فيسبوك تويتر RSS


  #1  
قديم April 5, 2013, 03:11 AM
 
حب على أصابع البيانو

شرفة بيت عتيق كمعظم البيوت في ذلك الوقت , من ستينات القرن الماضي , تطل على أشبه ببحر
واسع تسمع فيه شجن الزمن الجميل , فالناس تسرع الخطا كل الى عمله , و ابتسامة رقيقة تطل من
وجوهم متمنين لبعضهم الصباح الجميل كل في رزقه . نعود الى شرفة المنزل الواقع على ناصية
الطريق , واقف كطفل صغير منتظرا هديته , ولكن ما سبب ذلك ؟ نعم إنها هي كالمعتاد هي الحورية
الخارجة من عمق البحر بشعرها الأسود الليلي ؛ يتدلى بعنفوان الأميرات على خديها . هي بعينيها
العسليتين كمرآة ترى فيها وجها ملائكي , أنا لا أبالغ في الوصف بل هي كذلك بالفعل . ليلى فتاة في
الحادية و العشرين من عمرها طالبة في كلية الفنون الجميلة يا لها من صدفة ؛ تسكن في الجهة
المقابلة من الشارع , تنزل كل يوم في نفس الميعاد و معها دعوات أمها بالنجاح محبوبة من الجميع و
هي تستحق ذلك , فلا يوجد أحد في حارة القمر إلا و يشهد بأخلاقها و جمالها , ‘ إلا شخص واحد فقط
كان يراها بنظرة مختلفة . إنه شادي طالب السنة النهائية في معهد الموسيقى العربية و متخصص في
العزف على البيانو , له صفات شباب هذه الحقبة الزمنية من الرجولة و تحمل المسؤولية بعد وفات
والده ؛ ليعيش هو أمه في المنزل الكبير و شرفته الواسعة , و التي كانت تكفي شادي ليقف عليها كل
صباح منتظرا أميرته التي توجها منذ زمن على عرش قلبه . كم تمنى أن يذهب و يطلب يدها و لكن
ضيق اليد وقف حائلا بينه و بين حب العمر , لكنه استعان بصديقه الوحيد البيانو ليساعده , و كان ذلك
عن طريق إعطاء دروس الموسيقى ل ليلى , نعم فهي فرصة عظيمة أن تتلاقى أصابعهما على سطر
واحد ملون بالأبيض و الأسود , و يخرجا معا أجمل المقطوعات .
و لأنها مبتدأة كانت عيناها دائما على أصابعها , كي تتفادى الخطأ ؛ أما هو فيظل متابعا له تملأه
ابتسامة , متمنيا أن يرى في اصبعها بريق خاتم الارتباط الأبدي .
استمر شادي في إعطاء دروس الموسيقى , مستمتعا بكل لحظة مع حبيبته ليلى . جاء يوم تخرجه من
المعهد و كالعادة نجح و بإمتياز , و عندما علم بذلك لم يفكر سوى في شيء واحد و هو أن يعدو
مسرعا ليخبر ليلى بنجاحه , و قد حدث بالفعل و لم تبخل عليه بعبارات المدح المكسوة بحمرة الخجل و
بداخلها لكم تمنت أن تعانقه و تطبع على خده قبلة , لكنها عادت إلى الواقع , لا يعنيها سوى أن تراه
سعيدا و هي بقربه دائما .
في اليوم التالي , كان شادي جالس يطالع ساعته بنهم شديد , ما الذي أخرها يا ترى ؟ كان يسأل نفسه
فليس من عادة أميرته أن تتأخر على حضور دروس الموسيقى , نظر إلى الساعة فوجدها قد تخطت
العاشرة بقليل , نزل مسرعا متجها إلى منزل ليلى , و صل إلى باب الشقة , انتظر قليلا حتى يهدأ من
تلاحق أنفاسه ثم طرق الباب و انتظر طويلا , لم يجبه أحد و مرو ثانية و ثالثة لا يوجد أحد , كيف ذلك
أين ذهبت ؟ رجع شادي شاعرا بثقل خطواته , و كأن عمره زاد عن المائة , اتجه نحو صديقه الوحيد
ليهون عليه , بدأ شادي بالعزف و ياله من عزف كأنه لم يعزف من قبل , نغمات تخترق القلب عند
سماعها , و دموعه تنحدر على وجنتيه في مشهد مهيب بالفعل . ولو طلب من رسام بارع أن يرسمه
لغلبته دموعه , ما هذا الحب ؟ و الغريب والدته كانت واقفة من بعيد تراقبه , و عيناها تملأها الدموع
دموع كثيرة , و في خطوات ثقيلة متجهة إليه تربت على كتفه , قائلة : آن لك يا بني أن تنساها ,
كيف ... لا يعقل من أجل أنها لم تأتي اليوم تقولين لي أن أنساها غريبة أنتي يا أمي , هنا وقفت الأم
يملأ وجهها الغضب المملوء بالحسرة , قائلة : اليوم .. اليوم يا شادي أفق من الغيبوبة التي تعيش
فيها ليلى ماتت منذ سنة و أنت لا تريد التصديق و تستمر في ايهام نفسك بغير ذلك , أرجوك أفق يا بني .
ماتت لا من قال ذلك ؟ لا لا لم تمت أنتي كاذبة هي فقط متغيبة لبعض الوقت , و ستعود نعم ستعود , أنا
لم أنتهي بعد من دروس الموسيقى . و استمرت الأم تستمع إليه , وهي باكية فقد شهدت على ولادة
هذا الحب الأبيض , المملوء بذرات من الوفاء , لكن ارادة الله كانت أقوى , كانت ليلى رغم ابتسامتها
التي لم تكن تفارقها و حبها للناس , تعاني من المرض الخبيث , لم تُشعر منحولها بذلك فهي لم تكن
تريد أن تشعر بنظرات الشفقة أو العطف , قوية يراها الناس دائما .
لم تخبر شادي عن أمرمرضها , رغبة منها في عدم رؤيته حزينا باكيا ؛ لتراه دائما في أبهى حلله
انسانا جميلا محب للحياة , و في يوم يملأه السعادة و كعصفورين جالسان يرسمان أجمل لوحة
بأصابعهما , اشتد المرض على ليلى و علا صوت سعالها على صوت البيانو , لكنها استمرت في
العزف ..كيف ؟ الى أن انحنت برأسها على كتف شادي و هو مازال يعزف و يعزف و يعزف ...
انهضي هيا , يرفع بنظره الى السماء نعم هي مقطوعة من السماء , انشودة حب يصيغها معها مع.....
ليلى ليلى لو كان الوصف رجلا لتكلم عن هذه اللحظة , صرخ شادي صرخة دوت في أرجاء
الحارة ؛ محتضنا ليلى يربت على رأسها غير مصدق .
و منذ ذلك الحين كان شادي يرى ليلى كل يوم , نعم كل يوم يراها كما هي أميرته , منتظرا في شرفته
يلوح لها بيده , و يقفز فرحا عندما يحين موعد درس الموسيقى , تجلس بجانبه يلمح ابتسامة خجولة
ثم يبدآن في نسج أجمل حكاية حب ....... حب على أصابع البيانو
رد مع اقتباس
  #2  
قديم April 11, 2013, 10:19 PM
 
رد: حب على أصابع البيانو

الى الرجل الغامض قصة جميلة جذبتنى الى آخر سطر فيها ولكنى أعتقد والله اعلم انها قصة من واقع الحياة رأيتها انت بنفسك ثم عبرت عنها هذا احتمال لانك كتبتها بصدق وواقعية ومن يذق طعم الحب الحقيقى يعبر عنه كما عبرت عنه واسأل مجرب..............
رد مع اقتباس
  #3  
قديم April 19, 2013, 10:14 AM
 
رد: حب على أصابع البيانو

جميل هو الحب و الوفاء فيه أمره عجب
قصة جميلة ذات اسلوب سلسل
متعك الله بالصحة و العافية
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
طريقة عمل أصابع الجبن بالصور،خطوات تحضير أصابع الجبن Ruh وصفات المعجنات والسلطات والمقبلات 4 February 24, 2011 06:55 PM
طريقة عمل أصابع السمبوسة ،خلطة أصابع السمبوسة ،عجينة أصابع السمبوسة ألاء ياقوت وصفات المعجنات والسلطات والمقبلات 1 August 4, 2010 01:32 AM
ჯჯჯ طفلان مغربيان أكلا أصابع يديهما وانتقلا إلى أصابع رجليهما ჯჯჯ TrNeDo أرشيف الأخبار اليومية 1 June 20, 2007 01:28 AM


الساعة الآن 05:23 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر