فيسبوك تويتر RSS


  #1  
قديم August 1, 2010, 09:14 PM
 
لغة حانية بقلم أحمد بكري

ملف العدد
لغة حانية. . الرحمن الرحيم
بقلم : أحمد بكري 2010-07-31 19 /8 /1431 عندما نفتح القرآن الكريم فإنّ أوّل ما نقرأ فيه من كلام الله هو }بسم الله الرحمن الرحيم{ والتي تسمّى «البسملة» اختصارًا.
وسبب وجود هذه البسملة هو التذكير بأنّ ما من شيء إلاّ وباسم الله بدايته ووجوده. ولهذا فإنّ المسلمين ينطقون بهذه العبارة عند مبادرتهم لأيّ عمل؛ فباسم الله يبدأ المسلم كلّ شيء.
البسملة مكوّنة من أربع كلمات هي على التوالي: بسم، الله، الرحمن، الرحيم.
- «بسم» و«باسم» بمعنى واحد. وهذه الكلمة تكتب عادة بالألف أي «باسم». وكتابتها بدون ألف استثناء من جهة، وخاصّة بالله تعالى من جهة أخرى، فلا تكتب بدون ألف حين تكون متبوعة بغير اسم الله.
- «الله» اسم الجلالة، وهذه اللفظة حسب اللغويين قد جاءت بحذف الألف الثانية في «الإلاه» وإدغام اللام الأولى في الثانية.
- أمّا لفظة «الرحمن» و«الرحيم» فهما اسمان من أسماء الله الحسنى. ورغم تعدّد الترجمات لهذين الاسمين فغالبًا ما نجدهما كالتالي: «الرحمن ومعناه «العطوف»، و«الرحيم» ومعناه «الذي يعطف». وهذه الترجمة مع الأسف ليست كاملة لأنّه ينقصها مفهوم «الأصل» الموجود في كلّ من لفظتي «الرحمن» و«الرحيم».
فلفظة «الرحمن» في العربيّة مشتقّة من «الرحم»، و«الرحم» نظرًا لطبيعته ووظيفته هو أصل لشيءٍ ما، وبالتالي يولّد مفهوم «الرحمة» كمثل رحمة الأمّ بمن حملت في رحمها، ومن اللائق هنا أن نذكر بأنّ من معاني كلمة «الأمّ» في العربيّة: «الأصل».
أما لفظة «الرحيم» فرغم كونها تتضمّن مفهوم «العطف» إلاّ أنّ رحمة الله جلّ وعلا وسعت كلّ شيء، فهي ليست كرحمة البشر. فليس لها أن تكون عاطفيّة وبالتالي اندفاعيّة كرحمة البشر. إنّها رحمة متّسمة بالحكمة والعلم. وهذه اللفظة تجمع بين معنى الرحمة العامّ ومعنى الترتيب ووضع الأشياء في نظام معيّن. والدليل على ذلك قوله تعالى: }ورحمتي وسعت كل شيء{.
فما حاجة الجماد مثلاً إلى الرأفة والرحمة إن كانت لفظة «رحيم» تعني ذي الرحمة من نوع رحمة البشر؟ وبناء على ذلك فهي رحمة من طبيعة أخرى من حيث إنّها رحمة الله مُثبِت كلّ شيء ومنظّم كلّ شيء ومحكم كلّ شيء.
أصل الكلمة
إنّ كلمتي «الرحمن» و«الرحيم» مشتقّتان من «الرحمة» وهي المصدر. فمادّة الكلمة هي «ر ح م» وفعلها «رحم». واسم الفاعل فيها هو «الراحم» و«الرحمن» و«الرحيم».
فلفظة «الرحمن» التي أصلها «الرحمان» مبنيّة على وزن «فَعْلاَن». وهذا الوزن، أي زيادة ألف مدّ ونون في آخر مادّة كلمة ثلاثيّة يدلّ على الكثرة والتأكيد والمبالغة.
أمّا لفظة «رحيم» فهي مبنيّة على وزن «فعيل»، وهذا الوزن، أي زيادة ياء المدّ بين الحرف الثاني (ح) والثالث (م) من المادة يدلّ على التمييز والمبالغة أي أنّ صاحبه يتميّز بتلك الصفة لدرجة أنّها أصبحت غالبة عليه، ومثل ذلك الحكيم والعليم والسميع والحفيظ.
التحليل اللغوي للقدماء
إنّ ما نجده في كتب اللغة والتفسير هو أنّ لفظتي «الرحمن» و«الرحيم» صيغتان لكلمة واحدة. فلفظة «الرحمن» المبنيّة على وزن «فَعْلاَن» أكبر وأبلغ وأعمّ من لفظة «الرحيم» المبنيّة على وزن «فعيل». لذلك ذهب بعضهم إلى أنّ ذكر لفظة «الرحيم» بعد لفظة «الرحمن» في البسملة يقصد به التخصيص.
فجيء بلفظة «الرحيم» بعد لفظة «الرحمن» بعد استغراق لفظة «الرحمن» معنى «الرحمة». فلئن كان الله هو «الرحمن» بكلّ العباد فإنّه «رحيم» بالمؤمنين فقط.
والمثال الذي يورده القدماء لتأييد هذا القول هو قوله تعالى: }اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق{.
ففي هذا المثال نرى أنّ لفظة «خلق» قد تكرّرت بغية التخصيص. وبناءً على هذا فإنّ لفظة «الرحمن» معناها «ذو الرحمة التي لا غاية بعدها في الرحمة، لأنّ فعلان بناء من أبنية المبالغة» أكثر من «فعيل».
فهذا التحليل أعطى لفظة «الرحيم» حين تبعت «الرحمن» دور التخصيص.
تحليل القدماء في الميزان:
إنّ هذا التحليل للفظتي «الرحمن» و«الرحيم» مبنيّ على هفوتين أدّيتا إلى فهم خاطئ.
الهفوة الأولى: هي الاعتقاد بأنّ كلمة «الرحيم» حين تستعمل بعد كلمة «الرحمن» يقصد بها «التخصيص» في حين أنّ لفظة «الرحيم» غير لفظة «الرحمن».
فالتخصيص يكون باستعمال الكلمة نفسها لا باستعمال غيرها..
ثمّ إنّ القول بأنّ الله «ذو رحمة مطلقة بكلّ المخلوقات» لكنّه «ذو رحمة خاصة بالمؤمنين» قول متناقض، إذ إنّ مفهوم الرحمة المطلقة يتعارض مع مفهوم الرحمة الخاصة.
ومن ناحية أخرى فإنّ مَن ذهب إلى معنى التخصيص قال: إنّ الله «رحمن» بكلّ الناس لكنّه «رحيم» بالمؤمنين فقط. فالقرآن نفسه وهو كلام الله يناقض هذا الادعاء؛ إذ ليس للقول بكون الله «رحيم» بالمؤمنين فقط أصل ولا أثر في القرآن. وإنّنا نقرأ في الآية أنّ الله سبحانه وتعالى «رحيم» «بالناس» بصفة عامّة }... إن الله بالناس لرءوف رحيم{.
الهفوة الثانية:
من الصواب أنّ نقول إنّ كلمتي «الرحمن» و«الرحيم» مشتقّتان من كلمة «الرحمة» بمعنى الرقة والتعطف والإحسان والرزق. لكن ليس من الصواب أن نقف هنا. بل علينا أن نصل إلى الكلمة التي اشتقّت منها كلمة «الرحمة» وهي «الرحم». فالبحث في معنى كلمة في اللغة العربية يبدأ بالبحث في أصلها ومادتها.
فاستعمال لفظتين مختلفتين في البسملة لابدّ أن يكون له قصد معيّن وحكمة لازمة.
وكلمة «الرحم» تعني وعاء في بطن الأم تنبت به البويضة الملقّحة إلى أن يتمّ تكوّن الجنين. وجمعه «أرحام». فالرحم للإنسان هو منبته، أي المكان الذي تكوّنت فيه حياته، وبالتالي الأصل الذي أتى منه.
«الرحمن»
إنّ كلمة «الرحمن» المبنيّة على وزن «فعلان» والمشتقّة من كلمة «رحم» تتضمّن معنى «الرحم» بتأكيد وكثرة ومبالغة لتدلّ بذلك على الأصل الأوّل والمطلق أو أصل الأصول مطلقًا. زيادة على هذا فإنّ مفهوم العطف والحنان والإحكام والتنظيم الموجود في الرحمة مضمّن كذلك في لفظة «الرحمن» نظرًا للعلاقة بين الشيء وأصله, إضافة إلى ذلك فإن كلمة «الرحمن» باستثناء البسملات لم تستعمل في القرآن كلّه ولو مرّة واحدة بكيفيّة تؤيّد موقف القائلين بأنّ لفظة «الرحمن» تعبّر عن مفهوم العطف والحنان لكونها تعني «ذو الرحمة التي لا غاية بعدها في الرحمة لأنّ فعلان بناء من أبنية المبالغة». فالقرآن قاموس نفسه، وحين نتفحّصه نرى أنّ كلّ الآيات القرآنيّة التي وردت فيها كلمة «الرحمن» لا علاقة لها بمفهوم الرحمة والعطف والإحسان بتاتًا. ويكفي للقارئ أن يطّلع على سياق الآيات التي ذكر فيها لفظ الجلالة «الرحمن» ليتأكّد من أنّه لا علاقة مباشرة بين كلمة «الرحمن» ومفهوم «الرحمة» بمعنى العطف والإحسان بل جاءت بمعنى الله، الأصل، الرحمن. والعلاقة بين لفظة «الرحم» ولفظة «الرحمن» وطيدة جدًّا لدرجة أنّ حديثًا قدسيًّا يثبت العلاقة السببيّة المتينة الموجودة بينهما نهائيّا:«قال الله تبارك وتعالى: أنا الله وأنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها بتته».
بهذا الحديث القدسي نرى أنّ «الرحم» و«الرحمن» من اشتقاق واحد.
إن القرآن كله يثبت أن كلمة الرحمن تختلف عن باقي أسماء الله الحسنى ابتداء من قول الله سبحانه وتعالى في سورة الإسراء: }قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى{.
إن هذه الآية هي أهمّ حجة يحتج بها في القول بأنّ لفظة «الرحمن» لا يجوز استعمالها لغير الله، فلم يستعمل الله سبحانه وتعالى لدعائه غير هذين الاسمين. وهذا يدل على أنّ الله عادَلَ بلفظةِ «الرحمن» الاسمَ الذي لا يشركه فيه أحد وهو «الله». وزيادة على هذا فإن هذه اللفظة لا يوصف بها بشر على الإطلاق لذلك فهي لا تستعمل بدون ألف ولام التعريف.
«الرحيم»
إن لفظة «الرحيم» مستعملة عادة في القرآن في سياق الرقة والتعطف والإحسان وعادة ما تكون مصحوبة بلفظة «رؤوف».
لقد رأينا أعلاه أنّ لفظة «الرحيم» مشتقة من لفظة «رحمة»، وأنّ هذه نفسها مشتقّة من لفظة «رحم». كما رأينا أنّ لفظة «الرحيم» المبنية على وزن «فعيل» تؤدّي مفهوم التمييز والمبالغة. فالموصوف بها يتميّز بها لدرجة أنّه سمي بها.
وهذه الكلمة تجمع من جهة بين مفهوم إحكام وتنظيم الأشياء من لدن أصلها، (كما تُحْكَمُ و«تُنَظَّمُ» البويضة بداخل الرحم إلى أن تصبح كائنا حيّا)، ومن جهة أخرى مفهوم الرقّة والرأفة والتعطّف والإحسان.
ولفظة «الرحيم» في العربيّة هي الأخرى تحوي مفهوم الرقّة والرأفة والتعطّف والإحسان كرأفة الأمّ بمن حملت في رحمها 9 أشهر.
وخلافًا للفظة «الرحمن» فإنّ لفظة «رحيم» تستعمل أيضًا لوصف البشر شريطة أن تكون نكرة أي بدون ألف ولام التعريف.
والمثال القرآني الذي يؤيّد ذلك حيث وردت هذه الكلمة للمرّة الوحيدة في القرآن صفة للرسول «... بالمؤمنين رؤوف رحيم» .
فلفظة «رحيم» في هذه الآية مقترنة بالرسول علية السلام وهي خاصّة بالمؤمنين، فهنا يظهر بوضوح أنّ المقصود منها هو الرقّة والرأفة والتعطّف والإحسان.
إنّ الله «الرحمن» هو «الرحيم» مطلقًا، إنه (وهو الذي يصوركم في الأرحام).
وهو الذي ليست رحمته عاطفيّة ولا اندفاعيّة كرحمة البشر، بل هي مطبوعة بالحكمة والمعرفة.
فهكذا إذًا يتجلّى المعنى المنفرد والمتكامل للأسماء المذكورة في البسملة.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم September 5, 2010, 08:09 PM
 
رد: لغة حانية بقلم أحمد بكري

يسلمو وبارك الله فيك
رزقك الله الجنة
احترامي
__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الدكتور محمد أبو بكر حميد يفند مزاعم القعيد بقلم محمد عباس محمس عربي شعر و نثر 0 July 27, 2010 12:16 PM
أكثروا من ذكر هاذم اللذات ... بقلم المهندس لواءالدين محمد عبدالرحمن أحمد لواءالدين محمد النصح و التوعيه 3 June 12, 2010 04:24 PM
قصة ولد وبنت من العصر الحديث ... بقلم المهندس لواءالدين محمد عبدالرحمن أحمد لواءالدين محمد روايات و قصص منشورة ومنقولة 4 June 5, 2010 02:17 AM
فلنعرف لعلمائنا حقهم علينا بقلم محمد عباس محمد عرابي محمس عربي النصح و التوعيه 3 March 23, 2010 02:34 PM
حلى دانيت ،طريقة حلى دانيت ،حلى دانيت AHD Ashour وصفات الحلويات والعصائر و الآيسكريم 1 December 21, 2009 06:39 AM


الساعة الآن 01:21 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر