فيسبوك تويتر RSS


  #1  
قديم March 6, 2010, 11:57 AM
 
العنيكبيت

العدد 65 / من تجربتي في تعليم العربيةالعنيكبيت الذي غرق في كريات الدم!
العدد 65 / من تجربتي في تعليم العربية:العنيكبيت الذي غرق في كريات الدم!
محمد الصاوي – الإسكندرية :

كان الدرس عن «التصغير»، سأل الأستاذ تلميذه ذا الخمسة عشر ربيعاً فكان الحوار:ü كيف تُصغّر كلمة «كلب»؟ كُلَيْب.ü فما تصغير كِلاَّب؟ كليليب.ü فماذا عن تصغير عنكبوت؟ عنيكبيت.ü ما وزنه الصرفي؟ فعيعليت.اتخذ الفتى في حينها قراراً أن يسلك نفسه في العقد الفريد لمعلمي العربية. ولما صار معلماً لم يكن يسأل عن العنيكبيت؛ لأن التصغير باب من أبواب العربية تكمن وراءه فلسفة لغوية؛ فمستخدم اللغة محتاج للتعبير عن فكرة «الشيء الصغير» فمتى كانت العنكبوت كبيرة حتى نصغرها؟ يألف الطالب في مصر ألفاظاً من نحو: كريات الدم أو جزيئات المادة أو بويضات الجراد أو حويصلات الهواء أو شعيرات الدم. فكيف يهدر المعلم ذلك كله مع مافيه من مزية للموقف التعليمي، ويضيق على نفسه وعلى طلابه بالسؤال عن الكليليب؟

أما حين استقر بصاحبنا المقام في مدينة «جدة» فقد وجد طلابه يألفون مجموعات أخرى من ألفاظ يمكن وصفها بأنها مفردات نشطة لديهم: فهذا طالب يتردد على مسجد الشعيبي، وذاك ينتسب إلى الشميمري، وثالثهم يدعى الحميدي، والرابع يقرأ لابن عثيمين، والخامس معجب بحارس المرمي الدعيع، والأخير في زيارة إلى الجبيل، ولم يكن أحد آنئذ أيام حرب الخليج أشهر من أحمد الربيعان!لقد كان توظيف هذه المفردات في درس التصغير شيئاً مذهلاً في مردوده الطيب والسريع. وازداد يقيني أنه لا مناص من أن ينطلق معلم العربية من الحصيلة اللغوية لطلابه. ولعل في هذا ما يؤكد المميزات الإضافية للمعلم الوطني على زميله المقيم فالأول أدرى بالمحصول اللغوي للطلاب.وقل مثل ذلك في درس البلاغة. الأمثلة في كتب البلاغة مأخوذ بعضها عن بعض، ينقل الخلف عن السلف، ويردد اللاحق قول السابق، الأبيات هي الأبيات والتقسيمات هي التقسيمات. كأن اللغة قد عقمت، وكأن البلاغة قد نضبت، وكأننا صرنا نعلم لغة قوم آخرين. كانت الدهشة تعقد ألسنة الطلاب حين أثبتُّ لهم أن أبواب البلاغة ماثلة في كلام العوام وفي لغة الصحف وفيما بين أيديهم من كتب ومقررات دراسية من تاريخ وجغرافيا وأحياء وحيثما كان نشاط لغوي.كنت إذا شرعت في درس المجاز المرسل أستهل الحصة بعبارات من نحو:ü ارتجل رئيس المؤسسة كلمة في الحفل.ü اليوم لقاء السعودية والكويت في نهائي كأس آسيا.ü المملكة أعلنت موقفها الثابت من قضية القدس.ثم أسال: ماذا تفهم مما تحته خط تحديداً؟ يجيب الطالب المتوسط: «الكلمة هنا في المثال الأول تعني خطبة كاملة، أما عن السعودية فالمقصود فريقنا الوطني لكرة القدم، والمملكة في ذلك السياق أريد بها وزير الخارجية».هكذا تنمو المفاهيم البلاغية طبقات بعضها فوق بعض دون أن يوقع المعلم نفسه وطلابه في تيه الأمثلة الموروثة العتيقة في مستهل الحصة. فنحن في الحق نعلم مفاهيم لا مجرد أمثلة مبعثرة. فإذا ما استقر المفهوم سهلت عملية التمثيل له.وفي مدينة «الخفجى» العامرة حاورني أحدهم: يا أستاذ أطال الله عمرك أنا سوف أعمل في الحرس الوطني، وهذا أقصى ما أتمنى فهل سيقولون لي هناك: أعرب ما تحته خط؟ وأنت ياطويل العمر يوم تصبح مديراً في الحرس وتلقي كلمة بحضرة سمو الأمير، هل تسمح لنفسك أن تخطئ في حرف واحد؟ لكن يا أستاذ أنا صار لي في المدارس أكثر من عشر سنوات، وكل مدرس يصر على أن يعلمني الإعراب، وما من فائدة. ماذا تكون حالك حين تكتب تقريراً مليئاً بأخطاء الإملاء والنحو، هل تتوقع من رؤسائك الثناء الحسن؟ ثم دعك من مسألة الحرس هذه، هب أن مواطناً شاء أن يقدم معروضاً إلى الديوان الملكي، فهل يدع كتابته إلى شخص يطلع على خصوصياته؟يكشف الحوار السابق أننا لا نفلح كثيراً في إقناع طلابنا بجدوى دراسة اللغة، بل إننا أحياناً لا نعبأ بمسألة الإقناع هذه. وإننا نختزل الدرس اللغوي كله في بعض قضايا النحو والإعراب فقط، وننظر إلى اللغة على أنها مادة دراسية تقف على قدم المساواة وأحياناً في مرتبة أدنى مع بقية المواد، رغم أن النظر الصحيح يرى أن اللغة هي التي تعطي أية مادة دراسية وجودها. فإذا كانت الفلسفة هي أم العلوم فإن اللغة هي أم الفلسفة. إن الزملاء من غير معلمي العربية لا يرون من طبيعة عملهم الالتفات إلى صحة التعبير اللغوي وجودته فضلاً عن دقته. وإن معلمي العربية ومصممي مقرراتها وواضعي امتحاناتها، كل أولئك يظنون أنفسهم أحياناً في غير ما حاجة إلى نقد الذات، وإلى تبصر مواطئ الأقدام، وإلى الاعتراف بالقصور والتقصير.واليوم بعدما أنفقت العمر معلماً، أجد لزاماً أن أقدم وصاة من قاسى الأمور وجرّب الأحوال، فارعني سمع قلبك أخي معلم العربية:1 تذكر في كل درس أن تعليم العربية عبادة تحتاج إلى نية صحيحة، وأنك تقوم عن الأمة بواحد من فروض الكفايات، وقد صار في حقك فرض عين.2 ثق بأن طلب العلم عبادة أنت أحوج من طلابك إلى ممارستها، تقرباً إلى الله من طريق إتقان العمل، فلا تكف عن تجديد معلوماتك وتنمية مهاراتك، ولا تخجل أن تسأل أهل التخصص، حتى من هم أصغر منك سناً؛ فإن أصحاب النبي ص كانوا يسألون ابن عباس.3 اجعل استشهاداتك اللغوية شاملة قدر طاقتك لما يدرسه طلابك في مواد الدراسة جميعها، لعلهم يؤمنون بجدوى الدرس اللغوي.4 انطلق في درسك من المعلوم لدى طلابك، واجتهد في التعرف على حصيلتهم اللغوية وما هو شائع لديهم من المفردات والصيغ والتراكيب.5 لا تشرح درسك وعينك على الاختبار الشهري أو النهائي، ولا تتسامح مع سؤال يقول: «هل هذا الذي تشرحه يا أستاذ سيأتينا في الامتحان؟» ثم إياك أن تجعل من صياغة أسئلة الامتحان فرصة لمعاقبة الطلاب.6 اعلم أن الطلاب لا يتعلمون فقط عندما نقول لهم: اجلسوا نعلمكم. لا . التعلم عمليات تتم في أذهان الطلاب في كل وقت، شئنا أم أبينا، فلا تدع طلابك يرونك إلا على حال ترضاها لنفسك.7 كلما كانت توقعاتك لأداء طلابك عالية جعلك هذا أكثر اجتهاداً وأعظم بذلاً، فإنما المقصرون هم همك الأول، أما النوابغ فقد عرفوا طريقهم.8 الأنشطة المدرسية فرصة من ذهب فلا تجعلها من سراب. الإذاعة والصحافة والمسابقات كلها أنشطة نحن أحق بها وأهلها.9 إنك لن تجد في تعليم العربية ما هو أيسر ولا أجمل ولا أنفع ولا أبقى أثراً ولا أقرب مأخذاً من آي القرآن وصحيح الحديث النبوي، فاتخذ منهما أمثلة للإيضاح ونماذج للاحتذاء ومعايير للنقد ومحكات للتقويم.10 إن لغتنا هي آخر حصوننا في مواجهة طوفان العولمة، وأنت يا معلم العربية على ثغر عظيم، فلا تدع العدو يخترقنا من جهتك، ولاتدع لغة الوحي تصبح أولى ضحايا العولمة.
رد مع اقتباس
  #2  
قديم March 6, 2010, 08:49 PM
 
رد: العنيكبيت

بارك الله فيكِ على الجهد المبذول
__________________





رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع



الساعة الآن 02:05 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر