فيسبوك تويتر RSS



العودة   مجلة الإبتسامة > الروايات والقصص > شعر و نثر

شعر و نثر اكتب قصيده , من انشائك او من نِثار الانترنت , بالطبع , سيشاركك المتذوقين للشعر مشاعرك



إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم July 22, 2010, 12:54 PM
 
المنهج التربوي لشكري فيصل للدكتور محمود السيد اختيار محمد عباس عرابي

شكري فيصل بعض السمات البارزة في منهجه التربوي محمود أحمد السيد*


عندما أردت كتابة بحث عن أستاذنا المرحوم الدكتور شكري فيصل وقعتُ في حَيْرة من أمري، تُرى ماذا عساي أن أكتب عن فترة زاخرة بالعطاء استمرت ما يقرب من نصف قرن قضاها أستاذنا الراحلُ في مختلفِ ميادين الإنتاج الفكري الإنساني حتى ليقف المرء مدهوشاً متسائلاً: أهذا الإنتاجُ الضخمُ هو من صنع رجل واحد؟‏


أأكتب عن الجوانب النقدية الأدبية؟ أم عن منهجه في التحقيق؟ أم عن إسهامه في مجال التعريب؟ أم عن القضايا التربوية المتعلقة باللغة والأدب؟ أم عن مقالاته المتنوعة؟ أم عن آرائه ومقترحاته التي كان يتقدم بها إلى الندوات والمؤتمرات التي طالما شارك فيها وما كان أكثرها! أم عن أسلوبه المتميز؟‏


وألفيت أن الكتابة في أي جانب من هذه الجوانب يتطلب أبحاثاً متعددةً، إذا كنا نريد أن نوفي أستاذنا بعض حقه علينا وعلى أمتنا. ولما كان يعزُّ عليَّ أن أحيط بهذه الجوانب كلِّها عمودياً ما دامت المدةُ المخصصة لإنجاز البحث غيرَ كافية آثرت أن أتوقف عند بعض السمات البارزة في المنهج التربوي لأستاذِنا لأنها تقدم صورةً أرجو أن تكون واضحة عن السماتِ العلمية التي كان يتحلى بها، والمبادئ التي كان يؤمن بها ويدعو إليها، والاتجاهات التي كان يتبناها منطلقاً وهدفاً وشعاراً وأداء.‏


وليس معنى ذلك أنني تخليتُ عن الصعوبة وآثرت السهولة، إذ أن إدراك هذه السماتِ العامةِ والقواسمِ المشتركةِ يتطلب التتبعَ والتدقيق والربط والاستنتاج مما خلّفه المرحوم وراءه من آثار. وأنه لمما يحزّ في النفس ألماً أنك لا تجد آثاره في مكان معين، وإنما هي موزعة في أماكن متعددة، أقلُّها في الجامعة ويا للأسف!، وأغلبها في معهد الدراسات العربية الفرنسية.‏


ولا يسعني هنا إلا أن أقدم الشكر والعرفان للقائمين على مكتبة المعهد الذين أمدوني بكثير من إنتاج الدكتور شكري، كما أشكر الزميل الكريم الأستاذ مطيع الحافظ على ما أمدني به من مقالات مصورة كان قد كتبها أستاذنا في مجلة مجمع اللغة العربية.‏


وبعد تفحص تلك الآثار، أو على الأصح أغلبها، وجدت أن ما يميز المنهج الفكري التربوي لأستاذنا الأمانة العلمية والوفاء وإرجاع الفضل إلى ذويه، ثم التواضع، وإيمانه بمسؤولية الكلمة، والأخذ بالنظرة الكلية والمنهج الشمولي في معالجة القضايا، ودعوته إلى تكامل الخبرة واستمراريتها، وإلى وحدة اللغة، وتبني الطريقة التنقيبية في التدريس انطلاقاً من ممارسة النصوص ومعاناتها، وتبني الاتجاه الوظيفي في التعليم، وصوغ المشكلات وتحديدها في أسئلة.‏


وفيما يلي فكرة موجزة عن كل من هذه السمات.‏


1- الوفاء والأمانة العلمية وإرجاع الفضل إلى ذويه.‏


إذا كان عضو مجمع اللغة العربية الراحل الشاعر الكبير بدوي الجبل رحمه الله تعالى يقول:‏


طبعي الحب والحنان فما أع رف للمجد غير حبي طريقاً‏


لا أريد الإنسان إلا رحيماً باختلاف الهوى والإشفيقا‏


فإن هذا القول ينطبق على واقع أستاذنا الدكتور شكري فيصل فجبلته الوفاء في أسمى معانيه، وأرومته النبل في أجلى مراميه في وقت يصح فيه قول الشاعر:‏


قلَّ الوفاء وزاد الغدر وانفرجت مسافة الخلف بين القول والعمل‏


ألق نظرة على أي أثر من آثاره تجد أن الوفاء يطل من بين السطور يوجهه لأستاذه المشرف تارة ولأساتذته تارة أخرى ولأصدقائه وزملائه طوراً ثالثاً ولطلابه طوراً رابعاً. ولعمال المطبعة طوراً خامساً. وهكذا لا ينسى وهو في الزحام أن يلتفت إلى كل ذي فضل فيسجل له شكره وعرفانه وتقديره، ولعمري هذا هو الخلق الكريم والمعدن الأصيل والتهذيب الجم والقدوة التي يقتدى بها، والمثال الذي يحتذى، بالأمانة لهم، فقد أعانونني في مراحل هذا العمل، فكان حقاً عليَّ في مثل حق الولد على الوالد أو أذكرهم مقدراً جهودهم، سائلاً الله أن أنتفع بقراءتي وجهودي وحدها، ولكنما أصبت قدراً عريضاً من النفع من توجيه أستاذي المشرف ومن اهتمامه، وربما بدا هذا من نافلة القول في عرف الذين يزنون الأمور بميزان الحقوق والواجبات ولكني فيما ركبت عليه من طباع نفور من أن تتناول الأمور دائماً هذا التناول، ولذلك كنت سعيداً أن وجدت عند أستاذي المشرف و مثل الذي كنت أتمناه إشرافاً عريضاً واسع المدى يستجيب دائماً لكل نأمة ويرد كل شبهة، ويصب عقله كلَّه ونفسه كلَّها لصاحبه الذي ورد يستقي منه، ويبدي في ذلك ويعيد في صور وألوان، حتى يطمئن إلى أنه استثار كلَّ ما عنده من قدرة على التقبل والاستجابة أو على النقد والإثارة.‏


ولقد حرصت على أن أنتفع بكل إثاراته، بكل ما كان في أحاديثه الشفهية أو تعليقاته الكتابية ما كان خاطفاً كلمع البرق، وما كان متمهلاً كاستطالة الشمس في نهار صائف"(1).‏


ويعيد الدكتور هذا الشكر في مقدمة كتابه "حركة الفتح الإسلامي في القرن الأول" قائلاً: "وأنا أعيد هنا شكر أستاذي المشرف الأستاذ الجليل أمين الخولي، فقد عوّدني الصبر وحبب إليَّ الأناة، وأخذني بالعمل الدائب، وردني مرة ومرة إلى ما يجب أن يأخذ به الدارسون أنفسهم من النهج العلمي ومن الروح ا لعالية التي لا تضيق بالطرق الوعرة الشاقة"(2).‏


وفي تحقيقه لديوان أبي العتاهية يقول: "أحب أن أبث القارئ أشياء أحمل عبئها سعيداً به على كتفي، ذلك هو الشكر الذي أزجيه في خاتمة هذه المقدمة إلى جماعة من أصدقائي وأخواني وطلابي. إلى الصديق الأستاذ الدكتور يوسف العش عميد كلية الشريعة في جامعة دمشق، فقد هداني إلى ترجمة أبي العتاهية، هذه الترجمة الحافلة، وتفضل فأعارني الصورة التي يملكها عن النسخة الوحيدة لهذا الكتاب الضخم "بغية الطلب". ولقد كان لأخبارها المسندةِ أثرها في دفعي إلى الذي تحدثت عنه ودعوتُ إليه من أمر الإسناد في الروايات الأدبية وضرورة العودة إليها واعتبارها أصلاً من أصول تحرير العمل الأدبي الذي يسبق الدراسة ويمهد لها.‏


وقد كان للأستاذ الكريم أحمد عبيد من الفضل في هذه المرة مثلُ الذي كان له من قبل، فضل "تعوده فأنكره وألفناه فاستطبنا الحديث عنه، فقد مكّن لي من النظر فيما عنده في مكتبته الخاصة من مخطوطات ومطبوعات، وأعانني في مواقف استبهمت عليَّ قراءتُها في بعض المصورات، وكان له في مواقف أخرى رأي أذكره بالشكر والتقدير.‏


وفي ذهني أسماء طائفةٍ من طلاب قسم اللغة العربية آثرت أن أسلكَ بهم طريق الدراسة والتحقيق في بعض أشهر الصيف في نجوة من حدود الدراسة وقيودها تفتيحاً لقواهم ووفاء.‏


فلنستمع إليه معبراً عن شكره لأستاذه المشرف قائلاً "وأجد في عنقي ديناً ليس أكرم من هذه اللحظات لأن أشيد به وأنبه عليه، فأنا لم يشدّ أزرهم على طريق الوفاء بالعهد الذي أخذوا على أنفسهم في متابعة عربية القرآن، خدمة لها وانتصاراً له، وأداءً لحق هذا الوطن الكبير في لغته وتراثه أقدس مقوماته وأكرم مميزاته.‏


وأنا حريص على أن أشكر كذلك في هذه المناسبة الجامعة السورية على أنها صاحبة هذه السنة الحميدة في تمكين الأساتذة من طبع ما يحتاجون أن يطبعوا عندها، وإنه لتقليد جدير أن يصان فلا ينتقص أو يبدد.‏


وإذا كان وراء إخراج هذا العمل على هذا النحو في هذه الأشهر القليلة من ناس أفنوا بياضَ نهارهم في سواد الحرف المشكول ودقتِه فاستحقوا الشكر فأولئك هم رجال المطبعة إدارتُها وعمالها"(3).‏


وتتجلى الأمانة العلمية في شخص أستاذنا الراحل في جميع آثاره، فهو يرد الفضل إلى ذويه، وما من إنسان قدم له اقتراحاً أو فكرة أو رأياً شفاهياً كان أو كتابياً إلا أشاد به وسجلته له، فها هو ذا يقول في كتابه "الصحافة الأدبية": "أحب أن أقول لكم إن الفضل في شقّ هذا الطريق الجديد بين يدي الدراسة الأدبية، ويعني به تمثل الأدب العربي المعاصر وتكوين فكرة كلية عنه، في ضوء ما ينشر في المجلات يعود إلى الأستاذ الدكتور إسحق الحسيني فهو الذي اقترح عليَّ هذا الموضوع ذات يوم في العام الماضي في حديث عارض، وقد لقفت هذا الاقتراح لأنه كان في ذهني شيء من هذا الموضوع"(4).‏


إنها الذروة في الأمانة العلمية، فمن حديث عارض يلقف الفكرة ويسجلها لأصحابها في الوقت الذي نرى فيه ويا للأسف أن ثمة مؤلفين يسرقون الفكرة المدونة في بطون الكتب من غير إشارة إلى أصحابها، مدّعين أنها من بنات أفكارهم، فأين الأصالة من الزيف؟ والخلق من الانحراف؟‏


ويقول في تحقيقه لديوان النابغة الذبياني "كان من بعض أمانيَّ التي خالجتني منذ حينٍ بعيدٍ، وأنا على مقاعد الدرس أن أنشر طبعةً محققةً لديوان النابغة، فقد حُبِّب إلي الشاعر من خلال بعض الدروس التي استمتعت فيها أيام كنا في مرحلة الدراسة الثانوية إلى أستاذنا الجليل المرحوم العلامة محمد سليم الجندي أجزل الله له الثواب، وكان رحمه الله تكرَّم فأذن لي أن أعلق دراسته التي أعدها عن النابغة حين كانت كراريس مخطوطة يعرفها الصفوة من طلابه، وهي الدراسة التي طبعت بعد وفاته – أفسح الله في خلده باسم النابغة الذبياني"(5).‏


وفي تحقيق خريدة القصر وجريدة العصر للعماد الأصفهاني في الكاتب يقول: "كانت كلمة طيبة من الأستاذ العالم الجليل عبد السلام ابن سودة بمثابة الشرارة المضيئة، سمعتها منه في الرباط في المكتبة، وسمعتها فيها يقول لي: هل رأيت الشيخ تقي الدين العلوي مدرس التاريخ في كلية القرويين؟ وهل رأيت عنده جزءاً من الخريدة؟ وحين كنت أمر ب "الدوح" كان بيت الأستاذ التقي على يميني منحدراً وعلى يساري مصعداً، كنت أحس كأن كل هذا العالم في بيوت فاس ووراء جدرانها ذات الأسوار العالية، ومن وراء الشبابيك المتسربة من أعماق البيوت المطلة على الأزقة كأنها عين ترى أو أذن تسمع، كان كل هذا العالم يجتذبني، كنت أسمع فيه أصوات علماء وشعراء ومنشدين ومغنين وذاكرين ومكبرين، وكانت تتراقص لعيني فيه ملامحُ شباب وصبايا وشيوخ وعلماء ومتصوفة وعبّاد ومتهجدة، وما كنت أدري أن على رفّ في جدار من هذه الجدر في بيت الأستاذ التقي نسخة من الخريدة سيكون لها في هذا شأن.‏


ودخلت منزل الأستاذ التقي يقودني تهذيب بالغ لا أملك أن أصفه ووداعة وادعة لا تقع عليها إلا في النادر، وحديث عادي ليس فيه تكلف ونفس مطمئنة تشعر وأنت معها للمرة الأولى وكأنك معها تعرفها منذ أمد بعيد، وهل نحن في المشرق والمغرب إلا أسرة واحدة، أوراق من شجرة واحدة تمتد جذورها في كل هذه الأرض وترتفع أغصانها فوقها.‏


وأمسكت بالكتاب، كانت على عيني معه ترقبه في يد صاحبه وهو ينزل به عن مكانه من الرف، وكان قلبي معه كذلك، ترى هل تدخر لي المخطوطات التي أحببتها مفاجأة جديدة؟ وكانت المفاجأة حين وجدت أن هذا الجزء من الجريدة يتضمن قسم شعراء دمشق الذي كنت عرفته في القرويين أول العام والذي اشتغلت به خلال العام والذي أيقنت أنه لا سبيل إلى نشره ما لم يكن هناك نسخة أخرى تساعد عليه وتمكن منه.‏


وكانت المفاجأة أحلى حين وجدت أن الجزء مكتوب بخط مشرقي حلو واضح مشكول أحياناً وأنه قديم قديم يرجع إلى القرن السابع.‏


ووجدتني أتطلع إلى السماء كأنما أتجه إلى الله في صلاة عميقة مهموسة، وأتطلع إلى الكتاب كأنما أنظر إلى جوهرة، إلى درة صدفية غواصُها متى يرها يسجد كما يقول النابغة في حب وإشفاق وطموح. وأتحدث إلى الأستاذ التقي عن هذا الكتاب وعن أفضل السبل للانتفاع به.‏


وكان الأستاذ التقي يحب أن يشارك في إحياء التراث بنشر هذا الجزء، وكان قرأه وكتب بعض الملاحظات على صفحات منه، وكان يرجو أن تتاح له فرصة إخراجه ولكنه حين عرف صلتي بالخريدة وعملي فيها نزل عن ذلك كله، وأباح لي في أريحية عالم وصوفية تقي ونبل سيد أن أنوب عنه في ذلك، أفلا يستحق مثل هذا الموقف الصافي الخالص كلمة شكر صاف وتقدير خالص في هذه المقدمة"(6).‏


وعندما يتحدث عن صلته بكتاب "خريدة القصر وجريدة العصر" للعماد الأصفهاني الكاتب يشير إلى الفترة التي كان يعدُّ فيها رسالة الدكتوراه في القاهرة والتي كان يستمع فيها إلى المناقشات التي كانت تدور بين أستاذه المشرف الأستاذ أمين الخولي والأستاذ مظفر سلطان الذي كان يُعِدّ رسالة عن العماد الأصفهاني كما يشير إلى ترداد الأستاذ إحسان عباس إلى مكتبة المعهد يحمل أصول الخريدة وتجارب الطبع، فيستقر في ذهن أستاذنا أن يشارك في نشر الخريدة، ويلقى تكليف مجمع اللغة العربية له هوى في نفسه، ويجد من الأستاذ الرئيس محمد كرد علي كل تشجيع،ويستمر التشجيع على يد خلفه خليل مردم بك"(7).‏


وما أروع وفاءه وأمانته العلمية عندما يتحدث عن بعض مناحي تدريسه وأن الفضل في ذلك المنحى إنما هو لأساتذته فها هو ذا يقول في كتابه "تطور الغزل بين الجاهلية والإسلام". "وأنا لست مديناً بهذا الذي أتحدث عنه إلى تجربتي في التدريس الجامعي فحسب وإنما أنا مدين به إلى طائفة من أساتذتي الذين أخذت عنهم، ثم جاءت هذه التجربة تعيد عليَّ ما كان من أمر عنايتهم بالنصوص وأسلوبهم في درسها والوقوف عندها وقراءتها قراءة تبصر وتدبر. أردت الإشارة إلى الأستاذ العميد الدكتور طه حسين وأستاذي المشرف الأستاذ أمين الخولي والأستاذ الجليل إبراهيم مصطفى.‏


فأما مع الدكتور طه فقد كنا طائفة من طلاب الامتياز وطلاب الدراسات العليا حوالي سنة 41-42 نسعى إليه في أمسيات أيام الأحد في الكلية نقرأ عليه "كتاب الوزراء والكتاب" للجهشياري ومن ينسى هذه الساعات التي كانت تهدأ فيها الكلية من صخب الكثرة لتسلم لهذه القلة من الطلاب الذين كانوا يجلسون في هذه القاعة التي تجاور غرف الأساتذة يرقبون الأستاذ العميد.‏


وأما مع الأستاذ الخولي فذلك حين قرأنا بعض كتب البلاغة القديمة وفاق هذا المبدأ الذي كان يأخذ به أستاذُنا ويدعو إليه، مبدأ "قتل القديم فهماً هو أول الجديد".. وحين قرأنا في زحمة نقاش عنيف بعض شعر المتنبي في كافور وسيف الدولة.‏


إن حدة النقاش وذهابه كل مذهب كان يجعل الأسبوع كلَّه نهب أبياتٍ معدودات لا نجاوزها.‏


وأما مع الأستاذ إبراهيم مصطفى ففي قراءة قصائد من المفضليات، والذين يعرفون دقة الأستاذ وأناتَه من نحو وإثاراته وتساؤلاته من نحو آخر يدركون أثره في تلامذته وعمله في نفوسهم.‏


وأجد أن من واجبي أن أنوّه بعد وأنا أنحني إجلالاً لروح الأستاذ الدكتور عبد الوهاب عزّام الذي أفدت منه حين كنا نستمع إلى دراسته لصفحات من الأغاني فيها أخبار بعض الشعراء، فقد أثار ذلك عندي أفقاً عريضاً وتنبهاً ثراً للذي نستطيع أن نفهم من هذه النصوص"(8).‏


وإذا كان أستاذنا الراحل يشير إلى فضل أساتذته عليه في السير في هذا المنحى فإنه لا يُغفل فضل زملائه في كلية الآداب بجامعة دمشق الذين سبقوه في ميدان التدريس فها هو ذا يقول عنهم: "ما كدت أبدأ دروسي في كلية الآداب في دمشق حتى وجدت أن زملائي الذين تقدموني في التدريس يُولون هذا الأمر فوق الذي أحببت أنْ أُوليَه، ويهتمون به مثل الذي أردت أن أبذل له من اهتمام عنيت الأساتذة الذين كان لهم قبلي شرف الجهد في إنشاء كلية الآداب والسهر على هذا الوليد حتى استوى عوده واستغلظ، والذين نهجوا لها سبلها وأصَّلوا دراستها وتقاليدها الأستاذ العميد شفيق جبري في دراسته عن الأغاني دراسة لا تعرف غير نصوص الأغاني، والأستاذ الدكتور أمجد الطرابلسي في دراسته للنقد واللغة في رسالة الغفران، والأستاذ سعيد الأفغاني في انصرافه المطلق إلى الأصول الأولى والشواهد في دراسة آلات العربية، وتعويله عليها"(9).‏


تلك هي سمة الأمانة العلمية والوفاء وإرجاع الفضل إلى ذويه. وهذا يقودنا إلى التواضع الذي كان يتحلى به أستاذنا الراحل.‏


2- التواضع‏


كم نلاحظ في أيامنا الحاضرة نفراً من الباحثين أصيبوا ب "التضخم بالأنا" و "التمركز حول الذات" فيتبجحون ويتباهون بأن العمل الذي قاموا به ليس له مثيل ولا يرقى إليه أي عمل آخر ويرددون أنهم أول من طرق هذا الباب مسفهين آراء الآخرين، مدعين أنها تتسم بالسطحية والضحالة، على حين أن أداءهم يتسم بالجدية والتفرد والأصالة!‏


لنتعلم من أستاذنا الراحل التواضع العلمي ففي كتابة القيِّم "المجتمعات الإسلامية في القرن الأول، نشأتها، مقوماتها، تطورها اللغوي والأدبي" يقول: "لست أحب أن أبالغ في وصف ما فعلت فقد كان عملي بدءاً بالأمور من أصولها الأولى ووقوفاً عند أدق المعارف وجمعاً لها. كانت هذه المعارف تتكامل يوماً بعد يوم ليكون منها بعد ذلك هذه الصور الجديدة عن المجتمعات الإسلامية في نشأتها ونموها، وكانت تتزاحم لتثير أحياناً سلسلة من المشاكل قد لا يبلغ بها الباحث كل غايتها، ذلك لأن مشكلات الدراسة الأدبية، والتاريخية بطبيعتها من نحو وطبيعة مصادرها من نحو آخر لا تساعدنا دائماً على حل واضح، فإذا استطاع الباحث عرض بعض هذه المشكلات أحياناً في شكل أكثر وضوحاً وأبعث على الإثارة والتنبيه، وإذا استطاع أن يستنفد فيها جهده بقراءة كلّ ما تحت يده وإذا استطاع أن يبدي في ذلك رأياً أو ينتهي إلى فكرة أو يصدر عن اتجاه فإن ذلك خطوة في حقل الحياة العقلية لن تضيع"(10).‏


ولنستمع إلى الحكمة المستخلصة من قوله: "وإذا كنت لا أحب أن أبالغ في وصف ما عملت فلست أحب كذلك أن أبالغ في تقويم النتائج التي وصلت إليها. إن عملاً ما لا يمكن أن يُسميه صاحبه عملاً كاملاً ، وحين يجرؤ فيسمُه هذه السمة فإن ذلك يعني أن وقدة الحياة المتوهجة المتقدة قد آذنت بالخمود!"(11).‏


إن هذا القول يحطم غرور المتبجحين، ويرسم الصدى للباحثين في أن ينشدوا الأفضل، وأن الكمال لله وحده! وأن كل من يظن في نفسه أنه بلغ ذروة العلم فقد انتهى.‏


ويقول أستاذنا الراحل في مقدمة كتاب "خريدة القصر وجريدة العصر" الذي عمل على تحقيقه، وكلنا يعرف الجهود الكبيرة المبذولة في أثناء هذا العمل "ولست أزعم أني فعلت كل ما يستطاع فعله أو كل ما أستطيع فعله، فالذين يعانون هذا العمل ويتمرسون به، والذين يقدرونه ويحسنونه تقديره يدركون أن الأولى لا يقدر أن يقولها أحد مدى حياته، وأن الثانية لا سبيل إليها لأن ما يغمض عليك اليوم يتضح لك غداً، وما يستغلق في ساعة من ساعات الليل ينفتح في ساعة من ساعات النهار، وما لا تسعفك به مناسبة تسعفك به مناسبة أخرى، وما لا تراه في هذا الكتاب أو تراه على وجه تراه في كتاب آخر وقد تراه على وجه ثان، غير أنك لا تملك أن تجعل وقتك كله وعمرك كله وقفاً على كتاب، وقصاراك أن تبذل ما تستطيع في ظروف الزمان أو المكان أو العمل الذي أنت فيه"(12).‏


والتواضع الذي كان يتحلى به كان دافعاً له للاستفادة من الآخرين ذلك لأن العلم يضيع بين اثنين: الغرور والحياء، وما أبعد أستاذنا الراحل عن الغرور، لنستمع إليه يقول: "يحتم علي الوفاء أن أقدم إلى الأستاذ الجليل خليل مردم بك رئيس المجمع العلمي العربي أطيب الحمد على الذي لقيت من رعايته، فقد أبى أن يملَّ حيث كان يقترب مني الملل، وكان إصغاؤه الهادئ إلى ما أقرأ وتنبيهاته الدقيقة على ما يسمع وتصويباته لي حين ينبهم على وجه الصواب ويغمُّ المخرج بعد عدتي في إخراج هذا الكتاب"(13) ويقصد به خريدة القصر.‏


3- مسؤولية الكلمة‏


ومن السمات البارزة في منهجه التربوي إحساسه العميق بمسؤولية الكلمة، إذ يعد ذلك أمانة في أعناق حملة الأقلام، وأن الغذاء الفكري الذي يقدمونه للناس ينبغي له أن يكون غنياً مستنداً إلى ثروة خلقية إذ يقول "هل يدرك كل الذين يقومون على مجلاتنا في الوطن العربي خطر الساحة التي يتقدمون للعمل فيها وضخامة الأثر الذي يخلفونه؟ أيدركون أنهم حين يتصدون لمثل هذا العمل الفكري الضخم إنما يتحكمون في غذاء الآلاف من الناس: غذائهم الفكري وأن في أعناقهم أمانة الوفاء لهذه الآلاف وإيثارها بكل خبّر مفيد؟ أيفكر الذين يصدرون كثرة من المجلات عندنا في مدى ما يجب أن يتسلحوا به من غنى ثقافي وزاد فكري وثروة خلقية تتيح لهم أن يكونوا أهلاً لحمل هذه الأمانة الثقيلة"(14).‏


وكثيراً ما كان يتألم من انحراف حملة الأقلام عن المسؤولية التي أنيطت بهم فيقول: "يسَّاقط في أسماعنا الكثير من انحرافات بعض حملة الأقلام عن أمانة القلم الذي أقسم الله به"(15).‏


لذا يدعو إلى الإيمان بالفكرة التي يطرحها صاحبها وإلى الصدق في تبنيها والدفاع عنها لأن في عدم الإيمان بها والدفاع عنها تجارة فكرية فيقول: "إن الفكرة لا تكون فكرة إلا حين تكون إيماناً بها أو في طريق الإيمان بكل ما يحمله لفظ الإيمان من قناعة داخلية واطمئنان نفسي ووثوق عقلي، والأفكار التي لا تكون موضع إيمانٍ أو قصد إيمان عن طريق عرضها ومناقشتها لا يجوز أن تطرح أنها حين تكون ذاك تكون موضع تجارة، وليس أقسى من تجارة الأفكار، إنها الفتنة الكبرى التي تخرج بالناس عن محاور حياتهم إلى حياة من غير محاور، إلى حياة تنسخ الحياة في خيوطها الأصيلة لتنسج بدلاً منها خيوطاً موهومة أو كاذبة، إنها تُخرج الناس إلى ما نصطلح عليه في مصطلحاتنا بالضلال"(16).‏


وينطلق أستاذنا الراحل في أمانة العمل وأدائه على أحسن وجه وإتقانه من الحديث النبوي الشريف "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه"، وهكذا كان عمله في تحقيق بعض الجوانب من تراثنا يتسم بالدقة والإحساس العميق بالمسؤولية حيث يقول: "ومن هنا كان من الخير لمصلحة الدراسات نفسها، ولمصلحة تراثنا ذاته، أن نعنى بتقدمة نصوصه على خير ما يكون التقديم، وأن نخرجها على أكمل ما يكون الإخراج، صحة وضبطاً وشرحاً وتعليقاً وتمهيداً وتذليلاً، وتوقفاً عند كل ما يحسن التوقف عنده، وإشارة إلى كل ما تجب الإشارة إليه"(17).‏


وعندما نشر ديوان أبي العتاهية يُذكّر بتلك المسؤولية العلمية والأخلاقية فيقول: "أليس من الحق أن تكون إعادة نشر ديوان أبي العتاهية أول واجب العاملين في الدراسة الأدبية أينما كانوا استنقاذاً لسمعة هذا التراث أن يكون من بين الذين يعملون فيه من تهون عليهم كلُّ القيم العلمية والأخلاقية يدوسونها من غير رادع ثم لا يتورَّعون؟!"(18).‏


ويلتزم بالدعوة إلى الدقة والأناة والإحساس العميق بالمسؤولية قولا ً وعملاً فها هو يقول في مقدمة تحقيق كتاب "الوافي بالوفيات":...‏


وبعد فقد مضيت في تحقيق هذا الجزء على النحو الذي مضت فيه الأجزاء الأخرى غير أني أخذت نفسي مع الدارسين الذين يعملون بإشرافي في إعداد الرسائل الجامعية في الدراسات العليا على ترتيب المصادر في الحواشي ترتيباً زمنياً تُراعى فيه سنواتُ وفيات المؤلفين، وقد آثرت ذلك هنا حتى لا أناقض بنفسي ما أدعو إليه الآخرين، ولعلي أصبت الدقة في تطبيق ذلك والكمال لله وحده"(19).‏


وإذا كان من الاتجاهات التربوية الاتجاه نحو التعلم من أجل الإتقان فإن أستاذنا الراحل قد طبق هذا المبدأ التربوي في أبهى صوره إن في الكتب التي ألفها أو في المجلدات التي حققها.‏


4- الأخذ بالمنهج الشمولي والنظرة الكلية‏


يتميز منهج أستاذنا الراحل بالشمولية في النظر إلى القضايا ومعالجتها، إذ أنه لا ينظر إلى أي مسألة نظرة جزئية وإنما يتناول الكليات ويدعو إلى الوحدة، ففي رسالته التي قدمها لنيل درجة الماجستير بعنوان "مناهج الدراسة الأدبية"(20) يدعو إلى تبني المنهج التكاملي في دراسة أدبنا العربي، وأن علينا ألا نقتصر على منهج دون غيره، وإذا كان بعض الدارسين يميلون إلى دراسة أدبنا العربي وفق العصور ويميل بعضهم إلى دراسته وفق الفنون، كما يميل بعضهم الثالث إلى دراسته وفق الأقاليم، فإن أستاذنا يدعو إلى الأخذ بهذه المخارج جميعاً في إطار التكامل والوحدة.‏


وفي ندوة "اتحاد مجامع اللغة العربية في عمان" عام 1978 التي عقدت لمعالجة موضوع "اللغة العربية خلال الربع الأخير من هذا القرن يقول: "يجب أن تنتهي الندوة من خلال التعدد إلى الوحدة أو ما يقترب من الوحدة، ومن خلال الأفكار الجزئية المتناثرة إلى فكرة كلية لها أولياتها وتسلسل أجزائها ومن خلال العروض الخاصة التي تحددها ظروف البلد العربي الواحد إلى التصور المشترك بين مجموعة البلاد العربة، ومن المشاكل المتداخلة المعقدة إلى تصنيفها الذي يذهب بتداخلها، وبسيطها الذي يذهب بتعقيدها"(22).‏


ومن يتتبع آثار أستاذنا يلق أن هذه النظرة الكلية المتكاملة لا تفارقه في جميع مراحل حياته وفي مختلف آثاره، ففي كتابه "حركة الفتح الإسلامي في القرن الأول" يرى "أن بعض المؤرخين ينظرون إلى حركة الفتح الإسلامي من نحو خاص ويلتزمون هذا النحو في التعليل لها ومناقشتها، وما من شيء أبعد عن الصواب من أن نلتزم في هذه الحركة الواسعة العريضة وجهاً واحداً، وما لم يفد المؤرخ من دراسته سعة الأفق والقدرة على الانفلات من تزمت التعليل الواحد فسيظل بعيداً عن المؤرخ الحق. إن النظرة المتكاملة وحدها كما يبدو لي هي التي تستطيع أن تلف حركة الفتح وأن تفسرها لن هذه النظرة هي نظرة الإسلام نفسه إلى الحياة ولأنها هي التي تدل عليها حوادث الفتح نفسها في أصولها وفروعها"(23).‏


وعندما يتحدث عن دراسة أدب عصور الانحطاط الممتدة بين سقوط بغداد سنة 656ه‍ وأوائل عصر النهضة يدعو إلى تبني النظرة الكلية في تلك الدراسة إذ يقول: كان إيماننا بأن العمل الأدبي نشراً أولاً ودراسة بعد ذلك لا يمكن أن يعتمد على الاتصال بالحياة الأدبية بمعناه الضيق فحسب إيماناً تؤكده هذه الفترة بوجه خاص لأنها في نتاجها تمثل هذه الصلة بين الأدب العربي وبين كل فروع الثقافة التي كانت تحيا حوله والتي كان يتنفس فيها تمثيلاً واضحاً، ففي توليد بعض المعاني وفي تلوين بعض الصور وفي استعمال بعض المصطلحات وفي تسرب بعض المفاهيم وفي الألغاز والأحاجي وفي تصور العمل الفني وفي منحاه وفي صوغ بعض التراكيب وإقامة بعض الجمل على نحو ما دون نحو آخر. في هذا كله تلعب الحياة الثقافية التي تحيط بالحياة الأدبية دوراً كبيراً على حد تعبيرنا اليوم، وتترك على العمل الأدبي ظلاً واضحاً. ولذلك فنحن نزداد ثقة يوماً بعد يوم بأن خدمة هذا الأدب لا بد فيها من زاد ثقافي غني لا يتيح الفهم فحسب ولا التفسير فحسب وإنما يتيح التعليل حيناً وإدراك الصلة بين مظاهر الحياة الذهنية وبين مظاهر الحياة الفنية حيناً آخر، وتكوين فكرة كلية عن الحياة الثقافية والجو الحضاري بوجه عام"(24).‏


ومن هنا نجد أن أستاذنا الراحل في ندوة مناهج تدريس الأدب يدعو إلى الربط القوي بين النصوص الأدبية والنظريات وإلى العناية بالنقد الأدبي وتاريخه وتقويه النزعة النقدية والوصل ما بين النقد الحديث والنقد القديم والإفادة من الصلات ما بين الدراسات الأدبية والدراسات الإنسانية الأخرى مثل علم النفس وعلم الاجتماع، والنظر إلى الأدب العربي من خلال حركة الفكر والفلسفة والاهتمام بعلوم اللغة العربية(25).‏


وفي تحقيق ديوان النابغة يشير بوضوح إلى التكامل بين الدراسات اللغوية والأدبية إذ يقول: "تعودنا حين استوت دراسات النحو والصرف واللهجات والقراءات وما إليها من علوم العربية الأخرى أن نتعرفها على نحو يوشك أن يكون منحرفاً أو قريباً من الانحراف، فنحن نعلمها ونتعلمها على أنها دراسات منفصلة، ونظن أن بعضها مغاير لبعض، ولكنك لا تكاد تتعمق ما بينها حتى تجد أن لها نبعة أصلية تبدأ منها ومنطلقاً واحداً تتواثب منه قضاياها هو العناية بالقرآن الكريم ثم بالشعر الجاهلي على أنه هو الطريق الرحبة الواسعة الأصيلة لخدمة الكتاب الكريم.‏


ومن هنا كان الأصل المشترك لكل هذه الفروع والجزئيات، لهذا القضايا التي تتخذ مرة وجهة نحوية أو صرفية فتكون بحثاً في الصرف أو مسألة في النحو، وتتخذ وجهة لغوية فتكون بحثاً في اللغات أو اللهجات أو القراءات، وتتخذ وجهة بيانية فتكون بحثاً في المعاني أو البيان أو البديع على حين تكون كلها هي قضية هذه "العربية" التي نتمنى أن تعود في مناهج دراستها وفي الدراسات العليا خاصة إلى مثل التلاحم الذي كان لها والتواصل كان فيما بينها، دفعاً لهذا التشقيق الذي تنسى معه الأصول، فتؤدي الغفلة عن الأصول إلى ابتسار الفهم وتجزئة المسألة ويسوق الابتسار إلى الغموض، وتؤدي التجزئة إلى مضاعفة الجهد على غير تساند وتواصل ووضوح"(26).‏


وفي تحقيق ديوان أبي العتاهية يلتزم التكامل أيضاً في الربط بين أشعار الشاعر وأخباره معللاً ذلك قائلاً "وما من حاجة إلى أن ذلك على أهمية الربط بين هذين: بين الأخبار وبين الأشعار في الخطوات الأساسية الأولى لإقامة الدراسة الأدبية، أعني في فهم النصوص واستكناه بواعثها وتبين ما وراءها في حياة الشاعر وفي نفسه، ذلك أن بينهما دائماً شيئاً أصيلاً من تلازم وشيئاً أصيلاً من تكامل أحدهما يفسر الآخر ويعبر عنه ومن واحد منهما ننفذ إلى الآخر. إننا نستبطن الأثر الأدبي عن طريق الخبر الذي ابتعثه، ونسبر حقيقة الخبر من الكوى التي تتيحها دراسة النص. إن الأخبار والأشعار وجهان لحقيقة واحدة هي وجود هذا الشاعر في معناه المزدوج! من حيث هو إنسان يشاركنا أحداث الحياة وتجاربها، ومن حيث هو فنان ينفرد عنا بقدرته على الانفعال بها انفعالاً يقود إلى صياغتها صياغة متميزة والتعبير عنها تعبيراً فذاً.‏


ولعل السبيل الأمثل أن نحكم هذه الصلة بين شعر الشاعر وأخباره، وأن نشهد هذا التفاعل بينهما ليكون أحدهما شهادة على الآخر خيراً له وتثبيتاً منه"(27).‏


وإذا كانت الأمور تدرك بكلياتها وأن إدراك الكل يسبق إدراك الأجزاء كما يرى أصحاب نظرية الجشتالت في علم النفس، وكما أشار إليه العلامة ابن خلدون في مقدمته فإن أستاذنا الراحل طبق المنهج الشمولي المتكامل ودعا إلى تبني النظرة الكلية في معالجة القضايا وحذر من النظر إلى الموضوعات من زاوية واحدة ناشداً الإحاطة بالكليات وسعة الثقافة في شؤون التحليل والتفسير والتعليل حتى لا تأتي الحلول مبتسرة والتفسيرات قاصرة.‏


5- تكامل الخبرة واستمراريتها‏


وهو مبدأ من المبادئ التربوية المعاصرة فللخبرة جوانب ثلاثة: جانب معرفي وجانب وجداني ثم جانب أدائي، وأن ثمة تكاملاً بين هذه الجوانب. ومن هنا يدعو أستاذنا الراحل رحمه الله إلى التكامل بين جوانب الخبرة عندما يتحدث عن كليات الآداب في الوطن العربي فيقول: "وليس حقاً ما يبذل أحياناً من هيّن القول حين يزعم الزاعمون أننا في غير حاجة ماسة إلى كليات آداب أو إلى مثل هذه الكليات النظرية الأخرى التي تتجه إلى الدراسات الإنسانية، وتقتصر عليها، ذلك أن إيماننا بكليات الآداب لا يقل عن إيماننا بكليات العلوم، إنهما هاتان الكليتان أو هذان النمطان من الدراسة والبحث ليسا متناقضين أو متعارضين وإنما هما حلقة واحدة متكاملة يدور فيها الوجود الإنساني عقلاً وروحاً، حساً ووجداناً، واقعاً وذاتاً، إنهما معاً وجود مفروض في كل حركة أو نهضة، وعلى قدر ما يشتد سلطان العلم وتقوى الحاجة إليه وتشرئب نحوه أعناق الشعوب النامية والآخذة بالنمو على قدر ما يكون من حاجة هذه الشعوب إلى الدراسة الإنسانية إدراكاً للحقائق الكبرى الخالدة التي تهتدي بها البشرية والتي يهتدي بها الأفراد على حد سواء!!(28).‏


وحتى يتيسر للمربين بناء الخبرة كان لا بد من إيجاد تنسيق بين العوامل التي يتعرض لها الناشئ ضمن جدران المدارس والمعاهد والجامعات وما يتعرض لها خارج هذه الجدر وذلك حين يكون تكامل في بناء الخبرة وعدم نقض لبعض جوانبها. إذ كثيراً ما نشكو المثبطات التي تعمل على هدم الخبرة التي نبنيها في المدارس عندما نعلم اللغة العربية في مراحل التعليم العام، وقد عرض أستاذنا رحمه الله هذه المشكلة داعياً إلى تكامل الخبرة قائلاً: "أننا في مراحل التعليم العام الثلاث: الابتدائية والإعدادية والثانوية نرعى تعليم العربية ونتعهدها ونسهر عليها ونجهد في أن نطابق بينها وبين الألسنة. ولكن جهد وزارات التربية كلها وملايين المعلمين والمدرسين والأساتذة تنقض نقضاً في المؤسسات الأخرى مثل الصحافة حيناً والإذاعات المرئية والمسموعة حيناً آخر، وهي هذه الوسائل القوية الملحة الدؤوب التي تهاجمك ليل نهار حتى تسكن أذنيك وحتى تحملك على الإنصات إليها، إن كان هناك سبيل إلى أن يكون الإنصات أمراً ندفع إليه ونحمل عليه. هذه الوسائل تحللت من كثير من ضوابط العربية، إنها تناقض عمل التعلم وتنقضه. ويبدو دائماً هذا المشهد المبكي. وزارات التربية تملأ القرية من فوق ومؤسسات أخرى تحدث في هذه القرية ما استطاعت من ثقوب. أولئك يبنون السفينة أو يحاولون بناءها وهؤلاء يخرقون أطرافاً منها دون أن يجدوا من يأخذ على أيديهم، ويعود الجهد العربي الضائع على نحو ما يبدو في كثير من الساحات الأخرى حقيقة ماثلة، ويوشك أن ينتهي المرء إلى أن كثيراً مما تقوله الصحافة وكثيراً مما تذيعه الإذاعة وكثيرة فاحشة مما يقوله المسرح إنما هو نقيض الذي تقيمه المدرسة"(29).‏


وإذا كان رحمه الله قد دعا إلى التكامل في بناء الخبرة فإنه دعا في الوقت نفسه إلى استمراريتها. فها هو ذا يشير إلى الربط بين الماضي و الحاضر في تدريس الأدب قائلاً: "إن دراسة تاريخ الأدب العربي هي بطبيعتها بجانب أصيل من طبيعتها دراسة تطورية بمعنى أنها دراسة تضرب في اتجاهين: معرفة القديم الذي كان ومعرفة الجديد الذي نبغ، ثم ماذا في هذا القديم من تحويل له أو خروج عن أصوله؟ وماذا في هذا الجديد من آثار القديم وسيطرته وأبحاثه وعمله في تكوين هذا الجديد على النحو الذي صار إليه دون غيره من الأنحاء التي كان يمكن أن يؤول إليها. إن هاتين الوجهتين المتكاملتين وإحدهما ليست إلا الوجه الثاني للأخرى هي حقيقة الدراسة الأدبية العربية، ومع ذلك فلا يزال هناك كثرة بالغة من الدارسين يتناولون العصور التالية دون أن تكون معرفتهم بالعصور الأولى مجزية في أن تضمن لهم القدر الذي يتمنون لأبحاثهم من الأصالة والعمق. إن ثقافتهم العامة ودراستهم الجانبين قد تكون من الغزارة على حدّ يضمن لهم أن يكتشفوا عناصر الجدة التي جاءت أثراً للتفاعلات العميقة بين جوانب الحياة، وأن يفسروا بعض الاتجاهات ولكن دراساتهم تظل تحتاج إلى هذا الخيط الآخر، أو إلى هذا الخيط الآخر الذي يربط بين الثمرة القديمة والثمرة الجديدة، بين الغصن الناشئ والنسغ الممتد من أعماق الجذر إلى قلب الساق لينفذ وبعد هذا الغصن الناشئ، هذا الخيط الذي يرصد تحول الثمرة القديمة حين تندفن في الأرض غذاء للثمرة الجديدة وجزءاً مهماً مستكناً فيها"(30).‏


ويقول عن تحقيق ديوان النابغة: "هذا عمل أردت منه أن أصل بين تراثنا وواقعنا بعروة جديدة وثقى، وفي عقلي وقلبي دائماً أن استمرار الاتصال بين التراث والواقع، بين الماضي والحاضر هو الذي يعطي وجودنا الإنساني لا معناه الأصيل المتميز فحسب بل أنه ليهبه كذلك وفوق ذلك، قدرة لا تعد لها قدرة أخرى على تجاوز كل عقبة من هذه العقبات التي تنتشر على طريقنا، وكأنها نباتات سامة"(31).‏


ويعزز هذا الاتجاه في مقالاته إذ يقول: "إن معرفتنا بالماضي التي تمكن لنفوسنا في نفوسنا، وإلا فليس هناك نحو حياة الفرد وفي حياة الجماعة أشنع من هذا الضلال: أن نضل أنفسنا فلا نجدها، وأن ننشدها فلا نقع عليها، أو لا نقع عليها إلا من خلال هذه الصورة المشوّهة، التي تزرع في أذهاننا وقلوبنا زرعاً هدفه أن تخلق في تذوقنا هذه المرارة لهذا التاريخ وفي أفئدتنا هذا النفور منه، وفي طباعنا هذه الكراهية له. وفي وجودنا الحاضر هذا التنافر منه حتى لا يكون لنا لا وجود قديم نستمد منه، ولا وجود جديد نطمئن له، ولا وجود مستقبل نتطلع إليه، وحتى لا يكن لنا مثل هذه الدوافع والحوافز التي لا بد منها في حياة الشعوب كما أنه لا بد منها في حياة الأفراد.‏


إن هذا هو المعنى الكبير الذي نقصد إليه حين نتحدث عن التراث وعن إحياء التراث وعن النظر في هذا التراث وعن نشدان الأصالة من خلال هذا التراث.‏


إننا لا نريد التراث لا مشغلة عن الحاضر ولا ملهاة عنه ولكننا نريده فهماً لجذور هذا الحاضر، وتغذية له قدر ما تكون التغذية مفيدة، ونريده نفياً للشبهات التي تحتاط به لا تأكيداً لهذه الشبهات، كما نريده معاونة على رسم المستقبل، نرسمه نحن ولا يُرسم لنا، ونحمي براعمه قبل أن تقتل هذه البراعم رياح جليدية أو رياح حارة من هنا وهناك.‏


إن اهتمامنا بالتراث ليس زينة من الزينة، ولا زخرفة من الزخرف، ولكنه وجود من الوجود، ونقاط خلفية للوجود المتقدم"(32).‏


ويعود ليؤكد هذا المنحى في مقالة أخرى حيث يقول "البحث في حاضر اللغة العربية أو في ماضيها أو في مستقبلها بحث متكامل الجوانب، إن اهتمامنا بالماضي منها هو نوع من المعرفة ومن الإحياء ومن رعاية الجذور والاهتمام بها حتى تظل طريقاً إلى النمو ومن تتبع السيرة ومن مراقبة التطور، وإن اهتمامنا بحاضرنا هو اهتمام بالواقع الذي نحيا فيه ومعاناة كاملة لأشيائه وتمرس بالأسماء والمسميات ونهوض بالأمانة الصعبة التي ألقت بها الأقدار على هذا الجيل منذ دفعت به إلى صميم الحضارة المعاصرة دون مشاركة منه فيها.‏


وإن اهتمامنا بالمستقبل هو استكمال لهذا الاهتمام بالماضي والحاضر لأن إيماننا بمستقبلها هو جزء من عقيدتنا، ولعله أن يكون أصل الأجزاء. فلغتنا يجب أن تستوعب هذين الجانبين الرئيسيين من حياتنا: حياتنا الاجتماعية من طرف وأفكارنا ومثلنا وتطلعاتنا وتنظيم هذه الأفكار وصياغة هذه التطلعات وتحقيق هذه المثل من طرف آخر. ولهذا يبدو الحديث من جانب ما من ماضي هذه اللغة أو حاضرها أو مستقبلها حديثاً متكاملاً يقود بعضه إلى بعض، بل لعلّه يقود إلى شيء كثير من التداخل، إن الجذر ا لضارب في أعماق الأرض ليس بعيداً عن الثمرة التي تتدلى من الغصن، والفرع المنبثق عن الساق هو ساق أخرى، وبين ماضي اللغة وحاضرها ومستقبلها مثل ما بين الجذور وبين الثمرة من صلات القربى والنسب"(33).‏


وطبق أستاذنا المرحوم هذا الاتجاه منذ بدايات عمله في تأليف الكتب المدرسية، ففي كتابه "الفنون الأدبية" وهو كتاب مدرسي يشتمل على نصوص مختارة من الأدب العربي القديم والحديث كان قد ألفه عام 1946 لتلاميذ السنة الثالثة من المدارس المتوسطة يقول فيه: "وجهدت أن تكون هذه السنة الدرسية موصولة الحلقات بما قبلها وما بعدها، موصولة بما قبلها في انتهاج تصنيف الفنون الأدبية وفي مدّ جوانب هذا التصنيف والتوسعة في أطرافه، بحيث تكون الفنون أكثر استيفاء وأوسع شمولاً حتى يغدو الطالب قادراً على الإحاطة والتمييز بينها والتعرف إلى خصائصها، وموصولة بما بعدها في محاولة التمهيد للدراسة الأدبية وحل النصوص والتعمق فيها"(349.‏


وإذا كان أستاذنا قد حمل لواء الخبرة المستمرة داعياً لها ومطبقاً إياها وهو مبدأ تربوي تطمح التربية المعاصرة إلى تحقيقه في تبنيها التعلم الذاتي والتربية المستمرة، فإنه ليتألم في من عزوف مثقفينا عن متابعة الاطلاع المستمر إذ يقول: "إن من أبرز نواحي النقص في حياتنا الثقافية أن مثقفينا يقطعون ما بينهم وبين ثقافتهم الجسور حين يعبرون إلى الحياة العامة، إنهم يلاحقون هذه الثقافة عن طريق المجلة أو عن طريق الكتاب مثلاً... "لذلك سرعان ما يتوقفون عن النمو في هذا النحو، ثم تذوي هذه النبتة في نفوسهم، ويضمر وجوده الثقافي، فإذا هم أقرب إلى الجهالة منهم إلى العلم، وإذا هذه الثقافة التي اكتسبوها أول العهد لا تكاد أمام التقدم المستمر للفكر أن تفي بحاجتهم وتنهض بمتطلبات الحياة، فيتقهقرون ويتأخرون من حيث لا يشعرون، لأن التوقف في الحياة التي تُغذ السير معناه العلمي التأخر والتقهقر"(35).‏


وما أسمى هذه الدعوة التي يدعو إليها أستاذنا في هذا العصر المتطور والمتوثب، عصر التفجر المعرفي والانتشار الثقافي الخاطف والمواصلات السريعة، عصر العلم والتكنولوجيا، وأن عدم مواكبة روح هذا العصر وطبيعته معناه التخلف والتقهقر.‏


6- وحدة اللغة‏


يعد علماء اللغة المعاصرون "الألسنيون" اللغة نظاماً متكاملاً بحيث أن أي جانب من جوانبها يؤثر في غيره ويتأثر به. كما أن المربين ينظرون إلى اكتساب اللغة على أنها وحدة متكاملة، وأن المهارات اللغوية كلّ متكامل وأن فروع العربية كلها ليست إلا وسائل في خدمة التواصل والتعبير، وأنه إذا نشدنا تعليم اللغة علينا أن ننظر إلى وحدتها، وعلى هذا النحو سار أستاذنا، فقد أدرك بحسه التربوي العميق وبصيرته النافذة أن تعليم اللغة من خلال المطالعة يتطلب الالتفات إلى القواعد والتراكيب والمعاني والتربية الجمالية فها هو ذا يقول في كتاب "الفنون الأدبية": "كان لزاماً أن أجعل من بعض المناسبات في دروس النصوص الأدبية سبيلاً لتذكر القواعد الماضية واسترجاعها والإفادة من تطبيقاتها"(36).‏


ويود أن يجعل الألفة بين الطالب والمعجم بحثاً عن المعاني وتوخياً لزيادة الثروة اللفظية اللغوية فيقول: "ونحن نرد دوماً ذكر هذه الهوة بين تلاميذنا ومناهجنا، وأن بعض هذه الهوة يعود إلى المعاجم، ولكن بعضاً آخر منها ليعود إلى عدم التقرب منها، والتمرس بها، حتى يوشك أن يجوز الطالب دراسته الثانوية لا يفتح معجماً أو لا يدري كيف يفتحه، فكان لا مناص إذن من تكليف الطالب بعض الأسئلة التي تتلافى هذا النقص وتستأصل هذه المعايب"(37).‏


ويشير أيضاً إلى تحبيب الطالب بالمطالعة "القراءة" من خلال النصوص التي يتفاعل معها إذ يقول: "وليس من غرض كتاب ما من كتب المطالعة أن يستقطب كل اهتمام الطالب وكل هواه في القراءة والمطالعة، وإنما هو سبيل لإثارته وتشقيق ميوله وتنمية هذه الميول، وحين لا يفعل الطالب شيئاً إلا أنه يعنى بالكتاب الذي بين يديه يكون قد وأد ميله إلى القراءة وقتله قتلاً، وما أشد ما نشكو انصراف الطلاب عن المطالعة ورغبتهم عن المكتبة، وهذه الصلة المقطوعة بينهم وبين دور الكتب، وذلك كله يفسر حرصي على إرشاد الطالب إلى نصوص أخرى مماثلة أو مناسبة في ختام الأسئلة، وأنا أؤمن أن الاحتفال بها والغاية فيها ستكون بعيدة الأثر عظيمة الفائدة، وستتلافى كل هذا الذي نألم له عند التلاميذ من ضيق الأفق والركون إلى هذه الدوائر الضيقة الهادئة التي يحددها الكتاب والدرس".‏


ولا ينسى أخيراً أن يشير إلى التعبير الذي كان يسمى في تلك الفترة إنشاء فيقول: "ودروس المطالعة مثل دروس اللغة الأخرى تستهدف كلها البيان صحة أولاً وجمالاً ثانياً، ولذلك استثرت انتباه الطالب من هذه الناحية بهذا السؤال الخاص عن الإنشاء، واقترحت فيه موضوعاً يكتبه، وبينه وبين الموضوع الذي يقرأه صلة واشجة ونسب قريب"(38).‏


7- وظيفية اللغة نفعيتها الاجتماعية‏


حملت التربية المعاصرة لواء الاتجاه الوظيفي والنفعية الاجتماعية في تعليم اللغة، ورأت أن لا فائدة ترجى من تعليم موضوعات لا تستعمل في الحياة ولا تلبي حاجات المتعلمين في تفاعلهم مع المجتمع.‏


وإذا كان هذا الاتجاه قد أدركه سلفنا على يد الجاحظ وخلف بن حيان الأحمر البصري من القدماء وعلى يد الأستاذ إبراهيم مصطفى والدكتور طه حسين والأستاذ أمين الخولي والأستاذ عبد العليم إبراهيم من المعاصرين فإن أستاذنا رحمه الله أدرك هو الآخر أن النصوص الأدبية التي نقدمها لناشئتنا ينبغي لها أن تلبي حاجاتهم وتستثير اهتماماتهم وأن تتنوع بحسب تخصصاتهم فها هو ذا يقول "نرى أن تدريس الأدب العربي تطور في واقعه إلى الصورة التي يمكن أن نقول عنها إنها الصورة التي ينبغي أن تكون في حدود ظروفنا الفكرية وآفاقنا الثقافية ومؤسساتنا التعليمية، ولكن هذه الصورة المثلى لا يمكن أن تكون سواء في كل مراحل التعليم، ففي التعليم العام الذي يقود إلى الشهادة الثانوية ثم يقود إلى الجامعة يمكن أن نقبل هذه الصورة مطمئنين. أما في التعليم المهني الزراعي أو الصناعي أو التجاري فإن تدريس الأدب يحسن، بل يجب أن يتلون بما تمليه طبيعة هذا التعليم المهني في اختيار النصوص الأدبية والحقب الزمنية"(39).‏


وإذا كان رحمه الله قد دعا إلى تبني هذا الاتجاه فإنه قد طبقه عملياً في كتاب "نصوص الأدب" إذ يقول: "روعي في انتقاء هذه النصوص حاجة الفرع الأدبي والعلمي والنسوي، إذ جعلنا ألفاً بين قوسين في رأس النصوص الخاصة بالفرع الأدبي، وعيناً بين قوسين للنصوص الخاصة بالفرع العلمي،ونوناً بين قوسين للفرع النسوي. أما النصوص التي تركت بغير إشارة فينبغي أن تدرس في الفروع الثلاثة جميعاً"(40).‏


8- الطريقة التنقيبية والتعلم الذاتي‏


من المبادئ الأساسية التي كان يدين بها التزامه الطريقة التنقيبية في التدريس، والتي هي أساس للتعليم المستمر مدى الحياة. لذلك كان يضيق ذرعاً بالطريقة الإلقائية التلقينية التقريرية التي تقدم الحقائق والأحكام لقمة سائغة إلى الدارسين من غير أن يعملوا ذهنهم ويعانوا في سبيل الحصول على تلك الحقائق، وهذا ما يفسد الذوق لديهم ويعودهم المحاكاة العمياء والتعميم والسلبية والاتكالية، لنستمع إليه يقول: "حين تملأ مثل هذه الآراء الدروب على الطلبة وحين تطالعهم أول ما تطالعهم في دراساتهم الجامعية تحتل الصدارة من أذهانهم لأنها تصادف منها خلاء فتتمكن وتحتل الصدارة من قلوبهم لحداثة عهدهم بها من ناحية وسيطرة الحرف المطبوع عليهم وسحره فيهم من ناحية أخرى، فإنها لا تقف عند ذلك وإنما تنزلق بهم إلى تقبل هذا الذي يلقونه تقبلاً تاماً يوشك أن يبلغ حدّ القداسة، وتدفعهم إلى ترديده والإعادة فيه وإلى الاكتفاء به والاتكاء عليه فلا يحاولون بعد ذلك أن يكونوا لأنفسهم وبأنفسهم رأياً، ولا ينفذون في أقطار الدراسة من غير الوجه الذي نفذت منه هذه الآراء، وينصرفون عن استكناه النصوص التي هي الأصل الأول في العمل الأدبي إلى التعلق الاتكالي على هذا المؤلف أو ذاك"(41).‏


ويتابع قائلاً: "إن الأمر عند ذاك يخرج بالتعليم الجامعي عن أن يكون تمرساً إلى أن يؤول تقليداً، ويفسد طبيعة المعاناة فيه فيخرج بها إلى الاحتذاء والتلقين، وطلابنا حين يكون هذا شأنهم لا يخسرون هذه المنابع الصافية والنقية لدراساتهم، لا يخسرون مادة هذه الدراسة فحسب وإنما يخسرون متعة التذوق الأدبي التي تكون وراءها، ومتى كان هنالك هذا الفصل بين تذوق الأثر الأدبي وبين حسن الحديث عنه"(42).‏


ومن هنا كانت دعوته إلى التمرن بالنصوص الأدبية ومعاناتها وإلى تبني الطريقة التنقيبية في استكناه هذه ا لنصوص في أغلب آثاره، ففي تحقيق ديوان النابغة يقول: "إننا لا نريد أن يركن الطلاب إلى شروح المحدثين ولو بلغت حظها من الصحة، أن لهم أن ينظروا فيها وأن يفيدوا منها، ولكنهم ما داموا يعدون أنفسهم للتخصص في الدراسات الأدبية لا بد لهم من التمرس بأساليب المتقدمين في الشرح بلغتهم وتعابيرهم والتفاتاتهم إلى هذه أو تلك من المسائل. إنهم في حاجة إلى أن يصلوا ما بينهم وبين هذه الأساليب معاناة لها وتعرفاً، فهذا التعرف الكامل الذي يقوم على الممارسة والمعاناة هو الذي يكفل أن يخرج منهم النبتة الطيبة، وهو الذي يزوّدهم بالقوة القوية على مواجهة التراث بعين نافذة مثل عين هدهد، وصبر هادئ كصبر حجر على نار"(43).‏


وفي بحثه عن "مناهج تدريس الأدب" يدعو أيضاً إلى ضرورة الانطلاق من النصوص ومعاناتها فيقول: "إن الارتباط بالنصوص يخرج مادة الأدب العربي من ميدان الظن أو الافتراض أو التقدير إلى ميدان الحقيقة التي إن لم تكن هي الحقيقة بعينها فإنها تكون أقرب ما تكون إليها.. هذا دون أن ننسى أن الاستشهاد بالنص يحتاج إلى قدر من الحذر ومن حسن النية ومن إيقاع الاستشهادات في مواقعها. وليس هذا فحسب بل إن الارتباط بالنصوص والانطلاق منها يمكن للمدرس وللطالب من تنمية نزعة النقد ويساعد على معاناة النصوص ومداخلتها وفتح مغاليقها فلا تكون دراسة النصوص دراسة سطحية ببغاوية تعاود ترداد ما قاله الشاعر شعراً بلغة النثر، وإنما تكشف عن مضامينها وتشارك في إضاءتها فيؤدي النص الأدبي وظيفته من حيث هو خبرة خاصة أو كشف خاص يصل إليه الشاعر ثم يوصله بعد ذلك إلى المتلقي حتى يتحد ما بينهما. وشيء ثالث وراء الارتباط بالنصوص والانطلاق منها يتبدى في إثارة رغبات القراءة والمطالعة عند الدارس الأدبي، إن فهم الأشياء هو الذي يدفع إلى متابعتها، ونحن إنما نقصد من تدريس الأدب إلى أن نحكم ما بين الطالب وما بين الاستزادة من قراءته وتنمية ملاحظاته وتوسعة أفقه الأدبي ومدّ أبعاد هذا الأفق"(44).‏


9- تحديد المشكلات بالأسئلة‏


كان أستاذنا الدكتور، محمد قدري لطفي أمدّ الله في عمره يقول: "إن تحديد المشكلة نصف حلها"، وذلك إذا عرف المرء الهدف الذي يسعى إليه تساعده هذه المعرفة على اختيار الوسائل والسبل المؤدية إلى تحقيق الغايات.‏


ومن السمات التي يتسم بها المنهج الفكري لأستاذنا الراحل أنه يصوغ مشكلاته محدداً لها بالأسئلة، ففي مشكلة التطور الاجتماعي والتطور اللغوي يسأل: ما الصلة بين النمو الاجتماعي وبين الحياة اللغوية؟ وكيف نستطيع أن نفهم هذه الصلة على نحو نحكم معه قيادها فلا يفلت من بين أيدينا زمام اللغة؟ ولا يمضي التفجر على نحو عشوائي وإنما يخضع الأمر إلى حركة متساوية مع حركة البنى الاجتماعية؟ ما الذي نريده من النمو أو الاتساع الاجتماعي؟ ما المفهوم الواضح لهذين التعبيرين؟ وهل من فرق بينهما؟ ما وسائل الممارسة التي تحكم التكامل بين التطور الاجتماعي والتطور اللغوي؟ وما الأساليب التي نأخذ بها؟ وما هي السمات الأساسية للواقع الاجتماعي والواقع اللغوي؟(45).‏


وتجدر الإشارة إلى أن صوغ هذه الأسئلة يتطلب الفهم والدقة والعمق والوضوح ويساعد على تعرف السبل.‏


وفي بحثه عن مشكلة اللغة العربية في الأدب المعاصر يتساءل هل هنالك حقاً هذه المشكلة التي يشير إليها هذا العنوان المقترح؟ أين تقع هذه الإشكالية وما أبعادها؟ ومن هم الذين يعانون منها وكيف يعانونها؟ وما الدلالات البعيدة للأصوات التي ترتفع بها؟ وهل بلغ ما بين اللغة والأدب المعاصر حدَّ الأزمة أو حدَّ المشكلة التي تستحق أن تطرح؟ من أين يجيء هذا الحديث في هذه العقود الأخيرة عن شيء اسمه "المشكلة بين اللغة العربية وبين الأدب المعاصر"؟ هل هي مشكلة اللغة أم هي مشكلة أولئك الذين يستخدمون اللغة؟ هل يتحدثون عن إنتاج الأدب في لغة ما أم يتحدثون عن تعليم اللغة التي يكون بها إنتاج هذا الأدب؟(46).‏


ويتساءل عن أقسام الخريدة المتمثلة في أربعة أقسام أساسية: الأول قسم العراق، والثاني العجم وفارس وخراسان والثالث الشام، والرابع مصر وصقلية والمغرب وبلاد الأندلس ليقول: ويبدو أنه لم يكن وراء هذا التقسيم هدف واضح مقنع، ذلك أننا لا نستطيع أن نتبين في دقة ما الذي كان يوجهه إليه، ولا نملك أن نحزر في طمأنينة ما الذي يدفعه نحوه أكان يلمح من وراء صنيعه هذا جانب الحياة السياسية لهذه الأقطار؟ أم كان يلمح جانب التميز في إنتاجها الشعري؟ أكان يشير إلى التقسيمات الجغرافية الكبرى أم كان يشير إلى الحدود السياسية الغالبة؟ هل كان على جانب من الإحساس بأثر البيئة المادية والمعنوية أم كان على جانب أكبر من التأثر بالواقع والانسياق معه؟ أكان يخالف عن تقسيمات الذين سبقوه حيناً ويوافقها حيناً من مثل صنيع الثعالبي في يتيمة الدهر والباخرزي في دمية القصر وعصرة أهل العصر عن تنبه لنحو من أنحاء البحث الأدبي أم كان يخالف ويوافق على غير قاعدة نيرة أو سبب ملزم؟(47).‏


وفي معالجته لمشكلة عدم إسهام المجتمع العربي في الحضارة الحديثة يقول: "إن الإنسان العربي والأرض العربية والتاريخ العربي واللغة العربية كلها عوامل مساعدة على المشاركة الحضارية فلماذا توقفت هذه المشاركة؟ ولماذا لا يزال المجتمع العربي في صف المجتمعات الإنسانية المستهلكة للحضارة التي لا تزال بعيدة عن المشاركة في صنعها؟ لماذا يظل الوطن العربي خارج دائرة الإسهام الحضاري؟ هل هناك في نطاق التيارات الكبرى التي تسود العالم وتحكمه ما يحول بين الأمة العربية وهذا الإسهام؟ وإذا كانت الظروف الطبيعية المرئية لا تساعد عليه فهل هو إبعاد مقصود لهذه الكتلة البشرية العربية؟ هل هناك عملية تقنين وتقييد لهذا الإسهام يراد منها أن تقتصر على شعوب دون شعوب وعلى جماعات دون جماعات؟ هل هناك سياسة مرسومة يراد منها أن يبقى هذا العالم على هذه القسمة: عالم ينتج الحضارة وينعم بجناها وآخر محمول على أنه يكتفي باستهلاكها أو باستهلاك الجانب المادي وفي أحيان كثيرة الجانب التافه منها؟"(48).‏


وعندما يبحث في الأصالة والتجديد في المقال الأدبي يقول: "عندما نتحدث عن المقال في التراث الأدبي نجد أننا نواجه سؤالين ينتصبان أمامنا وكأنما يريدان أن يكون لهما في الدلالة على الطريق نصيب، وفي تحديد جنبات الموضوع أثر، أحدهما هو هذا السؤال: ماذا تعني كلمة "مقال" في التراث العربي القديم؟ والآخر ماذا تعني هذه الكلمة عند المعاصرين؟ ثم يكون السؤال الثالث تتمة لهما في إطار الموضوع واستكمالاً للحديث عنهما وهو: ما هي عناصر الأصالة وظواهر التجديد في المقال الأدبي؟ وما هي العوامل التي قادت إليها والأحداث التي ساعدت عليها؟ إن الأسئلة الثلاثة تتضامن لتكون بأجوبتها وبما يتفرع عنها من قضايا، وبما تثير من وجهات النظر الصورة الأكمل فيما يبدو في معالجة الموضوع"(49).‏


أما فيما يتعلق بمشكلة مناهج تدريس الأدب في الوطن العربي فيصوغ أسئلتها على النحو التالي بعد أن يمهد لها قائلاً: "إنها قضية وجوهها كثيرة وبخاصة حين تكون هذه القضية في مثل هذا التنوع والامتداد إنها تتصل بالنصوص التي نضعها بين أيدي طلابنا في مراحل التعليم العام. الإعدادي والثانوي ثم في مرحلة التعليم الجامعي، وتتصل بالطريقة التي تقوم بها هذه النصوص وبالهدف الذي نحاول تحقيقه، أهو هدف واحد أم هي أهداف متعددة؟ وما هو مدى تداخل هذه الأهداف وتكاملها؟ ثم هي تتصل بالتكوين النفسي العام الذي نريد أن نأخذ به طلابنا، فليس هناك مادة أخرى أشد تأثيراً وأقوى عملاً في هذا التكوين من هذه المادة ومواد الدراسات الإنسانية، الأخرى التي تواكبها، ثم هي قبل ذلك وبعد ذلك تتصل بتراثنا القديم وبإبداعنا الجديد وفي تباين هذا التراث وهذا الجديد إلى أن ينزل منزلته في نفوس أبنائنا، فماذا نأخذ من هذا التراث في هذا التدريس وماذا ندع؟ كيف نختار؟ وما هي الأسس التي نقيم عليها اختيارنا؟ وكيف نصل هذا القديم وهذا الجديد وبينهما هذا الصدع؟ كيف نرأب هذا الصدع حتى يتشكل هذا الأدب الذي نقدمه على سطح مستو أملس من غير التواءات؟ وأخيراً فإن هذه المادة تتصل بلغتنا وفي الترسيخ لمحبة هذه اللغة في عقولنا وقلوبنا وفي التمكين لها على ألسنتنا وطرائق تفكيرنا، وفي تسخيرها على نحو يتيح للمبدعين فرص الإبداع من غير كبير مشقة أو عسر؟(50).‏


وعندما يسوغ سبب تسمية ابن عساكر كتابه "تاريخ دمشق" بنوع من التخصيص، ذلك أننا حين نعرض الكتاب نجد أن المؤلف لا يقدم لنا تاريخاً دمشقياً ولا تاريخاً شامياً فحسب، وإنما يقدم تاريخاً حضارياً لهذه البلاد كلها التي انتشر فيها الإسلام وسادت العربية، إنه يؤرخ لجوانب من الجاهلية وللسيرة النبوية وللخلفاء الراشدين ومن الطبيعي أن يكون كتاب "ابن عساكر" أغنى المصادر عن تاريخ الأمويين، ولكن تاريخ الأمويين ليس تاريخهم هم فحسب، وإنما هو تاريخ العرب والمسلمين في الفترة التي كانت فيها دمشق عاصمة الحياة العربية.‏


وما أكثر ما تواشجت الصلات في القرن الأول في مقر الخلافة، وهل كانت الجماعات العربية بكبار رجالاتها أو أرهاط قبائلها في غنى عن زيارة الشام والوفود على الخلفاء والاستجابة لندبهم في هذه البعوث أو تلك في الفتوحات البرية أو في الفتوحات البحرية؟ ألم تكن الشام في السلم والحرب في معارك صفين أو في حركات العراق والحجاز، في البعوث نحو إفريقية أو نحو القسطنطينية هي مهاد هذا الملتقى الكبير الذي انصهرت فيه القبائل وامتدت أمة واحدة هنا نحو أقصى الشرق، وهناك نحو أقصى الغرب؟ ألا يؤكد ذلك كله عندنا أن هذا التاريخ هو تاريخ للعالم الإسلامي كله من خلال هذه العدسة الضوئية الصغيرة المكبرة "دمشق".‏


هل كانت الشام بمعزل عن الحياة والمشاركة فيها في القرون التي تلت قيام الدولة العباسية؟ ألم يدخلها علماء وخلفاء وقواد؟ ألم يرتحل منها فقهاء وشعراء وولاة وقضاة ورواة كان لهم في صياغة تاريخ العرب والمسلمين جميعاً نصيب؟(51).‏


تلك هي أبرز السمات في المنهج التربوي للدكتور شكري فيصل رحمه الله، وإن فاتني منها أمور أخر، فحسبي أنني نقبت وبحثت في أغلب آثاره لا في كلها، وهداني التنقيب. والبحث إلى تلك السمات. ولا يسعني في نهاية هذا البحث إلا أن أردد العبارة التي أنهيت بها مقالة كتبتها بمناسبة رحيله بعنوان "ويأفل نجم"(52): "رحمك الله يا أبا معتز رحمة واسعة بقدر عطائك لأمتك ولكم كان عطاؤك غنياً وكبيراً وواسعاً!".‏


الهوامش:‏


(1) المجتمعات الإسلامية في القرن الأول – نشأتها – مقوماتها، تطورها اللغوي والأدبي "رسالة دكتوراه"، مطابع دار الكتاب العربي بمصر عام 1952 ص "ت".‏


(2) حركة الفتح الإسلامي في القرن الأول "دراسة تمهيدية لنشأة المجتمعات الإسلامية" – مطابع دار الكتاب العربي بمصر عام 1952 ص "ل".‏


(3) أبو العتاهية، أشعاره وأخباره – مطبعة جامعة دمشق 1384ه‍ 1965م ص.‏


(4) الصحافة الأدبية – معهد الدراسات العربية – القاهرة 1960 ص 9.‏


(5) تحقيق ديوان النابغة الذبياني بتمامه – صنعة ابن السكيت – الإمام أبو يوسف يعقوب بن إسحاق – دار الفكر للطباعة والنشر – لبنان بيروت 1968 ص "ج".‏


(6) خريدة القصر وجريدة العصر للعماد الأصفهاني الكاتب – بداية قسم شعراء الشام – شعراء دمشق والشعراء الأمراء من بني أيوب – المطبعة الهاشمية بدمشق 1968 ص10.‏


(7) المرجع السابق – ج1 المطبعة الهاشمية بدمشق عام 1955 ص7.‏


(8) تطور الغزل بين الجاهلية والإسلام من امرئ القيس إلى ابن أبي ربيعة، مطبعة جامعة دمشق 1379 ه‍ - 1955م ص7.‏


(9) المرجع السابق ص 8.‏


(10) المرجع الأول ص "ص".‏


(11) المرجع السابق.‏


(12) خريدة القصر وجريدة العصر – مرجع سابق ص 16.‏


(13) خريدة القصر وجريدة العصر ج2 قسم شعراء الشام 1959 ص9.‏


(14) الصحافة الأدبية – مرجع سابق ص28.‏


(15) المرجع السابق ص 38.‏


(16) مجلة مجمع اللغة العربية – المجلد 47 كانون الثاني 1972 "مقال بعنوان "الأصالة والتجديد في المقال الأدبي" ص753.‏


(17) خريدة القصر وجريدة العصر – قسم شعراء الشام ج3 ص24.‏


(18) أبو العتاهية، أشعاره وأخباره، مرجع سابق ص13.‏


(19) كتاب الوافي بالوفيات – تأليف صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي ج11 ثامر – الحسن. دار النشر فرانز شتاينر بفيسبادان 1401ه‍ - 1981م ص433.‏


(20) مناهج الدراسة الأدبية، عرض ونقد واقتراح – القاهرة 1952.‏


(21) الصحافة الأدبية – مرجع سابق ص 8و9.‏


(22) اللغة العربية خلال ربع قرن في ميدان التعلم والتعليم – مجلة مجمع اللغة العربية المجلد 53 عام 1978 ص743.‏


(23) حركة الفتح الإسلامي في القرن الأول – مرجع سابق ص "ط".‏


(24) الأدب العربي في آثار الدارسين – دار العلم للملايين – بيروت 1961 ص307.‏


(25) مجلة الكاتب العربي – مناهج تدريس الأدب في الوطن العربي – السنة 1 محرم 1402 ه‍ تشرين 2/ 1981م.‏


(26) تحقيق ديوان النابغة الذبياني – مرجع سابق ص "د" و "ه"‏


(27) أبو العتاهية – مرجع سابق ص 17.‏


(28) مجلة المعرفة – العدد 77 تموز 1968، مقال بعنوان "كليات الآداب في الوطن العربي بين الأصالة والتبعية" ص56.‏


(29) مجلة مجمع اللغة العربية العدد 47، مقال "بعنوان: ثغور على الخريطة اللغوية" ص655.‏


(30) تحقيق ديوان النابغة – مرجع سابق ص "ز".‏


(31) المرجع السابق ص 11 "س".‏


(32) مجلة المعرفة، العدد 158 تموز 1977، مقال بعنوان العرب المعاصرون والتاريخ العربي" ص177.‏


(33) ثغور على الخريطة اللغوية – مجلة المجمع – مرجع سابق ص649.‏


(34) الفنون الأدبية "نصوص مختارة من الأدب القديم والحديث" مطالعة للمدارس المتوسطة السنة الثالثة – المطبعة الهاشمية بدمشق 1946.‏


(35) الصحافة الأدبية، مرجع سابق ص 21.‏


(36) الفنون الأدبية – مرجع سابق ص (ب).‏


(37) المرجع السابق ص "ج".‏


(38) المرجع السابق.‏


(39) مناهج تدريس الأدب في الوطن العربي – مجلة الكاتب العربي – السنة 1، مرجع سابق ص63.‏


(40) نصوص الأدب – تأليف خلدون الكناني وشكري فيصل، مطبعة دار اليقظة العربية للتأليف والترجمة والنشر – دمشق 1365ه‍ 1946م ص2.‏


(41) تطور الغزل بين الجاهلية والإسلام – مرجع سابق ص6.‏


(42) المرجع السابق ص7.‏


(43) تحقيق ديوان النابغة – مرجع سابق ص "م".‏


(44) مناهج تدريس الأدب في الوطن العربي – مجلة الكاتب العربي – مرجع سابق ص65.‏


(45) مجلة المعرفة – التطور الاجتماعي والتطور اللغوي – العدد 183 أيار 1977- ص4.‏


(46) مشكلة اللغة العربية في الأدب المعاصر – مجلة المعرفة العدد 189 تشرين الثاني 1977 ص54.‏


(47) خريدة القصر وجريدة العصر – ج3 ص4 قسم شعراء الشام.‏


(48) نحو حضارة عربية جديدة – مجلة المعرفة – العدد 156 شباط 1975.‏


(49) الأصالة والتجديد في المقال الأدبي – مجلة مجمع اللغة العربية – العدد 47 كانون الثاني 1972.‏


(50) مناهج تدريس الأدب في الوطن العربي – مرجع سابق ص 59-60.‏


(51) تحقيق تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر – مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق 1397ه‍ 1976م ص7.‏


(52) الدكتور محمود السيد - جريدة البعث السورية تاريخ 18/8/1985.‏


* محمود أحمد السيد: دكتور في التربية. له كتب كثيرة في اللغة العربية وتدريسها والدراسات اللغوية المقارنة.‏


التعديل الأخير تم بواسطة وردة ندية ; July 24, 2010 الساعة 03:46 PM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم July 22, 2010, 05:31 PM
 
رد: المنهج الربوي لشكري فيصل للدكتور محمود السيد اختيار محمد عباس عرابي

يسلمو
__________________
ان كان جتني بنت في هاالحلا والزين

سميتها مشاعل على أسمن عشقته
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الإعلام والتبرية للدكتور رامز الطنبور اختيار محمد عباس عرابي محمس عربي بحوث علمية 0 May 16, 2010 04:54 PM
فن الرسالة عند الكيلاني للدكتور أحمد عيساوي اختيار محمد عباس عرابي محمس عربي بحوث علمية 0 May 16, 2010 04:39 PM
باكثير في الطائف للدكتور محمد أبو بكر حميد اختيار محمد عباس عرابي محمس عربي بحوث علمية 0 May 4, 2010 05:08 PM
باكثير في الطائف للدكتور محمد أبو بكر حميد اختيار محمد عباس عرابي محمس عربي بحوث علمية 0 May 4, 2010 05:07 PM
وقت الفراغ لدى الشباب للدكتور علي أسعد وطفة اختيار الباحث التربوي محمد عباس محمد عرابي محمس عربي بحوث علمية 1 February 10, 2010 06:04 PM


الساعة الآن 02:06 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر