يعرصون فيها أي يلعبون ويمرحون ؛ قيعان : جمع قاع وهو المستوي من الأرض ، وقيعة مثل القاع ، وبعضهم يقول هو جمع ، وقاعة الدار : ساحتها ، الفلفل قال في القاموس : كهدهد وزبرج ، حب هندي . ونسب الصاغاني الكسر للعامة : و(في المصباح) ، الفلفل: بضم الفاءين ، من الأبرار ، قالوا : لايجوز فيه الكسر . يقول الشاعر : انظر بعينيك تر ديار الحبيبة التي كانت مأهولة بأهلها مأنوسة بهم خصبة الأرض كيف غادرها أهلها وأقفرت من بعدهم أرضها وسكنت رملها الظباء ونثرت في ساحتها بعرها حتى تراه كأنه حب الفلفل . في مستوى رحباتها
3
غداة : (في المصباح) ، الغداة : الضحوة ، وهي مؤنثة ، قال ابن الأنباري . ولم يسمع تذكيرها ، ولو حملها حامل على معنى أول النهار جاز له التذكير ، والجمع غدوات ، البين : الفرقة ، وهو المراد هنا ، وفي القاموس : البين يكون فرقة ووصلا ، قال الشارح : بأن يبين بينا وبينونة ، وهو من الأضداد ، اليوم : معروف ، مقدارة من طلوع الشمس إلى غروبها ، وقد يراد باليوم والوقت مطلقا ، ومنه الحديث : "تلك أيام الهرج" أي وقته ، ولا يختص بالنهار دون الليل ، تحملوا واحتملوا : بمعنى : ارتحلوا ، لدي : بمعنى عند ، سمرات ، بضم الميم : من شجر الطلح ، الحي: القبيلة من الأعراب ، والجمع أحياء ، نقف الحنظل : شقة عن الهبيد ، وهو الحب ، كالإنقاف والانتفاف ، وهو ، أي الحنظل ، نقيف ومنقوف ، وناقفة وهو الذي يشقه . والشاعر يقول : كأني عند سمرات الحي يوم رحيلهم ناقف حنظل ، يريد ، وقفت بعد رحيلهم في حيرة وقفة جاني الحنظلة ينقفها بظفره ليستخرج منها حبها
4
نصب وقوفا على الحال ، يريد ، قفا نبك في حال وقف أصحابي مطيتهم علي ، والوقوف جمع واقف بمنزلة الشهود والركوع في جمع شاهد وراكع ، الصحب : جمع صاحب ، ويجمع الصاحب على الأصحاب والصحب والصحاب والصحابة والصحبة والصحبان ، ثم يجمع الأصحاب على الأصاحيب أيضا ، ثم يخفف فيقال الأصاحب ، المطي : المراكب ، واحدتها مطية ، وتجمع المطية على المطايا والمطي والمطيات ، سميت مطية لأنه يركب مطاها أي ظهرها ، وقيل : بل هي مشتقة من المطو وهو المد في السير ، يقال : مطاه يمطوه ، فسميت الرواحل به لانها تمد في السير ، نصب الشاعر أسى على أنها مفعول له. يقول : لقد وقفوا علي ، أي لاجلي أو على رأسي وأنا قاعد ، رواحلهم ومراكبهم ، يقول لي : لا تهلك من فرط الحزن وشدة الجزع وتجمل بالصبر . وتلخيص المعنى : انهم وقفوا عليه رواحلهم يأمرونه بالصبر وينهونه عن الجزع
5
المهراق والمراق: المصبوب ، وقد أرقت الماء وهرقته وأهرقته أي صببته ، المعول : المبكى ، وقد أعول الرجل وعول إذا بكى رافعا صوته به ، والمعول : المعتمد والمتكل عليه أيضا ، العبرة : الدمع ، وجمعها عبرات ، وحكى ثعلب في جمعها العبر مثل بدرة وبدر. يقول : وإن برئي من دائي ومما أصابنى وتخلصي مما دهمني يكون بدمع أصبه ، ثم قال : وهل من معتمد ومفزع عند رسم قدر درس ، أو هل موضع بكاء عند رسم دارس ؟ وهذا استفهام يتضمن معنى الإنكار ، والمعنى عند التحقيق : ولا طائل في البكاء في هذا الموضع ، لأنه لا يرد حبيبا ولا يجدى على صاحبه خيراً، أو لا أحد يعول عليه ويفزع إليه في هذا الموضع . وتلخيص المعنى : وإن مخلصي مما بي هو بكائي . ثم قال : ولا ينفع البكاء عند رسم دارس
6
الدأب والدأب ، بتسكين الهمزة وفتحها : العادة ، وأصلها متابعة العمل والجد في السعي ، يقال : دأب يدأب دأبا ودئابا ودؤوبا ، وأدأبت السير : تابعته ، مأسل ، بفتح السين: جبل بعينه ، ومأسل ، بكسر السين : ماء بعينه ، والرواية فتح السين. يقول عادتك في حب هذه كعادتك من تينك ، أي قلة حظك من وصال هذه ومعاناتك الوجد بها كقلة حظك من وصالها ومعاناتك الوجد بهما ، قبلها أي قبل هذه التي شغفت بها الآن
7
ضاع الطيب وتضوع ؛ انتشرت رائحته ، الريا : الرائحة الطيبة. يقول : إذا قامت أم الحويرث وأم الرباب فاحب ريح المسك منهما كنسيم الصبا إذا جاءت بعرف القرنفل ونشره . شبه طيب رياهما بطيب نسيم هب على قرنفل وأتى برياه ، ثم لما وصفهما بالجمال وطيب النشر وصف حاله بعد بعدهما
8
الصبابة ، رقة الشوق ،وقد صب الرجل يصب صبابة فهو صب ، والأصل صبب فسكنت العين وأدغمت في اللام ، والمحمل : حمالة السيف، والجمع المحامل ،والحمائل جمع الحمالة . يقول : فسالت دموع عيني من فرط وجدي بهما وشدة حنيني إليهما حتى بل دمعي حمالة سيفي . نصب صبابة على أنه مفعول له كقولك : زرتك طمعا في برك ، قال الله تعالى : " من الصواعق حذر الموت " ، أي لحذر الموت ، وكذلك زرتك للطمع في برك ، وفاضت دموع العين مني للصبابة
9
في رب لغات : وهي ، رُبْ ورُبَ ورُبُ ورَبَ ، ثم تلحق التاء فتقول : ربة وربت ، ورب : موضوع في كلام العرب للتقليل ، وكم : موضوع للتكثير ، ثم ربما حملت رب على كم في المعني فيراد بها التكثير ، وربما حملت كم على رب في المعني فيراد بها التقليل . ويروى ؛ ألا رب "يوم" كان منهن صالح ، والسي : المثل ، يقال : هما سيان أم مثلان . ويجوز في يوم الرفع والجر ، فمن رفع جعل ما موصولة بمعني الذي ، والتقدير : ولا سيّ اليوم الذي هو بدارة جلجل ، ومن خفض جعل ما زائدة وخفضه بإضافة سي إليه فكأنه قال : ولا سي يومأي ولا مثل يوم دارة جلجل ، وهو غدير بعينه . يقول : رب يوم فزت فيه بوصال النساء وظفرت بعيش صالح ناعم منهن ولا يوم من تلك الأيام مثل يوم دارة جلجل ، يريد أن ذلك اليوم كان أحسن الأيام وأتمها ، فأفادت ولا سيما التفضيل والتخصيص
10
العذراء من النساء : البكر التي لم تفتض ، والجمع العذارى ، الكور : الرحل بأداته ، والجمع الأكوار والكيران ، ويروى : من رحلها ، المتحمل : الحمل . فتح يوم بسبب من كونه معطوفا على مجرور أو مرفوع وهو يوم أو يوم بدارة جلجل ، لأنه بناه على الفتح لما أضافه إلى مبني وهو الفعل الماضي ، وذلك قوله : عقرت . وقد يبنى المعرب إذا أضيف إلى مبني ، ومنه قوله تعالى:"إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون" ، فبنى مثل على الفتح مع كونه نعتا لمرفوع لما أضافه إلى ما وكانت مبنية ، ومنه قراءة من قرأ :"ومن خزي يومئذ" ، بنى يوم على الفتح لما أضافه إلى إذ وهي مبنية وإن كان مضافا إليه ، ومثله قول النابغة الذبياني: على حين عاتبت المشيب على الصبا فقلت ألما تصح والشيب وازع بنى حين على الفتح لما أضافه إلى الفعل الماضي ، وقد فضل الشاعر يوم دارة جلجل ، ويم عقر مطيته للابكار على سائر الأيام الصالحة التي فاز بها من حبائبه ، ثم تعجب من حملهن رحل مطيته وأداته بعد عقرها واقتسامهن متاعه بعد ذلك ، فيا عجبا : الألف فيه بدل من ياء الإضافة ، وكان الأصل هو فيا عجبي ، وياء الإضافة يجوز قلبها ألفا في النداء نحو يا غلاما في يا غلامي ، فإن قيل : كيف نادى العجب وليس مما يعقل ؟ قيل قي جوابه: إن المنادى محذوف ، والتقدير : ياهؤلاء ، أو يا قوم ، اشهدوا عجبي من كورها المتحمل ، فتعجبوا منه ، فانه قد جاوز المدى والغاية القصوى ، وقيل : بل نادى العجب اتساعا ومجازا ، فكأنه قال : ياعجبي تعال واحضر فإن هذا أوان إتيانك وحضورك
11
يقال : ظل زيد قائما إذا أتى عليه النهار وهو قائم ، وبات زيد نائما إذا أتى عليه الليل وهو نائم ، وطفق زيد يقرأ القرآن إذا أخذ فيه ليلا ونهارا ، الهداب والهدب : اسمان لما استرسل من الشيء نحو ما استرسل من الأشفار ومن الشعر ومن أطراف الأثواب ، الواحد هدابة وهدبة ، ويجمع الهدب على الأهداب ، الدمقس والمدقس: الإبريسم ، وقيل هو الأبيض منه خاصة. يقول : فجعلن يلقي بعضهن إلى بعض شواء المطية استطابة أو توسعا فيه طول نهارهن وشبه لحمها بالإبريسم الذي أجيد قتله وبولغ فيه ، وقيل هو القز
12
الخدر : والهودج ، والجمع الخدور ، ويستعار للستر والحجلة وغيرهما ، ومنه قولهم : خدرت الجارية وجارية مخدرة أي مقصورة في خدرها لا تبرز منه ، ومن ذلك قولهم : خدر الأسد يخدر خدرا وأخدر إخدارا . إذا لزم عرينه ، ومنه قول ليلى الأخيلية: فتى كان أحيا من فتاة حيية وأشجع من ليث يخفان خادر وقول الشاعر: كالأسد الورد غدا من مخدره والمراد بالخدر في البيت الهودج ، عنيزة : اسم عشيقته وهي إبنة عمه وقيل : هو لقب لها واسمها فاطمة ، وقيل بل اسمها عنيزة ، وفاطمة غيرها ، قوله : فقالت لك الويلات ، أكثر الناس على أن هذا دعاء منها عليه ، والويلات : جمع ويلة ، والويلة والويل: شدة العذاب ، وزعم بعضهم أنه دعاء منها له في معرض الدعاء عليه ، والعرب تفعل ذلك صرفا لعين الكمال عن المدعو عليه . ومنه قولهم : قاتلة الله ما أفصحه ! ومنه قول جميل : رمى الله في عيني بثينة بالقذى وفي الغر من أنيابها بالقوادح ، ويقال : رجل الرجل يرجل رجلا فهو راجل ، وأرجلته أنا صيرته راجلا ، خدر عنيزة بدل من الخدر الأول والمعنى : ويوم دخلت خدر عنيزة ، وهذا مثل قوله تعالى : "لعلي أبلغ الأسباب أسباب السموات " ومنه قول الشاعر: يا تيم ياتيم عدي لا أبا لكمو لا يلفينكمو في سوأة عمر وصرف عنيزة لضرورة الشعر وهي لا تنصرف ، للتأنيث والتعريف. يقول: ويوم دخلت هودج عنيزة فدعت علي أو دعت لي في معرض الدعاء علي ، وقالت إنك تصيرني راجلة لعقرك ظهر بعيري ، يريد أن هذا اليوم كان من محاسن الأيام الصالحة التي نالها منهن أيضا
13
الغبيط : ضرب من الرحال ، وقيل بل ضرب من الهوادج ، الباء في قوله : بنا للتعدية وقد أمالنا الغبيط جميعا ، عقرت بعيري: أدبرت ظهره ، من قولهم : كلب عقور ، ولا يقال في ذي الروح إلا عقور. يقول : كانت هذه المرأة تقول لي في حال إمالة الهودج أو الرحل إبانا : قد أدبرت ظهر بعيرى فأنزل عن البعير
14
جعل العشيقة بمنزلة الشجرة ، وجعل ما نال من عناقها وتقبيلها وشمها بمنزلة الثمرة ليتناسب الكلام ، المعلل : المكرر ، من قولهم : عله يعله إذا كرر سقيه ، وعلله للتكثير والتكرير . والمعلل : الملهى ، من قولك : عللت الصبي بفاكهة أي ألهيته بها : وقد روي اللفظ في البيت بكسر اللام وفتحها ، والمعنى على ما ذكرنا يقول : فقلت للعشيقة بعد أمرها إياي بالنزول : سيري وأرخي زمام البعير ولا تبعديني مما أنال من عناقك وشمك وتقبيلك الذي يلهيني أو الذي أكرره . ويقال لمن على الدابة سار يسير ، كما يقال للماشي كذلك قال: سيري وهي راكبة ، الجنى : اسم لما يجتنى من الشجر ، والجنى المصدر ، يقال : جنيت الثمرة واجتنيتها
15
خفض فمثلك بإضمار رب ، أراد فرب امرأة حبلى . الطروق : الإتيان ليلا ، والفعل طرف يطرق ، المرضع : التي لها ولد رضيع ، إذا بنيت على الفعل أنثت فقيل : أرضعت فهي مرضعة ، وإذا حملوها على انها بمعنى ذات إرضاع أو ذات رضيع لم تلحقها تاء التأنيث ، ومثلها حائض وطالق وحامل ، لا فصل بين هذه الأسماء فيما ذكرنا ، وإذا حملت على انها من المنسوبات لم تلحقها علامة التأنيث ، وإذا حملت على الفعل لحقتها علامة التأنيث ، ومعنى المنسوب في هذا الباب ان يكون الاسم بمعنى ذي كذا أو ذات كذا ، والاسم إذا كان من هذا القبيل عرته العرب من علامة التأنيث كما قالوا : امرأة لابن أي ذات لبن وذات تمر ، ورجل لابن تامر أي ذو لبن وذو تمر ، ومنه قوله تعالى :"السماء منفطر بها" نص الخليل على أن المعنى : السماء ذات انفطار به ، لذلك تجرد لفظ منفطر عن علامة التأنيث . وقوله تعالى :"لا فارض ولا بكر عوان" أي لا ذات فرض ، وتقول العرب : جمل ضامر وناقة ضامر ، وجمل شائل وناقة شائل ، ومنه قول الأعشى: عهدى بها في الحي قد سربلت بيضاء مثل المهرة الضامر أي ذات لبن وذات تمر ، وقول الآخر: وغررتني وزعمت أنك لابن في الصيف تامر أي ذات لبن وذات تمر ، وقول الآخر: رابعتني تحت ليل ضارب بساعد فعم وكف خاضب أي ذات خضاب ، وقال أيضا: ياليت أم العمر كانت صاحبي مكان من أمسى على الركائب أي ذات صبحتي ، وأنشد النحويون: وقد تخذت رحلي لدى جنب غرزها نسيفا كأفحوص القطاة المطرق أي ذات التطريق . والمعول في هذا الباب على السماع إذ هو غير منقاد للقياس ، لهيت عن الشيء ألهى عنه لهيا إذا شغلت عنه وسلوت ، وألهيته إلهاء إذا شغلته ، التميمة : العوذة ، والجمع التمائم ، يقال : احول الصبي إذا تم له حول فهو محول ، ويروى : عن ذي تمائم مغيل ، يقال : غالت المرأة ولدها تغيل غيلا وأغالت تغيل إغيالا إذا أرضته وهي حبلى ويروى : ومرضع بالعطف على حبل . ويروى: ومرضعا على تقدير طرقتها ، ومرضعا تكون معطوفة على ضمير المفعول يقول : فرب امرأة حبلى قد أتيتها ليلا ، ورب امرأة ذات رضيع أتيتها ليلا فشغلتها عن ولدها الذي علقت عليه العوذة وقد أتى عليه حول كامل أو قد حبلت أمه بغيره فهي ترضعه على حبلها ، وإنما خص الحبلى والمرضع لانهما أزهد النساء في الرجال وأقلهن شغفا بهم وحرصا عليهم ، فقال : خدعت مثلهما مع اشتغالهما بأنفسهما فكيف تتخلصين مني ؟ قوله : فمثلك ، يريد به فرب امرأة مثل عنيزة في ميله إليها وحبه لها ، لان عنيزة في هذا الوقت كانت عذراء غير حبلى ولا مرضع
16
شق الشيء: نصفه . يقول . إذا ما بكى الصبي من خلف المرضع انصرفت إليه بنصفها الاعلى فأرضعته وأرضته بينما بقي تحتي نصفها الاسفل لم تحوله عني ، وبذلك وصف غاية ميلها إليه وكلفها به حيث لم يشغلها عن مرامه ما يشغل الامهات عن كل شيء
17
الكثيب : رمل كثير ، والجمع أكثبه وكثب وكثبان، التعذر: التشدد والالتواء ، والإيلاء والائتلاء والتألي: الحلف ، يقال : آلى وتألى إذا حلف ، واسم اليمين الالية والالوة معا ، والحلف المصدر ، والحلف بكسر اللام ، الاسم ، الحلفه : المرة . التحلل في اليمين : الاستثناء . نصب حلفه لأنها حلت محل الإيلاء كأنه قال : وآلت إبلاء ، والفعل يعمل فيما وافق مصدره في المعنى كعمله في مصدره نحو قولهم : إني لأشنؤه بغضا وإني لأبغضه كراهية . يقول : وقد تشددت العشيقة والتوت وساءت عشرتها يوما على ظهر الكثيب المعروف وحلفت حلفا لم تستثن فيه أنها تصارمني وتهاجرني ، هذا ويحتمل أن يكون صفة حال اتفقت له مع عنيزة ، ويحتمل أنها مع المرضع التي وصفها
18
مهلا :أي رفقا ، الإدلال والتدليل : أن يثق الإنسان بحب غيره إياه فيؤذيه على حسب ثقته به ، والاسم الدل والدال والدلال ، أزمعت الأمر وأزمعت عليه : وطنت نفسي عليه يقول : يافاطمة دعي بعض دلالك وإن كنت وطنت نفسك على فراقي فأجملي الهجران . نصب بعض لأن مهلا ينوب مناب دع ، الصرم : المصدر ، يقال : صرمت الرجل أصرمه صرما إذا قطعت كلامه ، والصرم هو الاسم ، فاطمه : اسم المرضع واسم عنيزة ، عنيزة لقب لها فيما قيل
19
يقول : قد غرك مني كون حبك قاتلي وكون قلبي منقادا لك بحيث مهما أمرته بشيء فعله . وألف الاستفهام دخلت على هذا القول للتقرير لا للاستفهام والاستخبار ، ومنه قول جرير: ألستم خير من ركب المطايا وأندى العالمين بطون راح يريد أنهم خير هؤلاء ، وقيل : بل معناه قد غرك مني أنك علمت أن حبك مذللي ، والقتل التذليل ، وأنك تملكين قؤادك فمهما أمرت بقلبك بشيء أسرع إلى مرادك فتحسبين أني أملك عنان قلبي كما ملكت عنان قلبك حتى سهل علي فراقك كما سهل عليك فراقي ، ومن الناس من حمله على مقتضى الظاهر وقال : عنى البيت: أتوهمت وحسبت أن حبك يقتلني أو أنك مهما أمرت قلبي بشيء فعله ؟ قال : يريد أن الأمر ليس على ما خيل إليك فإني مالك زمام قلبي ، والوجه الأمثل هو الوجه الأول وهذا القول أرذل الأقوال لأن مثل هذا الكلام لا يستحسن في النسيب
20
من الناس من جعل الثياب في هذا البيت بمعنى القلب ، كما حملت الثياب على القلب في قول عنتره : فشككت بالرمح الأصم ثيابه ليس الكريم على القنا بمحرم وقد حملت الثياب في قوله تعالى:"وثيابك فطهر" على أن المراد به القلب ، فالمعنى على هذا القول : إن ساءك خلق من أخلاقي وكرهت خصلة من خصالي فردي علي قلبي أفارقك ، والمعنى على هذا القول : استخرجي قلبي من قلبك يفارقه ، النسول : سقوط الريش والوبر والصوف والشعر ، يقال : نسل ريش الطائر ينسل نسولا ، واسم ما سقط النسيل والنسال ، ومنهم من رواه تنسلي وجعل الانسلاء بمعنى التسلي ، والرواية الأولى أولاهما بالصواب ، ومن الناس من حمل الثياب في البيت على الثياب الملبوسة وقال : كنى بتباين الثياب وتباعدها عن تباعدهما ، وقال : إن ساءك شيء من أخلاقي فاستخرجي ثيابي من ثيابك أي ففارقيني وصارميني كما تحبين ، فإني لا اؤثر إلا ما آثرت ولا اختار إلا ما اخترت ، لانقيادي لك وميلي إليك ، فإذا آثرت فراقي آثرته وإن كان سبب هلاكي
21
ذرف الدمع يذرف ذريفا وذرفانا وتذرافا إذا سال ، ثم يقال ذرفت كما يقال دمعت عينه ، وللأئمة في البيت قولان ، قال الأكثرون : استعار للحظ عينيها ودمعهما اسم السهم لتأثيرهما في القلوب وجرحهما إياها كما ان السهام تجرح الأجسام وتؤثر فيها ، الأعشار من قولهم : برمة أعشار إذا كانت قطعا ، ولا واحد لها من لفظها ، المقتل : المذلل غاية التذليل ، والقتل في الكلام التذليل ، ومنه قولهم : قتلت الشراب إذ فللت غرب سورته بالمزاج ، ومنه قول الأخطل : فقلت اقتلوها عنكم بمزاجها وحب بها مقتولة حين تقتل وقال حسان: إن التي ناولتني فرددتها قتلت قتلت فهاتها لم تقتل ومنه : قتلت أرض جاهلها وقتل ارضا عالمها ، ومنه قوله تعالى : "وما قتلوه يقينا" عند أكثر الأئمة : أي ما ذللوا قولهم بالعلم اليقين . وتلخيص المعنى على هذا القول : وما دمعت عيناك وما بكيت إلا لتصيدي قلبي بسهمي دمع عينيك وتجرحي قطع قلبي الذي ذللته بعشقك غاية التذليل ، أي نكايتها في قلبي نكاية السهم في المرمى ، وقال آخرون : أراد بالسهمين المعلى والرقيب من سهام الميسر والجزور يقسم بهذين القدحين فقد فاز بجميع الاجزاء وظفر بالجزور ، وتلخيص المعنى على هذا القول: وما بكيت إلا لتملكي قلبي كله وتفوزي بجميع أعشاره وتذهبي به ، والأعشار على هذا القول جمع عشر لأن اجزاء الجزور عشرة ، والله أعلم
22
أي ورب بيضة خدر ، يعني ورب امرأة لزمت خدرها ، ثم شبهها بالبيض ، والنساء بشبهن بالبيض من ثلاثة أوجه : أحدهما بالصحة والسلامة عن الطمث ، ومنه قول الفرزدق: خرجن إلي لم يطمئن قبلي وهن أصح من بيض النعام ويروى : دفعن إلي ، ويروى : برزن إلي . والثاني في الصيانة والستر لأن الطائر يصون بيضه ويحضنه . والثالث في صفاء اللون ونقائه لأن البيض يكون صافي اللون نقية إذا كان تحت الطائر . وربما شبهت النساء ببيض النعام ، وأريد أنهن بيض تشوب ألوانهن صفرة يسيرة وكذلك لون بيض النعام ، ومنه قول ذي الرمة : كأنها فضة قد مسها الذهب ، الروم : الطلب ، والفعل منه يروم ، الخباء : البيت إذا كان من قطن أو وبر أو صوف أو شعر ، والجمع الأخبية ، التمتع : الانتفاع وغيره ، يروى بالنصب والجر ، فالجر على صفة لهو والنصب على الحال من التاء في تمتعت يقول : ورب امرأة - كالبيض في سلامتها من الافتضاض أو في الصون والستر أو في صفاء اللون ونقائه أو بياضها المشوب بصفرة يسيرة - ملازمة خدرها غير خراجه ولاجة انتفعت باللهو فيها على تمكث وتلبث لم اعجل عنها ولم أشغل عنها بغيرها
23
الاحراس : يجوز أن يكون جمع حارس بمنزلة صاحب وأصحاب وناصر وأنصار وشاهد واشهاد ، ويجوز أن يكون جمع حارس بمنزلة خادم وخدم وغائب وغيب وطالب وطلب وعابد وعبد ، المعشر: القوم ، والجمع المعاشر ، الحراص: جمع حريص ، مثل ظراف وكرام ولئام في جمع ظريف وكريم ولئيم ، الإسرار :الإظهار والاضمار جميعا . وهو من الأضداد ، ويروى : لو يشرون مقتلي ، بالشين المعجمة ، وهو الاظهار لاغير يقول : تجاوزت في ذهابي اليها وزيارتي إياها أهو الا كثيرة وقوما يحرسونها وقوما حراصا على قتلي لو قدروا عليه في خفية لأنهم لا يجترثون على قتلي جهارا ، أو حراصا على قتلي او امكنهم قتلي ظاهرا لينزجر ويرتدع غيري عن مثل صنيعي ، وحمله على الاول أولى لأنه كان ملكا والملوك لا يقدر على قتلهم علانية
24
التعرض : الاستقبال ، والتعرض إبداء العرض ، وهو الناحية ، والتعرض الأخذ في الذهاب عرضا، الاثناء : النواحي ، والاثناء الاوساط ، واحدها ثنى مثل عصى وثني مثل معي وثني بوزن فعل مثل نحي ، وكذلك الآناء بمعنى الاوقات والآلاء بمعنى النعم في واحدها ، هذه اللغات الثلاث ، المفصل : الذي فصل بين خرزه بالذهب أو غيره يقول : تجاوزت إليها في وقت إبداء الثريا عرضها في السماء كإبداء الوشاح الذي فصل بين جواهره وخرزه بالذهب أو غيره عرضة يقول : أتيتها عند رؤية نواحي كواكب الثريا في الافق الشرفي ، ثم شبه نواحيها بنواحي جواهر الوشاح ، هذا أحسن الاقوال في تفسير البيت ، ومنهم من قال شبه كواكب الثريا بجواهر الوشاح لان الثريا تأخذ وسط السماء كما أن الوشاح يأخذ وسط المرأة المتوشحة ، ومنهم من زعم إنه أراد الجوزاء فغلط وقال الثريا لان التعرض للجوزاء دون الثريا ، ، وهذا قول محمد بن سلام الجمحي ، وقال بعضهم : تعرض الثريا - هو انها إذا بلغت كبد السماء أخذت في العرض ذاهبة ساعة كما ان الوشاح يقع مائلا إلى أحد شقي المتوحشة به
25
نضا الثياب ينضوها نضوا إذا خلعها ، ونضاها ينضيها إذا أراد المبالغة ، اللبسة : حالة الملابس وهيئة لبسه الثياب بمنزلة الجلسة والقعدة والركبة والردية الازرة ، المتفضل : اللابس ثوبا واحدا إذا أراد الخفة في العمل ، والفضلة والفضل إسمان لذلك يقول : اتيتها وقد خلعت ثيابها عند النوم غير ثوب واحد تنام فيه وقد وقفت عند الستر مترقبة ومنتظرة لي وإنما خلعت الثياب لتري أهلها أنها تريد النوم
26
اليمين : الحلف ، الغواية والغي: الضلالة ، والفعل غوي يغوى غواية ويروي العماية وهي العمى ، الانجلاء : الانكشاف ، وجلوته كشفته فانجلى ، الحيلة أصلها حولة فأبدلت الواو ياء لسكونها وانكسار ماقبلها. وإن في قوله : وما إن ، إن زائدة ، وهي تزاد ما النافية : وما إن طبنا جبن ولكن منايا ودولة آخرينا يقول : فقالت الحبيبة أحلف بالله ما لك حيلة أي ما في لدفعك عني حيلة ، وقيل : بل معناه ما لك حجة في ان تفضحني بطروقك إياي وزيارتك ليلا ، يقال : ماله حيلة أي ما له عذر وحجة ، وما أرى ضلال العشق وعماه منكشفا عنك ، وتحرير المعنى أنها قالت : مالي سبيل إلى دفعك أو ما لك عذر في زياتي وما أراك نازعا عن هواك وغيك ، ونصب يمين الله كقولهم : الله لاقومن ، على إضمار الفعل ، وقال الرواة : هذا أغنج بيت في الشعر
27
خرجت بها ، أفادت الباء تعدي الفعل ، والمعنى : اخرجتها من خدرها ، الأثر والإثر واحد ، وأما الاثر ، بفتح الهمزة وسكون الثاء : فهو فرند السيف ، ويروى : على إثرنا أذيال ، والذيل يجمع على الاذيال والذيول ، المرط عند العرب : كساء من خز أو مرعزى أو من صوف ، وقد تسمى الملاءة مرطا ايضا ، والجمع المروط ، المرحل : المنقش بنقوش تشبه رحال الابل ، يقال : ثوب مرحل وفي هذا الثوب ترحيل يقول : فأخرجتها من خدرها وهي تمشي وتجر مرطها على أثرنا لتعفي به آثار أقدامنا ، والمرط كان موشى بأمثال الرحال ، ويروى : نير مرط ، والنير : علم الثوب
28
يقال : أجزت المكان وجزته إذا قطعته إجازة وجوازا ، الساحة تجمع على الساحات والسوح مثل قارة وقارات وقار وقور ، والقارة : الجبيل الصغير، الحي : القبيلة ، والجمع الأحياء ، وقد تسمى الحلة حيا ، الانتحاء والتنحي والنحو: الاعتماد على الشئ ، ذكره ابن الأعرابي . للبطن : مكان مطمئن ، الحقف : رمل مشرف معوج ، والجمع أحقاف وحقاف ويروى : ذي قفاف ، وهي جمع قف ، وهو ما غلظ وارتفع من الأرض ولم يبلغ أن يكون جبلا ، العقنقل: الرمل المنعقد المتلبد . وأصله من العقل وهو الشد . وزعم أبو عبيدة وأكثر الكوفيين إن الواو في وانتحى - مقحمة زائدة . وهو عندهم جواب لما ، وكذلك قولهم في الواو في قوله تعالي : "وناديناه أن يا ابراهيم" والواو لا تقحم زائدة في جواب لما عند البصريين ، والجواب يكون محذوفا في مثل هذا الموضع تقديره في البيت : فلما كان كذا وكذا تنعمت وتمتعت بها ، أو الجواب قوله هصرت ، وفي الآية فازا وظفرا بما أحبا ، وحذف جواب لما كثير في التنزيل وكلام العرب . ويقول : فلما جاوزنا ساحة الحلة وخرجنا من بين البيوت وصرنا إلى أرض مطمئنة بين حقاف ، يريد مكانا مطمئنا أحاطت به حقاف أو قفاف منعقدة ، والعقنقل من صفة الخبت لذلك لم يؤنثه ، ومنهم من جعله من صفة الحقاف وأحلة محل الأسماء معطله من علامة التأنيث لذلك . وقوله : وانتحى بنا بطن خبت ، أسند الفعل إلى بطن خبت ، والفعل عند التحقيق لهما لكنه ضرب من الاتساع في الكلام ، والمعنى صرنا إلى مثل هذا المكان ، وتلخيص المعنى : فلما خرجنا من مجمع بيوت القبيلة وصرنا إلى مثل هذا الموضع طاب حالنا وراق عيشنا
29
الهصر : الجذب ، والفعل هصر يهصر ، الفودان . جانبا الرأس ، تمايلت أي مالت . ويروى ، بغصني دومة ، والدوم . شجر المقال ، واحدتها دومة ، شبهها بشجرة الدوم وشبه ذؤابتيها بغصنين وجعل ما نال منها كالثمر الذي بجتنى من الشجر ، ويروى : إذا قلت هاتي ناولينتي تمايلت ، والنول والإنالة والتنويل : الاعطاء ، ومنه قيل للعطية نوال ، هضيم الكشح لأنه يدق بذلك الموضع من جسده فكأنه هضيم عند قرار الردف والجنبين والوركين ، ريا : تأنيث الريان ، المخلخل : موضع الخلخال من الساق ، والمسور : موضع السوار من الذراع ، والمقلد : موضع القلادة من العنق ، والمقرط : موضع القرط من الأذن . عبر عن كثرة لحم الساقين وامتلائهما بالري . هصرت : جواب لما من البيت السابق عند البصريين ، وأما الرواية الثالثة وهي إذا قلت فإن الجواب مضمر محذوف على تلك الرواية على ما مر ذكره في البيت الذى قبله يقول : لما خرجنا من الحلة وأمنا الرقباء جذبت ذؤابتيها إلى فطاوعتني فيما رما منها ومالت علي مسعفة بطلبتي في حال ضمور كشحيها وامتلاه ساقيها باللحم ، والتفسير على الرواية الثالثة : إذا طلبت منها ما أحببت وقلت أعطيني سؤلي كان ما ذكرنا ، ونصب هضيم الكشح على الحال ولم يقل هضيمة الكشح لأن فعيلا إذا كان بمعنى مفعول لم تلحقه علامة التأنيث للفصل بين فعيل إذا كان بمعنى الفاعل وبين فعيل إذا كان بمعنى المفعول ، ومنه قوله تعالى : "إن رحمة الله قريب من المحسنين
30
المهفهفة : اللطيفة الخصر الضامرة البطن ، المفاضة : المرأة العظيمة البطن المسترخية اللحم ، الترائب جمع التريبة : وهي موضع القلادة من الصدر ، السقل والصقل ، بالسين والصاد : إزالة الصدإ والدنس وغيرهما ، والفعل منه سقل يسقل وصقل بصقل ، السجنجل : المرآة ، لغة رومية عربتها العرب ، وقيل بل هو قطع الذهب والفضة يقول : هي المرأة دقيقة الخصر ضامرة البطن غير عظيممة البطن و لا مسترخية وصدرها براق اللون متلألىء الصفاء كتلألؤ المرآة
31
البكر من كل صنف : مالم يسبقه مثله ، المقاناة . الخلط ، يقال : قانيت بين الشيئين إذا خلطت أحدهما بالآخر ، والمقاناة في البيت مصوغة للمفعول دون المصدر ، النمير : الماء النامي في الجسد ، المحلل : ذكر أنه من الحلول وذكر أنه من الحل ِ، ثم إن للائمة في تفسير البيت ثلاثة أقوال : أحدها أن المعنى كبكر البيض التي قوني بياضها بصفرة ، يعني بيض النعام وهي بيض تخالط بياضها صفرة بسيرة ، شبه بلون العشيقة بلون بيض النعام في أن في كل منهما بياضا خالطته صفرة ، ثم رجع إلى صفتها فقال : غذاها ماء غير عذب لم يكثر حلو الناس عليه فيكدره ذلك ، يريد أنه عذب صاف ، وإنما شرط هذا لأن الماء من أكثر الأشياء تأثيرا في الغذاء لفرط لحاجة إليه فإذا عذب وصفا حسن موقعه في غذاء شاربه ، وتلخيص المعنى على هذا القول : إنها بيضاء تشوب بياضها صفرة وقد غذاها الماء نمير عذب صاف ، والبياض شابته صفرة هو أحسن ألوان النساء عند العرب . والثاني أن المعنى كبكر الصدفة التي خولط بياضها بصفرة ، وأراد ببكرها درتها التي لم ير مثلها ، ثم قال : قد غذا هذه الدرة ماء نمير وهي غير محللة لمن رامها لأنها في قعر البحر لاتصل إليها الأيدي ، وتلخيص المعنى على هذا القول : إنه شبهها في صفاء وكذلك لون الصدفة ، ثم ذكر أن الدرة التي أشبهتها حصلت في ماء نمير لاتصل إليها أيدي طلابها ، وإنما شرط النمير والدر لايكون إلا في الماء الملح لأن الملح له بمنزلة العذب لنا إذ صار سبب نمائه كما صار العذب سبب نمائنا . والثالث أنه أراد كبكر البردي التي شاب بياضها صفرة وقد غذا البردي ماء نمير لم يكثر حلول الناس عليه ، وشرط ذلك ليسلم الماء عن الكدر وإذا كان كذلك لم يغير لون البردي ، والتشبيه من حيث أن بياض العشيقة خالطته صفرة كما خالطت بياض البردي . ويروى البيت بنصب البياض وخفضه ، وهما جيدان ، بمنزلة قولهم : زيد الحسن الوجه ، والحسن الوجه ، بالخفض على الاضافة والنصب على التشبيه كقولهم : زيد الضارب الرجل
32
الصد والصدود : الاعراض ، والصد أيضا الصرف والدفع ، والفعل منه صد يصد ، والاصداد الصرف أيضا ، الإبداء : الاظهار ، الأسالة : امتداد وطول الخد ، وقد أسل أسالة فهو أسيل ، الاتقاء : الحجز بين الشيئين ، يقال : اتقيته بترس أي جعلت الترس حاجزا بيني وبينه ، وجرة : موضع ، المطفل : التي لها طفل ، الوحش . جمع وحشي مثل زنج وزنجي وروم ورومي . يقول : تعرض العشيقة عني وتظهر خدا اسيلا وتجعل بيني وبينها عينا ناظرة من نواظر وحش هذا الموضع التي لها أطفال ، شبهها في حسن عينيها بظبية مطفل أو بمهاة مطفل . وتلخيص المعنى : إنها تعرض عني فتظهر في أعراضها خخدا أسيلا وتستقبلني بعيون مثل عيون ظباء وجرة أو مهاها اللواتي لها أطفال ، وخصهن لنظرهن إلى أولادهن بالعطف والشفقة وهن أحسن عيونا في تلك الحال منهن في سائر الأحوال . قوله : عن أسيل ، أي عن خد اسيل ، فحذف الموصوف لدلالة الصفة عليه كقولك . مررت بعاقل ، إي بانسان عاقل ، وقوله : من وحش وجرة ، أي من نواظر وحش وجرة ، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامة كقوله تعالى : "وسأل القرية" أي أهل القرية
33
الرئم . الظبي الأبيض الخالص البياض ، والجمع ارآم ، النص : الرفع ، ومنه سمي ما تجلي عليه العروس منصة ، ومنه النص في السير وهو حمل البعير على سير شديد ؛ ونصصت الحديث أنصه نصا : رفعته ، الفاحش : ما جاوز القدر المحمود من كل شيء يقول : وتبدي عن عنق كعنق الظبي غير متجاوز قدره المحمود إذا ما رفعت عنقها وهو غير معطل عن الحلي ، فشبه عنقها بعنق الظبية في حال رفعها عنقها ، ثم ذكر أنه لا يشبه عنق الظبي في التعطل عن الحلي
34
الفرع : الشعر التام ، والجمع فروع ، ورجل أفرع وامرأة فرعاء ، الفاحم : الشديد السواد مشتق من الفحم ، يقال : هو فاحم بين الفحومة ، الأثيث: الكثير ، والأثاثة الكثرة ، يقال : أث الشعر والنبت ، القنو يجمع على الإقناء والقنوان ، العثكول والعثكال قد يكونان بمعنى القنو وقد يكونان بعنى قطعة من القنو ، والنخلة المتعثكلة : التي خرجت عثاكيلها أي قنوانها يقول : وتبدي عن شعر طويل تام يزين ظهرها إذا ارسلته عليه ؛ ثم شبه ذؤابتيها بقنو نخلة خرجت قنوانها ، والذوائب تشبه بالعناقيد ، والقنون يراد به تجعدها وأثاثتها
35
الغدائر جمع الغديرة : وهي الخصلة من الشعر ، الاستشزار: الارتفاع والرفع جميعا ، فيكون الفعل من ه مرة لازما ومرة متعديا ، فمن روى مستشزرات بكسر الزاي جعله من اللازم ، ومن روى بفتح الزاي جعله من المتعدي ، العقيصة : الخصلة المجموعة من الشعر ، والجمع عقص وعقائص ، والفعل من الضلال والضلالة ضل يضل يقول : ذوائبها وغدائرها مرفوعات أو مرتفعات إلى فوق ، يراد به شدها على الرأس بخيوط ، ثم قال : تغيب تعاقيصها في شعر بعضه مثنى وبعضه مرسل ، أراد به وفور شعرها . والتعقيص التجعيد
36
الجديل خطام يتخذ من الادم ، والجمع جدل ، المخصر : الدقيق الوسط ، ومنه نعل مخصرة ، الانبوب : ما بين العقدتين من القصب وغبره ، والجمع الأنابيب . السقي هاهنا : بمعنى المسقي كالجريح بمعنى المجروح ، والجني بمعنى المجني ويقول : وتبدي عن كشح ضامر يحكي في دقته خطاما متخذا من الادم و عن ساق يحكي في صفاء لونه انابيب بردي بين نخل قد ذللت بكثرة الحمل فأظلت أغصانها هذا البردي ، شبه ضمور بطنها بمثل هذا الخطام ، وشبه صفاء لون ساقها ببردي بين نجيل تظلله أغصانها ، وإنما شرط ذلك ليكون أصفى لونا وأنقى رونقا ، وتقدير قوله كأنبوب السقي كأنبوب النخل المسقي ، ومنهم من جعل السقي نعتا للبردي ايضا ، والمعنى على هذا القول : كأنبوب البردي المذلل بالارواء
37
الاضحاء . مصادفة الضحى ، وقد يكون بمعنى الصيرورة ايضا ، يقال : أضحى زيد غنيا أي صار ، ولا يراد به إنه صادف الضحى على صفة الغنى ، ومنه قول عدي بن زيد : ثم أضحوا كأنهم ورق جف فألوت به الصبا والدبور أي صاروا ، الفتيت الفتات : أسم لدقاق الشيء الحاصل بالفت ، قوله : نؤوم الضحى ، عطل نؤوما عن علامة التأنيث لأن فعولا إذا كان بمعنى الفاعل يستوي لفظ صفة المذكر والمؤنث فيه ، يقال : رجل ظلوم وامرأة ظلوم ، ومنه قوله تعالى :"توبة نصوحا" ، قوله : لم تنتطق عن تفضل ، أي بعد تفضل ، كما يقال : استغنى فلان عن فقره أي بعد فقره ، والتفضل : ليس الفضلة ، وهي ثوب واحد يلبس للخفة في العمل يقول : تصادف العشيقة الضحى ودقاق المسك فوق فراشها الذي باتت عليه وهي كثيرة النوم في وقت الضحى ولا تشد وسطها بنطاق بعد لبسها ثوب المهنة ، يريد إنها مخدومة منعمة تخدم ولا تخدم ، وتلخيص المعنى : أن فتات المسك يكثر على فراشها وأنها تكفى أمورها فلا تباشر عملا بنفسها وصفها بالدعة والنعمة وخفض العيش وإن لها من يخدمها ويكفيها أمورها
38
العطو : التناول ، والفعل عطا يعطو عطوا ، والاعطاء المناولة ، والتعاطي التناول ، والمعطاة الخدمة ، والتعطية مثلها . الرخص : اللين الناعم ، الشثن : الغليظ الكز ، وفد شثن شثونة ، والأسروع واليسروع : دود يكون في البقل والاماكن الندية ، تشبه أنامل النساء به ، والجمع الاساريع واليساريع ، ظبي: موضع بعينه ، المساويك : جمع المسواك ، الاسحل : شجرة تدق أغصانها في استواء ، تشبه الاصابع بها في الدقة والاستواء يقول : وتتناول الاشياء ببنان رخص لين ناعم غير غليظ ولا كز كأن تلك الانامل تشبه هذا الصنف من الدود أو هذا الضرب من المساويك وهو المنخذ من أغصان الشجر المخصوص المعين
39
الاضاءة : قد يكون الفعل المشتق منها لازما وقد يكون متعديا ، تقول : أضاء الله الصبح فأضاء ، والضوء والضوء واحد ، والفعل ضاء يضوء ضوءا ، وهو لازم ، المنارة : المسرجة ، والجمع المناور والمنائر ، الممسى : بمعنى الامساء والوقت جميعا ، ومنه قول أمية : الحمد لله ممانا ومصبحنا بالخير صبحنا ربي ومسانا ، الراهب يجمع على الرهبان مثل راكب وركبان وراع ورعيان ، وقد يكون الرهبان واحدا ويجمع حينئذ على الرهبانة والرهابين كما يجمع السلطان على السلاطنة ، أنشد الفراء: لو أبصرت رهبان دير في جبل لانحدر الرهبان يسعى ويصل جعل الرهبان واحدا ، لذلك قال يسعى ولم يقل يسعون ، المتبتل : المنقطع إلى الله بنيته وعمله ، والبتل : القطع ، ومنه قيل مريم البتول لانقطاعها عن الرجال واختصاصها بطاعة الله تعالى ، فالتبتل إذن الانقطاع عن الخلق والاختصاص بطاعة الله تعالى ، ومنه قوله تعالى : "وتبتل إليه تبتيلا" يقول : تضيء العشيقة بنور وجهها ظلام الليل فكأنها مصباح راهب منقطع عن الناس ، وخص مصباح الراهب لأنه يوقده ليهتدي به عند الضلال فهو يضيئه أشد الإضاءة ، يريد ان نور وجهها يغلب ظلام الليل كما أن نور مصباح الراهب يغلبه
40
الاسبكرار. الطول والامتداد ، الدرع : هو قميص المرأة ، وهو مذكر ، ودرع ودروع ، المجول : ثوب تلبسه الجارية الصغيرة يقول : إلى مثلها ينبغي أن ينظر العاقل كلفا بها وحنينا إليها إذا طال قدها وامتدت قامتها بين من تلبس الدرع وبين من تلبس المجول ، أي بين اللواتي أدركن الحلم وبين اللواتي لم يدركن الحلم ، يريد أنها طويلة القد مديدة القامة وهي اليوم لم تدرك الحلم وقد ارتفعت عن سن الجواري الصغار . قوله - بين درع ومجول ، تقديره - بين لابسة درع ولابسة مجول ، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه
41
سلا فلان حبيبه يسلو سلوا ، وسلى يسلي سليا ، وتسلى تسليا ، وانسلى انسلاء أي زال حبه من قلبه أو زال حزنه ، العماية والعمى واحدا ، والفعل عمي يعمى . زعم أكثر الائمة أن في البيت قلبا تقديره : تسك لرجالات عن عمايات الصبا أي خرجوا من ظلماته وليس فؤادي بخارج من هواها وزعم بعضهم أن عن في البيت بمعنى بعد ، تقديره : انكشفت وبطلت ضلالات الرجال بعد مضي صباهم بينما ظل فؤادي في ضلالة هواها ، وتلخيص المعنى : أنه زعم أن عشق العشاق قد بطل وزال ، وعشقه إياها باق ثابت لا يزول ولا يبطل
42
الخصم لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث في لغة شطر من العرب ، ومنه قوله تعالى:"وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب" ، ويثنى ويجمع في لغة الشطر الآخر من العرب ، ويجمع على الخصام والخصوم الألوي: الشديد الخصومة كأنه يلوي خصمه عن دعواه النصيح : الناصح التعذال والعذل : اللوم ، والفعل عذل يعذل . الألو والائتلاء : التقصير ، والفعل ألا يألو ، وائتلى يأتلي يقول : ألا رب خصم شديد الخصومة كان ينصحني على فرط لومه إياي على هواك غير مقصر في النصيحة واللوم رددته ولم انزجر عن هواك بغذله ونصحه . وتحرير المعنى : أنه بخبرها ببلوغ حبه إياها الغاية القصوى حتى إنه لا يرتدع عنه بردع ناصح ولا ينجح فيه لوم لائم ، وتقدير لفظ البيت : ألا رب خصم ألوى نصيح على تعذاله غير مؤتل - رددته
43
شبه ظلام الليل في هوله وصعوبته ونكارة أمره بامواج البحر ، السدول : الستور ، الواحد منها سدل ، الإرخاء . إرسال السدل وغيره ، الابتلاء:الاختبار ، الهموم : جمع الهم ، بمعنى الحزن وبمعنى الهمة . الباء في قوله : بأنواع الهموم ، بمعنى مع يقول : ورب ليل يحاكي أمواج البحر في توحشه ونكارة أمره وقد أرخى علي ستور ظلامه مع أنواع الأحزان ، أو مع فنون الهم ، ليختبرني أأصبر على ضروب الشدائد وفنون النوائب أم أجزع منها . ولقد أمعن الشاعر في النسيب من أول القصيدة إلى هنا حيث انتقل منه إلى التمدح بالصبر والجلد
44
تمطى أي تمدد ، ويجوز أن يكون التمطي مأخوذا من المطا ، وهو الظهر ، فيكون المتمضي مد الظهر ، ويجوز أن يكون منقولا من التمطط فقبلت إحدى الطاءين ياء كما قالوا ، تظنى تظنيا والأصل تظنن تظننا ، وقالوا : تقضى البازى تقضيا أي تقضض تقضضا ، والتمطط التفعل من المط ، وهو المد ، وفي الصلب ثلاث لغات مشهورة ، وهي : الصلب ، بضم الصاد وسكون اللام ، والصلب بضمهما ، والصلب ، بفتحهما ، ومنه قول العجاج يصف جارية : ريا العظام فخمة المخدم في صلب مثل العنان المؤدم ولغة غريبة وهي الصالب ، وقال العباس عم النبي ، صلى الله عليه وسلم يمدح النبي ، عليه السلام : تنقل من صالب إلى رحم إذا مضى عالم بدا طبق ، الإرداف : الإتباع والاتباع وهو بمعنى الأول هاهنا ، الأعجاز : المآخير ، الواحد عجز ، ناء: مقلوب نأي بمعنى بعد ، كما قالوا راء بمعنى رأى وشاء بمعنى شأى ، الكلكل : الصدر، والجمع كلاكل . الباء في قوله ناء بكلكل للتعدية ، وكذلك هي في قوله تمطي بصببة ، استعار الليل صلبا واستعار لطوله لفظ التمطي ليلائم الصلب ، واستعار لأوائله لفظ الكلكل ولمآخيره الأعجاز يقول : فقلت لليل لما مد صلبه يعني لما أفرط طوله ، وأردف أعجازا يعني ازدادت مآخيره امتدادا وتطاولا ، وناء بكلكل يعني أبعد صدره ، أي بعد العهد بأوله ، وتلخيص المعنى : قلت لليل لما افرط طوله وناءت أوائله وازدادت أواخره تطاولا ، وطول الليل ينبئ عن مقاساة الأحزان والشدائد والسهر المتولد منها ، لأن المغموم يستطيل ليله ، والمسرور يستقصر ليله
45
الانجلاء: الانكشاف ، يقال : جلوته فانجلى أي كشفته فانكشف . الأمثل : الأفضل ، والمثلى الفضلى ، الأماثل الأفاضل. يقول : قلت له ألا أنها الليل الطويل انكشف وتنح بصبح ، أي ليزل ظلامك بضياء من الصبح ، ثم قال : وليس الصبح بأفضل منك عندي لأني أقاسي الهموم نهارا كما اعانيها ليلا ، أو لأن نهاري أظلم في عيني - لأزدحام الهموم علي حتى حكى الليل ، وهذا إذا رويت - وما الإصباح منك بأمثل ، وأن رويت "فيك بأفضل" كان المعنى : وما الإصباح في جنبك أو في الإضافة إليك أفضل منك ، لما ذكرنا من المعنى لما ضجر بتطاول ليله خاطبه وسأله الانكشاف . وخطابه ما لا يعقل يدل على فرط الوله وشدة التحير ، وإنما يستحسن هذا الضرب في النسيب والمرائي وما يوجب حزنا وكآبة ووجدا وصبابة
46
الأمراس جمع مرس: وهو الحبل ، وقد يكون المرس جمع مرسة وهو الحبل أيضا فتكون الامراس حينئذ جمع الجمع ، وقوله : بأمراس كتان ، من إضافة البعض إلى الكل ، أي بأمراس من كتان ، كقولهم : باب حديد ، وخاتم فضة ، وجبة خز ، الاصم : الصلب ، وتأنيثه الصماء ، والجمع الصم ، الجندل : الصخرة ، والجمع جنادل يقول مخاطبا الليل : فيا عجبا لك من ليل كأن نجومه شدت بحبال من الكتان إلى صخور صلاب ، وذلك أنه استطال الليل فيقول إن نجومه لا تزول من أماكنها ولا تغرب فكأنها مشدودة بحبال إلى صخور صلبة ، وإنما استطال الشاعر الليل لمعاناته الهموم ومقاساته الاحزان فيه وقوله : بأمراس كتان ، يعني ربطت ، فحذف الفعل لدلالة الكلام على حذفه ، ومنه قول الشاعر : مسسنا من الآباء شيئا فكلتنا إلى حسب في قومه غير واضع يعني لفكلنا يعتزي أو ينتمي أو ينتسب إلى حسب ، فحذف الفعل لدلالة باقي الكلام عليه . ويروى : كأن نجومه بكل مغار الفتل شدت بيذبل ، هذا أعرف الروايتين وأسيرهما ، الاغارة : إحكام الفتل ، يذبل : جبل بعينه يقول : كأن نجومه قد شدت إلى يذبل بكل حبل محكم الفتل
47
لم يرو جمهور الائمة هذه الابيات الاربعة في هذه القصيدة وزعموا أنها لتأبط شرا ، أعني : وقربة أقوام .. الى قوله وقد اعتدي .. ورواها بعضهم في هذه القصيدة هنا ، العضا : وكاء القزبة ، والجمع العصم ، الكاهل : أعلى الظهر عند مركب العنق فيه ، والجمع الكواهل ، الترحيل : مبالغة الرحل ، يقال : رحلته إذا كررت رحله يقولِ: ورب قربة أقوام جعلت وكاءها على كاهل ذلول قد رحل مرة بعد اخرى منى ، وفي معنى البيت قولان : احدهما انه تمدح بتحم أثقال الحقوق وذوائب الاقوام من قرى الاضياف وإعطاء العفاة والعفو عن القاتلين وغير ذلك ، وزعم انه قد تعود التحمل للحقوق والنوائب ، واستعار حمل القربة لتحمل الحقوق ، ثم ذكر الكاهل لانه موضع القربة من حاملها ، وعبر بكون الكاهل ذلولا مرحلا عن اعتياده تحمل الحقوق . والقول الآخر انه تمدح بخدمته الرفقاء في السفر وحمله سقاء الماء على كاهل قد مرن عليه
48
الوادي يجمع على الاودية الاوديات ، الجوف: باطن الشيئ ، والجمع أجواف : العير : الحمار ، والجمع الاعيار ، القفر : المكان الخالي ، والجمع القفار ، ويقال : أقفر المكان إقفارا إذا خلا ، ومنه خبز قفار لا إدام معه ، الذئب يجمع على الذئاب والذياب والذؤبان ، ومنه قيل ذؤبان العرب للخبثاء المتلصصين ، وأرض مذأبة : كثيرة الذئاب ، وقد تذأبت الريح وتذاءبت إذا هبت من كل ناحية كالذئب اذا حذرت من ناحية أتى من غيرها . الخليع : الذي قد خلعه أهله لخبثه ، وكان الرجل منهم يأتي بابنه الى الموسم ويقول : إلا إني قد خلعت ابني فان جر لم أضمن وان جر عليه لم اطلب ، فلا يؤخذ بجرائره ، وزعم الائمة ان الخليع في هذا البيت المقامر ، المعيل : الكثير العيال ، وقد عيل تعييلا فهو معيل إذا كثر عياله ، العواء : صوت الذئب وما أشبهه من السباع ، والفعل عوى يعوي عواء ، زعم صنف من الائمة انه شبه الوادي في خلائه من الانس ببطن العير ، وهو الحمار الحشي ، إذا خلا من العلف : وقيل:بل شبه في قلة الانتفاع به بجوف العير لانه لايركب ولا يكون له در ، وزعم صنف منهم انه أراد كجوف الحمار فغير اللفظ إلى ما وافقه في المعنى لاقامة الوزن ، وزعموا ان حمارا كان رجلا من بقية عاد وكان متمسكا بالتوحيد فسافر بنوه فأصابتهم صاعقة فأهلكهم وعندئذ أشرك بالله وكفر بعد التوحيد ، فأحرق الله أمواله وواديه الذي كان يسكن فيه فلم ينبت بعده شيئا ، فشبه امرؤ القيس هذا الوادي بواديه في الخلاء من النبات والإنس يقول رب واد يشبه وادي الحمار في الخلاء من النبات والانس أو يشبه بطن الحمار فيما ذكرنا طويته سيرا وقطعته بينا كان الذئب يعوي فيه من فرط الجزع كالمقامر الذي كثر عياله ويطالبونه بالنفقة وهو يصبح بهم ويخاصمهم إذ لا يجد مايرضيهم به
49
قوله : ان شأننا قليل الغنى ، يريد : ان شأننا وامرنا قليل الغنى ، ومن روى طويل الغنى فمعناه طويل طلب الغنى ، وقد تمول الرجل إذا صار ذا مال . لما : بمعنى لم في البيت كما كانت في قوله تعالى : "ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم" كذلك يقول : قلت للذئب لما صاح إن شأننا وأمرنا أننا يقل عنانا إن كنت غير متمول كما كنت غير متمول . وإذا روي ، طويل الغنى، المعنى: قلت له إن شأننا اننا نطلب الغنى طويلا ثم لا نظفر به إن كنت قليل المال كما كنت قليل المال
50
اصل الحرث إصلاح الارض وإلقاء البذر فيها ، ثم يستعار السعي والكسب كقوله تعالى:" من كان يريد حرث الآخرة" الآية : وهو في البيت مستعار يقول: كل واحد منا إذا ظفر بشيء فوته على نفسه ، أي إذا ملك شيئا أنفقه وبذره ، ثم قال : ومن سعي سعيي وسعيك افتقر وعاش مهزول العيش
51
غدا يغدو غدوا ، واغتدى اغتداء ، واحد ، الطير : جمع طائر مثل الشرب في جمع شارب والتجر في جمع تاجر والركب في جمع راكب . ثم يجمع على الطيور مثل بيت وبيوت وشيخ وشيوخ ، الوكنات : مواقع الطير ، واحدتها وكنة ، وتقلب الواو همزة فيقال : أكنة ، ثم تجمع الوكنة على الوكنات ، بضم الفاء والعين ، وعلى الوكنات ، بضم الفاء والعين ، وعلى الوكنات ، بضم الفاء وفتح العين ، وعلى الوكنات ، بضم الفاء وسكون العين ، وتكسر على الوكن ، وهكذا حكم فعله ، نحو ظلمة وظلمات وظلمات وظلمات وظلم ، المنجرد : الماضي في السير ، وقيل : بل هو قليل الشعر ، الأوابد : الوحوش ، وقد أبد الوحش يأبد أبودا ، ومنه تأبد الموضع إذا توحش وخلا من القطان ، ومنه قيل للفذ آبدة لتوحشه عن الطباع ، الهيكل ، قال ابن دريد : هو الفرس العظيم الجرم ، والجمع الهياكل يقول: وقد اغتدي والطير بعد مستقرة على مواقعها التي باتت عليها على فرس ماض في السير قليل الشعر يقيد الوحوش بسرعة لحاقه إياها كما أنه عظيم الألواح والجرم ، وتحرير المعنى : انه تمدح بمعاناة دجى الليل وإهواله ، ثم تمدح بتحمل حقوق العفاة والأضياف والزوار ، ثم تمدح بطي الفيافي والاودية ، ثم أنشأ الآن يتمدح بالفروسية . يقول : وربما باكرت الصيد قبل نهوض الطير من أوكارها على فرس هذه صفته . وقوله : قيد الأوابد ، جعله لسرعة إدراكه الصيد كالقيد لأنها لا يمكنها الفوت منه كما أن المقيد غير متمكن من الفوت والهرب
52
الكر : العطف ، يقال : كر فرسه على عدوه أي عطفه عليه ، والكر والكرور جميعا الرجوع ، يقال : كر من قرنه يكر كرا وكرورا ، والمكر مفعل من كر يكر ، ومفعل يتضمن مبالغة كقولهم : فلان مسعر حرب وفلان مقول ومصقع ، وإنما جعلوه متضمنا مبالغة لان مفعلا قد يكون من اسماء الأدوات نحو المعول والمخرز ، فجعل كأنه أداة للكرور وآلة لتسعير الحرب غير ذلك ، مفر : مفعل من فر يفر فرارا ، والكلام فيه نحو الكلام في مكر . الجلمود والجلمد : الحجر العظيم الصلب ، والجمع جلامد وجلاميد ، الصخر: الحجر ، الواحد صخرة ، وجمع الصخر صخور ، الحط : إلقاء الشيء من علو إلى أسفل ، يقال : أتيته من عل ، مضمونة اللام ، ومن علو ، بفتح الواو وضمها وكسرها ، ومن علي ، بياء ساكنة ، ومن عال مثل قاض ، ومن معال مثل معاد ، ولغة ثامنة يقال من علا ، وأنشد الفراء : باتت تنوش الحوض نوشا من علا نوشا به تقطع أجوان الفلا وقوله : كجلمود صخر ، من إضافة بعض الشيء إلى كله مثل باب حديد وجبة خز ، أي كجلمود من صخر يقول : هذا الفرس مكر إذا أريد منه الكر ومفر إذا إذا أريد منه الفر ومقبل إذا أريد منه إقباله ودبر إذا أريد منه إدباره . وقوله : معا ، يعنى أن الكر والفر والإقبال والإدبار مجتمعة في قوته لا في فعله لأن فيها تضادا ، ثم شبهه في سرعة مره وصلابة خلقه بحجر عظيم ألقاه السيل من مكان عال إلى حضيض
53
زال الشيء يزل زليلا وأزالته أنا ، الحال: مقعد الفارس من ظهر الفرس ، الصفواء والصفوان والصفا : الحجر الصلب ، الباء في قوله بالمتنزل للتعدية يقول : هذا الفرس الكميت يزل لبده عن متنه لانملاس ظهره واكتناز لحمه يحمدان من الفرس ، كما يزل الحجر الصلب الأملس المطر النازل عليه ، وقيل : بل أراد الإنسان النازل عليه ، والتنزل والنزول واحد ، والمتنزل في البيت صفة المحذوف وتقديره : بالمطر المتنزل او الانسان المتنزل ، وتحرير المعنى : أنه لاكتناز لحمه وانملاس صلبه يزل لبده عن متنه كما أن الحجر الصلب يزل المطر أو الانسان عن نفسه . وجر كميتا وما قبله من الأوصاف لأنها نعوت لمنجرد
54
الذبل والذبول واحد ، والفعل ذبل يذبل ، الجياش :مبالغة جائش وهو فاعل من جاشت القدر تجيش جيشا وجيشانا إذا غلت ، وجاش البحر جيشا وجيشانا إذا هاجت أمواجه ، الاهتزاز : التكسر ، الحمي : حرارة القيظ وغيره ، والفعل حمي يحمي . المرجل : القدر من صفر أو حديد أو نحاس أو شبهه ، والجمع المراجل ، وروى ابن الانبارى وابن مجاهد عن ثعلب أنه قال : كل قدر من حديد أو صفر أو حجر أو خزف أو نحاس أو غيرها فهو مرجل يقول: تغلي فيه حرارة نشاطه على ذبول خلقه وضمر بطنه ، ثم شبه تكسر صهيله في صدره بغليان القدر
55
سح يسح : قد تكون بمعنى صب يصب وقد يكون بمعنى انصب ينصب ، فيكون مرة لازما ومرة متعديا ، زمصدره إذا كان متعديا السح والسحوح ، تقول : سح الماء فسح هو ن ومسح مفعل من المعتدي ، وقد قررنا أن مفعلا في الصفات يقتضي مبالغة ، فالمعنى انه يصب الجري والعدو صبا بعد صب السابح من الخيل : الذي يمد يديه في عدوه ، شبه بالسابح في الماء ، الوني : الفتور ، والفعل ونى يني ونيا وونى ، الكديد : الأرض الصلبة المطمئنة ، المركل من الركل : وهو الدفع بالرجل والضرب بها ، والفعل منه ركل يركل ، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام :"فركلني جبريل" . والتركيل التكرير والتشديد والمركل : الذي يركل مرة بعد أخرى يقول : هذا الفرس عدوه وجريه صبا بعد صب ، أي يجيء به شيئا بعد شيء ، إذا أثارت حياد الخيل التي تمد أيديها في عدوها الغبار في الارض الصلبة التي وطئت بالاقدام والمناسم والحوافر مرة بعد أخرى في حال فتورها في السير وكلالها . وتحرير المعنى : انه يجيء يجري بعد جري إذا كلت الخيل والسوابح وأعيت وأثارت الغبار في مثل هذا الموضع وجر مسحا لانه صفة الفرس المنجرد ، ولو رفع لكان صوابا ، وكان حينئذ خبر مبتدأ محذوف تقديره هو مسح ، ولو نصب لكان صوبا أيضا وكان انتصابه على المدح ، والتقدير : أذكر مسحا أو أعني مسحا ، كذلك القول فيما قبله من الصفات نحو كميت : يجوز في كل هذه الالفاظ الاوجه الثلاثة من الإعراب ويروى المرحل
56
الخف : الخفيف الصهوة : مقعد الفارس من ظهر الفارس ، والجمع الصهوات ، وفعلة تجمع على فعلات ، بفتح العين ، إذا كانت اسما ، نحو شعرة وشعرات وضربة وضربات ، إلا إذا كانت عينها واوا أو ياء أو مدغمة في اللام فإنها كانت صفة تجمع على فعلات ، مسكنة العين أيضا ، نحو ضخمة وضخمات وخدلة وخدلات ، ألوى بالشيء : رمى به ، وألوى به ذهب به ، العنيف : ضد الرفيق يقول : إن هذا الفرس يزل ويزلق الغلام الخفيف عن مقعده من ظهره ويرمي بثياب الرجل العنيف الثقيل ، يريد إنه يزلق عن ظهره من لم يكن جيد الفروسية عالما بها ويرمي بأثواب الماهر الحاذق في الفروسية لشدة عدوه وفرط مرحه في جريه ، وإنما عبر بصهواته ولا يكون له إلا صهوة واحدة ، لأنه لا لبس فيه فجرى الجمع والتوحيد مجرى واحدا عند الاتساع لأن إضافتها إلى ضمير الواحد تزيل اللبس كما يقال : رجل عظيم المناكب وغليظ المشافر ، ولا يكون له إلا منكبان وشفتان ، ورجل شديد مجامع الكتفين ، ولا يكون له إلى مجمع واحد ويروى : يطير الغلام ، أي يطيره ويروى : يزل الغلام الخف ، بفتح الياء من يزل ورفع الغلام ، فيكون فعلا لازما
57
الدرير : من در يدر ، وقد يكون در لازما زمتعديا يقال : درت الناقة اللبن فدر اللبن ، ثم الدرير ههنا يجوز أن يكون بمعنى الدار من در إذا كان متعديا ، والفعيل يكثر مجيئه بمعنى الفاعل نحو قادر وقدير وعالم وعليم ، يجوز أن يكون بمعنى المدر من الادرار وهو جعل الشيئ دارا ، وقد يكثر الفعيل بمعنى المفعل كالحكيم بمعنى المحكم والسميع بمعنى المسمع ، ومنه قول عمرو بن معد يكرب: أمن ريحانة الداعي السميع يؤرقني وأصحابي هجوع أي المسمع ، الخذروف : حصاة مثقوبة يجعل الصبيان فيها خيطا قيديرها الصبي على رأسه شبه سرعة هذا الفرس بسرعة دوران الحصاة على رأس الصبي ، الوليد : الصبي ، والجمع الولدان ، وجمع خذروف خذاريف ، والوليدة : الصبية ، وقد يستعار للأمة ، والجمع : الولائد ، الامرار : إحكام الفتل يقو ل: هو يدر العدو والجري أي يديمها ويواصلها ويتابعهما ويسرع فيها إسراع خذروف الصبي إذا أحكم فتل خيطه وتتابعت كفاه في فتله وتحرير المعني : أنه مديم السير والعدو متابع لهما ، ثم شبهه في سرعة مره وشدة عدوه بالخذروف في دورانه إذا بولغ في فتل خيطه
58
الأيطل والأطل : الخاصرة ، والجمع الاياطل والآطال ، أجمع البصريوه على أنه لم يأت على فعل من الاسماء إلا إبل ، ومن الصفات إلا بلز وهي الجارية التارة السمينة الضخمة ، الظبي : يجمع على أظب وظباء ، والساق على الأسوق والسوق ، والنعامة تجمع النعامات والنعام والنعائم ، الإرخاء : ضرب من عدو الضئب يشبه خبب الدواب ، السرحان : الذئب ، التقريب: وضع الرجلين موضع اليدين في العدو ، التنفل : ولد الثعلب شبه خاصرتي هذا الفرس بخاصرتي الظبي في الضمر ،وشبه ساقيه بساقي النعامة وعدوه بإرخاء الذئب ، وتقريبه بتقريب ولد الذئب
59
الضليع : العظيم الاضلاع المتنفخ الجبين ، والجمع ضلعاء ، والمصدر ضلاعة الاستدبار: النظر إلى دبر الشيء ، وهو مؤخره ، الفرج : الفضاء بين اليدين والرجلين ، والجمع الفروج ، الضفو : السبوغ والتمام ، فويق تصغير فوق وهو تصغير التقريب مثل قبيل وبعيد في تصغير قبل وبعد ، الأعزل : الذي يميل عظم ذنبه إلى أحد الشقين يقول : هذا الفرس عظيم الاضلاع منتفخ الجبين قد سد الفضاء بين رجليه بذنبه وهو غير مائل إلى أحد الشقين
60
المتنان : تثنيه متن وهما ما عن يمين الفقار وشماله ، الانتحاء : الاعتماد والقصد ، المداك : الحجر الذي يسحق به الطيب ، الصلاية : الحدر الآملس الذي يسحق عليه شيء كالهبيد وهو حب الحنظل . شبه انملاس ظهره واكتناز باللحم بالحجر الذي تسحق العروس به أو عليه الطيب ، أو الذي كسر عليه الحنظل ويسخرج الحب
61
نثنية الدم والدمان والدميان والجمع دماء ودمى ، والتصغير دمي ، الهاديات : المتقدمات والاوائل ، وسمى المتقدم هاديا لأن هادى القوم يتقدمهم ، عصارة الشيئ: ما خرج منه عند عصره ، الترجيل : تسريح الشعر ، المرجل : المسرح بالمشط يقول : كأن دماء أوائل الصيد والوحوش على نحر هذا الفرس عصارة حناء على شعر الأشيب وأتى بالمرجل لإقامة القافية
62
عن : أي عرض وظهر ، السرب : القطيع من الظباء أو النساء ، النعاج : اسم لإناث الضأن وبقر الوحش ، والمراد بالنعاج في هذا البيت إناث بقر الوحوش ، العذراء:البكر التي لم تمس ، الدوار : حجر ينصبه أهل الجاهلية ويطوفون حوله الملاء: جمع ملاءة ، المذيل : الذي أطيل ذيله وأرخي يقول : فعرض لنا وظهر قطيع من بقر الوحش كان نساءه عذارى يطفن حول حجر منصوب ويطاف حوله في ملاء طويلة ذيولها
63
الجزع : الخرز اليماني ، الجيد : العنق ، والجمع أجياد ، المعم : الكريم الاعمام . المخول : الكريم الاخوال، وقد أعم الرجل وأخول إذا كرم اعمامه واخواله يقول: فأدبرت النعاج كالخرز اليماني الذي فصل بينه بغيره من الجواهر في عنق صبي كرم أعمامه وأخواله ، شبه البقر الوحشي بالخرز اليماني
64
الهاديات : الاوائل المتقدمات ، الجواحر: المنخلفات ، الصرة : الجماعة ، والزيل والتزييل : التفريق ، والتزيل : الانزلاق والتفرق يقول : فألحقنا هذا الفرس بأوائل الوحش ومتقدماته وجاوز بنا متخلفاته فهي دونه أي أقرب منه
65
المعاداة والعداء : الموالاة ، الدراك : المتابعة يقول : فوالى بين ثور ونعجة من بقر الوحش في طلق واحد ولم يعرق عرقا مفرطا يغسل جسده ، ودراكا أي مدراكة
66
الطهو والطهي: الإنضاج ، والفعل طها يطهو ويطهي ، الإنضاج يشتمل على طبخ اللحم وشيه ، الصفيف : المصفوف على الحجارة لينضج ، القدير : اللحم المطبوخ في القدر يقول : ظل المنضجون اللحم وهم صنفان : صنف ينضج شواء مصفوفا على الحجارة في النار وصنف يطبخون اللحم في القدر
67
الطرف : اسم لما يتحرك من أشفار العين ، وأصله للتحرك ، والفعل منه طرف يطرف ، القصور: العجز ، الفعل قصر يقصر ، الترقي والارتقاء والرقي واحد ، والفعل من الرقي رقي يرقي يقول : ثم أمسينا وتكاد عيوننا تعجز عن ضبط حسنه واستقصاء محاسن خلقه ، ومتى ماترقت العين في أعالي خلقه وشخصه نظرت إلى قوائمه وتلخيص المعنى : أنه كامل الحسن والصورة
68
يقول : بات الجواد مسرجا ملجما قائما بين يدي غير مرسل إلى المرعى
69
أصاح : أراد أصاحب أي ياصاحب فرخم كما تقول في ترخيم حارث ياحار ، وفي ترخيم مالك يامال أراد يارحارث ، والألف نداء للقريب دون البعيد ، ويا: نداء للبعيد والقريب، وأي وأيا وهيا : لنداء البعيد دون القريب، الوميض والإيماض : اللمعان ، اللمع التحريك والتحرك جميعا ، الحبي: السحاب المتراكم ، وجعله مكللا لأنه صار كالإكليل يقول : ياصاحبي هل ترى برقا أريك لمعانه وتلألؤه وتألقه فى سحاب متراكم صار أعلاه كالأكليل متبسم بالبرق يشبه برقه تحريك يدين
70
السناء : الضوء ، والسناء : الرفعة ، السليط : الزيت ، الذبال: جمع ذبالة وهي الفتيلة ، يقول : هذا البرق يتلالأ ضوءه فهو يشبه في تحركه اليدين أو مصابيح الرهبان أميلت فتائلها بصب الزيت عليها في الإضاءة
71
ضارج والعذيب: موضعان ، بعدما : أصله بعد ما فخففه فقال بعد ،وتقديره : بعد متأملي يقول : قعدت وأصحابي للنظر إلى السحاب بين هذين الموضعين وكنت معهم فبعد ما كنت أتأمل فيه ، وتقديره : بعد ماهو متأملي ، فحذف المبتدأ الذي هو هو ، وتقديره على هذا القول بعد السحاب الذي هو متأملي
72
ويروى : علا قطنا ، من علا يعلو علوا ، أي هذا السحاب ، القطن : جبل ، الصوب : المطر، الشيم : النظر إلى البرق مع ترقب المطر يقول : أيمن هذا السحاب على قطن وأيسره على الستار ويذبل ، وقوله : بالشيم ، أراد : إني إنما أحكم به حدسا وتقديره لأنه لا يرى ستارا ويذبل وقطن معا
73
الكب : إلقاء الشيئ على وجهه ، نحو: قعد وأقعدته ، وقام وأقمته ، وجلس وأجلسته ، الذقن : مجتمع الحيين ، والجمع الأذقان ، الدوحة : الشجرة العظيمة ، والجمع دوح ، الكنهبل ، بضم الباء وفتحها : ضرب من شجر البادية يقول : فاضحى هذا الغيث أو السحاب يصب الماء فوق هذا الموضع المسمى كتيفة ، وتلخيص المعنى : أن سيل هذا الغيث ينصب من الجبال والآكام فيقلع الشجر العظام . . ويروى : يسح الماء من كل فيقة ، أي بعد كل فيقة ، والفيقة من الفواق : وهو مقدار ما بين الحلبتين ، ثم استعارة الشاعر لما بين الدفعتين من المطر
74
القنان : اسم جبل لبني أسد ، النفيان : ما يتطاير من قطر المطر وقطر الدلو ومن الرمل عند الوطء ومن الصوف عند النقش وغير ذلك ، العصم : جمع أعصم ، وهو الذي في إحدى يديه بياض من الأوعال وغيرها ، المنزل : موضع الإنزال يقول : ومر على هذا الجبل مما تطاير وانتشر وتناثر من رشاش هذا الغيث فأنزل الأوعال العصم من كل موضع من هذا الجبل لهولها من قطرة على الجبل وفرط انصبابه هناك
75
تيماء قرية عادية في بلاد العرب ، الجذع يجمع على الأجذاع والجذوع ، والنخلة على النخلات ، الأطم : القصر ، الشيد : الجص ، الجندل : الصخر ، يقول : لم يترك هذا الغيث شيئا من جذوع النخل بقرية تيماء ولا شيئا من القصور والأبنية إلا ماكان منها مرفوعا بالصخور أو مجصصا
76
ثبير : جبل بعينه ، العرنين الانف ، البجاد: كساء مخطط ، التزميل : التلفيف بالثياب ، الوبل جمع وابل وهو المطر الغزير العظيم القطر ، يقول : كأن ثبيرا في اوائل مطر هذا السحاب سيد أناس قد تلفف بكساء مخطط ، شبه تغطيته بالغثاء بتغطي هذا الرجل بالكساء
77
الذروة : أعلى الشيء ، المجيمر: أكمة بعينها ، الغثاء : ماجاء به السيل من الحشيش والشجر والكلا والتراب وغير ذلك ، المغزل بضم الميم وفتحها وكسرها معروف يقول : كأن هذه الأكمة غدوة مما أحاط بها من أغثاء السيل فلكة مغزل ، شبه الشاعر استدارة هذه الأكمة بما أحاط بها على الاغثاء باستدارة فلكه المغرز وإحاطتها بها بإحاطة المغزل
78
الصحراء تجمع على الصحارى والصحارى معا ، الغبيط هنا أكمة قد أنخفض وسطها وارتفع طرفاها ، وسميت غبيطا تشبيها بغبيط البعير ن البعاع : الثقل ، قوله : نزول اليماني ، العياب : جمع عيبة الثياب . شبه الشاعر نزول المطر بنزول التاجر وشبه ضروب النبات الناشئة من هذا المطر بصنوف الثياب التي نشرها التاجر عند عرضها للبيع وتقدير البيت : وألقى ثقله بصحراء الغبيط فنزل بها نزولا مثل نزول التاجر اليماني صاحب العياب من الثياب
79
المكاء ضرب من الطير ، الجواء : الوادي ، غدية : تصفير غدوة أو غداة ، الصبح : سقى الصبوح ، والاصطباح والتصبح : شرب الصبوح ، السلاف : أجود الخمور وهو ماانعصر من العنب من غير عصر ، المفلفل : الذي ألقي فيه الفلفل ، يقول : كأن هذا الضرب من الطير سقى هذا الضرب من الخمر صباحا في هذا الأودية ، وإنما جعلها كذلك لحدة ألسنتها وتتابع أصواتها ونشاطها في تغربدها لأن الشراب المفلفل يحدي اللسان ويسكر
80
الغرقى : جمع غريق ، العشي والعشية : مابعد زوال إلى طلوع الفجر وكذلك العشاء ، والأرجاء : النواحي ، الواحد رجا ، مقصور ، والتثنية رجوان ، تأنيث الأقصى : وهو الأبعد : والياء لغة نجد والواو لغة سائرالعرب ، الأنابيش : أصول النبت ، وأحدتها أنبوشة ، العنصل : البصل البري يقول : كأن السباع حين غرقت في سيول هذا المطر عشيا أصول البص البري ؛ شبه الشاعر تلطخها بالطين والماء الكدر بأصول البصل البري لأنها متلطخة بالطين والتراب


امرؤ القيس
وقال امرؤ القيس:
سقى دار سلمى بالمحصب هـطـال

من المزن [وطف] هامل جلجـال

وما زالت الأمطـار كـل عـشـية

يقلبها فـي دوحة الـحـب مـيال

يسح عليها الغيث من كـل جـانـب

يسح وفيها الماء أزرق سـلـسـال

ويعقـبـه زهـر الـربـيع كـأنـه

زرابي فيها للـنـمـارق تـسـآل

وقفت بها والدمـع مـنـي كـأنـه

على صحن خدي والمحاجر سلسال

أسائلهـا أين الـذين قـتـلـنـنـي؟

وهل ينفع الصب المتـيم تـسـآل؟

فقالت حوتهـن الـهـوادج بـكـرة

وسار بهم عنـا حـداة وأجـمـال

حضرت أجيل الطرف في البر حائر

[وما كان فيهـا سـاكـن] نـزال

ومن بعد حين لاح لي بعض بلغتـي

وأهلي نشج والنشج يرفـعـه الآل

فهللت ضحـاكـا وأيدت نـاظـري

إلى هودج من فوقه الخز مفضـال

وقلت لحادي العيس هل أنت مخبـر

لمن هذه الظعن التي هي مـهـدال

فقال لسلمى وهي شمـس مـنـيرة

وبدر لها في الحي ضو[ء] وأجمال

فقلت لـه لـلـه درك مـن فـتـى

خبير بما فيه الـسـرور وإقـبـال

وجئت إلى سلمى وأوقفت بكـرهـا

ونوخته فانطاع لـي وهـو مـذلال

وحين رفعت الحجب بيني وبـينـهـا

فمدت إلي الطرف والطرف مكحال

وقالت حبيبي ما الذي أنـت طـالـب

فقلت لها من لي إلى الوصل إبلال

فقالت ترى أهلي وقومي وجـيرتـي

رجال يرومون المسير إذا قـالـوا

إذا ما حططنا عن ظهور مـطـينـا

تعال إلينا والـحـواسـد غـفـال

صبـرت إلـى أن خـالـط الـنـوم روسـهـــم

وعـادوا كـأمـثـال الـسـكـارى إذا مـالــوا
وجـيت إلـيهـم ثـم دسـت رقــابـــهـــم

ولو علـمـوا قـطـعـت بـالـسـيف أرطـال
إلـى أن أتـيت الـخـدر وهـي كـأنـــهـــا

لفـي الـلـيل مـصـبـاح يضـيء لـقـفـال
وصـرت أدير الـزنـد مـن فـوق ردفــهـــا

كمـا دارت الأحـقـاب يومـا بـأجــمـــال
فقـالـت دع الـفـحـشـاء إنـــي غـــريبة

وأنـت أتـيت الآن لـم يعـلـم الـــخـــال
فقـلـت لـهـا سـمـعـا لـــديك وطـــاعة

فمـا بـغـيتـي غـير الـحـديث مـع الـقـال
وبـتـنـا عـلـى عـيش هـنـــيء وعـــفة

إلـى أن أتـانـا الـصـبـح يركـد مـرســال
فقـالـت وقـالـت ويلـتـا ثــم ويلـــتـــا

لقـد جـاءنـا الـصـبـح الـذي هـو فــلال
فقـلـت لـهـا قـري فـقـومـك هــجـــع

على حالهـم فـي نـومـهـم وكـمـا حـالـوا
فقالوا فخذ مني ثيابي ومعجزي وخلخالي كأنك سلال


فقمت إلى أثوابها فخلعتها

وخليتـهـا فـي خـدرهـا وهـي مـعـضـال
وجـئت إلـى بـكـري هـنـيئا مـسـلـمـــا

فلـلـه فـي الـحـاء والـمـــيم والـــدال

وقال امرؤ القيس أيضاً: امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الملك بن عمرو المقصور الذي اقتصر على ملك أبيه ابن حجر آكل المرار بن عمرو بن معاوية بن الحارث بن معاوية بن مرتع. وقال قوم ابن معاوية بن ثور بن مرتع، وإنما سمي مرتعا لأنه كان من أتاه من قومه رتعه أي جعل له مرتعا لماشيته وهو عمرو بن معاوية بن ثور وهو كندة بن عفير لأنه كفر أباه نعمته، ويكنى أبا الحارث، ويكنى أيضا أبا ذهب وأبا زيد. وقيل اسمه حندج ولقبه امرؤ القيس.
رويت عن ابن الكلبي أخبار تفيد الشك في نسبة هذه القصيدة أو بعضها إلى امرئ القيس، فقد روى البطليوسي عنه أن أعراب كلب ينشدونها لابن خذام. وروى أبو أحمد العسكري عن أبي حاتم عن ابن الكلبي أنه كان يقول: سمعت رواة أعاريب كلب، وعلماءها يذكرون أن أبياتا من أول هذه القصيدة لابن خذام، وأن ابن خذام هذا أول من بكى في الديار.
وروى ابن حزم عن ابن الكلبي أيضا أن أعراب كلب إذا سئلوا بماذا بكى ابن حمام الديار؟ أنشدوا خمسة أبيات متصلة من أول "قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل" ويقولون: إن بقيتها لامرئ القيس.
وابن خذام هو ابن حزام وابن حمام.
هذه المعلقة هي أشهر المعلقات الجاهلية وأكملها دربة فنية وأقصاها بعدا نفسيا يقص فيها نفسه في عواطفه، وخواطره وتأملاته، باكيا طلل الحبيبة، ذاكرا أيام لهوه ومجونه مع صواحبه، متأرجحا بين الذكرى الوجدانية والشهوة الإباحية، ويتدرج في ذلك إلى وصف تسلله إلى مخدع حبيبته، مستحضرا لها صورة جمالية مستمدة من معالم الطبيعة في جمادها ونباتها، وحيوانها، خالعا عليها صفة الكمال والمثال، ومن مناجاة الحبيبة، ووصفها، يعرض لليل فإذا هو دليل حسي نفسي يمتزج فيه العالم الداخلي بالعالم الخارجي، ويتحد سواد الليل بسواد الهموم، بعد أن يتمثله على حدقة الخيال.
ويصف الفرس أيضا بأوصاف معينة في الدقة والجزئية، وفرسه هو أبدا مطية للصيد واللهو وفي هذه القصيدة إلمام بحركات الطبيعة وتنفساتها، وثورة عناصرها، ينظر إلى البرق والمطر الذي سرعان ما يتحول إلى سيل يبعث الخراب والدمار مقتلعا الأشجار، هادما البيوت، مخلفا أثره ما يخلف الطوفان].
المعلقة
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

بسقط اللوى بين الدخول فحومل
فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها

لما نسجته من جنوب وشمـال
توضح والمقراة موضعان، ويقال المقراة: غدير يجتمع فيه الماء، قريت الماء: إذا أنت جمعته، والمقراة أيضا الجفنة تتخذها العرب للطعام والشمأل والشمال والشمل واحد.
[رخاء تسح الريح في جنبـاتـهـا

كساها الصبا سحق الملاء المذيل]
[ترى بعر الآرام في عرصاتـهـا

وقيعانها، كأنه حـب فـلـفـل
كأني غداة البين يوم تـحـمـلـوا

لدى سمرات الحي ناقف حنظل]
وقوفا بها صبحي علي مـطـيهـم

يقولون لا تهلك أسى وتجـمـل
وقوف جمع واقف وهو نصب على الحال.
فدع عنك شيئا قد مضى لسبيلـه

ولكن على ما غالك اليوم أقبل
وقفت بها حتى إذا مـا تـرددت

عماية محزون بشوق موكـل]
وإن شفائي عـبـرة مـهـراقة

فهل عند رسم دارس من معول
كدأبك من أم الحويرث، قبلـهـا

وجارتها أم الرباب بـمـأسـل
أي كعادتك والمعنى أصابك من هذه المرأة واسمها هرأم الحارث بن ضمضم الكلبي وأم الرباب.
وتذكرك أهلها كما لقيت من أم الحويرث وجارتها. وقال أبو عبيدة أي كحالك وعادتك ومأسل اسم جبل وقيل موضع من كلب أيضا من التعب والنصب كما أصابك من هاتين المرأتين وفيه معنى آخر أن يكون قد لقيت من وقوفك على هذه الديار.
إذا قامتا تضوع المسك مـنـهـمـا

نسيم الصباحات جاءت بريا القرنفل
هذا البيت لم يروه الأصمعي، ومعنى تضوع أي أخذ كذا وكذا، يقال للفرخ إذا سمع صوت أمه تتحرك قد ضاع صوت أمه يضوع ضوعا، والنسيم الريح اللينة الهبوب، ونصبه لأنه قام مقام نعت لمصدر محذوف والتقدير، إذا قامتا تضوع المسك إليك منهما تضوعا مثل نسيم الصبا ومثله قول الحجاج:
تاج طواه الأين مما رجفا

طي الليالي زلفا فزلفا
أي طيا مثل طي الليالي، وريا الرائحة الطيبة، ويروى إذا التفتت نحوي تضوع ريها.
ففاضت دموع العين مني صبابة

على النحر بل دمعي محملي
فاضت: سالت. الصبابة رقة الشوق، والمحمل السير الذي يحمل به السيف والحمايل ولم يسمع بواحدة، والصبابة منصوبة على المصدر، وهو مصدر في موضع الحال، كما تقول جاء زيد مشيا أي ماشيا ونحو قوله تعالى (أصبح ماؤكم غورا) أي غائرا، ويجوز أن يكون نصب صبابة على أنه مفعول من أجله كما تقول جئتك لابتغاء العلم أي من أجل ابتغاء العلم، وأنشد سيبويه لحاتم طيء:
ألا رب يوم صالح لك منهما

ولاسيما يوم بدارة جلجـل
السي: المثل يقال هما سيان أي مثلان. وسيما يخفف ويشدد ونصب سيما بلا. ويجوز أن يكون مبنيا مع لا لأن لا تبنى مع المضاف، لأن سي مشبهة بالحروف، ولا تقع الإضافة في الحروف، فلو أضفت إليهن لأزال البناء وأصله سي مشدد.
وحكى الأخفش تخفيفه وخفض ما بعده فإنه جعل ما زائدة للتوكيد ويجوز فيه الرفع على إضمار هو ومن خفض فإضافة سي إليه، وما صلة في سيما ويجوز على البدل من رب يوم، والدارة والدار واحدة، جلجل موضع من الحمى قال أبو عبيدة والأصمعي هي في الحمى، قال هشام هي عند غمر كندة.
ويوم عقرت للعذارى مطيتي

فيا عجبا من رحلها المتحمل
الرحل: القتب.
[ويا عجبا من حلها بعد رحلها

ويا عجبا للجازر المتبـذل]
فظل العذارى يرتمين بلحمهـا

وشحم كهذاب الدمقس المفتل
شرح 16 من المخطوطة: يرتمين، يتهادين به. وينادي بعضهن بعضا، والهداب قال الأصمعي هو الهدب والدمقس الحرير الأبيض والمفتل المفتول.
[تدار علينا بالسديف صحافـهـا

ويؤتى إلينا بالعبيط المثـمـل]
ويوم دخلت الخدر خدر عنـيزة

فقالت لك الويلات إنك مرجلي
الخدر: هو الهودج، الويلات جمع ويلة، وعنيزة اسم امرأة من بني كندة، ويقال موضع. إنك مرجلي أي تعقر بعيري، فتدعني راجلة أمشي ونصب خدر عنيزة على البدل من الخدر.
تقول وقد مال الغبيط بـنـا مـعـا

عقرت بعيري يا امرأ القيس فانزل
وقال الأصمعي: إنما قال بعيري ولم يقل ناقتي لأنه كما قال فأجاز الناقة على الذكور لأنها أقوى والبعير يقع على المذكر والمؤنث والغبيط قتب.
وقال أبو عمرو الشيباني الغبيط: الهودج بعينه.
وقال غيرهما مركب من مراكب النساء. معا منصوب لأنه في موضع الحال، وأما قولك جئت معه قال سيبويه نصبها بالألف لأنه ظرف وقال سيبويه سألت الخليل عنه قال لأنه كثر استعمالهم لها مضافة فقالوا جئت معه وجئت من معه، فصارت بمنزلة أمام يعني إنها ظرف.
فقلت لها سيري وأرخي زمامه

لا تبعديني من جناك المعلـل
قال الأصمعي جعلها بمنزلة ثمرة الشجرة فجعل لها ما للشجرة من رائحة، وحديثها بمنزلة ما يصيب من رائحة الشجرة وثمرتها، والمعلل بفتح اللام الذي قد عل بالطيب والمعلل بكسر اللام الشاغل ويقال الملهي.
[دعي البكر لا ترثي له من ردافنا

وهاتي أيقينا جناة القـرنـفـل
بثغر كمثل الأقـحـوان مـنـور

نفي الثنايا أشنب غـير أثـعـل
فمثلك جبلى، قد طرقت ومرضع

فألهيتها عن ذي تمائم مـحـول
يعني ولدا ذا تمايم وهي العود، وروى الأصمعي وأبو عبيدة عن ذي تمايم مغيل يقال اغتيلت المرأة فهي مغيلة، ومغيل، ومغيل والولد مغيل، إذا أرضعت ولدها وهي حبلى أو وطئت، وهي ترضعه يقال: أغالت، وأغيلت، إذا سقط ولدها غيلا والغيل أن ترضع على حمل أو تؤتى أمه، وهي ترضعه.
إذا ما بكى من خلفها انصرفت له

بشق وتحتي شقها لـم يحـول
وروى أبو عبيدة انحرفت له بشق وشق عندنا لم يحول أي لما قبلها أقبلت تنظر إليه وإلى ولدها فأمالت طرفها إليه وخدها تحته.
ويوما على ظهر الكثيب تعذرت

علي وآلت حلفة لم تحـلـل
تعذرت: تمنعت، يقال تعذر فهو متعذر وعذر فهو معذر إذا تعلل بالمعاذير ومنه قوله تعالى (وجاء المعذرون) أي الذين يأتون بالعلل وقيل معناه المعتذرون وأسكنت التاء ودغمت في الذال لقرب المخرج ومن قال المعتذرون فهذا معناه وأسكنت التاء لأنها جاءت بعد العين والعرب تبدل التاء بعدها حسب الحرف الذي يليه، المعذرون أي الذين جاءوا بالعذر وآلت من العذر أي لم يجدها على ما يريد ونصب يوما بتعذرت والكثيب الرمل المجتمع المرتفع على غيره.
أفاطم مهلا بعـض هـذا الـتـدلـل

وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
يقال أزمعت عن الأمر، وعزمت عليه وأجمعت عليه سواء، والصرم القطيعة، وقوله فأجملي أي في اللفظ، وقال أبو عبيدة: أفاطم أبقي بعض هذا التدلل.
وإن تك قد ساءتك مني خليقة

فسلي ثيابي من ثيابك تنسل
الخليقة: الخلق، والثياب: كناية عن اللقب، نسل ريشه ينسله: إذا رماه. أي أخرجي قلبك من حبي تنسل أي تبين.
أي أغرك مني أن أحبك قاتلي

وأنك مهما تأمري القلب يفعل
الغر الذي لم يجرب الأمور وقال:
يا رب مثلك في النساء غريرة

بيضاء قد متعتها بـطـلاق
تأمري جزم بالشرط وعلامة جزمه سقوط النون ويفعل جزم بالمجازاة وكسر اللام للقافية وحقها في الكلام السكون.
[وأنك قسمت الفؤاد فنصفـه

قتيل ونصفا بالحديد مكبـل]
وما ذرلفت عيناك إلا لتضربي

بسهميك في أعشار مقتـل
أي ما بكت عيناك إلا لتجرحي قلبا معشرا، أي مكسرا، يقال برمة أعشار وبقدح أعشار، إذا ما كان قطعا ثم جبرت.
قال الأصمعي: إنما هذا مثل للأعشار والجزور وهي تنقسم على عشرة أنصباء وقوله بسهميك يريد المعلى وله سبعة أنصباء، والرقيب وله ثلاثة أنصباء، فأراد أنك ذهبت بقلبي أجمع، واعلم أن قداح الميسر عشرة، أولها الفذ ثم التوأم ثم الرقيب ثم الحلس بالحاء ثم النافس ثم المسبل والمعلى ثم الوغد ثم السفيح ثم المنيح. فالفذ له نصيب إذا فاز والتوأم له نصيبان وهكذا إلى المعلى وهو السابع وله سبعة أنصباء وثلاثة لا نصيب لها وإنما يتكثر بهذه القداح.
واجتمع لها منهم من العين ثم السفيح والمنيح والوغد، وربما سموا المنيح أحد هذه التي لها الأنصباءش وذلك أن يمنحنه من صاحبه لما عرف من فوز قال الشاعر:
إذا امتحنته من معد عـصـابة

غدا ربها قبل المغيضين يقدح
أي ثقة بفوزه وهذا كما قال امرؤ القيس:
إذا ما ركبنا قال ولدان قـومـنـا

تعالوا إلى أن يأتي الصيد نحطب
وصفة الميسر أن العرب كانت تفتخر به وتعده من مكارم الأخلاق، وتفعله في سنة الجدب لأنهم يطعمون ما يقمرون من اللحم، ويخسرون ثمنه وذلك بأنهم ينحروق الناقة ويقسمونها على عشرة سهام وقيل على أربعة وعشرين.
ثم يأتي واحد بقدحه وقد أصلحه وملسه، ليسرع في الخروج، وقد أعلمه كما قال به علمان من أمام ومن عقب ثم يجعلونها في خريطة ضيقة الفم لا يكاد يخرج منها تسمى الرمانة، فيضعونها على يد رجل عدل عندهم يسمى المجد والمقبض ثم يحملها. ومعنى البيت: أنها ذهبت بقلبي أجمع والمقتل المذلل المنقاد على التشبيه ويقال قلب معشر أي مكسر.
وبيضة خدر لا يرام خبـاؤهـا

تمتعت من لهو بها غير معجل
شبهها بالبيضة لصفائها ورقتها والخباء ما كان على عمودين أو ثلاثة والعرب يجعلونها على ستة أعمدة إلى تسعة. غير معحل: غير خائف على مهل.
تجاوزت أحراسا إليها ومعشـرا

علي حراصاً لو يسرون مقتلي
أي هم حراص على إسرار مقتلي، ويروى ينشرون مقتلي بالشين المعجمة أي يظهرون ويسرون بالسين المهملة من الأضداد، يقال أسررت الشيء أظهرته، وأسررته: أخفيته وقال الشاعر:
ولما رأى الحجاج جـرد سـيفـه

أسر الذي كان الحروري أضمرا
أي أظهر الحروري، والمعشر بنو عمها وعشيرتها.
إذا ما الثريا في السماء تعرضت

تعرض أثناء الوشاح المفضل
ويروى المفصل الوشاح هو ما يعمل من كل لون، والمفصل الذي فيه فصل الزبرجد وأثناء الوشاح نواحيه، وواحد الأثناء ثنيء، وثني وثنو، وتعرض نصب على المصدر.
فجئت وقد نضت لنوم ثيابهـا

لدى الستر إلا لبسة المتفضل
لدى بمعنى عند، نضت: سلخت، ولبسة المتفصل: ثوبها الذي يلي جسدها، وقال بعض المفسرين لهذا البيت معنى قوله إلا لبسة المتفضل: يعني ما جعل الله من الحسن والمتفضل هو الله وهو وجه حسن، والفضلة الثياب تبتذل للنوم، والعمل، والمتفضل الذي يبقى في ثوب واحد لينام فيه أو يعمل عملا، واسم الثياب المتفضل ويقال للأول من الثياب فضل أيضا وأما المفضل فهو الإزار الذي ينام فيه.
وليست تكون للحال، ما أحسن بالكسر لبسته وقعدته فإن أردت المرة الواحدة قلت ما أحسن لبسته وقعدته بالفتح.
فقالت يمين الله مـا لـك حـيلة

وما إن أرى عنك الغواية تنجلي
يمين الله منصوبة بمعنى إني حلفت بيمين الله فلما ألغى نصب وأسقط الحرف فتعدى بالفعل، ويروى يمين الله بالرفع على الابتداء، واليمين محذوف: أي يمين الله قسمي أو علي، وإن في قوله ما إن أرى عنك الغواية تأكيد لما على الغواية تنجلى من غوى غواية وتنجلي: تنكشف، وجليت الشيء كشفته.
وروى الأصمعي وما إن أرى عنك العماية تنجلي والعماية مصدر عمي قلبه يعمى عماية وعمى. ومعنى البيت: إنها خافت أن يظهر عليهما ويعلم بأمرهما. فالمعنى ما لك حيلة في التخلص، ويجوز أن يكون المعنى ما لك حيلة فيما قصدت له.
فقمت بها أمشي تجر وراءنـا

على إثرنا أذيال مرط مرحل
ويروى على أثرينا ذيل مريط، ويروى خرجت بها، والأذيال جمع ذبل، والمرط: كساء من خز معلم، والأثر والإثر واحد، والمرحل بالحاء المهملة الذي فيه صور الرجال من الوشي. ويقال ضرب من البرود الموشاة.
ويقال للمرحل: المعلم، ويروى المرجل بالجيم أي علية أنملة الرجال من الوشي، وهو النقش،وقوله أمشي في موضع النصب على الحال، ومعنى البيت: إنها لما أنب قالت له ما لك حيلة فخرج بها إلى الخلوة.
فلما أجزنا ساحة الحي وانتحـى

بنا بطن خبت ذي حقاف عقنقل
أجزنا وجزنا بمعنى واحد، وقال الأصمعي أجزناه قطعناه وخلفناه، وجزنا: سرنا فيه، والساحة: الباحة الفجوة، والغروة والنالة فناء الدار.
يقال هي الرحبة كالعرصة، وهو ما اتسع من الأرض، وانتحى: ناء. الخبت بطن من الأرض غامض. ويروى بطن حقف والحقف ما اعوج من الرمل، وانثنى وجمعه أحقاف، والحقف ما ارتفع من الأرض وغلظ ولم يبلغ أن يكون جبلا.
ويروى ذي ركام والركام ما يركب بعضه بعضا من الكثرة، والعقنقل المعقد الداخل بعضه في بعض، وعقنقل الضب بطنه المنعقد، وهو كشيته وبيضه، وشحمه من أصل حلقه إلى رفغه.
وجواب فلما أجزنا هصرت.
هصرت بفودي رأسها فتمايلت

لي هضيم الكشح ريا المخلخل
وزعم بعضهم أن جواب لما قوله انتحى بنا والواو مقحمة، ويجوز أن تكون الواو غير مقحمة والجواب محذوفا تقديره: فلما أجزنا ساحة الحي أمنا. وعلى هذا الوجه تكون رواية البيت الذي يليه، إذا قلت هاتي نوليني تمايلت، ويروى مددت بغصني دومة، ودومة شجرة والفوادان جانبا الرأس. وهما القرنان أيضا والقرون أيضا غدائر الرأس سميت بذلك لمنبتها على قرون الرأس، ومعنى هصرت جذبت وثنيت، والكشح ما بين منقع الأضلاع إلى الورك، والهضيم: الضامر. والريا الممتلئة، من اللحم، والمخلخل: موضع الخلخال. يصف رقة خصرها وعبالة ساقيها. وهضيم منصوب على الحال، وكذلك ريا المخلخل.
ومن روى إذا قلت هاتي نوليني فتكون إذا ظرف وتمايلت هو الجواب، وإذا من حروف الشرط، وشبهها بها أنها ترد الماضي إلى المستقبل. ألا ترى أنك إذا قلت: إذا قمت قمت معناه إذا تقوم أقوم، وأيضا فلأنه لا بد لها من جواب كحروف الشرط لأنه لا يليها إلا فعل، فإن وليها اسم أضمرت فعلا كقول الشاعر:
إذا ابن أبي موسى بلالا بلغته

فقام بفأس بين وصليك جازر
والتقدير إذا بلغت ابن أبي موسى، وروى سيبويه إذا ابن أبي موسى بالرفع، وزعم أبو العباس أن هذا غلط، أن يرفع ما بعد إذا الابتدائية، ولكنه يجوز الرفع عنده بتقدير إذا بلغ ابن أبي موسى. والخليل وأصحابه يستقبحون أن يجاز. وأما إذا وإن كانت تشبه حروف المجازاة في بعض أحوالها، فإنها تخالفهن بأن ما بعدها يقع موقتا لأنك إذا قلت لابنك إذا احمر الأقحوان فهو وقت بعينه. وكذلك (إذا السماء انشقت) وقت بعينه، ولهذا قبيح أن يجازى بها إلا في الشعر قال الشاعر:
يرفع لي خندف والله يرفع لي

نارا إذا ما خبت نيرانهم تقد
وهضيم عند الكوفيين بمعنى مهضومة فلذلك كان بلا هاء وهي عند سيبويه على النسب، وأراد بالكشح: الكشحين كما تقول كحلت عيني تريد عيني وريا فعلى من الري وهو إنهاء شرب العطشان، ومعنى البيت أنه إذا قال لها نوليني تمايلت عليه مكتنزة اللحم.
[إذا التفتت نحوي تضوع ريحهـا

نسيم الصبا جاءت بريا القرنفل]
مهفهفة بيضاء غـير مـفـاضة

ترائبها مصقوله كالسجنـجـل
المهفهفة: الخفيفة اللحم التي ليست برهلة ولا ضخمة البطن، والمفاضة المسترخية البطن من قولهم حديث مستفيض، وقيل مهفهفة معناه أنها لطيفة الخصر والترائب جمع تريبة وهي موضع القلادة من الصدر.
والسجنجل: المرآة قال يعقوب هذا حرف رومي وقيل سبيكة الفضة.
ورواية أبي عبيدة مصقولة بالسجنجل، وقيل السجنجل الزعفران وقيل ماء الذهب ومهفهفة مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف والكاف في قوله كالسجنجل في موضع رفع نعت لقوله مصقولة، ويجوز أن يكون في موضع نصب على أن يكون نعتا لمصدر غدون، كأنه قال مصقولة صقلا كالسجنجل، وإنما يصف المرأة بحداثة السن. وجمع السجنجل سجاجل، ومن رواه بالسجنجل فالجار والمجرور في موضع نصب.
تصد وتبدي عن أسيل وتتـقـي

بناظرة من وحش وجرة مطفل
أي تعرض عنا وتبدي عن خد أسيل ليس بكز ولا بمكثف، وتتقي تلقانا بناظرة يعني عينها، والوحش ها هنا البقر الوحشي، والظباء، وجرة موضع، ويقال أراد الظباء فقط.
ويروى تصد وتبدى عن شنيب أي ثغر شنيب، والشنيب [والأشنب حدة الأسنان] وذات طفل: قال الفراء لم يقل مطفلة لأن هذا لا يكون إلا للنساء فصار عنده مثل حائض وهو على مذهب سيبويه على النسب كأنه قال ذات طفل، والدليل على صحة قوله أنه يقال مطفلة إذا أردت أن يأتي به على قولك هي أطفلت فهي مطفلة ولو كان يقع للمؤنث لا يشركه فيه المذكر ولا يحتاج إليه الهاء فيه ما جاز مطفلة قال تعالى: (تذهل كل مرضعة عما أرضعت).
وقوله بناظرة أي بعين ناظرة قال ابن كيسان: كأنه قال بناظرة مطفل من وحش وجرة غلط فجاء بالتنوين كما قال الآخر:
رحم الله أعظما دفنـوهـا

بسجستان طلحة الطلحات
تقديره رحم الله أعظم طلحة، فنون ثم أعرب بإعراب أعظم والأجود إذا فرق بين المضاف والمضاف إليه إلا ينون كقوله:
كأن أصوات من إيغالهن بـنـا

أواخر الميس إنقاض الفراريج
كأنه قال: كأن أصوات أواخر الميس.
وفي بيت امرئ القيس تقدير أحسن من هذا وهو أن يكون التقدير بناظرة من وحش وجرة ناظرة مطفل، ويحذف ناظرة ويقيم مطفلا مكانه وكذلك قوله طلحة الطلحات كأنه قال أعظم طلحة الطلحات.
ومعنى الشنيب لها ثغر حيثما تأتي تبتسم، فيبدو لنا ثغرها، وتتقي أي تتلقانا به والإعراض عنا بملاحظتها كما تلاحظ الظبية ولدها وذلك أحسن ما يكون من غنج المرأة، والصد الاعراض، والإبداء: الظهور، والأسالة امتداد وطول في الخد، أي بناظر من نواظر وحش هذا الموضع التي لها أطفال من ظبية مطفلة ومهاة مطفل، وفي قوله وجرة حذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه.
وجيد كجيد الريم ليس بفاحش

إذا هي نصته ولا بمعطل
نصته: رفعته، والمعطل الذي خلي حليه، والفاحش: الكريه، وليس بفاحش أي ليس بكريه المنظر، وهو نحرها.
وفرغ يزين المتن أسود فاحم

أثيث كقنو النخلة المتعثكل
الفرع الشعر التام وأعلى كل شيء فرع، والمتن والمتنة ما يلي يمين الصلب وشماله من العصب واللحم، والفاحم الشديد السواد، مشتق من الفحم يقال هو فحم بين الفحومة، والأثيث: الكثير، والمتعثكل: الداخل بعضه في بعض واحدة عثكول وعثكال كشمروخ وشمراخ، وقد يكون العثكال والعثكول في اللغة بمعنى طعمة من القنو، والنخلة المعثكلة التي خرج عناقيدها أي قنواتها، وقيل المتعثكل المتدلي.
يقول: تبدي عن شعر طويل نام يزين ظهرها إذا أرسلته عليه ثم شبه ذوائبها بقنو نخلة أخرجت قنواتها والذوائب تشبه العناقيد.
غدائره مستشزرات إلى الـعـلا

تضل العقاص في مثنى ومرسل
أصل الشزر: الفتل على غير الجهة والشيء أدبرت به عن صدرك فهو الدبير، والبسر ما أقبلت به على صدرك وهو القبيل، والانشزار الرفع والارتفاع جميعا يكون لازما ومتعديا فمن رواه مستشزرات بكسر الزاي جعله لازما، ومن رواه بفتحها جعله متعديا، والعقاص جمع عقيصة وهو ما جمع من الشعر، ففتل تحت الذوائب وهي مشطة معروفة، يرسلون فيها بعض الشعر، ويثنون بعضه، فالذي فتل بعضه على بعض هو المثنى والمرسل: المسرح غير المفتول فذلك قوله في مثنى ومرسل.
ورواية ابن الأعرابي مستشزرات بكسر الزاي أي مرتفعات، ويروى يضل العقاص بالياء على أن العقاص واحد.
قال ابن كيسان هو المذري فكأنه يستتر في الشعر لكثرته، وأما العقيصة: الخصلة المجموعة من الشعر، والجمع عقيص وعقاص وعقائص ويروى تضل المذاري أي من كثافة شعرها، والمذري مثل الشوكة يصلح بها شعرها.
وكشح لطيف كالجديل مخصر

وساق كأنبوب السقي المذلل
اللطيف أراد به الصغير الحسن، والعرب إذا وصفت شيئا بالحسن جعلته لطيفا والجديل زمام من السيور مجدول ومفتول فيجيء حسنا لينا ينثني مشتقا من الجدل وهو شدة الخلق، ومنه الأجدل والمجادلة والأنبوب البردي الذي ينبت وسط النخلة، والسقي النخل المسقي، كأنه قال كأنبوب النخل المسقي والمذلل فيه أقوال: أحدها أنه الذي تثنيه أدنى الرياح لنعومته يقال نخل مذلل إذا امتدت أقناؤها، فاستوت شبه ساقها ببردي قد نبت تحت نخل، والنخل تظله الشمس، وذلك أحسن ما يكون منه. وقيل معنى المذلل له الماء وقيل المذلل الماء الذي خاضه الناس.
وقيل المذلل الذي قد عطف ثمرة ليجتني والأنبوب الكعب من القصب.
ويضحي فتيت المسك فوق فراشها

نؤوم الضحى لم تنتطق عن تفضل
أي ما تحات عن جلدها في فراشها، وقيل كأن به المسك من طيب جسدها، لأن أحدا لها فيها مسكا. واحتج بقوله وجدت بها طيبا وإن لم تطيب، وقوله ويضحي أي ويدخل في الضحى، يقال أظلم إذا دخل في الظلام، ولا يحتاج هذا إلى خبر، ونؤوم منصوب على أعني وفيه معنى المدح ولا يجوز نصبه على الحال.
ألا ترى أنك إذا قلت جاءني غلام هند مسرعة لم يجز أن تنصب مسرعة على الحال من هند إلا على حيلة، والعلة في هذا أن الفعل لم يعمل في هذا شيئا، والحيلة التي يجوز عليها أن معنى جاءني في غلام هند فيه معنى تحثه فتنصبه وروى نؤوم على معنى هي نؤوم ويجوز نؤوم على البدل من الضمير الذي في فراشها، والضحى مؤنثة تأنيث صيغة ولا تعد فيه (ألف تأنيث) فإنها بمنزلة (موسى) وتصغير ضحى ضحي، والقياس ضحية إلا أنه لو قيل ضحية لأشبه تصغير ضحوة والضحى قبل الضحاء والانتطاق: الائتزار (للعمل) والمهنة.
ويجوز نصب نؤوم على المدح ومعنى عن تفضل أي بعد تفضل.
وقال أبو عبيدة: أي لم تنتطق، فتعمل وتطوف ولكنها تتفضل ولا تنتطق، وقيل التفضل هو التوشح وهو لبسها أدنى ثيابها، والانتطاق؛ الائتزار للعمل. يريد أنها مخدمة منعمة تخدم ولا تخدم والاضحاء مصادفة الاضحاء، وتقول رجل نؤوم وامرأة نؤوم ومنه توبة نصوحا.
وتعطو برخص غير شئن كأنـه

أساريع ظبي في مساويك إسحل
الإعطاء: المنادلة، والمعاطاة الخدمة، والتعطية مثلها، برخص أي ببنان رخص، والرخص اللين الناعم، وغير شئن أي غير كز غليظ خشن، والأساريع جمع أسروع ويسروع دود يكون في البقل والأماكن الندية، يشبه النساء، وظبي اسم كئيب وهو الجبل من الرمل، وقيل الأساريع دواب تكون في الرمل وقيل في الحشيش، ظهورها ملس مثل سحم الأرض، ويقال يساريع وقيل هي دواب تسمى بنات التقى: بفتح التاء والأسحل شجر له أغصان ناعمة شبه أناملها بأساريع أو مساويك للينها.
تضيء الظلام بالعشاء كأنها

منارة ممسى راهب متبتل
أي في العشاء: أي كأنها سراج منارة وقيل هي على غير حذف، والمعنى إن منارة الراهب تشرق بالليل إذا أوقد فيها قنديلة، والمنارة مفعلة، وخص الراهب لأنه لا يطفى سراجه والجمع منائر ومناور لغتان شاذتان لا يقاس عليهما بكسر الميم وفتحها وممسى راهب إي إمساء راهبن والتبتل الانقطاع عن الناس للعبادة ومتبتل صفة للراهب ومعنى البيت إنها وضيئة الوجه إذا ابتسمت بالليل رأيت لثناياها بريقا وضوءا وإذا برزت في الظلام استنار وجهها وظهر جمالها حتى يغلب ظلمة الليل.
إلى مثلها يرنو الحلـيم صـبـابة

إذا ما اسبكرت بين درع ومجول
يرنو: أي يديم النظر، الصبا رقة الشوق، وهو مصدر في موضع الحال، ويجوز أن يكون مفعولا من أجله واسبكرت امتدت وتمت، ويقال سفر مسبكر للمنبسط. قال أبو عبيدة المسبكر التام الممتلى، يقال اسبكرت إذا تم شأنها والمراد به تمام شبابها. بين درع ومجول أي سنها بين من يلبس الدرع وبين من يلبس المجول لأن الدرع للنساء، والمجول للصبايا، والدرع ثوب مهذب لا تكف أسافله، والمجول: الرداء وقيل الثوب الأبيض، وقيل الوشاح والإزرار، أي أنها بين الكبيرة التي تلبس الدرع وبين الصغيرة التي تلبس المجول أي ليست بصغيرة ولا بكبيرة بل هي بينهما وإلى تتعلق بيرنو.
كبكر المقاناة البياض بصفرة

غذاها نمير غير محـلـل
البكر هنا أول بيض النعام، أي أول بيضة قد تبيضها النعامة، وبكر كل شيء أوله والمقاناة المخالطة، يقال قانيت بين الشيئين إذا خلطت أحدهما بالآخر. وما يقانيني فلان أي ما يشاكلني، وهي في البيت المقاناة دون المصدر، والنمير الماء الناشئ في الجسد، وقيل النمير العذب، ويقال النمير الذي ينجع في الشارب وإن لم يكن عذبا لأنه ليس كل عذب نميرا.
ومن روى محلل بكسر اللام أراد أنه ينقطع سريعا، وغير منصوب على الحال، وتقديره كبكر البيض المقاناة، وأدخل الهاء لتأنيث الجماعة، كأنه قال كبكر جماعة البيض ونصب البياض على أنه خبر ما لم يسم فاعله واسم ما لم يسم فاعله مضمر والمعنى كبكر البيض الذي قوني هو البياض كما تقول مررت بالمعطي الدرهم.
ومن روى البياض بالجر شبهه بالحسن الوجه وفيه بعد لأنه شبه بما ليس من بابه وقد أجازوا بالمعطى الدرهم.
وغير هذا قال ابن كيسان ويروى كبكر المقاناة بياضه وجعل الألف واللام مقام الهاء ومثله قوله تعالى (فإن الجنة هي المأوى) أي هذا مأواه وهذا كأنه مقيس على قول الكوفيين لأنهم يجيزون مررت بالرجل الحسن الوجه أي الحسن وجهه يقيمون الألف واللام مقام الهاء.
وقال الزجاج بالرجل هذا خطأ لأنك لو قلت مررت بالرجل الحسن الوجه لم يعد على الرجل من نعته شيء وأما قولهم إن الألف واللام بمنزلة الهاء فخطأ لأنه لو كان هذا هكذا لجاز زيد الأب منطلق تريد أبوه منطلق، وأما قوله تعالى (فإن الجنة هي المأوى) أي هي المأوى له ثم حذف ذلك لعلم السامع ومعنى البيت أنه يصف أن بياضها تخالطه صفرة والآخر أنها حسنة الغذاء، وقيل أراد بالبكر هنا الدرة التي لم تثقب. وهكذا لون الدرة. ويصف أن هذه الدرة بين الماء الملح والعذب فهو أحسن ما يكون، فأما على القول الأول، فإن غذاها يكون راجعا إلى المرأة أي نشأت بأرض مريئة.
تسلت عمايات الرجال عن الصبا

وليس فؤادي عن هواها بمنسلي
يقال سلا يسلو سلوا إذا خلا أي زال حبه عن قلبه، والعماية والعمى واحد والفعل عمي يعمى، وزغم الأكثرون في البيت قلبا تقديره: تسلت الرجال عن عمايات الصبا: أي خرجوا عن ظلماته، وليس فؤادي خارجا عن هواها.
وزعم بعضهم أن عن في البيت بمعنى بعد أي انكشف، وبطلت صبايات الرجال بعد صباهم ويروى عن هواك، وعن صباه، والصبا أن يفعل فعل الصبيان، يقال صبا إلى اللهو يصبو صباء وصبوا، والعمايات جمع عماية وهي الجهالة ومنسلي منفعل من السلو وعن الأولى متعلقة بتسلت والثانية بمنسل وليس فؤادي عن هواه.
ألا رب خصم فيك ألوى رددته

نصيح على تعذاله غير مؤتل
الألوى: الشديد الخصومة، كأنه يلتوي على خصمه بالحجج، والتعذال: التفعال من العذل والتعذال والعذل بسكون الذال والعذل بفتحها واحد، وغير مؤتل غير مقصر في النصيحة والعذل، رددته، أي لم أقبل منه نصيحة، ومعنى غير مؤتل أي غير تارك نصحي بجهده، يقال ما ألوت أن أفعل كذا وكذا، وقد يكون مؤتل غير هذا من البيت، وائتليت به حلفت وقيل في قوله تعالى (ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة) أي لا يحلف أولو السعة أن يؤتوا أولي القربى، ويجوز أن يكون المعنى، ولا يقصر أولو الفضل عن أن يؤتوا والخصم يقع للواحد والاثنين والجمع والمؤنث على لفظ واحد، كما تقول رجل عدل،ورجال عدل فلا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث.
وليل كموج البحر أرخى سدوله

علي بأنواع الهموم ليبتـلـي
قوله كموح البحر أي في كثافة ظلمته، وسدولة أطرافه، وقيل ستوره واحده سدل، سدل ثوبه إذا أرخاه، ولم يضمه، وقوله: بأنواع الهموم أي يطرد بها كالحزن والجزع ونحوه والباء بمعنى مع، ليبتلي أي لينظر ما عندي من الصبر، ويبتلي بمعنى ليختبر، ومعنى البيت أنه يخبر أن الليل قد طال عليه وسدوله ينتصب بمرخ وعلي تتعلق بمرخ وكذلك الباء بأنواع الهموم.
فقلت له لما تمطى بصلبـه

وأردف أعجازا وناء بكلكل
تمطى: امتد، وروى الأصمعي لما تمطى بجوزه أي امتد بجوزه، والجوز: الوسط وأردف أعجازا أي رجع.
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلـي

بصبح وما الإصباح منك بأمثل
إلا انجلي في موضع السكون وهو مبني على حذف الياء ووردت بإثبات الألف بقوله تعالى (سنقرئك فلا تنسى) وبإثبات الألف أيضا في قوله.
إذا الجوزاء أردفت الثريا

ظننت بآل فاطمة الظنونا
وبإثبات الياء في قوله:
ألم يأتيك والأنباء تنمـي

بما لاقت لبون بني زياد
وبإثبات الواو في قوله:
هجوت زبان ثم جئت معـتـذرا

من سب زبان لم تهجو ولم تدع
ومعنى البيت أنا معذب والليل والنهار عندي سواء.
الانجلاء هو الانكشاف كقوله [تعالى] (ولا يجليها لوقتها إلا هو) أي لا يكشفها ويروى: وما الإصباح منك بأمثل فمنك ينوي بها التأخير، لأنها في غير موضعها لأن حق "من"، أن تقع بعد أفعل.
وأما قولهم في قوله ناب فهو في مكان المعنى ناب منها بخبر فهو غلط، لأن الشيء إذا كان في موضعه لم يقدر في غير موضعه فحق من ارتفع بعد أفعل، وهي في موضعها والمعنى: إذا جاء الصبح فإني أيضا مهموم، وقيل معنى فيك بأمثل إذا جاءني الصبح وأنا فيك فليس ذلك بأمثل لأن الصبح قد يجيء والليل مظلم بعد، وفيك تتعلق بأمثل.
فيا لك من ليل، كأن نجومـه

بكل مغار الفتل شدت بيذبل
معناه: كأن نجومه شدت بيذبل وهو جبل، والمغار المحكم الفتل، ويقال أغرت وفي قوله: فيا لك من ليل فيه معنى التعجب كما تقول فيا لك من فارس.
كأن الثريا علقت في مصامها

بأمراس كتان إلى صم جندل
مصامها: موضعها، والأمراس الحبال، واحدها مرس، ويروى كأن نجوما علقت والجندل: الحجارة، والصم: الصلاب، وفيه تفسيران: أحدهما أنه يصف طول الليل بقول كأن النجوم مشدودة بحبال إلى حجارة فليست بمعنى.
ومصامها هو مواضع وقوفها وفي والياء وإلى متعلقة بقوله علقت.
والتفسير الثاني على رواية من يروي هذا البيت مؤخرا عند صفة الفرس بحيال كتان إلى صم جندل وشبه حوافره بالحجارة ويروى بعض الرواة ههنا أربعة أبيات وذكر أنها من هذه القصيدة وخالف فيها سائر الرواة وزعموا أنها لتأبط شرا.
وقربة أقوام جعلت عصامها

على كاهل في ذلول مرجل
عصام القربة: الحبل الذي تحمل به، ويضعها الرجل على عاتقه وعلى صدره والكاهل موصل العنق والظهر يصف نفسه أنه يخدم أصحابه.
وواد كجوف العير قفر قطعتـه

به الذئب يعوي كالخليع المعيل
فيه قولان: أحدهما أن جوف العير لا ينتفع منه بشيء، يعني العير الوحشي. والقول الثاني: إن العير ها هنا رجل من العمالقة كان له بنون، وواد خصب، وكان حسن الطريقة، فسافر بنوه في بعض أسفارهم فأصابتهم صاعقة فأحرقتهم، فكفر بالله، وقال: لا أعبد ربا أحرق بني، وأخذ في عبادة الأصنام. فسلط الله على واديه نارا والوادي بلغة أهل اليمن: الجوف فأحرقته فما أبقى له شيئا، وهو تضرب به الأمثال فيما لا بقير فيه. والخليع المقامر، وقيل هو الذي قد خلع عذاره، فلا يبالي بما ارتكب، وقيل الخليع المخلوع الذي خلعه قومه، إذا قتل لا يطلب بنو عمه بثأره، وإذا قتل لا يطالب بنو عمه بثأر من قتل، والمعتل الكثير الخطأ، والكاف منصوب بيعوي.
فقلت له لما عوى إن شأنـنـا

قليل الغنى إن كنت لما تهول
أي أن كنت لم تصب من الغنى ما يكفيك، وقوله إن شأننا قليل الغنى أنا لا أغنى عنك، وأنت لا تغني عني، أي أنا أطلب وأنت تطلب فكلانا لا غنى له ومن رواه طويل الغنى أراد همتي تطول في طلب الغنى.
طرحت له نعلا من السبت طـلـه

خلاف ندى من آخر الليل مخضل
كلانا إذا مـا نـال شـيئا أقـاتـه

ومن يحترث وحـرثـك يهـزل
أي إذا نلت شيئا أقته وكذلك أنت إذا أصبت شيئا أقته، ومن يحرث حرثي وحرثك أي يطلب مني ومنك لم يدرك مراده.
وقال قوم: من كان هذا فيه وطلبته مثل طلبتي وطلبتك في هذا الوضع مات هزالا لأنهما كانا بواد لا نبات فيه ولا صيد فهذه الأبيات الأربعة من الزيادات فيها.
وقد أغتدي والطير في وكناتها

بمنجرد قيد الأوابد هـيكـل
أغتدي: أخرج غدوة، والطير ساكنة لم تطر، ويروى في وكراتها، والوكر حيث يسقط الطائر للمبيت أي موضعها التي تبيت فيها، والوكر أيضا: مواضع العش، والوكنات في الجبال كالتماريد في السهل واحدها تمراد وهو برج صغير للحمام الواحدة وكنة، وهي الوقنات أيضا وقد وكن الطائر يكن ووقن يقن ووكر يكر؛ إذا أوى إلى وكن. وقيل لا واحد لها فمن قال واحدها وكنة، جمع وكنة على وكنات، كما تقول غرفة وغرفات فهذا الجيد ليفرق بين الاسم والنفس فتقول في النعت حلو حلوات وفي الاسم الذي ليس بنعت وكنة وكنات وركبة ركبات وإن شئت أبدلت من الضمة فتحة فقلت ركبات، وإن شئت أسكنت لثقل الضمة فقلت وكنات وغرفات. وإن شئت أبدلت من الواو همزة فقلت أكنات ومثله [قوله تعالى] (إذا الرسل أقتت) وإنما هو الوقت وفيه القراءتان وقال أبو حاتم جمع وكرا على وكر ثم جمع وكرا على وكرات، وكذلك وكنات فهي جمع الجمع، والواو في الطير واو الحال والجملة في موضع نصب حال، يقول قد أغتدي في هذه الحال بفرس منجرد فأقام النعت مقام المنعوت أي قصير الشعر والأوابد الوحش، وكذلك أوابد الشعر وتقديره قيد الأوابد تقييد ذي الأوابد ثم حذف ذي الأوابد. والمعنى أن هذه الفرس من سرعته يلحق الأوابد فيصير لها بمنزلة القيد. وهذا الكلام جيد بالغ لم يسبقه إليه أحد والهيكل الضخم.
مكر مفر مقـبـل مـدبـر مـعـا

كجلمود صخر حطه السيل من عل
أي يصلح للكر والفر، إذا أقبل حسن الإقبال وإن أدبر حسن الأدبار، وقوله معا أي عنده هذا وعنده هذا، كما يقال فارس راجل أي قد جمع هذين والجلمود الصخرة الملساء التي ليست بالكبيرة، وحطه أي حدره السيل بقوته، من عل أي من مكان عال، وفيه ثمان لغات تقول جئته من عل ومن عل ياهذا، ومن علو يا هذا، ومن علو، ومن علا وأنشد يونس.
فهي تنوش الحوض نوشا من علا

نوشا به تقطع أجواز الـفـلا
ويقال حئتك من عال ومن معال، ومن معالى.
فمن قال: من علا، جعله نكرة، كأنه قال من موضع عال، ومن قال: من عل يا هذا فهو معرفة وتقديره من فوق ما تعلم، وقال سيبويه: فالمضارعة من علو قد حكوه لأنهم يقولون من عل فيجزونه، فمعنى هذا أن على عنده كان مما يجب أن لا يحرك، إلا أنه لما أشبه المتمكن أعطوه فضيله، وهي الحركة، واختير له الضم لأنه غاية الحركات.
وقيل: لأن الضم لا يدخل الظروف بحق الإعراب وإنما يدخلها الإعراب النصب والخفض، فيبنى على حركة ليست له، فصار من هذه الجهة بمنزلة قبل وبعد وهكذا القول فيمن قال من عل، ومن قال جئت من علو جعله نكرة وجاء به على التمام، ومن ضم قدره معرفة، ومن قال جئتك من عال فمعناه من مكان عال ثم أقام الصفة مقام الموصوف.
ولا يجوز أن نبني في هذه اللغة لأنه لم يحذف منه شيء ومن قال من معال فمعناه كمعنى عال ومن قال معالي فمعناه من مكان عال.
ومعنى هذا البيت أنه يصف أن هذا الفرس في سرعته بمنزلة هذه الصخرة التي حطها السيل في سرعة انحدارها وأن هذا الفرس حسن الإقبال والإدبار كهذه الصخرة.
كميت يزل اللبد عن حال متنه

كما زلت الصفواء بالمتنزل
حال متنه: موضع اللبد وإضافة إلى المتنزل الذي ينزل منه لقربه منه والمتن ما اتصل بالظهر من العجز يذكر ويؤنث والمتنزل الطائر الذي ينزل على الصخرة، فيحطه السيل وقيل المتنزل السيل لأنه ينزل الأشياء. وقيل هو المطر، والصفواء الصخرة الملساء وقد تكون الصفواء جمع مصفاة كما قالوا طرفة، وطرفاء وقصبة وقصباء، وخلقة، وخلقاء وذكر الفراء خلفة بكسر اللام كل هذا اسم للجمع لأنه لا ينقاس في نظائره ويروى عن حاذ متنه: أي وسطه. شبه ملامسة ظهر الفرس لإكثار اللحم عليه، وامتلائه بالصفاة الملساء ويقال صفوان وجمعه صفوان، وجمع صفاة صفا.
على الذبل جياش كأن اهتزامه

إذا حاش حميه غلي مرجل
الذبل: الضمور ويروى على الضمر، الجياش الذي يجيش في عدوه كما تجيش القدر في غليانها وهو بمعنى الكثير مبالغة في جاش، وجاش البحر جيشان إذا ماجت أمواجه.
ويروى على المضمر الجياش، واهتزامه: صوته بشدة، وحميه: غليه.
ويروى على العقب جياش، والعقب جري بعد جري، وقيل معناه إذا حركته بعقبك جاش وكفى ذلك من السوط وعلى العقب في موضع الحال.
ومعنى هذا البيت أن هذا الفرس آخر عدوه على هذه الحال فكيف أوله؟
[مسح إذا ما السابحات على الونى

أثرن الغبار بالكديد المـركـل]
مسح: سريع يسح أي يصب العدو في جريه صبا والسابحات اللواتي كأن عدوها من سباحة والسباحة في الجري أي تدحو بأيديها دحوا أي تبسطها، والونى الفتور قال الفراء يمد ويقصر والكديد الأرض الغليظة الصلبة وقيل ما كد من الأرض بالوطء والمركل الموطوء بالحوافر أي يركل بالأرجل ومعنى البيت أن الخيل السريعة إذا فترت فأثارت الغبار بأرجلها من التعب جرى هذا الفرس سهلا مهلا كما يسح السحاب المطر وعلى تتعلق بأثرن وكذلك الباء في الكديد.
يزل الغلام الخف عن صهواته

ويلوي بأثواب العنيف المثقل
يزل: يزلق، الخف: الخفيف، صهواته، جمع صهوة، وهي موضع اللبد وقال أبو عبيدة من مقلوب ويلوي بنا أي يذهب بنا، والعنيف الذي لا رفق فيه والمثقل الثقيل الركوب، ويحتمل الثقل الثقيل البدن.
ويروى يزل الغلام والمعنى يزل الفرس الغلام الخف وقال عن صهواته، وإنما هي صهوة واحدة والتقدير أنه جمعها بما حواليه، ومعناه أن هذا الفرس إذا ركبه الخفيف لم يتمالك أن يصلح شيئا عليه وإذا ركبه الغلام زل عنه وزاغ الفرس من تحته وإنما يصلح له من يداريه.
درير كخذروف الوليد أمره

تتابع كفيه بخيط موصل
أي مندر في العدو، وقيل الدرير السريع، والخذروف الخرارة التي يلعب بها الصبيان يسمع لها صوت، والإمرار الفتل، وقيل هي النشابة والإمرار إسراع الفتل، وإحكامه بقوة ومنه قوله تعالى (ذو مرة فاستوى) والوليد الصبي وقوله بخيط موصل قد لعب به حتى خف وملس فيقطع ويوصل.
له أيطلا ظبي وساقا نـعـامة

وإرخاء سرحان وتقريب تتفل
الظبي هنا اسم جبل، والأيطلان الخاصرتان، والإرخاء جرى فيه سهولة والسرحان الذئب والتقريب دون العدو، وهو أن يرفع يديه معا، ويضمهما معا، والتتفل ولد الثعلب، وها هنا التتفل وهو الثعلب نفسه، وإنما شبه عدو الفرس بعدو من كل جهة لأنه يقال تذاءبت الريح من كل جهة إذا جاءت، وله أسماء يقال ذئب، وسرحان، وسلق، وأويس، وسيد، وقد أوضحناه في غرر المعارف ودرر العوارف. ويقال لولد الثعلب تتفل بفتح التاء وضم الفاء وتتفل بضم التاء وفتح الفاء ولو سميت الرجل يتتفل أو تتفل لم تصرفه في المعرفة لأنه على مثال تفعل وتفعل ولو سميته بتتفل لصرفته في المعرفة والنكرة لأنه ليس في الأفعال تفعل وقوله ساقا نعامة ومعناه أنه قصير الساقين، صلبهما كالنعامة وذلك محمود في الخيل.
ضليع إذا استدبرته سـد فـرجـه

بضاف فويق الأرض ليس بأعزل
الضليع: القوي المنتفخ الجنبين، وقيل الضليع الشديد، وقيل هو الذي يضلع بما حمل وفرجه ما بين رجليه، بضاف أي ذنب طويل والأعزل الذي ذنبه في شق وهو عيب في الخيل.
كأن سراته لدى البيت [قـائمـا]

مداك عروس أو صلاية حنظل
سراته: ظهره، لدى البيت: عند البيت، المداك: الحجر الذي يسحق به الطيب، الصلاية التي يسحق عليها المبيد، وهو الحنظل، ويروى صراية حنظل وهي الحنظلة الخضراء.
كأن دماء الهاديات بنـحـره

عصارة حناء بشيب مرجل
الهاديات: المقدمات وهادي كل شيء أوله ونحره أعلى صدره ومرجل: مسرح.
فعن لنا سرب كأن نعـاجـه

عذارى دوار في ملاء مذبل
عن اعترض قال أبو العباس محمد بن يزيد السرب القطيع من البقر والظباء والنساء ولا يستعمل في غير القطيع إلا الفتح.
وقال غيره السرب: القطيع من الظباء والبقر خاصة وهو هنا البقر، ودوار اسم صنم في الجاهلية كانوا يطوفون حوله وهم عراة، وأتى بعضهم إلى بني عدي فوجدهم يطوفون بدوار عراة فأعجبه ما رأى من محاسن النساء فقال:
ألا ليت أخوالي عـديا

لهم في ما أتى دوار
وكذلك كانوا يطوفون في البيت الحرام عراة أيضا في الجاهلية فقالت امرأة:
اليوم يبدو بعضه أوكله

وما بدا منه فلا أحله
أصـم مـثـل الـق

عب بـاد ظـلــه
إلا الحمس وهم قريش فيطوفون في ثيابهم، النساء في الليل والرجال في النهار وكانت المرأة منهم تتخذ مسابح من سيور فتعلقها بحقويها وتضمها وتدور الدوران بعينه ودوار بالضم موضع في الرمل ودوار سجن باليمامة.
فأدبرن كالجزع المفصل بينه

بجيد معم في العشيرة مخول
قال أبو عبيدة الجزع الخرز فيه بياض وسواد، فالوسط أبيض، والطرفان أسودان إلى الطول، وذلك أن البقر بيض القوائم.
ومعم مخول كريم العم والخال وذو العم والخال، وأضاف إليه الجزع لأن الجزع أصغر الخرز.
فألحقه بـالـهـاديات ودونـه

جواحرها في صرة لم تزمل
الجواحر: اللواتي قد تخلفن، والجاحر المتخلف حتى أدرك، فالحقه، لحق الفرس والغلام بالهاديات، ودونه المتخلفات والصرة: الجماعة، ويقال الصرة الصيحة والضجة وقيل الشدة، يقال صراتنا إذا شد بعضها على بعض وأما قوله تعالى (فأقبلت امرأته في صرة)، في شدة واهتمام وضجة والصرة بالكسرة الليلة الباردة ومنها قوله تعالى (فيها صر أصابت حرث قوم) قال الشماخ وهو ضرار بن معقل:
في ليلة صرة طخـياء نـاجـية

ما تبصر العين فيها كف ملتمس
وأما الصرة بالضم فالخرقة التي يصر فيها الشيء، قال الشاعر:
لا يألف الدرهم الصياح صرتها

لكن يمر عليها مر منطلـق
وقيل الصرة بالفتح الجماعة وقال بعض المفسرين (فأقبلت امرأته في صرة) أي في جماعة واستدل عليه بقول الشاعر:
هباط أودية ومأوى صرة

حسنا وفيهن الأسنة تلمع
وقوله: فعادى عداء بين ثورة ونعجة=دراكا ولم ينضح بماء فيغسل فعادى: والى بين صيدين في طلق، ولم ينضح بماء: أي لم يعرق، فيكون اعتراه ماء، فيغسل بالماء، وعداء مصدر عادي يعادي معاداة وعداء دراكا ومداركة، وعادى من العدو لا من العود، ولم يرد ثورا بعينه، ولا بقرة بعينها، والنعجة يريد بها البقرة الوحشية بدليل قوله دراكا ولو أراد ثورا ونعجة فقط لاستثنى بقوله، فعادى، ويجوز في ينضح بضم الياء وفتحها.
فظل طهاة اللحم ما بين منضج

صفيف شواء أو قدير معجل
الطهاة: الطباخون واحدهم طاه، والصفيف الذي صفف مرققا على الجمر والطبخ ما طب في قدر وأما خفض قدير فأجود ما قيل فيه وأجاز سيبويه أنه كان يجوز أن يقول من منضج صفيف شواء.
فحمل قديرا على صفيف، لو كان مجرورا.
وشرح هذا أنك لو عطفت اسما على اسم، وجاز لك فيه إعرابان، فأعربته بأحدهما، ثم عطفت الثاني عليه، جاز لك أن تعربه بما كان يجوز في الأول. فتقول هذا ضارب زيد وعمرو، وإن شئت، قلت: هذا ضارب زيد وعمرا؛ لأنه قد كان يجوز لك أن تقول: هذا زيدا وعمرا. وكذلك تقول هذا ضارب زيدا وعمرو لأنه قد كان يجوز لك أن تقول هذا ضارب زيد وعمرو. فهذا يجيء على مذهب سيبويه وأنشد.
مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة

ولا ناعب إلا بشؤم غرابها
والمازني وأبو العباس لا يجيزان هذه الرواية، والرواية عندهما، ولا ناعبا؛ لأنه لا يجوز أن يضمر الخافض لأنه لا يتصرف، وهو من تمام الاسم.
وأما القول في البيت؛ فإن قديرا معطوف على منضج بلا ضرورة. والمعنى من بين قدير. والتقدير من بين منضج قدير، ثم حذف منضجا وأقام قديرا مقامه في الإعراب.
ورحنا يكاد الطرف يقصر دونه

متى ما ترق العين فيه تسهل
[كأني وأبدان السـلاح غـدية

غدا غب ريعان السوام بأجدل
من الطامحات الطرف ضار كأنه=على الجمر حتى يستغيث بمأكل] أراد بالطرف العين، والطرف يكون المصدر، ورحنا أي رجعنا بالعشي، ويروى ورحنا يكاد الطرف بالكسر ينفض رأسه، ومعنى يقصر دونه؛ أنه إذا نظر إلى هذا الفرس أطال النظر، إلى ما ينظر منه حسنه، فلا يكاد يستوفي النظر إلى جميعه، ويحتمل أن يكون معناه أنه إذا نظر إلى هذا الفرس لم يدم النظر إليه لئلا يصيبه بعينيه لحسنه.
وروى الأصمعي، وأبو عبيدة ورحنا وراح الطرف ينفض رأسه.
والطرف الكريم من كل شيء، والأنثى طرفة. وقيل الطرف الطرفين وقوله ينفض رأسه أي من المرح والنشاط.
وقوله متى ما ترق العين بفتح التاء والراء والقاف، ويجوز فتح التاء وكسر الراء، وضم القاف أي متى ما نظر إلى أعلاه نظر إلى أسفله بكماله، ليستقيم النظر إلى جميع جسده.
فبات عليه سرجه ولجـامـه

وبات بعيني قائما غير مرسل
وقوله عليه سرجه ولجامه في محل نصب خبر بات، وبات الثاني معطوفاً على الأول وبعيني خبره؛ أي بحيث أراه، وقائما في محل نصب على الحال، وغير مرسل إلى غير منهل ومعناه: أنه لما جيء به من الصيد، لم يرفع عنه سرجه وهو عرق ولم يقلع عنه لجامه فيعلف على التعب فيؤذيه ذلك.
ويجوز أن يكون معنى: فبات عليه سرجه ولجامه لأنهم مسافرون، كأنه أراد العدو فكان معدا لذلك، فبات على الهيئة ليرسل في وجه الصبح.
أصاح ترى برقا أريك وميضة

كلمع اليدين في حبي مكلـل
يروى أحار ترى ويروى "أعني على برق أريك وميضه" يقال ومض البرق، وأومض ومضاً وإيماضاً، والومض: الخفي، ووميضه: خطراته، وقوله كلمع اليدين أي كحركتهما، والحبي ما ارتفع من السحاب، والمكلل: المستدير، كالأكاليل، والمكلل المتبسم بالبرق ولك أن تقول: قال النحويون: لا ترخم النكرة فكيف جاز ترخيم صاحب وهو نكرة، قال سيبويه لا ترخم من النكرات إلا ما كان في آخره هاء كقوله:
حاري لا تستنكري عذيري
فالجواب أن أبا العباس قال لا يجوز أن ترخم نكرة ألبته، وأنكر على سيبويه ما قال: من أن النكرة ترخم، إذا كانت فيها الهاء، وزعم أن قوله:
جاري لا تستنكري عذيري
أنه يريد بأنها الجارية، ثم رخم على هذا معرفة، وكذلك في قوله صاح ترى كأنه قال أيها الصاحب ثم رخم على هذا ومما يسأل عنه في هذا البيت أن يقال كيف جاز أن يسقط حرف الاستفهام، وإنما المعنى أترى برقا؟ فإن قال قائل: إن الألف في قوله أصاح هي ألف الاستفهام فهذا خطأ لأنه لا يجوز أن يقول صاحب أقبل لأنك تسقط بين شيئين ألا ترى إذا قلت يا صاحب فمعناه أيها الصاحب؟ فالجواب عن هذا إن قوله أصاح: الألف للنداء كقولك يا صاح إلا أنها دلت على الاستفهام وقد أجاز النحويون: زيد عندك أم عمرو يريدون أزيد عندك أم عمرو؛ لأن أم دلت على معنى الاستفهام.
وأما بغير دلالة فلا يجوز، لأنك لو قلت: زيد عندك وأنت تريد الاستفهام لم يجز وقد أنكروا على عمر بن أبي ربيعة:
ثم قالوا: تحبها قلـت بـهـرا

عدد الرمل والحصا والتراب
قالوا لأنه أراد: قالوا: أتحبها ثم أسقط ألف الاستفهام وهذا عند أبي العباس ليس باستفهام إنما هو على الإلزام والتوبيخ كأنه قال: قالوا أنت تحبها! وقال بعضهم: الحبي الداني من الأرض، وقيل الحبي الذي قد حبى بعضه إلى بعض: أي تدانى، والمكلل من السحاب الذي علا بعضه على بعض.
ويقال المكلل السحاب الذي قد كلل بالبرق.
يضيء سناه أو مصابيح راهب

أهان السليط بالذبال المفتـل
السنا: بالمد الشرف، وبالقصر الضوء، ويقال سنا يسنو إذا أضاء، ومصابيح مرفوع على أن يكون معطوفاً على المضمر الذي في الكاف في قوله كلمع اليدين. والمضمر يعود على البرق، وإن شئت على الوميض، وإن شئت عطفت على سناه. ويروى أو مصابيح راهب بالجر عطفا على قوله كلمع اليدين ويكون المعنى أو كمصابيح راهب أو على الهاء من سناه.
وقوله أهان السليط لم يكن عنده له قيم فيشرف على استعمالها في إتلافه في الوقود.
ولا معنى لراوية من روى: أمال السليط، والسليط عند عامة العرب الزيت، وعند أهل اليمن الشيرج. والذبال جمع ذبالة وهي الفتيلة وقد تثقل فيقال ذبالة.
قعدت له وصحبتي بين ضارج

وبين العذيب بعد ما متأمـل
أي قعدت لهذا البرق أنظر من أين يجيء بالمطر، وصحبتي بمعنى صاحب وهو اسم للجمع، وضارج والعذيب: مكانان، ويروى بين حامر وبين إكام، وحامر وإكام وهما من بلاد غطفان، ثم تعجب من ذلك فقال بعد ما متأمل أي ما أبعد ما تأملت، وحققت أنه نداء مضاف أي يا بعد ما متأمل بمعنى ما أبعد ما تأملت.
وروى الرياشي بعدما بفتح الباء وهي تحمل على معنيين أحدهما أن المعنى بعد ثم حذف الضمة كما يقال عضد في عضد.
ويجوز أن يكون المعنى بعدما تأملت، والتأمل التفرس والتثبت.
علا قطنا بالشيم أيمن صوبه

وأيسره على الستار فيذبل
وروى الأصمعي على قطن، وقطن بفتح القاف اسم جبل، والشيم النظر إلى البرق. وصوبه: مطره، أي ما يصيب الأرض منه، وقوله أيمن صوبه يحتمل معنيين أحدهما أن يكون من اليمن البركة، والآخر أن يكون من اليمين، وأيسره أيضا يحتمل من اليسر، وأن يكون من يسرة، ويذبل بالذال المعجمة اسم جبل، وهو لا ينصرف لأنه على وزن الفعل المضارع، وإنما صرفه لضرورة الشعر، ويروى على النباج وتيتل.
فأضحى يسح الماء حول كنـيفة

يكب على الأذقان دوح الكنهبل
أضحى: أي ضحوة النهار كثيفة: اسم موضع وقيل اسم جبل، والأذقان مستعارة لرؤوس الجبال وأعالي الشجر، ودوح هنا ضخام الشجر، الكنهبل شجر من أعظم العضاه مثل شجرة الطرف.
أي أن هذا المطر يقتلع الشجر إذا جرى من أعالي الجبال فيكبها في الأودية على أذقانها.
ومر على القنـان مـن نـفـيان

فأنزل منه العصم من كل منزل
القنان جبل لبني أسد لطيف والنفيان: بقية المطر، والعصم الوعول جمع أعصم ومنزل بفتح الميم وضمها على معنيين مختلفين.
وتيماء لم يترك بها جذع نخلة

ولا أجما إلا مشيدا بجنـدل
تيماء اسم بلد، والأجم والأطم بناءان عاليان من الحصون وهي الأجام والآطام، مشيدا مبنيا بالشيد وهو الكلس وقيل الجص والجندل.
كأن ثبيرا في عرانين وبلـه

كبير أناس في بجاد مزمل
ثبير اسم جبل، الوبل: المطر والوبل أوسع المطر قطرا والبجاد كساء مخطط فيه سواد وبياض، والمزمل: المدثر مرفوع لأنه صفة كبير أناس.
كأن ذرا رأس المجنـب غـدوة

من السيل والإغثاء فلكة مغزل
المجنب: اسم جبل والغثاء معروف ومنه قوله تعالى (غناء أحوى) والغثاء اليابس، وما يبس يسمى غثاء من النبات، ويسمى هشيما، والغثاء والغثاء ما يحمله السيل مما جف من النبت.
وألقى بصحراء الغبيط بعـاعـه

نزول اليماني ذي العياب المحول
ويروى المجمل والغبيط اسم موضع والعياب جمع العيبة فيها متاع التاجر، أي زهر الأرض الذي أخرجه هذا المطر فجعل نزول الغيث كنزوله.
كأن مكاكـي الـجـواء غـدية

صبحن سلافا من رحيق مفلفل
مكاكي: جمع مكاء، طائر كبير، الجواء مكان والضمير لبكاء الغيث يشبهه بتغريد المكاكي وصفيره كصوت السكارى، والتصدية تصفيق اليدين، والجواء جمع جو وهو بطن الأرض الواسع، وانخفاض، غديه تصغير عدوة، صبحن أي سقين الصبوح والمفلفل: ما فيه الفلفل يريد بذلك حدة الشراب.
وألقى ببسيان مع الليل بـركـه

فأنزل منه العصم من كل منزل
كأن السباع فيه غرقـي عـشـية

بأرجائه القصوى أنابيش عنصل
وكأن هذا الغيث جر السباع فغرقها بسيله، فنظرت في جوانبه تبدو منها أرجلها وأطرافها، كما يبين العنصل إذا نبش، أنابيش جمع أنبوش. نجزت معلقة امرئ القيس الكندي وهي نيف وثمانون بيتاً والله الموفق للصواب.

وإذا نحن ندعو مرثد الخيل ربنا

وإذ نحن لا ندعى عبيدا لقرمل
رد مع اقتباس
  #167  
قديم October 3, 2013, 11:07 PM
 
رد: هل ... وهل ... ثم هل.. تعلم؟


طرفة بن العبد

نحو (86 - 60 ق. هـ = 539 - 564 م)


لِخَـوْلَةَ أطْـلالٌ بِبُرْقَةِ ثَهْمَـدِ
تلُوحُ كَبَاقِي الوَشْمِ فِي ظَاهِرِ اليَدِ
وُقُـوْفاً بِهَا صَحْبِي عَليَّ مَطِيَّهُـمْ
يَقُـوْلُوْنَ لا تَهْلِكْ أسىً وتَجَلَّـدِ
كَـأنَّ حُـدُوجَ المَالِكِيَّةِ غُـدْوَةً
خَلاَيَا سَفِيْنٍ بِالنَّوَاصِـفِ مِنْ دَدِ
عَدَوْلِيَّةٌ أَوْ مِنْ سَفِيْنِ ابْنَ يَامِـنٍ
يَجُوْرُ بِهَا المَلاَّحُ طَوْراً ويَهْتَـدِي
يَشُـقُّ حَبَابَ المَاءِ حَيْزُومُهَا بِهَـا
كَمَـا قَسَمَ التُّرْبَ المُفَايِلَ بِاليَـدِ
وفِي الحَيِّ أَحْوَى يَنْفُضُ المَرْدَ شَادِنٌ
مُظَـاهِرُ سِمْطَيْ لُؤْلُؤٍ وزَبَرْجَـدِ
خَـذُولٌ تُرَاعِـي رَبْرَباً بِخَمِيْلَـةٍ
تَنَـاوَلُ أطْرَافَ البَرِيْرِ وتَرْتَـدِي
وتَبْسِـمُ عَنْ أَلْمَى كَأَنَّ مُنَـوَّراً
تَخَلَّلَ حُرَّ الرَّمْلِ دِعْصٍ لَهُ نَـدِ
سَقَتْـهُ إيَاةُ الشَّمْـسِ إلاّ لِثَاتِـهِ
أُسِـفَّ وَلَمْ تَكْدِمْ عَلَيْهِ بِإثْمِـدِ
ووَجْهٍ كَأَنَّ الشَّمْسَ ألْقتْ رِدَاءهَا
عَلَيْـهِ نَقِيِّ اللَّـوْنِ لَمْ يَتَخَـدَّدِ
وإِنِّي لأُمْضِي الهَمَّ عِنْدَ احْتِضَارِهِ
بِعَوْجَاءَ مِرْقَالٍ تَلُوحُ وتَغْتَـدِي
أَمُـوْنٍ كَأَلْوَاحِ الإِرَانِ نَصَأْتُهَـا
عَلَى لاحِبٍ كَأَنَّهُ ظَهْرُ بُرْجُـدِ
جُـمَالِيَّةٍ وَجْنَاءَ تَرْدَى كَأَنَّهَـا
سَفَنَّجَـةٌ تَبْـرِي لأزْعَرَ أرْبَـدِ
تُبَارِي عِتَاقاً نَاجِيَاتٍ وأَتْبَعَـتْ
وظِيْفـاً وظِيْفاً فَوْقَ مَوْرٍ مُعْبَّـدِ
تَرَبَّعْتِ القُفَّيْنِ فِي الشَّوْلِ تَرْتَعِي
حَدَائِـقَ مَوْلِىَّ الأَسِـرَّةِ أَغْيَـدِ
تَرِيْعُ إِلَى صَوْتِ المُهِيْبِ وتَتَّقِـي
بِذِي خُصَلٍ رَوْعَاتِ أَكْلَف مُلْبِدِ
كَـأَنَّ جَنَاحَيْ مَضْرَحِيٍّ تَكَنَّفَـا
حِفَافَيْهِ شُكَّا فِي العَسِيْبِ بِمِسْـرَدِ
فَطَوْراً بِهِ خَلْفَ الزَّمِيْلِ وَتَـارَةً
عَلَى حَشَفٍ كَالشَّنِّ ذَاوٍ مُجَدَّدِ
لَهَا فِخْذانِ أُكْمِلَ النَّحْضُ فِيْهِمَا
كَأَنَّهُمَـا بَابَا مُنِيْـفٍ مُمَـرَّدِ
وطَـيٍّ مَحَالٍ كَالحَنِيِّ خُلُوفُـهُ
وأَجـْرِنَةٌ لُـزَّتْ بِرَأيٍ مُنَضَّـدِ
كَأَنَّ كِنَـاسَيْ ضَالَةٍ يَكْنِفَانِهَـا
وأَطْرَ قِسِيٍّ تَحْتَ صَلْبٍ مُؤَيَّـدِ
لَهَـا مِرْفَقَـانِ أَفْتَلانِ كَأَنَّمَـا
تَمُـرُّ بِسَلْمَـي دَالِجٍ مُتَشَـدِّدِ
كَقَنْطَـرةِ الرُّوْمِـيِّ أَقْسَمَ رَبُّهَـا
لَتُكْتَنِفَـنْ حَتَى تُشَـادَ بِقَرْمَـدِ
صُهَابِيَّـةُ العُثْنُونِ مُوْجَدَةُ القَـرَا
بَعِيْـدةُ وَخْدِ الرِّجْلِ مَوَّارَةُ اليَـدِ
أُمِرَّتْ يَدَاهَا فَتْلَ شَزْرٍ وأُجْنِحَـتْ
لَهَـا عَضُدَاهَا فِي سَقِيْفٍ مُسَنَّـدِ
جَنـوحٌ دِفَاقٌ عَنْدَلٌ ثُمَّ أُفْرِعَـتْ
لَهَـا كَتِفَاهَا فِي مُعَالىً مُصَعَّـدِ
كَأَنَّ عُـلُوبَ النِّسْعِ فِي دَأَبَاتِهَـا
مَوَارِدُ مِن خَلْقَاءَ فِي ظَهْرِ قَـرْدَدِ
تَـلاقَى وأَحْيَـاناً تَبِيْنُ كَأَنَّهَـا
بَنَـائِقُ غُـرٍّ فِي قَمِيْصٍ مُقَـدَّدِ
وأَتْلَـعُ نَهَّـاضٌ إِذَا صَعَّدَتْ بِـهِ
كَسُكَّـانِ بُوصِيٍّ بِدَجْلَةَ مُصْعِـدِ
وجُمْجُمَـةٌ مِثْلُ العَـلاةِ كَأَنَّمَـا
وَعَى المُلْتَقَى مِنْهَا إِلَى حَرْفِ مِبْرَدِ
وَخَدٌّ كَقِرْطَاسِ الشَّآمِي ومِشْفَـرٌ
كَسِبْـتِ اليَمَانِي قَدُّهُ لَمْ يُجَـرَّدِ
وعَيْنَـانِ كَالمَاوِيَّتَيْـنِ اسْتَكَنَّتَـا
بِكَهْفَيْ حِجَاجَيْ صَخْرَةٍ قَلْتِ مَوْرِدِ
طَحُـورَانِ عُوَّارَ القَذَى فَتَرَاهُمَـا
كَمَكْحُـولَتَيْ مَذْعُورَةٍ أُمِّ فَرْقَـدِ
وصَادِقَتَا سَمْعِ التَّوَجُّسِ للسُّـرَى
لِهَجْـسٍ خَفيٍّ أَوْ لِصوْتٍ مُنَـدَّدِ
مُؤَلَّلَتَـانِ تَعْرِفُ العِتْـقَ فِيْهِمَـا
كَسَامِعَتَـي شَـاةٍ بِحَوْمَلَ مُفْـرَدِ
وأَرْوَعُ نَبَّـاضٌ أَحَـذُّ مُلَمْلَــمٌ
كَمِرْدَاةِ صَخْرٍ فِي صَفِيْحٍ مُصَمَّـدِ
وأَعْلَمُ مَخْرُوتٌ مِنَ الأَنْفِ مَـارِنٌ
عَتِيْـقٌ مَتَى تَرْجُمْ بِهِ الأَرْضَ تَـزْدَدِ
وَإِنْ شِئْتُ لَمْ تُرْقِلْ وَإِنْ شِئْتُ أَرْقَلَتْ
مَخَـافَةَ مَلْـوِيٍّ مِنَ القَدِّ مُحْصَـدِ
وَإِنْ شِئْتُ سَامَى وَاسِطَ الكَوْرِ رَأْسُهَا
وَعَامَـتْ بِضَبْعَيْهَا نَجَاءَ الخَفَيْـدَدِ
عَلَى مِثْلِهَا أَمْضِي إِذَا قَالَ صَاحِبِـي
ألاَ لَيْتَنِـي أَفْـدِيْكَ مِنْهَا وأَفْتَـدِي
وجَاشَتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ خَوْفاً وَخَالَـهُ
مُصَاباً وَلَوْ أمْسَى عَلَى غَيْرِ مَرْصَـدِ
إِذَا القَوْمُ قَالُوا مَنْ فَتَىً خِلْتُ أنَّنِـي
عُنِيْـتُ فَلَمْ أَكْسَـلْ وَلَمْ أَتَبَلَّـدِ
أَحَـلْتُ عَلَيْهَا بِالقَطِيْعِ فَأَجْذَمَـتْ
وَقَـدْ خَبَّ آلُ الأمْعَـزِ المُتَوَقِّــدِ
فَذَالَـتْ كَمَا ذَالَتْ ولِيْدَةُ مَجْلِـسٍ
تُـرِي رَبَّهَا أَذْيَالَ سَـحْلٍ مُمَـدَّدِ
فَإن تَبغِنـي فِي حَلْقَةِ القَوْمِ تَلْقِنِـي
وَإِنْ تَلْتَمِسْنِـي فِي الحَوَانِيْتِ تَصْطَدِ
وَإِنْ يَلْتَـقِ الحَيُّ الجَمِيْـعُ تُلاَقِنِـي
إِلَى ذِرْوَةِ البَيْتِ الشَّرِيْفِ المُصَمَّـدِ
نَـدَامَايَ بِيْضٌ كَالنُّجُـومِ وَقَيْنَـةٌ
تَرُوحُ عَلَينَـا بَيْـنَ بُرْدٍ وَمُجْسَـدِ
رَحِيْبٌ قِطَابُ الجَيْبِ مِنْهَا رَقِيْقَـةٌ
بِجَـسِّ النُّـدامَى بَضَّةُ المُتَجَـرَّدِ
إِذَا نَحْـنُ قُلْنَا أَسْمِعِيْنَا انْبَرَتْ لَنَـا
عَلَـى رِسْلِهَا مَطْرُوقَةً لَمْ تَشَـدَّدِ
إِذَا رَجَّعَتْ فِي صَوْتِهَا خِلْتَ صَوْتَهَا
تَجَـاوُبَ أَظْـآرٍ عَلَى رُبَـعٍ رَدِ
وَمَـا زَالَ تَشْرَابِي الخُمُورَ وَلَذَّتِـي
وبَيْعِـي وإِنْفَاقِي طَرِيْفِي ومُتْلَـدِي
إِلَـى أنْ تَحَامَتْنِي العَشِيْرَةُ كُلُّهَـا
وأُفْـرِدْتُ إِفْـرَادَ البَعِيْـرِ المُعَبَّـدِ
رَأَيْـتُ بَنِـي غَبْرَاءَ لاَ يُنْكِرُونَنِـي
وَلاَ أَهْـلُ هَذَاكَ الطِّرَافِ المُمَــدَّدِ
أَلاَ أَيُّها اللائِمي أَشهَـدُ الوَغَـى
وَأَنْ أَنْهَل اللَّذَّاتِ هَلْ أَنْتَ مُخْلِـدِي
فـإنْ كُنْتَ لاَ تَسْطِيْـعُ دَفْعَ مَنِيَّتِـي
فَدَعْنِـي أُبَادِرُهَا بِمَا مَلَكَتْ يَـدِي
وَلَـوْلاَ ثَلاثٌ هُنَّ مِنْ عَيْشَةِ الفَتَـى
وَجَـدِّكَ لَمْ أَحْفِلْ مَتَى قَامَ عُـوَّدِي
فَمِنْهُـنَّ سَبْقِـي العَاذِلاتِ بِشَرْبَـةٍ
كُمَيْـتٍ مَتَى مَا تُعْلَ بِالمَاءِ تُزْبِــدِ
وَكَرِّي إِذَا نَادَى المُضَافُ مُجَنَّبــاً
كَسِيـدِ الغَضَـا نَبَّهْتَـهُ المُتَـورِّدِ
وتَقْصِيرُ يَوْمِ الدَّجْنِ والدَّجْنُ مُعْجِبٌ
بِبَهْكَنَـةٍ تَحْـتَ الخِبَـاءِ المُعَمَّـدِ
كَـأَنَّ البُـرِيْنَ والدَّمَالِيْجَ عُلِّقَـتْ
عَلَى عُشَـرٍ أَوْ خِرْوَعٍ لَمْ يُخَضَّـدِ
كَـرِيْمٌ يُرَوِّي نَفْسَـهُ فِي حَيَاتِـهِ
سَتَعْلَـمُ إِنْ مُتْنَا غَداً أَيُّنَا الصَّـدِي
أَرَى قَبْـرَ نَحَّـامٍ بَخِيْـلٍ بِمَالِـهِ
كَقَبْـرِ غَوِيٍّ فِي البَطَالَـةِ مُفْسِـدِ
تَـرَى جُثْوَنَيْنِ مِن تُرَابٍ عَلَيْهِمَـا
صَفَـائِحُ صُمٌّ مِنْ صَفِيْحٍ مُنَضَّــدِ
أَرَى المَوْتَ يَعْتَامُ الكِرَامَ ويَصْطَفِـي
عَقِيْلَـةَ مَالِ الفَاحِـشِ المُتَشَـدِّدِ
أَرَى العَيْشَ كَنْزاً نَاقِصاً كُلَّ لَيْلَـةٍ
وَمَا تَنْقُـصِ الأيَّامُ وَالدَّهْرُ يَنْفَـدِ
لَعَمْرُكَ إِنَّ المَوتَ مَا أَخْطَأَ الفَتَـى
لَكَالطِّـوَلِ المُرْخَى وثِنْيَاهُ بِاليَـدِ
فَمَا لِي أَرَانِي وَابْنَ عَمِّي مَالِكـاً
مَتَـى أَدْنُ مِنْهُ يَنْـأَ عَنِّي ويَبْعُـدِ
يَلُـوْمُ وَمَا أَدْرِي عَلامَ يَلُوْمُنِـي
كَمَا لامَنِي فِي الحَيِّ قُرْطُ بْنُ مَعْبَدِ
وأَيْأَسَنِـي مِنْ كُـلِّ خَيْرٍ طَلَبْتُـهُ
كَـأَنَّا وَضَعْنَاهُ إِلَى رَمْسِ مُلْحَـدِ
عَلَى غَيْـرِ شَيْءٍ قُلْتُهُ غَيْرَ أَنَّنِـي
نَشَدْتُ فَلَمْ أَغْفِلْ حَمَوْلَةَ مَعْبَـدِ
وَقَـرَّبْتُ بِالقُرْبَـى وجَدِّكَ إِنَّنِـي
مَتَـى يَكُ أمْرٌ للنَّكِيْثـَةِ أَشْهَـدِ
وإِنْ أُدْعَ للْجُلَّى أَكُنْ مِنْ حُمَاتِهَـا
وإِنْ يِأْتِكَ الأَعْدَاءُ بِالجَهْدِ أَجْهَـدِ
وَإِنْ يِقْذِفُوا بِالقَذْعِ عِرْضَكَ أَسْقِهِمْ
بِكَأسِ حِيَاضِ المَوْتِ قَبْلَ التَّهَـدُّدِ
بِلاَ حَـدَثٍ أَحْدَثْتُهُ وكَمُحْـدَثٍ
هِجَائِي وقَذْفِي بِالشَّكَاةِ ومُطْرَدِي
فَلَوْ كَانَ مَوْلايَ إِمْرَأً هُوَ غَيْـرَهُ
لَفَـرَّجَ كَرْبِي أَوْ لأَنْظَرَنِي غَـدِي
ولَكِـنَّ مَوْلايَ اِمْرُؤٌ هُوَ خَانِقِـي
عَلَى الشُّكْرِ والتَّسْآلِ أَوْ أَنَا مُفْتَـدِ
وظُلْمُ ذَوِي القُرْبَى أَشَدُّ مَضَاضَـةً
عَلَى المَرْءِ مِنْ وَقْعِ الحُسَامِ المُهَنَّـدِ
فَذَرْنِي وخُلْقِي إِنَّنِي لَكَ شَاكِـرٌ
وَلَـوْ حَلَّ بَيْتِي نَائِياً عِنْدَ ضَرْغَـدِ
فَلَوْ شَاءَ رَبِّي كُنْتُ قَيْسَ بنَ خَالِدٍ
وَلَوْ شَاءَ رَبِّي كُنْتُ عَمْروَ بنَ مَرْثَدِ
فَأَصْبَحْتُ ذَا مَالٍ كَثِيْرٍ وَزَارَنِـي
بَنُـونَ كِـرَامٌ سَـادَةٌ لِمُسَـوَّدِ
أَنَا الرَّجُلُ الضَّرْبُ الَّذِي تَعْرِفُونَـهُ
خَشَـاشٌ كَـرَأْسِ الحَيَّةِ المُتَوَقِّـدِ
فَـآلَيْتُ لا يَنْفَكُّ كَشْحِي بِطَانَـةً
لِعَضْـبِ رَقِيْقِ الشَّفْرَتَيْنِ مُهَنَّـدِ
حُسَـامٍ إِذَا مَا قُمْتُ مُنْتَصِراً بِـهِ
كَفَى العَوْدَ مِنْهُ البَدْءُ لَيْسَ بِمِعْضَدِ
أَخِـي ثِقَةٍ لا يَنْثَنِي عَنْ ضَرِيْبَـةٍ
إِذَا قِيْلَ مَهْلاً قَالَ حَاجِزُهُ قَـدِي
إِذَا ابْتَدَرَ القَوْمُ السِّلاحَ وجَدْتَنِـي
مَنِيْعـاً إِذَا بَلَّتْ بِقَائِمَـهِ يَـدِي
وَبَرْكٍ هُجُوْدٍ قَدْ أَثَارَتْ مَخَافَتِـي
بَوَادِيَهَـا أَمْشِي بِعَضْبٍ مُجَـرَّدِ
فَمَرَّتْ كَهَاةٌ ذَاتُ خَيْفٍ جُلالَـةٌ
عَقِيْلَـةَ شَيْـخٍ كَالوَبِيْلِ يَلَنْـدَدِ
يَقُـوْلُ وَقَدْ تَرَّ الوَظِيْفُ وَسَاقُهَـا
أَلَسْتَ تَرَى أَنْ قَدْ أَتَيْتَ بِمُؤَيَّـدِ
وقَـالَ أَلا مَاذَا تَرَونَ بِشَـارِبٍ
شَـدِيْدٌ عَلَيْنَـا بَغْيُـهُ مُتَعَمِّـدِ
وقَـالَ ذَروهُ إِنَّمَـا نَفْعُهَـا لَـهُ
وإلاَّ تَكُـفُّوا قَاصِيَ البَرْكِ يَـزْدَدِ
فَظَـلَّ الإِمَاءُ يَمْتَلِـلْنَ حُوَارَهَـا
ويُسْغَى عَلَيْنَا بِالسَّدِيْفِ المُسَرْهَـدِ
فَإِنْ مُـتُّ فَانْعِيْنِـي بِمَا أَنَا أَهْلُـهُ
وشُقِّـي عَلَيَّ الجَيْبَ يَا ابْنَةَ مَعْبَـدِ
ولا تَجْعَلِيْنِي كَأَمْرِىءٍ لَيْسَ هَمُّـهُ
كَهَمِّي ولا يُغْنِي غَنَائِي ومَشْهَـدِي
بَطِيءٍ عَنْ الجُلَّى سَرِيْعٍ إِلَى الخَنَـى
ذَلُـولٍ بِأَجْمَـاعِ الرِّجَالِ مُلَهَّـدِ
فَلَوْ كُنْتُ وَغْلاً فِي الرِّجَالِ لَضَرَّنِي
عَـدَاوَةُ ذِي الأَصْحَابِ والمُتَوَحِّـدِ
وَلَكِنْ نَفَى عَنِّي الرِّجَالَ جَرَاءَتِـي
عَلَيْهِمْ وإِقْدَامِي وصِدْقِي ومَحْتِـدِي
لَعَمْـرُكَ مَا أَمْـرِي عَلَـيَّ بُغُمَّـةٍ
نَهَـارِي ولا لَيْلِـي عَلَيَّ بِسَرْمَـدِ
ويَـوْمٍ حَبَسْتُ النَّفْسَ عِنْدَ عِرَاكِـهِ
حِفَاظـاً عَلَـى عَـوْرَاتِهِ والتَّهَـدُّدِ
عَلَى مَوْطِنٍ يَخْشَى الفَتَى عِنْدَهُ الرَّدَى
مَتَى تَعْتَـرِكْ فِيْهِ الفَـرَائِصُ تُرْعَـدِ
وأَصْفَـرَ مَضْبُـوحٍ نَظَرْتُ حِـوَارَهُ
عَلَى النَّارِ واسْتَوْدَعْتُهُ كَفَّ مُجْمِـدِ
سَتُبْدِي لَكَ الأيَّامُ مَا كُنْتَ جَاهِـلاً
ويَأْتِيْـكَ بِالأَخْبَـارِ مَنْ لَمْ تُـزَوِّدِ
وَيَأْتِيْـكَ بِالأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تَبِعْ لَـهُ
بَتَـاتاً وَلَمْ تَضْرِبْ لَهُ وَقْتَ مَوْعِـدِ



هو طرفة بن العبد بن سفيان بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر ابن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معدّ بن عدنان. شاعر جاهلي من الطبقة الولى، كان هجاءً غير فاحش القول، تفيض الحكمة على لسانه،في أكثر شعره. ولد في بادية البحرين وتنقل في بقاع نجد. اتصل بالملك عمرو بن هند فجعله في ندمائه، ثم أرسله بكتاب إلى المكعبر عامله على البحرين وعُمان يأمره بقتله، لأبيات بلغ الملك أن طرفه هجاه بها، فقتله المكعبر بها.
كان، كما قال الزوزني، في حسب كريم وعدد كثير، وكان شاعرا جريئا على الشعر، وكانت أخته عند عبد عمرو بن مرثد بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس وكان عبد عمرو سيد أهل زمانه، وكان من أكرم الناس على عمرو بن هند الملك، فشكت أخت طرفة شيئاً من أمر زوجها إلى طرفة فعاب عبد عمرو وهجاه وكان من هجائه أياه أن قال:
وَلا خَيرَ فيه غَيرَ أنَّ لَهُ غِنىً- وَأنَّ لَهُ كَشحاً إذا قامَ أهضَمضا
تَظَلّ نساءُ الحَيِّ يَعكُفنَ حَولَهُ- يَقُلنَ عَسيبٌ من سَرارَةَ مَلهَما
يعكفن: أي يطفن. العسيب: أغصان النخلز سرارة الوادي: قرارته وأنعمه أجوده نبتاً. الملهم: قرية باليمامة.
فبلغ ذلك عمرو بن هند الملك وما رواه فخرج يتصيد ومعه عبد عمرو فرمى حماراً فعقره فقال لعبد مرو: انزل فاذبحه، فعالجه فأعياه فضحك الملك وقال. لقد أبصرك طرفة حيث يقول، وأنشد: ولا خير فيه، وكان طرفة هجا قبل ذلك عمرو بن هند فقال فيه:
فَلًَيتَ لَنا مكانَ المَلكِ عمرٍو- رَغوثاً حَولَ قبَّتِنَا تَخُورُ
مِنَ الزَّمِرَاتِ أسبَل قَادِمَاهَا- وَضرَّتُهَا مُرَكَّنةً دَرُورُ
لَعَمرُكَ إنَّ قَابُوسَ بنَ هِندٍ- لَيَخلِدُ مُلكَهُ نُوكُ كَثِيرُ
قَسَمتَ الدَّهرَ في زَمَنٍ رَخيٍّ- كَذَاكَ الحُكمُ يَقصِدُ أو يَجُورُ
فلما قال عمرو بن هند لعبد عمرو ما قال طرفة قال: أبيت اللعن! ما قال فيك أشدّ مما قال فيّ، فأنشده الأبيات فقال عمرو بن هند: أو قد بلغ من أمره أن يقول فيّ مثل هذا الشعر? فأمر عمرو فكتب إلى رجل من عبد القيس بالبحرين وهو المعلّى ليقتله، فقال له بعض جلسائه. إنك إن قتلت طرفة هجاك المتلمّس، رجل مسنّ مجرّب، وكان حليف طرفة وكان من بني ضبيعة. فأرسل عمرو إلى طرفة والمتلمّس فأتياه فكتب لهما إلى عامله بالبحرين ليقتلهما وأعطاهما هدية من عنده وحملهما وقال: قد كتبت لكما بحباء، فأقبلا حتى نزلا الحيرة، فقال المتلمّس لطرفة: تعلمن والله إن ارتياح عمرو لي ولك لأمر عندي مريب وإن انطلاقي بصحيفة لا أدري ما فيها? فقال طرفة: إنك لتسيء الظنّ، وما نخاف من صحيفة إن كان فيها الذي وعدنا وإلا رجعنا فلم نترك منه شيئاً? فأبى أن يجيبه إلى النظر فيها، ففكّ المتلمس ختمها ثم جاء إلى غلام من أهل الحيرة فقال له: أتقرأ يا غلام? فقال: نعم، فأعطاه الصحيفة فقرأها فقال الغلام: أنت المتلمس? قال. نعم، قال: النجاء فقد أمر بقتلك فأخذ الصحيفة فقذفها في البحيرة، ثم أنشأ يقول:
وألقَيتُهَا بالثَّنِي مِن جَنبِ كافرٍ- كَذلِكَ ألقي كُلَّ رَأي مُضَلَّلِ
رَضيتُ لهَا بالمَاءِ لمّا رَأيتُهَا- يَجُولُ بهَا التيَّارُ في كلِّ جَدوَلِ
فقال المتلمّس لطرفة: تعلمن والله أن الذي في كتابك مثل الذي في كتابي، فقال طرفة: لئن كان اجترأ عليك ما كان بالذي يجترىء عليّ، وأبى أن يطيعه؛ فسار المتلمّس من فوره ذلك حتى أتى الشام فقال في ذلك:
مَن مُبلغُ الشُّعرَاءِ عَن أخوَيهمُ- نَبَأ فتَصدقهم بذاكَ الأنفُسُ
أودى الذي عَلِقَ الصَّحيفَة منهُما- ونَجَا حِذارَ حَيَاتِهِ المتلمِّسُ
ألقَى صَحِفَتَهُ وَنَجَّت كُورَهُ- وَجنَا مُحَمَّرَةُ المَنَاسِمِ عِرمِسُ
عَيرَانَةٌ طَبَخَ الهَواجِرُ لَحمَها- فَكَأنَّ نُقبَتَها أدِيمٌ أملَسُ
وخرج طرفة حتى أتى صاحب البحرين بكتابه، فقال له صاحب البحرين: إنك في حسب كريم وبيني وبين أهلك إخاء قديم وقد أمرتُ بقتلك فاهرب إذا خرجت من عندي فإن كتابك إن قرىء لم أجد بدّا من أن أقتلك، فأبى طرفة أن يفعله، فجعل شبان عبدالقيس يدعونه ويسقونه الخمر حتى قُتل.
وقد كان قال في ذلك قصيدته التي أولها لخولة أطلال؛ انقضى حديث طرفة برواية المفضّل؛ وذكر العتبيّ سبباً آخر في قتله، وذلك أنه كان ينادم عمرو بن هند يوماً فأشرفت أخته فرأى طرفة ظلّها في الجام الذي في يده فقال:
ألا يا ثاني الظبي- الذي يبرُقُ شنفاهُ
ولَولا الملكُ القاعدُ- قد ألثَمَني فاهُ
فحقد ذلك عليه، قال: ويقال إن اسمه عمرو وسمي طرفة ببيت قاله، وأمه وردة؛ وكان من أحدث الشعراء سنّاً وأقلّهم عمرا، قتل وهو ابن عشرين سنة فيقال له ابن العشرين. ورأيت أنا مكتوبا في قصته في موضع آخر أنه لما قرأ العامل الصحيفة عرض عليه فقال: اختر قتلة أقتلك بها، فقال: اسقني خمراً فإذا ثملت فافصد أكحلي، ففعل حتى مات، فقبره بالبحرين، وكان له أخ يقال له معبد بن العبد فطالب بديته فأخذها من الحوافر.
قال مطاع صفدي و إيليا حاوي: كان مولد طَرَفة (543- 569م) في البحرين. نشأ يتيماً من أبيه، وكفله أعمامه، ولكنهم لم يعوّضوه عن فقدان الأب، بل حُكي أنهم اضطهدوه. فجعله ذلك متفرّداً منكفئاً على ذاته، متحللاً بفطرته من التقاليد الاجتماعية. واندفع الفتى منذ شبابه الباكر في حياة الفروسية واللّهو والمتعة، حتى طرده قومه، وجال في البلاد. ووصل أطراف الجزيرة، وتقرّب من بلاط المناذرة، حتى وقعت له الحادثة المشهورة مع خاله المتلمَّس. فقد أرسله عمرو بن هند، هو وخاله، إلى عامله في البحرين، وحمَّل كلاًّ منهما رسالة مُغلقة، أوهمهما أنها تتضمّن طلباً للمكافأة. وتروي القصّة أن المتلمّس فضَّ الرسالة أثناء الطريق، وعرف مضمونها، ونجا من القتل، في حين أن طرفة أبي أن يفتح رسالته ومضى إلى حتفه. فقتله عامل البحرين بناء على أمر الملك، وبعد أن خيّره في رغبة أخيرة يحققها له. فطلب طرفة أن يشرب الخمر ثم يُفصد. وقضى وهو دون الثلاثين من عمره.
وطرفة هو من الشخصيات شبه الأسطورية، في قافلة الشعراء الملحميّين الكبار، تنبثق شخصيته، كأحد فرسان الدَّفق الحيوي الخلاَّق في شباب حضارة كبرى مليئة. ذلك أن طرفة ساق حياة السالك المكتشف لروائع الوجود، المتمتع بألوان المعيشة العنيفة، المنطلق إلى مجاهل الإحساس البكر، في لقاء كل ما هو صاخب الوجود، رائع المثال، فوُصف بأنه فتى الجَّهل الأول، ونعت أنه منفاق، مهذار، طليق إلى درجة التَّحدّي لتقاليد الآخرين، مستهتر بمقامات الرجال، ولو كانوا ملوكاً وأشقّاء ملوك، ولو كانوا سادة لقبائلهم وعشائرهم.
ولد والشعر منهمر في دمه من أصلاب أمه وأبيه. وكان تمرّده منذ الطفولة والشباب، قد جعله يتيم الحبّ والتقدير لدى أبيه. واحتقاره للمال والثروة، جعله فقيراً طريداً من قومه. واعتزازه بكرامته فصَل بينه وبين حياة القصر النّعماني، ومهَّد لقتله غدراً، في تلك القصة الشهيرة المعروفة. بكورة في اليُتْم، بكورة في التمرَّد، فجَّرا فيه فروسية الشعر وهو دون العشرين. وتصاعدت هذه الفروسية إلى أفق معاناة شمولية تلقاء الوجود قلّ مثيلها لدى أمثاله، وفي تلك الحقبة البعيدة من التَّاريخ العربي.
لقد استطاع طرفة أن يقيم مذهباً وجودياً، بكل معنى الكلمة من خلال تعبيره عن حياته، ومن معايشة نزواته وأفكاره، بصورة صاخبة متأجّجة بالنّزوع إلى الحرية، وتحقيق الشخصية الذاتية بكل انفعالاتها الأصيلة، وتحدياتها لحتميات العالم الخارجي.
وقد اهتم المستشرقون الغربيون بشعراء المعلقات وأولوا اهتماماً خاصاً بالتعرف على حياتهم، فقد قالت ليدي آن بلنت وقال فلفريد شافن بلنت عن طرفة في كتاب لهما عن المعلقات السبع صدر في بداية القرن العشرين: يحتل طرفة عند العلماء منزلة تلي امرؤ القيس كشاعر جاهلي، ليس لشعره الذي وصلنا، بل للقصائد التي فقدت. يضعه "المفضل" بين أساتذة المعلقات السبع التي يدعوها العرب " الصموت " خيوط العقد. كما يعتقد أن هذه المعلقة أكثر انتظاماً في بنيتها من كل المعلقات الأخرى، نظرة نقدية لها وزنها في كل المدارس. أما بالنسبة للقارىء الإنجليزي، فإن هذا التفوق أقل وضوحاً. من المؤكد أن مطلع معلقة طرفة انتحال من معلمه العظيم امرؤ القيس ولا يبرر أي جمال فكري خاص أو أسلوب بياني، الحكم على ما تبقى من القصيدة. كان وضعها في شكل إنجليزي مقروء، مهمة صعبة.
كان طرفة، الذي اسمه الحقيقي عامر بن العبد، شاباً عاصر امرؤ القيس وأقل الشعراء العرب قاطبة عمراً. يقال إنه قتل في سن السادسة والعشرين. كان من قبيلة ظبية من العائلة الحاكمة، شاباً بدوياً طائشاً، كما الحال الآن في الجزيرة، خصب الخيال، متهوراً ضالاً، متورطاً في شجار دائم مع الآخرين، سليط اللسان عنيف الطبع. يروى أن كان يملك قطيعاً من الإبل مع أخيه معبد, وكانا يرعيانه بالتناوب. لكن طرفة كان مهملاً ومغرماً بنظم الشعر فلم يقم بمهمته مما أدى إلى شجار يشار إليه في المعلقة. حين لامه معبد قائلاً هل يستطيع شعره إرجاع الإبل إن ضاعت، أجاب طرفة بعناد بنعم ورفض الإصغاء. وكما توقع معبد ضاعت الجمال يوماً في عملية سطو، فذهب طرفة ليثبت صحة ادعائه إلى أصدقائه وأقاربه طالباً المساعدة لاسترجاع الإبل، وكان منهم ابن عمه مالك، الذي وبخه لكسله وحماقته، توبيخ، يقال إنه سبب نظم المعلقة. ويروى أيضاً إن أحداً لم يساعده ولم تستعاد الإبل، لكن طرفة استطاع تنفيذ ما وعد به، إذ أن شيخ قبيلة وهبه مئة جمل عوض الضائعة إثر مدح طرفة له في قصيدة.
نهايته جاءت مأساوية. عند ذهابه إلى بلاط عمرو بن هند، ملك الحيرة، كان يجلس مع الأمير عندما مرت أخت الأمير، رأى طرفة ، بالرغم من عدم نظره إليها، عكس وجهها في قدح فضي كان يمسك به، فقال:
ألا يا ثاني الظبي- الذي يبرق شنفاه
ولولا الملك القاعد- قد ألثمني فاه
عندما نما هذا إلى مسامع عمرو لم يسره ذلك، ويقال إن طرفة، الذي لم تعد له حظوة عند الملك، هجاه وأتم بذلك إساءته. كتم عمرو مع ذلك غيظه وأرسل في طلب طرفة وشاعر آخر، خال طرفة المتلمس، الذي كان قد أساء إليه أيضاً، وأغدق عليهم العطايا وطلب منهم الذهاب بحجة إلى البحرين التي كانت آنذاك تحت حكمه. أعطى كل منهما رسالة لواليه هناك، كما لو كانت رسالة توصية. ذهب طرفة دون أي شك، لكن المتلمس، كونه رجل كبير السن وأكثر دراية بأساليب الأمير لم يكن راضياً، وقبل مغادرة الحيرة رأى فتح الرسائل لمعرفة ما فيهما. وجدا صبياً في أطراف الحيرة، مسيحي من العبادي، يعرف القراءة. فتح المتلمس رسالته طلب من الصبي قراءة ما فيها. أخبره الصبي أن الملك طلب من واليه قتل حامل الرسالة. ألقى المتلمس الرسالة في نهر الفرات وهرب. غير أن طرفة، من شدة ثقته بنفسه وظنه أن ابن هند لا يجرؤ على معاملته بالعنف لأنه من عشيرة قوية، ذهب إلى البحرين وقدم الرسالة للوالي. ولما كان الوالي، ربيعة بن الحارث، من أقرباء طرفة، فلقد حاول إنقاذه وتوسل إليه الهرب ليلاً قبل أن يعلم أحد بمجيئه. لكن طرفة رفض، ظنناً منه أن الوالي يريد خداعه لنيل الغنيمة بنفسه. وقال " والله، لن أفعل هذا، وأعطي عمرو ذريعة لقتلي إن هربت. في الصباح قبض عليه وسجن. اعتذر ربيعة من ابن هند قائلاً إنه لا يستطيع قتل قريبه. أرسل عمرو بن هند رجلاً من بني تغلب ليحل مكان ربيعة في البحرين وقتل ربيعة وطرفة. يقول بعض الناس إن من قتل طرفة كان من قبيلة الحوافر، التي دفعت دية دمه إلى والده لاحقاً. تختلف الروايات في ذلك. حسب بعض الروايات، أكثرها ثقة، قتل بالسيف، آخرون يقولون دفن حياً، بينما يقول آخرون سمح له بشرب الخمر حتى فقد وعيه وقطع شريان في يده حتى توفي. رثته أخته الخرنق بأبيات حزينة.
وقال عنه دبليو إى كلوستون في كتاب من تحريره وتقديمه عن الشعر العربي: كان طرفة بن العبد من قبيلة مزينة، أحد فخوذ قبيلة بني بكر، لذا سمي المزاني. أثبت نبوغه الشعري في سن السابعة حين كان مسافراً مع عمه والقافلة تستريح في الليل على ضفاف جدول صاف، وضع طرفة شركاً لصيد القبرة، لكنه لم يفلح. عندما عزمت القافلة على الرحيل ثانية عبر الصبي عن المناسبة بقصيدة.
يعود سبب نظم المعلقة إلى ضياع إبله وإبل أخيه. قال سي. دو بيرسيفال إن عمرو بن المرتضى، شيخ مدحه طرفة في معلقته قد أرسل إلى طرفة قائلاً إن الله وحده من يمنح الأبناء، لكن في الأمور الأخرى سيعامله كواحد من أبنائه. ثم أرسل الشيخ في طلب أبنائه السبعة وأحفاده الثلاثة وأمر كلاً منهم بتقديم عشرة جمال إلى الشاعر، وبذلك عوض خسارته التي لامه أخوه عليها.
أهم حدث في حياة طرفة القصيرة كان موته المأساوي. أرسل عمرو ملك الحيرة طرفة والمتلمس، شاعر مشهور أيضاً، ليرافقا أخاه الأصغر قابوس، الذي كان يحضره لخلافته. يبدو أن قابوس كان مدمناً على الشراب وكثيراً ما يكون ثملاً. هجاه الشاعران وهجيا الملك أيضاً. غضب عمرو بسبب هذه السخرية فأعطى كل واحد منهما رسالة إلى حاكم البحرين أمره فيها بقتل حاملها. شك المتلمس في نوايا الملك ففتح الرسالة وعرضها على صديق قرأها له. عندما علم بما جاء فيها مزقها ونصح طرفة بالعودة معه. لكن طرفة اعتقد أن قارىء الرسالة قد خدع صديقه فرفض الاستماع إلى النصيحة وأكمل رحلته المميتة. عند تسليم الرسالة قام حاكم البحرين بتنفيذ ما جاء فيها. قطع عمرو يدي ورجلي طرفه ودفنه حياً. كان طرفة في السادسة والعشرين عندما قضى.
قال عبد القادر فيدوم في دراسة له عن شعر طرفة: يحتل طرفة عند العلماء منزلة تلي امرؤ القيس كشاعر جاهلي، ليس لشعره الذي وصلنا، بل للقصائد التي فقدت. يضعه "المفضل" بين أساتذة المعلقات السبع التي يدعوها العرب "الصموت" خيوط العقد. كما يعتقد أن هذه المعلقة أكثر انتظاماً في بنيتها من كل المعلقات الأخرى، نظرة نقدية لها وزنها في كل المدارس. أما بالنسبة للقارىء الإنجليزي، فإن هذا التفوق أقل وضوحاً. من المؤكد أن مطلع معلقة طرفة انتحال من معلمه العظيم امرؤ القيس ولا يبرر أي جمال فكري خاص أو أسلوب بياني، الحكم على ما تبقى من القصيدة. كان وضعها في شكل إنجليزي مقروء، مهمة صعبة.
كان طرفة، الذي اسمه الحقيقي عامر بن العبد، شاباً عاصر امرؤ القيس وأقل الشعراء العرب قاطبة عمراً. يقال إنه قتل في سن السادسة والعشرين. كان من قبيلة ظبية من العائلة الحاكمة، شاباً بدوياً طائشاً، كما الحال الآن في الجزيرة، خصب الخيال، متهوراً ضالاً، متورطاً في شجار دائم مع الآخرين، سليط اللسان عنيف الطبع. يروى أن كان يملك قطيعاً من الإبل مع أخيه معبد, وكانا يرعيانه بالتناوب. لكن طرفة كان مهملاً ومغرماً بنظم الشعر فلم يقم بمهمته مما أدى إلى شجار يشار إليه في المعلقة. حين لامه معبد قائلاً هل يستطيع شعره إرجاع الإبل إن ضاعت، أجاب طرفة بعناد بنعم ورفض الإصغاء. وكما توقع معبد ضاعت الجمال يوماً في عملية سطو، فذهب طرفة ليثبت صحة ادعائه إلى أصدقائه وأقاربه طالباً المساعدة لاسترجاع الإبل، وكان منهم ابن عمه مالك، الذي وبخه لكسله وحماقته، توبيخ، يقال إنه سبب نظم المعلقة. ويروى أيضاً إن أحداً لم يساعده ولم تستعاد الإبل، لكن طرفة استطاع تنفيذ ما وعد به، إذ أن شيخ قبيلة وهبه مئة جمل عوض الضائعة إثر مدح طرفة له في قصيدة.
نهايته جاءت مأساوية. عند ذهابه إلى بلاط عمرو بن هند، ملك الحيرة، كان يجلس مع الأمير عندما مرت أخت الأمير، رأى طرفة ، بالرغم من عدم نظره إليها، عكس وجهها في قدح فضي كان يمسك به، فقال:
ألا يا ثاني الظبي- الذي يبرق شنفاه
ولولا الملك القاعد- قد ألثمني فاه
عندما نما هذا إلى مسامع عمرو لم يسره ذلك، ويقال إن طرفة، الذي لم تعد له حظوة عند الملك، هجاه وأتم بذلك إساءته. كتم عمرو مع ذلك غيظه وأرسل في طلب طرفة وشاعر آخر، خال طرفة المتلمس، الذي كان قد أساء إليه أيضاً، وأغدق عليهم العطايا وطلب منهم الذهاب بحجة إلى البحرين التي كانت آنذاك تحت حكمه. أعطى كل منهما رسالة لواليه هناك، كما لو كانت رسالة توصية. ذهب طرفة دون أي شك، لكن المتلمس، كونه رجل كبير السن وأكثر دراية بأساليب الأمير لم يكن راضياً، وقبل مغادرة الحيرة رأى فتح الرسائل لمعرفة ما فيهما. وجدا صبياً في أطراف الحيرة، مسيحي من العبادي، يعرف القراءة. فتح المتلمس رسالته طلب من الصبي قراءة ما فيها. أخبره الصبي أن الملك طلب من واليه قتل حامل الرسالة. ألقى المتلمس الرسالة في نهر الفرات وهرب. غير أن طرفة، من شدة ثقته بنفسه وظنه أن ابن هند لا يجرؤ على معاملته بالعنف لأنه من عشيرة قوية، ذهب إلى البحرين وقدم الرسالة للوالي. ولما كان الوالي، ربيعة بن الحارث، من أقرباء طرفة، فلقد حاول إنقاذه وتوسل إليه الهرب ليلاً قبل أن يعلم أحد بمجيئه. لكن طرفة رفض، ظنناً منه أن الوالي يريد خداعه لنيل الغنيمة بنفسه. وقال " والله، لن أفعل هذا، وأعطي عمرو ذريعة لقتلي إن هربت. في الصباح قبض عليه وسجن. اعتذر ربيعة من ابن هند قائلاً إنه لا يستطيع قتل قريبه. أرسل عمرو بن هند رجلاً من بني تغلب ليحل مكان ربيعة في البحرين وقتل ربيعة وطرفة. يقول بعض الناس إن من قتل طرفة كان من قبيلة الحوافر، التي دفعت دية دمه إلى والده لاحقاً. تختلف الروايات في ذلك. حسب بعض الروايات، أكثرها ثقة، قتل بالسيف، آخرون يقولون دفن حياً، بينما يقول آخرون سمح له بشرب الخمر حتى فقد وعيه وقطع شريان في يده حتى توفي. رثته أخته الخرنق بالبيات الحزينة التالية:
في ما يخص تاريخ نظم المعلقة، قد يكون ذلك في العام 550 قبل الميلاد، ويقول البعض إنها كتبت في الأسابيع الأخيرة من حياته عندما كان سجيناً في البحرين، غير أن فحواها لا يدعم هذا الرأي. من الواضح أنها قصيدة شاب يافع يعاني من مشاكله البدوية الصغيرة وشجاره مع أقربائه. ولعها نظمت في الصحراء قبل لقائه عمرو بن هند في الحيرة. الأبيات الوحيدة التي تلمح للبحرين هي التي يقارن هوادج نساء قبيلته بالسفن. لكن هذا بعيد جداً عن الحكم النهائي. من المؤكد لو أنها نظمت في فترة متأخرة أن غضبه كان سينصب على عمرو، الذي ظلمه أكثر من ابن عمه مالك، كونه شاباً طائشاً.
يقول المفضل صاحب " جمهرة أسفار العرب " عن اسم طرفة الصحيح هو عمرو بن عبد، مدعياً إن اسم طرفة اسم منتحل. لكن هذا الرأي غير مقبول ولا معنى لاسم طرفة، إن كان اسماً منتحلاً.
وتختلف المصادر الأدبية في تحديد سنة ميلاد طرفة بن العبد، إذ ليس من السهل تحديد تاريخ ميلاده تحديداً قاطعاً- خاصة- في مثل هذه الفترة التي نقلت إلينا عن طريق الرواية وليس عن طريق الكتابة. ويكاد يجمع الرواة والإخباريون على أن طرفة عاش على وجه التقريب ما بين 535- 568م، غير أن فؤاد افرام البستاني حاول أن يضبط تاريخ ميلاده فقال: "أما نحن فلا نرى بأساً في جعل مولد طرفة سنة 543م، إذ لا نعرف رواية تخالف ذلك، ولا نرى ما ينافيه من الحوادث التاريخية".
ومن الراجح أن يكون طرفة قد ولد في هذا التاريخ الذي حدده البستاني ب: 543م، باعتباره قال الشعر وهو صغير، ثم التحق ببلاط ملك الحيرة عمرو بن هند الذي قربه إليه في بداية الأمر، ثم ما لبث أن حقد عليه فأرسله إلى عامله بالبحرين ليقتله وذلك قبل انتهاء فترة حكم عمر بن هند سنة 568م، الذي حكم على وجه التقريب من سنة 554م إلى 568م، ومن ثم يكون طرفة قد توفي قبل هذا التاريخ بقليل.
وجاء في كثير من المصادر الأدبية القديمة أن طرفة يعود نسبه إلى بكر بن وائل، غير أن أبا بكر محمد بن القاسم الأنباري استأنف في التعريف بنسبه حتى وصل به إلى عدنان فقال معرفاً به: "هو طرفة بن العبد بن سفيان، بن سعد، بن مالك، بن ضبيعة، بن قيس، بن ثعلبة، بن عكابة، بن صعب، بن علي، بن بدر، بن وائل، بن قاسط، بن نهب، بن أقصى، بن دعمي بن جديلة، بن أسد، بن ربيعة، بن نزار، بن معد، بن عدنان".
وبذلك ينتسب طرفة إلى قبيلة لها مكانتها المرموقة في التاريخ العربي القديم، ويظهر ذلك حين يفخر بأصله ونسبه، لأنه من بني وائل بن قاسط التي تفرعت من قبيلتي بكر وتغلب. فكان له الاعتزاز بانتمائه البكري من نسب الأب والتغلبي من نسب الأم، فجمع بين حيين عريقين لهما مكانتهما المسموعة. يقول في ذلك:
وتفرعنا من ابني وائل- هامة العز وخرطوم الكرم
من بني بكر إذا ما نسبوا- وبني تغلب ضرّابي البهم
وطرفة لقب غلب عليه، واسمه الحقيقي "عمرو" بن العبد، وقد سمي ب "طرفة" نسبة على "الطرفاء" وهو شجر الإثل، وذلك لبيت قاله:
لا تعجلا بالبكاء اليوم مطرفا- ولا أميريكما بالدار إذ وقفا
وعاش طرفة يتيماً حيث فقد حنان الأبوة، إذ مات أبوه وهو صغير السن، فأراد أعمامه أن يقسموا له ما خلفه من مال، فقال هذه المقطوعة الشعرية في سن مبكرة، ناقماً على تصرفاتهم نحو أمه وإخوته الصغار:
ما تنظرون بحق وردة فيكم- صغر البنون ورهط وردة غيب
قد يبعث الأمر العظيم صغيره- حتى تظل له الدماء تصبب
والظلم فرق بين حيي وائل- بكر تساقيها المنايا تغلب
قد يورد الظلم المبين آجنا- ملحاً يخالط بالدّعافِ ويقشب
وقراف من لا يستفيق دعارة- يعدي كما يعدي الصحيح الأجرب
والاثم داء ليس يرجى برؤه- والبر برءٌ ليس فيه معطب
والصدق يألفه اللبيب المرتجى- والكذب يألفه الدنيُّ الأخيب
ولقد بدا لي أنه سيغولني- ما غال عادا والقرون فاشعبوا
أدوا الحقوق تفر لكم أعراضكم- إن الكريم إذا يحرب يغضب
ولعل موت والده وهو بعد صغير السن، وظلم أعمامه لأمه وإخوته الصغار هو الذي وجه الشاعر توجيهاً خاصاً، صبغ أدبه بالتأمل والتفكير في هذه الحياة، فكان أن حفزه ذلك إلى قول الشعر مبكراً، فضلاً عن كونه قد ورث ذلك من بيئة تمرس صاحبها بالشعر، فقد كان والده شاعراً، وكان أبوه العبد بن سفيان أخاً للمرقش الأصغر وابن أخ للمرقش الأكبر، وكلا المرقشين شاعر معروف، وكانت أمه وردة أخت المتلمس جرير بن عبد المسيح وهو شاعر معروف كذلك فضلاً عن أخته الخرنق الشاعرة، وجده لأمه عمرو بن قميئة الشاعر المشهور.
ويبدو أنه عاش في أسرة شاع الشعر وقوله بين أفرادها، مما يسر له قول الشعر وهو صغير، فكان لهذه الأسرة الأثر الكلي في تكوين ثقافته ونبوغه، كما جاء في رأي الباحثين من أن: ثقافة الشعر لطرفة تصله بالتراث الذي تطور في بطن قيس بن ثعلبة من بني بكر بن وائل، ولا تزيد البيئة العراقية إلى ثقافته تلك إلا لمسات خفيفة.
ويُروى أنه كان مع عمه في سفر، وهو بعد صغير السن، فأرادا أن يستريحا من عناء السفر فنزلا على ماء، فذهب طرفة بفخ له فنصبه للقنابر، وهو على ذلك ماكثاً معظم يومه دون أن يصيد شيئاً، وبعد يأسه من ذلك حمل فخه وعاد إلى عمه، فتحملا ورحلا من ذلك المكان، فرأى طرفة بعد ذلك القنابر يلقطن ما نثر لهن من الحب فقال:
يا لك من قبرة بمعمر-
خلا لك الجو فبيضي واصفري-
ونقري ما شئت أن تنقري-
قد رحل الصياد عنك فابشري-
ورفع الفخ فماذا تحذري-
لا بد من صيدك يوماً فاصبري-
وهي من الأراجيز الأولى التي قالها الشاعر، مما يدل على نضجه الفكري في هذا الأداء الفني الرفيع، وعلى الموهبة الناضجة.
ومما يذكر له أيضاً، وكان من باكورة نظمه، وهو ما تسجله الدراسات النقدية الحديثة في أنه من البذور الأولى للنقد عند العرب، وذلك حين سمع المتلمس ينشد هذا البيت:
وقد تناسى الهم عند احتضاره- بناج عليه الصيعرية مكدم
فصرخ طرفة منتقداً إياه، فقال جملته المشهورة "استنوق الجمل" أي خلط بين الناقة والجمل، إذ وصف الجمل بوصف الناقة، لأن الصيعرية توضع على عنق الناقة لا على عنق الجمل، فذهبت هذه المقولة مثلاً في الخلط بين الشيئين.
وكان طرفة معتزاً بنفسه، تائهاً فخوراً، مما جعله يتجرأ على أهله وذويه بعد أن حاولوا منعه من إسرافه في الشهوات وتبديده ما كان قد ورثه، فلم تجد قبيلته وأهله سبيلاً إلى ذلك سوى أن تفرده وتبتعد عنه، فاستشعر بالانعزال، كما جاء ذلك في قوله:
وما زال تشرابي الخمور ولذتي- وبيعي وإنفاقي طريفي ومتلدي
إلى أن تحامتني العشيرة كلها- وأفردت إفراد البعير المعبد
فأحس بالضيق نتيجة هذا الانعزال، فاضطر إلى أن يهجر قريته وأهله رغم ما كان له من منزلة بين فقراء العشيرة الذين كانوا لا ينكرون إحسانه لهم، وأغنيائها الذين يلازمون صحبته ويحبونه.
رأيت بني غبراء لا ينكرونني- ولا أهل هذاك الطراف الممدد
ومع ذلك فلم يجد بداً من أن ينطلق عبر فلوات الصحراء، ناقماً على عشيرته التي لم توله أي اهتمام بسبب إمعانه في فرديته التي دفعته إلى المغالاة في الذاتية "وهي فردية كانت القبائل تنكرها وترى فيها إخلالاً بالعقد الاجتماعي القائم بينه وبين أبنائها والذي كان يفرض على شعرائها ذلك العقد الفني". عند ذلك ترك قومه وظل هائماً في الصحراء كما في قوله:
ولا غرو إلا جارتي وسؤالها:- ألا هل لنا أهل سئلت كذلك
تعيرني طوف البلاد ورحلتي- ألا رب دار لي سوى حر دارك
وليس امرؤ أفنى الشباب مجاوراً- سوى حيِّهِ إلا كآخر هالك
ولا أنيس له في الصحراء في ذلك سوى ناقته التي لازمته وأعانته على ترحاله، فكانت له رفيقة أمينة، وكان هو الآخر أميناً لها حيث صورها لنا بصورة حية مطيلاً في وصفها لما وجد فيها من الأنس والعون، فكان بفضلها أن طاف أرجاء الصحراء التي قذفته إلى بلاد اليمن وتجاوز ذلك إلى أن وصل إلى النجاشي في الحبشة، كما ذكر ذلك الأعلم الشنتمري في مقدمة قصيدة لطرفة.
ثم ما لبث أن عاد إلى قومه بعد أن فشل في كل المحاولات بشأن تحقيق أحلامه في تحسين وضعه أو فيما كان يصبو إليه- ظناً منه- في إيجاد عالم مثالي غير عالمه القاسي مع عشيرته. فلم يجد بداً من العودة إلى قومه وعشيرته، وهم في ذلك غير مبالين به سواء رجع أم تمادى في هجره إياهم، فكان مما قاله بعد عودته لهم.
ولقد كنت عيكم عاتباً- فعقبتم بذنوب غير مر
كانت فيكم كالمغطي رأسه- فانجلى اليوم قناعي وخمر
سادراً أحسب غيِّي رشدا- فتناهيت وقد صابت بقر
وساء طرفة أن يعود إلى عشيرته "بخفي حنين" لأنه يعلم جيداً أن لا شيء ينتظره سوى أن يحمله أخوه"معبد" رعي إبله.
وكانت الحيرة أيام عمرو بن هند موئلاً لكثير من الشعراء، لما كان يغدقه ملكها من عطايا وهبات جزيلة، مقابل أن يرفع الشعراء من شأنه. وقد أراد طرفة كغيره من الشعراء أن يجرب حظه مع عمر بن هند، لكن نخوة طرفة وأنفته لم تصبر على تصرفات الملك عمرو الذي كان شديداً، صارماً في حكمه، لا يبتسم ولا يضحك، وكانت العرب تسميه مضرط الحجارة، وتهابه هيبة شديدة، بل جعلوه شريراً "وكان له يوم بؤس، ويوم نعيم، فيوم يركب في صيده يقتل أول من يلتقي به، ويوم يقف الناس ببابه فإن اشتهى حديث رجل أذن له وكان هذا دهره".
وفي رواية أخرى عن أحمد بن عبيد قال: "كان إذا ركب في يوم نعيمه لا يلقى أحداً إلا أعطاه ووهب له وقضى في حاجاته، وإذا ركب في يوم بؤسه لم يلق أحداً إلا قتله".
مكث طرفة في بلاط الحيرة واستقبله عمرو بن هند بحفاوة وقربه إليه وكان من ندمائه أخوه قابوس، وبعد أن رأى طرفة من عمرو بن هند ما ساءه فاضت قريحته شعراً، فهجا عمرو بن هند وهجا أخاه قابوس.
وقد كثرت اختلافات الرواة بشأن قصة طرفة مع الملك وسبب هجائه له، كان تلخيصها فيما يلي: تذكر معظم المصادر القديمة التي أوردت خبر طرفة أن سبب هجائه عمرو بن هند هو أن عمراً هذا كان يتباطأ في استقبال الناس وخصوصاً الشعراء الذين جاءوا من كل مكان رجاء عطاياه، إذا به يتأخر في استقبالهم، فصاروا يتكالبون على بابه ليجدوا وقتاً يدخلون فيه عليه، فاستاء طرفة من هذه المعاملة وقال شعراً يهجوه فيه. وربما كان من سبب غضب عمرو بن هند على طرفة أنه قال شعراً في أخيه قابوس الذي كان يحب الصيد وشرب الخمر، وكان أن قسم الدهر-هو أيضاً- يومين، يوماً يصيد فيه ويوماً يشرب فيه، وكان يتأخر في استقبال الشعراء إلى العشي، فتذمّر طرفة من هذه المعاملة فهجاه وهجا أخاه عمرو بن هند بقوله:
وليت لنا مكان الملك عمرو- رغوثاً حول قبتنا تخور
لعمرك إن قابوس بن هند- ليخلط ملكه نوك كثير
قسمت الدهر في زمن رخيّ- كذاك الحكم يقصد أو يجور
وفي رواية أخرى أن طرفة لما أضاع إبل أخيه معبد ادعى جوار الملك عمرو، وكان قد تباطأ في رد الإبل إلى طرفة انتقاماً منه لأنه كان في مسيرة مع عمرو بن أمامة، فأضم عليه، أي حقد عليه- وكانت أول موجدة عليه، فبعث عمرو بن هند إلى إبل طرفة التي كانت في جوار قابوس فأخذها فقال طرفة:
لعمرك ما كانت حمولة معبد- على جدها حرباً لدينك من مضر
وكان لها جاران قابوس منهما- حذار ولم استرعها الشمس والقمر
وعمرو بن هند كان ممن أجارها- وبعض الجوار المستغاث به غرر
فمن كان ذا جار يخاف جواره- فجاراي أوفى ذمة وهما أبر
أعمرو بن هند ما ترى رأي صرمة- لها شنب ترعى به الماء والشجر
ويذكر ابن قتيبة رواية مفادها أن طرفة كان ينادم عمرو بن هند فأشرفت ذات يوم أخته، فرأى طرفة ظلها في الجام الذي في يده فقال:
ألا يا بأبي الرِّيم- الذي يبرق شنفاه
ولولا الملك العالي- لقبّلت له فاه
فحقد ذلك عليه.
وتجتمع هذه الأسباب كلية في أن عمرو بن هند كان ناقماً على طرفة، فحاول التخلص منه بعد أن تسربت له كل الأشعار التي هجاه فيها عن طريق عبد عمرو الذي يعد من سادة الناس آنذاك مما جعل عمرو بن هند يقربه إلى حاشيته، وكان زوجاً لأخت طرفة، وقد هجاه طرفة ذات يوم، وكان مما قاله فيه:
يا عجباً من عبد عمرو وبغيه- لقد رام ظلمي عبد عمرو فانعما
فشاع هذا النوع من الهجاء في عبد عمرو بين الناس، وبلغت مسامع عمرو بن هند واتفق أن خرج الملك ذات مرة إلى الصيد وخرج معه نفر من حاشيته وكان من بينهم عبد عمرو وصهر طرفة، وكان الملك قد أصاب طريدة فنزل وقال لأصحابه اجمعوا حطباً، وفيهم عبد عمرو فأوقد ناراً وشوى، فبينما الملك يأكل من شوائه وعبد عمرو يقدم له الطعام، إذ نظر إلى خصر قميصه منخرقاً فأبصر كشحه، وكان من أحسن الناس كشحاً وجسماً، وكان طرفة قد قال فيه:
ولا خير فيه غير أنّ له غنى- وأن له كشحاً إذا قام أهضما
فتمثل الملك بهذا البيت سخرية منه، فغضب عبد عمرو وقال: قد قال طرفة للملك أقبح من هذا! فقال الملك: ما الذي قال? فندم عبد عمرو مما سبق منه وأبى أن يسمعه، فقال: أسمعنيه وطرفة آمن، فأسمعه القصيدة التي هجاه فيها فسكت عمرو بن هند على وقر في نفسه، وكره أن يعجل عليه لفطنة أحد جلسائه الذي نبهه وقال له: إنك إن قتلت طرفة وأبقيت المتلمس هجاك وانتقم منك لما له من مكانة، بحكم كونه مجرباً ومسناً، وكان المتلمس قد هجا عمرو بن هند ? أيضاً- بعدة قصائد فلبث الملك يتريث الفرصة السانحة للانتقام منهما، حتى اطمأنا إليه، فلما قدما إليه ذات مرة كتب لهما صحيفة إلى عامله بالبحرين، وكان يوم ذاك ربيعة بن الحارث العبدي، وقال لهما الملك انطلقا إليه، فإن في هذه الصحيفة أمر بجوائزكما أي أنه أوهمهما أن في كتابيهما أمر بمنح جائزة لكل منهما.
وأخذ الشاعران- طرفة والمتلمس- صحيفتيهما ظناً منهما أن عمرو بن هند يأمر عامله بإعطائهما الهدية، فحملا الصحيفتين وسارا معاً حتى وصلا النجف، فارتاب المتلمس بأمر هذا الكتاب وقال لطرفة: إني لأخاف عليك من نظرة الملك إليك بعد أن هجوته، وإنك غلام حديث السن، والملك من عرفت حقده وغدره وكلانا قد هجاه، فهلم ننظر فيما كتبه لنا- فأقبلا حتى نزلا الحيرة- حينذاك فك المتلمس ختم صحيفته وعرضها على غلام من أهل الحيرة فقرأها وإذا بها أمر بقتل المتلمس، وأشار إلى طرفة بك صحيفته- هو أيضاً- فأبى، ورمى المتلمس صحيفته في نهر بالبحيرة، كما جاء في قوله:
وألقيتها بالثني من جنب كافر- كذلك اقنو كل قط مضلل
ومضى طرفة إلى عامل البحرين فكانت هناك نهايته.
وفي رواية مشابهة لهذه تروى عن المتلمس أنه قال: بعد أن كتب الملك "خرجنا حتى إذا هبطنا بذي الركاب من النجف، إذا أنا بشيخ على يساري يتبرز ومعه كسرة يأكلها وهو يقصع القمل:، فقلت: تالله ما رأيت شيخاً أحمق وأضعف وأقل عقلاً منك، قال: وما تنكر? قلت: تتبرز وتأكل وتقصع القمل، قال: أدخل طيباً وأخرج خبيثاً وأقتل عدواً، وأحمق من الذي يحمل حتفه بيمينه لا يدري ما فيه. قال: فنبهني وكأنما كنت نائماً، فإذا غلام من أهل الحيرة فقلت: يا غلام تقرأ? قال: نعم قلت: اقرأه فإذا فيه: من عمرو بن هند إلى المكعبر، إذا جاءك كتابي هذا مع المتلمس فاقطع يديه ورجليه وادفنه حياً، فألقيت الصحيفة في النهر. وقلت يا طرفة: معك مثلها، قال: كلا ما كان يفعل ذلك في عقر داري قال: فأتى المكعبر فقطع يديه ورجليه ودفنه حياً، ففي ذلك يقول المتلمس:
من مبلغ الشعراء عن أخويهم- نبأ فتصدقهم بذاك الأنفس
أودى الذي علق الصحيفة منهما- ونجا حذار حبائه المتلمس
الق الصحيفة لا أبا لك إنه- يخشى عليك من الحباء النقرس
ألقى صحيفته ونجت كوره- وجناء مجمرة الفراسن عرمس
أجد إذا ضمرت تعزز لحمها- وإذا تشد بنسعها لا تنبس
ولقد تعددت الروايات بشأن مقتل طرفة مما يصعب تبيان الرأي الصحيح والاعتماد عليه، لكنها تكاد تكون متفقة على أن عمرو بن هند غضب على طرفة والمتلمس فأراد أن ينتقم منهما لهجائهما له.
بينما ذهب الشريف المرتضى إلى أن قاتل طرفة هو النعمان بن المنذر امتثالاً بقول طرفة:
أبا منذر كانت غروراً صحيفتي- ولم أعطكم في الطوع مالي ولا عرضي
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا- حنانيك بعض الشر أهون من بعض
وتذكر الأخبار أن النعمان بن المنذر قد تولى الحكم بعد مقتل طرفة بنحو سبع عشرة سنة، وقوله أبا منذر في هذين البيتين لا يكفي للدلالة على أن المعنى بقوله هو النعمان بن المنذر، فعمرو بن هند هو ابن المنذر أيضاً ويمكن أن يكنى بأبي المنذر ويذكر ابن قتيبة عن رواية أن الذي تولى قتله بيده هو معاوية بن مرّة الأيغلي. وذهب لويس شيخو في سرد القصة عن بعض الروايات، إلى أن عامل البحرين بعد أن قرأ صحيفة طرفة سأل عن المتلمس فأخبره بقراره، فعفا عنه لصدقه ورعايته لطابع الملك حيث لم يكفه، وقيل أنه سجنه وبعث إلى عمرو بن هند، وقال ما كنت لأقتل طرفة وأعادي قبيلته، فإذا أردت قتله فابعث إليه من يقتله ففعل وخيّر في قتله، فاختار أن يسقى الخمر ويفصد أكحله، ففعل به ذلك حتى مات نزفاً ودفن بهجر، يقول البحتري في ذلك:
ولقد سكنت إلى الصدود من النوى- والشّري أريٌ عند أكل الحنظل
وكذاك طرفة حين أوجس ضربة- في الرأس، هان عليه قطع الأكحل
وقيل في قتله غير ذلك، قيل إن عامل البحرين أمر بدفنه حياً.
والواقع أن مثل هذه الروايات والأخبار- بحسب ما يظهر- إنما يكثر فيها الإسراف والمغالاة، كان القصد منها وضع خبر طرفة ? شأن غيره من الشعراء المشهورين- في قصص منمق، وفي ذلك شك كبير، من حيث أنها محاولة للإيثار، تحبيباً لإسماع الناس إليها شأن كثير من الأخبار القديمة التي كانت من نسج الخيال، القصد منها الاستمالة والترغيب في الإسماع ليس غير.
لكن على الأرجح أنه مات على يد عامل عمرو بن هند بالبحرين، وفي سن مبكرة فلقب نتيجة ذلك "الغلام القتيل" وقيل له أيضاً "ابن العشرين" إذ أصبح اسم طرفة لا يذكر إلا إذا اقترن به، وذلك في كونه لم يتجاوز سن السادسة والعشرين امتثالاً بقول أخته الخرنق الشاعرة في رثائه:
عددنا له ستاً وعشرين حجة- فلما توفاها استوى سيداً ضخما
فجعنا به لما رجونا إيابه- على خير حال لا وليداً ولا قمحا
وجاء في بعض الروايات يذكرها أبو زيد القرشي أن طرفة قال لعامل البحرين حين أراد أن يقتله انظرني شهراً فقال: ولات حين مناص، فقال: انظرني عشرة أيام، فقال: ما أمرت بذلك، فقال طرفة في اليوم الأول شعراً وأرسل به إلى أخويه، خالد، ومعبد، ابني "العبد" يقول فيه:
ألا أيها الغادي تحمّل رسالة- إلى خالد مني وإن كان نائيا
وصية من يهدي السلام تحية- ويخبر أهل الود أن لا تلاقيا
خرجنا وداعي الموت فينا يقودنا- وكان لنا النعمان بالسيف حاديا
ويروى أيضاً أنه قال قبل صلبه وكان في حسب من قومه يحرضهم للثأر منه:
فمن مبلغ أحياء بكر بن وائل- بأن ابن عبد راكب غير راجل
على ناقة لم يركب الفحل ظهرها- مشذّبة أطرافها بالمناجل
ويظهر أن رواة الأخبار وجدوا في طرفة شخصية جذابة لحداثة سنه، ولما وقع له مع عمر بن هند بشأن مقتله، فكان نتيجة ذلك أن تعددت الأخبار التي يصعب التفريق بين صحيحها والزائف.
أما بخصوص نظرة النقاد القدامى إليه فقد عده معظمهم من الشعراء الفحول، وربما أول ما يلفت النظر قبل التعرض إلى رأي القدماء في شعره هو ما قالته أخته الخرنق بعد أن رثته بقولها:
عددنا له ستاً وعشرين حجة- فلما توفاها استوى سيداً ضخما
وقولها استوى سيداً ضخما يبرر ما له من مكانة أدبية في عصره وهو بعد صغير السن. وكان مما قاله ابن سلام الجمحي: فأما طرفة فأشعر الناس واحدة: (يعني معلقته) وتليها أخرى مثلها وهي:
أصحوت اليوم أم شاقتك هر- ومن الحب جنون مستعر
ومن بعد له قصائد حسان جياد.
ويذكر الأنباري بإسناده إلى أبي عبيدة الذي قال: أجود الشعراء قصيدة واحدة، جيدة طويلة، ثلاثة نفر: عمر بن كلثوم والحارث بن حلزة، وطرفة بن العبد.
وجاء في رواية أخرى عن أبي عبيدة يذكرها ابن قتيبة أنه قال: مر لبيد بمجلس لنهد بالكوفة، وهو يتوكأ على عصا، فلما جاوز أمروا فتى منهم أن يلحقه فيسأله: من أشعر العرب? ففعل، فقال لبيد: الملك الضليل يعني امرؤ القيس فرجع فأخبرهم قالوا: ألا سألته: ثم من? فرجع فسأله: فقال: صاحب المحجن يعني نفسه.
ويذكر الجاحظ أنه ليس في الأرض أعجب من طرفة بن العبد، وعبد يغوث، وذلك أننا إذا قسنا جودة أشعارهما في حال الأمن والرفاهية.
وقال أبو العلاء المعري على لسان محاوره مخاطباً طرفة في رسالة الغفران: ولو لم يكن لك أثر في العاجلة إلا قصيدتك التي على الدال لكنت قد أبقيت أثراً حسنا.
ويظهر من خلال هذه الآراء أنها تروي منزلة طرفة الشعرية التي أحرزها بين شعراء عصره، فاعتبر من متقدمي الفحول وأسبقهم إلى الإجادة في معظم إبداعه الفني وبخاصة في ابتكاره بعض المعاني. واتفق النقاد على أن طرفة لم يسبقه في الجودة غير امرئ القيس، بل ربما كان طرفة أجود منه في وصف الناقة حيث أبدع في وصفها.
وإذا كان ابن سلام قد وصفه في الطبقة الرابعة مع عبيد بن الأبرص، وعلقمة ابن عبده وعدي بن زيد، فليس من شك في أن السبب يرجع إلى قلة ما وصله من شعره وهو ما صرح به ابن سلام في بداية حديثه عن الطبقة الرابعة بأنهم "أربعة رهط فحول، شعراء، موضعهم مع الأوائل وإنما أخل بهم قلة شعرهم بأيدي الرواة" ومن ثمة فالسبب لا يعود إلى جودة الشعر وإبداعه فحسب، وإنما إلى قلته، ونظرة القدماء عن الكم من أهم المقاييس التي من شأنها تقدم هذا الشاعر أو ذاك عن سواه.


طرفة بن العبد
مما لاشك فيه أن هذه القصائد الطوال لا يمكن أن تتم دفعة واحدة، بل يزاد فيها، وينقح ويحذف منها، وينقص والمناسبة الهامة لهذه القصيدة هي وصف ظلم أقاربه له، وهذا يتجلى في قوله:
وظلم ذوي القربى أشد مـضـاضة

على المرء من وقع الحسام المهند
وقال طرفة بن العبد بن سفيان بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة بن عكابة ابن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان.
شهر بالبكري الوائلي من بني بكر بن وائل ويكنى أبو عمرو.
لخولة أطلال بـبـرقة ثـهـمـد

تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد
[بروضة دعمي فأكنـاف حـائل

ظللت بها أبكي وأبكي إلى الغد]
ويروى
ظللت بها أبكي وأبكي إلى الغـد

غد ما غد ما أقرب اليوم من غد
ويروى ظللت بكسر اللام، وظلت بكسر الظاء، ولام واحدة ساكنة، ويروى أظلت، ويروى وقفت.
والبرقة أرض فيها طين ورمل وحجارة، ولا تكون برقة حتى ترتفع كالرابية، وتهمد بالمثلثة اسم موضع.
وقوفا بها صحبي على مطيهم

يقولون لا تهلك أسى وتجلد
وقوفا جمع واقف كجالس وجلوس، وهو نصب على الحال ومن روى تلوح، فالعامل فيه تلوح، تجلد أي كن جلدا.
كأن حدوج المالكـين غـدوة

خلايا سفين بالنواصف من دد
الحدوج مراكب النساء واحدها حدج والمالكية امرأة. يقال حداج وحداجة وحدجة بسهم، والخلية السفينة العظيمة [وخلايا جمع خلية].
قال الأصمعي: الخلية من الإبل وهي العطوفة على ولدها، ولا تكون الخلية من السفن إلا ومعها قاربها، وهو زورق صغير تشبيها بالناقة، والنواصف هي الرحبة الواسعة تكون في الوادي، وجمعها رحاب، ورحبات ورحب والحدوج اسم كأن الخلايا خبرها، والباء في بالتواصف حالية ومن صلة النواصف ومعنى البيت حدوج المالكية غدوة بالنواصف من دد. مثل قوله: (فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون)، والباء الثانية دخلت للجحد، والمعنى فذكر، فما أنت من هذه حالك، والغدوة موضعها نصب على الوقت وكان حقها أن تكون غير منونة لأنها لا تتصرف فأخطأ الشاعر لصرفها، وإنما صار حكمها لا تنصرف [والمالكية] نسبة إلى مالك بن سعد بن ضبيعة بن قيس.
عدولية أو من سفين ابـن يامـن

يجوز بها الملاح طورا ويهتدي
عدولية نعت سفين ينون منسوبة إلى جزيرة من جزائر البحر، يقال لها: عدولى وقال أبو عمرو الشيباني: منسوبة إلى قومه من هجر، أو سفين تاجر بالبحر منه، ويروى وطورا منصوب على أنه ظرف لأن معناه وقتا وحينا ومنه قوله تعالى (وخلقناكم أطوارا) أي في اختلاف المناظر.
يشق حباب الماء حيزومها بها

كما قسم الترب المفايل باليد
حباب الماء ما ارتفع فوقه من طريقه، وحيزومها: صدرها، والمفايل: الملاعب بالفيال، والمفايلة لعبة لصبيان العرب، وهو تراب يكومونه أو رمل ثم يخبؤون فيها خبيئا، ثم يشق المفايل تلك الكومة، كما الكاف في موضع وما في موضع خفض بالكاف وما بعدها صلة له، والترب مفعول به.
وفي الحي أحوى ينفض المرد شادن

مظاهر سمطي لؤلؤ وزبـرجـد
الأحوى الظبي له خطتان سوداوان في ظهره، ويقال خضراوان، والمرد ثمر الأراك وأرادها هنا سوادا مدامع عينيه، فشبه المرأة بالظبي والأحوى كناية عن [المرأة] ينفض المرد، أي يلعب لأنه قد شبع وطاب وأمن، والشادن الذي استغنى عن لبن أمه، يقال: شدن يشدن؛ إذا قوي واشتد، ويقال لأم الظبي مشدن. وقد شدن إذا قوي وتحرك، ويقال لأول حمل الأراك الكابه، ثم البريت، ثم المرد الطويل. وقوله: مظاهر سمطي لؤلؤ: لبس واحدا فوق واحد، ويجوز نصب مظاهر على الحال وهو من ينفض.
خذول تراعي ربربا بخـمـيلة

تناول أطراف البربر وترتدي
الخذول: الظبية التي قد خذلت الظباء، وأقامت على ولدها.
فإن قال قائل كيف قال: وفي الحي أحوى، ثم قال: خذول، والخذول نفس الأنثى قيل له: هذا إنما هو على سبيل التشبيه، كما تقول هي الشمس وهي القمر.
وقوله: تراعي ربرباً أي ترعاه، وأراد في الحي امرأة تشبه الغزال في طول عنقها، وحسنها، وتشبه البقرة في الحسن مع الربرب.
والربرب: القطيع من البقرة، والخميلة أرض ذات شجر، وقيل رملة ذات شجر والبرير: ثمير الأراك القصير، وترتدي إذا تناولت الثمر فقد وقفت الأغصان على منكبيها فذلك ارتداؤها.
وتبسم عن ألمى، كأن مـنـورا

تخلل حر الرمل دعص له ندي
أي عن ثغر ألمى فحذف واللمى سمرة تحمد في الشفة واللثة، النور: الأقحوان المزهر. أي إذا ابتسمت عن ثغر ألمى ثم أقام الصفة مقام الموصوف. تخلل أي توسط فيه لونا، وحر الرمل أحسنه فتنة، والدعص: الرمل يصيبه الندى، والندي نعت للدعص.
سقته إياه الشمس: إلا لثاته

أسف ولم تكدم عليه بإثمد
إياة الشمس ضوءها وشعاعها، والضمير في سقته للثمر، واللثاث مغارس الأسنان، ويقال إيا بغير هاء، وإياء بفتح الأولى والمد، وأسف: حثى عيه، لم يكدم أي لم ينهش عظما.
ووجه كأن الشمس حلت رداءها

عليه نقي اللون لـم يتـخـدد
أي ولها وجه، ويروى بعضهم ووجه بالجر عطفا على ألمى، أي وتبسم عن وجه، وحلت: ألقت، رداؤها: حسنها وبهجتها. نقي اللون: لم يخالطه قط اصفرار، والتخدد اضطراب الخد، واسترخاء اللحم، ومنه سمي الخد لاضطرابه عند الأكل.
وإني لأمضي الهم عند احتضاره

بعوجاء مرقال تروح وتغتدي
يقال مضى الشيء يمضي مضيا ومضاء، وأمضيته أنا أمضيه إمضاء إذا أذهبته عنك، والمضاء: السرعة.
يقول: إذا نزل بي الهم نفيته عني، وأمضيته بأن أرتحل على هذه الناقة العوجاء، وهي الضامرة التي قد لحق بطنها ظهرها، واعوج شخصها.
والمرقال: السريعة في سيرها خببا، ومرقال على التكثير كما تقول مذكار ومئناث.
وقوله: بعوجاء ويقال للمذكر أعوج، وكان يجب أن يقال للأنثى أعوجة كما يؤنث بالهاء في غير هذا، إلا أن قولك أعوج وما أشبهه ضارع الفعل من وجهتين: إحداهما أنه صفة، والأخرى أن لفظه كلفظ الفعل فلو قلنا أعوجة وأحمرة لزالت إحدى الجهتين، فلهذا أتت بالهمزة فإن مخرجها مخرج لها وأزيلت الهمزة من ألوه؛ لأنهم لو تركوها على حالها لكان في وزن أحمرة، وأما زيادتهم الألف قبل الهمزة ففيه قولان: أحدهما أن هاء التأنيث يكون ما قبلها مفتوحا، والهمزة تختلف وما قبلها فجاءوا بالألف عوضا عن الفتحة، والقول الآخر: إنهم أرادوا أن يخالفوا بينها وبين الهاء فزادوا حرفين ولم يزيدوا واحدا فيكون بمنزلة الهاء.
أمون كألواح الإران نسأتهـا

على لاحب كأنه ظهر برجد
الأمون: الناقة الموثقة الخلق التي يؤمن عياؤها وعثارها، والإران: التابوت كانوا يحملون فيه ساداتهم وكبراءهم دون غيرهم.
ونسأتها: ضربتها بالمنسأة. ويروى نصأتها: قدمتها ونسأتها: أخرتها. واللاحب: الطريق منقاد. ويقال مر فلان يلحب إذا مر مرا سريعا.
واللاحب: البين المؤثر فيه، فإن قيل كان يجب أن يقال ملحوب، قلنا يجوز أن يكون مثل [قوله تعالى]: (من ماء دافق).
ومعناه ماء مدفوق أي ذي دفق، ويجوز أن يكون لاحب على أنه كان يلحب أخفاف الإبل أي يؤثر فيها؛ والها[ء] في كأنه تعود على الطريق كأنه قال على طريق لاحب، وشبه الطرائق التي في الطريق بطرائق برجد وهو كساء من صوف أحمر.
وقال الأصمعي: كساء مخطط فيه خطوط حمر وغيره.
تباري عتاقا ناجيات وأتبعت=وظيفا وظيفا فوق مور معبد تباري: تسارع، يقال يباريان في السير إذا فعل هذا شيئا وفعل هذا مثله والوظيف عظم الساق والذراع، أي أتبعت وظيف يدها وظيف رجلها ويستحب في الناقة أن تكون خرقاء اليد صناع الرجل، والمور الطريق يقال مار يمور مورا إذا دار. والمور بالضم التراب، والمعبد: المذلل يقال بعير معبد أي مكرم وهو من الأضداد. أرى المال عند الباخلين معبدا وموضع تباري في محل نصب على الحال من الهاء والألف أي مبارية عتاقا ويجوز أن يكون في موضع جر على الإتباع لأمون بما ليس في هذه الرواية.
جمالية وجناء تردي كأنهـا

سفتجة تبري لأزعر أربد
السفتجة: النعامة. والأزعر: القليل الشعر، والأربد: الذي لونه لون الرماد.
تربعت القفين بالشول ترتعي

حدائق مولي الأسرة أغيد
القف: ما غلظ من الأرض وارتفع، ولم يبلغ أن يكون حبلا، وهو تشبيه والجمع قفاف: والشول من النوق التي قد ارتفع ألبانها، والمولي الذي أصابه الولي من المطر وهو يحسن منه النبت، الأسرة الواحدة سرارة، وهو أكرم الوادي لأنه يقال فلان في سرقوقه أي صميمهم، وقوله بالشول أي في الشول وهي جمع شائلة وكأنها التي قد شال ضرعها، وهي التي قد أتى عليها من وقت نتاجها سبعة أشهر، شال الميزان يشول إذا ارتفع وقيل جمع شائل من شال البعير بذنبه إذا رفعه.
تريع إلى صوت المهيب وتتقـي

بذي خصل، روعات أكلف ملبد
االمهيب الذي يصبح بها: هوب هوب، وتريع ترجع إلى صوت الراعي إذا دعاها، وحذف مفعول تتقي ومعناه وتتقي الفحل بذنب خصل لأن الناقة إذا كانت حاملا اتقت الفحل بحركة فيعلم الفحل أنها حامل فلم يقربها.
الأكلف من صفات الفحل وهو الذي في لونه حمرة إلى السواد، والمبلد: الذي قد صار على وركه مثل اللبد من ثلطه، لأنه يضرب بذنبه من الهياج على ظهره، والروعات جمع روعة وهو الفزع ومن العرب من يقول روعات يفرق بين الاسم والصفة مثل جفنة وجفنات إلا أن الأحسن روعات بتسكين الواو لاستثقالهم الحركة فيها.
كأن جناحي مضرحي تكـنـفـا

حفافيه، شكا في العسيب بمسرد
شبه هلب ذنبها بجناحي مضرحي وهو [العتيق من النسور يضرب إلى بياض] من كبره، وحفافاه: جانباه، وتكتفا أي صار عن جانبيه عن يمين الذنب، وشماله.
شكا: غرزا وأدخلا فيهما، والعسيب: عظم الذنب، والمسرد: المخصف وهو الأشقى.
فطورا به خلف الزميل، وتارة

على حشف كالشن ذاو مجدد
أي تارة ترفع ذنبها وتضرب به خلف الزميل، أي الرديف، ولا زميل، وإنما أراد موضع الزميل، ومرة يضرب به على ضرعها، وإنما سماه حشفاً متقبضاً لا لبن فيه، والشن القربة الخلقة، والذاوي الذابل الذي قد أخذ في اليبس، والمجدد: الذاهب وناقة جدود، وأتان جدود ذهب لبنها من غير بأس، وأصل الكلمة من قولهم، جددت الشيء إذا قطعته، فالجدود التي انقطع لبنها، والطور والتارة وقتان.
لها فخذان أكمل النخض فيهما

كأنهما بابا منيف مـمـرد
النخض: اللحم، يقال: نخض العظم، إذا ما عليه من النخض، وروى الطوسي [لها فخذان عولي النخض فيهما].
وعولي أي ظهر وكثر، منيف أي مشرف، ويقال: أناف الشيء ينيف إنافة، إذا علا وأشرف والإنافة العلو، والممرد قالوا هو المطول، فيكون على هذا من قولهم تمرد، إذا جاوز الحد في الشر، وقيل سمي الأمر أمرداً لأنه أملس الخدين أراد باب قصر منيف.
وطي محال كالحني خلوفه

وأجرنة لزت بدأي منضد
الطي: طي البير أي لها محال مطوية، المحال فقار الظهر (فقار) الواحدة محالة والحني: القسي، (واحدتها حنية ويجمع على الحنايا ويروى بضم الحاء وكسرها كما يقال عصي، وعصي). وخلوفه والخلوف أطراف الأضلاع الواحدة خلف، والجران باطن العنق منها والجمع [أجرنة] فيكون باطن الحلقوم، لزت: قرنت بعضها إلى بعض، فانضمت واشتدت، ودأي جمع دأية، وهي الفقار، وكل فقرة من فقار العنق والظهر دأية، يثول على ظهرها متراصف متدان بعضه من بعض، وذلك أشد لها، وأقوى من ألا تكون متدانيات.
كأن كناسي ضالة يكنفانـهـا

وأطر قسي تحت صلب مؤيد
الكناس أن تحفر الغيران في أصل الشجرة، كالسرب، يكنها من الحر والبرد، والجمع كناس وقد كنست تكنس، إذا استظلت في كنسها من الحر، وإنما [كان كناسا] لأنه يبتكره في الغداة في ظلها، وبالعشي في فنائها، والضال السدر البري الواحدة ضالة، يكتنفان هذه الناقة من جهة ما بين مرفقيها وزورها، وإنما أراد أن مرفقيها قد بانا عن إبطيها، فشبه الهواء الذي بينهما بكناسي ضالة، فليس لها حاز، ولا ناكت وكأن قسياً مأطورة تحت صلبها، يعني تحت ضلوعها.
لها مرفقان أفتلان كأنما

تمر بسلمي دالج متشدد
أفتلان واسعان منجرفان عن آباطهما، وتمر أي تقبل بضم التاء وكسر الميم، وفتح التاء وضم الميم، والسلم: الدلو العظيم. يقال: سلم وسجل كل مذكر عند الأصمعي، وزعم الفراء أنها مؤنثة، يقال: دلو لاوذة. ويقال: السلم له عروة واحدة نحو دلو السقائين. والدالج الذي يمشي بين الحوض والبئر ويقال: هما مفتولان، كأنهما سلمان بيدي دالج، فهو يجافيهما عن ثيابه والرواية الجيدة تمر بفتح التاء، والكسر كأنما تمر سلمي فزاد الباء أراد بها بأن مرفقيها تباعد زورها كما يتباعد عضد الدالج عن زوره.
كقنطرة الرومي، أقسم ربها

لتكتنفن حتى تشاد بقرمـد
القنطرة: الأرج، والقسم: الحلف، والرب المالك، لتكتنفن: ليحاطن بها. وتشاد بالشيد وترفع والشيد هو الجص والقرمد الآجر، الواحدة القرمدة فارسي معرب. وقصد بناء الروم لإحكامه. وقوله: لتكتنفن أقسم بالنون الخفيفة والوقف عليها بالألف عوضا عن التنوين، ولا عوض منها إذا كان قبلها ضمة أو كسرة؛ لأنهم شبهوها بالتنوين في الأسماء، لأنك تعوض منه في موضع النصب ولا تعوض في موضع الرفع والجر. أو لأن النون تحذف في الأفعال لالتقاء الساكنين والتنوين في الأسماء، فالاختيار فيه التحريك، لأن ما يدخل في الأسماء أقوى مما يدخل في الأفعال يقول بأن هذه الناقة كالأرج لانتفاخ جوفها.
صهابية العثنون، موجدة القرا

بعيدة وخد الرجل موارة اليد
موارة اليد: أي كتفاها يتبعان يديها، في سهولة يريد أنها خرقاء اليد.
أمرت يداها، فتل شزر وأجنحت

لها عضداها في شقيف مسند
أمرت: فتلت، والشزر: الفتل الذي يقال له الدبير، ومنها يقال فلان ينظر إليك الدبير، وانتصب الفتل لأنه نعت لمصدر محذوف كأنه قال أمرت يداها إمرارا مثل فتل شزر، وأجنحت أي أميلت عن الزور إلى خارج كأن ظهرها صفائح صفحن لا يؤثر فيه شيء، والشقيف فضاء زورها وأصل الشقيف صفائح من حجارة، وقوله: مسند: أسند بعضها إلى بعض.
جنوح، دقاق، عندل ثم أفرغت

لها كتفاها في معال مصعد
[دفاق أي سرعة، عندل ضخمة الرأس] أفرغت: وقيل أشرفت، عوليت. في معال: مع معال، مصعد: يعني صاعد.
كأن علوب النسع فـي دأياتـهـا

موارد من خلقاء في ظهر قردد
لأن العلوب الآثار واحدها علب، والنسع: حبل مضفور من أدم، والدأيات: منتهى الأضلاع، قيل في الظهر، وقيل في الصدر، والموارد خطوط طرق المياه، والخلقاء الصخرة الملساء، والقردد الصلب من الأرض المستوي، وظهر القردد أعلاه. يقول: هذه العلوب في صدرها مثل الطرق في هذه الصخرة، وهذه النسوع لا تؤثر في هذه الناقة كما لا [تؤثر] الموارد في الصخرة الملساء، واستغنى بكثير الجمع عن قليله، وكان يجب أن يقال في أقل عدد، والجمع أنساع.
تلاقى وأحيانا تبين كأنـهـا

بنائق غر في قميص مقدد
تلاقي أحيانا، تجتمع وأحيانا تتفرق، يعني هذه الموارد يكون بعضها يلي بعضا، ويتصل بعضها ببعض، والبنائق جميع بنيقة كأنها دخاريص قميص، والغر: البيض، والمقدد: المشقق.
وقال أحمد بن عبيدة: تلاقى يعني الحبال والآثار، إذا انفكت إلى العرا التقت رؤوسها، وإذا ارتفعت إلى الرحل تباينت، وخص الدخاريص لدقة رؤوسها، وسعة أسافلها، فأراد أن الآثار مما يلي الحلق دقيقة وما يلي ذلك من الرحل الواسع، لأن الحلق تجمع الحبال فيدق الأثر.
وأتلع نهاض، إذا صعدت بـه

كسكان بوصي بدجلة مضعد
يعني بالأتلع عنقها، والأتلع المشرف، والأتلع الطويل العنق، ونهاض أي ينهض إليه، أي يرتفع إليه، ونهض الفرخ، وفارق عشه، وهي النواهض، وقيل النهاض أي ذو حركة، والأصل عنق أتلع فأقام الصفة مقام الموصوف، ومعنى صعدت به، أشخصه في السماء. والسكان الذي تقوم به السفينة، والبوصي: السفينة فارسي معرب، ويروى: سكان نوتي، والنوتي الملاح.
وقال مصعد لأنه يعالج الموج، أي [مسموح] مجرى الماء.
وروى أبو عبيدة لسكان نوتي.
وجمجمة مثل الـعـلاة كـأنـمـا

وعى الملتقى منها إلى حرف مبرد
الجمجمة: الهامة، العلاة: سندان الحداد، شبه جمجمتها بها لصلابتها. وأصل الجمجمة: عظام الرأس. ووعى اجتمع، وانضم، ويقال وعى عظمه، إذا جبر وتماسك، ولا وعى عن ذلك أي لا تماسك.
والملتقى: ملتقى كل قبيلتين من قبائل الرأس، وإنما أراد صلابتها، كأنه يلتئم كله كالتئام المبرد.
يقول هذه الجمجمة كأنها قطعة واحدة في التئامها وخص المبرد للحزوز التي فيه فيقول فيها نتوء غير مرتفع.
وخذ كقرطاس الشآمي ومشفر

كسبت اليماني قده لم يجـرد
ويروى ووجه. شبه بياض خدها ببياض القرطاس قبل أن يكتب فيه. قيل: إنه عتيق لا شعر عليه، والشعر في الخد هجنة، والمراد أنه جعله كالقرطاس لنقائه، وقصر شعره.
والمشفر من البعير، كالشفة من الإنسان، والسبت جلود البقر، إذا دبغت بالقرظ، فإن لم يدبغ بالقرظ فليس بالسبت. وإنما أراد مشافرها طوال كأنها نعال السبت، وذلك مما يمدح به وخص السبت به للينه، وقوله لم يجرد أي لم يعوج، فهي إذن شابة فتية وذلك أن الهرمة، والهرم تميل مشافرها، وروي لم يحرد بالحاء، والقد مصدر قددته.
وعينان كالماويتين اسـتـكـنـتـا

بكهفي حجاجي صخرة قلت مورد
شبه عينيها بالماويتين لصفائهما، والماويتان: المرآتان، واستكنتا حلتا في كن، والكن غار في الجبل، وهو هنا غار العين الذي فيه مقلتاها؛ والحجاج العظم المشرف على العين، الذي ينبت عليه شعر الحاجب، والقلت: الثغرة في الجبل يستنقع فيها الماء مؤنثة، وجمعها قلات، وقوله قلت مورد بدل من صخرة، وإذا كانت كصخرة في ماء كان أصلب لها، والمراد أن صفاء عينيها كصفاء ماء القلت.
وقوله مورد: أراد أن المطر يرده.
طحوران عوار القذى، فتراهما

كمكحولتي مذعورة أم فرقد
طحوران: دفوعان، يقال دحره وطحره أي دفعه، وطحرت العين القذى: إذا ألقته عنها. والعوار والعاير ما أفسد العين من الرمد، فيقول: عينها صحيحة، لا قذى فيها، كأنها قد طحرته، وقوله كمكحولتي مذعورة يريد كعيني بقرة مذعورة لفقدها ولدها، وإذا كانت مذعورة مطفلا كان احد لنظرها.
وصادقنا سمع التوجس للسرى

لهجس خفي أو لصوت مندد
يعني أن أذنيها لا تكذبها، إذا سمعت النبأة، والتوجس: التسمع بحذر، والهجس الصوت الخفي. وقوله للسرى أي في السرى أو عند السرى، يقال سرى وأسرى إذا سار بالليل، وقيل للنهر سرى، سمي بهذا لأن النهر يسري فيه الماء، قال المبرد خص النهر بهذا الاسم من قولهم خير المال عين ساهرة لعين نائمة أي لا تنام وإن نمت عنها.
ويروى لصوت مندد بالإضافة، والمندد الذي يرفع صوته والرواية الجيدة لصوت مندد والمندد: صفة الصوت.
مؤللتان، تعرف العتق فيهما

كسامعتي شاة بحومل مفرد
المؤلل: المحدد كتحديد الآلة، وهي الحربة، والعتق، الكرم، ويريد به هنا الحسن والنقاء، ويريد بالشاة هنا الثور الوحشي، يقال مفرد بلا هاء، لأنه أراد الثور الوحشي وإذا كان مفردا كان أسمع لأنه ليس معه ما يشغله، وقيل العتق ألا يكون في داخلها وبر، يكون أجود وكذلك آذان الوحش.
وأروع نباض أحـذ مـلـمـلـم

كمرادة صخر من صفيح مصمد
وأروع نباض: يعني قلبها: وهو الحديد السريع الارتياع، ونباض: ينبض: أي يضرب من الفزع. والأحذ: الأملس الذي ليس له شيء متعلق به.
وقال أبو عمرو هو الخفيف، وقال ابن الأعرابي الأحذ الذكي الخفيف، وململم: مجمع، وقولهم للشعر لمة من هذا، وألمم بنا: أي ادخل في جماعتنا. وبنو تميم يقولون لم بنا وقوله [عز وجل] (الذين يجتنبون كبير الإثم والفوحش إلا اللمم) في معظم الشيء، وليس في الكلام دليل على أنه أباح اللمم لأنه استثناء ليس من الأول وهو مثل قوله: (وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف) فليس فيه دليل على أنه أباح ما قد [سلف] وإنما المعنى ولكن ما قد سلف فإن الله يعفو عنه وكذلك قوله تعالى (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ) ولكن إن قتله خطأ فعليه أن يفعل ما أمر به.
وقولهم: لم الله شعثك، ففيه قولان: أحدهما أن المعنى جمع الله متفرقك والثاني قول المبرد إن المعنى جمع الله ما يزيل الشعث عنك.
والمرادة: صخرة يدق بها الصخور ملء الكف، والمرادة من صخر، والصفيح من الحجارة العريضة، والمصمد الصلب الذي فيه خور.
وإن شئت سامى واسط الكور رأسها

وعامت بضبعيها نجاء الخـفـيدد
سامى: عالى، واسط الكوز: العود الذي بين موركة الرحل ومؤخره، والمؤخرة آخر الرحل، والموركة الموضع الذي يضع عليه الراكب رحله، وقيل الموركة مهاد يمهده الرجل لرحله إلى جانب الواسط أسفل منه. فإذا أعيا من الغرز نزع رجله منه، وجعلها على الموركة، وقيل الواسط كالقربوس للفرس، وعامت: سبحت، والضبع: العضد، والنجاء السرعة، والخفيدد الظليم وهو ذكر النعام.
وإن شئت لم ترقل وإن شئت أرقلت

مخافة ملوي من القد محـصـد
الارقال: دون العدو وفوق السير، والملوي: السوط، والاحصاد الإحكام والتوثيق والمحصد المحكم، ومخافة منصوب لأنه مفعول من أجله، وإن شئت كان مصدرا.
وأعلم مخروت من الأنف مـارن

عتيق متى ترجم به الأرض تردد
أراد بالأعلم مشفرها، والإبل كلها علم، والعلم شق في الشفة العليا، فإن كان في السفلى قيل له أفلح. والمخروت المشقوق، وخرت كل شيء: شقه ونقبه والمارن اللين، وقوله: متى ترجم به الأرض إذا أدنت رأسها من الأرض في سيرها فذلك رجمها إياها يقول إذا أوطأت رأسها إلى الأرض ازدادا سيرا.
[إذا أقبلت قالوا تأخر رحـلـهـا

وإن أدبرت قالوا تقدم فـاشـدد
وتضحي الجبال الحمر خلفي كأنها

من البعد حفت بالملاء المعضد
وتشرب بالقعب الصغير، وإن تقذ

بمشفرها يوما إلى الليل تنقـد]
على مثلها أمضي إذا قال صاحبي

ألا ليتني أفديك منها وأفـتـدي
أي على مثل هذه الناقة أسير وأمضي، إذا قال صاحبي من خوف الفلاة وقوله ألا ليتني أفديك معناه من الفلاة فجاء بمكينها ولم يجر لها ذكر لدلالة المعنى عليها كقوله [تعالى] (حتى توارت بالحجاب) وقوله أفديك منها: أي أعطيك فداءك وتنجو، أو أفتدي أنا منها. وقيل معناه ليتني أقدر أن أفديك منها وأفتدي نفسي. وعلى تتعلق بما مضى، وكذلك إذا.
وجاشت إليه النفس خوفـا وخـالـه

مصابا ولو أمسى على غير مرصد
جاشت: ارتفعت إليه من الخوف، ولم تستقر، كما يجيش القدر، إذا ارتفع عليانه، وقوله إليه: أي صاحبه، وقوله وخاله أي خال نفسه. وإنما جاز أن يقال خاله مصابا، ولم يجز ضربه إذا أردت ضرب نفسه على مذهب سيبويه. أنهم استغنوا عن ضرب نفسه، بقولهم ضرب نفسه، والذي يذهب إليه أبو العباس أنه لم يجز ضربه لئلا يكون فاعلا مفعولا في حال وجاز خاله لأن الفاعل في المعنى مفعول لأنه إنما رأى شيئا فأظنه. وقوله: على غير مرصد: أي ولو أمسى لا يرصد، ولا يخاف من أحد لظن أنه هالك من العطش لهول المفازة أي فأنا أنجو منها على ناقتي.
إذا القوم قالوا: من فتى؟ خلت أنني

عنيت فلم أكسل ولـم أتـبـلـد
يقول: إذا قالوا من فتى لهذه المفازة؟ خلت أنهم يعنونني، ويقولون ليس لها غيره، فلم أكسل عن أن أقول: أنا لها ولم أتبلد عن سلوكها. يقال رجل بليد، ومتبلد؛ إذا أثر فيه الجهل كي يذهب به عن فطن الناس واحتيالهم، وكذا يقال في الدواب، وأصل البلادة والتبلد من التأثير، يقال في جلده بلد إذا كان فيه أثر، وكذلك في غير الجلد، ويقال لكركرة البعير بلدة لأنها تؤثر في الأرض، أو تؤثر فيها الأرض قال الشاعر.
أنيخت فألقت بلدة فوق بلـدة

قليل بها الأصوات إلا بغامها
وبهذا سميت البلدة بلدة لأنه موضع مواطن وتأثيرهم، وعنيت من قولهم عني ويعني عنيا بمعنى أراد، وليس يعنيني بهذا أي لا يريده، والمعنى هو المراد والجمع المعاني.
ويروى فلم أكل ولم أتبلد أي فلم أكل إلى إجابتهم أقول: أنا لها، ولم أتبلد أي لم أكن بليدا في مثلها لأني خبير بها.
أحلت عليها بالقطيع فأجذمت

وقد خب آل الأمعز المتوقد
أحلت: أي رفعت والقطيع: السوط أي أقبلت عليها بالسوط، يقال: أحلت عليه ضربا إذا أقبلت عليه تضربه ضربا في أثر ضرب أو على ضرب ومنه قولهم يحيلون السجال على السجال أي يصبون دلوا على أثر دلو، وأجذمت أسرعت، وخب الآل جرى، واضطراب السراب، والآل يكون بالغداة، والعشي، والأمعز، والمعزاء، الموضع الغليظ الكثير الحصى، والمتوقد: المكان الذي يتوقد بالحر، والواو في قولهم وقد خب الواو واو الحال.
فذالت كما ذالت وليدة مجلس

تري ربها أذيال سحل ممدد
ذالت: ماست، وتبخرت في مشيها. يقول: تتبختر هذه الناقة في مشيتها كما تتبختر وليدة أي أمة عرضت على أهل مجلس، فأرخت ثوبها، واهتزت بأعطافها، وخص وليدة المجلس يريد أنها ليست بممتهنة، وإذا شئت جرت في الأرض أذيالها، والسحل بالسين والحاء المهملتين: الثوب الأبيض والممدد الذي ينجر في الأرض، ومعنى البيت: إني أبلغ على هذه الناقة حاجتي بأقل تعب.
ولست بحلال التلاع مـخـافة

ولكن متى يسترفد القوم أرفد
الحلال: مبالغة من الحلول، والتلعة ما ارتفع من الأرض، وانخفض عن الجبال أو قرب من الأرض، والجمع التلاع: وهي مجاري المياه من رؤوس الجبال إلى الأودية.
المعنى: لست أستتر في التلاع لأني لا أنزلها مخافة أن تواريني عن الناس حتى لا يراني ابن السبيل والضيف، ولكن أنزل الفضاء، وأرفد من السهل من استرفدني، وأعين من استعانني، ومخافة منصوب على أنه مفعول له أو على المصدر.
وإن تبعني في حلقة القوم تلقـنـي

وإن تقتنصني في الحوانيت تضطد
يقول: إن تطلبني في مواضع تجمع فيها الناس للمشورة وإجالة الرأي تلقني لما عندي من الرأي لا أتخلف عنهم وإن تطلب صيدي في حوانيت الخمارين تجدني أشرب وأسقي من يحضرني، والحانوت يذكر ويؤنث. والحوانيت [بيوت] الخمارين، والحوانيت أيضا الخمارون، ويروى تلتمسني.
متى تأتني أصبحك كـأسـا روية

وإن كنت عنها غانيا فاغن وازدد
ويروى وإن تأتني، ويروى وإن كنت ذا غنى فاستغن وازدد والصبوح شرب الغداة، والكأس مؤنثة، والمعنى متى تأتني تجدني قد أخذت خمرا كثيرا مروية لمن يحضرني، ومعنى فاغن وازدد: فاغن بما عندك وازدد.
وإن يلتق الحي الجميع تلاقنـي

إلى ذروة البيت الرفيع المصمد
يقول إذا التقى الحي الجميع الذين كانوا متفرقين للمفاخرة وذكر المعالي تجدني في الشرف، وإلى ذروة أي مع ذروة، وذروة كل شيء أعلاه، والمصمد الذي يصمد إليه في الحوائج والأمور أي يقصد.
نداماي بيض كالنجوم وقـينة

تروح علينا بين برد ومجسد
نداماي بيض الوجوه ويروى ألفنا الندامي [كالنجوم] الأصحاب الذين يتواصلون على الشرب يقال فلان نديم فلان، إذا شاربه، وفلان نديمه فلان، ويقال ذلك إذا صاحبه، وحدثه، وإن لم يكونا على شراب وإنما سمي النديم نديما لندامة جذيمة حينما قتل جذيمة مالكا وعقيلا للذين أتياه بعمرو ابن أخته، فسألاه أن يكونا في سمره، فوجد عليهما فقتلهما. ثم ندم فسمى كل شارب نديما، ويقال من الندم ندمان وندمى، وقيل الأصل فيهما واحد لأنه إنما قيل للمتواصلين ندامى؛ لأنهم يجتمعون على ما يندم عليه من إتلاف المال، وقوله كالنجوم أي هم أعلام، والقينة: الأمة مغنية كانت غير مغنية، وإنما قيل لها: قينة لأنها تعمل بيدها مع غنائها والعرب تقول لكل من يصنع بيده شيئا قين.
وقال أبو عبيدة القينات: الإماء المديدات وقال الأصمعي: كل عامل بحديدة قين والفعل منه قان يقين قينا فهو قاين، والمفعول مقين. والمجسد المصبوغ بالزعفران خاصة؛ لأنه يقال للزعفران جساد، والمجسد الثوب المصبوغ الذي قد يبس عليه الصباغ، ويقال جسد الدم إذا يبس عليه، ومعنى قوله بين برد مجسد أي عليها مجسد وقيل: معناه مرة تأتي وعليها المجسد، والمجسد أيضا الذي يلي الجسد من الثياب، وقيل في الذي يلي الجسد مجسدا بكسر الميم.
إذا رجعت في صوتها خلت صوتها

تجاوب اظآر علـى ربـع ردي
رحيب قطاب الجيب منها رفـيقة

بجسى الندامى بضة المتـجـرد
ويروى رحيب قطاب الجيب، وقطاب الجيب: مجتمع الجيب، قطب أي جمع وقطب ما بين عينيه: أي جمع وجاء الناس قاطبة أي جميعا، وجس الندامى: الجس والمس واحد، وجس الندامى: أن يجسوا بأيديهم يلمسونها كما قال الأعشى
[ورادعة بالمسك صفراء عندنـا]

لجس الندامى في يد الدرع مفتق
وذلك أن القينة تفتق كمها إلى الرفغ فإذا أراد الرجل أن يلمس منها شيئا أدخل يده فلمس، ويد الدرع كمه. وقال بعضهم: "تجس الندامى" مما يطلب الندامى اقترابها وعناقها، والجس بمعنى الطلب وقطاب يرتقع برحيب، ومعنى قوله: رحيب قطاب الجيب أن عنقها واسع فتحتاج إلى أن يكون جيبها واسعا، والبضة البيضاء الرخصة والمتجرد جسدها المتجرد من الثياب.
إذا نحن قلنا أسمعينا انبرت لنا

على رسلها مطروفة لم تشدد
ويروى مطروقة: بالقاف، اسمعينا: غنينا، وانبرت: اعترضت. وعلى رسلها أي على هيئتها، أي ترنمت برفق، وقيل انبرت: قصدت إلى ما أردناه منها، ومطروفة بالفاء، ومعناه ساكنة الطرف فاترته، كأنها طرفت عن كل شيء تنظر إليه. وقيل التي عينها إلى الرجال. ومن رواه مطروقة بالقاف فمعناه مسترخية أي غضيضة الطرف. وقيل: مسترخية لينة، ومنه سميت المطرقة: مطرقة، لأنها تلين ما يليها. ومنه قيل طراق لأنه يلين، ومنه ماء طرق: إذا خيض ومنه سمي الطراق لأن الناس فيهم من يفعل ذلك، وانبرت جواب إذا وهو العامل فيه، ومطروفة منصوب على الحال.
وما زال تشرابي الخمور، ولذتي

وبيعي، وإنفاقي طريفي ومتلدي
تشراب: تفعال من الشرب إلا أن تشرابا يكون للكثير، والشرب يقع للقليل والكثير.
وليس في كلام العرب اسم على تفعال بكسر التاء إلا أربعة أسماء، والخامس مختلف فيه، يقال تبيان، ويقال للقلادة تفصار. وتعشار، وتبراك موضعان والخامس المختلف فيه تمساح وتمسح، وتمساح أكثر وأفصح، والطارف والطريف ما استحدثه الرجل، واكتسبه والمتلد والتالد والتليد، والتلاد ما ورثه عن آبائه ومعناه المتولد والتاء بدل من الواو.
إلى أن تحامتني العشيرة كلها

وأفردت إفراد البعير المعبد
تحامتني: تركتني، واتقتني، العشيرة: أهل بيته، ويدخل فيهم غيرهم ممن خالطهم، وأفردت إفرادا مثل إفراد البعير، والمعبد: الأجرب وقيل هو المهنوء الذي سقط وبره، فأفرد عن الإبل. أي تركت ولذاتي لما رأت أني لا أكف عن إتلاف المال والاشتغال باللذات.
رأيت بني غبراء لا ينكروننـي

ولا أهل هذاك الطراف الممدد
الغبراء: الأرض، وبنو غبراء: الفقراء، وتدخل فيهم الأضياف، والمعنى أنهم يجيئون من حيث لا يحتسبون، وأهل مرفوع معطوف على الضمير الذي في ينكرونني وقال الله تعالى (سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا)، والطراف قبة من أدم يتخذها المياسير، والأغنياء، والممدد الذي قد مد بالأطناب، والطراف لفظه لفظ الواحد، ومعناه معنى الجمع.
ومعنى البيت أنه يخبر أن الفقراء يعرفونه لأنه يعطيهم، والأغنياء يعرفونه لجلالته.
ألا أيهذا اللائمي أحضر الـوغـى

وأن شهدت اللذات هل أنت مخلدي
ويروى: ألا أيها اللاحي أن أحضر الوغى، واللاحي: اللايم، لحاه يلحوه ويلحاه إذا لامه. ويروى ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى على إضمار أن، وهذا عند البصريين خطأ لأنه أضمر ما لا يتصرف، وأعمله فكأنه قد أضمر بعض الاسم، والزاجر الناهي.
ومن رواه بالرفع فهو على تقديرين أحدهما أن يكون تقديره: أن أحضر فلما حذف أن رفع. ومثله على مذهب سيبويه قوله [تعالى] (أفغير الله تأمروني أعبد) المعنى عنده أن أعبد.
والقول [الآخر] في رفع أحضر وهو قول أبي العباس أن يكون في موضع الحال، ويكون وأن أشهد معطوف على المعنى لأنه لما قال أحضر: دل على الحضور كما تقول من كذب كان شرا له، أي كان الكذب شرا له، وقوله أحضر مفرد دل على الصحيح.
وقوله هل أنت مخلدي؟ أي هل أنت مبقيني؟ ومعنى البيت ألا أيهذا اللائمي في حضور الحرب لئلا أقتل وفي إنفاق مالي لئلا افتقر، ما أنت مخلدي إن قبلت منك، فدعني أنفق مالي ولا أخلفه.
فإن كنت لا تسطيع دفع منيتي

فدعني أبادرها بما ملكت يدي
أي فدعني ولذتي من قبل أن يأتيني الموت، وقيل معناه أبادر المنية بإنفاق ما ملكت يدي في لذاتي، وتسطيع بمعنى تستطيع فأسقط التاء.
فلولا ثلاث هن من عيشة الفتى

وحقك لم أحفل متى قام عودي
وحقك قبل معناه: ونفسك، وقيل وأبيك، ولم أحفل: أي لم أبال، وعود جمع عائد من يحضره عند مرضه وموته ويبكي عليه أي لم أبال متى بنت.
فمنهن سبق العاذلات بـشـربة

كميت متى ما تعل بالماء تزبد
ويروى سبقي، والكميت الخمر التي تضرب إلى السواد، تعل تمزج به. بريد أنهاعتيقة.
وكري إذا نادى المضاف محنبا

كسيد الغضا نبهته المتـورد
كري: عطفي، والمضاف الذي قد أضافته الهموم، والمحنب: الغر الناتئ العظام، وإن شئت قلت فرس أقنى العظام، والسيد الذئب والغضا: شجر ذبابه أخبث الذباب، ونبهته: هيجته، والمتورد: الذي يطنب الورد، ومحنبا منصوب بكري والمعنى كري فرسا محنبا والكاف من قوله كسيد الغضا في موضع نصب لأنها من نعت المحنب.
وتقصير يوم الدجن والدجن معجب

ببهكنة تحت الطراف المعـمـد
الدجن: الندى أو المطر الخفيف، وقيل هو إلباس الغيم السماء، وإن لم يكن مطرا يقول أقصره باللهو، ويوم اللهو وليلته قصيران.
وقوله، والدجن معجب: أي يعجب من رآه، والبهكنة التامة الخلق، ويروى هيكلة والهيكلة العظمية الألواح والعجيزتين، والفخذين، ويروى تحت الخباء، وهو بيت من شعر أو أدم، والمعمد الذي له أعمدة.
كأن البرين والدماليج علـقـت

على عشر أو خروع لم يخضد
البرين: الخلاخيل واحدتها برة، والعشر شجر أملس مستو ضعيف العود. شبه عظامها وذراعيها به لملاسته، واستوائه وكل ناعم خروع. لم يخضد: لم يثن يقال خضدت العود أخضده خضدا؛ إذا أثنيته لتكسره وفي برين لغات من العرب من يجعل إعرابه في النون، ومنهم من يجعله بمنزلة مسلمين والدماليج جمع دملج، وكان يجب أن يقول دمالج، فيجوز أن يكون جمعا على غير واحد، ويجوز أن يكون أشبع الكسرة فتولد منها ياء، ويجوز أن يكون بناؤه على دملوج وهو الوجه.
فذرني أروي هامتي في حياتها

مخافة شرب في الحياة مصرد
الشرب بكسر الشين وبالضم اسمان للمشروب، والشرب بالفتح مصدر، وقد تكون الثلاثة مصدرا، والمصرد: المقلل والمنغص.
كريم يروي نفسه في حـياتـه

ستعلم إن متنا غدا أينا الصدي؟
ويروى إذا متنا صدى أي عطشا، والصدي العطشان، ويروى صدى بفتح الصاد ويروى صدا، والمراد بالصدي في هذه الرواية، ما كانت العرب تزعمه في الجاهلية: إن الرجل إذا قتل، ولم يدرك بثأره، خرج من رأسه طائر يشبه البوم، فيصيح اسقوني، فإذا أخذ بثأره سكن، والصدى في هذا قالوا بدن الميت، والصوت الذي يسمعه من ناحية الجبل ونحوه.
وذكر البوم، ويقال له هو صدي مال أي الذي يقوم به، وقوله يروي نفسه أي من الخمر ثم حذف ليعلم المخاطب، ومن روى صدى بالإضافة أراد الصدى أينا العطشان والصدى أيضا حشوة الرأس، وكانوا في الجاهلية يقولون إذا مات الميت خرجت من قبره هامة تزقو عليه، وكانوا يسمون الصوت الصدى، فأبطل ذلك الإسلام، فقال عليه السلام: لا عدوى ولا هامة ولا صفر.
أرى قبر نحام بخيل بمـالـه

كقبر غوي في البطالة مفسد
النحام: الزحار عند السؤال؛ البخيل. يقول هذا الشحيح بماله، عند أداء الحق وعند السؤال، وعند لذاته، وهذا المبذر لماله في قضاء حقوقه، وحقوق أصحابه، واستمتاعه بلذاته، وفضله على من ينفق عليه يصيران إلى الموت، فلا ينتفع الشحيح بماله ولا يضر هذا ما أنفقه في أوطاره، والغوي الجاهل والغوي الذي يتبع هواه، ولذاته.
ترى حثومتين من تراب عليهما

صفائح صم من صفيح منضد
والجثوة التراب المجموع، يقال للرجل: إنما هو جثوة اليوم أو غد، ويقال لكل مجتمع جثوة، والجمع جثي. وفي الحديث (من دعاء دعاء الجاهلية فإنه من جثى جهنم) أي من جماعات جهنم.
ويروى من جثي وهو جامع جاث، والصفائح صخور عريضة رقاق، الصم: المصمتة والمنضد الذي نضد بعضه على بعض.
أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي

عقيلة مال الفاحش المـتـشـدد
يعتام: يختار، يقال اعتامه، واعتماه إذا اختاره كل من خيرته، وأنفسه عند أهله. ويروى يغتام الكرام، يقال أخذت غيمة ماله أي خياره. ويصطفي: يختار صفوته، والفاحش القبيح السيئ الخلق، والمتشدد: البخيل وكذلك الشديد قال الله تعالى (وإنه لحب الخير الشديد) قال أبو العباس إنه من أجل حب المال لبخيل.
[أرى الموت أعداد النفوس، ولا أرى

بعيدا غدا ما أقرب اليوم من غد؟]
أرى الدهر كنزا ناقصا كـل لـيلة

وما تنقص الأيام والدهـر ينـفـد
أراد أهل الدهر، ويروى أرى العيش، وأرى العمر.
والكنز ما حفظ وقوله، وما تنقص الأيام أي ما تنقصه الأيام ينفد.
لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى

لكالطول المرخى وثنياه بالـيد
العمر والعمر والعمر، ولا يستعمل في القسم إلا بفتح العين والطول الحبل، وثنياه ما ثني منه، ويقال طرفاه؛ لأنهما يثنيان.
أي إن عمره بمنزلة حبل ربطت به دابة يطول لها في الكلأ حتى ترعاه، فيقول الإنسان: قد مد له في أجله، وهو آتية لا محالة.
وهو في يدي من يملك قبض روحه كما أن صاحب الفرس الذي قد طول له إذا شاء جذبه.
وموضع ما نصب في تقدير المصدر.
متى ما يشأ يوما يقده لحتفـه

ومن يك في حبل المنية ينقد
فما لي أراني وابن عمي مالكا

متى أدن منه ينأ عني ويبعد
إي إذا أردت وده ودنوه تباعد عني، والنأي والبعد معناهما واحد وإنما جاء بهما لأن اللفظتين مختلفتان، وإنما المعنى يبعد بعد ذلك البعد بعدا آخر.
يلوم وما أدري عـلام يلـومـنـي

كما لامني في الحي قرط بن أعبد
قرط رجل لامه على ما يجب أن يلام عليه ويردى ابن معبد.
وآيسني من كل خير طلبـتـه

كأنا وضعناه إلى رمس ملحد
ويروى وأيأسني... على رمس ملحد.
أي جعلني ذا يأس من كل خير فهو بمنزلة الموتى، إذ كان لا يرجى منهم خير، والرمس: القبر، الملحد: اللحد.
على غير ذنب قلته غير أنني

نشدت فلم أعقل حمولة معبد
معبد أخو طرفة؛ قال ابن الأعرابي كان لطرفة ولأخيه إبل يرعيانها يوما ويوما، فلما أغبها طرفة، قال له أخوه معبد: لم لا تسرح في إبلك كأنك ترى أنها إن أخذت يردها شعرك هذا؟ قال فإني لا أخرج فيها أبدا حتى تعلم أن شعري سيردها إن أخذت. فتركها، فأخذها عامر بن مضر فادعى جوار عمرو وقابوس، ورجل من اليمن يقال له بشر بن قيس فقال في ذلك طرفة: أعمرو بن هند ما ترى رأي صرمة؟ وقال غيره: هذه إبل ضاعت لمعبد، فسأل طرفة ابن عمه مالكا أن يعينه في طلبها.
وقوله: فلم أعقل، أراد نشدت حمولة معبد فلم أعقل، وأعمل الفعل الثاني، ولو أعمل الأول لقال فلم أعقلها.
ويروى فلم أغفل حمولة معبد أي فلم أغفل عن ذلك.
يقول: لامني على غير ذنب كل مني إليه إلا أنني طلبت حمولة معبد وغير منصوبة على الاستثناء؛ وهو استثناء ليس من الأول، وعلى متعلقه بلامني ويحتمل أن تكون متعلقة بأيأسني.
وقربت بالقربى وجدك أنني

متى يك أمر للنكيثة أشهد
أي أدللت على مالك بالقرابة والنكيثة بلوغ الجهد، ويقال النكيثة شدة النفس، بتعت نكثة البعير: إذا أجهدته في السير، فلم يبق من سيره شيء، وقوله: وجدك أي وحظك يخاطب مالكا ويقول: أذللت بما بيني وبينك من القرابة. وحلف أنه متى يك أمر للنكيثة يشهد ذلك الأمر، ويعينه على حضوره، ويروى وجدك إنه والهاء للأمر والشأن.
وإن أدع في الجلى أكن من حماتها

وإن يأتك الأعداء بالجهد أجهـد
ويروى للجلى والجلاء: الأمر العظيم الجليل، وقال يعقوب الجلى فعلى من الأجل كما تقول العظمى، والأعظم، وقال غيره الجلى بضم الجيم مقصورة، فإذا فتحت جيمها مددت، فقلت الجلاء.
وقال أبو جعفر النحاس: الجلى الأمر الجليل، وأنثه على معنى القصة والحال، ويقال جليل وجلال كما يقول طويل وطوال، وقولهم جلل للعظيم على بابه، وجلل للصغير على بابه من الجلى، وهو الشيء الذي لا يعبأ به، ويجوز أن يكون جلل لما جاوز في العظم والصغر، وقالوا في قوله تعالى (إن الله لا يستحى أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقهما) في الصغر.
وإن يقذفوا بالقذع عرضك أسقهم

بكأس حياض الموت قبل التهدد
ويروى "بشرب حياض الموت قبل التنجد" القذع اللفظ القبيح، والشتم الفاحش، والعرض النفس، أي أن شتمك الأعداء عاقبتهم قبل أن أتهددهم والتنجد: الاجتهاد.
بلا حدث أحدثتـه وكـمـحـدث

هجائي وقذفي بالشكاة ومطردي
الباء في بلا حدث يجوز أن تكون متعلقة بينأ عني، ويجوز أن تكون متعلقة بقوله يلوم، وبقوله وأيأسني من كل خير، والكاف في كمحدث في موضع رفع المعنى هو كمحدث وهجائي أي هو معتمد علي ويجوز أن يكون المعنى وأنا كمحدث هجائي أي قد صيرتني بمنزلة من قد فعل هذا به ومنه روي مطرد بضم الميم، فهو من أطرده إذا جعله طريدا ومن فتح الميم، فهو من طرده إذا أنجاه.
ومن روى كمحدث بفتح الدال فمن كسرها أراد الرجل الذي هجاني كرجل أحدث حدثا عظيما، ومن فتحها أراد هجائي كأمر محدث عظيم.
قال الأصمعي: يقال هجا غرثه، وأهجى غرثه إذا كسره والهجاء الذم، وفلانة تهجو زوجها أي تذم صحبته، وقال في قوله كمحدث بفتح الدال أي كأحداث شكايته.
فلو كان مولاي امرءاً هو غيره

لفرج كربي أو لأنظرني غدي
ويروى، فلو كان مولاي ابن اصرم مسهر ومولاي في موضع نصب خبر كان في هذه الرواية، وفي الرواية الأولى في موضع رفع اسم كان ويجوز أن يروى فلو كان مولاي امرؤ على أن يكون امرؤ اسم كان ومولاي الخبر ويكون قوله:
كأن سبيئة من بـيت رأس

يكون مزاجها عسل وماء
إلا أنه في بيت طرفة أحسن، لأنه وصله بقوله: هو غيره، فقارب المعرفة وقوله لفرج كربي أي أعانني على ما نزل بي من الهم أو لأنظرني إلى غدي تأنى علي فلم يعجلني.
ولكن مولاي امرؤ هو خانـقـي

على الشكر والتسآل أو أنا مفتدي
معناه: يسألني أن أشكر أو أفندي منه. وقال الأصمعي: أو أنا مفتد منه، ويروى أو أنا معتدي أي معتد عليه.
وظلم ذوي القربي أشد مـضـاضة

على المرء من وقع الحسام المهند
قيل أن هذا البيت لعدي بن زيد العبادي وليس من هذه القصيدة وقوله أشد مضاضة أي أشد حرقة من قولهم مض وأمض.
فذرني وخلقي، إنني لك شاكر

ولو حل نائيا عند ضرغـد
ضرغد اسم جبل وهو حرة بأرض غطفان.
فلو شاء ربي كنت قيس بن خـالـد

ولو شاء ربي كنت عمرو بن مرثد
قال أبو عبيدة قيس بن خالد من بني شيبان، وعمرو بن مرثد ابن عم طرفة. فلما بلغ الخبر عمرو بن مرثد، وجه إلى طرفة فقال له: أما الولد فإن الله يعطيكم وأما المال، فسنجعلك به أسوتنا، فدعا ولده، وكانوا سبعة، فأمر كل واحد، فدفع إلى طرفة عشرا من الإبل، ثم أمر ثلاثة من بني بنيه، فدفع كل منهم إلى طرفة عشرا من الإبل.

فألفيت ذا مال كثير وعادني

بنون كرام سادة لمسـود
ويروى لموسد، ويروى فأصبحت ذا مال، يقال عادني واعتادني، وزارني وازدراني.
وقوله: سادة لمسودة أي سادة سيد كما يقال شريف لشريف أي شريف ابن شريف.
أنا الرجل الضرب الذي تعرفونه

خشاش كرأس الحبة المتوقـد
الضرب: الرجل الخفيف اللحم، يقول أنا الضرب الذي عرفتموه، والعرب تمدح بخفة اللحم لأن كثرته داعية للكسل، والفشل والثقل، ويمنع من الإسراع في دفع الملمات، وكشف المهمات، ويروى الجعد أي المجتمع الشديد والخشاش الرجل الذي يخش في الأمور ذكاء ومضاء.
روى الأصمعي خشاش بكسر الخاء، ويروى بحاء مهملة، وقال: كل شيء خشاش بالكسر إلا خشاش الطير لخسيسه. وقوله: كرأس الحية، العرب تقول لكل متحرك نشيط: رأسه كرأس الحية، وأما الحديث الذي روى في صفة الدجال كان رأسه أصلة فإن الأصلة الأفعى، والمتوقد: الذكي، يقال توقدت النار توقدا، ووقدت تقد وقدانا ووقدا ووقدة.
فآليت لا ينفك كشحي بطـانة

لعضب رقيق الشفرتين مهند
ويروى لأبيض عضب، ومعناه لا يزال جنبي لاصقا بالسيف.
حسام إذا ما قمت منتـصـرا بـه

كفى العود منه البدء ليس بمعضد
الحسام: القاطع، وقوله كفى العود أي كفت الضربة الأولى من أن يعود. وقولهم رجع عوده على بدئه أي رجع ناقضا لمجيئه.
وعوده منصوبا لأنه في موضع الحال عند سيبويه، ويجوز أن يكون مفعولا به لأنه يقال رجع الشيء ورجعته، ويجوز عوده على بدئه أي وهذه حاله، كما تقول كلمته فوه إلى في، وإن شئت نصبته. والمعضد الكال الذي يعضد به الشجر، وقوله: منتصرا معناه متابعا للضرب. ويقال قد تناصر القوم على رؤية الهلال إذا تتابعوا، ونصر الله أرض بني فلان إذا جادها بالمطر ويقال منتصرا أي ناصرا.
أخي ثقة لا ينثني عن ضريبة

إذا قيل مهلا قال حاجزه قد
لا ينثني: لا ينبو، ولا يعوج، والضريبة المضروبة، وحاجزه حده، قد أي قد فرغ.
إذا ابتدر القوم السلاح وجدتني

منيعا إذا بلت بـقـائمة يدي
أي إذا عجلوا إليه وتبادروا، ومنه يقال ناقة بدرية إذا كانت تبكر اللقاح وتنتج قبل الإبل، وذلك من فضل قوتها وجودتها، قال الراجز:
لسالم إن سكت العشية

عن البكاء ناقة بدرية
والسلاح يذكر ويؤنث. ويروى وجدتني بضم التاء. المنيع الذي لا يوصل إليه، وبلت ظفرت، وتمكنت وقائم السيف مقبضه.
وبرك هجود قد أثارت مخافتي

نواديها، أمشي بعضب مجرد
البرك القطعة من الإبل، وقال أبو عبيدة: البرك ما يقع على جميع ما يبرك من الجمال والنوق على الماء وبالفلاة، ومن حر الشمس أو السبع الواحد بارك، والأنثى باركة، وقيل برك لاجتماع مباركها. ويقال للمصدر برك وبركة، ويقال: إن البركة مشتقة من البرك لأن معناها خير مقيم، وسرور يدوم.
وقوله مبارك معناه الخير يأتي بنزوله، وتبارك الله منه. ونواديها: ما ند منها. ويروى هواديها وهو أوائلها.
ويروى بواديها، وإنما خص النوادي لأنه أراد لا تفلت من عقري ما قرب ولا ما شذ، وأمشي حال. أي قد أثارت مخافتي نوادي هذه البرك في حال مشيي إليه بالسيف مجردا مسلولا.
فمرت كهاة ذات خيف جلالة

عقيلة شيخ بالوبيل يلـنـدد
أي الناقة، والكهاة الضخمة السمينة، والخيف جلد الضرع الأعلى الذي يسمى الجراب، وناقة خيفاء إذا كان ضرعها كبيرا، والجلالة والجليلة العظيمة، والوبيل: العصا، وقيل هي خشبة القصارين، وكل ثقيل وبيل، واليلندد الشديد الخصومة.
يقول وقد نز الوظيف وساقها

ألست ترى أن قد أتيت بمؤيد
نز الوظيف وأنزرته: قطعته. والوظيف عظم الساق، والذراع. بمؤيد: الداهية ويروى بمؤبد: أي جئت بأمر شديد تشدد فيه من عقرك هذه الناقة.
وقال ألا ماذا ترون بشارب

شديد علينا بغية متعمـد
ويروى بسخطه متعبد، والمتعبد الظلوم قال الشاعر:
يرى المتعبدون علي دوني

أسود خفية القلب الرقابا
وموضع ماذا نصب بترون، ويجوز أن تجعل ما في الوضع رفع ويكون التقدير ما الذي ترون بشارب؟
فقال ذروه إنما نفعـهـا لـه

وإلا تردوا قاصي البرك يزدد
وروى الحسن بن كيسان فقالوا ذروه، وهو الصواب لأن معناه وقال الشيخ يشكو طرفة إلى الناس، فقالوا يعني الناس ومن روى فقال فروايته بعيدة، لأنه يحتاج إلى تقدير فاعل، والهاء في قوله ذروه تعود على طرفة وكذلك في قوله نفعها له.
وقال أبو الحسن الهاء في قوله ذروه عائد يعود على طرفة وفي قوله نفعها له على الشيخ، وقاصي البرك منه إن لم تردده يزد في عقره. ويروى تزدد بالتاء؛ أي تزداد نفارا أي ذروه ولا تلتفتوا إليه واطلبوا أقاصي البرك لا يذهب على وجهه.
فظل الإماء يمتللـن حـوارهـا

ويسعى علينا بالسديف المسرهد
الإماء: الخدم الواحدة أمة، وقد تجمع أموان، والجمع المسلم أموات وحكى الكوفيون أميات يمتللن أي يشوين في الملة وهي الرماد والتراب الحار، وقولهم أطعمنا ملة خطأ، لأن الملا الرماد، ويحتمل أن يكون المراد، أطعمنا خبر ملة. فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه كقوله تعالى (واسئل القرية)، والحوار ولد الناقة، والسديف شطائف السنام الوحدة شطيبة، وهو ما قطع منه طولا، والمسرهد الناعم الحسن الغذاء.
فإن مت فانعيني بما أنا أهلـه

وشقي علي الجيب يا بنة معبد
أي اذكريني، واذكري من فعالي ما أنا أهله يقال فلان ينعى على فلان ذنوبه إذا كان يعددها عليه وابنة معبد هي ابنة أخيه.
ولا تجعليني كامرئ ليس هـمـه

كهمي ولا يغني غنائي ومشهدي
أي لا يغني عني في الحرب غنائي ومشهدي في المجالس والخصومات، والغنى يمد ويقصر، فإذا فتح أوله مد وإذا كسر قصر، وهو ضد الفقر.
بطيء عن الجلى سريع إلى الخنا

ذليل بأجماع الرجال مـلـهـد
ويروى ذلول، والجلى: الأمر العظيم الذي يدعى له ذوو الرأي، والخنا الفساد في المنطق الذليل المقهور، والذلول ضد الصعب، وأجماع جمع جمع وهو ظهر الكف إذا أنك جمعت أصابعك، وضممتها والملهد: المضروب.
فلو كنت وغلا في الرجال لضرني

عداوة ذي الأصحاب والمتوحـد
الوغل: الرجل الضعيف الخامل الذي لا ذكر له. والواغل الداخل على القوم من غير أمرهم، والواغل أيضا الذي يحضر الشراب ولم يدع إليه.
والوغل بسكون الغين الشراب الذي لم يدع إليه الرجل، والمتوحد: المنفرد.
ولكن نفى عني الأعادي جراءتي

عليهم وإقدامي وصدقي ومحتدي
ويروى ولكن نفى عني الرجال جراءتي والتقدير ولكن نفى عين الأعداء جرأتي، والمحتد: الأصل، يقول محتدي وصدقي وجرأتي نفين عني إقدام الرجال بالإساءة إلي.
لعمرك ما أمري علي بغـمة

نهاري ولا ليلي علي بسرمد
الغمة الأمر الذي لا تهتدي إليه والمعنى إني لا أتحير في أمري نهارا ولا أؤخره علي لئلا يطول الليل السرمد الطويل.
ويوم حسبت النفس عند عراكه

حفاظا على عوراته والتهدد
ويروى عند عراكها، ويروى على روعاته، وأصل العراك الازدحام. أي جرت النفس عند ازدحام القوم في الحرب، الخصومات على روعات اليوم، ومن روى عراكه أي عراك اليوم، ومن روى عراكها أراد الحرب.
على موطن يخشى الفتى عنده الردى

متى تعترك فيه الفرائص ترعـد
الموطن هنا مستعر الحرب، والردى الهلاك، والفرائص جمع فريصة وهي المضغة التي تحت الثدي مما يلي الجنب عند مرجع الكتف، وهو أول ما يرعد عند الإنسان إذا فزع، ومن كل دابة، وعلى ما تتعلق بقوله حبست في البيت الذي قبله.
[أرى الموت لا يرعى على ذي جلالة

وإن كان في الدنيا عزيزا بمعقعـدا
وأصفر مضبوح نـظـرت حـواره

على النار واستودعته كف مجـمـد
عنى بالأصفر قدحا، وإنما جعله أصفر؛ لأنه من نبع أو سدر، والأصفر ها هنا الأسود والمضبوح التي قد غيرتها النار، والحوار: المرد يقال ما أدري من حوار هذا الكلام والحوار مصدر حاورته، وعلى النار أي عند النار وذلك في شدة البرد، وكانوا يوقدون النار وينحرون الجزور، ويضربون عليها بالقداح، وأكثر ما يفعلون ذلك بالعشي عند مجيء الضيف.
وقوله: نظرت حواره انتظرت حواره، وقوله: واستودعته كف مجمد، المجمد الذي يضرب بالسهام والمجمد الذي يأكل بكلتا يديه، ولا يخرج من يديه شيء يقال أجمد الرجل إذا لم يكن عند خير.
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا

ويأتيك بالأخبار من لم تزود
أي ستظهر لك الأيام ما لم تكن تعلمه، ويأتيك بالأخبار من لم تسأله وقيل ستطلعك الأيام على ما تغفل عنه.
ويأتيك بالأخبار من لم تبـغ لـه

بتاتا ولم تضرب له وقت موعد
تبع له بتاتا أي تشتري له زادا.
لعمـرك مـا الأيام إلا مـعـارة

فما استطعت من معروفها فتزود
قوله: لعمرك، لعمر بفتح العين والضم واحد، ولكنهم لا يستعملون في القسم إلا الفتح لكثرة استعمالهم إياه وعمرك مرفوع على الابتداء والخبر محذوف والمعنى لعمرك والله الموفق وإليه المرجع والمآب.
ولا خير في خير ترى الـشـر دونـه

ولا نـائل يأتـيك بـعـد الـتـلـدد
عن المرء لا تسأل وسل عن قـرينـه

فإن القرين بالـمـقـارن يقـتـدي
لعمـرك مـا أدري وإنـي لـواجـل

أفي اليوم إقـدام الـمـنـية أم غـد
فإن تلك خلفـي لا يفـتـهـا سـواديا

وإن تك قدامي أجدهـا بـمـرصـد
إذا أنت لـم تـنـفـع بـودك أهـلـه

ولم تنك بالبؤسى عـدوك فـابـعـد
[و] لا يرهب ابن العم ما عشت صولتي

ولا أختني من صولـه الـمـتـهـد
وإنـي وإن أوعـدتـه أو وعـدتــه

لمخلف إيعادي ومنجـز مـوعـدي



شرح معلقة طرفة بن العبد

خولة : اسم امرأة كلبية ، الطلل : ماشخص من رسوم الدار ، والجمع أطلال وطلول ، البرقة والأبرق والبرقاء : مكان اختلط ترابه بحجارة أو حصى ، والجمع الأبارق والبراق والبرق ، ثهمد : موضع ، تلوح : تلمع ، واللوح اللمعان ، الوشم : غرز ظاهر اليد وغيره بإبرة وحشو المغارز بالكحل أو النقش بالنيلج ، ومنه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لعن الله الواشمة والمستوشمة " يقول : لهذه المرأة أطلال ديار بالموضع الذي يخالط أرضه حجارة وحصى من ثهمد فتلمع تلك الأطلال لمعان بقايا الوشم في ظاهر الكف
1
تفسير البيت هنا كتفسيره في قصيدة أمرىء القيس ، التجلد : تكلف الجلادة ، أي التصبر
2
الحدج : مركب من مراكب النساء ، والجمع حدوج وأحداج ، المالكية : منسوبة إلى بني مالك قبيلة من كلب ، الخلايا: جمع الخلية وهي السفينة العظيمة ، السفين : جمع سفينة ، النواصف : جمع الناصفة ، وهي أماكن تتسع من نواحي الأودية مثال السكك وغيرها ، دد ، قيل : هو اسم واد في هذا البيت ، وقيل دد مثل يد ، يقول : كأن مراكب العشيقة المالكية غدوة فراقها بنواحي وادي دد سفن عظام . شبه الشاعر الإبل و عليها الهوادج بالسفن العظام ، وقيل : بل حسبها سفنا عظاما من فرط لهوه وولهه ، إذا حملت ددا على اللهو ، وإن حملته على أنه واد بعينه فمعناه على القول الأول
3
عدولي : قبيلة من أهل البحرين ، وابن يامن : رجل من أهلها ، الجور : العدول عن الطريق ، والباء للتعدية ، الطور : التارة ، والجمع الأطوار يقول : هذه السفن التي تشبهها هذه الإبل من هذه القبيلة أو من سفن هذا الرجل ، الملاح يجريها مرة على استواء واهتداء ، وتارة يعدل بها فيميلها عن سنن الاستواء ، وكذلك الحداة تارة يسوقون هذه الإبل على سمت الطريق ، وتارة يميلها عن الطريق ليختصروا المسافة ، وخص سفن هذه القبيلة وهذا الرجل لعظمها وضخمها ثم شبه سوق الإبل تارة على الطريق وتارة على غير الطريق بإجراء الملاح السفينة مرة على سمت الطريق ومرة عادلا عن ذلك السمت
4
حباب الماء : أمواجه ، الواحدة حبابة ، الحيزوم : الصدر ، والجمع : الحيازم ، الترب والتراب والترباء والتورب والتيراب والتوراب واحد ، الفيال : ضرب من اللعب ، وهو أن يجمع التراب فيدفن فيه شيء، ثم يقسم التراب نصفين ، ويسأل عن الدفين في أيهما هو ، فمن أصاب فسمر ومن أخطأ فمر ، يقال : فايل هذا الرجل يفايل مفايلة وفيالا إذا لعب بهذا الضرب من اللعب . شبه الشاعر شق السفن الماء بشق المفايل التراب المجموع بيده
5
الأحوى : الذي في شفتيه سمرة ، يقال : حوي الفرس مال إلى السواد ، فعلى هذا شادن صفة أحوى ، وقيل بدل من أحوى ، وينفض المرد صفة أحوى ، الشادن : الغزال الذي قوي واستغني عن أمه ، المظاهر : الذي لبس ثوبا فوق ثوب أو درعا فوق درع ، السمط : الخيط الذي نظمت فيه الجواهر ، والجمع سموط يقول : وفي الحي حبيب يشبه ظبيا أحوى في كحل العينين وسمرة الشفتين في حال نفض الظبي ثمر الأراك لأنه يمد عنقه في تلك الحال ، ثم صرح بأنه يريد إنسانا ، وقال قد لبس عقدين أحدهما من اللؤلؤ والآخر من الزبرجد ، شبهه بالظبي في ثلاثة أشياء : في كحل العينين وحوة الشفتين ، وحسن الجيد ، ثم أخبر أنه متحل بعقدين من لؤلؤ وزبرجد
6
خذول : أي خذلت أولادها ، تراعي ربربا: أي ترعى معه ، الربرب : القطيع من الظباء وبقر الوحش ، الخميلة : رملة منبتة ، البرير: ثمر الأراك المدرك البالغ ، الواحدة بريرة ، الارتداء والتردي : لبس الدراء يقول : هذه الظبية التي اشبهها الحبيب ظبية خذلت اولادها وذهبت مع صواحبها في قطيع من الظباء ترعى معها في أرض ذات شجر أو ذات رملة منبتة تتناول اطراف الأراك وترتدي بأغصانه ، شبه الشاعر طول عنق الحبيب وحسنه بذلك
7
الألمى : الذي يضرب لون شفتيه إلى السواد ، والانثى لمياء ، والجمع لمي ، والمصدر اللمى ، والفعل لمي يلمى ، البسم والتبسم والابتسام واحد ، كأن منورا يعني اقحوانا منورا ، فحذف الموصوف اجتزاء بدلالة الصفة عليه ، نور النبت خرج نوره فهو منور ، حر كل شيء: خالصة ، الدعص : الكثيب من الرمل ، والجمع الادعاص ، الندى يكون دون الابتلال ، والفعل ندي يندى ندى ، ونديته تندية يقول وتبسم الحبيبة عن ثغر ألمى الشفتين كأنه أقحوان خرج نوره في دعص ند يكون ذلك الدعص فيما بين رمل خالص لايخالطه تراب ، وإنما جعله نديا ليكون الاقحوان غضا ناضرا
8
إياة الشمس وإياها : شعاعها ، اللثة : مغرز الأسنان ، والجمع اللثات ، الإسفاف : إفعال سففت الشيء أسفه سفا ، الإثمد : الكحل ، الكدم : العض . ثم وصف ثغرها فقال : سقاة شعاع الشمس ، أي كأن الشمس أعارته ضوءها . ثم قال : إلا لثاته ، يستثنى اللثات لأنه لا يستحب بريقها . ثم قال : إلا لثاته ، يستثنى اللثات لأنه لا يستحب بريقها . ونساء العرب تذر الإثمد على الشفاه واللثات فيكون ذلك أشد لمعان الأسنان
9
التخدد : التشنج والتغضن يقول : وتبسم عن وجه كأن الشمس كسته ضياءها وجمالها ، فاستعار لضياء الشمس اسم الرداء ، ثم ذكر ان وجهها نقي اللون غير متشنج متغضن . وصف وجهها بكمال الضياء والنقاء والنضارة ، وجر الوجه عطفا على ألمى
10
الاحتضار والحضور واحد ، العوجاء : الناقة التي لا تستقيم في سيرها لفرط نشاطها ، المرقال : مبالغة مرقل من الإرقال : وهو بين السير والعدو يقول : وإني لأمضي همي وأنفذ إرادتي عند حضورها بناقة نشيطة في سيرها تخب حببا وتذمل ذميلا في رواحها واغتدائها ، يريد أنها تصل سير الليل بسير النهار ، وسير النهار بسير الليل ، يقول : وإني لأنفذ همي عند حضوره بإتعاب ناقة مسرعة في سيرها
11
الأمون : التي يؤمن عثارها ، الإران : التابوت العظيم ، نصأتها ، بالصاد ، زجرتها . ونسأتها ، بالسين ، أي ضربتها بالنسأة ، وهي العصا ، اللاحب : الطريق الواضح ، البرجد : كساء مخطط يقول : هذه الناقة الموثقة الخلق يؤمن عثارها في سيرها وعدوها ، وعظامها كألواح التابوت العظيم ، ضربتها بالمنسأة على طريق واضح كأنه كساء مخطط في عرضه
12
الجمالية : الناقة التي تشبه الجمل في وثاقة الخلق ، الوجناء : المكتنزة اللحم ، الرديان : عدو الحمار بين متمرغة وأربه ، السفنجة : النعامة ، تبري: تعرض ، والبري والانبراء واحد كذلك التبري ، الأزعر : القليل الشعر ، الاربد ك الذي لونه لون الرماد يقول : أمضي همي بناقة تشبه الجمل في وثاقة الخلق مكتنزة اللحم تعدو كأنها نعامة تعرض لظليم قليل الشعر يضرب لونه إلى لون الرماد ، شبه عدوها بعدو النعامة في هذه الحال
13
باريت الرجل : فعلت مثل فعله مغالبا له ، العتاق : جمع عتيق ، وهو الكريم ، الناجيات : المسرعات في السير ، الوظيف : ما بين الرسغ إلى الركبة وهو وظيف كله ، المور : الطريق ، المعبد : المذلل ، والتعبيد : التذليل والتأثير يقول : هي تباري إبلا كراما مسرعات في السير وتتبع وظيف رجلها وظيف يدها فوق طريق مذلل بالسلوك والطء بالاقدام والحوافر والمناسم في السير
14
التربع : رعي الربيع والإقامة بالمكان واتخاذه ربعا ، القف : ما غلظ من الارض وارتفع لم يبلغ أن يكون جبلا ، والجمع قفاف ، الشول : النوق التي جفت ضروعها وقلت ألبانها ، الواحدة شائلة ، بالتاء لا غير . ويقال : ناقة شائل وجمل شائل . والشول : الارتفاع ، الارتعاء : الرعي ، الحدائق : جمع حديقة ، وهى كل روضة ارتفعت أطرافها وانخفض وسطها ، والحديقة البستان أيضا ، المولي : الذي أصابه الولي وهو المطر الثاني من أمطار السنة ، سر الوادي وسراته : خيره أفضله كلأ ، والجمع الأسرة الأسرار ، الاغيد : الناعم الخلق ، وتأنيثه غيداء ، والجمع غيد ، ومصدره الغيد ، يقول : رعت هذه الناقة أيام الربيع كلا القفين ، بين نوق جفت ضروعها وقلت ألبانها ترعى في حدائق واد قد وليت أسرتها وهو مع ذلك ناعم التربة . وقوله : حدائق مولي الأسرة ، تقديره حدائق واد مولي الأسرة ، فحذف الموصوف ثقة بدلالة الصفة عليه
15
الريع : الرجوع ، والفعل راع يربع ، الإهابة : دعاة الإبل وغيرها ، يقال أهاب بناقته إذا دعاها ، الاتقاء : الحجز بين شيئين ، يقال : اتقى قرنه بترسه إذا جعل حاجزا بينه وبينه ، وقوله : بذي خصل ، أراد بذنب ذي خصل ، فحذف الموصوف اكتفاء بدلالة الصفة عليه ، والخصل جمع خصلة من الشعر وهي قطعة منه ، الروع : الافزاع ، والروعة فعلة منه ، وجمعها الروعات ، الأكلف : الذي يضرب إلى السواد ، الملبد : ذو وبر متلبد من البول والثلط وغيره ، روعات أكلف أي روعات فحل اكلف ، فحذف الموصوف يقول : هي ذكية القلب ترجع إلى راعيها وتجعل ذنبها حاجزا بينها وبين فحل تضرب حمرته إلى السواد متلبد الوبر ، يريد أنها لايمكنه من ضرابها فلا تلقح ، وإذا لم يصل الفحل إلى ضرابها لم تلقح وإذا لم تلقح كانت مجتمعة القوى وافرة اللحم قوية على السير والعدو
16
المضرحي : الأبيض من النسور ، وقيل : هو العظيم منها ، التكنف : الكون في كنف الشيئ وهو ناحيته ، الحفاف : الجانب ، والجمع الأحفة ، الشك : الغرز ، العسيب : عظم الذنب ، والجمع العسب ، والمسرد والمسراد : الاشفى ، والجمع المسارد والمساريد يقول : كأن جناحي نسر أبيض غرزا بإشفى في عظم ذنبها فصارا في ناحية . شبه الشاعر شعر ذنبها بجناحي نسر أبيض في الباطن
17
قوله : فطورا به ، يعني فطورا تضرب بالذنب ، الزميل : الرديف ، الحشف : الاخلاف التي جف لبنها فتشنجت ، الواحدة حشفة ، الشن : القربة الخلق ، والجمع الشنان ، الذوي : الذبول ، المجدد : الذى جد لبنه أي قطع يقول : تارة تضرب هذه الناقة ذنبها على عجزها خلف رديف راكبها وتارة تضرب على اخلاف متشنجة خلقة كقربة بالية وقد انقطع لبنها
18
النحض : اللحم ، وقوله : بابا منيف ، أى بابا قصر منيف ، فحذف الموصوف ، والمنيف : العالي ، والاناقة العلو ، الممرد : المملس ، ومن قولهم : وجه أمرد وغلام أمرد لا شعر عليه ، وشجرة مرداء لا ورق لها ، والممرد المطول أيضا ، وقد أول تعالى :"صرح ممرد من قوارير" بهما يقول : لهذه الناقة فخذان أكمل لحمهما فشابها مصراعي باب قصر عال مملس أو مطول في العرض
19
الطي : طي البئر ، المحال : فقار الظهر ، الواحدة محالة وفقارة ، الحني : القسي ، الواحدة حنية وتجمع أيضا على حنايا ، الخلوف: الأضلاع ، الواحد خلف ، الأجرنة : جمع جران ، وهو باطن العنق ، اللز : الضم ، الدأي : خرز الظهر والعنق ، الواحدة دأية وتجمع أيضا على الدأيات ، التنضيد مبالغة النضد : وهو وضع الشيئ على الشيئ ، والمنضد أشد من المنضود يقول : ولها فقار مطوية متراصفة متداخلة كأن الأضلاع المتصلة بها نسي ولها باطن عنق ضم وقرن إلى خرز عنق قد نضد على بعض
20
الكناس : بيت يتخذه الوحش في أصل شجرة ، والجمع الكنس ، وقد كنس الوحش يكنس كنسا وكنوسا : دخل كناسه ، الضال : ضرب من الشجر وهو السدر البري ، الواحدة ضالة ، كنفت الشيء : صرت في ناحيته ، أكنفه كنفا ، والكنف الناحية ، والجمع الأكناف ، الأطر : العطف ، والائتطرار الانعطاف ، المؤيد : المقوى ، والتأييد التقوية ، من الأيد والأد وهما القوة ، شبه إبطيها في السعة ببيتين من بيوت الوحش في أصل شجرة ، وشبه أضلاعها بقسي معطوفة يقول : كأن بيتين من بيوت الوحش في أصل ضالة صارا في ناحيتي هذه الناقة وقسيا معطوفة تحت صلب مقوى وسعة الإبط أبعد لها من العثار ، لذلك مدحها بها
21
الافتل : القوي الشديد ، وتأنيثه فتلاء ، السلم : الدلو لها عروة واحدة مثل دلاء السقائين ، الدالج : الذي يأخذ الدلو من البئر فيفرغها في الحوض ، التشدد والاشتداد والشدة واحد . يقال : شد يشد شدة إذا قوي ، والباء في قوله تمر بسلمي للتعدية ويجوز أن تكون يمعنى مع ايضا يقول : لهذه الناقة مرفقان قويان شديدان بائنان عن جنبيها فكأنها تمر مع دلوين من دلاء الدالجين الاقوياء ، شبهها بسقاء حمل دلوين إحداهما بيمناه والاخرى بيسراه فبانت يداه عن جنبيه ، شبه بعد مرفقيها عن جنبيها ببعد هاتين الدلوين عن جنبي حاملهما القوي الشديد
22
القرمد : الآجر ، وقيل هو الصاروج ، الواحدة قرمدة ، الاكتناف : الكون في أكناف الشيء وهي نواحيه ، شبه الناقة في تراضف عظامها وتداخل أعضائها بقنطرة تبنى لرجل رومي قد حلف صاحبها ليحاطن بها حتى ترفع أو تجصص بالصاروخ أو الآجر ، الشيد : الرفع والطلي بالشيد وهو الجص . قوله : كقنطرة الرومي ، أي كقنطرة الرجل الرومي . وقوله: لتكتنفن ، أي والله لتكتنفن
23
العثنون : شعرات تحت لحيها الأسفل ، يقول : فيها صهبة أي حمرة ، القرا : الظهر ، والجمع الأقراء ، الموجدة : المقواة ، والإيجاد التقوية ، ومنه قولهم :بعير أجد أي شديد الخلق ، الوخد والوخدان والوخيد : الذميل والفعل وخد يخد ، المور : الذهاب والمجئ ، والموارة مبالغة المائرة ، وقد مارت تمور مورا فهي مائرة يقول : في عثنونها صهبة وفي ظهرها قوة وشدة ويبعد ذميل رجليها ومور يديها في السير ، ويجوز جر صهابية العثنون على الصفة لعوجاء ويجوز رفعها على أنه خبر مبتدإ محذوف تقديره : هي صهابية العثنون
24
الإمرار : إحكام الفتل الشزر : ما أدير عن الصدر ، والنظر الشزر والطعن الشزر ما كان في أحد الشقين ، الإجناح : الإمالة ، والجنوح الميل ، السقف والسقيف واحد ، والجمع سقوف ، المسند : الذي أسند بعضه إلى بعض
25
الجنوح مبالغة الجانحة : وهي التي تميل في أحد الشقين لنشاطها في السير ، الدفاق : المندفقة في سيرها أي المسرعة غاية الإسراع ، العندل : العظيمة الرأس ، الإفراع : التعلية ، يقال : فرعت الجبل أفرعة فرعا إذا علوته ، وتفرعته أيضا وأفرعته غيري أي جعلته يعلوه ، المعالاة والإعلاء والتعلية واحد ، والتصعيد مثلها يقول : هذه الناقة شديدة الميلان عن سمت الطريق لفرط نشاطها في السير مسرعة غاية الإسراع عظيمة الرأس وقد عليت كتفاها في خلق معلى مصعد ، وقوله : في معالي ، يريد في خلق معالي أو ظهر معالي ، فحذف الموصوف اجتزاء بدلالة الصفة عليه ، ويجوز في الجنوح الرفع والجر
26
العلب : الأثر ، والجمع العلوب ، وقد علبت الشيء علبا إذا أثرت فيه ، النسع : سير كهيئة العنان تشد به الأحمال ، وكذلك النسعة ، والجمع الانساع والنسوع والنسع ، المورد وهو الماء الذي يورد ، الخلقاء : الملساء ، والأخلق الأملس ، وأراد من خلقاء ، أي من صخرة خلقاء ، فحذف الموصوف ، القردد : الأرض الغليظة الصلبة التي فيها وهاد ونجاد . يقول : كأن آثار النسع في ظهر هذه الناقة وجنبيها نقر فيها ماء من صخرة ملساء في أرض غليظة متعادية فيها وهاد ونجاد . شبه الشاعر آثار النسع أو الانسان بالنقر التي فيها الماء في بياضها ، وجعل جنبها صلبا كالصخرة الملساء ، وجعل خلقها في الشدة والصلابة كالأرض الغليظة
28-27
الأتلع : الطويل العنق ، النهاض : مبالغة الناهض ، البوصي : ضرب من السفن ، السكان : ذنب السفينة يقول : هي طويلة العنق فإذا رفعت عنقها أشبه ذنب السفينة في دجلة تصمد . قوله : إذا صعدت به ، أى بالعنق ، والباء للتعدية ، جعل عنقها طويلا سريع النهوض ، ثم شبه في الارتفاع والانتصاب بسكان السفينة في حال جريها في الماء

29
الوعي : الحفظ والاجتماع والانضمام ، وهو في البيت على المعنى الثاني ، الحرف : الناحية ، والجمع الأحرف والحروف يقول : ولها جمجمة تشبه العلاة في الصلابة فكأنما انضم طرفها إلى حد عظيم يشبه المبرد في الحدة والصلابة ، الملتقى : موضع الالتقاء وهو طرف الجمجمة لأنه يلتقي به فراش الرأس
30
قوله : كقرطاس الشآمي يعني كقرطاس الرجل الشآمي ، فحذف الموصوف اكتفاء بدلالة الصفة عليه ، المشفر للبعير : بمنزلة الشفة للانسان ، والجمع الشافر ، السبت : جلود البقر المدبوغة بالقرط ، وقوله : كسبت اليماني ، يريد كسبت الرجل اليماني ، التجريد : اضطراب القطع وتفاوته شبه خدها في الانملاس بالقرطاس ومشفرها بالسبت في اللين واستقامة القطع
31
الماوية : المرآة ، الاستكنان : طلب الكن ، الكهف : للغار ، الحجاج : العظم المشرف على العين الذي هو منبت شعر الحاجب ، والجمع الأحجة ، القلت : النقرة في الجبل يستنقع فيها الماء ، والجمع القلات ، المورد : الماء . هنا يقول : لها عينان تشبهان مرآتين في الصفاء والنقاء والبريق وتشبهان ماء في القلت في الصفاء ، وشبه عينيها بكهفين في غورهما ، وحجاجيها بالصخرة في الصلابة ، قوله : حجاجي صخرة أي حجاجي من صخرة ، كقولهم : باب حديد أي باب من حديد
32
يقول : عيناها تطرحان وتبعدان القذى عن أنفسهما ، ثم شبههما بعيني بقرة وحشية لها ولد وقد أفزعها صائد أو غيره ، وعين البقرة الوحشية في هذه الحالة أحسن ما تكون
33
التوجس التسمع ، السرى : سير الليل ، الهجس : الحركة التنديد ك رفع الصوت يقول : ولها أذنان صادقتا الاستماع في حال سير الليل لا يخفى عليهما السر الخفي ولا الصوت الرفيع
34
التأليل : التحديد والتدقيق من الآلة وهي الحربة وجمعها آل وإلال ، وقد أله يؤله ألا إذا طعنه بالالة ، والدقة والحدة تحمدان في آذان الإبل ، العتق : الكريم والنجابة ، السامعتان : الأذنان ، الشاة : الثور الوحشي ، حومل : موضع بعينه يقول : لها أذنان محددتان تحديد الالة تعرف نجابتها فيهما وهما كأذني ثور وحشي منفرد في الموضع المعين ، وخص المفرد لأنه اشد فزعا وتيقظا واحترازا
35
الأروع : الذي يرتاع بكل شيء لفرط كائه، النباض : الكثير الحركة ، مبالغة النابض من نبض ينبض نبضانا ، الأحذ: الخفيف السريع ، الململم : المجتمع الخلق الشديد الصلب ، المرداة : الصخرة التي تكسر بها الصخور، الصفيحة : الحجر العريض ، والجمع الصفائح والصفيح ، المصمد : المحكم الموثق . يقول : لها قلب يرتاع لادنى شيء لفرط ذكائه ، وهو سريع الحركة خفيف صلب مجتمع الخلق يشبه صخرة تكسر بها الصخور في الصلابة فيما بين اضلاع تشبه حجارة عراضا محكمة ، شبه القلب بين الاضلاع بحجر صلب بين حجارة عراض . وقوله : كمرداة صخر ، أى كمرداة من صخر . مثل قولهم : هذا ثوب خز ، وقوله : في صفيح ، أى فيما بين صفيح ، والمصمد نعت للصفيح على لفظه دون معناه
36
الاعلم المشقوق الشفة العليا ، المخروت : المثقوب ، والخرت الثقب ، المارن : ما لان من الانف يقول : ولها مشفر مشقوق ومارن انفها مثقوب وهي عندما ترمي الارض بأنفها ورأسها تزداد في سيرها
37
الإرقال : دون العدو وفوق السير ، الإحصاد : الإحكام والتوثيق يقول : هي مذللة مروضة فإن شئت اسرعت في سيرها ، وإن شئت لم تسرع مخافة سوط ملوى من الجلد موثوق
38
المساماة : المباراة في السمو وهو العلو ، الكور : الرحل بأداته ، والجمع الاكوار والكيران ، وواسط له كالقربوس للسرج ، العوم : السباحة ، والفعل عام يعوم عوما ، الضبع : العضد ، النجاء : الإسراع ، الخفيدد : الظليم ، ذكر النعام يقول : إن شئت جعلت رأسها موازنا لواسط رحلها في العلو من فرط نشاطها وجذبي زمامها إلى وأسرعت في سيرها حتى كأنها تسبح بعضديها إسراعا مثل إسراع الظليم
39
يقول : على مثل هذه الناقة امضي في أسفاري حين بلغ الأمر غايته ، يقول صاحبي : ألا ليتني افديك من مشقة هذه الشقة فأخلصك منها وأنجي نفسي
40
خاله : أي ظنه ، والخيلولة الظن ، المرصد : الطريق ، والجمع المراصد ، وكذلك المرصاد . يقول : وارتفعت نفسه أي زال قلبه عن مستقره لفرط خوفه فظنه هالكا وإن أمسى على غير الطريق يقول: إن صعوبة هذه الفلوت جعلته يظن أنه هالك وإن لم يكن على طريق يخاف قطاع الطريق
41
يقول : إذا القوم قالوا من فتى يكفي مهما أو يدفع شرا ؟ فعلت أنني المراد بقولهم فلم اكسل في كفاية الهم ودفع الشر ولم أتبلد الميما ، وعنيت من قولهم عني يعنى عنيا بمعنى اراد ، ومنه قولهم : يعني كذا أي يريده ، وايش تعني بهذا أي ايش تريد بهذا ، ومنه خنى وهو المراد ، والجمع المعاني
42
الإحالة : الإقبال هنا ، القطيع : السوط ، الإجذام : الإسراع في السير ، الآل : مايرى شبه السراب طرفي النهار ، والسراب ما كان نصف النهار ، الأمعز: مكان يخالط ترابه حجارة أو حصى ، وإذا حمل على الأرض أو البقعة قيل العزاء ، والجمع الأماعز يقول : أقبلت على الناقة أضربها بالسوط فأسرعت في السير في حال خيب آل الأماكن التي اختلطت تربتها بالحجارة والحصى
43
الذيل : التبختر ، والفعل ذال يذيل ، الوليدة : الصبية والجارية ، وهي في البيت بمعنى الجارية ، السحل : الثوب الابيض من القطن وغيره يقول : فتبخترت هذه الناقة كما تتبختر جارية ترقص بين يدي سيدها فتريه ذيل ثوبها الابيض الطويل في رقصها ، شبه الشاعر تبخترها في السير بتبختر الجارية في الرقص ، وشبه طول ذنبها بطول ذيلها
44
الحلال : مبالغة الحال من الحلول ، التلعة : ما ارتفع من مسيل الماء وانخفض عن الجبال أو قرار الأرض ، والجمع التلعات والتلاع ، الرفد والأرفاد : الإعانة ، والاسترفاد الاستعانة يقول : أنا لاأحل التلاع مخافة حلول الأضياف بي أو غزو الأعداء اياي ولكني أعين القوم إذا استعانوا بي إما في قرى الأضياف ، واما في قتال الأعداء والحساد
45
البغاء : الطلب ، والفعل بغى يبغي ، الحلقة تجمع على الحلق بفتح الحاء واللام وهذا من الشواذ ، وقد تجمع على الحلق مثل بدرة وبدر وثلة وثلل ، الحانوت : بيت الخمار ، والجمع الحوانيت ، الاصطياد : الاقتناص يقول : وإن تطلبني في محفل القوم تجدني هناك ، وان تطلبني في بيوت الخمارين تصطدني هناك يريد أنه يجمع بين الجد والهزل
46
الصمد : القصد ، والفعل صمد يصمد ، والتصميد مبالغة الصمد يقول : وإن اجتمع الحي للافتخار تلاقني أنتمي وأعتزي إلى ذروة البيت الشريف أي إلى اعلى الشرف يريد أنه أوفاهم حظا من الحسب وأعلاهم سهما من النسب ، قوله : تلاقني إلى ، يريد أعتزي إلى فحذف الفعل لدلالة الحرف عليه
47
الندامى : وجمع الندمان وهو النديم ، وجمع النديم ندام وندماء ، وصفهم بالبياض تلويحا إلى انهم احرار ولدتهم حرائر ولم تعرف الإماء فيهم فتورثهم ألوانهن ، أو وصفهم بالبياض لاشراق أولوانهم وتلألؤ غررهم في الأندية والمقامات إذ لم يلحقهم عار يعيرون به فتتغير ألوانهم لذلك ، أو وصفهم بالبياض لنقائهم من العيوب ، لأن البياض يكون نقيا من الدرن والوسخ ، أو لاشتهاهِم ، لأن الفرس الأغر مشهور فيما بين الخيل ، والمدح بالبياض في كلام العرب لايخرج من هذه الوجوه ، القينة : الجارية المغنية ، والجمع القينات والقيان ، المجسد : الثوب المصبوغ بالجساد والزعفران ، ويقال بل الثوب الذي أشبع صبغة فيكاد يقوم من إشباع صبغة ، والمجسد لغة فيه ، وقال جماعة من الأئمة : بل المجسد الثوب الذي يلي الجسد ، والمجسد ما ذكرنا ، والجمع المجاسد يقول : نداماي احرار كرام تتلالأ ألوانهم وتشرق وجوههم ومغنية تأتينا رواحا لابسة بردا أو ثوبا مصبوغا بالزعفران أو ثوبا مشبع الصبغ
48
الرحب والرحيب واحد ، والفعل رحب رحبا ورحابة ورحبا ، قطاب الجيب : مخرج الرأس منه ، الغضاضة : نعومة البدن ورقة الجلد ، والفعل غض يغض ورض يبض ، المنجرد : حيث تجرد أي تعرى يقول : هذه القينة واسعة الجيب لإدخال الندامى ايديهم في جيبها للمسها . ثم قال : هي رقيقة على جس الندامى إياها ، وما يعرى من جسدها ناعم اللحم رقيق الجلد صافي اللون ، والجس : اللمس ، والفعل جس يجس جسا
49
اسمعينا : أى غنينا ، البري والانبراء والتبرى : الاعتراض للشيء والأخذ فيه ، على رسلها : أي على تؤدتها ووقارها ، المطروقة : التي بها ضعف ، ويروى مطروفة ، وهى التى اصيب طرفها بشيء أي كأها أصيب طرفها لفتور نظرها يقول : إذا سألناها الغناء عرضت تغنينا متئدة في غنائها على ضعف نغمتها لا تشدد فيها ، أراد لم تشدد فحذف إحدى التاءين استثقالا لهما في صدر الكلمة ومثله تنزل الملائكة ، نارا تلظى ، وأنت عنه تلهى ، وما أشبه ذلك
50
الترجيع : ترديد الصوت وتغريده ، الظئر : التي لها ولد ، والجمع الاظآر ، الربع من ولد الأبل : ما ولد في اول النتاج ، الردى :الهلاك ، والفعل ردي يردى ، والإرداء الاهلاك ، والتردي مثل الردى يقول : إذا طربت في صوتها ورددت نغمتها حسبت صوتها اصوات نوق تصيح عند جؤارها على هالك ، شبه الشاعر صوتها بصوتهن في التحزين ، ويجوز أن تكون الاظآر النساء ، والربع مستعار لولد الانسان ، فشبه صوتها في التحزين والترقيق بأصوات النوادب والنوائح على صبي هالك
51
التشراب : الشرب ، وتفعال من أوزان المصادر مثل التقتال بمعنى الفتل والتنقاد بمعنى النقد ، الطريف والطارف : المال الحديث ، التليد والتلاد والمتلد : المال القديم الموروث يقول : لم أزل أشرب الخمر وأشتغل باللذات وبيع الاعلاق النفيسة وإتلافها حتى كأن هذه الأشياء لي بمنزلة المال المستحدث والموروث ، يريد انه التزم القيام بهذه الأشياء لزوم غيره القيام باقتنائه المال كإصلاحه
52
التحامي : التجنب والاعتزال ، البعير المعبد : المذلل المطلي بالقطران ،والبعير يستلذ ذلك فيذل له يقول : فتجنبتني عشيرتي كما يتجنب البعير المطلي بالقطران وأفردتني لما رأت أني لا أكف عن إتلاف المال والاشتغال باللذات
53
الغبراء : صفة الأرض جعلت كالاسم لها ، الطراف : البيت من الأدم ، والجمع الطروف وكنسى بتمديده عن عظمه يقول : لما أفردتني العشيرة ، رأيت الفقراء الذين لصقوا بالأرض من شدة الفقر لا ينكرونني لاستطابتهم صحبتي ومنادمتي يقول : إن هجرتني الاقارب وصلتني الأباعد ، وهم الفقراء والاغنياء ، فهؤلاء لطلب المعروف وهؤلاء لطلب العلم
54
الوعى أصله الابطال في الحرب ثم جعل اسما للحرب ، الخلود : البقاء والفعل يخلد ، والإخلاد والتخليد والإبقاء يقول : ألا أيها الانسان الذي يلومني على حضور الحرب وحضور اللذات هل تخلدني إن كففت عنها؟ اسطاع يسطيع : لغة في استطاع يقول : فإن كنت لا تسطيع أن تدفع موتي عني فدعني أبادر الموت بإنفاق أملاكي ، يريد أن الموت لابد منه فلا معنى للبخل بالمال وترك اللذات
55
الجد : الحظ والبخت ، والجمع الجدود ، وقد جد الرجل يجد جدا فهو جديد ، وجد يجد جدا فهو مجدود إذا كان ذا جد ، وقد أجده الله إجدادا جعله ذا جد ، وقوله وجدك قسم ، الحفل : المبالاة ، العود : جمع عائد من العيادة يقول : فلولا حبي ثلاث خصال هن من لذة الفتى الكريم لم أبال متى أقام عودي من عندي آيسين من حياتي أي لم أبال متى مت
56
يقول : إحدى تلك الخلال أني أسبق العواذل بشربة من الخمر كميت اللون متى صب الماء عليها أزبدت ، يريد أنه يباكر شرب الخمر قبل انتباه العواذل
57
الكر : العطف ، والكرور : الانعطاف ، المضاف : الخائف والمذعور ، والمضاف الملجأ ، المحنب الذي في يده انحناء ، السيد : الذئب ، والجمع السيدان ، الغضا : شجر يقول : والخصلة الثانية عطفي إذا ناداني اللاجئ إلي والخائف عدوه مستغيثا إياي فرسا في يده إنحناء يسرع في عدوه إسراع ذئب يسكن فيما بين الغضا إذا نبهته وهو يريد الماء ، جعل الخصلة الثانية إغاثته المستغيث وإعانته اللاجئ إليه ، فقال : أعطف في إغاثته فرسي بذئب اجتمع له ثلاث خلال : إحداها كونه فيما بين الغضا ، وذئب الغضا أخبث الذئاب ، والثانية إثارة الإنسان إياه ، والثالثة وروده الماء ، وهما يزيدان في شدة العدو
58
قصرت الشيء : جعلته قصيرا ، الدجن : إلباس الغيم آفاق السماء . البهكنة : المرأة الحسنة الخلق السمينة الناعمة ، المعمد : المرفوع بالعمد يقول : والخصلة الثالثة أني أقصر يوم الغيم بالتمتع بامرأة ناعمة حسنة الخلق تحت بيت مرفوع بالعمد ، جعل الخصلة الثالثة استمتاعه بجبائبه ، وشرط تقصير اليوم لأن أوقات اللهو والطرب أفضل الأوقات ، ومنه قول الشاعر : شهور ينقضين وما شعرنا بأنصاف لهن ولا سرار وقوله : والدجن معجب أي يعجب الانسان
59
البرة : حلقة من صفر أو شبه أو غيرهما تجعل في أنف الناقة ، والجمع البري والبرات والبرون في الرفع والبرين في النصب والجر ، استعارها للاسورة والخلاخيل ، الدملج والدملوج : المعضد ، والجمع الدمالج والدماليج ، العشر والخروع : ضربان من الشجر ، التخضيد : التشذيب من الأغصان والأوراق ، والعشر وصف البهكنة يقول : كأن خلاخيلها وأسورتها ومعاضدها معلقة على أحد هذين الضربين من الشجر ، وجعله غير مخضد ليكون أغلظ ؛ شبه ساعديها وساقيها بأحد الشجرين في الامتلاء والنعومة والضخامة
60
يقول : أنا كريم يروي نفسه أيام حياته بالخمر ، ستعلم إن متنا غدا أينا العطشان ، يريد أن يموت ريان وعاذله يموت عطشان
61
النحام الحريص على الجمع والمنع ، الغوي : الغاوي الضال ، والغي والغواية الضلالة ، وقد غوى يغوى يقول : لا فرق بين البخيل والجواد بعد الوفاة فلم أبخل بأعلاقي ، فقال : أرى قبر البخيل والحريص بماله كقبر الضال في بطالته المفسد بماله
62
الجثوة : الكرومة من التراب وغيره ، والجمع الجثى ، التنضيد : مبالغة النضد يقول : أى قبري البخيل والجواد كومتين من التراب عليهما حجارة عراض صلاب فيما بين قبور عليها حجارة عراض قد نضدت
63
الاعتيام : الاختيار ، العقائل : كرائم المال والنساء ، الواحدة عقيلة ، الفاحش : البخيل يقول : أرى الموت يختار الكرام بالإفناء ، ويصطفي كريمة مال البخيل المتشدد بالابقاء ، وقيل : بل معناه أن الموت يعم الأجواد والبخلاء فيصطفي الكرام وكرائم اموال البخلاء ؛ يريد أنه لا تخلص منه لواحد من الصنفين ، فلا يجدي البخل على صاحبه بخير فالجود أحرى لأنه أحمد
64
شبه البقاء بكنز ينقص كل ليلة ، وما لا يزال ينقص فان مآله إلى النفاد ، فقال : وما تنقصه الأيام والدهر ينفد لا محالة . فكذلك العيش صائر إلى النفاد والنفود الفناء ، والفعل نفد ينفد ، والانفاد الافناء
65
العمر والعمر بمعنى ولا يستعمل في القسم إلا بفتح العين قوله : ما أخطأ الفتى ، فما مع الفعل هنا بمنزلة مصدر حل محل الزمان ، نحو قولهم : آتيك خفوق النجم ومقدم الحاج أي وقت خفوق النجم ووقت مقدم الحاج ، الطول : الحب الذي يطول للدابة فترعى فيه ، الارخاء : الارسال ، الثني : الطرف ، والجمع الأثناء يقول : أقسم بحياتك أن الموت في مدة إخطائه الفتى ، أي مجاوزته إياه ، بمنزلة حبل طول للدابة ترعى فيه وطرفاه بيد صاحبه ، يريد أنه لا يتخلص منه كما أن الدابة لا تفلت ما دام صاحبها آخذا بطرفي طولها . ولما جعل الموت قاد الفتى لهلاكه ومن كان في حبل الموت انقاد لقوده
66
النأي والبعد واحد فجمع بينهما للتأكيد وإثبات القافية ، كقول الشاعر : وهند أتى من دونها النأي والبعد يقول : فما لى أراني وابن عمي متي تقربت منه تباعد عني ؟ يستغرب هجرانه إياه مع تقربه هو منه
67
يلومني مالك وما أدري ما السبب الداعي الى لومه إياي كما لامني هذا الرجل في القبيلة ، يريد أن لومه إياه ظلم صراح كما كان لوم إياه كذلك
68
الرمس : القبر وأصله الدفن ، ألحدت الرجل : جعلت له لحدا يقول : فنطني مالك من كل خير رجوته منه حتى كأنا وضعنا ذلك الطلب إلى قبر رجل مدفون في اللحد ، يريد أنه أيأسه من كل خير طلبه كما أن الميت لا يرجى خيره
69
النشدان : طلب المفقود ، الاغفال : الترك ، الحمولة : الابل التي تطيق أن يحمل عليها ، معبد : أخوه ، يقول : يلومني على غير الشيء قلته وجناية جنيتها ولكنني طلبت ابل أخي ولم أتركها فنقم ذلك مني وجعل يلومني ، وقوله : غير انيي ، استثناء منقطع تقديره ولكنني
70
القربى : جمع قربة ، وقيل هو اسم من القرب والقرابة ، وهو أصح القولين النكيثة : المبالغة في الجهد وأقصى الطاقة ، يقال : بلغت نكيثة البعير أقصى ما يطيق من السير يقول: وقربت نفسي بالقرابة التى ضمن حبلها ونظمنا خيطها ، وأقسم بحظك وبخطتك أنه متى حدث له أمر يبلغ فيه غاية الطاقة ويبذل فيه المجهود أحضره وأنصره
71
الجلى : تأنيث الاجل ، وهي الخطة العظيمة ، والجلاء بفتح الجيم والمد لغة فيها ، الحماة : جمع الحامي من الحماية يقول : وان دعوتني للامر العظيم والخطب الجسيم أكن من الذين يحمون حريمك ، وان يأت الاعداء لقتالك أجهد في دفعهم عنك غاية الجهد ، والباء في قوله بالجهد زائدة
72
القذع : الفحش ، العرض : موضع المدح والذم من الانسان ، قاله ابن دريد ، وقد يفسر بالحسب ، والعرض النفس ، ومنه قول حسان : فأن ابي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وقاء أي نفسي فداء ، والعرض : العرق وموضع العرق ، والجمع الاعراض في جميع الوجوه ، التهدد والتهديد : واحد ، القذف : السب يقول : وان أساء الاعداء القول فيك وأفحشوا الكلام أوردتهم حياض الموت قبل أن أهددهم ، يريد أنه يبيدهم قبل تهديدهم أي لا يشتغل بتهديدهم بلإهلاكهم ، ومن روى بشرب فهو النصيب من الماء ، والشرب ، بضم الشين مصدر شرب ، يريد أسقهم شرب حياض الموت ، فالباء زائدة والمصدر بمعنى المفعول والاضافة بتقدير من
73
يقول : أجفى وأهجر وأضام من غير حدث اساءة أحدثته ، ثم أهجى وأشكى وأطردكما يهجى من احدث اساءة وجر جريرة وجنى جناية ويشكى ويطرد ، والشكاية والشكوى والشكية والشكاة واحد والمطرد بمعنى الاطراد ، وأطردته صيرته طريدا
74
يقول فلو كان ابن عمي غير مالك لفرج كربي ولأمهلني زمانا اذا ملأ صدره ، والكربة اسم منه ، والجمع كرب ، الإنظار : الإمهال والنظرة اسم بمعنى الإنظار
75
خنقت الرجل خنقا : عصرت حلقه ، التسآل : السؤال يقول : ولكن ابن عمي رجل يضيق الامر علي حتى كأنه يأخذ علي متنفسي على حال شكري اياه وسؤالي عوارفه وعفوه أو كنت في حال افتدائي نفسي منه . يقول هو لا يزال يضيق الامر علي سواء شكرته على آلائه او سألته بره وعطفه او طلبت تخليص نفسي منه
76
مضني الأمر وأمضني : بلغ من قلبي وأثر في نفسي تهييج الحزن والغضب يقول : ظلم الأقارب أشد تأثيرا في تهييج نار الحزن والغضب من وقع السيف القاطع المحدد أو المطبوع بالهند ، الحسام : فعال من الحسم وهو القطع
77
ضرغد : الجبل يقول : خل بيني وبين خلقي وكلني الى سجيتي فإني شاكر لك وان بعدت غاية البعد حتى ينزل بيتي عند هذا الجبل الذي سمي بضرغد ، وبينهم وبين ضرغد مسافة بعيدة وشقة شاقة وبينونة بليغة
78
هذان سيدان من سادات العرب مذكوران بوفور المال ونجابة الأولاد ، وشرف النسب وعظم الحسب يقول : لو شاء الله بلغني منزلتهما وقدرهما
79
يقول : فصرت حينئذ صاحب مال كثير وزارني بنون موصوفون بالكرم والسؤدد لرجل مسود يعني به نفسه ، والتسويد مصدر سودته فساد يقول : لو بلغني الله منزلتهما لصرت وافر المال ، كريم العقب ، وهو الولد
80
الضرب : الرجل الخفيف اللحم يقول: أنا الضرب الذي عرفتموه ، والعرب تتمدح بخفة اللحم لأن كثرته داعية إلى الكسل والثقل وهما يمنعان من الاسراع في دفع الملمات وكشف المهمات ، ثم قال : وانا دخال في الأمور بخفة وسرعة . شبه الشاعر تيقظة وذكاءه ذهنه بسرعة حركة رأس الحية وشدة توقده
81
لا ينفك : لايزال ، وما انفك مازال ، البطانة: نقيض الظهارة ، العضب السيف القاطع ، شفرتا السيف : حداه ، والجمع الشفرات والشفار يقول : ولقد حلفت أن لايزال كشحي لسيف قاطع رقيق الحدين طبعته الهند بمنزلة البطانة للظهارة
82
الانتصار : الانتقام ، المعضد : سيف يقطع به الشجر ، العضد قطع الشجر والفعل عضد يعضد يقول : لايزال كشحي بطانة لسيف قاطع اذا ما قمت منتقما به من الأعداء كفت الضربة الأولى به الضربة الثانية فيغني البدء عن العود ، وليس سيفا يقطع به الشجر ، نفى ذلك لأنه من أردا السيوف
83
أخي يقة : يوثق به ، أي صاحب ثقة ، الثني : الصرف ، والفعل ثنى ينثني والانثناء الانصراف ، الضريبة ما يضرب بالسيف ، والرمية : ما يرمى بالسهم ، الجمع الضرائب والرمايا ، مهلا : أي كف ، قدي وقدني : أي حسبي ، وقد جمعهما الراجز في قوله : قدني من نصر الحبيبين قدي يقول : هذا السيف سيف يوثق بمضائه كالأخ الذي يوثق بإخائه لا ينصرف عن ضريبة أي لا ينبو عما ضرب به ، إذا قيل لصاحبه كف عن ضرب عدوك قال مانع السيف وهو صاحبه : حسبي فإني قد بلغت ما أردت من قتل عدوي ، يريد أنه ماض لا ينبو عن الضرائب فاذا ضرب به صاحبه أغنته الضربة الأولى عن غيرها
84
ابتدر القوم السلاح: استبقوه ، المنيع : الذي لايقهر ولا يغلب ، بل بالشيء يبل به بلا إذا ظفر به . يقول : إذا استبق القوم اسلحتهم وجدتني منيعا لا أقهر ولا أغلب اذا ظفرت يدي بقائم هذا السيف
85
البرك : الإبل الكثيرة الباركة ، الهجود : جمع هاجد وهو النائم ، رقد هجد يهجد هجودا ، مخافتي : مصدر مضاف إلى المفعول ، بواديها : أوائلها وسوابقها يقول : ورب إبل كثيرة باركة قد أثارتها عن مباركها مخافتها إياي في حال مشيي مع سيف قاطع مسلول من غمده ، يريد أنه أراد أن ينحر بعيرا منها فنفرت منه لتعودها ذلك منه
86
الكهاة والجلالة : الناقة الضخمة السمينة ، الخيف : جلد الضرع وجمعه أخياف ، العقيلة : كريمة المال والنساء ، والجمع العقائل ، الوبيل : العصا الضخمة ، اليلندد والألندد والألد : الشديد الخصومة ، وقد لد الرجل يلد لددا صار شديد الخصومة ، وقد لددته ألده لدا غلبته بالخصومة يقول : فمرت بي في حال إثارة مخافتي إياها ناقة ضخمة لها جلد الضرع ، وهي كريمة مال شيخ قد يبس جلده ونحل جسمه من الكبر حتى صار كالعصا الضخمة يبسا ونحولا وهو شديد الخصومة ، قيل : أراد به أباه ، يريد أنه نحر كرائم مال أبيه لندمائه ، قيل : بل أراد غيره ممن يغير هو على ماله ، والقول الأول أحراهما بالصواب
87
تر : أي سقط ، المؤيد : الداهية العظيمة الشديدة يقول : قال هذا الشيخ في حال عقري هذه الناقة الكريمة وسقوط وظيفها وساقها عند ضريبي إياها بالسيف : ألم تر أنك أتيت بداهية شديدة بعقرك مثل هذه الناقة الكريمة النجيبة
88
يقول : قال هذا الشيخ للحاضرين : أي شيء ترون أن يفعل لشارب خمر اشتد بغيه علينا عن تعمد وقصد ؟ يريد أنه استشار أصحابه في شأني وقال : ماذا نحتال في دفع هذا الشارب الذي يشرب الخمر ويبغي علينا بعقر كرائم أموالنا ونحرها متعمدا قاصدا ؟ والباء في قوله بشارب صلة محذوف تقديره أن يفعل ونحوه
89
ذروه : دعوه ، والماضي غير مستعمل عند جمهور الأئمة اجتزاء بترك منهما ، وكذلك اسم الفاعل والمفعول لاجتزائهم بالتارك والمتروك ، الكف : المنع والامتناع ، كفه فكف ، والمضارع منهما يكف يقول : ثم استقر راي الشيخ على أن قال دعوا طرفة : إنما نفع هذه الناقة له . أو أراد هذه الأبل له لأنه ولدي الذي يرثني وإلا تردوا وتمنعوا ما بعد هذه الأبل من الندود يزدد طرفة من عقرها ونحرها أراد أنه أمرهم برد ما ند لئلا أعقر غير ماعقرت
90
الإماء : جمع أمة ، الامتلال والملل : جعل الشيء في الملة وهي الجمر والرماد الحار، الحوار للناقة بمنزلة الولد للانسان يعم الذكر والأنثى ، السديف : السنام ، وقيل قطع السنام ، المسرهد : المربى ، والفعل سرهد يسرهد سرهدة يقول: فظل الإماء يشوين الولد الذي خرج من بطنها تحت الجمر والرماد الحار ويسعى الخدم علينا بقطع سنامها المقطع ، يريد أنهم أكلوا أطايبها وأباحوا غيره للخدم ، وذكر الحوار دال على أنها كانت حبلى وهي من أنفس الابل عندهم
91
لما فرغ من تعداد مفاخرة أوصى ابنه أخية ، ومعبد أخوه ، فقال : إذا هلكت فأشيعي خبر هلاكي بثنائي الذي أستحقه واستوجبه وشقي جيبك علي ، يوصيها بالثناء عليه والبكاء ، النعي : اشاعة خبر الموت ، والفعل نعى ينعي ، أهله : أي مستحقة ، كقوله تعالى "وكانوا أحق بها وأهلها"
92
يقول ¨: ولاتسوي بيني وبين رجل لا يكون همه مطلب المعالي كهمي ، ولا يكفي المهم والملم كفايتي ، ولايشهد الوقائع مشهدي ، والهم أصله القصد ، يقال : هم بكذا أي قصد له ، ثم يجعل الهم والهمة اسما لداعية النفس الى العلى ، الغناء : الكفاية ، المشهد في البيت بمعنى الشهود وهو الحضور ، أي ولا يغني غناء مثل غنائي ولا يشهد الوقائع شهودا مثل شهودي يقول : لا تعدلي بي من لايساويني في هذه الخلال فتجعلي الثناء عليه كالثناء علي ، والبكاء علي كالبكاء عليه
93
البطء : ضد العجلة ، والفعل بطؤ يبطأ ، الجلى : الأمر العظيم ، الخنا : الفحش ، جمع الكف ، يقال : ضربة بجمع كفه إذا ضربه بها مجموعة ؛ والجمع الأجماع ، التلهيد : مبالغة اللهد وهو الدفع بجمع الكف ، يقال : لهذه يلهد لهذا . والبيت كله من صفة من يهني ابنه أخيه أن تعدل غيره به يقول : ولا تجعليني كرجل يبطأ عن الأمر العظيم ويسرع إلى الفحش وكثيرا ما يدفعه الرجمال بأجماع أكفهم فقد ذل غاية الذل
94
الوغل : أصله الضعيف ثم يستعار للئيم يقول : لو كنت ضعيفا من الرجال لضرتني معاداة ذي الأتباع والمنفرد الذى لا أتباع له إياي ، ولكنني قوي منيع لا تضرني معاداتهم اياي ، ويروى : وغدا ، وهو اللئيم
95
الجراءة والجرأة واحد ، والفعل جرؤ يجرؤ ، والنعت جريء ، وقد جرأه على كذا أي شجعه ، المحتد : الأصل يقول : ولكن نفى عني مباراة الراجال ومجاراتهم شجاعتي وإقدامي في الحروب وصدق صريمتي وكرم أصلي
96
الغمة والغم واحد ، وأصل الغم التغطية ، والفعل غم يغم ، ومنه الغمام لأنه يغم السماء أي يغطيها ، ومنه الأغم والغماء ، لأن كثرة الشعر تغطي الجبين والقفا يقول: أقسم ببقائك ما يغم أمري رأي ، أي ما تغطي الهموم رأي في نهاري ، ولا يطول علي ليلي حتى كأنه صار دائما سرمدا . وتلخيص المعنى أنه تمدح بمضاء الصريمة وذكاء العزيمة . ويقول : لا تغمني النوائب فيطول ليلي ويظلم نهاري
97
العراك والمعاركة : القتال ، وأصلهما من العرك وهو الدلك ، لحفاظ : المحافظة على من تجب المحافظة عليه من حماية الحوزة والذب عن لحريم ودفع الذم على الأحساب يقول : ورب يوم حبست نفسي عن القتال والفزعات وتهدد الاقران محافظة على حسبي
98
الموطن : الموضع ، الردى الهلاك ، والفعل ردي يردى ، والإرداء الاهلاك ، الاعتراك والتعارك واحد ، الفرائص : جمع فريصة وهي لحمة عند مجمع الكنف ترعد عن الفزع يقول : حبست نفسي في موضع من الحرب يخشى الكريم هناك الهلاك ومتى تعترك الفرائص فيه أرعدت من فرط الفزع وهول المقام
99
ضبحت الشيء: قربته من النار حتى أثرت فيه ، أضبحة ضبحا ، الحوار والمحاورة : مراجعة الحديث ، وأصله من قولهم . حار يحور إذا رجع ومنه قول لبيد : وما المرء إلا كالشهاب وضوئه يحور رمادا بعد إذ هو ساطع نظرت : أي انتظرت ، والنظر الانتظار ، ومنه قوله تعالى: " انظرونا نقتبس من نوركم "، استودعته وأودعته واحد ، المجمد : الذي لا يفوز وأصله من الجمود يقول : ورب قدح أصفر قد قرب من النار حتى أثرت فيه ، وإنما فعل ذلك ليصلب ويصفر ، انتظرت مراجعته أي انتظرت فوزه أو خيبته ونحن مجتمعون على النار له ، وأودعت القدح كف رجل معروف بالخيبة وقلة الفوز ، يفتخر بالميسر ، وإنما افتخرت العرب به لانه لا يركن اليه إلا سمح جواد ، ثم كمل المفخرة بإيداع قدحه كف مجمد قليل الفوز
100
يقول : ستطلعك الايام على ماتغفل عنه وسينقل اليك الاخبار من لم تزوده
101
باع . قد يكون بمعنى اشترى ، وهو في البيت بهذا المعنى ، البتات : كساء المسافر وأداته . ولم تضرب له أي لم تبين له ، كقوله تعالى "ضرب الله مثلا" أي بين وأوضح يقول : سينقل اليك الاخبار من لم تشتر له متاع المسافر ولم تبين له وقتا الاخبار اليك
102
رد مع اقتباس
  #168  
قديم October 4, 2013, 05:15 PM
 
رد: هل ... وهل ... ثم هل.. تعلم؟

عمرو بن كلثوم والمعلقة


هَلْ غَادَرَ الشُّعَرَاءُ منْ مُتَـرَدَّمِ
أم هَلْ عَرَفْتَ الدَّارَ بعدَ تَوَهُّـمِ
يَا دَارَ عَبْلـةَ بِالجَواءِ تَكَلَّمِـي
وَعِمِّي صَبَاحاً دَارَ عبْلةَ واسلَمِي
فَوَقَّفْـتُ فيها نَاقَتي وكَأنَّهَـا
فَـدَنٌ لأَقْضي حَاجَةَ المُتَلَـوِّمِ
وتَحُـلُّ عَبلَةُ بِالجَوَاءِ وأَهْلُنَـا
بالحَـزنِ فَالصَّمَـانِ فَالمُتَثَلَّـمِ
حُيِّيْتَ مِنْ طَلَلٍ تَقادَمَ عَهْـدُهُ
أَقْـوى وأَقْفَـرَ بَعدَ أُمِّ الهَيْثَـمِ
حَلَّتْ بِأَرض الزَّائِرينَ فَأَصْبَحَتْ
عسِراً عليَّ طِلاَبُكِ ابنَةَ مَخْـرَمِ
عُلِّقْتُهَـا عَرْضاً وأقْتلُ قَوْمَهَـا
زعماً لعَمرُ أبيكَ لَيسَ بِمَزْعَـمِ
ولقـد نَزَلْتِ فَلا تَظُنِّي غَيْـرهُ
مِنّـي بِمَنْـزِلَةِ المُحِبِّ المُكْـرَمِ
كَـيفَ المَزارُ وقد تَربَّع أَهْلُهَـا
بِعُنَيْـزَتَيْـنِ وأَهْلُنَـا بِالغَيْلَـمِ
إنْ كُنْتِ أزْمَعْتِ الفِراقَ فَإِنَّمَـا
زَمَّـت رِكَائِبُكُمْ بِلَيْلٍ مُظْلِـمِ
مَـا رَاعَنـي إلاَّ حَمولةُ أَهْلِهَـا
وسْطَ الدِّيَارِ تَسُفُّ حَبَّ الخِمْخِمِ
فِيهَـا اثْنَتانِ وأَرْبعونَ حَلُوبَـةً
سُوداً كَخافيةِ الغُرَابِ الأَسْحَـمِ
إذْ تَسْتَبِيْكَ بِذِي غُروبٍ وَاضِحٍ
عَـذْبٍ مُقَبَّلُـهُ لَذيذُ المَطْعَـمِ
وكَـأَنَّ فَارَةَ تَاجِرٍ بِقَسِيْمَـةٍ
سَبَقَتْ عوَارِضَها إليكَ مِن الفَمِ
أوْ روْضـةً أُنُفاً تَضَمَّنَ نَبْتَهَـا
غَيْثٌ قليلُ الدَّمنِ ليسَ بِمَعْلَـمِ
جَـادَتْ علَيهِ كُلُّ بِكرٍ حُـرَّةٍ
فَتَرَكْنَ كُلَّ قَرَارَةٍ كَالدِّرْهَـمِ
سَحّـاً وتَسْكاباً فَكُلَّ عَشِيَّـةٍ
يَجْـرِي عَلَيها المَاءُ لَم يَتَصَـرَّمِ
وَخَلَى الذُّبَابُ بِهَا فَلَيسَ بِبَـارِحٍ
غَرِداً كَفِعْل الشَّاربِ المُتَرَنّـمِ
هَزِجـاً يَحُـكُّ ذِراعَهُ بذِراعِـهِ
قَدْحَ المُكَبِّ على الزِّنَادِ الأَجْـذَمِ
تُمْسِي وتُصْبِحُ فَوْقَ ظَهْرِ حَشيّةٍ
وأَبِيتُ فَوْقَ سرَاةِ أدْهَمَ مُلْجَـمِ
وَحَشِيَّتي سَرْجٌ على عَبْلِ الشَّوَى
نَهْـدٍ مَرَاكِلُـهُ نَبِيلِ المَحْـزِمِ
هَـل تُبْلِغَنِّـي دَارَهَا شَدَنِيَّـةَ
لُعِنَتْ بِمَحْرُومِ الشَّرابِ مُصَـرَّمِ
خَطَّـارَةٌ غِبَّ السُّرَى زَيَّافَـةٌ
تَطِـسُ الإِكَامَ بِوَخذِ خُفٍّ مِيْثَمِ
وكَأَنَّمَا تَطِـسُ الإِكَامَ عَشِيَّـةً
بِقَـريبِ بَينَ المَنْسِمَيْنِ مُصَلَّـمِ
تَأْوِي لَهُ قُلُصُ النَّعَامِ كَما أَوَتْ
حِـزَقٌ يَمَانِيَّةٌ لأَعْجَمَ طِمْطِـمِ
يَتْبَعْـنَ قُلَّـةَ رأْسِـهِ وكأَنَّـهُ
حَـرَجٌ على نَعْشٍ لَهُنَّ مُخَيَّـمِ
صَعْلٍ يعُودُ بِذِي العُشَيرَةِ بَيْضَـةُ
كَالعَبْدِ ذِي الفَرْو الطَّويلِ الأَصْلَمِ
شَرَبَتْ بِماءِ الدُّحرُضينِ فَأَصْبَحَتْ
زَوْراءَ تَنْفِرُ عن حيَاضِ الدَّيْلَـمِ
وكَأَنَّما يَنْأَى بِجـانبِ دَفَّها الـ
وَحْشِيِّ مِنْ هَزِجِ العَشِيِّ مُـؤَوَّمِ
هِـرٍّ جَنيبٍ كُلَّما عَطَفَتْ لـهُ
غَضَبَ اتَّقاهَا بِاليَدَينِ وَبِالفَـمِ
بَرَكَتْ عَلَى جَنبِ الرِّدَاعِ كَأَنَّـما
بَرَكَتْ عَلَى قَصَبٍ أَجَشَّ مُهَضَّمِ
وكَـأَنَّ رُبًّا أَوْ كُحَيْلاً مُقْعَـداً
حَشَّ الوَقُودُ بِهِ جَوَانِبَ قُمْقُـمِ
يَنْبَاعُ منْ ذِفْرَى غَضوبٍ جَسرَةٍ
زَيَّافَـةٍ مِثـلَ الفَنيـقِ المُكْـدَمِ
إِنْ تُغْدِفي دُونِي القِناعَ فإِنَّنِـي
طَـبٌّ بِأَخذِ الفَارسِ المُسْتَلْئِـمِ
أَثْنِـي عَلَيَّ بِمَا عَلِمْتِ فإِنَّنِـي
سَمْـحٌ مُخَالقَتي إِذَا لم أُظْلَـمِ
وإِذَا ظُلِمْتُ فإِنَّ ظُلْمِي بَاسِـلٌ
مُـرٌّ مَذَاقَتُـهُ كَطَعمِ العَلْقَـمِ
ولقَد شَربْتُ مِنَ المُدَامةِ بَعْدَمـا
رَكَدَ الهَواجرُ بِالمشوفِ المُعْلَـمِ
بِزُجاجَـةٍ صَفْراءَ ذاتِ أَسِـرَّةٍ
قُرِنَتْ بِأَزْهَر في الشَّمالِ مُقَـدَّمِ
فإِذَا شَـرَبْتُ فإِنَّنِي مُسْتَهْلِـكٌ
مَالـي وعِرْضي وافِرٌ لَم يُكلَـمِ
وإِذَا صَحَوتُ فَما أَقَصِّرُ عنْ نَدَىً
وكَما عَلمتِ شَمائِلي وتَكَرُّمـي
وحَلِـيلِ غَانِيةٍ تَرَكْتُ مُجـدَّلاً
تَمكُو فَريصَتُهُ كَشَدْقِ الأَعْلَـمِ
سَبَقَـتْ يَدايَ لهُ بِعاجِلِ طَعْنَـةٍ
ورِشـاشِ نافِـذَةٍ كَلَوْنِ العَنْـدَمِ
هَلاَّ سأَلْتِ الخَيـلَ يا ابنةَ مالِـكٍ
إنْ كُنْتِ جاهِلَةً بِـمَا لَم تَعْلَمِـي
إِذْ لا أزَالُ عَلَى رِحَالـةِ سَابِـحٍ
نَهْـدٍ تعـاوَرُهُ الكُمـاةُ مُكَلَّـمِ
طَـوْراً يُـجَرَّدُ للطَّعانِ وتَـارَةً
يَأْوِي إلى حَصِدِ القِسِيِّ عَرَمْـرِمِ
يُخْبِـركِ مَنْ شَهَدَ الوَقيعَةَ أنَّنِـي
أَغْشى الوَغَى وأَعِفُّ عِنْد المَغْنَـمِ
ومُـدَّجِجٍ كَـرِهَ الكُماةُ نِزَالَـهُ
لامُمْعـنٍ هَـرَباً ولا مُسْتَسْلِـمِ
جَـادَتْ لهُ كَفِّي بِعاجِلِ طَعْنـةٍ
بِمُثَقَّـفٍ صَدْقِ الكُعُوبِ مُقَـوَّمِ
فَشَكَكْـتُ بِالرُّمْحِ الأَصَمِّ ثِيابـهُ
ليـسَ الكَريمُ على القَنا بِمُحَـرَّمِ
فتَـركْتُهُ جَزَرَ السِّبَـاعِ يَنَشْنَـهُ
يَقْضِمْـنَ حُسْنَ بَنانهِ والمِعْصَـمِ
ومِشَكِّ سابِغةٍ هَتَكْتُ فُروجَهـا
بِالسَّيف عنْ حَامِي الحَقيقَة مُعْلِـمِ
رَبِـذٍ يَـدَاهُ بالقِـدَاح إِذَا شَتَـا
هَتَّـاكِ غَايـاتِ التَّجـارِ مُلَـوَّمِ
لـمَّا رَآنِي قَـدْ نَزَلـتُ أُريـدُهُ
أَبْـدَى نَواجِـذَهُ لِغَيـرِ تَبَسُّـمِ
عَهـدِي بِهِ مَدَّ النَّهـارِ كَأَنَّمـا
خُضِـبَ البَنَانُ ورَأُسُهُ بِالعَظْلَـمِ
فَطعنْتُـهُ بِالرُّمْـحِ ثُـمَّ عَلَوْتُـهُ
بِمُهَنَّـدٍ صافِي الحَديدَةِ مِخْـذَمِ
بَطـلٌ كأَنَّ ثِيـابَهُ في سَرْجـةٍ
يُحْذَى نِعَالَ السِّبْتِ ليْسَ بِتَـوْأَمِ
ياشَـاةَ ما قَنَصٍ لِمَنْ حَلَّتْ لـهُ
حَـرُمَتْ عَلَيَّ وَلَيْتَها لم تَحْـرُمِ
فَبَعَثْتُ جَارِيَتي فَقُلْتُ لها اذْهَبـي
فَتَجَسَّسِي أَخْبارَها لِيَ واعْلَمِـي
قَالتْ : رَأيتُ مِنَ الأَعادِي غِـرَّةً
والشَاةُ مُمْكِنَةٌ لِمَنْ هُو مُرْتَمـي
وكـأَنَّمَا التَفَتَتْ بِجِيدِ جَدَايـةٍ
رَشَـاءٍ مِنَ الغِـزْلانِ حُرٍ أَرْثَـمِ
نُبّئـتُ عَمْراً غَيْرَ شاكِرِ نِعْمَتِـي
والكُـفْرُ مَخْبَثَـةٌ لِنَفْسِ المُنْعِـمِ
ولقَدْ حَفِظْتُ وَصَاةَ عَمِّي بِالضُّحَى
إِذْ تَقْلِصُ الشَّفَتَانِ عَنْ وَضَحِ الفَمِ
في حَوْمَةِ الحَرْبِ التي لا تَشْتَكِـي
غَمَـرَاتِها الأَبْطَالُ غَيْرَ تَغَمْغُـمِ
إِذْ يَتَّقُـونَ بـيَ الأَسِنَّةَ لم أَخِـمْ
عَنْـها ولَكنِّي تَضَايَقَ مُقْدَمـي
لـمَّا رَأيْتُ القَوْمَ أقْبَلَ جَمْعُهُـمْ
يَتَـذَامَرُونَ كَرَرْتُ غَيْرَ مُذَمَّـمِ
يَدْعُـونَ عَنْتَرَ والرِّماحُ كأَنَّهـا
أشْطَـانُ بِئْـرٍ في لَبانِ الأَدْهَـمِ
مازِلْـتُ أَرْمِيهُـمْ بِثُغْرَةِ نَحْـرِهِ
ولِبـانِهِ حَتَّـى تَسَـرْبَلَ بِالـدَّمِ
فَـازْوَرَّ مِنْ وَقْـعِ القَنا بِلِبانِـهِ
وشَـكَا إِلَىَّ بِعَبْـرَةٍ وَتَحَمْحُـمِ
لو كانَ يَدْرِي مَا المُحاوَرَةُ اشْتَكَى
وَلَـكانَ لو عَلِمْ الكَلامَ مُكَلِّمِـي
ولقَـدْ شَفَى نَفْسي وَأَذهَبَ سُقْمَهَـا
قِيْلُ الفَـوارِسِ وَيْكَ عَنْتَرَ أَقْـدِمِ
والخَيـلُ تَقْتَحِمُ الخَبَارَ عَوَابِسـاً
مِن بَيْنَ شَيْظَمَـةٍ وَآخَرَ شَيْظَـمِ
ذُللٌ رِكَابِي حَيْثُ شِئْتُ مُشَايعِي
لُـبِّي وأَحْفِـزُهُ بِأَمْـرٍ مُبْـرَمِ
ولقَدْ خَشَيْتُ بِأَنْ أَمُوتَ ولَم تَـدُرْ
للحَرْبِ دَائِرَةٌ على ابْنَي ضَمْضَـمِ
الشَّـاتِمِيْ عِرْضِي ولَم أَشْتِمْهُمَـا
والنَّـاذِرَيْـنِ إِذْ لَم أَلقَهُمَا دَمِـي
إِنْ يَفْعَـلا فَلَقَدْ تَرَكتُ أَباهُمَـا
جَـزَرَ السِّباعِ وكُلِّ نِسْرٍ قَشْعَـمِ


عمرو بن كلثوم

نحو (... - 39 ق. هـ = ... - 584 م)

هو عمرو بن كلثوم بن عمرو بن مالك بن عتّاب بن سعد بن زهير بن جُشَم بن حُبيب بن غنم بن تغلب بن وائل، أبو الأسود ، شاعر جاهلي مشهور من شعراء الطبقة الأولى، ولد في شمالي جزيرة العرب في بلاد ربيعة، وتجول فيها وفي الشام والعراق ونجد. كان من أعز الناس نفساً، وهو من الفتاك الشجعان، ساد قومه تغلب وهو فتى، وعمر طويلاً، وهو الذي قتل الملك عمرو بن هند، فتك به وقتله في دار ملكه وانتهب رحله وخزائنه وانصرف بالتغالبة إلى بادية الشام، ولم يصب أحد من أصحابه.
وأمُّ عمرو، كما قالت رحاب عكاوي في سيرته، هي ليلى بنت المهلهل أخي كليب، اشتهرت بالأنفة وعظم النفس، كما كانت لجلالة محتدها من فضليات السيدات العربيات قبل الإسلام. قيل إنّ المهلهل لما تزوج هنداً بنت بعج بن عتبة ولدت له ليلى فقال المهلهل لامرأته هند: اقتليها، على عادة عرب الجاهلية، فلم تفعل أمها، وأمرت خادماً لها أن تغيّبها عنها. فلما نام المهلهل هتف به هاتف يقول:
كم من فتى مؤمَّلِ- وسيّد شَمَرْدَلِ
وعُدّةٍ لا تجْهَلِ- في بطنِ بنتِ مهلهلِ
فاستيقظ مذعوراً وقال: يا هند أين ابنتي، فقالت: قتلتها. قال: كلاّ وإله ربيعة، وكان أول من حلف بها، فأصدقيني. فأخبرته، فقال: أحسني غذاءها، فتزوّجها كلثوم بن عمرو ابن مالك بن عتّاب. فلما حملت بعمرو، قالت: إنه أتاني آتٍ في المنام فقال:
يا لك ليلى من ولد- يُقدِمُ إقدام الأسدْ
من جُشمٍ فيه العددْ- أقول قيلاً لا فَنَدْ
فولدت عمراً. ولما أتت عليه سنة قالت: أتاني ذلك الآتي في الليل فأشار إلى الصبيّ وقال:
إني زعيمُ لكِ أمَّ عمرو- بماجدِ الجدّ كريم النَّجْرِ
أشجعُ من ذي لبيدٍ هزبرِ- وقّاص آدابٍ شديد الأشْرِ
يسودُهم في خمسةٍ وعشرِ
وقد قيل إنه كان الأمر كما سمعت وساد عمرو بن كلثوم قومه تغلب وهو ابن خمس عشرة سنة. وتغلب هم من هم في الشرف والسيادة والمجد وضخامة العدد وجلال المحتد والأرومة. وأسرة عمرو سادات تغلب ورؤساؤها وفرسانها حتى قيل: لو أبطأ الإسلام لأكلت تغلب الناس. ولد ونشأ في أرض قومه التغلبيين، وكانوا يسكنون الجزيرة الفراتية وما حولها، وتخضع قبيلته لنفوذ ملوك الحيرة مع استقلالهم التام في شؤونهم الخاصة والعامة، والحيرة كما نعلم إمارة عربية أقامها الفرس على حدود الجزيرة العربية وحموها بالسلاح والجنود.
ولد عمرو إذاً بين مجد وحسب وجاه وسلطان، فنشأ شجاعاً هماماً خطيباً جامعاً لخصال الخير والسؤدد والشرف، وبعد قليل ساد قومه وأخذ مكان أبيه، وقال الشعر وأجاد فيه وإن كان من المقلّين.
ويقال إنّ قصيدته المعلقة كانت تزيد على ألف بيت وإنها في أيدي الناس غير كاملة وإنما في أيديهم ما حفظوه منها. وكان خبر ذلك ما ذكره أبو عمر الشيباني، قال: إنّ عمرو بن هند لما ملك، وكان جبّاراً عظيم الشأن والملك، جمع بكراً وتغلب ابني وائل وأصلح بينهم بعد حرب البسوس، وأخذ من الحيّين رهناً من كل حيّ مائة غلام من أشرافهم وأعلامهم ليكفّ بعضهم عن بعض. وشرط بعضهم على بعض وتوافقوا على أن لا يُبقي أحد منهم لصاحبه غائلةً ولا يطلبه بشيءٍ مما كان من الآخر من الدماء. فكان أولئك الرهن يصحبونه في مسيره ويغزون معه، فمتى التوى أحد منهم بحق صاحبه أقاد من الرهن.
وحدث أن سرّح عمرو بن هند ركباً من بني تغلب وبني بكر إلى جبل طيّئ في أمر من أموره، فنزلوا بالطرفة وهي لبني شيبان وتيم اللات أحلاف بني بكر. فقيل إنهم أجلوا التغلبيين عن الماء وحملوهم على المفازة فمات التغلبيون عطشاً، وقيل بل أصابتهم سموم في بعض مسيرهم فهلك عامّة التغلبيين وسلم البكريون. فلما بلغ ذلك بني تغلب غضبوا وطلبوا ديات أبنائهم من بكر، فأبت بكر أداءها. فأتوا عمرو بن هند فاستعدوه على بكر وقالوا: غدرتم ونقضتم العهد وانتهكتم الحرمة وسفكتم الدماء. وقالت بكر: أنتم الذين فعلتم ذلك، قذفتمونا بالعضيهة وسوّمتم الناس بها وهتكتم الحجاب والستر بادعائكم الباطل علينا. قد سبقنا أولادكم إذ وردوا وحملناهم على الطريق إذ خرجوا، فهل علينا إذ حار القوم وضلّوا أو أصابتهم السموم! فاجتمع بنو تغلب لحرب بكر واستعدت لهم بكر، فقال عمرو بن هند: إني أرى الأمر سينجلي عن أحمر أصمّ من بني يشكر.
فلما التقت جموع بني وائل كره كل صاحبه وخافوا أن تعود الحرب بينهم كما كانت. فدعا بعضهم بعضاً إلى الصلح وتحاكموا إلى الملك عمرو. فقال عمرو: ما كنت لأحكم بينكم حتى تأتوني بسبعين رجلاً من أشراف بكر فأجعلهم في وثاق عندي، فإن كان الحق لبني تغلب دفعتهم إليهم، وإن لم يكن لهم حق خلّيت سبيلهم. ففعلوا وتواعدوا ليوم يعيّنه يجتمعون فيه. فقال الملك لجلسائه: من ترون تأتي به تغلب لمقامها هذا? قالوا: شاعرهم وسيّدهم عمرو بن كلثوم. قال: فبكر بن وائل? فاختلفوا عليه وذكروا غير واحد من أشراف بكر. قال عمرو: كلا والله لا تفرجُ بكر إلا عن الشيخ الأصمّ يعتز في ريطته فيمنعه الكرم من أن يرقعها قائده فيضعها على عاتقه، وأراد بذلك النعمان بن هرم. فلما أصبحوا جاءت تغلب يقودها عمر بن كلثوم حتى جلس إلى الملك، وجاءت بكر بالنعمان بن هرم، وهو أحد بني ثعلبة بن غنيم بن يشكر، فلما اجتمعوا عند الملك قال عمرو بن كلثوم للنعمان: يا أصمّ جاءت بك أولاد ثعلبة تناضل عنهم وهم يفخرون عليك. فقال النعمان: وعلى من أظلّت السماء كلها يفخرون ثم لا ينكر ذلك. فقال عمرو بن كلثوم: أما والله لو لطمتك لطمةً ما أخذوا لك بها. فقال له النعمان: والله لو فعلت ما أفلتّّ بها أنت ومن فضّلك. فغضب عمرو بن هند، وكان يؤثر بني تغلب على بكر، فقال لابنته: يا حارثة، أعطيه لحناً بلسان أنثى، أي شبيه بلسانك. فقال النعمان: أيها الملك، أعطِ ذلك أحبَّ أهلك إليك. فقال: يا نعمان أيسرُّك أني أبوك? قال: لا، ولكن وددت أنك أمي، فغضب عمرو غضباً شديداً حتى همّ بالنعمان وطرده. وقام عمر بن كلثوم وأنشد معلقته، وقام بإثره الحارث بن حلّزة وارتجل قصيدته.
وقصيدة عمرو بن كلثوم لم ينشدها على صورتها، كما وردت في أثناء المعلقات، وإنما قال منها ما وافق مقصوده، ثم زاد عليها بعد ذلك أبياتاً كثيرة، وافتخر بأمور جرت له بعد هذا العهد، وفيها يشير إلى شتم عمرو بن هند لأمه ليلى بنت مهلهل. وقد قام بمعلقته خطيباً بسوق عكاظ، وقام بها في موسم مكة. إلا أن عمرو بن هند آثر قصيدة الحارث بن حلزة وأطلق السبعين بكرياً، فضغن عمرو بن كلثوم على الملك، وعاد التغلبيون إلى أحيائهم. وما تفضيل الملك عمرو لقصيدة الحارث إلا لأنه كان جباراً متكبّراً مستبدّاً، وكان يريد إذلال عمرو بن كلثوم وإهانته ويضمر ذلك في نفسه، فقضى لبكر حسداً لعمرو لإذلاله بشرفه وحسبه ومجده.
ثم إن الملك عمراً كان جالساً يوماً مع ندمائه، فقال لهم: هل تعلمون أحداً من العرب تأنف أمه من خدمة أمي هند? فقالوا: نعم، أم عمرو بن كلثوم. قال: وَلِمَ? قالوا: لأنّ أباها مهلهل بن ربيعة، وعمها كليب بن وائل أعز العرب، وبعلها كلثوم بن مالك أفرس العرب، وابنها عمرو وهو سيّد قومه، وكانت هند عمة امرئ القيس بن حجر الشاعر، وكانت أم ليلى بنت مهلهل هي بنت أخي فاطمة بنت ربيعة التي هي أم امرئ القيس وبينهما هذا النسب. فأرسل عمرو بن هند إلى عمرو بن كلثوم يستزيره، ويسأله أن يزير أمه أمه. فأقبل عمرو بن كلثوم من الجزيرة إلى الحيرة في جماعة من بني تغلب، وأقبلت ليلى أمه في ظعن من بني كلثوم من الجزيرة إلى الحيرة في جماعة من بني تغلب، وأم عمرو بن هند برواقه فضرب فيما بين الحيرة والفرات، وأرسل إلى وجوه أهل مملكته فحضروا في وجوه بني تغلب، فدخل عمرو بن كلثوم على الملك عمرو في رواقه، ودخلت ليلى وهند في قبة من جانب الرواق. وكان عمرو بن هند أمر أمه أن تنحي الخدم إذا دعا الطُرُف وتستخدم ليلى. ودعا الملك عمرو بمائدة، ثم دعا بطرف، فقالت هند: ناوليني يا ليلى ذلك الطبق، فقالت ليلى: لتقم صاحبة الحاجة إلى حاجتها، فأعادت عليها فصاحت ليلى: واذلاّه، يا لتغلب! فسمعها ابنها عمرو، فثار الدم في وجهه. ونظر إليه عمرو بن هند فعرف الشرَّ في وجهه، فوثب عمرو بن كلثوم إلى سيف لعمرو بن هند معلق بالرواق، ليس هناك سيف غيره، فضرب به رأس ابن هند وقتله، وكان ذلك نحو سنة 569م، ثم نادى عمرو في بني تغلب فانتبهوا ما في الرواق وساقوا نجائبه وساروا نحو الجزيرة، وجاشت نفس عمرو وحمي غضبه وأخذته الأنفة والنخوة فنظم بعض معلقته في هذه الحادثة يصف فيها حديثه مع ابن هند ويفتخر بأيام قومه وغاراتهم المشهورة.
ومن أخبار عمرو بن كلثوم بعد ذلك أنه أغار على بني تميم، ثم مرّ من غزوه ذلك على حي من بني قيس بن ثعلبة، فملأ يديه منهم وأصاب أسارى وسبايا، وكان فيمن أصاب أحمر بن جندل السعدي، ثم انتهى إلى بني حنيفة باليمامة وفيهم أناس من عجل، فسمع بها أهل حجر، فكان أول من أتاه من بني حنيفة بنو سحيم عليهم يزيد بن عمرو بن شمر، فلما رآهم عمرو بن كلثوم ارتجز وقال:
مَن عالَ منا بعدها فلا اجتَبَرْ- ولا سقى الماءً ولا أرعى الشَّجَرْ
بنو لُجيمٍ وجعاسيسُ مُضَرْ- بجانب الدوِّ يُديهونَ العَكَرْ
فانتهى إليه يزيد بن عمرو فطعنه فصرعه عن فرسه وأسره، وكان يزيد شديداً جسيماً، فشدّه في القدّ وقال له: أنت الذي تقول:
متى تُعقد قرينتُنا بحبلٍ- نجذّ الحبلَ أو نَقْصِ القرينا
أما إني سأقرنك إلى ناقتي هذه فأطردكما جميعاً. فنادى عمرو بن كلثوم: يا لربيعة، أمثلة! قال: فاجتمعت بنو لجيم فنهوه، ولم يكن يريد ذلك به، فسار به حتى أتى قصراً بحجر من قصورهم، وضرب عليه قبّة ونحرَ له وكساه وحمله على نجيبة وسقاه الخمر، فلما أخذت برأسه تغنّى:
أأجمعُ صُحبتي الشَّحَرَ ارتحالاً- ولم أشْعُرْ بِبَينٍ منك هالا
ولم أرَ مثلَ هالَةَ في معَدٍّ- أُشَبّهُ حسْنَها إلاَّ الهِلالا
ألا أبْلِغ بني جُشَمِ بْنَ بكرٍ- وتغلبَ كلّما أتَيا حَلالا
بأنَّ الماجدَ القرْمَ ابن عمرو- غداة نُطاعُ قد صدَقَ القِتالا
كتيبَتُهُ مُلَمْلمَةٌ رَداحٌ- إذا يرمونها تُفني النّبالا
جزى الله الأغَرَّ يزيدَ خيراً- ولقَّاه المسَرَّة والجمالا
بمآخذِه ابنَ كُلثومَ بنَ عمرٍو- يزيدُ الخيرِ نازَلَهُ نِزالا
بِجمعٍ مِن بني قرَّان صِيدٍ- يُجيلونَ الطّعانَ إذا أجالا
يزيدُ يُقَدّم السُّفراءَ حتى- يُروّي صدرها الأسَلَ النِّهالا
وعنه أخبر ابن الأعرابي، قال: إن بني تغلب حاربوا المنذر بن ماء السماء، فلحقوا بالشام خوفاً، فمرّ بهم عمرو بن أبي حجر الغسّاني فلم يستقبلوه. وركب عمرو بن كلثوم فلقيه، فقال له الملك: ما منع قومك أن يتلقوني? قال: لم يعلموا بمرورك. فقال: لئن رجعت لأغزونّهم غزوة تتركهم أيقاظاً لقدومي. فقال عمرو: ما استيقظ قوم قط إلاّ نبلُ رأيهم وعزّت جماعتهم، فلا توقظن نائمهم. فقال: كأنك تتوعّدني بهم، أما والله لتعلمنّ إذا نالت غطاريف غسّان الخيل في دياركم أن أيقاظ قومك سينامون نومة لا حلم فيها تجتثُّ أصولهم وينفى فلُّهم إلى اليابس الجرد والنازح الثمد. ثم رجع عمرو بن كلثوم عنه وجمع قومه وقال:
ألا فاعلم أبيت اللعن أنّا- على عمدٍ سنأتي ما نريدُ
تعلّمْ أنّ محملنا ثقيلٌ- وأنّ زِنادَ كبَّتنا شديدُ
وأنّا ليس حيٌّ من مَعِدٍّ- يوازينا إذا لُبسَ الحديدُ
فلما عاد الحارث الأعرج غزا بني تغلب، فاقتتلوا واشتد القتال بينهم. ثم انهزم الحارث وبنو غسّان وقتل أخو الحارث في عدد كثير، فقال عمرو بن كلثوم:
هلاّ عطفتَ على أخيك إذا دعا- بالثكل ويل أبيك يا ابنَ أبي شَمِرْ
قذفَ الذي جشّمت نفسك واعترف- فيها أخاك وعامر بن أبي حُجُرْ
هكذا عاش عمرو بن كلثوم عظيماً من عظماء الجاهلية وأشرافهم وفرسانهم، عزيز النفس، مرهوب الجانب، شاعراً مطبوعاً على الشعر. وقد عمّر طويلاً حتى إنهم زعموا أنه أتت عليه خمسون ومائة سنة، وكانت وفاته في حدود سنة 600 م. وقد روى ابن قتيبة خبر وفاته، قال: فانتهى (ويعني يزيد بن عمرو) به إلى حجر فأنزله قصراً وسقاه، فلم يزل يشرب حتى مات. وذكر ابن حبيب خبراً آخر في موت عمر بن كلثوم فقال: وكانت الملوك تبعث إليه بحبائه وهو في منزله من غير أن يفد إليها، فلما ساد ابنه الأسود بن عمرو، بعث إليه بعض الملوك بحبائه كما بعث إلى أبيه، فغضب عمرو وقال: ساواني بعَوْلي! ومحلوفه لا يذوق دسماً حتى يموت، وجعل يشرب الخمر صرفاً على غير طعام، فلما طال ذلك قامت امرأته بنت الثُوير فقتّرت له بشحم ليقرم إلى اللحم ليأكله، فقام يضربها ويقول:
معاذَ الله تدعوني لِحنْثٍ- ولو أقْفَرْتُ أيّاماً قُتارُ
فلم يزل يشرب حتى مات.
ولعمرو ابن اسمه عبّاد بن عمرو بن كلثوم، كان كأبيه شجاعاً فارساً، وهو الذي قتل بشر بن عمرو بن عدس، كما أنّ مرة بن كلثوم، أخا عمرو، هو الذي قتل المنذر بن النعمان بن المنذر ملك الحيرة، وفي ذلك يقول الأخطل التغلبي مفتخراً:
أبني كليب إنّ عميَّ اللذا- قتلا الملوكَ وفكّكا الأغلالا
وله عقب اشتهر منهم كلثوم بن عمرو العتّابي الشاعر المترسّل، من شعراء الدولة العباسية.
وقد اهتم المستشرقون الغربيون بشعراء المعلقات وأولوا اهتماماً خاصاً بالتعرف على حياتهم، فقد قالت ليدي آن بلنت وقال فلفريد شافن بلنت عن عمرو بن كلثوم في كتاب لهما عن المعلقات السبع صدر في بداية القرن العشرين: يقف عمرو بن كلثوم، شيخ قبيلة بني تغلب، في الصف الأول لشعراء ما قبل الإسلام. يقال إنه ولد قبل بداية القرن السادس وأصبح شيخاً لقبيلة في سن الخامسة عشرة وتوفي قرابة نهاية القرن، اثنا وعشرون سنة قبل الهجرة.
يقال إن والد أمه ليلى بنت المهلهل، سيدة أصبحت لها مكانة مرموقة بين العرب لاحقاً، قد أمر بوأدها كما كانت عادة العرب آنذاك، لكنه أبقى على حياتها بعد تحذير رآه في حلم.
كان عمرو شخصاً حاد الطبع، متكبراً، كريماً، محبوباً من أبناء قبيلته وشاعراً منذ نعومة أظافره. ذكر سبب نظم معلقته في كتاب الأغاني على النحو التالي:
قصة قتله لعمرو بن هند: قال أبو عمرو حدثني أسد بن عمرو الحنفي وكرد بن السمعي وغيرهما، وقال ابن الكلبي حدثني أبي وشرقي بن القطامي، وأخبرنا إبراهيم بن أيوب عن ابن قتيبة: أن عمرو بن هند قال ذات يوم لندمائه: هل تعلمون أحداً من العرب تأنف أمه من خدمة أمي، فقالوا: نعم! أم عمرو بن كلثوم. قال: ولم، قالوا: لأن أباها مهلهل بن ربيعة، وعمها كليب وائل أعز العرب، وبعلها كلثوم بن مالك أفرس العرب، وابنها عمرو وهو سيد قومه. فأرسل عمرو بن هند إلى عمرو بن كلثوم يستزيره ويسأله أن يزير أمه أمه. فأقبل عمرو من الجزيرة إلى الحيرة في جماعة من بني تغلب. وأمر عمرو بن هند برواقه فضرب فيما بين الحيرة والفرات، وأرسل إلى وجوه أهل مملكته فحضروا في وجوه بني تغلب. فدخل عمرو بن كلثوم على عمر بن هند في رواقه، ودخلت ليلى وهند في قبة من جانب الرواق. وكانت هند عمة امرئ القيس بن حجر الشاعر، وكانت أم ليلى بنت مهلهل بنت أخي فاطمة بنت ربيعة التي هي أم امرئ القيس، وبينهما هذا النسب. وقد كان عمرو بن هند أمر أمه أن تنحي الخدم إذا دعا بالطرف وتستخدم ليلى. فدعا عمرو بمائدةٍ ثم دعا بالطرف. فقالت هند: ناوليني يا ليلى ذلك الطبق. فقالت ليلى: لتقم صاحبة الحاجة إلى حاجتها. فأعادت عليها وألحت. فصاحت ليلى: واذلاه! يا لتغلب! فسمعها عمرو بن كلثوم فثار الدم في وجهه، ونظر إلى عمر بن هند فعرف الشر في وجهه، فوثب عمرو بن كلثوم إلى سيفٍ لعمرو بن هند معلقٍ بالرواق ليس هناك سيف غيره، فضرب به رأس عمرو بن هند، ونادى في بني تغلب، فانتهبوا ما في الرواق وساقوا نجائبه، وساروا نحو الجزيرة.
هكذا وردت الحكاية. وزن معلقة عمرو بن كلثوم والحارث أقصر من الآخرين، لكن معلقة عمرو ليست بأقل من الأخريات. لعلها أفضل للسمة الجدلية للقصائد وبها إيقاع ما ورنين في غاية الجاذبية. تروق المواضيع التي تتطرق إليها المعلقات، سياسية في معظمها، بقوة إلى القارىء الإنجليزي المعاصر، غير أنها تتحلى بالنسبة لمن يعرف الشعر العربي المعاصر بأهمية خاصة جداً لأنها تظهر كم قليلاً تغير عالم البدو في أفكاره السياسية أو حتى في وضعه السياسي في 1400 سنة الماضية. يصعب وجود فكرة عبر عنها المدافعون عن قضية لا تسمع اليوم من أفواه شيوخ القبائل المتنازعة الذين ارتحلوا إلى حايل لإنهاء خلافاتهم أمام ابن رشيد. الفرق الوحيد أن خطب المتنافسين اليوم لم تعد تقدم عبر القصائد.
وقال عنه دبليو إى كلوستون في كتاب من تحريره عن الشعر العربي: كان عمرو بن كلثوم أميراً من قبيلة أرقم، أحد فخوذ بني تغلب. كانت أمه ليلى ابنة المهلهل وهند، التي أراد والدها وأدها كما كانت عادة العرب، لكنه سمع صوتاً في منامه يقول له إن ابنته ستصبح أم بطل. طلب إعادتها إلى البيت وكانت ما تزال على قيد الحياة. تزوجت ليلى من كلثوم وحلمت بعد مولد عمرو أنه سيكون أشجع المحاربين.
دارت حرب طويلة بين تغلب وبني بكر إثر مقتل كليب بن ربيعة. اتفق على وقف الحرب وليحكم فيها عمرو بن هند، ملك الحيرة، الملك نفسه الذي أمر بقتل طرفه. كان عمرو بن كلثوم المدافع عن بني تغلب والحارث بن حلزة المدافع عن بني بكر. يورد النقاش في معلقته. وحيث إن الملك لم يسر بتفاخر عمرو بن كلثوم، حكم لصالح بني بكر، فقتله عمرو بن كلثوم ثأراً، كما يظن لقتله طرفه، آخرون يرون وربما هم أصوب، لحكمه ضد بني تغلب.
ذكرت ظروف مقتل الملك على النحو التالي:
قصة قتله لعمرو بن هند: قال أبو عمرو حدثني أسد بن عمرو الحنفي وكرد بن السمعي وغيرهما، وقال ابن الكلبي حدثني أبي وشرقي بن القطامي، وأخبرنا إبراهيم بن أيوب عن ابن قتيبة: أن عمرو بن هند قال ذات يوم لندمائه: هل تعلمون أحداً من العرب تأنف أمه من خدمة أمي? فقالوا: نعم! أم عمرو بن كلثوم. قال: ولم? قالوا: لأن أباها مهلهل بن ربيعة، وعمها كليب وائل أعز العرب، وبعلها كلثوم بن مالك أفرس العرب، وابنها عمرو وهو سيد قومه. فأرسل عمرو بن هند إلى عمرو بن كلثوم يستزيره ويسأله أن يزير أمه أمه. فأقبل عمرو من الجزيرة إلى الحيرة في جماعة من بني تغلب. وأمر عمرو بن هند برواقه فضرب فيما بين الحيرة والفرات، وأرسل إلى وجوه أهل مملكته فحضروا في وجوه بني تغلب ?. فدخل عمرو بن كلثوم على عمر بن هند في رواقه، ودخلت ليلى وهند في قبة من جانب الرواق. وكانت هند عمة امرئ القيس بن حجر الشاعر، وكانت أم ليلى بنت مهلهل بنت أخي فاطمة بنت ربيعة التي هي أم امرئ القيس، وبينهما هذا النسب. وقد كان عمرو بن هند أمر أمه أن تنحي الخدم إذا دعا بالطرف وتستخدم ليلى. فدعا عمرو بمائدةٍ ثم دعا بالطرف. فقالت هند: ناوليني يا ليلى ذلك الطبق. فقالت ليلى: لتقم صاحبة الحاجة إلى حاجتها. فأعادت عليها وألحت. فصاحت ليلى: واذلاه! يا لتغلب! فسمعها عمرو بن كلثوم فثار الدم في وجهه، ونظر إلى عمر بن هند فعرف الشر في وجهه، فوثب عمرو بن كلثوم إلى سيفٍ لعمرو بن هند معلقٍ بالرواق ليس هناك سيف غيره، فضرب به رأس عمرو بن هند، ونادى في بني تغلب، فانتهبوا ما في الرواق وساقوا نجائبه، وساروا نحو الجزيرة.
نظم عمرو بن كلثوم علاوة على معلقته بعض قصائد الهجاء المرير للنعمان ملك الحيرة وأمه التي كانت ابنة صائغ.
لما حضرت عمرو بن كلثومٍ الوفاة وقد أتت عليه خمسون ومائة سنة، جمع بنيه فقال: يا بني، قد بلغت من العمر ما لم يبلغه أحد من آبائي، ولا بد أن ينزل بي ما نزل بهم من الموت. وإني والله ما عيرت أحداً بشيء إلا عيرت بمثله، إن كان حقاً فحقاً، وإن كان باطلاً فباطلاً. ومن سب سب؛ فكفوا عن الشتم فإنه أسلم لكم، وأحسنوا جواركم يحسن ثناؤكم، وامنعوا من ضيم الغريب؛ فرب رجلٍ خير من ألف، ورد خير من خلف. وإذا حدثتم فعوا، وإذا حدثتم فأوجزوا؛ فإن مع الإكثار تكون الأهذار . وأشجع القوم العطوف بعد الكر، كما أن أكرم المنايا القتل. ولا خير فيمن لا روية له عند الغضب، ولا من إذا عوتب لم يعتب . ومن الناس من لا يرجى خيره، ولا يخاف شره؛ فبكؤه خير من دره، وعقوقه خير من بره. ولا تتزوجوا في حيكم فإنه يؤدي إلى قبيح البغض."

عمرو بن كلثوم والمعلقة
قال أبو الأسود: عمرو بن كلثوم بن مالك بن عتاب بن سعد بن زهير بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمر بن عثمان بن تغلب بن وائل بن قاسط بن هند بن أفصى بن دعمي بن خويلد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان.
[قال أبو عمرو الشيباني كانت بنو تغلب بن وائل من أشد الناس في الجاهلية وقالوا: لو أبطأ الإسلام قليلا لأكلت بنو تغلب الناس.
ويقال: جاء ناس من بني تغلب إلى بكر بن وائل يستسقونهم فطردتهم بكر للحقد الذي كان بينهم، فمات منهم سبعون رجلا عطشا، ثم إن بني تغلب اجتمعوا لحرب بكر بن وائل، واستعدت لهم بكر حتى إذا التقوا كره كل صاحبه، وخافوا أن تعود الحرب بينهم كما كانت، فدعا بعضهم بعضا إلى الصلح، فتحاكموا في ذلك إلى الملك عمرو بن هند، فقال عمرو: ما كنت لأحكم بينكم؛ حتى تأتوني بسبعين رجلا من أشراف بكر بن وائل فأجعلهم في وثاق عندي، فإن كان الحق لبني تغلب دفعتهم إليه، وإن لم يكن لهم حق خليت سبيلهم، ففعلوا وتواعدوا ليوم بعينه يجتمعون فيه.
فقال الملك لجلساته: من ترون تأتي به تغلب لمقامها هذا؟ فقالوا شاعرهم وسيدهم عمرو بن كلثوم، قال: فبكر بن وائل؟ فاختلفوا عليه وذكروا غير واحد من أشراف بكر بن وائل.
قال: كلا والله لا تفرج بكر بن وائل إلا عن الشيخ الأصم يعثر في ريطته فيمنعه الكرم من أن يرفعها قائده فيضعها على عاتقه.
فلما أصبحوا جاءت تغلب يقودها عمرو بن كلثوم حتى جلس إلى الملك. وقال الحارث بن حلزة لقومه: إني قد قلت خطبة فمن قام بها ظفر بحجته، وفلج على خصمه فرواها ناسا منهم، فلما قاموا بين يديه لم يرضهم، فحين علم أنه لا يقوم بها أحد مقامه. قال لهم: والله إني لأكره أن آتي الملك، فيكلمني من وراء سبعة ستور، وينضح أثري بالماء إذا انصرفت عنه، وذلك لبرص كان به، غير أني لا أرى أحدا يقوم بها مقامي، وأنا محتمل ذلك لكم.
فانطلق حتى أتى الملك، فلما نظر إليه عمرو بن كلثوم قال للملك، أهذا يناطقني، وهو لا يطيق صدر راحلته؟ فأجابه الملك حتى أفحمه، وأنشد الحارث قصيدته "آذنتنا ببينها أسماء" وهو من وراء سبعة ستور، وهند تسمع، فلما سمعتها قالت: تالله ما رأيت كاليوم قط رجلا يقول مثل هذا القول يكلم من وراء سبعة ستور.
فقال الملك: ارفعوا سترا ودنا فما زالت تقول ويرفع ستر، فستر حتى صار مع الملك على مجلسه، ثم أطعمه من جفنته، وأمر ألا ينضح أثره بالماء، وجز نواصي السبعين الذين كانوا في يديه من بكر، ودفعها إلى الحارث، وأمر ألا ينشد قصيدته إلا متوضئا.
فلم تزل تلك النواصي في بني يشكر بن الحارث، وهو من ثعلبة بن غنم من بني مالك بن ثعلبة.
وأنشد عمرو بن كلثوم قصيدته].
[وقال عمرو بن كلثوم يذكر أيام بني تغلب ويفتخر بهم].
يمكن أن يلاحظ المرء في هذه القصة ما يلي: 1- تعاطف عمرو بن هند مع بني بكر منذ البداية حينما وصف حارث بن حلزة.
2- إن قصيدة الحارث رقيقة لطيفة ولكنها لا تكفل بدفع الحق عن بني بكر فهم الذين دفعوا رجال تغلب إلى الموت لعدم تركهم يشربون.
3- لم يقض عمرو بن هند بشيء فجز نواصي بني بكر إدانة واضحة لكنه لم يمكن بني تغلب من رقابهم كما وعد.
4- هذا الموقف المنحاز دفع بعمرو بن كلثوم لقتل عمرو بن هند كما تقول روايات التاريخ في صدام عمرو بن كلثوم مع عمرو بن هند.
5- قصيدة عمرو بن كلثوم ليست قطعة واحدة كما يشم من هذا الخبر ومن خبر مقتل عمرو بن هند ولهذه فهما مكملتان لبعضهما أدمجتا في قصيدة واحدة.
أ?- القصيدة التي قيلت في هذا الموقف.
ب?- القصيدة التي قيلت في موقف وعرفنا كل قسم بمفرده.
[قال الشيخ أبو عبيد الله المرزباني رحمه الله تعالى: وقد روي أن طرفة قال هذا القول لعمرو بن كلثوم التغلبي فحدثني علي بن عبد الرحمن، قال: أخبرني يحيى بن علي المنجم عن أبيه عن محمد بن سلام قال: وفد طرفة بن العبد على عمرو بن هند فأنشده شعرا له وصف فيه جملا والهاء يجب أن تعود على عمرو بن كلثوم ليتم المعنى والصواب فأنشده عمرو شعرا له وصف فيه فبينما هو في وصفه خرج إلى ما توصف به الناقة فقال له طرفة: استنوق الجمل فغضب عمرو بن كلثوم وهايج طرفة، وكان ميل عمرو بن هند مع طرفة، فاستعلاه عمرو بن كلثوم بفضل السن والعلم فقال طرفة أبياتا يفخر فيها ببكر على تغلب وأولها:
أشجاك الربع أم قدمه

أم رماد دارس حممه
فانصرف عمرو بن كلثوم مغضبا بفخر طرفة عليه وميل عمرو بن هند مع طرفة فقال قصيدته:
ألا هبي بصحنك فأصبحينا
ففخر على بكر بن وائل فخرا كثيرا، وعاد عمرو بن هند فأنشده فلم يقم طرفة ولم يكن عنده رد ورحل عمرو بن كلثوم إلى قومه، وأشاع حديث عمرو بن كلثوم، فأحمش البكرية، فبلغ ذلك الحارث بن حلزة اليشكري ويشكر هو ابن وائل فقال "آذنتنا ببينها أسماء".
وكان الحارث أبرص، ولم يكن يدخل على عمرو بن هند ذو عاهة، فمكث ببابه لا يصل إليه حتى خرج عمرو بن هند متمطرا غب سماء، فقعد في قبة له، فوقف الحارث بن حلزة خلف القبة فأنشد القصيدة، فلما سمعها عمرو دعاه، فأكرمه وأدناه.
ألا هبي بصحنك فأصبحينا

ولا تبقي خمور الأندرينا
ألا انتباه: هبي أي انتبهي وقومي من منامك، والصحن: القدح الكبير، ويقال الصغير، ويقال القصير الجدار، وقوله فأصبحينا: أي فاسقينا الصبوح وهو شرب أول النهار ولا تبقي خمور الأندرينا أي لا بتعثيها لغيرنا، وتسقيها لسوانا والأندرين قرية من قرى الشام.
وكأس قد شربت ببعـلـبـك

وأخرى في بلاحس قاصرينا
وعاذينا بـهـا أن الـمـنـايا

لعمرك من وراء المشفقينـا
مشعشعة كأن الحص فـيهـا

إذا ما الماء خالطها سخينـا
الحص: صبغ أحمر، وقيل هو الورس، وقيل هو الزعفران، قوله سخينا: أراد به سخن الماء، لأنهم كانوا يموجون الخمرة بالماء الساخن في الشتاء، وقيل بل هو من سخا الرجل يسخو إذا جاد بما في يديه.
تجور بذي اللبانة عن هواه

إذا ما ذاقها حتى يلينـا
تجور: تميل به وتعدل عن هواه، اللبانة الحاجة: أي حتى يعدل عن حاجته ويلين لأصحابه، ويجلس معهم.
ترى اللحز إذا أمرت

عليه لماله فيها مهينا
إذا مرت أديرت، لماله مهينا أي إنفاقه إهانته، وإكرامه: جمعه وحفظه.
[كأن الشهب في الآذان منها

إذا قرعوا بحافتها الجبينا]
إنا سوف تدركنا الـمـنـايا

مقدرة لنا ومـقـدرينـا
مقدرة لنا أي قدرت لنا، وقدرنا لها، ومقدرة نصب على الحال.
وما شر الثلاثة أم عـمـرو

بصاحبك الذي لا تصبحينـا
صددت الكأس عنا أم عمرو

وكان الكأس مجراها اليمينا
ويروى هذان البيتان لعمرو ابن أخت جذيمة الأبرش.
صددت: أي منعت اليمينا منصوب على الظرف أي ناحية اليمين.
[إذا صمدت حمـياهـا أريبـا

من الفتيان خلت به جنـونـا
فما برحت مجال الشراب حتى

تغالوها، وقالوا: قد روينـا]
وإن غـدا وإن الـيوم رهـن

وبعد غد بما لا تعلـمـينـا
قفي قبل التفرق يا ظـعـينـا

نخبرك اليقين وتخـبـرينـا
الظعينة المرأة في الهودج، وأراد يا ظعينة، فرخم وأشبع الفتحة فنشأت منها الألف.
بيوم كريهة ضربا وطعنا

أقربه مواليك العيونـا
الكريهة الحرب، ضربا وطعنا منصوبان على الحال أو على المصدر، والضمير في به عائد على اليوم، والموالي بنو العم الواحد مولى.
قفي نسألك هل أحدثت صرما

لوشك البين أم خنت الأمينا
الصرم القطيعة، والصريمة كذلك يقال صرم حبله: أي قطعه، والوشك: السرعة والقرب، ومنه يوشك أن يفعل كما جاء في عسى على التشبيه بكاد.
خنت فعلت من الخيانة، والأمين: القوي، وقيل الثقة الحافظ للسر الذي استودع.
[أفي ليلى يعاتبني أبـوهـا

وإخوتها وهم لي ظالمونا]
تريك إذا دخلت على خلاء

وقد أمنت عيون الكاشحينا
الخلا من الخلوة من الرقباء والكاشحين الأعداء المبغضين وهو مأخوذ من الكشح، وهو الجنب كأنه يضم عدواته فيه ويروى تريك وقد دخلت.
ذراعي عيطل أدماء بكر

تربعت الأجارع والمتونا
ويروى الأراجع. أي تريك هذه المرأة ذراعي عيطل، تربعت من الربيع، والمتون جمع متن وهو المرتفع من الأرض الغليظة، ومنه قيل فلان متين.
وثديا مثل حق العاج رخصا

حصانا من أكف اللامسينا
أي على ناهد مثل حق العاج، وهو جمع حقه، شبه الثدي به، فهو ناهد في الصدر والحصان الممتنع، واللامسون: يعني بهم أهل الريبة، ويجوز أن يكون حصانا من نعت الثدي، ويجوز أن يكون حالا من الضمير في تريك.
[ووجها مثل ضوء البدر وافى

بإتمام أناسا مـدجـنـينـا]
ومتني لدنة طالـت ولانـت

روادفها تنوء بمـا يلـينـا
ويروى مماولينا، المتن جانب القنا، من نصف الصلب إلى أسفله، لدنة أي لينة، أراد به القنا، شبه المرأة بقوامها، والروادف جمع ردف، وذلك مما يلي العجيزة، وما يرتدفها من أسفل الظهر، الواحد ردف ويجمع أيضا على أرداف كجذع وأجذاع إلا أنه على رادفة وروادف كضاربة وضوارب، تنوء: تنهض بتثاقل، بما يلينا، أي بما يلي الروادف من العجز.
[ومأكمة يضيق الباب عتها

وكشحا قد جننت به جنونا
وسالفتني رخام أو بلـنـط

يرن خشاش حليهما رنينا]
فراجعت الصبا، واشتقت لما

رأيت حمولها أصلا حدينا
أصل جمع أصيل حدين سيقت.
وأعرضت اليمامة واشمخرت

كأسياف بأيدي مصلتـينـا
أعرضت: ظهرت، اليمامة اسم امرأة من بنات ثمود بن عاد سميت البلد بها، وكانت البلدة يقال لها جو، واشمخرت طالت أي بدت مستطيلة، ومنها شمروخ للجبال إذا كان عاليا والجمع شماريخ، والكاف في موضع نصب على أنها نعت لمصدر محذوف.
فما وجدت كوجدي أم سقب

أضلته فرجعت الحنينـا
ولا شمطاء لم يترك شقاها

لها من تسعة إلا جنـينـا
الشمطاء: المرأة المسنة، وحزنها من حزن الشابة، من تسعة أي من تسعة أولاد، إلا جنينا إلا ولدا في بطن أمه الشمطاء لأن الشمطاء ترجو الولد، والجنين المدفون لأنه يقال للقبر الجنين وللميت الجنين،وإذا خرج الولد من بطن أمه زال عنه هذا الاسم.
أبا هند فلا تعجل علينا

وأنظرنا نخبرك اليقينا
يعني ذلك عمرو بن هند بن المنذر وهو ابن المنذر أي تمهل فإنه سيأتيك اليقين.
بأنا نورد الرايات بـيضـا

ونصدرهن حمرا قد روينا
روين: يعني الرايات من الدماء، نوردها كما نورد الإبل للماء والألف فيه لفتحة النون.
أيام لـنـا غـير طـوال

عصينا الملك فيها أن ندينا
وعلى الهامش، ويروى بأيام لنا غير طوال، ويروى بكسر اللام وهي لغة ربيعة وجاء عند سيبويه على الكسرة والضمة للهاء كما في (بورقكم) (الكهف) ويجوز عند سيبويه إسكان الضمة والكسرة في الحرف الثاني من الكلمة الثلاثية وكما يقال عضد عضد ولا يجوز هذا في الفتحة، فلا يقال في جَمَل جَمل لأن الفتحة خفيفة.
عصينا إي إنا عصينا الملوك قبلك فلا يخوفنا الوعيد وجعل الأيام طوالا لما قبلها من الحروب والوقائع وهي على نسق بأنا نورد.
وسيد معشر قد تؤجوه=بتاج الملك يحمي المحجرينا ويروى قد عصبوه، والمحجرون محجر وهم الذين ألجئوا إلى الضيق وقد أحاطت بهم الخيل من كل وجه فاستلموا للموت.
تركنا الخيل عاكفة عليه

مقلدة أعنتها صفونـا
عاكفة: أي دارت بهم الخيل، ويروى عاطفة عليه وصفون جمع صافن وهي من الخيل القائمة على ثلاث قوائم من التعب.
وقد هرت كلاب الحي منا

وشذبنا قتادة من يلـينـا
ومعنى: كلاب الحي: الرجال الذين يكمنون في الحرب، أي لما دار علينا السلاح نبحت، وشذبنا من التشذيب وهو التفريق، وذلك أنه يأخذ من الشجرة أغصانها: أي مزقنا جمعهم وذللناهم. والقتادة شجر لها شوك أي فرقناهم كما يفرق الشوك وقوله من يلينا: من ولي حربنا أو من يقرب منا من أعدائنا.
[وأنزلنا البيوت بذي طـلـوح

إلى الشامات ننفي الموعدينا]
متى ننقل إلى قـوم رحـانـا

يكونوا في اللقاء لها طحينـا
ويروى متى تنقل، أي متى ننقل مكيدتنا إلى قوم: أي قوم حاربنا كانوا كالطحين للرحى ويريد بالرحي الحرب.

يكون ثفالها شرقي نجـد

ولهوتها قضاعة أجمعينا
ويروى شرقي سلمى، والثفال كساء أو جلد أو ثوب يجعل تحت الرحى، يسقط عليه الدقيق، شرقي نجد، ما ولي المشرق منه وقضاعة حي عظيم.
وإن الضغن بعد الضغن يفشو

عليك ويخرج الداء الدفينـا
ويروى: ويبدو، الضغن: الحقد الشديد الذي يكون ملازما للقلب فلا يفطر إلا بالدلائل، يقول: إن كتمت الحقد لا بد أنه يبدو عليك.
ورثنا المجد قد علمت معد

نطاعن دونه حتى يبينـا
ويروى حتى بيانا بفتح الباء أي حتى ينقطع عنهم، ويصير إلينا، معد قبيلة والضمير عائد على المجد، حتى يبينا بالنون والياء ويروى بالفتح والضم معا: أي حتى يظهر مجدنا وآثارنا الحسنة، ويروى حتى يلينا: أي ينقاد لنا.
ونحن إذا عماد الحي خـرت

على الأحفاض نمنع من يلينا
ويروى عن الأحفاض واحدها حفض، وهي هنا الإبل التي تحمل متاع البيت والعماد جمع عمد وهي الأساطين، وأصل الأحفاض: متاع البيت فقط. فمن روى عن الأحفاض أراد عن الإبلن ومن روى على الأحفاض أراد المتاع.
ندافع عنهم الأعداء قدما

ونحمل عنهم ما حملونا
ندافع عنهم: فلا يصيبونهم وقدما بمعنى قديما، ونحمل عنهم أي الحمالة وهي الدنة، ما يحملوننا، وهم مهما جنوا، نحمل عنهم الديات فيه.
نطاعن ما تراخى الناس عنـا

ونضرب بالسيوف إذا غشينا
ويروى القوم أي نطاعن إذا ولى الناس، تراخى: تباعد أي إذا بعدوا أعملنا الرماح، وإذا قربوا أعملنا السيوف، غشينا من غشي يغشى إذا دخل في الحرب.
بسمر من قنا الخطي لدن

ذوابل أو ببيض يعتلينا
الذوابل: العطاش يعتلين أي الرؤوس.
نشق بها رؤوس القوم شقا

ونخليها الرقاب فتختلينا
أي نجعل بالسيوف الرقاب خلى بالقصر وهو الحشيش، ونخليها أي نطعمها فشبه الرقاب بالخلى، ويروى وتختلينا بترك الفاعل.
تخال جماجم الأبطال فيها

وسوقا بالأماعز يرتمينا
تخال: تحسب، الجماجم جمع جمجمة وهي قحف الرأس، وسوقا جمع وسق وهي الحمل ستون صاعا يقال أسواق وتبدل من الواو همزة لانضمامها، فيقال أسؤق أدؤر والأصل سووق إلا أن الواو إذا انضمت ما قبلها لم تكسر ولم تضم لأن ذلك ثقيل فيها فوجب أن تسكن ولا يجتمع ساكنان فحذفت إحدى الواوين فعلى قياس سيبويه أن المحذوفة هي الثانية لأنها الزائدة فهي أولى بالحذف وعلى قياس الأخفش سعيد بن مسعدة أن المحذوفة الأولى لأن الثانية علامة فلا يجوز حذفها عنده والأماعز جمع أمعز وهو المكان الغليظ الكثير الحصا.
تجز رؤوسهم في غير بر

فما يدرون ماذا يتقونا؟
نجز ونحز بالجيم والحاء؛ ومعناه نفتل. في غير بر: أي لا يتقرب بدمائهم إلى الله تعالى كما نفعل في النسك، ويروى في غير نسك، ويروى نجز بالجيم أي نحن نجز نواصيهم إذا أسرناهم ونمن عليهم، ويروى في غير بر أي نفع في بحر من الدماء، وقوله بماذا يتقونا أي نبادرهم من كل ناحية.
كأن سيوفنا فينا وفيهـم

مخاريق بأيدي لاعبينا
مخاريق جمع مخراق ومخرق، شبهت بالسيوف وليس به، وهو شيء يتلاعب به الصبيان وغيرهم معمول من غير الحديد.
كأن ثيابنا منا ومـنـهـم

خضبن بأرجوان أو طلينا
أي صبغن والأرجوان صبغ أحمر يشبه الدم، ومعنى البيت أنا قتلناهم وطار على ثيابنا من دماهم.
فلم نسمع لوقع السيف إلا

تغمغم أو تنهد أو أنينـا
التغمغم: الصوت الخفي، الأنين جمع أنة وهو ضرب من فروع الألم يحصل عند المريض والتنهد: تنفس الصعداء، ولا يكون إلا مع الأسف.
إذا ما عي بالاستئناف حـي

من الهول المشبه أن يكونا
عي من العيي والأصل فيه عيي فأدغمت الياء في الياء والإسناف التقدم في الحرب ومنه إبل مسنفات، والحي القبيلة والهول الفزع، والمشبه الذي يشتبه عليهم فلا يعملون كيف يتوجهون إليه.
نصبنا مثل رهوة ذات حد

محافظة وكنا السابقينـا
أي أقمنا كتيبة، والرهوة أعلى الجبل وأراد كبيرة مثل الجبل عزها ويقال الرهوة اسم جبل، والحد: السلاح، محافظة أي نحافظ على حسبنا ويروى وكنا المسنفينا أي السابقين المتقدمين.
بفتيان يرون القتـل مـجـدا

وشيب في الحروب مجربينا
المجد ما اتسع من المفاخر، وشيب جمع أشيب، وإنما يقال شيب لأنهم قد جربوا في الحروب مرة بعد مرة، والمجرب: الممتحن، والتجربة: الامتحان، وكان يجب أن يضم الشين إلا أنهم أبدلوا من الضمة الكسرة لمجاورتها إليها.
[يدهون الرؤوس كما تدهدى

حزاورة بأبطحها الكرينا]
حديا الناس كلهم جـمـيعـا

مقارعة بنيهم عن بنـينـا
أي إنا حدياك على هذا الأمر، أي أخاطرك عليه، وأحدوك عليه أي إني أسوقك والمقارعة من القرع أي تقارعهم عن بنيهم، وعن بنينا، وحديا تصغير حدوى. وحديا سبب قولهم: تحديت: قصدت أي أقصد الناس مقارعة أي أقارعهم على الشرف، أو نقارعهم بالرماح. [وقيل حديا معناه نحن أشرف الناس ويقال إنا حدياك في الأمر أي فوقك والحدو العلية، وقيل معناه نحن أشرف الناس ويقال معناه أحدو الناس أسوقهم وأدعوهم إلى المقارعة لا أهاب أحدا فاستثني وحديا منصوب على المدح أو مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي نحن حديا الناس].
فأما يوم خشيتنا عليهم

فنصبح غارة متلببينا
أي خشيتنا على بنينا، وغارة مثل الإغارة والمتلببون مثل المتحرمون.
وأما يوم لا تخشى عليهم

فتصبح في مجالسنا ثبينا
ثبين جمع ثبة فأصله من ثاب بعضهم إلى بعض إذا اجتمعوا والعصب أيضا الجماعات المتفرقة الواحدة عصبة، ويروى فتصبح خيلنا عصبا ثبينا.
برأس من بني جشم بن بكر

ندق به السهولة والحزونا
يريد بذلك الحي العظيم، والسهولة جمع سهل، وهي الأرض السهلة اللينة، والحزون جمع حزن، وهو المكان الغليظ من الأرض.
بأي مشيئة عمرو بن هند

نكون لقيلكم فهيا قطينا
[عمرو منصوب على الإتباع لقوله ابن هند، مشيئته أي بأي قول، والقيل الملك. والقطين الخدم والأتباع، ويروى لخلفكم. قال ابن السكيت الخليف الرديء من كل شيء، وإنما يريدها ها هنا العبيد والإماء، والقطين: المتجاورون، وقال غيره قطين اسم للجمع كما يقال عبيد].
بأي مشيئة عمرو بن هند

تطيع بنا الوشاة وتزدرينا
[بأي مشيئة عمرو بن هند

ترى أنا نكون الأرذلينا]؟
تهددنا وتـوعـدنـا رويدا

متى كنا لأمك مقتوينـا
[مقتوي بفتح الميم كأنه ينسب إلى مقتى وهو مفعل من القتو، والقتو خدمة الملوك فقط مقتوى والجمع مقتوون ويقال مقتوى وفي الرفع مقتوون وفي النصب مقتوين].
فإن قناتنا يا عمرو أعـيت

على الأعداء قبلك أن تلينا
القناة هنا الأصل والقوة، وقناة مثل ضربة، ويريد أن من نازعنا وغالبنا خاب وخسر، ويروى فتيات جمع فتاة مثل فتى وفتيان في الكثرة وفي القلة فتية ويقال فتى من الفتاة وفتى بين الفتاء.
إذا عض الثقاف بها اشمأزت

وولتهم عشوزنة زبـونـا
الثقاف: الحشبة التي يقوم بها الرماح، اشمأزت اشتدت وانقبضت وامتنعت دولتهم، أي تلك الثقاف، والعشوزنة الناقة السيئة الخلق.
عشوزنة إذا انقلبت أرنت

تدق قفا المثقف والجبينا
أرنت: صوتت، المثقف الذي يقوم الرماح.
فهل حدثت في جشم بن بكر

بنقص في خطوب الأولينا
ويروى بضم الحاء وكسر الدال أي حدثوك وهو الأفصح يخاطب عمرو بن هند والأولين يعني به القرون الماضية.
ورثنا مجد علقمة بن سيف

أباح لنا حصون المجد دينا
ويروى حصون الحرب دينا. علقمة هو علقمة بن تغلب، يقال علقمة هذا هو الذي أنزل بني تغلب الجزيرة [حاربهم أربعين عاما].
ورثت مهلهلا والخير فيه

زهير نعم ذخر الذاخرينا
يعني به مهلهل بن ربيعة جد عمرو بن كلثوم لأمه وزهير جده من قبل أبيه.
وعتابا وكلثوما جمـيعـا

بهم نلنا تراث الأكرمينا
كلثوم أبو عمرو الشاعر وعتاب جده ويروى (تراث الأجمعينا).
وذا البرة الذي حدثت عنـه

به نحمى ونحمي الملجئينا
ذو البرة اسم رجل من بني تغلب بن ربيعة كان يسمى برة القنفدلف بذلك لكثرة ما كان على أنفه من الشعر والبرة الحلقة تكون في أنف البعير.
ومنا قبله الساعي كليب

فأي المجد إلا قد ولينا
الساعي الذي يسعى في حالات الصلح، وكليب هذا كليب بن وائل بن ربيعة أخي مهلهل قتله جساس بن مرة أخو همام، وأي منصوب بولينا هذه أكثر الروايات أي صار إلينا فصرنا ولاة عليه.

متى نعقد قرينتنـا بـحـبـل

نجذ الوصل أو نقص القرينا
القرينة المقرونة بحبل بغيرها نجذ نقطع، ويروى بالتاء تجذ بمعنى القرينة، والنقص والوقص دق العنق، وكذلك في تجذ الرفع على الابتداء وهو هنا عماد النصب على الصرف بإضمار أن، والتقدير فيه أن تجذ الحبل، والجزم عطفا على الجزاء [ويروى ويحذ بالياء والحاء] ويروى: تعقد بالدال والأصل أن القرينة هي الناقة، والجمل يكون فيهما خشونة يربط أحدهما إلى الآخر حتى يلين.
ونوجد نحن أمنعهم ذمارا

وأوفاهم إذا عقدوا اليمينا
[ذمارا ويمينا منصوبان على التفسير، ونوجد خبر نحن، والجملة في موضع نصب ويقال وفى أوفى أفصح وقد جاء القرآن باللغتين] ويروى وأولادهم، والذمار والذمر ما يحق على الرجل أن يحميه من حريم وغيره، يقال هم يتذامرون أي يزجر بعضهم بعضا، ونصب أمنعهم على خبر ما لم يسم فاعله، ويروى أمنعهم بالرفع على أنه خبر نحن والدمار نصب على التفسير.
ونحن غداة أوفد في خزازى

رفدنا فوق رفد الرافدينـا
ويروى خزاز بغير الألف قال ابن السكيت خزازى ويقال خزار أي موضع قال واجتمعت معد على كليب بن وائل في يوم خزازى أي أوقدوا النيران للأضياف.
ونحن الحابسون بذي أراطى

تسف الجلة الخور الدرينا
وأراطي اسم موضع كانوا حبسوا فيه إبلهم، وأقاموا فيه وتسف بضم التاء وفتح السين وبالعكس، معناه تأكل، الجلة الإبل السمان، الخور الغزيرات الألبان، وهي جمع واحدها خوراء، والمستعمل في كلام العرب خوارة والدرين: الحشيش اليابس وقيل ما يبس ثم نبت ثم جف أيضا.
ونحن الحاكمون إذا أطعنـا

ونحن العازمون إذا عصينا
أي إذا أطاعنا الناس أقمنا عليهم الحكم بالعدل، وإن عصونا عزمنا على تقويمهم مما هم عليه مصرون. ويروى ونحن العاصمون إذا أطعنا ويروى إذا طعنا وقيل العازمون نعزم على قتال من عصانا ونثيب من أطاعنا.
ونحن التاركون لما سخطنا

ونحن الآخذون عارضينا
يصف عزتهم، وإن أحدا لا يقدر أن يجبرهم على شيء مما يكرهون لعزتنا وارتفاع شأننا.
وكنا الأيمنين إذا التقينـا

وكان الأيسرين بنو أبينا
يصف حربا كانت بينهم يريد بني تغلب ويقال إن بني تغلب كانوا الأيمنين وبني بكر كانوا الأيسرين، وقيل أراد بالأيمنين الشدة وبالأيسرين الضعف. قال ابن السكيت وكنا في يوم خزارى في الميمنة، وكان بنو عمنا في الميسرة. قال أبو العباس ثعلب: أصحاب الميمنة أصحاب التقدم، وأصحاب المشأمة التأخر يقال اجعلني في يمينك أي من المتقدمين ولا تجعلني في شمالك أي من المتأخرين.
فصالوا صولة فيمن يلهم

وصلنا صولة فيمن يلينا
الصولة الشدة وقال يليهم على لفظ من، ولو كان على المعنى لقال: يلونهم.
فآبوا بالنهاب وبالسبـايا

وأبنا بالملوك مصفدينا
ويروى مع السبايا، آبوا رجعوا يعني بكر بن وائل، والنهاب جمع نهب، والسبايا: النساء اللواتي سبين الواحدة سبية، الملوك ملوك الأعادي، مصفدينا أسرى، وهي منصوبة على الحال.
إليكم يا بني بكر إليكم

ألما تعرفوا منا اليقينا
إليكم قوله إليكم اسم للفعل فإذا قال القائل إليك عني أي ابعد، وإلى في الأصل لانتهاء الغاية، أي تباعدوا إلى أقصى ما يكون البعد، ولا يجوز أن يتعدى إليكم عند البصريين. فلا يقال إليك زيدا لأن معناه تباعد.
وقيل أن قوله إليكم يا بني بكر: معناه انتهوا أو كفوا عما أنتم عليه، ومعنى ألما: ألم تعرفوا منا المجد، فإذا قلت ألم تعلم قلت أجهلت وإذا قلت ألما تعلم، فكأنك قلت أبطأت في العلم، أي آن لك أن تعلم، والفرق بين لما ولم أن لما نفي من قد فعل ولم نفي من فعل، وأيضا لم لا بد أن يأتي الفعل ولا يجوز حذف الفعل معه.
ألما تعلموا منا ومـنـكـم

كتائب يطعن ويرتمينـا
نقود الخيل دامية كلاهـا

إلى الأعداء لاحقة بطونا
علينا البيض واليلب اليماني

وأسياف يقمن وينحنينـا
أصل اليماني اليمني ثم أبدل من أحدى الياءين ألفا.
علينا كـل سـابـغة دلاص

ترى فوق النجاد لها غضونا
الدلاص والدليص واحد، وهو الشيء المجلو البراق اللين، وقيل التامة المحكمة، وقيل السهلة اللينة التي يزل السيف عنها، والنجاد حمائل السيف والجمع نجائد وحمائل والحمالة والمحمل الواحد، وأما الغضون فضول الدرع دمع غضن كما يقال فلس وفلوس.
إذا وضعت عن الأبطال يوما

رأيت لها جلود القوم جونا
جلود القوم: يريد ثيابهم، الجون جمع جون أي سوادا من لبس الحديد، والجون الأبيض، يقول انح عن فلان ثوبه، أي انزع عنه ثوبه.
كأن متونهن متون غـدر

تصفقها الرياح إذا جرينا
متونهن: الدرع، ويروى غضونهن: متون غدر، شبه تكسير متونهن بمتون غدر إذا ذهبت بها الريح، ومتن كل شيء أعلاه، والغضون تكسير الدرع.
وتحملنا غداة الروع جرد

عرفن لنا نقائذ وافتلينا
النقائذ الخيل التي استنفذت من الشيء أي أخذت من يد القوم فاستنفذوها، قوله وافتلينا أي ولدن عندنا من الفلو، يقال: فليته وأفليته؛ إذا قطعته عن لبن أمه، ومن هذا قيل: فلاة، لأنها قطع عنها الماء، ويقال: ومنها ما فليناه أي ربيناه. ويقال: فلوته أي ربيته.
[وردنا دوارعا، وخرجن شعثا

كأمثال الرضائع قد بلينـا]
ورثناهن عـن آبـاء صـدق

ونورثها إذا متنـا بـنـينـا
يقال متنا ومتنا بضم الميم وكسرها والضم أجود لأنه من المةت، ومثله دمنا ودمنا.
وقد علم القبائل من معد

إذا قبب بأبطحها بنينا
القبب بضم القاف وكسرها جمع قبة ابن السكيت يعني به أبطح مكة المكرمة.
بأنا العاصمون بكل كحل

وأنا الباذلون لمجتدينـا
ويروى فإنا العاصمون والكحل السنة الشديدة المجدبة، والمجتدي السائل.
وأنّا المانعون لـمـا يلـينـا

إذا ما البيض زايلت الجفونا
البيض: السيوف زايلت جردت من أغمادها.
وأنّا المنعمون إذا قدرنا

وأنّا المهلكون إذا أتينا
أي إذا أسرنا، وقدرنا على عدونا أطلقناه، وإذا هم أتونا غارة للحرب أهلكناهم.
[بأنّا العاصمون إذا أطعنـا

وأنّا العارمون إذا ابتلينـا
وأنّا المانعون لـمـا أردنـا

وأنّا النازلون بحيث شينـا
وأّنا الحاكمون بمـا أردنـا

وأنّا النازلون بحيث شينـا
وأنّا التاركون لما سخطنـا

وأنّا الآخذون لما هـوينـا
وأنّا الطالبون إذا نقـمـنـا

وأنّا الضاربون إذا ابتلينـا
وأن النازلون بكـل ثـغـر

يخاف النازلون به المنونا]
وأنا الشاربون الماء صفـوا

ويشرب غيرنا كدرا وطينا
ألا سائل بني الطماح عنـا

ودعميا فكيف وجدتمونـا
ويروى ألا أبلغ. وبنو الطماح قبيلة من بني وائل وهم من بني نمارة، ودعمي قبيلة من جديلة من أياد.
أي سائل هذين القبيلتين كيف وجدتموها في الحرب، وموضع كيف نصب بوجد.
نزلتم منزل الأضياف منا

فعجلنا القرى أن تشتمونا
أي جئتم للقتال، فعاجلناكم بالحرب مخافة أن تشتمونا فحذف مخافة، وأقام أن تشتمونا مكانها ومقامها: أي أتيتمونا فنزلتم بنا؛ كما ينزل الضيف، فعجلنا لكم القرى أي لقيناكم كما يلقى صاحب البيت ضيفه بالطعام كيلا يذمه.
وقوله أن تشتمونا أي مخافة أن تشتمونا هذا قول البصريين وقال الكوفيون لئلا تشتمونا.
قريناكم فعجلنـا قـراكـم

قبيل الصبح مرداة طحونا
المرادة: صخرة تملأ الكف، شبه الكتيبة بها والطحون التي وقعت على شيء فطحنته.
على آثارنا بـيض كـرام

نحاذر أن تفارق أو تهونا
تفارق بفتح الراء وكسرها ويروى أن تقسم وواحد الآثار أثر أي نساؤنا خلفنا يحرضن على القتل، والبيض هنا النساء نقاتل عنهن ونحذر أن نفارقهن أو تهون أي تستبين.
ظعائن من بني جشم بن بكر

خلطن بميسم حسبا ودينـا
الظعائن جمع ظعينة وهي المرأة في الهودج وسميت ظعينة لأنها يظعن بها أي يسافر بها، وأكثر أهل اللغة يقولون: لما كثر استعمالهم لهذا سموا المرأة ظعينة، وسموا الهودج ظعينة.
قال أبو الحسن بن كيسان هذا من الأسماء التي وضعت على شيئين إذا فارق أحدهما صاحبه، لم يقع له ذلك الاسم، لا يقال للمرأة ظعينة، حتى تكون في الهودج، ولا يقال للهودج ظعينة، حتى تكون فيه المرأة، كما يقال جنازة للميت إذا كان على النعش، ولا يقال للميت وحده جنازة، ولا يقال للنعش وحده جنازة، وكما يقال للقدح الذي فيه الخمر كأس، ولا يقال للقدح وحده كأس، ولا للخمر وحدها كأس، وبنو جشم قبيلة، والميسم الجمال، والحسب والدين ههنا طاعتهن لأزواجهن، وقيل حفظهن من الريبة.
أخذن على بعولتهن عهدا

إذا لاقوا فوارس معلمينا
معلمين نعت للفوارس، مشتهرين، قد شهروا أنفسهم بعلائم في الحب يرفعون بها ذكرهم ويعرفون أنفسهم.
ليستلبن أبـدانـا وبـيضـا

وأسرى في الحديد مقرنينا
الأبدان جمع بدن وهي الدرع القصيرة من الحديد، وبيضاً بفتح الباء وكسرها فمن أراد بيض الحديد فتح، ومن أراد السيوف كسر.
والأسرى: جمع أسير: وأكثر أهل اللغة يذهب إلى أن الأسرى والأسارى واحد، وهو المشهور. وقال أبو زيد الأسرى ما كان في وقت الحرب والأسارى ما كان في الأيدي.
وحكى السجستاني عن أبي عمرو بن العلاء أنه قال: الأسرى الذين جاءوا مستأسرين، والأسارى الذين صاروا في الوثاق، والمقرنين الذين قرن بعضهم إلى بعض، ويروى مصفدينا أي في الحديد.
إذا ما رحن يمشين الهـوينـى

كما اضطربت متون الشاربينا
يريد بذلك الظعائن رحن أي رجعن بعد الحرب ثم الهرب الهوينى المشي على مهل بلا قلقن يصف نعمتهن، وأن مشيتهن كمشي السكاري إذ تضطرب متونهن ويتمايلن كما يتمايل السكران.
يقدن جيادنا ويقلن لستم

بعولنا إذا لم تمنعونا
ويروى يقتن من القوت أي يطعمن الأفراس، وهي الجياد، ويقال: إنهم كانوا لا يرضون للقيام على الخيل إلا بأهلهم إشفاقا عليها.
إذا لم نحمهن فلا بـقـينـا

لخبر بعدهن ولا وقـينـا
وما منع الظعائن مثل ضرب

ترى منه السواعد كالقلينـا
القلون جمع قلة، وهي خشبة يرفعها الصبيان ثم يضربون بها الأرض، وقال غيره يرفعونها بخشبة أخرى يضربونها، وتلك الخشبة التي يرفعونها بها تسمى القال فشبه السواعد إذا قطعت فطارت بها، وأبدل من الضمة الكسرة في قلين.
لنا الدنيا ومن أضحى عليهـا

ونبطش حين نبطش قادرينا
ويروى حيث نبطش.
إذا مـــا الـــمـــلـــك ســــام الـــــــنـــــــاس خـــــــســـــــفـــــــا

أبـــينـــا أن نـــــقـــــــر الـــــــخـــــــســـــــف فـــــــينـــــــا
سام من الوسم: أي عرضهم على الذل، والخسف: الظلم، أبينا أن نثبت الضيم فينا يصف عزتهم، وأن الملوك لا تصل إلى ظلمهم.


ألا لا يجهلن أحد علينا

فنـــجـــهـــل فـــوق جـــهـــل الـــــجـــــــاهـــــــلـــــــينـــــــا
أي فنعاقبه بما هو فوق جهله وأعظم.
نسمى ظالمين وما ظلمنا

ولكنا سنبدأ ظالمـينـا
ويروى بغاة طالمين وما ظلمنا.
إذا بلغ الفطام لنا صبـي

تخر له الجباير ساجدينا
ملأنا البر حتى ضاق عنا

وظهر البحر نملؤه سفينا
البر واحد البراري: وهي الصحار. ويروى البحر، ويروى: وعرض البحر بفتح العين، ويروى بضمها، والسفين، والسفن واحد، والواحدة سفينة انتهت معلقة عمرو بن كلثوم.
زادت الجمهرة وبعض المصادر الأبيات التالية ولم ترد هذه الأبيات في المخطوطة:
تنادى المصعبان وآل بكر

ونادوا يا لكندة أجمعينا
فإن تغلب فغلابون قدما

وإن نغلب فغير مغلبينا
وهذا البيت هو آخر بيت في المعلقة في جواهر الأدب والجمهرة.
وزادت الجمهرة بعد البيت 114 حسب الترقيم هنا ألا لا يجهلن.
ونعدو حيث لا يُعدى علينـا

ونضرب بالمواسي من يلينا
ألا لا يحسب الأعـداء أنـا

تضعضغنا، وأنا قد فنـينـا
ترانا بـارزين وكـل حـي

قد اتخذوا مخافتنا قـرينـا
كأنا والسيوف مـسـلـلات

ولذنا الناس طرا أجمعينـا
مجمهرة أمية بن أبي الصلت ليوازن القارئ بينها وبين معلقة عمرو بن كلثوم:
عرفت الدار قد أقوت سنينـا

لزينب إذ تحل به قطـينـا
أذعن بها جوافل معصفـات

كما تذري الملحلحة الطحينا
وسافرت الرياح بهن عصراً

بأذيال يرحن ويغـتـدينـا
فأبقين الطلول ومـحـنـيات

ثلاثا كالحمائم قد صلـينـا

وأريا لعـهـد مـربـتـات

أطلن به الصفون إذا افتلينـا
فإما تسألي عـين لـبـينـى

وعن نسبي أخبرك اليقـينـا
فإني لـلـنـبـيه أبـا وأمـا

وأجدادا سموا في الأقدمينـا
فإني للنـبـيه أبـي قـسـي

لمنصور بن يقدم الأقدمينـا
لأفصى عصمة الهلاك أفصى

على أفصى بن دعمي بنينـا
ورثنا المجد عن كبرى نـزار

فأورثنا مـآثـره بـنـينـا
وكنا حيث قد علمـت مـعـد

أقمنا حيث ساروا هاربينـا
بوح وهي عبـري وطـلـح

تخال سواد أيكتها عـرينـا
فألقينا بساحـتـهـا حـلـولا

حلولا للإقامة ما بـقـينـا
‎فأنبتنا خضارم فاخرات=يكون نتاجها عنبا وتينا
وأرصدنا لريب الدهر جودا

لها ميما وماذيا حصـينـا
وخطيا كأشطـان الـركـايا

وأسيافا يقمن وينحـنـينـا
وتخبرك القبائل من مـعـد

إذا عدوا سعـاية أولـينـا
بأنا النازلون بـكـر ثـغـر

وأنا الضاربون إذا التقينـا
وأنا المانـعـون إذا أردنـا

وأنا العاطفون إذا دعـينـا
وأنا الحاملون إذا أنـاخـت

خطوب في العشيرة تبتلينا
وأنا الرافعون على مـعـد

أكفا في المكارم ما بقينـا
أكفا في المكارم قدمـتـهـا

قرون أورثت منا قرونـا
نشرد بالمخافة مـن نـآنـا

ويعطينا المقادة من يلـينـا
إذا ما الموت عسكر بالمنـايا

وزالت المهندة الجفـونـا
وألقنا الرماح وكان ضـرب

يكب على الوجوه الدارعينا
نفوا عن أرضهم عدنان طرا

وكانوا بالربابة قاطنـينـا
وهم قتلوا السبي أبا رغـال

بنخلة حين إذ وسق الوضينا
وردوا خيل تبع فـي قـديد

وساروا للعراق مشرقينـا
وبدلت المسـاكـن مـن إياد

كنانة بعدما كانوا القطينـا
نسير بمعشر قـوم لـقـوم

وحلوا دار قوم آخـرينـا


شرح معلقة عمرو بن كلثوم

هب من نومه يهب هبا : إذا استيقظ ، الصحن : القدح العظيم والجمع الصحون ، الصبح: سقي الصبوح ، والفعل صبح يصبح ، أبقيت الشيء وبقيته بمعنى ، الأندرون : قرى بالشام يقول : ألا استيقظي من نومك أيتها الساقية واسقيني الصبوح بقدحك العظيم ولا تدخري خمر هذه القرى
1
شعشعت الشراب : مزجته بالماء ، الحص : الورس ، وهونبت في نوار أحمر يشقه الزعفران . ومنهم من جعل سخينا صفة ومعناه الحار ، من سخن يسخن سخونة ، ومنهم من جعله فعلا من سخي يسخى سخاء ، وفيه ثلاث لغات : إحداهن ما ذكرنا ، والثانية سخو يسخو ، والثالثة سخا يسخو سخاوة يقول : اسقنيها ممزوجة بالماء كأنها من شدة حمرتها بعد امتزاجها بالماء ألقي فيها نور هذا النبت الأحمر ، وإذا خالطها الماء وشربناها وسكرنا جدنا بعقائل أموالنا وسمحنا بذخائر أعلاقنا ، هذا إذا جعلنا سخينا فعلا وإذا جعلناه صفة كان المعنى : كأنها حال امتزاجها بالماء وكون الماء حارا نور هذا النبت . ويروي شحينا ، بالشين المعجمة ، أي إذا خالطها الماء مملوءة به . والشحن : الملء ، والفعل شحن يشحن ، والشحين بمعنى المشحون كالقتيل بمعنى المقتول ، يريد أنها حال امتزاجها بالماء وكون الماء كثيرا تشبه هذا النور
2
يمدح الخمر ويقول : انها تميل صاحب الحاجة عن حاجته وهواه إذا ذاقها حتى يلين ، أي إنها تنسي الهموم والحوائج أصحابها فاذا شربوها لانوا ونسوا أحزانهم وحوائجهم
3
اللحز : الضيق الصدر ، الشحيح البخيل الحريص ، والجمع الأشحة الأشحاء ، الشحاح أيضا مثل الشحيح ، والفعل شح يشح والمصدر الشح وهو البخل معه حرص يقول : ترى الانسان الضيق الصدر البخيل الحريص مهينا لماله فيها ، أي في شرائها ، إذا أمرت الخمر عليه ، أي إذا أديرت عليه
4
الصبن : الصرف ، والفعل صبن يصبن يقول : صرفت الكأس عنا يا أم عمرو وكان مجرى الكأس على اليمين فأجريتها على اليسار
5
يقول : ليس بصاحبك الذي لا تسقينه الصبوح هو شر هؤلاء الثلاثة الذين تسقيهم ، أي لست شر أصحابي فكيف أخرتني وتركت سقيي الصبوح
6
يقول : ورب كأس شربتها بهذه البلدة ورب كأس شربتها بتينك البلدتين
7
يقول : سوف تدركنا مقادير موتنا وقد قدرت تلك المقادير لنا وقدرنا لها ، المنايا : جمع المنية وهي تقدير الموت
8
أراد يا ظعينة فرخم ، والظغينة : المرأة في الهودج ، سميت بذلك لظعنها مع زوجها ، فهي ، فعيلة بمعنى فاعلة ، ثم أكثر استعمال هذا الأسم للمرأة حتى يقال لها ظعينة وهي في بيت زوجها يقول : فقي مطيتك أيتها الحبيبة الظاعنة نخبرك بما قاسينا بعدك وتخبرينا بما لاقيت بعدنا
9
الصرم : القطيعة ، الوشك : السرعة ، والوشيك : السريع ، الأمين : بمعنى المأمون يقول : فقي مطيتك نسألك هل أحدثت قطيعة لسرعة الفراق أم هل خنت حبيبك الذي نؤمن خيانته ؟ أي هل دعتك سرعة الفراق إلى القطيعة أو الخيانة في مودة من لا يخونك في مودته إياك
10
الكريهة : من أسماء الحرب ، والجمع الكرائه ، سميت بها لأن النفوس تكرهها ، وإنما لحقتها التاء لأنها أخرجت مخرج الأسماء مثل : النطيحة والذبيحة ، ولم تخرج مخرج النعوت مثل : امرأة قتيل وكف خضيب . ونصب ضربا وطعنا على المصدر أي يضرب فيه ضربا ويطعن فيه طعنا قولهم : أقر الله عينك ، قال الأصمعي : معناه أبرد الله دمعك ، أي سرك غاية السرور ، وزعم أن دمع السرور بارد عليه أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب هذا القول وقال : الدمع كله حار جلبه فرح أو ترح. وقال أبو عمرو الشيباني : معناه أنام الله عينك وأزال سهرها لأن أستيلاء الحزن داع إلى السهر ، فالإقرار عل قوله إفعال من قر يقر إقرارا ن لأن العيون تقر في النوم وتطرف في السهر . وحكى ثعلب عن جماعة من الأئمة أن معناه : أعطاك الله مناك ومبتغاك حتى تقر عينك عن الطموح إلى غيره وتحرير المعنى : أرضاك الله ، لأن المترقب للشيئ يطمح ببصره اليه فاذا ظفر به قرت عينه عن الطموع إليه يقول : تخبرك بيوم حرب كثر فيه الضرب والطعن فأقر بنو أعمامك عيونهم في ذلك اليوم ، أي فازوا ببغيتهم وظفروا بمناهم من قهر الأعداء
11
أي بما لا تعلمين من الحوادث يقول : فان الأيام رهن بما لا يحيط علمك به أي ملازمة له
12
الكاشح : المضمر العداوة في كشحه ، وخصت العرب الكشح بالعداوة لأنه موضع الكبد ، والعداوة عندهم تكون في الكبد ، وقيل بل سمي العدو كاشحا لأنه يكشح عن عدوه فيوليه كشحه ، يقال : كشح عنه يكشح كشحا يقول : تريك هذه المرأة إذا أتيتها خالبة وأمنت عيون أعدائها
13
العيطل : الطويل العنق من النوق ، الادماء : البيضاء منها ، والأدمة البياض في الإبل ، البكر : الناقة التي حملت بطنا واحدا ، ويروى بكر بفتح الباء ، وهو الفتي من الإبل ، وبكسر الباء على الروايتين ، ويروى : تربعت رعت ربيعا ، الأرجاع : جمع الأجرع وهو والمكان الذي فيه جرع ، والجرع : جمع جرعه ، وهي دعص من الرمل . المتون : جمع متن وهو الظهر من الأرض ، الهجان : الابيض الخالص البياض يستوي فيها الواحد والتثنية والجمع ، وينعت به الابل والرجال وغيرهما ، لم تقرأ جنينا : لم تضم في رحمها ولدا يقول : تزيل ذراعين ممتلئتين لحما كذراعي ناقة طويلة العنق لم تلد بعد أو رعت ايام الربيع في مثل هذا الموضع ، ذكر هذا مبالغة في سمنها ، أي ناقة سمينة لم تحمل ولدا قط بيضاء اللون
14
رخصا : لينا ، حصانا: عفيفة يقول : وتريك ثديا مثل حق من عاج بياضا واستدارة محرزة من أكف من يلمسها
15
اللدن : اللين ، والجمع لدن ، أي تريك متني قامة لدنة ، السموق : الطول ، والفعل سمق يسمق ، الرادفتان والرانفتان : فرعا الأليتين ، والجمع الروادف والورانف ، النوء : النهوض في تثاقل ، الولى : القرب ، والفعل ولي يلي يقول : وتريك متني قامة طويلة لينة تثقل أردافها مع ما يقرب منها وبذ لك وصفها بطول القامة وثقل الأرداف
16
المأكمه : رأس الورك ، والجمع المآكم يقول : وتريك وركا يضيق الباب عنها لعظمها وضخمها وامتلائها باللحم ، وكشحا قد جننت بحسنه جنونا
17
البلنط : العاج ، السارية : الاسطوانة ، والجمع السواري ، الرنين : الصوت يقول : وتريك ساقين كاسطوانتين من عاج أو رخام بياضا وضخما يصوت حليهما ، أي خلاخيلهما ، تصويتا
18
قال القاضي أبو سعيد السيرافي : البعير بمنزلة الانسان والجمل بمنزلة الرجل والناقة بمنزلة المرأة : والسقب بمنزلة الصبي ، والحائل بمنزلة الصبية ، والحوار بمنزلة الولد ، والبكر بمنزلة الفتى ، والقلوص بمنزلة الجارية الوجد : الحزن ، والفعل وجد يجد ، الترجيع : ترديد الصوت ، الحنين : صوت المتوجع يقول : فما حزنت حزنا مثل حزني ناقة أضلت ولدها فرددت صوتها مع توجعها في طلبها ، يريد أن حزن هذه الناقة دون حزنه لفراق حبيبته
19
الشمط : بياض الشعر ، الجنين : المستور في القبر هنا يقول : ولا حزنت كحزني عجوز لم يترك شقاء حظها لها من تسعة أبناء إلا مدفونا في قبره ، أي ماتوا كلهم ودفنوا ، يريد أن حزن العجوز التي فقدت تسعة بنين دون حزنه عند فراق عشيقته
20
الحمول : جمع حامل ، يريد إبلها يقول : تذكرت العشق والهوى واشتقت إلى العشيقة لما رأيت حمول أبلها سيقت عشيا
21
أعرضت : ظهرت ، وعرضت الشيئ أظهرته ، ومنه قوله عز وجل :"وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا" وهذا من النوادر ، عرضت الشيئ فأعرض ، ومثله كببته فأكب ، ولا ثالث لهما فيما سمعنا ، اشمخرت : ارتفعت ، أصلت السيف : سللته يقول: فظهرت لنا قرى اليمامة وارتفعت في أعيننا كأسياف بأيدي رجال سالين سيوفهم .. شبه الشاعر ظهور قراها بظهور أسياف مسلولة من أغمادها
22
يقول : يا أبا هند لا تعجل علينا وأنظرنا نخبرك باليقين من أمرنا وشرفنا ، يريد عمرو بن هند فكناه
23
االراية : العلم ، والجمع الرايات والراي يقول نخبرك باليقين من أمرنا بأنا نورد أعلامنا الحروب بيضا ونرجعها منها حمرا قد روين من دماء الابطال . هذا البيت تفسير اليقين من البيت الأول
24
يقول : نخبرك بوقائع لنا مشاهير كالغر من الخيل عصينا فيها الملك فيها كراهية أن نطيعه ونتذلل له ، الأيام : الوقائع ، الغر بمعنى المشاهير كالخيل الغر لا شتهارها فيما بين الخيل . قوله أن ندين ، أي كراهية أن ندين فحذف المضاف ، هذا على قول البصريين ، وقال الكوفيون : تقديره أن لا ندين ، أي لئلا ندين ، فحذف لا
25
يقول ورب سيد قوم متوج بتاج الملك حام للاحجئين اليه قهرناه ، أحجرته : الجأته
26
العكوف : الاقامة ، والفعل عكف يعكف ، الصفون : جمع صافن ، وقد صفن الفرس يصفن صفونا إذا قام على ثلاثة قوائم وثنى سنبكه الرابع يقول : قتلناه وحبسنا خيلنا عليه وقد قلدناه أعنتها في حال صفونها عنده
27
يقول : وأنزلنا بيوتنا بمكان يعرف بذي طلوح إلى الشامات تنفي من هذه الأماكن أعداءنا الذين كانوا يوعدوننا
28
القتاد : شجر ذو شوك ، والواحدة منها قتادة ، التشذيب : نفي الشوك والأغصان الزائدة والليف عن الشجر . يلينا : أي يقرب منا يقول : وقد لبسنا الأسلحة حتى أنكرتنا الكلاب وهرت لانكارها إيانا وقد كسرنا شوكة من يقرب منا من أعدائنا ، استعار لفل الغرب وكسر الشوكة تشذيب القتادة
29
أراد بالمرحى رحى الحرب وهي معظمها يقول : مت حاربنا قوم قتلناهم ، لما استعار للحرب اسم الرحى استعار لقتلاها اسم الطحين
30
الثفال : خرقة أو جلدة تبسط تحت الرحى ليقع عليها الدقيق ، اللهوة : القبضة من الحب تلقى في فم الرحى ، وقد ألهيت الرحى أي القيت فيها لهوة يقول تكون معركتنا الجانب الشرقي من نجد وتكون قبضتنا قضاعة أجمعين ، فستعار للمعركة اسم الثفال ، وللقتلى اسم اللهوة .. ليشاكل الرحى والطحين
31
يقول : نزلتم منزلة الأضياف فعجلنا لكم قراكم كراهية أن تشتمونا ولكي لا تشتمونا ، والمعنى : تعرضتم لمعاداتنا كما يتعرض الضيف للقرى فقتلناكم عجالا كما يحمد تعجيل قرى الضيف ، ثم قال تهكما بهم واستهزاء : وذلك خشية ان تشتمونا ، أي قريناكم على عجلة كراهية شتمكم إيانا إن اخرنا قراكم
32
المرداة : الصخرة التي يكسر بها الصخور ، والمرادة ايضا الصخرة التي يرمى بها ، والردى الرمي والفعل ردى يردي ، فاستعار المرداة للحرب ، الطحون : فعول من الطحن . مرداة طحونا أي حربا اهلكتهم اشد إهلاك
33
يقول : نعم عشائرنا بنوالنا وسبيلنا ونعف عن اموالهم ونحمل عنهم ما حملونا من أثقال حقوقهم ومؤنتهم ، والله أعلم
34
التراخي : البعد ، الغشيان : الإتيان يقول : نطاعن الابطال ما تباعدوا عنا ، أي وقت تباعدهم عنا ، ونضربهم بالسيوف إذا اتينا أي اتونا ، فقربوا منا ، يريد ان شأننا طعن من لاتناله سيوفنا
35
اللدن : اللين ، والجمع لدن يقول : نطاعنهم برماح سمر لينة من رماح الرجل الخطي ، يريد سمهرا أي نضاربهم بسيوف بيض يقطعن ما ضرب بها ، توصف الرماح بالسمهرة لأن سمهرتها دالة على نضحها في منابتها
36
الأبطال : جمع بطل وهو الشجاع ، الوسوق : جمع وسق وهو حمل بعير ، الأماعز : جمع الأمعز وهو المكان الذي تكثر حجارته يقول : كأن جماجم الشجعان منهم أحمال ابل تسقط في الأماكن الكثيرة الحجارة ، شبه رؤوسهم في عظمها باحمال الأبل ، والارتماء لازم ومتعد ، وهو في البيت لازم
37
الاختلاب : قطع الشيء بالمخلب وهو المنجل الذي لا أسنان له ، الاختلاء : قطع الخلا وهو رطب الحشيش يقول : نشق بها رؤوس الأعداء شقا ونقطع بها رقابهم فيقطعن
38
يقول : وان الضغن بعد الضغن تفشو آثاره ويخرج الداء المدفون من الافئدة ، أي يبعث على الانتقام
39
يقول : ورثنا شرف آبائنا قد علمت ذلك معد فنحن نطاعن الأعداء دون شرفنا حتى يظهر الشرف لنا
40
الحفض : متاع البيت ، والجمع أحفاض ، والحفض البعير الذي يحمل متاع البيت ، من روى في البيت : على الأحفاض ، أراد بها الأمتعة ، ومن روى : عن الأحفاض ، اراد بها الابل يقول : ونحن إذا قوضت الخيام فخرت على أمتعتها نمنع ونحمي من يقرب منا من جيراننا ، أو ونحن إذا سقطت الخيام عن الابل للاسراع في الهرب نمنع ونحمي جيراننا إذا هرب غيرنا حمينا غيرنا
41
الجذ : القطع يقول : نقطع رؤوسهم في غير بر ، أي في عقوق ، ولا يدرون ماذا يحذرون منا من القتل وسبي الحرم واستباحة الأموال
42
المخراق : معروف ، والمخراق أيضا سيف من خشب يقول : كنا لا نحفل بالضرب بالسيوف كما لايحفل اللاعبون بالضرب بالمخاريق أو كنا نضرب بها في سرعة كما يضرب بالمخاريق في سرعة
43
يقول : كأن ثيابنا وثياب أقراننا خضبت بأرجوان أو طليت
44
الاسناف : الاقدام يقول : إذا عجز عن التقدم قوم مخافة هول منتظر متوقع يشبه ان يكون ويمكن
45
يقول : نصبنا خيلا مثل هذا الجبل أو كتيبة ذات شوكة محافظة على أحسابنا وسبقنا خصومنا ، أي غلبناهم . وتحرير المعنى : إذا فزع غيرنا من التقدم أقدمنا مع كتيبة ذات شوكة وغلبنا ، وإنما نفعل هذا محافظة على أحسابنا
46
يقول : نسبق ونغلب بشبان يعدون القتال في الحروب مجدا وشيب قد تمرنوا على الحروب
47
حديا : اسم جاء على صيغة التصغير مثل ثريا وحميا وهي بمعنى التحدي يقول : نتحدى الناس كلهم بمثل مجدنا وشرفنا ونقارع أبناءهم ذابين عن أبنائنا ، أي نضاربهم بالسيوف حماية للحريم وذبا عن الحوزة
48
. العصب : جمع عصبة وهي ما بين العشرة والأربعين ، الثبة : الجماعة ، والجمع الثبات ، والثبون في الرفع ، والثبين في النصب والجر يقول : فأما يوم نخشى على أبنائنا وحرمنا من الأعداء تصبح خيلنا جماعات ، أي تتفرق في كل وجه لذب الأعداء عن الحرم
49
الإمعان : الإسراع والمبالغة في الشيء ، التلبب : لبس السلاح يقول : وأما يوم لانخشى على حرمنا من أعدائنا فنمعن في الاغارة على الأعداء لابسين أسلحتنا
50
الرأس . الرئيس والسيد يقول : نغير عليهم مع سيد من هؤلاء القوم ندق به السهل ، أي نهزم الضعاف والأشداء
51
التضعضع : التكسر والتذلل ، ضعضعه فتضعضع أي كسرته لسنا بهذه الصفة فتعلمنا الأقوام بها
52
أي لا يسعفهن احد علينا فنسفه عليم فوق سفههم ، أي نجازيهم بسفههم جزاء يربي عليه ، فسمي جزاء الجهل جهلا لازدواج الكلام وحسن تجانس اللفظ ، كما قال الله تعالى :"الله يستهزئ بهم" وقال الله تعالى : "وجزاء سيئة سيئة مثلها" وقال جل ذكره :"ومكروا ومكر الله" وقال جل وعلا :"يخادعون الله وهو خادعهم" . سمي جزاء الاستهزاء والسيئة والمكر والخداع استهزاء وسيئة ومكرا وخداعا لما ذكرنا
53
القطين : الخدم ، القيل : الملك دون الملك الأعظم يقول : كيف تشاء يا عمرو بن هند أن نكون خدما لمن وليتموه أمرنا من الملوك الذين وليتموهم ؟ أي شئ دعاك إلى هذه المشيئة المحال؟ يريد أنه لم يظهر منهم ضعف يطمع الملك في إذلالهم باستخدام قيله إياهم
54
إدراه وازدرى به : قصر به واحتقره يقول : كيف تشاء أن تطيع الوشاة بنا إليك وتحتقرنا وتقصر بنا؟ أي : أي شيء دعاك إلى هذه المشيئة ؟ أي لم يظهر منا ضعف يطمع الملك فينا حتى يصغي إلى من يشي بنا إليه ويغريه بنا فيحتقرنا
55
القتو : خدمة الملوك ، والفعل قتا يقتو ، والقتي مصدر كالقتو ، تنسب إليه فتقول مقتوي ، ثم يجمع مع طرح ياه النسبة فيقال مقتوون في الرفع ، ومقتوين في الجر والنصب ، كما يجمع الأعجمي بطرح ياء النسبة فيقال أعجمون في الرفع : وأعجمين في النصب والجر يقال : ترفق في تهددنا وإبعادنا ولا تمعن فيهما ، فمتى كنا خدما لأمك ؟ أي لم نكن خدما لها حتى نعبأ بتهديدك ووعيدك إيانا . ومن روى : تهددنا وتوعدنا ، كان إخبارا ، ثم قال : رويدا أي دع الوعيد والتهديد وأمهله
56
العرب تستعير للعز أسم القناة يقول : فإن قناتنا أبت أن تلين لأعدائنا قبلك ، يريد أن عزمهم أبي أن يزول بمحاربة أعدائهم ومخاصمتهم ومكايدتهم ، يريد أن عزمهم منيع لايرام
57
الثقاف : الحديدة التي يقوم بها الرمح ، وقد ثقفته : قومته ، العشوزنة : الصلبة الشديدة ، الزبون : الدفوع ، وأصله من قولهم : زبنت الناقة حالبها ، إذا ضربته بثفنات رجليها أي بكبتيها ، ومنه الزبانية لزبنهم أهل النار أي لدفعهم يقول : إذا أخذها الثفاف لتقويمها نفرت من التقويم وولت . الثقاف قناة صلبة شديدة دفوعا ، جعل القناة التي لا يتهيأ تقويمها مثلا لعزتهم التي لا تضعضع ، وجعل قهرها من تعرض لهدمها كنفار القناة من التقويم والاعتدال
58
أرنت : صوتت ، والإرنان هنا لازم قد يكون متعديا . ثم بالغ في وصف القناة بأنها تصوت إذا أريد تثقيفها ولم تطاوع الغامز بل تشج قفاه وجبينه ، وكذلك عزتهم لا نضعضع لمن رامها بل تهلكه وتقهره
59
يقول : هل أخبرت بنقص كان من هؤلاء في أمور القرون الماضية أو بنقص في عهد سلف
60
الدين : القهر ، ومنه قوله عز وجل :"فلولا أن كنتم غير مدينين" أي غير مقهورين يقولون : ورثنا مجد هذا الرجل الشريف من أسلافنا وقد جعل لنا حصون المجد مباحة قهرا وعنوة ، أي غلب أقرانه على المجد ثم أورثنا مجده ذلك
61
يقول : ورثت مجد مهلهل ومجد الرجل الذي هو خير منه وهو زهير فنعم ذخر الذاخرين هو ، أي مجده وشرفه للافتخار به
62
يقول : وورثنا مجد عتاب وكلثوم وبهم بلغنا ميراث الأكارم أي حزنا مآثرهم ومفاخرهم فشرفنا بها وكرمنا
63
ذو البرة : من بني تغلب ، سمي به لشعر على أنفه يستدير كالحلقة يقول : ورثت مجد ذي البرة الذي اشتهر وعرف وحدثت عنه أيها المخاطب وبمجده يحمينا سيدنا وبه نحمي الفقراء الملجئين إلى الاستجارة بغيرهم
64
يقول : ومنا قبل ذي البرة الساعي للمعالي كليب ، يعني كليب وائل ، ثم قال : وأي المجد إلا قد ولينا ، أي قربنا منه فحويناه
65
يقول : متى قرنا ناقتنا بأخرى قطعت الحبل أو كسرت عنق القرين ، والمعنى : متى قرنا بقوم في قتال أو جدال غلبناهم وقهرناهم ، الجذ : القطع ، والفعل جذ يجذ ، الوقص : دق العنق ، والفعل وقص يقص
66
يقول : تجدنا أيها المخاطب أمنعهم ذمة وجوارا وحلفا وأوفاهم باليمين عند عقدهم ، الذمار : العهد والحلف والذمة ، سمي به لأنه يتذمر له أي يتغصب لمراعاته
67
الرفد : الإعانة ، والرفد الاسم يقول : ونحن غداة أوقدت نار الحرب في خزازي أعنا نزارا فوق إعانة المعينين ، يفتخر باعانة قومه بني نزار في محاربتهم اليمن
68
تسف أي تأكل يابسا ، والمصدر السفوف ، الجلة : الكبار من الإبل ، الخور : الكثيرة الألبان . وقيل الخور الغزار من الإبل ، والناقة خوراء ، الدزين: ما أسود من النبت وقدم يقول : ونحن حبسنا أموالنا بهذا الموضع حتى سفت النوق الغزار قديم النبت وأسوده لإعانة قومنا ومساعدتهم على قتال أعدائنا
71-69
يقول : كنا حماة الميمنة إذا لقينا الأعداء وكان إخواننا حماة الميسرة ، يصف غناءهم في حرب نزار اليمن عندما قتل كليب وائل لبيد ابن عنق الغساني عامل ملك غسان على تغلب حين لطم أخت كليب وكانت تحته
72
يقول : فحمل بنو بكر على من يليهم من الأعداء وحملنا على من يلينا
73
النهاب : الغنائم ، الواحد نهب ، الأوب : الرجوع ، التصفيد : التقييد ، يقال : صفدته أي قيدته وأوثقته يقول : فرجع بنو بكر بالغنائم والسبايا ورجعنا مع الملوك مقيدين ، أي اغتنموا الأموال وأسرنا الملوك
74
يقول : تنحوا وتباعدوا عن مساماتنا ومباراتنا يا بنى بكر ، ألم تعلموا من نجدتنا وبأسنا اليقين ؟ بلى ، وقد علمتم ذلك لنا فلا تتعرضوا لنا ، يقال : إليك إليك ، أي تنح
75
يقول : ألم تعلموا كتائب منا ومنكم يطعن بعضهن بعضا ويرمي بعضهن بعضا ؟ وما في قول ألما صلة زائدة ، الإطعان والارتماء : مثل التطاعن والترامي
76
اليلب : نسيجة من سيور تلبس تحت البيض يقول : وكان علينا البيض واليلب اليماني وأسياف يقمن وينحنين لطول الضرائب بها
77
السابغة : الدرع الواسعة التامة، الدلاص : البراقة ، الغضون : جمع غضن وهو التشنج في الشيء يقول : وكانت علينا كل درع واسعة براقة ترى أيها المخاطب فوق المنطقة لها غضونا لسعتها وسبوغها
78
الجُون : الأسود ، والجَون الأبيض ، والجمع الجُون يقول : اذا خلعها الأبطال يوما رأيت جلودهم سودا للبسهم اياها ، قوله : لها ، أي للبسها
79
الغدر: مخفض غدر وهو جمع غدير ، تصفقه : تضربه ، شبه غضون الدرع بمتون الغدران اذا ضربتها الرياح في جريها ، والطرائق التي ترى في الدروع بالني تراها في الماء اذا ضربته الريح
80
الروع : الفزع ويريد به الحرب هنا ، الجرد : التي رق شعر جسدها وقصر ، والواحد أجرد والواحدة جرداء ، النقائذ : المخلصات من أيدي الأعداء ، واحدتها نقيذة ن وهي فعيلة بمعنى مفعلة ، يقال : أنقذتها أي خلصتها ، فهي ونقيذة ، الفلو والافتلاء : القطام يقول : وتحملنا في الحرب خيل رقاق الشعور قصارها عرفن لنا وفطمت عندنا وخلصناها من أيدي أعدائنا بعد استيلائهم عليها
81
رجل دارع: عليه درع ، ودروع الخيل تجافيفها ، الرصائع : جمع الرصيعة وهي عقدة العنان على قذال الفرس يقول : وردت خيلنا وعليها تجافيفها وخرجن منها شعثا قد بلين ، كما بلي عقد الأعنة ، لما نالها من الكلال والمشاق فيها
82
يقول : ورثنا خيلنا من آباء كرام شأنهم الصدق في الفعال والمقال ونورثها أبناءنا اذا متنا ، يريد أنها تناتجت وتناسلت عندهم قديما
83
يقول : على آثارنا في الحرب نساء بيض حسان نحاذر عليها أن تسبيها الأعداء فتقسمها وتهينها ، وكانت العرب تشهد نساءها الحروب وتقيمها خلف الرجال ليقاتل الرجال ذبا عن حرمها فلا تفشل مخافة العار بسبي الحرم
84
يقول قد عاهدن أزواجهن اذا قاتلوا كتائب من الأعداء قد أعلموا أنفسهم بعلامات يعرفون بها في الحرب أن يثبتوا في حومة القتال ولا يفروا والبعول والبعولة جمع بعل ، يقال للرجل : هو بعل المرأة ، وللمرأة هي بعله وبعلته ، كما يقال . هو زوجها وهي زوجها وهي زوجة وزوجته
85
أي ليستلب رجالنا أفراس الأعداء وبيضهم وأسرى منهم قد قرنوا في الحديد
86
يقول : ترانا خارجين إلى الأرض البراز ، وهي الصحراء التي لا جبل بها ، لثقتنا بنجدتنا وشوكتنا ، وكل قبيلة تستجير وتعتصم بغيرها مخافة سطوتنا بها
87
الهوبنى تصغير الهونى وهي تأنيث الأهون ، مثل الأكبر والكبرى يقول : إذا مشين يمشين مشيا رفيقا لثقل أردافهن وكثرة لحومهن ، ثم شبههن في تبخترهن بالسكارى في مشيهم
88
القوت : الاطعام بقدر الحاجة ، والفعل قات يقوت ، والاسم القوت ، والجمع الاقوات يقول : يعلفن خيلنا الجياد ويقلن : لستم أزواجنا إذا لم تمنعونا من سبي الأعداء إيانا
89
الميسم : الحسن وهو من الوسام والوسامة وهما الحسن والجمال ، والفعل وسم يوسم ، والنعت وسيم ، الحسب : ما يحسب من مكارم الانسان ومكارم أسلافه ، فهو فعل في معنى مفعول مثل النفض والخبط والقبض واللقط في معنى المنفوض والمخبوط والمقبوض والملقوط ، فالحسب إذن في معنى المحسوب من مكارم آبائه يقول : هن نساء من هذه القبيلة جمعن إلى الجمال الكرم والدين
90
يقول : ما منع النساء من سبي الأعداء إياهن شيء مثل ضرب تطير منه سواعد المضروبين كما تطير القلة إذا ضربت بالمقلى
91
يقول : كأنا حال استلال السيوف من أغمادها ، أي حال الحرب ، ولدنا جميع الناس ، أي نحميهم حماية الوالد لولده
92
الحزور : الغلام الغليظ الشديد ، والجمع الحزاورة يقول : يدحرجون رؤوس أقرانهم كما يدحرج الغلمان الغلاظ الشداد الكرات في مكان مطمئن من الأرض
93
يقول : وقد علمت قبائل معد إذا بنيت قبابها بمكان أبطح ، القبب والقباب جمعا قبة
94
يقول : قد علمت هذه القبائل أنا نطعم الضيفان اذا قدرنا عليه ونهلك أعداءنا إذا اختبروا قتالنا
95
يقول : ونحن نمنع الناس ما اردنا منعه إياهم وننزل حيث شئنان من بلاد العرب
96
يقول : وأنا نترك ما نسخط عليه ونأخذ إذا رضينا ، أي لا نقبل عطايا من سخطنا عليه ونقبل هدايا من رضينا عليه
97
يقول ونحن نعصم ونمنع جيراننا إذا اطاعونا ونعزم عليهم بالعدوان إذا عصونا
98
يقول : ونأخذ من كل شيء أفضله وندع لغيرنا أرذله ، يريد أنهم السادة والقادة وغيرهم أتباع لهم
99
يقول : سل هؤلاء كيف وجدونا ، شجعانا أم جبناء
100
الخسف والخسف ، بفتح الخاء وضمها : الذل ، السوم : أن تجشم إنسانا مشقة وشرا ، يقال : سامة خسفا ، أي حمله وكلفه ما فيه ذله يقول : إذا أكره الملك الناس على ما فيه ذلهم أبينا الانقياد له
101
يقول : ملأنا الدنيا برا وبحرا فضاق البر عن بيوتنا والبحر عن سفننا
102
يقول : إذا بلغ صبياننا وقت الفطام سجدت لهم الجبابرة من غيرنا
103

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)



المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
لست شيطان - بقلمى قارس من الفرسان بوح الاعضاء 4 October 13, 2012 09:25 PM
شيطان برئ خالد العبد الله بوح الاعضاء 1 April 30, 2010 05:21 PM
شيطان موديل *بنت الاسلام* النصح و التوعيه 0 April 8, 2010 09:22 PM
شيطان نت اريج الزهوور المواضيع العامه 0 November 21, 2009 08:48 PM


الساعة الآن 08:37 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر