فيسبوك تويتر RSS



العودة   مجلة الإبتسامة > الموسوعة العلمية > تحميل كتب مجانية > كتب الادب العربي و الغربي

كتب الادب العربي و الغربي تحميل كتب القصة و الرواية العربية و الاجنبية



إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم February 11, 2008, 12:42 AM
 
رواية الشيخ عبادة

بسم الله الرحمن الرحيم


ماذا تقول رواية الشيخ عبادة ؟

الجماعة الإسلامية المبادرة

الروائيين داخل صفوف الجماعات الإسلامية قليلون دائماً نظراً لأنهم يحبسون أنفسهم إما فى الروايات التاريخية أو يحبسون أنفسهم فى قالب الأدب الإسلامى وهذه الرواية التى بين أيدينا ليست لكاتب علمانى كما يحب أن يطلق أتباع الجماعات الإسلامية على الكتاب الذين يكتبون الروايات والقصص وكما أطلق عاصم عبد الماجد أحد قادة الجماعة فى موقعهم على علاء الأسوانى فى روايته يعقوب يان ولكن هذه الرواية لأحد الذين سجنوا سنوات طوال مع الجماعة الإسلامية وخرج العام الماضى بعد مبادرة وقف العنف وقد خالفت الرواية التى كتبت فى السجون القاعدة وخرجت بذات المنظور الذى يكتب به الروائيون المعاصرون رواياتهم.

لهذه الكلمة أسباب أراها حيث أن الأدب كائن حى متطور وهناك ثوابت لابد أن نحافظ

عليها وأن نراعيها فى العمل الأدبى وخصوصاً إذا كان العمل واقعياً مثل الشيخ عبادة التى وقعت أحداثها فى إحدى القرى المصرية فى صعيد مصر .. فكيف تكون واقعياً ؟ هذه هى المعادلة التى لايستطيع أتباع الجماعات الإسلامية وبالذات السلفيون منه أن يتفهموها .. فكيف نناقش قضية العشق والدين أو كيف نطرح قضايا الجنس إنه المفهوم الصعب إذا أردنا ان نطرحه كطريقة كتب التراث وكتب السلف ويومها لن تصبح الرواية رواية ولكنها ستصبح كتاباً فى مصطلح الحديث أو أصول الفقه.

وحين قرأت رواية الشيخ عبادة وتعمقت فى علاقة المسيحى بالمسلمة ووصلت فى النهاية إلى أن الدين يقدم على العشق و قرأت عن على وشعبان وصراعهما الدائم داخل الجماعة ثم قتل على برصاص ثأرى ثم استغلال الجماعة لهذا الحادث حتى وصلت فى النهاية إلى رجوع شعبان رأيت أن هذا ماأرادته كتب مراجعات الجماعة فلافرق كبير ولكن ماقالته الشيخ عبادة هو فى أسلوب قصصى يصعب أن نقول عنه أنه منهج تراثى سلفى .. المهم النتيجة التى سيقبلها الجميع وأظن أن هذا هو الخلاف مع أصحاب التراث وكتب المراجعات .

إننى أستنكر على كاتب الرواية أنه لم يحك لنا عن هذا التحول وهل هو تراجعات أم مراجعات وتركها للقارىء ليستنبطها بنفسه ووجهة النظر تحكم هذه المسألة فالروايات تعتمد على علاقة التوصيل التى يصنعها الكاتب مع القراء

لرواية الشيخ عباده نقطة بداية هى الحاجة مريانة المسيحية المتدينة التى تذهب كل يوم لمكان الرهبان لتتعبد فيه وتعطينا الإحساس بالأمان فى القرية (من بعيد ستبدو لك مئذنة الجامع ومنارة الكنيسة ينبعث منهما ضوء يشق بحر الظلام ويلعب فوق سطح النهر ويصبحان العلامة الوحيدة على أن هناك حياة بالناحية الشرقية . وإذا اقتحمت محيط الدائرة التى بها الجسر ستبدو أبنية الطوب اللبن صغيرة ومنزوعة الظل وشىء القبلية يستقطب عينيك إنه بيت الحاجة مريانه والعمدة عبد الحميد الناغى مثل نجمين غريبين بين البيوت متشابهين فى الجمال والروعة يفصل بينهما بيت الحاج عبد السلام ككرنبة صغيرة غائمة الملامح ، إحساس يتسرب اليك أن بيت العمدة ومريانه يحجبان هذا البيت ويلقيانه خلفهما تحت الجبل المرتفع . )

ونقطة نهاية هى أيضاً الحاجة مريانة أيضاً ولعل ماهر فرغلى قصد من ذلك تتابع الأحداث ثم العودة لنقطة البداية لإعطاء القارىء التوهم بحقيقة العودة إلى الحال الطبيعى للقرية .



الزمن الطبيعى للرواية هو احتلال العراق للكويت وتسلسلت الرواية وتتابعت فى لافتات متحركة استخدمت فيها بعض الأحداث التاريخية وأعطيت للقارىء إطلالة على سلوك صدام والسجون فى العراق ومقارنتها بالسجون قى مصر ثم كيفية نشأة الجماعة فى قرية مصرية وكيفية دخول الأفراد فيها والأسباب التى تدفعهم لذلك وكيف انتشرت الجماعة والجيل الثانى من الشباب وصراعه مع الجماعة وأقباط مصر والمهجر وتلك النشأة المشابهه للجماعة الإسلامية ثم العنف ونهايته .

يصعب علينا أن كاتب أن نلخص الروايه وإلا لن تصبح رواية ولكننا سنطرق الرواية من موضوع الجماعة الإسلامية ومبادرة وقف العنف باعتبار أن كاتبها عاصر الأحداث وكان شاهداً على كثير ممن دار فيها .

الرواية ارتبطت إلى حد كبير بمعالجة الفترة الزمنية التى احتلت فيها العراق الكويت وعودة العمالة المصرية ونشأة الجماعة الإسلامية فى قرية ومحاولة الحوار داخل السجون مع الجماعة وفشلها ثم بدء العنف وتأثيره على الأقباط فى القرية وهجرة حكيم لأمريكا والتحاقه بأقباط المهجر وتلاحم الأحداث والشخصيات أدى إلى تداخل وتلاحم يصعب معه الفصل وقد بحث الكاتب عن التجسيد والتطور فى معالجة الزمن فى مشاهد اقرب للمشاهد السينمائية وهذا الشكل بالطبع سبقه فيه آخرون وإن كنا نحسبه قد نجح فى ألا يشعر القارىء بالملل فإنه ركز كتابته بشكل لو تخلى عنه لأنتج لنا أكثر من رواية وأكثر من عمل أدبى .

يحاول الكاتب أن يعطينا تفسيراً لما يحدث فيقول أن قوات الأمن هى السبب فى إدارتها للأمور فى القرية حيث تسببت فى القبض على مجموعة من الشباب وهناك التقوا بالجماعات الإسلامية التى كان الضباط يعاملونهم باحترام زائد ويعاملون شباب القرية بعنف

(لم تمض لحظات حتى حدث ما يتوقع فى كل عام صراع عند مقام الشيخ انتهى إلى معركة كبيرة استخدمت فيها الأسلحة اليدوية والعصى ، تدخلت قوات الأمن لأول مرة بلا رحمة ولا هوادة .

أحاط الجند بساحة المولد وأغلقوا جميع المنافذ إلا منفذاً واحداً , وقطعت الكهرباء وضربت القنابل المسيلة للدموع , ودخل الجند إلى الساحة يسلحون كل من يقابلون فى مشهد دموي .

تحول المولد إلى جنازة يسودها الهرج والمرج والصراخ .. عويل النساء يملأ الساحة والأطفال الذين لايعرفون طريق النجاة .

تم تفتيش الذين يخرجون من المنفذ وألقى القبض على مجموعة كبيرة كان منهم عاشور وشعبان وكامل ابن الحاج عبد السلام . )

وتلجأ الرواية للمقابلة بين المواقف فتتحدث عن اختلاف الرؤى بين الضباط أنفسهم فيمن يؤيدون المواجهة المسلحة مع الجماعات وبين من يؤيدون الحوار وكذلك فى الجماعة حيث شعبان الذى يجرى وراء العنف جرياً لأنه الشخص الضعيف الذى أعطاه العنف مهابة داخل القرية وهذا مافهمه القادة فى طبيعة هؤلاء الأفراد فصنعوا لهم عالماً يشعرون فيه بالمكانة والقيادة ولذا كانوا يعضون على الجماعة بأسنانهم لأنه المجتمع الذى استطاعوا أن يتقاسموا فيه السلطة والمال .

وهكذا ذهب على وشعبان إلى شقة صالح القائد والأمير أجالا بصرهما فى كل ركن من أركانها وكأنهما يتذوقان الشقة بأعينهما وأدرك الشيخ بحنكته ما يجول فى خاطرهما عن بيوتهما الطينية وأسقفها المصنوعة من جريد النخل فقام بسرعة وكأنه تذكر شيئا وعاد وفى يده جلبابين جديدين ، أعطى لكل منهما جلباباً ثم قال :

هى هدية متواضعة منى لكما جاءتنى من بعض الإخوة الأحبة الذين يعملون فى السعودية .

قال على وهو يقلب عينيه فى الهدية :

إن لى طلب عندك .. عاوز أقرأ الميثاق

لاتتعجل يابنى فلابد أن يشرحه لك احد المشايخ ، وأنا سأجىء ومعى قيادات الجماعة لنعمل يوم اسلامى فى المسجد ونشرح لكم بحث الجماعه والميثاق .

ناقشه شعبان :

ولكن مالناش مسجد

غاص بنظراته إليهما وقال :

- لابد أن يكون لكما مسجد لأنه النواة لعمل أى شىء وهذا أمر سهل ، أبدأوا فى عمل حلقة لتلاوة القرآن الكريم وهذه لن يستطيع أن يمنعها أحد وبعد أيام حاولوا أن تعطوا درساً دينياً وأتمنى أن يكون فى شىء كالجنة والنار وعذاب القبر وبعد أن تتمكنوا من ذلك أمنعوا الإمام أن يصلى ويخطب بالناس وواحد منكم يخطب مكانه ولن يحصل له شىء ، سوى ثلاثة أيام سيقضيها فى الحجز ويخرج ولكنه سيكسب ثواباً كبيراً لو فعل ذلك ، فالمساجد عندكم تقام فيها البدع ويستغاث فيه بغيرالله ..

وقال :

- ومن اليوم فلاتناديا على بعضكما إلا بكلمة الشيخ فهذا سيكسبكما الإحترام فى البلد وعليكما بالجد وترك الهزل والهزار مع الشباب فكثرة الضحك تقسى القلب وتصيبكما بالمهانة وسط الأقران .

ثم قال لشعبان :

وأنا أؤكد ذلك عليك أنت بالذات وإلا لن تصبح أميرا . )



وهكذا تحكى الشيخ عبادة عن طريقة العمل للجماعات الإسلامية دائماً وهى السيطرة على المساجد الصغيرة لكى تكون نواة للجماعة وأما الفريق الثانى وهم قلة فى الجماعة فهم الذين يبحثون عن المدينةالفاضلة فلم يجدوها إلا فى الانتماء للجماعات التى ستحل لهم مشكلاتهم فكان على منهم يبحث عن قريته الشيخ عبادة وكيف يحولها إلى قرية إسلامية نموذجية وبين يوم وليلة قرية نموذجية فاضلة ، وبيوتها فضية مزدهية تنصهر فى بوتقة الاسلام ليضع لها نظاما وقانونا وتعاليما واخلاقا فيكف فيها الثأر المتلبد فى قلوب أهلها والقابع فى برها ، وتمتلأ فيها المساجد فلا يبقى فى القرية رجل ولا امرأة لا يصليان ويعطف فيها الكبار على الصغار ، والقوى على الضعيف و يخرج فيها الأغنياء الزكاة ومافاض من أموالهم فلا يبقى ضعيف فيها ولا فقير ولا يصبح فيها محروم , سيكون بها ملاجىء للأيتام ورعاية المرضى ويغدق فيها الخير وتعم البركة ويصبح الناس ويمسون ووجوههم رحبة حانية ، هذه هى الصورة المطبوعة فى ذهن على بعد أن فرغ تماماً من قراءة الكتيبات والأبحاث فى غضون أيام , وهذا هو عالمه الإسلامى الصغير الذى سيقفز إلى المناحى التى تحيط به وفى سنوات متتالية ينفضون عن الأمة الزيف والمرض والقعود والشلل ويحولون عجزها ووهنها إلى حضور وقوة وعالمها الى عالم مثالى ليس بهم ظلم الحكام وقهرهم ، وأصبح على بما قرأ شخصاً آخر واثقاَ من نفسه ، دءوب الصمت تاركاً للهزل ، نسى موت أبيه وهموم عائلتة منشغلاً بما هو أهم وأكبر ؟ والصورة زادت وضوحا فى عينيه حين تناقلت الأنباء قصف أمريكا للعراق بعد انسحابها من الكويت فقوة الأمة تحولت أمامه إلى بوار وفشل واحتلال لأراضيها ، وتحولت قوتها إلى عجز لتحرير شبر من أراضى المسلمين .

وإذا كانت هذه الكلمات لها معانٍ فقد اكتسب الصراع بين الفريقين داخل الجماعة أشكالاً وأبعاداً لأن السيطرة داخل الجماعة للفريق الذي يحب العنف ويفضل ممارسة تغيير المنكرات على توزيع التبرعات

فعلى يري أن هذه الممارسات لن تقدم أو تؤخر سوي الهزائم للفريقين وأما شعبان فهو يرى أن إظهار الكيان وتغيير المنكرات داخل القرية هو أهم أهداف الجماعة كما يري أن السكوت للآخرين إنما هو خيانة للجماعة

إن شعبان فى وجد فى نفسه القوة أن يعتلى المنبر ويخطب فى حضور كبراء القرية ، وهو الإنسان المنكمش على نفسه الذى لم يعرف معنى للطفولة إلا العمل فى جمع الدودة تحت أشعة الشمس المحرقة ولم يعرف معنى للشباب والترف لأنه المعجون فى الفقر والقروش القليلة التى يجمعها آخر النهار ويدخرها كى يصرف بها على نفسه فى العام الدراسى .. الآن يقف يريد إظهار الكيان ويقف على المنبر وهو معبأ بأصناف القهر والظلم من هذا المجتمع الذى وجد نفسه فيه مضطهدا حتى من أقرانه الذين لا يستطيع أن يغشى مجالسهم وحركه السخط والغرور بقوة الجمع الذين جاءوا من كل حدب وصوب لا يستطيع أحد كبح جماحهم .

وهكذا أخذت الجماعة المساجد فى البلد وسيطرت عليها بالقوة وكان رد فعل الأمن فى هذه الفترة هو الحوار والنصائح وهذا التقريير هو الغريب

( قال الضابط الريدى لشعبان

شعبان ياابنى انت صغير ومن أسرة فقيرة ، إعتبرنى أخ وموش ضابط أمن دولة ، الإسلام لا يقول لك أرمى نفسك فى التهلكة الإسلام لا يقول لك اترك والدك الفقير واخوتك علشان تتقدم الصفوف وتخاطب الناس وكأن بيديك مفاتيح الجنة فتحلل وتحرم وتكفر المسلمين .

فقال شعبان بتحد واضح لا يعرف من أين جاء به :

أنا لا أفعل ذلك ، وأنت منذ ثلاثة أيام تحبسنى قل لى لماذا ؟

فاتكأ الضابط على مكتبه وقال مقطباً :

أنت على ذمة نيابة ، وهتخرج ، أنت لو فى بلد تانى ، أهلك كانوا موش هايعرفوا لك طريق . )

إن محور معرفتنا سيتجاوز إحساسنا بعنف الدولة بل التأكيد على السياسات التى انتهت إلى الوسيلة الأخيرة وهى المواجهة المسلحة مع الجماعات فى الصعيد ولكنه ما كان يحدث بالفعل من صعود الجماعة فى الصعيد حتى وصل بها الحد أن تخرج بالسيوف الخشبية وتهتف فى شوارع القرية

جند الاسلام الله أكبر أقسمنا يمينا لن نقهر

وكتاب الله بأيدينا نقتحم اليابس والأخضر

بهذه الصيحة وهم يتقدمون كالسيل العرمرم الذى يهدر من فوق قمة الجبل ويجرف كل شىء ولا يترك بيتاً فى القرية ولا زقاقاً إلا دخله هتف شباب الجماعه الإسلامية القادمون من القرى المجاورة وهم يسيرون طابوراً طويلاً يجرى فوق الجسر الدائرى بخطوات منتظمة متآلفة ، وكاليد التى حركت الماء فى بحيرة راكدة حركت الصيحات القرية فوقفت رجالا ونساءا وأطفالا على النواصى وعلى جانبى الجسر ومن خلف الشرفات التى سجنت خلفها الضحكات المتعجبة المكتومة من عيون النسوة وأفواههن .

ولكن الجماعة ليست وحدها فى القرية فهناك شباب كثيرون اختاروا بأنفسهم ألا تسرقهم تلك الأضواء فهناك ريح تهب يمكن أن تجذب قوم بنسيمها ويمكن أن يساور الآخرين شىء من الضيق والكدر من غبارها , وكيف لا يختنقون كمداً وهم كانوا عنوان شباب القرية وفتوتها حتى خرج شباب الجماعة وكأنهم شقوا النهر فخرجوا من جوف الماء أو جاءوا من وراء الحجب ومن قلاع الزمن الماضى فملأوا جميع المساحات فى القرية فجأة وهتكوا صمتها وحياتها الرتيبة ونقشوا حياة جديدة لم يعرفها الناس من قبل وخلعوا عليها من ثياب التاريخ الغابر موضة وظاهرة سرقت عيون شباب القرية ولفتت انتباههم إلى عالم جديد يكونون هم فيه السادة والعبيد فى نفس الوقت ولن يضيرهم ذلك فى شئ لأ نهم صنعوه بأيديهم هم ، وفى غضون شهرين لم يكن عجيبا أن ترى بعض الشباب الذين التحقوا بشعبان وصاحبه علىّ ذى الوجه المقبول بالقرية .

الشباب الذين لم تسرقهم أساليب الجماعة سيظلون فى صراع دائم معها حتى النهاية ولكنهم يختلفون عن شباب الجماعة الذين رباهم قائدهم على السمع والطاعة وقال لهم :

إن الأخ لابد أن يسلم رقبته للجماعة إن كان فى الساقة فى الساقة أو فى المقدمة فى المقدمة ، وهو لا يختار أى عمل لأننا أعلم بقدراته .

وتدخل الجماعة وشبابها فى تحد مع الأمن الذى لم يجد سوي الاعتقالات لكى يكبح جماحها

ولكن شعبان وجد سلوته هناك بل أيام السجن زودته بالثقة والخبرة .. لقد وجد شيئاً كان يبحث عنه ، الحياة الاسلامية الفاضلة حيث الإفطار الجماعى الذى يتوجهون بعده إلى حلقات القرآن والدروس العلمية طوال النهار الذى يتخلله برنامج رياضى وتثقيفى ، وفى الليل الذى يستمتعون فيه ببرنامج ترفيهى يوزع عليهم جدول للمحاسبة على الطاعات وأذكار الصباح والمساء وأوراد الحفظ وقيام الليل .

وحين يخرج شعبان من السجن يجد أحد أتباعه ينتظره بتقريريؤكد أن

أن أمن الدولة تقف وراء محمود ابن العمدة وزملائه فى النادى كى ينافسوا الجماعة حتى أنهم فى الأيام القليلة المقبلة سيحضرون الشيخ بهاء الصناديقى أحد قادة جماعة الإخوان المسلمين المنافس الرئيسى للجماعة وهم الآن يقومون بعمل الملصقات والإعلانات ويدعون جموع القرية الحاشدة لحضور لقائهم . ويحتدم الصراع وتستغل الجماعة أمية القرية وفقرها وتحضر شريط فيديو عن مذبحة صابرا وشاتيلا ولا يهم كثيرا أن يعرف الناس ماذا تعنى صابرا وشاتيلا وكم سنةٍ مرت على هذه المذبحة وأين موقعها على الخريطة ومن الذى ارتكبها بالقدر الذى لابد أن يعرف به الجميع المؤامرات التى تحاك بالمسلمين والتى يقوم بها اليهود والنصارى وأعوانهم من الحكام العملاء , هذا هو التوجيه الأساسى الذى أرادته الجماعة فى مدينة ملوى فأرسلت بجهاز فيديو معبأ بشريط المذبحة حتى تكسب به تعاطف الكثيرين لأن هذه صورة واقعية تستطيع أن تحرك الجماد .

وتحاول الحكومة ان تتحاور معهم ولكنهم يعاندون ويظلون يهتفون فى السجن

ياعلماء إتقوا الله

لا حوار مع الإكراه

تنقل الرواية هذا الحدث وتقول أن ذلك الهتاف كان كقطار يهدر فوق طريق طويل متواصل لم يقف إلا لحظاتٍ معدودةٍ وبسيطةٍ لإلتقاط الأنفاس .

والمشايخ كانوا جالسين على كراسيهم مطرقين يوزعون أعينهم إلى الشباب الثائرين وإلى الضباط الحائرين ثم يعودون خافضين رؤسهم ينتظرون ما يسفر عنه الأمر .

وتؤكد الشيخ عبادة فشل هذا الأسلوب الذى لم ينجح فى شيء سوي أنه نجح فى جعل بعض الأفراد يفكرون فى الطريق الذى يسيرون عليه وكان منهم على الذى سار تحت عباءة الليل متسللا الى القرية ، لم يشعر بفروع عيدان القصب التى تخبط وجهه وهويسير بين مسارب الحقول ، لقد كان فى وقت مستقطع يسير فيه مع نفسه ويجلس أمام مرآة كبيرة بحجم الأيام التى قضاها منتميا للجماعة الاسلامية .

كان من الصعب أن يشرح ما يدور فى خاطره ومن الأصعب أن يحكى لأحد ويقول أنه يدرك أن هناك اخطاء تحتاج الى وقفات ومراجعات ، إن هذا تصور يراه صعباً لأنه عضو صغير لم يصل بعد أن يكون حتى أميراً للقرية وكذلك كيف يعترف الجميع بهذه الحقيقة إنه من رابع المستحيلات ، هذا هو ما حط على قلبه بالضبط وأصابه بالهم وبعثره من الداخل ، انه يشعر بالخيبة الذاتية والتصرفات الدامية التى تفوق قدرته على التحمل .. كيف أن أحلامه وتصوراته قد سقطت كلها فى نوبات الفشل .. كيف أن الخطب الرنانة وتغيير المنكرات دون حساب المفاسد جعل الجماعة فى حالة من سوء التقدير حيث تجب الحكمة وكيف أن المواجهات مع الشرطة قد تجاوزت الحساب .. وحتى هو نفسه فى مفترق الطريق فهو لا يستطيع أن يدعو إلى الله كما أراد ولا هو يستطيع أن يذهب الى جامعته ليحصل على شهادة ومن ثم يتزوج وتصبح له أسرة مسلمة .. هل هذا هو ما يريده الاسلام الذى يواجه أزمة كبرى ؟! .. إنه يسقط فى منزلق خطير هو وجماعته لأنهم تجاهلوا دروس التاريخ

إن هذا الشاب الذى كان غرضه هو الدين وتوزيع التبرعات فقط هو نفسه الشاب الذى سيقتل بعد ذلك فى حادث ثأرى فى القرية التى تنتشر فيها هذه العادة وتمضى الصور متلاحقة وهو يربط جرحه لكمال عبد الواحد الذى ستقتل أمه على .. الناس المتكومة حول على بإعجاب وهو يقول لهم المواعظ .. جموع المهنئين بعودته من الإعتقال .. على الآن يقدم الفرح الاسلامى بوجهه الأبيض الجميل ولحيته الشقراء .

وتستغل الجماعة الحدث فى المواجهة وتطبيق بحث حتمية المواجهة وتحقيق أهدافها فى عودة المساجد التى سيطرت عليها قوات الأمن وفى وقف التعذيب والاعتقالات المستمرة لأتباعها وجاء كل من له صله بالجماعة الاسلامية للصلاة فى مسجد الفاروق ووصل كبار القادة من مركزملوى على دراجات بخارية وهم يلبسون قمصانا وبنطلات ، عناقيد الغضب كانت تتدلى من وجوههم وأشرعة النار تلتهب وبدأت احداث العنف وبدى من صور المشهد أن الأحداث كانت ثأرية من البداية ولم تكن جهادية كما كان يقال ولم تقدر قوات الأمن أن تسيطر سيطرة تامة على الموقف واستغلت الجماعة تعاون بعض الأهالى فى تنفيذ عملياتها التى لم تكن تفرق بين أى واحد حتى أنهم قتلوا الضابط أسامة الريدى الذى كان يؤمن بالحوار مع الجماعات الإسلامية ويعتبرها الوسيلة الأفضل ويعبر تلميذه الضابط خالد عن ذلك قائلاً :





- الله يرحمه .. كان خير الضباط وكان استاذنا وكان عاوز يوقف العنف ولكنهم قتلوه .. ولعلمك أنا شخصيا غير موافق على اللى بيجرى ولكن إذا كنت بتخافي على ابنك قولى له يسلم نفسه وأنا أوعدكم إن موضوعه هينتهى .

قال ذلك وألقى بين يديها بالصورتين فاحتضنتهما بيديها وضمتهما إلىصدرها وهو يرمقها بعينين باردتين ويمشى مع الجند من حيث أتوا ويدخل المؤلف عنصر التوازن الذى يلجأ إليه دائماً فى توضيح الصورة البشرية لهؤلاء الذين حملوا السلاح فى مواجهة الحكومة ويدلل على أنهم خرجوا إما خوفاً من الاعتقال والسجن وإما حرصاً على الثأر كما فى حالة أحمد الصغير السن الذى تصور أن الأمن هو الذى قتل خاله على فخرج ليأخذ بثأره وحين قتل وارتاحت نفسه تذكر دنياه التى نسيها ، أمة وأبيه الذى لايعرف أنه على قيد الحياة , الجيران والبيت , وأرض الجبالى ، وتوهم أمه وهو يرتمى بين أحضانها ويقبل فيها كل شىء تطوله شفتاه فذاب مع دمعه الذى سال حتى عبر فوق شاربه الذى بدا يكون رسماً جديداً فى وجهه

وقرر أحمد أن يسلم نفسه للأمن ليصبح رهين الاعتقال وقابل هناك شعبان الذى جاءه الضابط خالد الذى كان يؤمن بالحوار مثل أستاذه الذى قتل وأمام الضابط يعترف شعبان بحقيقته ولو فتشت فى طيات نفسه لوجدتها حيرى بين عالمين .. عالم الحقيقة وهو مهيض الجناح منكسر يخذله فقره أمام الناس وعالمه الجديد الذى أصبح فيه أميراً وزعيماً يسمع من يمدحه ويطريه ويرى كذلك من يريد أن ينقض عليه ولكنه لايجرؤ خوفاً من أتباعه .. عالمه الذى رأى فيه القوة والعنف ورأى فيه كذلك العدالة التى جعلته فوق الجميع بتعاليم الاسلام التى يتسربل بها .. لقد نصفته الجماعة تماماً وانتشلته من قاع القرية حيث اغتاله الفقر ليصبح ذا قيمة حقيقية تتفتح عينه على حياةٍ جديدةٍ وينهب عقله بأفكار تخضعه لسلطانها وتجعله يسير لامبالياً كأنه ريشةً تطير فى مهب الريح وإذا كان السجن قد أعلن هزيمته وأخرجه إلى ذاته الحقيقية وكذلك الأمل فى الحرية الذى وضعه أمامه الضابط خالد يسرى عرّاه تماماً فإن صوت شيخه أعاد اليه قناعته بأفكاره المأسور لها وجعله لامبالياً بما قاله الضابط ، إنه لم يعد الآن يشعر أنه مجلل بالإثم بل هو بطل فعل الكثير من أجل بلده ومن أجل دينه وهذه حقيقة لا ينكرها إلا جاحد بأنه إن كان هناك أخطاء فهناك كثير من الحسنات . وأخيراً يفاجأ شعبان باعتراف قادته بأخطائهم فيهتز ويدرك أن مافعله طوال هذه الفترة كان شراً مطبقاً وأنه أخطأ فى أفعاله وأنه لاقدسية لفكر بشري .

وينجح الضابط خالد يسري فى الإفراج عن شعبان ويعود شعبان إلى القرية التى أصبحت قرية مظلمة , لم يجد شعبان أحداً من الناس كأن القرية أصبحت مسكونة بالأشباح فقد كان الناس مشغولين بتشييع القتلى ، أول شىء فعله أن ذهب الى مسجد الفاروق وانتظر ميعاد الصلاة وصلى ثم جلس ولم يكن أحد أمام عينيه إلا جدران المسجد الخاوى فانتظر حتى بدأ الناس يعودون من الجبانة وصرخ بأعلى صوته فى مكبرات الصوت :

ياأهل البلد ياأيها الناس المختبئون وراء منازلهم أو العائدون من الجبانة ياأيها الشباب الهاربون بين الحقول والمزارع إنى أبرأ مما حدث لأهل البلد ، إن الذين قتلوهم قد أخطأوا .. نعم أخطأوا فهذا إزهاق لأرواح الأبرياء .. وأنا متأكد أن الأخوة لم يفعلوا هذا الأمر إنها مؤامرة ولابد من وقف نزيف الدم وهذا عهد جديد والله أنا سمعت المشايخ قالوا ذلك وأنا الآن أطلقه من هنا من أجل أطفال يتامى ونساء ثكالى من أجل مساجين محرومين من أجل نفوس مزهقة ودعوة للإسلام متوقفة فلتخرجوا من بيوتكم أيها الناس ولترجعوا إلى حياتكم من جديد وقولوا لكل الشباب الهاربين إنه عهد جديد ليس مقايضة بعرض زائل ولكنه لوقف اقتتال منعته الشريعة الغراء التى حرمت سفك الدماء .. عهد جديد لا يتنافى مع واجب دينى آخر هو إقامة الدين ، إن القتال الدائر أحدث مفاسد وهذه المعارك لم تجلب مصلحةً ، نعم أيها الشباب مصلحة الدين الذى استغل أعداؤه هذه الفتنه والدماء التى سالت بين أتباعه لكى يشوهوا صورته ويصفوه بالإرهاب حتى صار المسلم رمزاً للإرهاب والدموية .إنها نفس النداءات التى وجهها القادة فى مراجعاتهم ليعبر ذلك عن النهاية الطبيعية التى وصلنا إليها

وكما كانت للرواية بداية فقد كانت لها نفس النهاية عند الحاجة مريانة المسيحية المتدينة وهى عائدة من مكان الرهبان

كانت الشمس تفرش ضوءها فوق كل شىء وحفيف الأشجار وأصوات العصافير يعزفان أغنيةً ريفيةً جميلةً .. المعالم بدأت تتضح على الطريق ، المئذنة والمنارة شامختان من بعيد فى صفحتى الأفق ، والناس تروح وتجىء على الجسر ، انتزعوا من صدورهم زمن الخوف وهتكوا أستار الحزن ، السحب التى كانت متراكمة فى الفضاء ذابت وغمرت القرية بالسماء الصافية

اخترقت العجوز مريانه الأفق وألقت عينيها الى المئذنة ومنارة الكنيسة وقالت :

شايف الحب .. موش هتعيش القرية بغير حب .. ضعاف احنا من غيره ومحرومين من الأمان

وفى النهاية لقد استطاعت الرواية أن تبنى عالمها الخاص فى هذه القرية مستمدة من تجربة مؤلفها الكثير فاكتسبت عدة معانٍ جديدة ولكن المؤلف اصطدم بعقبات كثيرة ولو كتبها خارج السجن كانت ستخرج بشكل جديد وكنا نود من المؤلف أن يحكى لنا بالتفصيل عن تجربة المراجعات الفكرية ولماذا حدث هذا التحول فجأة ولذا نحن ننتظرها منه فى الجزء الثانى من الرواية

ونقول ماذا لو فتحوا الطريق امام أدب السجون فإنه بالتأكيد سينتج لنا الكثير

إن الروايات مثل ضربة الجزاء والشيخ عبادة دخلت شبكة المرمى ولكنها لم تجد جمهوراً يصفق لها وإننا نرى أنه كتبها وسيف معلق فوق رقبته ولو كتبها خارج السجن كانت ستخرج الرواية بشكل جديد

أ.ه























الملفات المرفقة
نوع الملف: pdf رواية الشيخ عبادة تأليف ماهر فرغلى.pdf‏ (973.9 كيلوبايت, المشاهدات 551)
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الشيخ, رواية, عبادة



المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
رواية نساء عند خط الاستواء ل زينب حفني رواية ممنوعة بو راكان كتب الادب العربي و الغربي 32 December 27, 2011 07:46 PM
العمل عبادة مثل الصلاة hamsa mohamed الترحيب بالاعضاء الجدد ومناسبات أصدقاء المجلة 7 September 1, 2009 01:01 AM
أربع كلمات = عبادة 3 ساعات!! أوتار الشوق النصح و التوعيه 21 August 11, 2009 11:29 AM
رواية الشيخ عبادة قمر الصعيد روايات و قصص منشورة ومنقولة 0 February 10, 2008 08:13 PM
عبادة الله ahmed helmy elg الترحيب بالاعضاء الجدد ومناسبات أصدقاء المجلة 3 December 18, 2007 08:06 PM


الساعة الآن 12:23 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر