فيسبوك تويتر RSS


  #1  
قديم March 19, 2012, 05:02 AM
 
عندما يحرف الإسم من فتيحة إلى فاتي

أربع ساعات وكريم جالس على كرسي شبه دائري في الزاوية اليمنى الخلفية بمقهى "وردة"..تظهر ملامحه أنه لا يبالي على الإطلاق بالجالسين من حوله دون أن يفكر حتى إن كانوا هم يبالون بتواجده..وفجأة مل من الأصوات المختلطة التي تصدر من ذات اليمين وذات الشمال فطوى جريدته المفضلة التي يتباهى و يقول عنها صاحبها أنها تتصدر قائمة الجرائد المغربية من حيث المبيعات بعدد إجمالي يقدر في 200 ألف نسخة في حين أن أول جريدة في الجارة الشرقية تبيع ما لا يقل عن 600 ألف نسخة يوميا…
كريم لا يبالي بهذه الحسابات وهمه الوحيد هو مغادرة هذه المقهى التي كثر فيها الضجيج إلى حد لا يمكن تقبله خاصة وأنه سمع من أحد العارفين أن الضجيج يعتبر من الملوثات كتلوث التربة بالبلاستيك والهواء بالدخان..
عقد عزمه أخيرا..استجمع قواه..ثم اتجه صوب "الفيسي"ليغسل وجهه كعادته..داخل "بيت الماء" تأمل وجهه كثيرا وتخيل لو أن المرآت الصافية لا تعكس صورته..بل وتمنى ذلك..ليكون شخصا موجودا وغير موجود في الوقت نفسه..ثم أطل من المربع الذي يتوسط باب المرحاظ على المقهى فتذكر المكان الذي يتواجد فيه فابتسم إبتسامته العريضة وتحوقل على هذه الفكرة والتخيل المجنون الذي راوده..
إندفع من "الفيسي"مباشرة نحو التمسماني..نحو النادل..النادل الضاحك كما يحلو له أن يسميه في قرارة نفسه..لكن هذا اللقب لم يأتيه عن فراغ وإنما استلهمه من كثرة ابتسامات وضحكات التمسماني..
أخرج من جيبه عملة ورقية فدفع للنادل ثمن المشروب الذي شربه ثم اندفع إندفاعه الثاني من مقهى وردة إلى شارع محمد الخامس..
شارع نظيف نظافة مرفوقة بالترتيب والإتقان المحكم الذي يتفوق فيه علينا الإسبان الذين منحو أرضنا لغير أهلها بعد استغلالها لمدة 44 سنة..شارع تتوازى فيه بنايات لا يتعدى ارتفاع أعلاها أربع طوابق.بناها المستعمر الإسباني.
وهو وسط الشارع..خطى خطواته الأولى في اختلاط بشري لا يكاد فيه يظهر من كثرة الآدميين في هذا الشارع..غدى تجاه الفدان فالمشور السعيد الذي سمي بضده..فالمكان لا يوحي بالسعادة والسرور بقدر ما يوحي لليأس والبأس والهم والحزن والملل خاصة بعد قطع الساحة بأعمدة حديدية من أجل توسيع مساحة قصر الملك و"أنتوا موتوا أولاد لمدينة وتداحسوا بيناتكوم"!.
في سيره ألمحها..رآها..بدت له وكأنها هي..لا ليست هي..لأنها لا تستطيع أن تلبس تلكم الملابس الشبه عارية..لا إنها هي التي تسير أمامه الآن وعلى بعد خطوات منه وهو..وهو يتبع خطواتها كتائه يسير بشكل لا إرادي نحو دليله الوحيد..شك في كونها هي..لأنه يستبعد زيارتها لهذه المدينة التي يتواجد بها وأيضا لأنها لم تخبره في ما مضى من لقائاتهما أنها ستزور تطوان يوما..كانت فقط تحدثه عن ألمانيا وعن عملها في أضخم فندق في الدولة التي صنعها هتلر وأحياها بعد موتها ثم سرعان ما قتلها ودمرها سنة 1944 بعد أن أحياها قاصدا حسن النية جعلها قائدة العالم..!!.
كانت فتيحة الماثلة أمامه الآن محتشمة سواء في الريف أو في ألمانيا..كانت ملتزمة أيما إلتزام..كانت تحدثه فيما مضى وتروي له عن إلتقائها بالنجم الهندي الشهير شاروك خان وذلك عندما كانت تعمل في ذلك الفندق الألماني ذو الخمسة نجوم وكان في جل رواياتها تحكي له عن مغادرتها لألمانيا لأنها كرهت هذه الدولة المتقدمة وما عليها بسبب خيانة حبيب..غادرت ألمانيا لأن ألمانيا كانت بالنسبة لها حبيبها "رشدي" الذي أحبته بجنون وبكل ما للحب من معنى لكن التافه أجاب على هذا الحب بخيانة بل وبأبشع خيانة عرفها التاريخ..كانت المسكينة تعشق ألمانيا قبل أن تزورها وأحبتها أكثر عندما عانقتها ثم كرهتها بعد أن أهينت على أرضها…
-وما ذنب ألمانيا في هذا كله؟؟(هكذا كان كريم يسألها)
كانت تجيبه أن ألمانيا ذنبها أنها كانت مسرح جريمة خائنها،فقررت ذات يوم مغادرتها وإلى الأبد..غادرتها وعادت إلى الريف..عادت إلى قبيلتها لترتاح من خيانة عشيقها..عادت من خيانة عدوها لرتاح في بيت أبيها"الثري".
أبوها الذي يملك مقاولة في تعليم السياقة..يلعب في المال لعبا بسبب ما تنعم به هذه الأعمال من أرباح على أصحابها..سواء الربح الحلال وغيره..
أما فتيحة فقد ارتاحت لمدة قصيرة في المنزل بعد عودتها من ألمانيا ثم سرعان ما طلبت من أبيها أن يجد لها عملا يليق بمستواها وتأنس له..وأين يمكن أن يوجد لها عمل في هذا الريف المهمش المنزوي على نفسه لعقود وبعد أن تفتح قليلا بمرجانه وبمونيجرامه وبمحطته نودي على أبناء مدن مجاورة وكأن الريف لم ينجب من هم قادرين على جلب الزبائن..
لم يجد لها أباها عملا محترما ولم تجب أي مؤسسة على رسائلها التي بعثتها بغية الحصول على أي وظيفة.
لكن بعد مرور أيام قليلة جائت البشرى..أخبرها أبوها أنه سيفتح محلا آخر في بلدة لا تبعد إلا بكلمترات قليلة عن بلدتها وأقترح عليها أن تعمل في هذا المحل الجديد إذ هي رغبت في ذلك وسيكون عملها مساعدة الراغبين والراغبات في إجتياز إمتحانات الحصول على رخصة السياقة..فوافقت بسرعة بفرح وبسعادة غمرتها لأول مرة بعد خيانة "العدو"..فأخيرا ستعمل عملا تقضي فيه معضم ساعات يومها..
في هذا العمل تعرف كريم عليها..كانت تشرف على تحفيظ الأسئلة فقط..وبدأت بشكل تدريجي تنسى العدو وبرلين العظيمة ووصلت إلى حد النسان التام لألمانيا بسبب مفعول فريد من نوعه وهي بلدة ريفية صغيرة منزوية في ركن يسميها الكثيرون بالبلدة الواقعة في نقطة نهاية العالم..
كريم الآن لا زال يحدق في مشيتها على جنبات شارع محمد الخامس بتطوان بعد أن تخلص بذكريات البلدة وألمانيا..وهو الآن قد تأكد من أنها هي لأن الفتيات لا يستطعن تقليد مشيتها مهما حاولن..ثم تشجع وتقدم نحوها إلى أن صارت المسافة التي بينهما لا تزيد عن متر..حاول أن يراها دون أن تراه لأنه يجهل كيفية بدأ الحديث معها..ثم حاول أن تكون أول من يراه فنظرت تجاهه فتطابقت عينيهما وطابقت عينيها عيناه أو عيناه طابقت عينيها لأنه ربما كان أول من أسبق النظرة..لم يكن يتوقع ما هي مقدمة عليه فنادته بأعلى صوتها:
-كريــــــــــــــــــــــــــــــــــــــم
-من؟ فتيحة؟
تقدم لمصافحتها والفرحة والإبتسامة تنبع من وجنتيها بشكل يجعله يحاول جاهدا تقليدها..والله صدق من قال أن الإبتسامة أقل تكلفة من الكهرباء وأكثر إشراقا منه..اكتفى بابتسامة خفيفة وبدأى في استرجاع بعض الأيام الخوالي والتحدث عن حال ومحال أحوالهما..فأخبرته أنها سمعت عن كل ما جرى له وأسردت في تكرار الأحداث..ثم حاول هو جاهدا تغيير اتجاه حديثهما دون تحسيسها بذلك فسألها عن سبب تواجدها في تطوان؟
فحوالت أن تجيب لكن صوتا خشنا غلب صوتها فانغرس في أذنيه وأذنيها..
-(فاتــــــــــــــــــــــــــــــــــــي)
كان كريم يظن أن المنادي ينادي لإحداهن غيرها لكنه فوجئ بقدوم المنادي نحوهما..فسألها "المتطفل’عن كريم وهو يشير بأصبعه تجاهه..
-كريــــــــــــــــم..صديق عزيز(جوابها)
فحاول كريم أن يسئلها عنه ثم تراجع في اللحظة الأخيرة قائلا في مخيلته أن ما شأنه وما يكون..لكنها فاجأته ويا ويل ما فاجأته به..قالت والحزن يغمرها:
-هذا زوجي عبدو..
-زوجك؟؟!!!!
-نعم ونحن نقطن طنجة .
كانت حزينة وهي تخاطب كريم بهذه اللهجة..وكأنها تحمل هم الدنيا وما عليها..
بعد لحظات ودون سابق إنذار قال المتطفل الذي يسارع في محاولة إظهار كيف أن الخيل والليل والبيداء تعرفه وهو الذي يحدق في ظهور العابرات موجها كلامه إليها..
-حسنا يبدو أن وقت المغادرة قد حان؟
أجابته فاتي"حة " بالقبول ثم ودعت كريم بحرارة..سارا تجاه المحطة الطرقية..
أما كريم فلم يجد أمامه سوى أن يصطحب معه جريدته المفضلة إلى صديقه فاضل نحو الفدان وكالعادة المملة غاص الصديق في حديثه عن الفتيات وعلى أنه التقى بثلاث من حبيباته هذا اليوم..!
ثم سحب هاتفه الخلوي وبدأ يفسر ويحكي ويشير إلى أرقامهن وصورهن المكتنزة في هاتفه..إلى أن تملك كريم الملل فغادر نحو مكان يحاول فيه إيجاد إستنتاجات مقنعة لإستفساراته عن كيف قبلت فتيحة بتحريف إسمها إلى فاتي وهي التي كانت تستشيط غضبا بمجرد أن يخطأ أحدهم في لفظ إسمها بشكل غير صحيح..؟ وكيف تحولت من إنسانة محافظة إلى إنسانة تلبس ملابس تافهة..؟وكيف تدعي السعادة والفرح في حين أن الحزن تملكها..؟وكيف أن مدينة إسلامية غيرت في تقاليدها ولباسها ما لم تغيره فيها ألمانيا العلمانية..؟وكيف وكيف وكيف..؟؟؟
وهل من مكان أفضل من مقهى "وردة" يستطيع فيه أن يجد إستنتاجات لإستفساراته..؟فلربما يساعده التمسماني في حل بعضها من خلال نصائحه الفريدة…
بقلم:أنس كريم

التعديل الأخير تم بواسطة طائر غريب ; March 19, 2012 الساعة 02:29 PM سبب آخر: تكبير الخط ~~
رد مع اقتباس
  #2  
قديم March 19, 2012, 02:45 PM
 
رد: عندما يحرف الإسم من فتيحة إلى فاتي

أخي أنس ..أسلوبك رااائع .. أعجبتني السلاسة في الانتقال من الحاضر للماضي بدون فاصل يوضح ذلك .. وكذلك أحببت وصفك للأماكن وذكر أسمائها ..
أنا لا أجيد التعبير جيدا .. لكن القصة فعلا اعجبتني بمضمونها وأسلوبها ~~

شكرا جزيلا لك ~~
__________________
مَجَلة الإبْتسامة
لا يُعيدُنا إليكِ في كُلِ مَرة .. سوى الحَنين
لِأيَامٍ حُلوَة مضتْ
وأصَحابٍ ألِفنَاهُم و أحْببنَاهُم ،،
ثُم فارقنَاهُم .. وكُلٌ مضى في سَبِيلهِ
وكَأنَ هذا المَكانْ لم يجمعنا إلا لِيومٍ واحد فقطْ !
ولم يَبقى لنا منهُ سوى ذكرَياتهِ الحُلوَة ،،
ربِ أسْعَدهُم إينَما كانُوا...

* * *
سُبحانكَ اللَهُم وبحَمدِكَ .. أسْتَغْفرُكَ وأتُوبُ إليكْ
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
فتحية تختارُ موتها قصص قصيرة احمد رضا شعبان كتب الادب العربي و الغربي 1 September 2, 2010 01:22 AM
موقع خبيرة التجميل السعودية فتحية الصباغ روح زايد مجلة المكياج والعطور 6 February 13, 2008 11:49 PM


الساعة الآن 11:24 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر