فيسبوك تويتر RSS



العودة   مجلة الإبتسامة > الموسوعة الإسلامية > سيرة و قصص الانبياء و الصحابة

سيرة و قصص الانبياء و الصحابة سيرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم , سيرة الصحابة , السيرة النبوية , حياة الرسل



 
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم January 18, 2013, 03:13 PM
 
سكينه بنت الحسين بن علي (ع) ودفع الشبهه عنها .

حول سكينة بنت الحسين ع

بقي أن نشير إلى نقض واحد مؤسف جداً ذكرته مصادر العامة. والظاهر أن أول من تورط به هو أبو الفرج الأصفهاني في الأغاني وتابعه الكثيرون ومنهم كحّالة في أعلام النساء وغيره. وهو أنهم يدَّعون ويروون بتفصيل: إن سكينة بنت الحسين بن علي بن أبي طالبع كانت تجتمع مع الشعراء وتحضر مجالس الغناء والطرب والشعر، وتحكم وتفاضل بين شاعر وآخر ونحو ذلك من الأمور، مما هو دس قطعي ضد المعصومين ع وذريتهم وشيعتهم.
وأنا أعتقد أن اسمها ليس مصغراً [سُكيْنة] كما يلفظه العامة والمشهور. وإنما هو مكبر [سَكيِنة] ماخوذاً من القرآن الكريم: [فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ][[193]] ، ويعني هي السكينة النازلة تشبيهاً. وأما المصغر فهو أنثى الحمار بنص اللغويين ومنهم ابن منظور في لسان العرب[[194]]. وهذا مما يجهله المثقفون والمتفقهون من الناس مع الأسف ولا يحتمل أن الحسين ع يجهله.
ونحن نجد أن أبا الفرج الأصفهاني الذي هو أول من كتب هذه القضية يمثل شخصيتين متهافتيين، لأنه صاحب مقاتل الطالبيين وصاحب الأغاني. فهو في مقاتل الطالبيين يكون أقرب إلى الدين من ناحية وأقرب إلى المذهب من ناحية أخرى وأقرب إلى حب أهل البيت ع من ناحية ثالثة. في حين أنه في الأغاني بريء من كل ذلك.
فأما مقاتل الطالبيين فهو مصدر رئيسي في التأريخ بالنسبة إلى كل المذاهب، وهو أقدم كتاب وصل إلينا بعد تلف الكتب الأخرى. فإن هذا الكتاب وفق وأصبح مصدراً لجميع المسلمين.
وأما الأغاني فقد فشل ولم يكن مصدراً لجميع المسلمين حتى باقي المذاهب، وذلك لأن نسبة المحرمات لقادتهم وسادتهم وخلفائهم فيه كثيرة. فأحسن حل لذلك أن يهملوه ويتناسوه ولا يعتبرونه مصدراً إطلاقاً حتى لا يفتضحوا. ولكن حينما يذكر فيه شيء ينفعهم فإنه يكون مصدراً تأريخياً مقدساً. فإذا كانوا يعتمدون عليه فإنه يضرهم، وإذا لم يكونوا يعتمدون عليه فلابد أن يكفوا عنه بمجموعه، فهو كاذب من جميع الجهات.
قال كحالة في أعلام النساء[[195]]: [سكينة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب سيدة جليلية ذات نبل ومقام رفيع كانت تجالس الأجلة من قريش وتجتمع إليها الشعراء والأدباء والمغنون، فيحتكمون إليها فيما أنتجته قرائحهم فتبين لهم الغث من السمين وتناقش المخطىء مناقشة علمية فيقتنع بخطأه ويقر لها بالفضل وقوة الحجة وسعة الإطلاع. فمن ذلك أنه اجتمع بالمدينة راوية جرير وراوية كثير وراوية نصيب وراوية جميل وراوية الأحوص وادعى كل رجل منهم أن صاحبه أشعر، ثم تراضوا بسكينة بنت الحسين ع فأتوها فاخبروها فقالت لصاحب جرير... إلى آخر القصة.
قال: وفي رواية أنه اجتمع في خباء سكينة بنت الحسين، جرير والفرزدق وجميل والنصيب فمكثوا أياماً، ثم أذنت لهم فدخلوا فقعدت حيث تراهم ولا يرونها وتسمع كلامهم، فأخرجت إليهم جارية وضيئة وقد روت الأشعار والأحاديث فقالت: أيكم الفرزدق؟ فقال الفرزدق: ها أنا ذا. فقالت: أنت القائل...إلى آخر القصة.
ثم يذكر قصصاً كثيرة بإجتماعها بعمر بن أبي ربيعة، وابن سريج، والغريض، وكثير آخرين. ويذكر أنها تزوجت بعدة أزواج.
ويقول: وكانت سكينة عفيفة سلمة برزة من النساء [أي تخرج إلى الرجال] ظريفة مزاحة قيل لها: أمك فاطمة يا سكينة وأنت تمزحين كثيراً وأختك لا تمزح. فقالت: لأنكم سميتموها باسم جدتها المؤمنة فاطمة، وسميتموني بإسم جدتي التي لم تدرك الإسلام تعني آمنة بنت وهب أم رسول الله ص وآله.
وهذا دس واضح وذلك لعدة أمور:
1- إن آمنة لم يكن أسمها سكينة.
2- ثبت عندنا إن أهل البيت ع من أرحام طاهرة وأصلاب مطهرة، ولا يحتمل أن تكون آمنة بنت وهب كافرة وإن كانت قبل الإسلام.
3- التسمية وحدها لا دخل لها في التربية.
وقد اكتفى السيد المقرم في مقتل الحسين بأن أجاب بالرواية المنقولة: أنها مستغرقة مع الله تعالى، فإذا كانت مستغرقة مع الله سبحانه فكيف تصدر منها هذه الأمور؟ فإنها تنافي الإستغراق أكيداً. وإذا كانت لا تنفع رجلاً واحداً الذي هو زوجها وأخص الناس بها فكيف تنفع الكثيرين من الرجال؟
إلا أن نقطة الضعف في ذلك هو ضعف الرواية بأزاء استفاضة النقل من ذلك الطرف. فإن كحالة يذكر بعد كل ترجمة مصادرها ويذكر بعد ترجمة سكينة بنت الحسين ع حوالي عشرين مصدراً وهذا يكفي في الإستفاضة فلا تقاومه تلك الرواية.
وجواب ذلك من عدة وجوه:
الأول: أن يقال بأن روايتهم عندنا ليست بحجة كما أن روايتنا عندهم لسيت بحجة. فلو كانت روايات فقهية ويترتب عليها أثر فقهي من وجوب أو حرمة أو استحباب أو غير ذلك من الأحكام الشرعية لما عمل بها المذهب الآخر. وهذا ينبغي أن يكون أكيداً فكل تلك الروايات التي تحدثت عن سكينة بذلك النحو ليست من أخبارنا. إذن، فهي ليست بحجة وكل تلك الروايات من المراسيل وليست لها أسانيد إطلاقاً. فمن هذه الناحية كيف نستطيع أن نأخذ بها حتى لو كانت من الخاصة فضلاً عما لو كانت من العامة.
الثاني: إننا قلنا بدرجة من درجات التفكير إن القضية مستفيضة ولعلهم يدَّعون أنها متواترة ولكن هذا يمكن أن يجاب عليه بجوابين :
1- إن التواتر هو اجتماع جماعة لا يحتمل تطابقهم واتفاقهم على الكذب، وهذا شرط غير متوفر هنا، وإذا كان كذلك فهو ساقط عن الحجية. فإن الملايين من المسيحيين مثلاً أو من اليهود أو من البوذيين أو غيرهم يشهدون بصحة بعض المرتكزات عندهم مما يخالف الإسلام فهل أن هذا الواتر حجة؟ طبعاً لا، فإنه يوجد اتفاق على أن يغلِّطوا أنفسهم وأن يسيروا في الطريق المعوج.
2- التواتر هو اجتماع عدد كبير من الناس بحيث يحصل الإطمئنان بصحة كلامهم فهل أن هذا العدد متوفر هنا أم لا؟ فلو فرضنا أن هذه الروايات متواترة لأن الكثير من المؤرخين يروونها، ولكن الذي ذكرها من المصادر القديمة هو واحد وهو أبو الفرج الأصفهاني في كتابه الأغاني. إذن، فينقطع التواتر بالأغاني، وحمله على الصحة بلا موجب فلا تحصل الإستفاضة بواحد فضلاً عن التواتر.
الثالث: إن الدس المتعمد الذي كان مدعوماً من قبل الدولة في القرون الأولى كان كثيراً، فكان هناك مجموعة من القصاصين يروون الروايات مقابل الأموال وما أسهل أن تشترى بعض الضمائر. فليس من الغريب أن يقولوا هذا لأجل أن يفضحوا المعصومين ع حسب اعتقادهم. فقد سب علي بن أبي طالبع وشتم على المنابر سنين طويلة، فليس من العجيب أن يهتكوا إبنه أو إبنته. فما دام سبب الكذب المتعمد موجوداًً فحتى لو كان هناك ملايين المجلدات فلا قيمة لها لأنها مشتراة بالمال.
الرابع: إن كحالة يريد أن يوهم أن كل مصادره تعرضت لهذه الأمور التي ذكرها، بينما أن الأمر يختلف جداً والأمر يحتاج إلى فحص في كل تلك المصادر على أي حال ولا يتيسر ذلك بسهولة.
الخامس: إنه في الإمكان أن يقال: إن نطفة الإمام المعصومع طاهرة ومطهرة معنوياً، لا أقل أن أولادهم الصلبيين يكونون أطهاراً. لأنهم منعقدون مباشرة من نطفة الإمام ع. إذن، فلا يمكن أن يصدق فيهم مثل هذه الأمور التي تنسب إليهم.
فإن قلت: فكيف بجعفر الكذاب وغيره من القلائل المنحرفين؟
قلنا فيه أكثر من جواب:
1- هذا مما دل الدليل على خبث النفس فيه ووجود المانع من قبول التربية. على أن جعفر الكذاب وردت توبته وورد النص على قبولها[[196]] ولذا يسمى بجعفر التواب[[197]] بدل الكذاب.
2- إننا لو تنزلنا عن سائر الأئمة ع لا نستطيع أن نتنزل عن الحسن والحسين ع الذين هما خير من الباقين، فهما من أهل الكساء الذين هم خاصة الخلق وأئمة الأئمة. فإن تصورنا أن النطف ليست طاهرة من غيرهم فيتعين أن تكون طاهرة منهم، وإن تصورنا أن بعضهم فشلت تربيتهم وحاشاهم فإننا لا نستطيع أن نتصور ذلك في أهل الكساءع.
3- إننا سمعنا ما سبق من مسلكهم في الصيانة المكثفة لنسائهم فكيف تستطيع بعض النساء أن تكون كذلك، يعني ضد هذه الصيانة، إلا أن تبيع دينها وشرفها بأبخس الأثمان وتفتضح. ولوصل خبرها إلى مصادر الشيعة فضلاً عن مصادر السنة مع أنه لم يصل.
السادس: إننا نتساءل: إن هذا المسلك الذي ينسب إلى هذه السيدة الجليلة هل كان في زمن أبيها أم كان بعده؟ فإن كان في زمن أبيها فهو مشرف عليها ومراقب لها، وبالتأكيد أنه يطبق القانون العام عليها كما طبقه على غيرها من سائر بناته وزوجاته. فلو فرضنا حصول شيء من ذلك فسوف تواجه بمنع صارم لا محالة.
وأما بعده فالنساء قضت كل أعمارهن تقريباً بل تحقيقاً بالبكاء والنوح على واقعة الطف وشهدائها. فالسيدة سكينة J هل كانت مع الباكيات أو بدونهن؟ فإن كانت مع الباكيات كما هو الأمر الواقع فلا معنى لأن تكون باكية ومزاحة في عين الوقت. وإن لم تكن معهن يعني كانت هي مزاحة وأخواتها وعماتها وغيرهن باكيات فهذا هو العار نفسه وإسقاط المصلحة الدينية الخاصة والعامة التي كان يعرفها الجميع من أسرتها في وجوب إعلان مصيبة الحسين ع ومظلوميته في المجتمع، ومعارضة الدولة القاتلة له بذلك.
السابع: إن الأئمة ع كانوا معها طول حياتها، الحسن والحسين وزين العابدين والباقرع وربما طال بها العمر إلى زمن الإمام الصادقع. ولا شك أن الأئمة كلهم كان لهم إهتمام خاص بصيانة أسرهم وكثافة الستر في نسائهم، فلا يحتمل أن يكون شيء ما يفلت بهذه السعة والوضوح وهم لا يعلمونه، أو أنهم يعلمونه ويسكتون عنه أو أنهم يعلمونه ولا يستطيعون تغييره، فكل ذلك غير محتمل. لأن الضغط على امرأة منهم ليس مخالفاً للتقية لكي يتركونه.
الثامن: في حدود المصادر المتوفرة من الجماعة لم أستطع أن أجد ذكراً لما إذا كانت سكينة J حاضرة واقعة الطف أو في السبايا، ليكون ذلك قرينة أخرى على نفي الحال المنسوب إليها دنيوياً، لأنها إذا كانت من السبايا الباكيات فلا معنى للجمع بين المزاح والبكاء.
إلا أن ابن الجوزي في تذكرة الخواص يقول: وكانت في السبايا الرباب بنت امرؤ القيس زوجة الحسين ع وهي أم سكينة بنت الحسين ع وكان الحسين ع يحبها حباً شديداً وله فيها أشعار منها:
تحل بها سكينة والرباب


لعمرك إنني لأحب داراً
وليس لعاذل عندي عتاب


أحبهما وأبذل فوق جهدي
حياتي أو يغيبني التراب


ولست لهم وإن عتبوا مطيعاً
فخطبها يزيد والأشراف من قريش فقالت: والله لا كان لي حمواً آخر بعد ابن رسول الله ص وآله، فعاشت بعد الحسين ع سنة ثم ماتت كمداً ولم تستظل بسقف.
التاسع: وهو يخص مذهبنا فقد ورد في الزيارة الجامعة[[198]]: السلام عليكم يا أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة ومهبط الوحي ومعدن الرحمة وخُزَّان العلم ومنتهى الحلم وأصول الكرم وقادة الأمم وأولياء النعم وعناصر الأبرار ودعائم الأخيار وساسة العباد وأركان البلاد وأبواب الإيمان وأمناء الرحمن وسلالة النبيين وصفوة المرسلين وعترة خيرة رب العالمين ورحمة الله وبركاته.
السلام على أئمة الهدى ومصابيح الدجى وأعلام التقى وذوي النهى وأولي الحجى وكهف الورى وورثة الأنبياء والمثل الأعلى والدعوة الحسنى وحجج الله على أهل الدنيا والآخرة والأولى ورحمة الله وبركاته.
السلام على محالّ معرفة الله ومساكن بركة الله ومعادن حكمة الله وحفظة سر الله وحملة كتاب الله وأوصياءه نبي الله وذرية رسول الله ورحمة الله وبركاته.
السلام عى الدعاة إلى الله التامين في محبة الله والمخلصين في توحيد الله والمظهرين لأمر الله ونهيه وعباده المكرمين الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ورحمة الله وبركاته.
ومن يكونون هكذا، لا يحتمل فيهم أن تكون بعض نسائهم هكذا.
العاشر: إننا نعتبر بقصة ترويها المصادر القديمة عندهم وعندنا وهي بما مضمونه أن الرواية تقول: [كنا في سفر فرأينا امرأة وسألناها: من أين أنت فكانت لا تجيب إلا بالقرآن، فسألنا عنها فقيل لنا هي فضة خادمة الزهراء ع عJ][[199]].
فهي تستشكل من الكلام الإعتيادي، فوجدت خير كلام هو كلام الله سبحانه وتعالى وهي حافظة للقرآن كله وذكية في اختيار آياته. وقد تطرَّق القرآن لمواضيع كثيرة جداً بحيث تستوفي الحياة الإعتيادية وأكثر من الحياة الإعتيادية، قال تعالى: [ما فرطنا في الكتاب من شيء][[200]]. فقد فضلت أن تحتاط لنفسها أمام الله سبحانه ولا تتحدث إلا بالقرآن.
وهي إنما كانت هكذا لأنها مرباة في دار الإمام أمير المؤمنين ع فقد عاشرتهم فترة من الزمن وعرفت مقاصدهم وحقيقة عقائدهم وحقيقة عملهم بمقدار ما تستحق.
فإذا كانت خادمة غريبة ومع ذلك تصبح من الورع والتقوى إلى هذه الدرجة فكيف ببنات الأئمة ع؟ فهن أولى بذلك بكثير.
والفكرة الأخرى بهذا الصدد أنه روي عن الإمام زين العابدين ع أنه كانت له عدة مناهج في نفع المجتمع، فمنها: إنه كان يشتري العبيد ويستخدمهم لمدة سنة ثم يتخذ ثلاث خطوات: الأولى: يبرىء ذممهم، الثانية: أن يعطيهم مالاً، والثالثة: أن يعتقهم[[201]]. فإذا كان الأمر لمجرد العتق فلماذا يبقيه عنده سنة كاملة؟ في حين أنه يمكنه أن يعتقه بمجرد أن يشتريه. وإنما الشيء الرئيسي الذي يريده الإمام ع هو أن يتربى الفرد في خلال هذه السنة، فيحملون من الفقه والورع من الإمام وأسرته الشيء الكثير فيكونون ألسنة ورع وألسنة ثناء وألسنة طاعة لله ولرسوله ولأمير المؤمنين ولكل المعصومين ع. فهل من المعقول أن تكون بنات الأئمة ع ليس على هذا المستوى وهم في تربية كاملة تستوعب العمر كله وليس سنة واحدة؟
وكذلك ما ورد: إن السجانين في السجن الذي كان فيه الإمام الكاظمع كان الفرد منهم يعاشر الإمام ع أياماً قليلة فيصبح متهجداً عابداً زاهداً[[202]]. حتى أنهم أرسلوا له امرأة خليعة لكي تخدمه وتغريه فأصبحت أيضاً زاهدة وعابدة[[203]].
فإذا كان الحال في الأفراد الإعتياديين أن تحصل لهم الهداية شيئاً قليلاً من معاشرة الأئمة ع، فكيف برجالهم ونساءهم وأطفالهم الذين يعيشون تحت تربيتهم وتركيزهم؟
الحادي عشر: إن الشعر المنسوب إلى الحسين ع والموجود في مصادرهم يمكن أن نفهم منه فهماً معنوياً، وإنا نجل الحسين ع عن العاطفة الدنيوية الأسرية. وأن كل مؤمن وخاصة المعصومع إنما يحب في الله ويبغض في الله فإن الحسين ع يقول:
وليس لعاتب عندي عتاب


أحبهم وأبذل فوق جهدي
فإنه حينما يقول: [لعمرك إنني لأحب داراً] أي المقام[[204]] الذي وصلوا إليه عند الله تعالى، وقولهع: [وأبذل فوق جهدي] من قبيل قوله تعالى:
[ قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ
][[205]]. وقولهع: [وليس لعاذل عندي عتاب] فهو يريد أن يخص أسرته بشيء من التربية المركزة. فلا إشكال أنه يحبها في الله كما يحب أي شخص آخر في الله. وقولهع : [وليس لهم وإن عتبوا مطيعاً] فإن الطاعة لله عز وجل وليس للخلق بطبيعة الحال. وقولهع: [حياتي أو يغيبني التراب] أي أن طاعة الله تعالى في حياتي وبعد مماتي.
ولا يحتمل أنه سلام الله عليه يحب في الله امرأة تعمل المحرمات وتعاشر الرجال المغنين وتكون مزاحة غير شاعرة بمصالح المجتمع ومصالح أهل البيتع، وهي مصلحة أبيها وذويها وهي ليست بعيدة عنها.
الثاني عشر: قد يقال إن زين العابدين ع في تقية مكثفة ومنعزل في بيته للعبادة والزهد وهو منصرف عن المجتمع، وإن الإمام الباقرع صغير السن ولا يستطيع منع عمته من فعلها. ولكننا نقول هنا: إن المتوقع أن يكون هناك رد فعل من الأئمة ع وأن يصرحوا بأنهم بريئون من تصرفاتها لو كانت.
فإننا لو تنزلنا عن كل الوجوه السابقة وفرضنا هذه السيدة العظيمة حرة في تصرفها وغير منصاعة لتعاليم أبيها وتقاليد أسرتها ومن الصعب السيطرة عليها، وقد مارست هذه الأمور المنسوبة إليها فعلاً.
إذن، سنتوقع بكل تأكيد وجود رد فعل مضاد لها وإعلام للناس بأن هذه المرأة عاصية ومنحرفة. لا أنهم يسكتون عنها بالرغم من تصرفها الفاضح وفعلها الشائن وارتكابها لمحرمات على ما هو المروي. فإن سكوتهم غير محتمل، فإنه ليس موافقاً للتقية وليس فيه مصلحة ثانوية، وخاصة أنها من أسرتهم ولا يخاف جانبها عليهم لا في الدنيا ولا في الآخرة.
مع العلم أن رد الفعل بالنسبة إلى كثير من حوادث المجتمع موجود خلال تأريخ المعصومين ع، فكيف لا يكون رد الفعل موجوداً بالنسبة إلى هذه السيدة لو كانت قد صدرت منها هذه الاعمال والأقوال؟
وحيث أن رد الفعل غير موجود قطعاً ولم يرد إلينا ولا في مصدر ضعيف من مصادر المسلمين. إذن، يتعين أن تكون هذه الأمور غير صادرة عنها وأنها مكذوبة عليها.
الثالث عشر: إننا لو تنزلنا عن كل الوجوه السابقة _ولن نتنزل_ فنسلم أن شيئاً ما من هذا الإتجاه قد حصل ولكن في حدود الشريعة فلا ننسب إليها شيئاً من المحرمات.
مضافاً إلى أننا نستطيع أن نعطي عناويناً ثانوية لتبرير عملها وذلك على عدة مستويات:
المستوى الأول: مسألة الحجاب وأن لا يراها الرجال وإن سمعوا صوتها، وهذا منصوص في بعض الكتب كالذي سمعناه عن كحالة: بأنها جلست حيث تراهم ولا يرونها.
وكذلك نعلم أن صوت المرأة إذا لم يكن فيه إثارة نوعية فإنه يجوز سماعه كما سمعوا صوت الزهراء ع ع J وصوت زينب J وغيرهن من النساء.
ولكن يخالفه ما روي في بعض كتبهم[[206]] من أنها تصفف شعرها بشكل معين حتى قيل: [الطرة السكينية] وظاهر السياق أنها كانت تبرز أمام الرجال سافرة بهذا الشكل. وهذا بمنزلة المستحيل فإن روايتها في غاية الضعف ولا يحتمل أن يصدر من بنت الحسين ع ذلك إطلاقاً.
إلا أن يقال إن الطرة السكينية لم يرها الرجال وإنما رأتها النساء.
المستوى الثاني: إن الغناء حرام ونسبة الحرام إلى هذه السيدة الجليلة منسد تماماً، فلن نستطيع أن نقبل برغبتها بالغناء فإنه محرم في الشريعة عند كل أهل المذاهب وخاصة ما يميل إلى الجنس والمجون.
ولكننا ينبغي أن نلتفت إلى أن الغناء إنما يكون غناءاً حقيقة وعرفاً إذا قرىء أو أدي على طريقته الخاصة بالترجيع ونحوه. وأما وجوده اللفظي المكتوب أو المقروء بدون ترجيع وخاصة وهم في ذلك العصر كانوا يلتزمون الغناء الفصيح ولم يكن للغات الدارجة العامية أثر.
وحسب فهمي أن الشعراء في ذلك الحين على قسمين:
1- شعراء غير غنائيين أي لم تكن أشعارهم لأجل الغناء كجرير والفرزدق.
2- شعراء غنائيين أي ينضمون الشعر لأجل الغناء ويرتزقون بذلك كابن سريج والنصيب.
إذن، فمن الممكن كأطروحة أنهم حين قالوا: إنها تجتمع بالشعراء والمغنين يريدون من المغنين الشعراء الذين ينضمون الأشعار الغنائية. ويريدون من الشعراء من لا يكون في شعره ذلك. ولا يراد أنها كانت تحضر فعلاً الأداء الغنائي فإنه محرم في الشريعة ولا يحتمل صدوره منها:

المستوى الثالث: إنها تجتمع بهذه الطبقة من الناس لأجل هدايتهم بشكل وآخر، قليلاً أو كثيراً. فلعل كلمة من الحكمة، أو بيتاً فيه عبرة، أو موعظة فيها هداية، تؤثر في بعض القلوب الساهية وفي بعض الأذهان الخاوية والعقول الغافلة.
وكلما كان الفرد أكثر غفلة وأقل اهتماماً بالدين كان أحوج إلى التنبيه والإلتفات والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وخاصة أن هذه الطبقة من الناس ليسوا ملحدين بل يدَّعون الإسلام والإلتزام. ففي الإمكان أخذهم من حيث يدَّعون وهدايتهم من حيث لا يشعرون.
وهذا فيه نفع لكلا الطرفين، فأما نفعه لسكينة نفسها فإنه أسلوب من أساليب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن أساليب الهداية تختلف. ولعل الأسلوب الرئيسي والأهم لهذه الطبقة من الناس هو ذلك، فتحصل على ثواب الأمر بالمعروف وثواب الجهاد بمعنى من المعاني فيكون نفعاً لها.
وأما بالنسبة لهم فإنهم يستفيدون، وذلك أن هؤلاء يكون أمرهم دائراً بين أن يتمحض اتصالهم بالفاسقين والمكرة وأهل الدنيا ونحو ذلك. وبين أن لا يكونوا متمحضين في هذه الجهة فقط. فيكون لهم اتصال قل أم كثر بجهة الحق، فبعضهم يتمنون هذا المعنى قليلاً أو كثيراً.
إن قلت: فلماذا يذهبون إلى السيدة سكينة J ولا يذهبون إلى المعصومين ع مباشرة؟
قلنا: إن من الصعب أن نقترح عليهم الذهاب إلى المعصومين ع لعدة أمور:
1- إختلاف المذهب.
2- إختلاف المسلك.
3- هيبة المعصومين ع عالية جداً، وهؤلاء يشعرون بذنوبهم أمامهم. فإذا شعروا بذنوبهم يقل شأنهم في باطن أنفسهم مهما كانوا يتظاهرون بالرفعة والتكبر والحشمة، فلا يمكن أن يذهب أمام هذه العظمة العظيمة فإنه لا يتحملها.
4- ربما لا يجد هؤلاء رغبة من قبل المعصومين ع في زيارتهم.
5- إن المعصومين علم يكونوا يتجاوبون مع وجدانهم الغنائي والدنيوي، ولا ينبسطون معهم في الكلام، مع أنهم يحتاجون إلى مثل ذلك، وقد وجدوا في هذه السيدة الجليلة المضحية المجاهدة ضالتهم المنشودة بناءً على هذه الأطروحة.
إن قلت: إن الإمام السجاد عأوكل أمر هذه السيدة الجليلة إلى زوجها مصعب ابن الزبير أو غيره، ولم يناقش في تصرفاتها لأنها متزوجة وزجها أولى بها.
قلنا: إن جوابه من عدة وجوه:
الوجه الأول: أن ننفي هذه الروايات ونقول إنها كاذبة كلها فسكوت الإمام ع من أهله وفي محله، لأنه لا يوجد منها شيء باطل حتى ينهى عنه الإمام ع ولكننا إن تنزلنا عن ذلك حينئذ نأتي إلى الوجوه الآتية.
الوجه الثاني: إنه إذا كان قد بلغ الحال بها إلى حد الفضيحة كما هو مقتضى هذه الأمور المروية كان لابد للسجاد ع من منعها، وإلا سرى الأمر إليه نفسه ومن ثم إلى الدين.
الوجه الثالث: إنه إن لم يستطع أن يكفها عن عملها فلا أقل أن يعلن البراءة منها وعن عملها، لكي يبرئ ساحته وساحة مذهبه وساحة دينه ونحو ذلك.
الوجه الرابع: إنه لم ير في عملها شيئاً شائناً ومخالفاً لكي ينهى عنه[[207]].
فإن قلت: إن هذه السيدة الجليلة متفقهة وفاهمة ومتورعة، أفلا يكون عملها هذا إعانة على الإثم لأنه تأييد لهم؟
وهذا إنما يصح بعد التنزل عن الجهات التي تقتضي نفي الأمر أصلاً، لكننا الآن ينبغي أن نتنزل ونقبل أنها حدثت، فإذا قبلنا ذلك تسجل الإشكال إجمالاً.
ويكون الجواب الرئيسي لذلك: إنه إذا حصل التزاحم بين أنها تأثم لإعانتهم على الإثم، وبين أن تقوم بهدايتهم وإسماعهم كلمة الحق وربطهم ولو قليلاً بالأسرة العلوية الشريفة، فيقدم الأهم وهو الذي فعلته من هدايتهم.
فإن قلت: كيف تتصرف هذا التصرف وهي تعلم أنهم مغنون وأنهم فسقة؟
قلنا: نعم، وإن كثيراً من أمور الدنيا بل كلها قابلة للحمل على معنيين: إلهي وشيطاني، وهذا منها. وكل واحد يحشر على نيته كما ورد[[208]]. فإذا استطعنا أن نحمل هذه السيدة العظيمة على حسن النية واستهداف مرضاة الله تعالى كفى فيه أن لا يكون هدفها الإعانة على الإثم، بل تخليصهم من الإثم وهذا يكفي[[209]].
 

مواقع النشر (المفضلة)



المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
شخصيه سكنت قلوب من عاش معها ومن سمع عنها ومن قراء عنها ......(((((الشيخ الشهيد عمر الختار_ marena mohebah شخصيات عربية 4 February 25, 2011 12:45 AM
الحسين بن علي بن أبي طالب .. سيد شباب أهل الجنة .. مقتل الحسين .. سيرة ذاتية للحسين .. برهافة حس شخصيات عربية 2 December 16, 2010 08:39 PM
اسطورة فارس الحزين في زمان الحزين فارس الحزين كلام من القلب للقلب 3 August 5, 2010 11:14 AM
لماذا نحفظ القرآن‎ مطر الربيع النصح و التوعيه 2 April 18, 2008 05:40 PM


الساعة الآن 09:14 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر