فيسبوك تويتر RSS



العودة   مجلة الإبتسامة > الموسوعة العلمية > العلوم المتخصصة > التاريخ



إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #13  
قديم June 12, 2011, 06:46 PM
 
رد: ۞ مجــــد المسلميــــن الضائــع " حصــرى" ۞ متجدد

المأساة الكبرى وسقوط قرطبة

على أنقاض دولة الموحدين التي انفكت عراها بعد هزيمتهم المدوية في معركة العقاب في (15 من صفر 609هـ= 16 من يوليو 1212م) المعروفة أمام الجيوش الإسبانية والأوروبية المتحالفة – نجح محمد بن يوسف بن هود في أن يقيم دولة كبيرة ضمت قواعد الأندلس الكبرى، مثل: إشبيلية حاضرة الحكم الموحدي، وشاطبة، وجيان، وغرناطة، ومالقة، وألمرية، وأصبح بعد هذا النجاح زعيم الأندلس وقائد حركة تحريرها والدفاع عنها أمام أطماع النصارى التي ليس لها حد؛ ولذلك دخل في معارك معهم أصابه التوفيق في بعضها، وحلّت به الهزيمة في بعضها الآخر.
ومحمد بن يوسف بن هود كان قبل أن يظهر أمره من أجناد “مرسية” ومن بيت عريق في الزعامة والرياسة، فهو سليل بني هود ملوك سرقسطة أيام حكم الطوائف، استطاع أن يجمع حوله الأتباع والأنصار، وأن يحارب بهم دولة الموحدين، وكانت تمر بظروف حرجة فلم تقو على الوقوف أمامه، فتساقطت مدنها في يده بعدما اشتد أمره وذاع ذكره.

صراع ومنافسة

ولم يكن ابن هود منفردًا بحكم الأندلس، ولم تتحد قواعدها الكبرى تحت سلطانه فقد نافسه في شرقي الأندلس “أبو جميل زيان بن مردنيش” وكانت بلنسية تحت يده. وفي وسط الأندلس وجنوبها نافسه “محمد بن يوسف الأحمر” وكان زعيمًا شجاعًا مقدامًا، أهلته ملكاته ومواهبه أن يشتد أمره ويضع يده على “جيان” وما حولها، وأن يتطلع إلى أن يبسط سلطانه على قواعد الأندلس في الجنوب.

واستشعر ابن هود بقوة منافسه ابن الأحمر وتوجس منه خيفة ومن تطلعاته الطموحة، فشاء أن يقضي على آمال خصمه قبل أن تتحول إلى حقيقة ويعجز هو عن إيقاف مده والقضاء على خطره، فلجأ إلى السيف لتحقيق ما يتمنى، ولم يكن خصمه القوي في غفلة عما يدبر له، فاستعد ليوم اللقاء، وعقد حلفًا مع “أبي مروان أحمد الباجي” القائم على إشبيلية التي خرجت من سلطان ابن هود.
وكان مما لا بد منه، والتقى الفريقان على مقربة من إشبيلية في معركة حامية في سنة (631هـ=1233م)، وانتصر الحليفان على غريمهما ابن هود، ودخل ابن الأحمر إشبيلية بعد ذلك، وهو يضمر في نفسه التخلص من حليفه الباجي، فدس له من يقتله، وحاول أن يبسط يده على إشبيلية فلم يتمكن، وثار عليه أهلها، وأخرجوه منها بعدما علموا بفعلته مع زعيمهم أبي مروان الباجي، وأرسلوا إلى ابن هود يسلمون له مدينتهم لتكون تحت حكمه وسلطانه.

الرجوع إلى الحق

وحدث ما لم يكن متوقعًا، فقد حل السلم والصلح بين الزعيمين المتخاصمين، ولعلهما أدركا خطر الحرب بينهما واستنزاف الأموال والدماء في معارك لن يستفيد منها سوى عدوهما المشترك ملك قشتالة، فغلّبا صوت العقل وخلق الأخوة على التنافس البغيض، وعقدا الصلح في (شوال 631هـ= يونيو 1234م)، واتفقا على أن يقر ابن الأحمر بطاعة ابن هود على أن يقره الأخير على ولايتي أرجونة وجيان.

وفي هذه الفترة لم يكن فرناندو الثالث يكف عن شن غزواته وحروبه، ولا يهدأ في إرسال جيوشه تعبث في الأرض فسادًا. وكان ابن هود يرده في كل مرة بعقد اتفاقية وهدنة، ويدفع له إتاوة عالية، وينزل له عن بعض الحصون، وكان فرناندو يهدف من وراء غزواته المتتالية أن يرهق المسلمين ويستولي على حصونهم، حتى تأتي الفرصة المواتية فينقض على قرطبة تلك الحاضرة العظيمة ذات المجد الأثيل ويستولي عليها.
ولم تكن المدينة العظيمة في أحسن حالتها، تضطرب الأمور فيها اضطرابًا، تميل مرة إلى ابن الأحمر، ومرة أخرى إلى ابن هود، لا تتفق على رأي، ولا تسلم زمامها لمن يستحق وتمكنه قدرته وكفاءته من النهوض بها، وتفتك الخصومات والأحقاد بها، ويبدو أن الملك القشتالي كان على علم بعورات المدينة، ينتظر اللحظة المناسبة للانقضاض عليها.

غزو قرطبة

وأواخر (ربيع الآخر 633هـ= 1236م) خرج جماعة من فرسان قشتالة المغامرين صوب قرطبة، واحتموا بظلام الليل وخيانة البعض ونجحوا في الاستيلاء على منطقة من مناطق المدينة تعرف بالربض الشرقي، وكانت قليلة السكان، ضعيفة الحراسة، وقتلوا كثيرًا من سكانها، وفر الباقون إلى داخل المدينة، وبعدما زالت المفاجأة جاءت حامية المدينة وهاجموا هؤلاء الغزاة الذين تحصنوا بالأبراج، وبعثوا في طلب النجدة والإمداد، فجاءتهم نجدة صغيرة من إخوانهم النصارى، وتحرك فرناندو على الفور صوب قرطبة، غير ملتزم بالمعاهدة التي عقدها مع ابن هود الذي تتبعه المدينة، وبدأت تتجمع قوات من النصارى تحت أسوار المدينة ويزداد عددها يومًا بعد يوم، وتتوقد قلوبهم حماسة وحمية، وبدأ الملك يضع خطته للاستيلاء على المدينة العظيمة.

موقف ابن هود

تطلع القرطبيون في هذه اللحظات الحرجة إلى ابن هود لإنجادهم والدفاع عن مدينتهم باعتباره حاكم المدينة الشرعي، فاستجاب لهم حين علم بالخطر الداهم الذي يحيط بالمدينة العريقة، وخرج في جيش كبير من بلنسية إلى قرطبة، وعسكر على مقربة منهم، وكان أهل قرطبة ينتظرون مقدمه واشتباكه مع النصارى في موقعة فاصلة، وبدلاً من أن يفعل ذلك ظل واقفًا في مكانه لا يحرك ساكنًا، ولا يتحرش بهم، ولو أنه اشتبك معهم لحقق نصرًا هائلاً وألحق بهم هزيمة كبيرة، فحشودهم لم تكن ذات شأن، جمعتها الحماسة والحمية، وفرسانهم لم يكن يتجاوزا المائتين.

ويختلف المؤرخون في السبب الذي جعل ابن هود يقف هذا الموقف المخزي، وهو الذي ملأ الأندلس كلامًا بأنه سيعمل على تحرير الأندلس من عدوان النصارى، وعلى إحياء الشريعة وسننها. يذهب بعض المؤرخين إلى أن قسوة الجو وهطول الأمطار بشدة ونقصان المؤن هو الذي حمل ابن هود على اتخاذ هذا الموقف.
وتذهب بعض الروايات أن أحد رجال ابن هود وكان مسيحيًا قشتاليًا خدعه وأوهمه بأن الملك في أعداد هائلة من جيشه، مجهزة بأقوى الأسلحة وأفتكها، وأنه لا يأمل أن يتحقق النصر على جيش مثل هذا، فانخدع له ابن هود وتخلى عن نجدة أهل قرطبة، وأيًا كانت الأسباب التي يلتمسها المؤرخون لموقف ابن هود فإن ذلك لن يغير من الحقيقة شيئًا، وهو أن ابن هود ترك قرطبة دون أن ينجدها ويضرب القوات التي تحاصرها، ولم يكن عاجزًا أو ضعيفًا، فقواته كانت تتجاوز خمسة وثلاثين ألف جندي، لكنه لم يفعل.

سقوط قرطبة

لم يعد أمام قرطبة بعد أن تركها ابن هود تلقى مصيرها سوى الصمود ومدافعة الحصار الذي ضربه حولها فرناندو الثالث، الذي قطع عنها كل اتصال عن طريق البر أو عن طريق نهر الوادي الكبير؛ فانقطعت عنها المؤن والإمدادات وكل ما يجعلها تقوى على الصمود، وظل هذا الوضع قائمًا حتى نفدت موارد المدينة المنكوبة ونضبت خزائنها، واضطر زعماء المدينة إلى طلب التسليم على أن يخرجوا آمنين بأموالهم وأنفسهم، فوافق الملك على هذا الشرط.

وفي أثناء المفاوضات علم أهل قرطبة أن الجيش القشتالي يعاني من نقص المؤن مثلما يعانون، فابتسم الأمل في نفوسهم، فتراجعوا عن طلب تسليم المدينة أملاً في أن يدفع نقص المؤن الجيش القشتالي على الرحيل ورفع الحصار، لكن أملهم قد تبدد بعد أن تحالف ملك قشتالة مع ابن الأحمر أمير جيان، فتآمر عليهم العدو والصديق، ولم يجدوا بدًا من التسليم ثانية بعد أن تعاونت الخيانة مع ضياع المروءة والشرف في هذا المصير المحتوم.
وأغرى هذا الموقف المخزي بعض القساوسة الغلاة في أن يصر الملك على فتح المدينة بالسيف وقتل من فيها، لكن الملك رفض هذا الرأي خشية أن يدفع اليأس بأهل قرطبة إلى الصبر والصمود وتخريب المدينة العامرة وكانت درة قواعد الأندلس، فآثر الموافقة على التسليم.
وفي يوم حزين وافق (الثالث والعشرين من شهر شوال 633هـ= 29 من يونيو 1236م) دخل القشتاليون المدينة التليدة، ورُفع الصليب على قمة صومعة جامعها الأعظم، وصمت الأذان الذي كان يتردد في سماء المدينة أكثر من خمسة قرون، وحُوّل المسجد في الحال إلى كنيسة، وفي اليوم التالي دخل فرناندو قرطبة في كوكبة من جنوده وأتباعه، وهو لا يصدق أن ما يحلم به قد تحقق، لا بقدرته وكفاءته وإنما بتنازع المسلمين وتفرقهم، ووطئت أقدامه عاصمة الخلافة في الأندلس لا بشجاعة جنوده وبسالتهم وإنما بجبن قادة المسلمين وحكامهم.. وهكذا سقطت المدينة التليدة التي كانت يومًا ما مركز الحكم، ومثوى العلوم والأدب، ومفخرة المسلمين..

سقوط الأندلس

الوضع الآن هو سقوط دولة الموحدين على إثر موقعة العقاب، ثم سقوط مدن المسلمين الواحدة تلو الأخرى، حتى سقطت قرطبة حاضرة الإسلام وعاصمة الخلافة، وسقطت جيان في سنة ثلاث وأربعين وستمائة من الهجرة.
هذا ولم يبق في الأندلس إلا ولايتان فقط كبيرتان نسبيا، الأولى هي ولاية غرناطة، وتقع في الجنوب الشرقي، وتمثل حوالي خمس عشرة بالمائة من بلاد الأندلس، والثانية هي ولاية أشبيلية، وتقع في الجنوب الغربي، وتمثل حوالي عشرة بالمائة من أرض الأندلس.
هاتان الولايتان هما اللتان بقيتا فقط من جملة بلاد الأندلس، وكان من العجيب كما ذكرنا أن يظل الإسلام في بلاد الأندلس بعد هذا الوضع وبعد سقوط قرطبة، وبعد هذا الانهيار الكبير لمدة تقرب من خمسين ومائتي سنة، فكانت هذه علامات استفهام كبيرة، ولا بد من وقفة معها بعض الشيء.

ابن الأحمر وملك قشتالة ومعاهدة الخزي

في نفس العام التي سقطت فيه جيان، وفي سنة ثلاث وأربعين وستمائة من الهجرة، وحماية لحقوق وواجبات مملكة قشتالة النصرانية وولاية غرناطة الإسلامية، يأتي فرناندو الثالث ملك قشتالة ويعاهد ابن الأحمر الذي يتزعم ولاية غرناطة، ويعقد معه معاهدة يضمن له فيها بعض الحقوق ويأخذ عليه بعض الشروط والواجبات
.

وقبل أن نتحدث عن بنود هذه الاتفاقية وتلك المعاهدة، نتعرف أولا على أحد طرفي هذه المعاهدة وهو ابن الأحمر، فهو محمد بن يوسف بن نصر بن الأحمر، والذي ينتهي نسبه إلى سعد بن عبادة الخزرجي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن شتّان بين محمد بن يوسف بن نصر بن الأحمر هذا، وبين سعد بن عبادة الخزرجي، وقد سُمّي بابن الأحمر لاحمرار لون شعره، ولم يكن هذا اسما له، بل لقبا له ولأبنائه من بعده حتى نهاية حكم المسلمين في غرناطة.
وفي بنود المعاهدة التي تمت بين ملك قشتالة وبين محمد بن يوسف بن نصر بن الأحمر هذا أو محمد الأول كان ما يلي
أولا أن يدفع ابن الأحمر الجزية إلى ملك قشتالة، وكانت خمسين ومائة ألف دينار من الذهب سنويا، وكان هذا تجسيدا لحال الأمة الإسلامية، وتعبيرا عن مدى التهاوي والسقوط الذريع بعد أفول نجم دولة الموحدين القوية المهابة، والتي كانت قد فرضت سيطرتها على أطراف كثيرة جدا من بلاد الأندلس وإفريقيا.
ثانيا أن يحضر بلاطه كأحد ولاته على البلاد، وفي هذا تكون غرناطة تابعة لقشتالة ضمنيا.
ثالثا أن يحكم غرناطة باسم ملك قشتالة علانية، وبهذا يكون ملك قشتالة قد أتم وضمن تبعية غرناطة له تماما.
رابعا أن يسلمه ما بقي من حصون جيّان- المدينة التي سقطت أخيرا- وأرجونه وغرب الجزيرة الخضراء حتى طرف الغار، وحصون أخرى كثيرة جدا تقع كلها في غرب غرناطة، وبذلك يكون ابن الأحمر قد سلم لفرناندو الثالث ملك قشتالة مواقع في غاية الأهمية تحيط بغرناطة نفسها.
خامسا وهو أمر في غاية الخطورة، وهو أن يساعده في حروبه ضد أعدائه إذا احتاج إلى ذلك، أي أن ابن الأحمر يشترك مع ملك قشتالة في حروب ملك قشتالة التي يخوضها أيا كانت الدولة التي يحاربها.

قمة التدني والانحطاط وسقوط أشبيلية

في أول حرب له بعد هذه الاتفاقية قام ملك قشتالة بالزحف نحو أشبيلية، وبالطبع طلب من ابن الأحمر أن يساعده في حربها وفق بنود المعاهدة السابقة، والتزاما صاغرا بها، ودوسا بالأقدام لتعاليم الإسلام وشرائعه، وضربا عرض الحائط لرابطة النصرة والأخوة الإسلامية، وموالاة للنصارى وأعداء الإسلام على المسلمين، ما كان من ابن الأحمر إلا أن سمع وأطاع، وبكامل عدته يتقدم فرسان المسلمين الذين يتقدمون بدورهم جيوش قشتالة نحو أشبيلية، ضاربين حصارا طويلا وشديدا حولها
.

وإنه لمما يثير الحيرة والدهشة ويدعو إلى التعجب والحسرة في ذات الوقت هو أنه إذا كان ابن الأحمر على هذه الصورة من هذه السلبية وذاك الفهم السقيم، والذي لا يُنبئ إلا عن مصلحة شخصية ودنيوية زائلة، فأين موقف شعب غرناطة الذي هو قوته وجيشه؟! وكيف يرتضي فعلته تلك ويوافقه عليها، ومن ثم يتحرك معه ويحاصر أشبيلية المسلمة المجاورة، وهما معا (أشبيلية وغرناطة) كانا مدينة واحدة في دولة إسلامية واحدة هي دولة الأندلس؟!
أليس الجيش من الشعب؟! أوليس هم مسلمون مثلهم وأخوة في الدين لهم حق النصرة والدفاع عنهم؟! فإنه ولا شك كان انهيارا كبيرا جدا في أخلاق القادة وأخلاق الشعوب.
يتحرك الجيش الغرناطي مع الجيش القشتالي ويحاصرون المسلمين في أشبيلية، ليس لشهر أو شهرين، إنما طيلة سبعة عشر شهرا كاملا، يستغيث فيها أهل أشبيلية بكل من حولهم، لكن هل يسمع من به صمم؟!

المغرب الآن مشغول بالثورات الداخلية، وبنو مارين يصارعون الموحدين في داخل المغرب، والمدينة الوحيدة المسلمة في الأندلس غرناطة هي التي تحاصر أشبيليّةوهناك وفي السابع والعشرين من شهر مضان لسنة ست وأربعين وستمائة من الهجرة، وبعد سبعة عشر شهرا كاملا من الحصار الشديد، تسقط أشبيليّة بأيدي المسلمين ومعاونتهم للنصارى، تسقط أشبيليّة ثاني أكبر مدينة في الأندلس، تلك المدينة صاحبة التاريخ المجيد والعمران العظيم، تسقط أشبيليّة أعظم ثغور الجنوب ومن أقوى حصون الأندلس، تسقط أشبيليّة ويغادر أهلها البلاد، ويهجّر ويشرّد منها أربعمائة ألف مسلم، وواحسرتاه على المسلمين، تفتح حصونهم وتدمر قوتهم بأيديهم

وَمَا فَتِئَ الزَّمَانُ يَدُورُ حَتَّى مَضَى بِالْمَجْدِ قَوْمٌ آخَرُونَ
وَأَصْبَحَ لَا يُرَى فِي الرَّكْبِ

قَوْمِي وَقَدْ عَاشُوا أَئِمَّتُهُ سِنِينًاوَآلَمَنِي وَآلَمَ كُلَّ حُرٍّ سُؤَالُ الدَّهْرِ أَيْنَ الْمُسْلِمُونَ؟

أين المسلمون؟! إنهم يحاصرون المسلمين! المسلمون يقتلون المسلمين! المسلمون يشرّدون المسلمين
!

وعلى هذا تكون أشبيلية قد اختفت وإلى الأبد من الخارطة الإسلامية، وما زال إلى الآن مسجدها الكبير الذي أسسّه يعقوب المنصور الموحدي بعد انتصار الأرك الخالد، والذي أسسّه بغنائم الأرك، مازال إلى اليوم كنيسة يعلّق فيها الصليب، ويُعبد فيها المسيح بعد أن كانت من أعظم ثغور الإسلام.

غرناطة ولماذا يعاهدها ملك قشتالة؟

لم يتبق في الأندلس في سنة ست وأربعين وستمائة من الهجرة بلادا إسلامية غير غرناطة وما حولها فقط من القرى والمدن، والتي لا تمثل كما ذكرنا أكثر من خمس عشرة بالمائة من أرض الأندلس، وهي تضم ثلاث ولايات متحدة هي ولاية غرناطة، وولاية ملقة، وولاية ألمرية، ثلاث ولايات تقع تحت حكم ابن الأحمر، وإن كان هناك شيء من الاستقلال داخل كل ولاية
.

ولنا أولا أن نتساءل ونتعجب لماذا يعقد فرناندو الثالث اتفاقية ومعاهدة مع هذه القوة التي أصبح القضاء عليها أمرا ميسورا خاصة بعد هذا الانهيار المروّع لدولة المسلمين؟! لماذا يعقد معاهدة مع ابن الأحمر؟! ولماذا لم يأكل غرناطة كما أكل غيرها من بلاد المسلمين ودون عهود أو اتفاقيات؟!
والواقع أن ذلك كان للأمور التالية
أولا كانت غرناطة بها كثافة سكانية عالية؛ الأمر الذي يجعل من دخول جيوش النصارى إليها من الصعوبة بمكان، وقد كان من أسباب هذه الكثافة العالية أنه لما كانت تسقط مدينة من مدن المسلمين في أيدي النصارى فكان النصارى كما ذكرنا ينتهجون نهجا واحدا، وهو إما القتل أو التشريد والطرد من البلاد.
فكان كلما طُرد رجل من بلاده عمق واتجه ناحية الجنوب، فتجمع كل المسلمون الذين سقطت مدنهم في أيدي النصارى في منطقة غرناطة في الجنوب الشرقي من البلاد، فأصبحت ذات كثافة سكانية ضخمة، الأمر يصعب معه دخول قوات النصارى إليها.
ثانيا كانت غرناطة ذات حصون كثيرة ومنيعة جدا، وكانت هذه الحصون تحيط بغرناطة وألمرية وملقة.
ثالثا أنها (غرناطة) كانت تقع في الجنوب الشرقي وعلى البحر المتوسط، أي أنها قريبة من بلاد المغرب العربي، وكانت قد قامت في بلاد المغرب العربي كما ذكرنا نواة دولة إسلامية جديدة هي دولة بني مارين، وكانت دولة سنية تقوم على التقوى، فكانت بين الحين والآخر تساعد بلاد غرناطة؛ ومن جراء ذلك استطاعت غرناطة أن تصمد بعض الشيء وتقف على أقدامها ولو قليلا أمام فرناندو الثالث ومن معه من النصارى في مملكة قشتالة.
ومن هنا وافق فرناندو الثالث على عقد مثل هذه المعاهدة، وإن كانت كما رأينا معاهدة جائرة ومخزية، يدفع فيها ابن الأحمر الجزية، ويحارب بمقتضاها مع ملك قشتالة، ويتعهد فيها بألا يحاربه في يوم ما.

غرناطة وموعد مع الأجل المحتوم

كعادتهم ولطبيعة متأصلة في كينونتهم، ومع كون المعاهده السابقة والتي بين ابن الأحمر وملك قشتالة تقوم على أساس التعاون والتصالح والنصرة بين الفريقين، إلا أنه بين الحين والآخر كان النصارى القشتاليون بقيادة فرناندو الثالث ومن تبعه من ملوك النصارى يخونون العهد مع ابن الأحمر، فكانوا يتهجمون على بعض المدن ويحتلونها، وقد يحاول هو (ابن الأحمر) أن يسترد هذه البلاد فلا يفلح، فلا يجد إلا أن يعاهدهم من جديد على أن يترك لهم حصنا أو حصنين أو مدينة أو مدينتين مقابل أن يتركوه حاكما على بلاد غرناطة باسمهم، ولاحول ولا قوة إلا بالله
.

فلم تؤسَّس غرناطة على التقوى، بل أسسها ابن الأحمر على شفا جرف هارٍ، معتمدا على صليبي لا عهد له ولا أمان وقد ظل ابن الأحمر طيلة الفترة من سنة ثلاث وأربعين وستمائة من الهجرة، ومنذ أول معاهدة عقدها مع ملك قشتالة، وحتى سنة إحدى وسبعين وستمائة ظل طيلة هذه الفترة في اتفاقيات ومعاهدات.
وفي سنة إحدى وسبعين وستمائة من الهجرة بدأ ملك قشتالة وكان في ذلك الوقت ألفونسو العاشر بالمخالفة الصريحة لبنود المعاهدة المبرمة بينهما، وبدأ في تجييش الجيوش لدخول غرناطة، ومن ثم إنهاء الوجود الإسلامي تماما من أرض الأندلس.
هنا وجد ابن الأحمر نفسه في مأزق، وحينها فقط علم أنه عاهد من لا عهد له، فماذا يفعل؟ ما كان منه إلا أن يمّم وجه شطر بلاد المغرب حيث بنو مارين، وحيث الدولة التي قامت على أنقاض دولة الموحدين، والتي كان عليها رجل يُسمّى يعقوب بن منصور الماريني، الماريني تمييزا بينه ويعقوب بن منصور الموحدي في دولة الموحدين، وكلاهما كانا على شاكلة واحدة، وكلاهما من عظماء المسلمين، وكلاهما من أكبر القواد في تاريخ المسلمين.
__________________



رد مع اقتباس
  #14  
قديم June 12, 2011, 06:46 PM
 
رد: ۞ مجــــد المسلميــــن الضائــع " حصــرى" ۞ متجدد

يعقوب بن منصور الماريني رجل الشدائد

في وصف بليغ ليعقوب بن منصور الماريني يحدث المؤرخون المعاصرون له أنه كان صوّاما قوّاما، دائم الذكر، كثير الفكر، لا يزال في أكثر نهاره ذاكرا، وفي أكثر ليله قائما يصلي، مكرما للصلحاء، كثير الرأفة والحنين على المساكين، متواضعا في ذات الله تعالى لأهل الدين، متوقفا في سفك الدماء، كريما جوّادا، وكان مظفرا، منصور الراية، ميمون النقيبة، لم تهزم له راية قط، ولم يكسر له جيش، ولم يغزو عدوا إلا قهره، ولا لقي جيشا إلا هزمه ودمّره، ولا قصد بلدا إلا فتحه، وكان خطيبا مفوها، يؤثّر في نفوس جنوده، شجاعا مقداما يبدأ الحرب بنفسه
وفي تطبيق عملي لإحدى هذه الصفات وحين استعان محمد بن الأحمر الأول بيعقوب بن منصور الماريني ممثلا في دولة بني مارين، ما كان منه إلا أن أعد العدة وأتى بالفعل، وقام بصد هجوم النصارى على غرناطة.

بلاد الأندلس واستيراد النصر وقفة عابرة

لقد تعودت بلاد الأندلس استيراد النصر من خارجها كانت هذه مقولة ملموسة طيلة العهود السابقة لبلاد الأندلس، فلقد ظلت لأكثر من مائتي عام تستورد النصر من خارج أراضيها، فمرة من المرابطين، وأخرى من الموحدين، وثالثة كانت من بني مارين وهكذا، فلا تكاد تقوم للمسلمين قائمة في بلاد الأندلس إلا على أكتاف غيرهم من بلاد المغرب العربي وما حولها
.
ومن الطبيعي ألا يستقيم الأمر لتلك البلاد التي تقوم على أكتاف غيرها أبدا، وأبدا لا تستكمل النصر، وأبدا لا تستحق الحياة، لا يستقيم أبدا أن تنفق الأموال الضخمة في بناء القصور في غرناطة مثل قصر الحمراء الذي يعد من أعظم قصور الأندلس ليحكم منها ابن الأحمر أوغيره وهو في هذه المحاصرة من جيوش النصارى، ثم يأتي غيره ومن خارج الأندلس ليدافع عن هذه البلاد وتلك القصور.
ولا يستقيم أبدا لابن الأحمر أن يُنشئ الجنان الكثيرة (أكثر من ثلاثمائة حديقة ضخمة في غرناطة، وكان يطلق على كل حديقة منها اسم (جنّة) لسعتها وكثرة الثمار والأشجار فيها) وينفق كل هذا الإنفاق والبلاد في حالة حرب مع النصارى، ثم حين يأتي وقت الجهاد يذهب ويستعين بالمجاهدين من البلاد المجاورة.
وعلى كلٍ فقد أتى بنو مارين كما ذكرنا واستطاعوا أن يردوا الهجوم عن غرناطة، وحفظها الله من السقوط المدوي.

وفاة محمد الأول وولاية محمد الفقيه

في ذات العام الذي رُدّ فيه جيش النصارى، وفي سنة إحدى وسبعين وستمائة يموت محمد بن الأحمر الأول وقد قارب الثمانين من عمره، وقد استخلف على الحكم ابنه، ومثل اسمه واسم معظم أمراء بني الأحمر كان اسم ابنه هذا محمد، فكان هو محمد بن محمد بن يوسف بن الأحمر، وكانوا يلقبونه بالفقيه؛ لأنه كان صاحب علم غزير وفقه عميق
.
لما تولى محمد الفقيه الأمور في غرناطة نظر إلى حال البلاد فوجد أن قوة المسلمين في بلاد الأندلس لن تستطيع أن تبقى صامدة في مواجهة قوة النصارى، هذا بالإضافة إلى أن ألفونسو العاشر حين مات ابن الأحمر الأول ظن أن البلاد قد تهاوت، فما كان منه إلا أن أسرع بالمخالفة من جديد وبالهجوم على أطراف غرناطة، ما كان أيضا من محمد الفقيه إلا أن استعان بيعقوب المنصور الماريني رحمه الله.

وفي سنة ثلاث وسبعين وستمائة من الهجرة يجهز المنصور جيشا قوامه خمسة آلاف رجل فقط، ويضع نفسه على رأسه، ويعبر به إلى بلاد الأندلس حتى يساعد محمد الفقيه في حربه ضد النصارى.
وهناك وفي مكان خارج غرناطة وبالقرب من قرطبة يلتقي المسلمون مع النصارى، المسلمون تعدادهم عشرة آلاف مقاتل فقط، خمسة آلاف من جيش بني مارين، ومثلهم من جيش غرناطة، وفي مقابلتهم تسعون ألفا من النصارى، وعلى رأسهم واحد من أكبر قواد مملكة قشتالة يدعى دون نونيو دي لارى ( تعمدنا ذكر اسمه لأن الموقعة التي دارت بين المسلمين والنصارى في هذا المكان عُرفت بموقعة الدونونيّة؛ نسبة إلى اسمه).

موقعة الدونونيّة ونصر مؤزر

في سنة أربع وسبعين وستمائة من الهجرة تقع موقعة الدونونية، وكان على رأس جيوش المسلمين المنصور الماريني رحمه الله، وقد أخذ يحفز الناس بنفسه على القتال، وكان مما قاله في خطبته الشهيره في تحفيز جنده في هذه الموقعة
، ألا وإن الجنة قد فتحت لكم أبوابها، وزينت حورها وأترابها، فبادروا إليها وجِدُّوا في طلبها، وابذلوا النفوس في أثمانها، ألا وإنّ الجنّة تحت ظلال السيوف [إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ] {التوبة111} . فاغتنموا هذه التجارة الرابحة، وسارعوا إلى الجنة بالأعمال الصالحة؛ فمن مات منكم مات شهيدا، ومن عاش رجع إلى أهله سالما غانما مأجورا حميدا، فـ [اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ] {آل عمران200} .
كان من جراء هذا أن عانق الناس بعضهم بعضا للوداع، وبكوا جميعا،وبهؤلاء الرجال الذين أتوا من بلاد المغرب، وبهذه القيادة الربانية، وبهذا العدد الذي لم يتجاوز العشرة آلاف مقاتل حقق المسلمون انتصارا باهرا وعظيما، وقتل من النصارى ستة آلاف مقاتل، وتم أسر ثمانية آلاف آخرون، وقتل دون نونيو قائد قشتاله في هذه الموقعة، وقد غنم المسلمون غنائم لا تحصى، وما انتصر المسلمون منذ موقعة الأرك في سنة إحدى وتسعين وخمسمائة من الهجرة إلا في هذه الموقعة، موقعة الدونونية في سنة أربعة وسبعين وستمائة من الهجرة.

الفتوحات بعد الدونونية

بعد موقعة الدونونية انقسم جيش المسلمين إلى نصفين، توجه النصف الأول إلى جيّان وكان على رأسه ابن الأحمر، ففتح جيّان وانتصر عليهم، وتوجّه النصف الآخر وعلى رأسه المنصور الماريني إلى أشبيلية، فإذا به يحرر أشبيليّة ويصالح أهلها على الجزية
.
وإنه والله لأمر عجيب هذا، أمر هؤلاء الخمسة آلاف رجل، والذين يذهب بهم المنصور الماريني ويحاصر أشبيلية، فيحررها ويصالح أهلها على الجزية، تماما كما قال صلى الله عليه وسلم نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ. فكان هذا مثال حي على صلاح الرجال وصلاح الجيوش.
وبعد ثلاث سنوات من هذه الموقعة، وفي سنة سبع وسبعين وستمائة من الهجرة ينتقض أهل أشبيلية فيذهب إليهم من جديد يعقوب الماريني رحمه الله، ومن جديد وبعد حصار فترة من الزمن يصالحونه على الجزية، ثم يتجه بعد ذلك إلى قرطبة ويحاصرها، فترضخ له أيضا على الجزية.
أمر والله في غاية الغرابة والعجب، يحرر قرطبة وجيّان وأشبيلية وقوام جيشه لا يتعدى الخمسة آلاف مقاتل! وإنه ليستحق وقفات ووقفات، وإن كان هذا ليس بغريب في التاريخ الاسلامي، بل إنه قد تحقق أن الغريب هو أن يحدث عكس ذلك كما ذكرنا من قبل.
الغريب هو أن يُهزم جيش مثل جيش المنصور الماريني بهذا العدد القليل الذي يعتمد فيه على الله ويأمل فيه الشهادة، والغريب هو أن ينتصر جيش مثل جيش الناصر لدين الله في موقعة العقاب حين كان قوامه خمسمائة ألف مقاتل وهم يعتقدون في عدتهم وقوتهم، وهي سنن الله الثوابت التي تتكرر في تاريخنا الإسلامي، ولنا فيها العبرة والعظة.
ومثل تلك السنن التي تتكرر كثيرا، فما أن يحقق المنصور الماريني كل هذه الانتصارات ويجمع مثل هذه الغنائم التي لا حصر لها، حتى يعطي وفي غاية الورع ومنتهى الزهد يعطي كل الغنائم لأهل الأندلس من غرناطة ويعود إلى بلاد المغرب ولا يأخذ معه شيئا، تماما كما فعل يوسف بن تاشفين رحمه الله بعد موقعة الزلاقة، وبحق كان هؤلاء هم الرجال المنصورون.

ابن حاكم ألمرية وصورة سامية ومحمد بن الأحمر الفقيه والخيانة العظمىفي أثناء رجوع يعقوب الماريني رحمه الله يموت حاكم ألمرية (من ضمن الولايات الثلاث في منطقة غرناطة، والأخريان هما ولاية ملقة وولاية غرناطة)، ومن بعده يتولى عليها ابنه وكان شابا فتيا، وقد أُعجب بأفعال ابن يعقوب الماريني وانتصاراته المتعددة إعجابا كبيرا، فعرض عليه حكم ألمرية بدلا منه، استجاب المنصور الماريني رحمه الله لطلبه، فخلّف عليها قوة صغيرة من المسلمين يبلغ قوامها ثلاثة آلاف رجل، ثم استجلب ثلاثة آلاف آخرين من بلاد المغرب، ووضعهم في جزيرة طريف حتى يكونوا مددا قريبا لبلاد الأندلس إذا احتاجوا إليهم في حربهم ضد النصارى، ثم عاد هو إلى بلاد المغرب.

هنا نظر محمد بن الأحمر الفقيه إلى ما فعله حاكم ألمرية فأوجس في نفسه خيفة ابن الأحمر، وقال إن في التاريخ لعبرة، وهو يقصد بهذا أنه حينما استعان المعتمد على الله ابن عبّاد من ملوك الطوائف بيوسف بن تاشفين أمير دولة المرابطين في المغرب، فما كان من الأخير إلا أن أخذ البلاد وضمها كلها إلى دولة المرابطين، وها هو الآن يعقوب المنصور الماريني يبدأ بمدينتي طريف وألمريّة، إن في التاريخ لعبرة، ففكر عازما على أن يقف حائلا وسدا منيعا حتى لا تُضم بلاد الأندلس إلى دولة بني مارين.
ويا لهول هذا الفكر الذي كان عليه ذلك الرجل الذي لُقب بالفقيه الذي ما هو بفقيه، فماذا يفعل إذن لكي يمنع ما تكرر في الماضي ويمنع ما جال بخاطره؟ بنظرة واقعية وجد أنه ليست له طاقة بيعقوب بن منصور الماريني، ليست له ولا لشعبه ولا لجيشه ولا لحصونه طاقة به، فماذا يفعل؟!

ما كان من محمد ابن الأحمر الفقيه إلا أن أقدم على عمل لم يتخيله أحد من المسلمين، ما كان منه إلا أن ذهب إلى ملك قشتالة واستعان به في طرد يعقوب بن منصور الماريني من جزيرة طريف، يذهب إلى ملك قشتالة بعد أن كان قد انتصر عليه هو والمنصور الماريني في موقعة الدومونية وما تلاها في سنة سبع وسبعين وستمائة من الهجرة من فتح أشبيلية وجيّان وقرطبة، يذهب إلى الذي هو عدوٌّ لهما (لابن الأحمر والمنصور الماريني) ويستعين به على طرد الماريني من جزيرة طريف.
وعلى موعد مع الزمن يأتي ملك قشتالة بجيشه وأساطيله ويحاصر طريف من ناحيتين، فناحية يقف عليها ابن الأحمر الفقيه، والأخرى يقف عليها ملك قشتالة.
وما إن يسمع بذلك يعقوب المنصور الماريني رحمه الله حتى يعود من جديد إلى جزيرة طريف، وعلى الفور يجهز الجيوش ويعد العدة، ثم يدخل في معركة كبيرة مع النصارى هناك في سنة سبع وسبعين وستمائة من الهجرة، فينتصر يعقوب المنصور الماريني رحمه الله على النصارى، ويفرون من أمامه فرّا إلى الشمال، ويجد ابن الأحمر نفسه في مواجهة مع يعقوب المنصور الماريني.

المنصور الماريني وعلو المقاصد والهمم وابن الأحمر الفقيه والخسة والدناءةما كان من محمد بن الأحمر الفقيه حين وجد نفسه في مواجهة مع الماريني إلا أن أظهر الندم والاعتذار، وتعلل وأبدى الأسباب (الغير مقبولة بالطبع)، وبأمر من حكيم وبصورة لا تتكرر إلا من رجل ملَكَ قَلْبَه، يعفو عنه يعقوب بن منصور الماريني ويتوب عليه، بل ويعيده إلى حكمه.
وإن ما فعله محمد بن الأحمر الفقيه ليفسر لنا لماذا سقطت بلاد الأندلس بعد ذلك؟ ولماذا لا تستحقّ هذه البلاد النصر والحياة؟ وإن ما فعله ابن الأحمر هذا لم يقم به بمفرده، بل كان معه أمته وشعبه وجيشه، يحاربون الرجل الذي ساعدهم في حرب النصارى وتخليصهم من أيديهم، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله.
وفي سنة أربع وثمانين وستمائة من الهجرة يأتي من جديد يعقوب بن منصور الماريني ليساعد ابن الأحمر في حرب جديده ضد النصارى، وهكذا كان يعقوب بن منصور الماريني قد وهب حياته للجهاد في سبيل الله، والدفاع عن دين الله، وفي هذه السنة ينتصر المسلمون على النصارى، ويعقدون معهم عهدا كانت له شروط أملاها وفرضها عليهم يعقوب بن منصور الماريني رحمه الله.
في هذه المعاهدة لم يطلب يعقوب بن منصور الماريني مالا ولا قصورا ولا جاها، إنما طلب منهم أن يأتوا له بكتب المسلمين، والتي هي في قرطبة وأشبيلية وطليطلة، وغيرها من البلاد التي سقطت في أيدي النصارى، هذا هو الذي طلبه واشترطه في معاهدته.

وبالفعل أتوا إليه بكميات ضخمه من كتب المسلمين، الأمر الذي حفظ تراث الأندلس إلى الآن من الضياع، وما زالت وإلى الآن الكتب التي أخذها يعقوب بن منصور الماريني في الموقعة التي تمت في سنة أربع وثمانين وستمائة من الهجرة ما زالت في مكتبة فاس في المغرب وإلى هذه اللحظة، وهكذا كانت علو المقاصد وعلو الهمم عند يعقوب بن منصور الماريني، وكانت الخسة والدناءة عند ابن الأحمر وأولاد ابن الأحمر.

تكرار الخيانة من ابن الأحمر الفقيه وسقوط طريف

بعد الموقعة السابقة بعام واحد وفي سنة خمس وثمانين وستمائة من الهجرة يموت المنصور الماريني رحمه الله ويخلفه على إمارة بني مارين ابنه يوسف بن المنصور، ومن حينها يذهب ابن الأحمر الفقيه إليه ويعرض عليه الولاء والطاعة وما شاء من أرض الأندلس ويقدم له ما يريد، طلب منه يوسف بن المنصور رحمه الله أن يأخذ الجزيرة الخضراء وجزيرة طريف؛ حتى تكون قاعدة له في حربه مع النصارى، وقد هدأت الأمور نسبيا هناك في غرناطة
.
لكن حين أخذ يوسف بن المنصور الجزيرة الخضراء وطريف، كانت قد اعتملت الوساوس من جديد في قلب ابن الأحمر، ومن جديد يذهب ابن الأحمر الفقيه إلى النصارى ويستعين بهم في حرب يوسف بن المنصور وطرده وطرد بني مارين من طريف.
وكسابقه وعلى موعد أيضا مع الزمن يأتي بالفعل جيش النصارى ويحاصر طريف كما فعل في السابق، لكن في هذه المرة يستطيعون أن يسقطوا طريف.
وقد كان الاتفاق بين ابن الأحمر الفقيه وبين النصارى أنهم إذا استولوا على جزيرة طريف من بني مارين أن يعطوها إلى ابن الأحمر الفقيه، لكن النصارى بعد أن استولوا عليها لم يعيدوها إليه، وإنما أخذوها لأنفسهم، وبذلك يكونون قد خانوا العهد معه، وتكون قد حدثت الجريمة الكبرى والخيانة العظمى وسقطت طريف.
وكان موقع طريف هذه في غاية الخطورة، فهي تطل على مضيق جبل طارق، ومعنى ذلك أن سقوطها يعني انقطاع بلاد المغرب عن بلاد الأندلس، وانقطاع العون والمدد من بلاد المغرب إلى الأندلس تماما.

أبو عبد الله بن الحكيم وأمور يندى لها الجبين

في سنة إحدى وسبعمائة من الهجرة يموت ابن الأحمر الفقيه ويتولى من بعده محمد الثالث، والذي كان يلقب بالأعمش، وهذا كان رجلا ضعيفا جدا، وقد تولى الأمور في عهده الوزير أبو عبد الله بن الحكيم الذي ما هو بحكيم، حيث كانت له السيطرة على الأمور في بلاد غرناطة، وكان على شاكلة من سبقه في مراسلة ملك قشتالة والتحالف معه
.
لم يكتف أبو عبد الله بن الحكيم بذلك، لكنه زاد على السابقين له في هذه المحالفات وغيرها بأن فعل أفعالا يندى لها الجبين، كان منها أنه جهّز جيشا وذهب ليقاتل، تُرى يقاتل من؟ أيقاتل النصارى الذين هم على حدود ولايته وقد فعلوا الأعاجيب، أم من يقاتل؟كانت الإجابة المخزية أنه سلم منه النصارى، وذهب بجيشه واحتلّ سبتة في بلاد المغرب، ذهب إلى دولة بني مارين واحتلّ مدينة سبته حتى يقوي شأنه في مضيق جبل طارق.
وفي سبيل لزعزعة الحكم في بني مارين، وبعد اعتماده في حكمه تماما على ملك قشتالة، فقد فعل ما هو أشدّ من ذلك، حيث راسل رجلا من بني مارين وأمدّه بالسلاح ليقوم بانقلاب على يوسف بن المنصور، وقامت فتنة في بني مارين.
وإنه ولا شك غباء منقطع النظير، أمر لا يقره عقل ولا دين، لكن هذا ما حدث، فكانت النتيجة أنه بعد ذلك بأعوام قليلة سقط جبل طارق في أيدي النصارى، وذلك سنة تسع وسبعمائة من الهجرة، وعُزلت بالكلية بلاد الأندلس عن بلاد المغرب، وتركت غرناطة لمصيرها المحتوم.
انقطع الآن النصر الذي كان يأتي ويستورد ويعتمد ولسنوات طويلة على بلاد المغرب، انقطع عن شعب وحكام غرناطة الذين كثيرا ما ألفوه بينهم، وتُركوا لحالهم ولشأنهم.
وطيلة قرابة مائتي عام، ومنذ سنة تسع وسبعمائة وحتى سنة سبع وتسعين وثمانمائة من الهجرة ظل الحال كما هو عليه في بلاد غرناطة، معاهدات متتالية من أبناء الأحمر وملوك غرناطة مع ملك قشتالة، تسليم وجزية، وخزي وعار، سنوات طويلة لكنها وسبحان الله لم تسقط.

وكان السر في ذلك والسبب الرئيسي والذي من أجله حفظت هذه البلاد (وهي من غير مدد ولا عون من قبل بلاد المغرب)، هو وجود خلاف كبير وصراع طويل كان قد دار بين مملكة قشتالة ومملكة أراجون (المملكتان النصرانيّتان في الشمال)؛ حيث تصارعا سويا بعد أن صارت كل مملكة منهم ضخمة قوية، وكانتا قد قامتا على أنقاض الدولة الإسلامية في بلاد الأندلس، وكانت قوة غرناطة قد أصبحت هزيلة جدا، الأمر الذي لا يبعث على الخشية منها على الإطلاق؛ ومن ثم صرفوا أنظارهم عنها، وقد شغلوا بأنفسهم وتركوا المسلمين.
__________________



رد مع اقتباس
  #15  
قديم June 12, 2011, 06:48 PM
 
رد: ۞ مجــــد المسلميــــن الضائــع " حصــرى" ۞ متجدد

غرناطة قبل السقوط بخمس وعشرين سنة

في دراسة للوضع في آخر الخمس والعشرين سنة المتبقية من المائتي عام قبل السقوط النهائي لغرناطة وللدولة الإسلامية بصفة عامة في الأندلس، والذي كان يُعد (خلال المائتي عام) عهد خمول ودعة، وركون إلى معاهدات مخزية مع النصارى، تبدلت الأحوال (في الخمس والعشرين سنة الأخيرة من السقوط)، والتفت النصارى إلى غرناطة بعد أن كانوا قد شُغلوا عنها بحروبهم، الأمر الذي أدى في النهاية إلى سقوط الأندلس بالكلية.

مملكة غرناطة وممالك النصارى نحو الفرقة ونحو الوحدة

قبل السقوط بست وعشرين سنة تقريبا، وفي سنة إحدى وسبعين وثمانمائة كان يحكم غرناطة في ذلك الوقت رجل يدعى محمد بن سعد بن إسماعيل بن الأحمر، والذي كان يلقب بالغالب بالله، وكان له أحد الإخوة واسمه أيضا محمد، ويعرف بأبي عبد الله محمد الملقب بالزغل (الزغل يعني الشجاع) ، فكان الأول غالب بالله، وكان الثاني زغلا أو شجاعا
.
وكما حدث في عهد ملوك الطوائف اختلف هذان الأخَوان على الحكم، وبدآ يتصارعان على مملكة غرناطة الهزيلة الضعيفة والمحاطة في الشمال بمملكتي قشتالة وأراجون النصرانيتين.
وكالعادة أيضا استعان أبو عبد الله محمد الزغل بملك قشتالة في حرب أخيه الغالب بالله، وقامت على إثر ذلك حرب بينهما، إلا أنها قد انتهت بالصلح، لكنهما وللأسف قد اصطلحا على تقسيم غرناطة البلد الضعيف جدا والمحاط بالنصارى إلى جزء شمالي على رأسه الغالب بالله وهي الولاية الرئيسة، وجزء جنوبي وهي ملقة، وعلى رأسها أبو عبد الله محمد الزغل،وبعد هذا التقسيم بثلاثة أعوام، وفي سنة أربع وسبعين وثمانمائة يحدث أمر غاية في الخطورة في بلاد الأندلس، فقد تزوج فرناندو الثالث ملك أراجون من إيزابيلا وريثة عرش قشتالة؛ وبذلك تكون الدولتان قد اصطلحتا معا وأنهتا صراعا كان قد طال أمده، وبعد خمس سنوات من هذا الزواج كانت المملكتان قد توحدتا معا في مملكة واحدة هي مملكة أسبانيا، وكان ذلك في سنة تسع وسبعين وثمانمائة من الهجرة، وكانت هذه بداية النهاية لغرناطة.

غرناطة وصراع أُسَري في ولاية الغالب بالله

بعد زواج فرناندو الثالث ملك أراجون من وريثة عرش قشتالة إيزابيلا كانا قد أقسما على ألا يعقدا عرسا إلا في قصر الحمراء، قصر الرئاسة الذي هو في غرناطة
.
على الجانب الآخر كانت غرناطة في ذلك الوقت وفي سنة تسع وسبعين وثمانمائة من الهجرة كانت منقسمة إلى شطرين، شطر مع الزغل والآخر مع الغالب بالله، ومن ناحية أخرى فكان الشعب يعيش حالة من الترف والخمول والدعة، وقد انتشرت الخمور والغناء بصورة لافتة في هذه الآونة، وفوق ذلك أيضا كان هناك الأشدّ والأشنع.
كان الغالب بالله الذي يحكم غرناطة متزوجا من امرأة تُدعى عائشة، وقد عرفت في التاريخ بعائشة الحرة، وكانت له جارية نصرانية تُسمى ثريّا قد فُتن بها وغرق في عشقها، وكانت قد أنجبت له ولدا اسمه يحيى، وقد أثرت عليه حتى تجعل يحيى هذا وريث عرش غرناطة من بعده.
كان المؤهل للحكم رسميا هو ابن عائشة الحرة، والذي يدعى محمد أبو عبد الله محمد، وللتفرقة بين اسم العم واسم ابن الأخ، سمّوا الأخير بالصغير، حيث هو أصغر من عمه، وقد كان اسما على مسمى، فكان بالفعل صغيرا في سنه وصغيرا في مقامه.

وحتى يضمن ولاية العهد لابنه يحيى الذي هو من الجارية النصرانية، قام الغالب بالله بحبس ابنه الآخر أبو عبد الله محمد الصغير هو وأمه عائشة في قصر كبير، وقد قيد حركتهما تماما، ولأن هناك أناس كثيرون من الشعب كانوا يأبون أن يحكمهم رجل أمه جارية نصرانية، وكان هناك أيضا من يرى أحقية أبي عبد الله محمد الصغير في الحكم بعد أبيه، انطلق هؤلاء الناس حيث الابن وأمه، واستطاعوا تخليصهما، بعد فكاكه من السجن قام أبو عبد الله محمد الصغير بثورة على أبيه، وقد أحدث انقلابا في غرناطة ثم تولى الحكم وقام بطرد أبيه إلى الجنوب حيث أخيه الزغل (أخو الغالب بالله) في ملقة، وهكذا آلت البلاد إلى قسمين، قسم عليه الصغير في غرناطة، وقسم عليه الزغل في مالقة، ومعه وتحت حمايته أخوه الغالب بالله.

فرناندو الثالث واستغلال النزاع والفرقة

حيال هذا الوضع الذي آل إليه حال المسلمين في الأندلس استغل فرناندو الثالث هذا الموقف جيدا لصالحه، وبدأ يهاجم حصون غرناطة؛ حيث كان يعلم أن هناك خلافا وشقاقا كبيرا داخل البلد، وعلى غير عادة الغالب بالله الذي كان بينه وبين ملك أسبانيا معاهدات، قامت الحروب بين الصغير وبين ملك أسبانيا، لكنه (الصغير) لم يكن له طاقة بحرب ملك أسبانيا، فأُسر من قِبل الأخير وصار في يده
.
وبعد أسْر الصغير استطاع الزغل أن يضم غرناطة إلى أملاكه، فأصبحت غرناطة من جديد إمارة واحدة تحت حكم الزغل.
وبعد ذلك بعام واحد مات هما وكمدا الغالب بالله، وذلك من جراء الذي حدث في البلاد، ولقد كان هذا هو ما جنته عليه نفسه وما اقترفته يداه، وما جناه عليه أحد.
وفي محاولة لفك أسر الصغير عرض الزغل على ملك أسبانيا أموالا كثيرة، ولأنه (ملك أسبانيا) كان يفكر في أمر غاية في الخطورة قابل طلبه بالرفض، فقد اتفق ملك أسبانيا مع الصغير (الذي هو في الأسر، وكان يبلغ من العمر آنذاك خمسة وعشرين عاما) على أن يُمكّنه من حكم بلاد غرناطة ويطرد منها الزغل بالكليّة.

الصغير وملك أسبانيا وخطة السراب الخادع

أشار ملك أسبانيا على الصغير بأن يدخل البلاد من جهة الشمال (شمال غرناطة)، فيثور فيها، أما هو (ملك أسبانيا) فسيأخذ جيشه ويحاصر ملقة من الجنوب، وبذلك تنحصر غرناطة بين فكي الكمّاشة
.
وكان الهدف من وراء ذلك كما أراد ملك أسبانيا أنه حينما يقوم الزغل بصد ومحاربة ملك أسبانيا في ملقة في الجنوب، هو أن يدخل الصغير غرناطة في غياب الزغل عنها ويسيطر تماما عليها، ثم بعد أن يأخذ ملك أسبانيا ملقة فيعطيها بعد ذلك للصغير، ليصبح هو حاكما على غرناطة باسم ملك أسبانيا.
وافق الصغير على هذه الخطة، فثار في شمال غرناطة، واتجه فرناندو الثالث بجيوشه إلى ملقة، وعلى الفور توجه الزغل إلى ملقه لحرب النصارى هناك، لكنه لم يستطع أن يصمد، واستطاع النصارى أن يأخذوا ملقة منه، وهنا عاد سريعا إلى غرناطة فوجدها وقد صارت في يد ابن الأحمر الصغير.

انطلق الزغل إلى شرق غرناطة حيث منطقة تسمى وادي آش، واستقل بها وأقام فيها جزءا من مملكة، وبذلك تقلصت غرناطة في انقساماتها المتكررة إلى نصفين، والنصف بدوره إلى نصفين، فكان الوضع هو جزء في شرق غرناطة هو وادي آش وعلى رأسه الزغل، ثم جزء آخر في غرناطة على رأسه الصغير، وجزء أخير هو ملقة وقد أصبحت في يد ملك أسبانيا، ومن المفترض أن يعيدها إلى ابن الأحمر الصغير.
طلب ابن الأحمر الصغير من ملك أسبانيا أن يعيد إليه ملقة كما كان العهد والاتفاق، إلا أن ملك أسبانيا أجابه بأنه إن هو سحب جيشه منها (من ملقة) فسيطمع الزغل فيها ويأخذها منه (من الصغير)، فالحل إذن هو أن أُبقي جيوشي فيها لحمايتك.
ثم ما مرت إلا شهور حتى استرقّ ملك أسبانيا أهل ملقة جميعا (أخذهم رقيقا، وكانوا مسلمين)، ولم يرعى المعاهده التي تمت بينه وبين الصغير.

ملك أسبانيا والتداعي على باقي القصعة

كان على الساحة الآن الصغير ومعه ولاية غرناطة، والزغل ومعه وادي آش، ثم ملك أسبانيا وتحت قبضته ملقة، واستكمالا لآمال كان قد عقدها قديما، وفي سنة خمس وتسعين وثمانمائة من الهجرة انطلق ملك أسبانيا من ملقة إلى ألمرية على ساحل البحر المتوسط فاحتلها، ثم منها توجه إلى وادي آش (التي هي في يد الزغل) فاستولى عليها، وهرب الزغل منها إلى تونس، وقد ترك البلاد بما فيها من المسلمين، تماما كما هو حال ملوك هذا الزمان
.

كان الوضع الآن أن حوصرت مدينة غرناطة وكل قراها ومزارعها من كل مكان بجيوش النصارى، أحاطوها من الشرق ومن الغرب ومن الشمال ومن الجنوب، فقد تداعت ملوك النصارى حول مملكة غرناطة الصغيرة والضعيفة جدا في ذلك الوقت، وقد حاصروها وأحرقوا القرى والمزارع حول حصونها، وطلبوا من الصغير أن يسلم مفاتيح المدينة، وكان ذلك في سنة خمس وتسعين وثمانمائة من الهجرة، وقبل السقوط بعامين.

حينها فقط شعر الصغير أن ما حدث من ملك أسبانيا هو خلاف ما كان يعتقده؛ فقد كان يعتقد أنه بينه وبين النصارى ولاء، وبينه وبين ملك أسبانيا تحالفات وعهود، لكن الذي حدث الآن هو أنهم ما أبقوه على كرسيّه كما وعدوه، بل طالبوه بأن يترك غرناطة ويرحل ليتولى هم أمرها، وذلك بعد إعطائه مهلة للتفكير في ذلك.
وفي هذا الأمر فكر كثيرا محمد بن الأحمر الصغير، إلا أنه لم يجد حلا سوى أن يحاربهم، فلو أطاع أمرهم واستجاب لمطلبهم ترك البلاد وترك الحكم، وهذا لا يريده ولا يقدر أن يتحمله، فاقتنع وبعد تفكير وجدال طويل مع وزرائه بأنه يجب أن يدافع عن البلد، يجب أن يدافع عن غرناطة
__________________



رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)




الساعة الآن 03:38 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر