فيسبوك تويتر RSS


  #1  
قديم August 10, 2010, 04:45 PM
 
الإعصار قصة قصيرة

*الأعصار* قصة قصيرة




جلست لوحدها في حجرة الإستقبال الواسعة المفروشة بأفخر الأثاث والمزينة بلوحات عالمية تم جلبها بأبهظ الأثمان،كما أمكن رؤية العديد من التحف الفنية الثمينة المرصوفة بإتقان وتناسق بديع يدل على الرقي والغنى...
أحست ببرودة الهواء الربيعي المفعم بأريج القداح وهو يداعب وجنتيها الذابلتين ويتخلل خصلات شعرها الأشيب المنسلة من تحت الحجاب الداكن الذي كانت ترتديه.
-ستمطر!
همست بذلك وهي تسير بإتجاه النافذة المطلة على رصيف الشارع المكتحل بالأنوار المتكأة على عكازها والممتدة على طول الرصيف.أغلقت النافذة وأسدلت ستارها.شغلت التلفاز.عادت لتجلس في نفس مكانها على الكرسي الواسع الوثير قبالة التلفاز.نظرت إلى ساعتها اليدوية متجاهلة تلك الساعة الكبيرة التي جلبها زوجها الراحل من سويسرا والتي كانت مثبتة على الحائط..
-إنها التاسعة...وقت الأخبار.
هتفت.أدارت التلفاز على المحطة الإخبارية وهي تطالع باهتمام بالغ الشريط الإخباري الذي ينساب أسفل الشاشة.رفعت صوت المذيع الأنيق الماثل أمامها وهو لايبرح ينقل الأخبار بسلاسة وتشويق كمن حفظها عن ظهر قلب..
أختلط صوت المذيع بصوت بشري منبعث من داخل الغرفة:مرحبا أمي.قال ذلك وهو يقبل رأسها.ثم يجلس على الأريكة المجاورة لها.ردت بحنان:أهلا بني..
أخرج علبة السجائر.أشعل سيجارة.وبدأ ينفث دخانه في أرجاء الغرفة.سألها مازحا وهو يحدق صوب التلفاز:ما الشيء الذي إستفدتيه من سماع الأخبار؟.
أجابته وهي تخفي تحت إبتسامتها بقايا ألم قديم:أعتقد أنها أفضل من التدخين..
شرعا يضحكان.سألته بإتسامة أظهرت تجاعيد وجهها:هل مازلت مصرا على السفر؟
أجاب بحسم وهو ينفث الدخان:نعم أمي.
صمتت.ثم غطت وجهها سحابة من الحزن وهي تقول:ستترك أمك العجوز المتعبة لوحدها في هذا المنزل.أليس كذلك؟.
رد عليها مواسيا:لا ياأمي لاتقولي هكذا.محال أن أتركك.
أضاف قائلا:وكما تعلمين إن هذه الصفقة مهمة لشركتنا،وحالما نجري الصفقة مع الشركة الكندية سأعود فورا.
صمتا برهة،سألها محاولا أن يقطع الصمت بجملته:هل تريدين أن أحضر لك خادمة أخرى؟.أجابته بدفء وحنان وكأنها تلمح بشيء:لا يا بني إن خادمتنا لم تقصر معي في شيء..كما أنك تعرف ماأريد.
رد عليها بشيء من الضجر:أماه...إن كنت تقصدين الزواج من تلك الفتاة فلا!
قالت وهي تحاول إقناعه:لماذا ياولدي؟.فهي جميلة وطيبة المعشر والأخلاق،وإضافة لذلك فهي إبنة خالتك!
أجاب بحسم:أمي لقد قلت لك مسبقا بأنني غير مقتنع بها!.أعلم أنها فاتنة وجميلة وقلبها طيب وأنا أحترمها كثيرا،ولكن صدقيني لست مقتنعا بأن تكون سلمى زوجتي!.
سكتت وقد عاودها ذلك الوجوم.قبل رأسها مرة ثانية وهو يحاول أن يبعث في نفسها البهجة مصرحا:أمي أعدك بأن أتزوجها حالما أعود.
جالت ببصرها نحوه وفي عينيها دمعة حائرة،سألته بلهفة:حقا يابني؟أحقا ماتقول ياسامي؟
لم يتكلم.نهض من مكانه،سائرا بإتجاه النافذة.فكر طويلا وهو يمتص آخر جرعة نيكوتين من سيجارته التي شارفت على الإنطفاء.نفث الدخان من جوفه.أحس أنه تسرع في إتخاذ قرار كهذا وهو يجول ببصره نحو المصابيح الممتده على رصيف الشارع.شعر بالتردد.فكر وقد إجتاحه قلق مبهم.مدت بصرها نحوه طويلا تنتظر الإجابة.إلتفت إليها.سألته:أخبرني يابني.هل أنت واثق مما قلت؟.
فكر بالإمر بإيجابية.بدأ يشعر بثقة في نفسه.
أخيرا وقف بثبات كصخرة عظيمة وهي تجابه أمواج البحار وقد إتخذ قراره بأن لايغضب والدته أو يحزنها.بل أراد أن يمسح عن وجهها سحابة الأحزان التي رسمها الزمن.أجاب بثقة كبيرة:نعم أمي.سأتزوج سلمى.
نهضت بإندهاش والدموع الساخنة تتسارع على وجنتيها الباردتين.فكم حاولت من قبل إقناعه بالزواج من إبنة خالته لكن محاولاتها باءت بالفشل،ثم إنه الآن يفاجئها بهذا الخبر المفرح!.ياللسعادة الغامرة.عانقته بحرارة ممزوجة بدفء الأمومة.لقد كانت تبكي فرحا.مسحت دموعها بمنديلها.نادت على الخادمة فجائت مسرعة وهي تقول بوقار:نعم سيدتي.
ردت عليها أم سامي بصوت متحشرج:أحضري قدحين من الماء..
وأردفت:لاتنسي بأن توقظيني عند الخامسة فغدا صباحاسيسافر سامي إلى كندا.
أومأت الخادمة برأسها بإحترام مرددة:حاضر سيدتي.ثم جاءت مسرعة تحمل قدحين زجاجيين مذهبين مملوئين بالماء.شرب سامي نصف القدح.مسح شفتيه بيده.إلتفت إلى والدته قائلا:سأخلد إلى النوم...تصبحين على خير ياأماه.
ردت بإبتسامة هادئة:تصبح على خير ياولدي.
دلف إلى حجرة نومه ناسيا أن ينظف أسنانه.فيما بقيت هي جالسة تتابع أخبار العالم على قناتها المفضلة وهي تشعر بفرحة عارمة تجتاحها.إذ أن إبنها سيتزوج تلك العروس الجميلة،وسيملأن المنزل بزقزقة العصافير وعبير الورود.كانت ولازلت تحلم بذلك الحلم الجميل منذ أن كان سامي طفلا صغيرا...
وكما أنها لازالت مهتمة بمتابعة الأخبار ومايدور من أحداث على سطح المعمورة.منذ أن عين زوجها الراحل سفيرا في إيطاليا ومنذ أن إعتاد أن يأخذها معه في زيارات رسمية إلى دول عديدة لتقابل عدة شخصيات سياسية.لم تكن سيدة عاديةبل كان لديها إضافة لأموالها الطائلة شهادة ماجستير في علم الإقتصاد التي أكسبتها معرفة تامة بإقتصاد الدول.كانت تصغي بشدة للأنباء التي يلقيها المذيع بسلاسة.وبعد أن إنتهت نشرتي الأخبار السياسية والإقتصادية إختفى وجه المذيع وظهرت مذيعة جديدة لتلقي النشرة الجوية بصوتها الرخيم إبتدائا من درجات الحرارة المتوقعة إلى الأمطار والرطوبة إلى الرياح.وهنا ذهلت أم سامي وبدا عليها القلق،عندما أخبرت المذيعة أن إعصارا هائلا قد يضرب منطقة الشرق الأوسط والبحر الأحمر قادما من آسيا خلال الساعات القليلة القادمة.إضطربت،بدأت دقات قلبها بالتسارع،أصابها الهلع...تمتمت:ماذا أفعل لأمنعه من السفر؟.إزداد إضطرابها وقد إفترس الخوف أعماقها،نهضت من مكانها،بدأت تسير في الحجرة جيئة وذهابا مثل رقاص الساعة المثبتة على الحائط والتي كانت تشير إلى الحادية عشر.شعرت بضيق وقلق شديدين.أطفأت التلفاز.تزاحمت الأفكار المخيفة في رأسها و لعبت بها الظنون وهي تتذكر حادث وفاة زوجها عندما سقطت طائرة المسافرين بسب إعصار هائل.حينها جاءها خبر وفاته كالصاعقة،تاركا في قلبها جرحا غائرا.فظلت حبيسة حزنها وآلامها لسنوات،فكان لايغفو لها جفن ولاتقر لها عين.بيد أنها إستطاعت أن تتمالك نفسها وتنهض من جديد لتسخر مابقي من حياتها وفاءا لزوجها ورعاية ولدها الذي كانت تسقيه حنانا وتطعمه محبة..إلى أن غدا هذا الطفل رجلا ناضجا.وهي تنظر إليه بفرحة غامرة كالفلاح حين يرى أن غرسه قد أصبح شجرة ظليلة خضراء مثمرة..
عادت إلى ذهنها الوساوس والظنون وقد إستبد بها القلق وتغلغل الأرق إلى عينيها الغائرتين وبان عليها الشحوب.رددت:لا لن يذهب إبني عني،لن يسلبه مني ذلك الإعصار كما سلب أباه!.
دلفت إلى غرفتها مسرعة،فتحت احد مجرات البوفية،أخذت مجموعة مفاتيح.عادت لتقفل باب المنزل.هتفت وقد هدأ روعها:هكذا لن يستطيع الخروج!..
نادت على الخادمة التي كانت تغسل الأطباق في المطبخ فجاءت مهرولة وهي تردد أكثر الجمل قولا لديها:نعم سيدتي.
قالت أم سامي منبهه:إسمعي،لقد تأجل موعد سفر سامي إلى إشعار آخر،فلا توقظيني.
أردفت وهي تهدد:وإياك إياك أن توقظيه.أفهمت؟
أجابت الخادمة بإذعان وإرتباك واضحين:حاضر سيدتي..حاضر سيدتي.
رجعت أم سامي إلى حجرتها.وضعت المفاتيح تحت وسادتها وأطفأت أنوار الغرفة.إنسلت تحت فراشها.أغمضت عينيها وهي تشعر بقدر من الطمأنينة.بيد أن الأرق الذي إنتابها جعلها تبتلع حبة فاليوم متبوعة بقليل من الماء لتغط في نوم عميق.
في الصباح التالي بدا الجو جميلا مشمسا في الخارج بعد أن إنهمرت الأمطار بشدة ليلة أمس.إستيقظت أم سامي ونهضت من فراشها بتثاقل.سارت متجهه نحو غرفة ولدها كي توقظه بعد أن تأكدت بإن الوقت هو التاسعة.همست في نفسها:سيغضب لأنني لم أوقظه..رددت مبتسمة:إن غضب اليوم سيهدأ غدا.
دخلت حجرته وهي تبتسم.نادته بحنانها المعهود:سامي.إستيقظ..إستيقظ ياعزيزي.
لكنه لم يستيقظ.وضعت يدها على كتفه توقظه.فلم يفق.إنتابها القلق وضعت كفها على جبهته فوجدتها باردة كقطعتة ثلج.حاولت أن تتحسس نبضه،وقد إفترس الخوف أعماقها.حاولت أن تسمع دقات قلبه،بيد أنها لم تفلح في شيء.أيقنت حينها أنه رحل إلى الأبد.وعندها أطلقت صرخة مدوية معلنة فقدانها لكل شيء...


تأليف الصيدلي h.i

التعديل الأخير تم بواسطة طويل بال ; October 17, 2010 الساعة 11:16 PM سبب آخر: تصحيح العنوان
رد مع اقتباس
  #2  
قديم August 11, 2010, 12:31 AM
 
رد: الأعصار قصة قصيرة

يسلموو ع القصة النايس
__________________
صورة مخالفة // إدارة مجلة الابتسامة
.
.
لي طبعي الخاص وطبعي ذبح غيري
رد مع اقتباس
  #3  
قديم October 10, 2010, 02:24 AM
 
رد: الأعصار قصة قصيرة


لم تحل فكرتها دون القدر ، ما لم يسلبه الإعصار سلبه النوم
قصة ممتازة و أسلوب شيق ، كما أن الأفكار متسلسلة و هذا زاد متعتها
هنالك بعض الأخطاء الفنية في السطور لكنها ستزول بالممارسة ،
أنتظر منك الجديد يا صديق
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الأعصار, الاعصار, قصة الأعصار, قصة واقعية, قصص واقعية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
تشكيلة فساتين قصيرة , أجمل الفسلتين القصيرة , فساتين قصيرة 2019 , موديلات قصيرة 2015 AHD Ashour مجلة الازياء والفساتين وتجهيز العروس 5 January 4, 2015 01:16 PM
فساتين قصيرة جديدة 2009 ، صور فساتين قصيرة موديلات 2010 Yana مجلة الازياء والفساتين وتجهيز العروس 4 August 23, 2010 05:44 AM
تنانير قصيرة و تنورات قصيرة مقاسات كبيرة للسمينات و للممتلئات حلوه و جميلة جدا Yana مجلة الازياء والفساتين وتجهيز العروس 0 April 12, 2010 02:28 PM
موديلات فساتين قصيرة ، فساتين سهرة قصيرة ، صور فساتين قصيرة AHD Ashour مجلة الازياء والفساتين وتجهيز العروس 0 April 11, 2010 12:30 PM
الأعصار بسرعة232بساعه تابع الأعصاربث مباشر...1319 rakan أرشيف الأخبار اليومية 6 June 6, 2007 12:13 AM


الساعة الآن 08:27 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر