فيسبوك تويتر RSS



العودة   مجلة الإبتسامة > الروايات والقصص > شعر و نثر

شعر و نثر اكتب قصيده , من انشائك او من نِثار الانترنت , بالطبع , سيشاركك المتذوقين للشعر مشاعرك



إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم October 28, 2007, 07:19 AM
 
Thumbs Up شعر ل: سيف الربيعى

سيف عبد الكريم الربيعي
كاتب وقاص عراقي

الحلقة المفقودة
"عندما حدثتك عن حبي تلك الظهيرة شعرت بأنني أهنت أحاسيسي عندما حولتها إلى كلمات نطقها العشرات غيري" – عبد الرحمن مجيد الربيعي -
(خفاش اسود يسكن كهف مظلم كالقرافة، يضرب بجناحيه التي جفت عليها قذارته جدران الكهف المتهرئة وقد أسدل عليه ستار الرطوبة منذ زمن وانتشل من خلاصه الموت الذي زف إليه الآخرين) *... أما الآن :فلا الموت ولا الظلام ، لا التهريج ولا الأحلام سيورق خلاصي، فالفشل مطرق وسينقض علي حال عودتي من ساحل الغيبوبة ...
الساعة الثانية عشر والشمس أشهرت رماحها الملتهبة لتروي عطش الأرض الأزلي إلى أشعتها البرونزية التي تحمل بين خيوطها أبواب رزق لباعة المشروبات الباردة، الموزعين في حدائق الجامعة، وتفترس الوجوه المغمورة بقطرات العرق فتتبخر معها ألوان جميلة تمعنت الفتيات كثيرا بترميم سحنتهن بها.... ومن قرافة الجو في الخارج إلى جوف القاعة المكيفة تتبارى أقدام الطلبة ببرودها المتقن، أشبه بمن تسير قدماه صوب فم الحوت ليبتلعه فتنهال عليه عصارات الهضم فتهرسه لحما وعظما، وبعصبية صامتة تحتضن الأرض سجائر الطلاب المقطوفة من أفواههم بعد إسعاف الرئتين بآخر كومة دخان قبل دخول جرة صمت مغمورة بساعتين من الكآبة حيث محاضرة الثرموداينميك والأستاذ قصير القامة ذو الكرش والصلعة اللامعة....
سحب رمادية غاضبة غابات أشجار شريرة متشابكة يرسمها الدخان المتصاعد من سيجارة الأستاذ ذات الفلتر، وبنهايتها يبتدئ محاضرته بعد أن كتب عنوانها على السبورة البيضاء المتشبثة في احد جدران القاعة (الماكنة السرمدية) .
تأفأف وتململ كعادته، وكأنه جاء للتدريس مرغما ، يخطو وئيدا ويزفر خليطا من الدخان وارناءات تبتسم بوجوه الفتيات الجالسات في المقاعد الأولى، ينزع نظارته الطبية ليمسح (بالكلينكس) قطرات العرق المستقرة في فراغ هلالي تحت عينيه الشبه مغمضتين، وبتمط هرم تزرع شفاهه الناشفة كلمات الدرس بعد أن ألقى تحيته الباردة "من المستحيل إنجاز شغل من لا شئ فمن شروط إنجاز الشغل وجود الطاقة المتحولة حيث أن مجموع الطاقة المتحولة يساوي مجموع الشغل المنجز ... الماكنة السرمدية بأمكانها إنجاز شغل دون وجود الطاقة لذا سميت بالماكنة ذات الحركة الأبدية....."
ترتدي ((صدرية)) العمل الزرقاء الملتصقة تماما على جسدها الفاتن، لتجتره أعين الطلاب المتوحشة، وعلى شماعة الحر تعلق فتح زري الصدرية العلويين، عبثا تتلوى بخطاها المتناسقة كأفعى أو كآله متحركة صممها مهندس بارع، وبين الحين والآخر تداعب بأناملها الدقيقة شعر اسود كالليل سال على كتفيها... وبلؤلؤتي محجريها تمتص مئات العيون التي الثملة التي تستهوي النظر إليها والى الأخريات في الجامعة... وضمن حماقات قسرية تسكعت نظراتي فوق جبينها الأسمر وتعانقت بعفوية مصطنعة مع غموض تغاضيها، الذي اسقم قلبي بمشاعر ابتلعها المستحيل، وبحركة عجلة الأيام التي داست على زهور آمالنا أصبحت (ورش العملي) مستنقع لاحتضان الإهمال المزيف الذي أجهضته حقيقة الأحاسيس ... ومن بين إيماءات المهرجين تعتلي أنفاسنا المجهدة، وتتكور المشاعر لترمي بنفسها في مقبرة اليأس التي ارتضيناها منذ البداية وبالهامات رجيمة أصارع وبائي ولكن سرعان ما يتدفق الألم بمجرد النظر إليها... حتما سأقتلع عيني وارميها في تلك الآلة الطاحنة بدل من هلوستي العاجزة:
مابية اصبر الروح من يجبل هواي
مثل السعف بالريح تتراجف عضاي
بأف ضننت أن أضلاعه انفرجت وتدفقت منها أحشائه أكمل الأستاذ محاضرته التي خيم عليها القرف بعد مرور الساعة الأولى منها... ومن جوف السكوت يختزلنا احد الزملاء بسؤاله:
  • عفوا أستاذ، أين تستخدم هذه الماكنة؟
بضحكة عالية بدد الأستاذ صمت القاعة الحاد وغير سحنة الطالب بمرجحة يده وأردف:
  • لو كنت منتبها إلى كلامي منذ البداية لوجدت أنني قلت بأنها ماكنة خيالية....
يبدو أن أذهان الجميع هنا شاردة من جمود المحاضرة، صور نرجسية هشة ترسمها تلك الأذهان لترتق بها ثقوب النفور من ركوب بحر الدرس، فهناك النائم وهناك من اتكأ على ذاكرته ... ولكن اجتذبني همس طالبان قابعان خلف ظهري، لم استمع إلى حديثهما بكامله:
  • بت لا أرى سوى صورتها التي جثمت على مخيلتي....
  • ولم لا تبوح لها بحبك الذي اقرفتني به؟!
  • هل نسيت الفوارق بيننا ؟! الديانة، مستوى المعيشة، وهلم جرا...
  • يا أخي والله سالفتك تضحك .... ولك وين اكو حب بهل وكت!.
  • مرات نسوي اشياء بدون سبب، ويمكن لسبب بس منعرف شنو...

ببرود تحتضن شفاهي السيجارة الأخيرة في علبة الدخان، حتى في استلالها أجد صعوبة هذه المرة، أكاد افقد قواي ذهني المتشتت، مستودع الذاكرة الذي انغمرتُ فيه فلم أجد سوى تفاهات خاملة ... تكورت رجلاي فوق رصيف الشارع المؤدي إلى الباب الخلفي للجامعة التكنولوجية والدخان يتدفق بحرقة من فتحات انفي، ابتلع آهاتي وازفرها أنفاسا ممزقة تتمطى بها الرئتان التي أصبحت أشبه بمدخنة تكدس على جدرانها السواد...
اعتلى طنين التناقضات في رأسي المظلم، تبخرت، تكثفت، أمطرت سحب الموت غضبها كقطرات دم آسنة تتدفق بسقم مرير من أوردتي لتمتزج مع رماد الأحلام المنكوبة، فتنجب اللزوجة المقرفة التي تلطخ بها فضاء روحي المعتم... ومن عزلتي المكبوتة امتطي صهوة فشلي شاردا كغزال اجتمعت عليه وحوش العالم نحو سراب اعتصره عقلي المريض...
ملاحظة: ((حينما قمت وركضت طويلا سقطت من يدي حزمة الأصوات المربكة، وامتزجت مع كل الأزهار التي سحقتها قدماي، لكني أحسست حينها بآلام زاعقة تخترقني كآلاف الرصاصات.....)).
يلتفت الأستاذ نحو نافذة القاعة، يغمض عينيه برهة ثم يعاود حديثه بحماس لاهب : "إن هذا النوع من المكائن لا يعمل وفق شروط الآلات الحقيقية، ولكن هناك فرضيات موضوعة لابد الالتزام بها فلا يمكن نظريا ربط ماكنتين إلا إذا كانت متجانسة بالعمل أي لا يمكن ربط ماكنة تعمل وفق نظريات معينة مع ماكنة أخرى تعمل وفق نظريات تختلف عن الأولى..." ، لحظات من الصمت الموقوت بعدها انفجرت حنجرة الطالب الجالس خلفي بالضحك المستهجن وهو يضرب ال(استيج) بكفه، استدرت نحوه، شربت ملامحه المتألمة ورميت بنفسي في عالم سخريته ممتزجا معه بالضحك الذي قادنا إلى خارج القاعة بأمر من الأستاذ الذي أندى جبينه غضبا.
الهامش:
* تعريف الأمل في حياة القتيل الذي تعلق في رقبة الأيام....


مذكرات سجين
في هذا المعتقل الموحش ، المظلم، رائحة المكان مقرفة حد القيء، تمزق أشلاء الكبرياء والتعفف، يستولي الصمت على الأجواء معظم الوقت ، سوى بعض الهمسات المتعبة التي يطلقها هؤلاء المنكوبين، ينكسر الضوء قبل دخوله من النافذة الصغيرة المتوحدة في أحدى جدران هذا المعتقل، الذي ضمني إلى جانب هؤلاء.... لم أتعرف على احد منهم ، فلا داعي للتعارف ، نحن هنا محطمين ، لا نملك أي صفة إنسانية ، سوى بعض منهم ممن يجلسون بجانبي، تعرفت على حياتهم بإيجاز، لم يكونوا أفضل مني حالا... عقيل قاسم لا تفارق شفتاه السيكارة، ملامح وجهه تدلي بصراعات خاسرة، ويستمر عامر الناصري بمواويله البائسة ، أما الشيخ فاخر الحياوي فكان لائذا بالصمت معظم الوقت، وأنا وسط هذه الوجوه المتآكلة ، تتهدل جراحنا المزروعة في حنايا الروح، نتجرع مرارة الهزيمة بالإذعان والرضوخ للواقع الأليم ...
تمر الأيام بتثاقل مرير ساحبة خلفها سحب الهزيمة والهوان ، بمرارتها تسحق لعقات الصبر لجراح العمر المتثاقلة في هذا المعتقل، في كل تلك الأجواء المريضة لا يزال جسدي ملقى على الأرض، منكسرا ، منهزما، شأني شأن هؤلاء المحطمين ، الذين لفحوا معي بحمى السجن ، يستولي الخدر على جسدي بالكامل ، وتحاصر وخزاته تحركات الدماغ اليتيمة، لينحني كهذه الأدمغة المطرق، تتكسر كل أصوات الأمل في أعماقي، ويقرع في رأسي ناقوس الخيبة بمجرد النظر إلى رداءة الحال ، وهزولة القضية البائسة..
لا زلت أتذكرها جيدا... أتذكر كل تلك المحبة التي كانت تكنها لي أيام الخطوبة، تلك الأيام، بجمالها، ذهبت كسرب عصافير ، زقزقت في سماء العمر، وتلاشت أصواتها في ثنايا المعتقل، كانت برقتها تمتص مني كل الهموم والاضطرابات، لم تكن تخبئ وراء وجهها الباسم وجوه أخرى ، كما يفعلون في عالم الأشباه.... أحاول أن استرجع كل الكلام الذي دار بيننا ، كلمات الغزل الرقيقة، ولمسات الورد... أحلام العمر لتي عشناها في تلك الأيام ، والتي أصبحت مضحكة بالنسبة لي بعدما أواني هذا المعتقل... لا تزال صور الذكريات ترسم يوميا في أجواء المعتقل للحظات، وتحرق مع أشلائي ، بكآبة المكان ...
لم تكن تتصور بان يوما سيحدث ما حصل لي ... لم تكن تفكر سوى بأحلامنا البسيطة، وتحقيقها الذي اصبح مستحيلا... كأس الموت الذي ازرعه في رقبتي كل يوم، لكني كنت متأكدا من أن شيئا كهذا سيحدث، فدرب مشيت به ، بتفاهة التفكير، وصوت وحيد لن ينفذ سوى لأذني .
أتذكرها، في ذلك المقهى الرخيص، استنشقت عطر عينيها الواسعتين ، وجلت بناضري في ذلك الوجه الرقيق، تشابكت أصابعنا بقوة ، تأملت عينيها المجهدتين، المحفوفتين بأهداب سوداء فاتنة ، لم المس الرقة المعودة ذاتها، بل بدا الغموض متمركزا في عينيها ، لم أدرك ما كان يراودها ، فكانت تحبس في أعماقها أمواج من القلق والحزن، أنبأت بذلك دموعها الصاعدة التي انهمرت من عينيها الواسعتين، أخذت تدير بعينيها هربا من الإفصاح بالحقيقة المبهمة، حاولت معرفة ما كانت تخبئه وراء هذه الدموع، حاصرتها بنظراتي المتسائلة دون النطق بأي كلمة، ربما كان علي أن اسألها، لكن الدهشة تملكتني بالكامل، حتى قطعت كل تساؤلاتي بنهوضها، ثم غادرت المكان بعد أن رمت حلقة الخطوبة على الطاولة.
تمر الأيام بتوترها المفجع، ونحن مكدسين على ارض المعتقل، تتمطى الرئتان بنفس بطيء، ساقاي تكورت في هذه الزاوية المنكوبة، أصبحت ككومة نفايات ملقاة على الأرض، مقرف حتى لأعضائي المخدرة، ألوك الأيام المهدمة بلياليها الموحشة، أكاد افتقد الإحساس بكل ما يدور حولي، تنتشلني أحيانا أشيائي القديمة للحظات من أجواء المعتقل ، ولكني سرعان ما اصفع بفقدانها، فلم يبق لي هذا المعتقل سوى هذه الجثة العاجزة... وعلقت هذا القتيل في رقبة الأيام...
حتى هؤلاء الذين معي، لقد توقفوا في هذه الأيام الأخيرة عن الكلام، وربما حتى عن الحركة، انقطعت مواويل عامر الناصري، ولازال دخان عقيل قاسم يرسم أشباح الموت في وسط المكان ... وكأنهم متهيئون لنهايتهم المرة، وربما يتمنونها بأسرع وقت ممكن، فرماد أشلائنا، وذكرياتنا التي حفرناها على الجدران ، ستطويها عاصفة الأيام... أوسمة الماضي الصدئة ستلقى على صدور هذه الجثث الهامدة، ويذكرنا الزمن في أحدى زوايا التاريخ المزيفة، لتصطبغ حقيقتنا بأي كذبة أو وشاح يضعه المهرجون، ليرقعوا عريهم المكشوفة ، وفضائحهم المخزية، وينكسر الضوء قبل الوصول إليهم..

__________________
لاتستحى من إعطاء القليل فالحرمان أقل منه


العاب بنات
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الربيعي, سيف, شعر




الساعة الآن 04:12 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر