فيسبوك تويتر RSS



العودة   مجلة الإبتسامة > تقنيات السعادة الشخصية و التفوق البشري > شخصيات في الذاكرة > شخصيات عربية



إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #13  
قديم February 1, 2012, 07:25 PM
 
رد: تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار (رحلة ابن بطوطة)

صفحة : 12

كرامة لهذا الشيخ: رأيت ليلتي تلك، وأنا نائم بسطح الزاوية، كأني على جناح طائر عظيم يطير بي في سمت القبلة. يتيامن ثم يشرق، ثم يذهب في ناحية الجنوب، ثم يبعد الطيران في ناحية الشرق، وينزل في أرض مظلمة خضراء، ويتركني بها. فعجبت من هذه الرؤيا، وقلت في نفسي: إن كاشفني الشيخ برؤياي فهو كما يحكى عنه. فلما غدوت لصلاة الصبح قدمني إماما لها. ثم أتاه الأمير يلملك فوادعه وانصرف. ووادعه من كان هناك من الزوار وانصرفوا أجمعين من بعد أن زودهم كعيكات صغارا. ثم سبحت سبحة الضحى. ودعاني وكاشفني برؤياي، فقصصتها عليه فقال سوف تحج وتزور النبي صلى الله عليه وسلم، وتجول في بلاد اليمن والعراق وبلاد الترك، وتبقى بها مدة طويلة، وستلقى به دلشاد الهندي، ويخلصك ممن شدة تقع فيها. ثم زودني كعيكات ودراهم ووادعته وانصرفت. ومنذ فارقته لم ألق في أسفاري إلا خيرا، وظهرت علي بركاته. ثم لم ألق فيمن لقيته مثله إلا الولي سيدي محمدا الموله بأرض الهند. ثم رحلنا إلى مدينة النحرارية، وهي رحبة الفناء، حديثة البناء، أسواقها حسنة الرؤية، وضبطها بفتح النون وحاء مهمل مسكن وراءين ، وأميرها كبير القدر يعرف بالسعدي، وولده في خدمة ملك الهند، وسنذكره. وقاضيها صدر الدين سليمان المالكي من كبار المالكية سفر عن الملك الناصر إلى العراق، وولي قضاء البلاد الغربية، وله هيئة جميلة وصورة حسنة. وخطيبها شرف الدين السخاوي من الصالحين. ورحلت منها إلى مدينة أبيار، وهي قديمة البناء، أرجة الأرجاء كثيرة المساجد، ذات حسن زائد وضبط اسمها بفتح الهمزة وإسكان الباء الموحدة وياء آخر الحروف والف وراء ، وهي بمقربة من النحرارية. ويفصل بينها النيل وتصنع بأبيار ثياب حسان تعلو قيمتها بالشام والعراق ومصر وغيرها. ومن الغريب قرب النحرارية منها. والثياب التي تصنع بها غير معتبرة ولا مستحسنة عند أهلها. ولقيت بأبيار قاضيها عز الدين المليجي الشافعي، وهو كريم الشمائل كبير القدر. حضرت عنده مرة يوم الركبة، وهم يسمون ذلك يوم ارتقاب هلال رمضان. وعادتهم فيه أن يجتمع فقهاء المدينة ووجوهها بعد العصر من اليوم التاسع والعشرين لشعبان بدار القاضي، ويقف على الباب نقيب المتعممين، وهو ذو شارة وهيئة حسنة. فإذا أتى أحد الفقهاء أو الوجوه، تلقاه ذلك النقيب، ومشى بين يديه قائلا: بسم الله، سيدنا فلان الدين فيسمع القاضي ومن معه فيقومون له ويجلسه النقيب في موضع يليق به. فإذا تكاملوا هنالك، ركب القاضي وركب من معه أجمعون، وتبعهم جميع من بالمدينة من الرجال والنساء والصبيان وينتهون إلى موضع مرتفع خارج المدينة، وهو مرتقب الهلال عندهم، وقد فرش ذلك الموضع بالبسط والفرش، فينزل فيه القاضي ومن معه فيرتقبون الهلال، ثم يعودون إلى المدينة بعد صلاة المغرب وبين أيديهم الشمع والمشاعل والفوانيس. ويوقد أهل الحوانيت بحوانيتهم الشمع، ويصل الناس مع القاضي إلى داره، ثم ينصرفون هكذا فعلهم في كل سنة. ثم توجهت إلى مدينة المحلة الكبيرة وهي جليلة المقدار، حسنة الآثار، كثير أهلها، جامع بالمحاسن شملها، واسمها بين. ولهذه المدينة قاضي القضاة ووالي الولاة وكان قاضي قضاتها أيام وصولي اليها في فراش المرض ببستان له على مسافة فرسخين من البلد، وهو عز الدين بن الأشمرين، فقصدت زيارته صحبة نائبه الفقيه أبي القاسم ابن بنون المالكي التونسي، وشرف الدين الدميري قاضي محلة منوف. وأقمنا عنده يوما، وسمعت منه، وقد جرى ذكر الصالحين أن على مسيرة يوم من المحلة الكبيرة بلاد البرلس ونسترو، وهي بلاد الصالحين، وبها قبر الشيخ مرزوق صاحب المكاشفات. فقصدت تلك البلاد، ونزلت بزاوية الشيخ المذكور وتلك البلاد كثيرة النخل والثمار والطير البحري والحوت المعروف بالبوري ومدينتهم تسمى ملطين ، وهي على ساحل البحيرة المجتمعة من ماء النيل وماء البحر المعروفة ببحيرة تنيس . ونسترو بمقربة منها. نزلت هنالك بزاوية الشيخ شمس الدين القلوي من الصالحين، وكانت تنيس بلدا عظيما شهيرا، وهي الآن خراب. قال ابن جزي تنيس بكسر التاء المثناة والنون المشددة وياء وسين مهمل ، وإليه ينسب الشاعر المجيد أبو الفتح ابن وكيع، وهو القائل في خليجها:
قم فاسقني والخليج مضطرب والريح تثني ذوائب القصب
__________________



تِكرَار { الحمدُ لله } .. عِلآج نَفسيّ يَجلبَ لكَ السَعَاده♥ !







رد مع اقتباس
  #14  
قديم February 1, 2012, 07:26 PM
 
رد: تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار (رحلة ابن بطوطة)

صفحة : 13


كأنها والرياح تعطـفـهـا صب قنا سندسية العـذب
والجو في حلة ممـسـكة قد طرزتها البروق بالذهب ونسترو بفتح النون واسكان السين وراء مفتوحة وواو مسكن ، والبرلس بباء موحدة وراء وآخره سين مهملة، وقيده بعضهم بضم حروفه الأول الثلاث وتشديد اللام . وقيده أبو بكر بن نقطة بفتح الأولين - وهو على البحر ومن غريب ما اتفق به ما حكاه أبو عبد الله الرازي عن أبيه أن قاضي البرلس، وكان رجلا صالحا، خرج ليلة إلى النيل. فبينما اسبغ الوضوء، وصلى ما شاء الله أن يصلي، إذ سمع قائلا يقول:
لولا رجال لهم سرد يصومونـا وآخرون لهم ورد يقـومـونـا
لزلزلت أرضكم من تحتكم سحرا لأنكم قوم سوء لا تـبـالـونـا قال: فتجوزت في صلاتي، وأدرت طرفي، فما رأيت أحدا، ولا سمعت حسا، فعلمت أن ذلك زاجر من الله تعالى. ثم سافرت في أرض رملة إلى مدينة دمياط. وهي مدينة فسيحة الأقطار، متنوعة الثمار، عجيبة الترتيب، آخذة من كل حسن بنصيب والناس يضبطون اسمها بإعجام الذال. وكذلك ضبطه الإمام أبو محمد عبد الله بن علي الرشاطي. وكان شرف الدين الإمام العلامة أبو محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطي إمام المحدثين يضبطها بإهمال الدال، ويتبع ذلك بأن يقول خلاف الرشاطي وغيره. وهو أعرف بضبط اسم بلده. ومدينة دمياط على شاطىء النيل، وأهل الدور الموالية يستقون منه الماء بالدلاء وكثير من دورها بها دركات ينزل فيها إلى النيل. وشجر الموز بها كثير، يحمل ثمره إلى مصر في المراكب. وغنمها سائمة هملا بالليل والنهار. ولهذا يقال في دمياط: سورها حلوى، وكلابها غنم. وإذا دخلها أحد، لم يكن له سبيل إلى الخروج عنها إلا بطابع الوالي فمن كان من الناس معتبرا، طبع له في قطعة كاغد، يستظهر به لحراس بابها. وغيرهم يطبع على ذراعه، فيستظهر به. والطير البحري بهذه المدينة كثير، متناهي السمن. وبها الألبان الجاموسية التي لا مثل لها في عذوبة الطعم وطيب المذاق. وبها الحوت البوري يحمل منها إلى الشام وبلاد الروم ومصر. وبخارجها جزيرة بين البحرين والنيل تسمى البرزخ. بها مسجد وزاوية، لقيت بها شيخها المعروف بابن قفل، وحضرت عنده ليلة جمعة ومعه جماعة من الفقراء الفضلاء المتعبدين الأخيار. قطعوا ليلتهم صلاة وقراءة وذكرا. ودمياط هذه حديثة البناء والمدينة القديمة هي التي خربها الإفرنج على عهد الملك الصالح. وبها زاوية الشيخ جمال الدين الساوي، قدوة الطائفة المعروفة بالقلندرية ، وهم الذين يحلقون لحاهم وحواجبهم. ويسكن الزاوية في هذا العهد الشيخ فتح التكروري.
حكاية
يذكر أن السبب الداعي للشيخ جمال الدين الساوي إلى حلق لحيته وحاجبيه أنه كان جميل الصورة حسن الوجه فعلقت به امرأة من أهل ساوة، وكانت تراسله وتعارضه في الطرق وتدعوه لنفسها، وهو يمتنع ويتهاون، فلما أعياها أمره دست له عجوزا تصدت له إزاء دار على طريقه إلى المسجد، وبيدها كتاب مختوم. فلما مر بها قالت له: يا سيدي أتحسن القراءة ? قال: نعم. قالت له: الكتاب وجهه إلي ولدي، وأحب أن تقرأه علي. فقال لها، نعم. فلما فتح الكتاب، قالت له: يا سيدي إن لولدي زوجة، وهي بأسطوان الدار، فلو تفضلت بقراءته بين بابي الدار بحيث تسمعها. فأجابها لذلك. فلما توسط بين البابين غلقت العجوز الباب، وأخرجت المرأة حواريها فتعلقن به. وأدخلنه إلى داخل الدار. وراودته المرأة عن نفسه، فلما رأى أن لا خلاص له، قال لها: إني حيث تريدين. فأريني بيت الخلاء. فأرته إياه. فأدخل معه الماء. وكانت عنده موسى جديدة، فحلق لحيته وحاجيبه، وخرج عليها، فاستقبحت هيئته، واستنكرت فعله، وأمرت بإخراجه وعصمه الله بذلك، فبقى على هيئته فيما بعد، وصار كل من يسلك طريقته أن يحلق رأسه ولحيته و حاجبيه.
__________________



تِكرَار { الحمدُ لله } .. عِلآج نَفسيّ يَجلبَ لكَ السَعَاده♥ !







رد مع اقتباس
  #15  
قديم February 1, 2012, 07:26 PM
 
رد: تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار (رحلة ابن بطوطة)

صفحة 14


كرامة لهذا الشيخ: يذكر أنه لما قصد مدينة دمياط لزم مقبرتها. وكان بها قاض يعرف بابن العميد. فخرج يوما إلى جنازة بعض الأعيان، فرأى الشيخ جمال الدين بالمقبرة فقال له: أنت الشيخ المبتدع. فقال له: وأنت القاضي الجاهل، تمر بدابتك بين القبور، وتعلم أن حرمة الإنسان ميتا كحرمته حيا. فقال له القاضي: وأعظم من ذلك حلقك للحيتك. فقال له: إياي تعني. وزعق الشيخ، ثم رفع رأسه، فإذا هو ذو لحية سوداء، عظيمة. فعجب القاضي ومن معه، ونزل إليه عن بغلته. ثم زعق ثانيا فإذا هو ذو لحية بيضاء حسنة، ثم زعق ثالثا ورفع رأسه. فإذا هو بلا لحية كهيئته الأولى فقبل القاضي يده، وتتلمذ له، وبني له الزاوية الحسنة ، وصحبه أيام حياته حتى مات الشيخ. فدفن بزاويته. ولما حضرت القاضي وفاته أوصى أن يدفن بباب الزاوية، حتى يكون كل داخل إلى زيارة الشيخ يطأ قبره. وبخارج دمياط المزار المعروف بشطا، بفتح الشين المعجمة والطاء المهملة ، وهو ظاهر البركة، يقصده أهل الديار المصرية. وله أيام في السنة معلومة لذلك. وبخارجها أيضا بين بساتينها موضع يعرف بالمنية، فيه شيخ من الفضلاء يعرف بابن النعمان. قصدت زاويته وبت عنده. وكان بدمياط أيام إقامتي بها وال يعرف بالمحسني من ذوي الإحسان والفضل. بنى مدرسة على شاطىء النيل بها. كان نزولي في تلك الأيام. وتأكدت بيني وبينه مودة. ثم سافرت إلى مدينة فارسكور، وهي مدينة على ساحل النيل والكاف الذي في اسمها مضموم . ونزلت بخارجها. ولحقني هنالك فارس وجهه إلي الأمير المحسني، فقال لي: إن الأمير سأل عنك، وعرف بسيرتك، فبعث إليك بهذه النفقة. ودفع إلي جملة دراهم، جزاه الله خيرا. ثم سافرت إلى مدينة أشمون الرمان، وضبط اسمها بفتح الهمزة وإسكان الشين المعجم . ونسبت إلى الرمان لكثرته بها. ومنها يحمل إلى مصر. وهي مدينة عتيقة كبيرة على خليج من خلج النيل ولها قنطرة خشب ترسو المراكب عندها فإذا كان العصر رفعت تلك الخشب، وجازت المراكب صاعدة ومنحدرة. وبهذا البلد قاضي القضاة ووالي الولاة. ثم سافرت عنها إلى مدينة سمنود، وهي على شاطئ النيل، كثيرة المراكب حسنة الأسواق وبينها وبين المحلة الكبيرة ثلاثة فراسخ وضبط اسمها بفتح السين المهملة والميم وتشديد النون وضمها وواو ودال مهمل. ومن هذه المدينة ركبت النيل مصعدا إلى مصر، ما بين مدائن وقرى منتظمة، المتصل بعضها ببعض. ولا يفتقر راكب النيل إلى استصحاب الزاد. لأنه مهما أراد النزول بالشاطئ، نزل الوضوء والصلاة وشراء الزاد وغير ذلك. والأسواق متصلة من مدينة الإسكندرية إلى مصر، ومن مصر إلى مدينة أسوان من الصعيد. ثم وصلت إلى مدينة مصر هي أم البلاد، وقرارة فرعون ذي الأوتاد، ذات الأقاليم العريضة والبلاد الأريضة، المتناهية في كثرة العمارة المتناهية بالحسن والنضارة، ومجمع الوارد والصادر، ومحل رحل الضعيف والقادر، وبها ما شئت من عالم وجاهل، وجاد وهازل، وحليم وسفيه، ووضيع ونبيه، وشريف ومشروف، ومنكر ومعروف، تموج موج البحر بسكانها، وتكاد تضيق بهم على سعة مكانها وإمكانها. شبابها يجد على طول العهد، وكوكب تعديلها لا يبرح عن منزل السعد. قهرت قاهرتها الأمم، وتمكنت ملوكها من نواصي العرب والعجم. ولها خصوصية النيل الذي أجل خطرها، وأغناها عن أن يستمد القطر قطرها، وأرضها مسيرة شهر لمجد السير. كريمة التربة، مؤنسة لذوي الغربة. قال ابن جزي: وفيها يقول الشاعر:
لعمرك ما مصر بمصر وإنمـا هي الجنة الدنيا لمن يتبـصـر
فأولادها الولدان والحور عينهـا وروضتها الفردوس والنيل كوثر وفيها يقول ناصر الدين بن ناهض:
شاطئ مصر جـنة ما مثلها من بلـد
لا سيما مذ زخرفت بنيلها المـطـرد
وللـرياح فـوقـه سوابغ مـن زرد
مسرودة ما مسهـا داودها بـمـبـرد
سائلة هـواؤهــا يرعد عاري الجسد
والفلك كالأفلاك بي ن حادر ومصعـد
__________________



تِكرَار { الحمدُ لله } .. عِلآج نَفسيّ يَجلبَ لكَ السَعَاده♥ !







رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)



المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
تحميل كتاب رحلة ابن بطوطة - خمس مجلدات كاملة في ملف واحد بو راكان كتب السيرة الذاتية والرحلات 82 October 30, 2016 01:31 AM
تحميل كتاب نزهة النظار في قضاة الأمصار وردة الثلج كتب منوعه و أخرى 0 December 16, 2011 02:39 PM
رحلة ابن بطوطة**2** salh22 النصح و التوعيه 0 October 15, 2009 09:06 PM
رحلة ابن بطوطة**1** salh22 النصح و التوعيه 0 October 15, 2009 08:58 PM


الساعة الآن 07:52 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر