فيسبوك تويتر RSS


  #1  
قديم December 21, 2009, 12:37 PM
 
وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر

[CENTER]تفسير سورة العصر وهي مكيّة


( والعصر انّ الانسان لفي خسر. الاّ الذّين امنوا واعملوا الصالحات وتواصوا بالحقّ وتواصوا
بالصبر
) صدق الله العظيم.

الدلالة الاجمالية للسورة:

والعصر
: اقسم الله تعالى بالزمان مطلقا.
ان الانسان لفي خسر: اجاب عن قسمه بأن عموم الانسان في حالة شقاء بسبب الاعراض
عن الاسلام ايمانا وعملا.
الا الذين امنوا وعملوا الصالحات: استثنى الله سبحانه وتعالى من جنس الانسان عن الخسران
الفئة الرابحة ، وهي عموما يجمع بين الايمان والعمل الصالح عن طريق الالتزام بمبدأ
الاسلام.
وتواصوا بالحق:يوصي بعضهم بعضا بالاسلام.
وتواصوا بالصبر : اي على المصائب وعلى الالتزام برسالة الاسلام.



دلالات الالفاظ:

العصر
: هو الدهر والدهر هو الزمان ، لانّ اللفظ عام والاصل حمله على العموم
الانسان: الكائن الحي العاقل من جنس الانسان لان اللفظ عام وتخصيصه بالكافر او
بجماعة من الكفار تخصيص من غير مخصّص وقرينة الاستثناء تؤكد العموم.
خسر:
اصل الخسر في اللغة النقصان وذهاب راس المال والمعنى من الاية ، الشقاء
في الدنيا والهلاك ف الاخرة بسبب الاعراض عن دين الله.
الايمان
: التصديق والمعنى في الاية هو المعنى الشرعي وهو التصديق الجازم المطابق
للواقع عن دليل.

العمل الصالح: العمل المسيّر بالاحكام الشرعية من اجل الفوز بمرضاة الله
الحق: اصل الحق في اللغة الثابت اللازم وهو نقيض الباطل ويقال حقيقة الشيء :ذاته
الثابتة اللازمة والحق شرعا المقصود في الاية : الاسلام.والقرينة الشرعية في قوله
تعالى (امنوا وعملوا الصالحات )تؤكد المعنى الشرعي لان الاصل حمل اللفظ على
المعنى الشرعي .

الصبر: لغة هو حبس النفس عن الجزع وشرعا وهو المعتبر في الاية هو حمل النفس
على الرضى بقضاء الله في المصائب والبلايا وحملها على الالتزام بالاسلام و
الانصهار به.


الدلالة التفصيلية:

اولا: اقسم الله سبحانه وتعالى بالزمان لما فيه دلالة على وجوده ، فالزمان هو مقياس
لتغيّر الاشياء والحوادث ، فالتفكير بها مقرونا بالزمان يدلّ دلالة قاطعة على انّها
محدودة اي مخلوقة من قبل الخالق الازلي . ودلالة التركيب وان كانت تفيد الاخبار عن
قسم الله ولكنّها تستلزم الانشاء اي انشاء حكم شرعي وهو وجوب التفكير بالزمان
وما يتصل به من اشياء وحوادث متغيّرة كالحياة والموت وتعاقب الليل والنهار وتعاقب
الكواكب بهدف الوصول الى وجود الله والايمان به والخضوع اليه.

اما بالنسبة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم :" لاتسبّوا الدّهر فان الدّهر هو الله
فالمعنى هو تحريم سبّ فاعل الدهر وما يتعلق به من اشياء وحوادث لان الفاعل هو
وتجدر الاشارة هنا الى انّ هذا المعنى قد فهم من قرينة الحال وهي ان العرب في
الجاهلية كانوا يسندون المصائب للدهر على سبيل الحقيقة لا المجاز، فقيل لهم لا
تسبّوا فاعل ذلك بكم ، فان ذلك هو الله ، ويؤكد هذا الفهم قوله سبحانه ( وقالوا ما
هي الاّ حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا الا الدّهر، ما لهم بذلك من علم ان هم
الا يظنّون).

فقد اسندوا هلاكهم للدهر مع ان الحياة والموت بيد الله سبحانه، لذلك نفى الله
عنهم العلم واوضح انهم واهمون في زعمهم هذا. وعليه فالدهر هو عموم الزمان
بوصفه مقياسا لتغير الاشياء والحوادث.

ثانيا:

اكّد سبحانه جواب قسمه بحرفي التوكيد ( انّ ) وال(لام) ليؤكّد حقيقة ما اخبر عنه
وما يوجبه من امر للاندفاع نحو الاستقامة على دين الله فهما والتزاما، دعوة وصبرا
ودلالة التركيب وان كانت خبرا يصحّح مفهوم الربح والخسارة ، ولكنّها تستلزم
انشاء حكم شرعي وهو تجسيد هذا المفهوم في الفكر والعمل والغاية.

فمفهوم الربح والخسارة في الاسلام لا يتصل بالذهب والفضة زيادة ونقصانا ، ولا
يتعلق بالجماعات والدول والاشخاص والحرص عليهم على حساب الاسلام . وانما
يتعلّق بالاسلام وحده التزاما او انحرافا.

فالربح هو التمسك والتقيّد بالدين، والخسارة هي الانحراف عنه كليّا او جزئيّا
فالاسلام قبل كلّ شيء وعليه يعتمد كلّ امر ، فلا عذر للحيد عنه.


ثالثا:


عدل سبحانه عن الغيبة بقوله ( والعصر ، انّ الانسان لفي خسر) الى الخطاب فقال
( الاّ الذّين امنوا وعملوا الصالحات) وهذا العدول الذي يسمىّ الالتفات، ينبّه عن
بلاغة عظيمة في كلام الله سبحانه، والايمان في الاسلام يوجب الايمان بكل ما ورد
الايمان به صراحة او دلالة، من أمور العقيدة التي ثبتت بدليل قطعيّ ، كالايمان بالله
وصفاته وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر والقضاء والقدر.

وهذا الايمان بالنسبة للمؤمن يعني التصديق الجازم الذي لايتطرّق اليه ريب او ظنّ
بكلّ أمر من امور العقيدة الاسلامية وان يكون هذا التصديق الجازم في الذهن والحسّ
مطابقا في واقعه لما ورد الايمان به في القران الكريم والسنّة المتواترة.

فمن يزعم انّ الشمس كوكب ثابت مخطئ ، لانّ هذا الزعم يتناقض مع قوله تعالى"
( والشّمس تجري لمستقرّ لها ذلك تقدير العزيز العليم)

وعليه فالايمان شرعا هو التصديق الجازم المطابق للواقع عن دليل ، فلا بدّ من
توفّر هذا في عقل المسلم وقلبه حين يعتقد بأمور العقيدة الاسلامية حتّى يتّصف
بالايمان.

والعمل الصالح من وجهة نظر الاسلام هو العمل المقيّد باحكام الاسلام ، سواء احكام
التكليف ام الوضع. فوجوب التواصي بالحق والصبر حكم تكليفيّ يجب القيام به ، وهذا
الحكم له حكم من احكام الوضع وهو شرط في صحّته، وهذا الحكم يتعلّق بالنيّة، اي
ان يكون القصد من القيام بالواجب وجه الله سبحانه، وهذا الحكم شرط في صحّة حكم
التكليف ، فلا بدّ من تحقيقه حتى يوصف المسلم الذي يقوم بالتواصي بالحق والصبر
انّه عمل عملا صالحا .

وعليه فلا يكفي المسلم معرفة احكام التكليف المتعلّقة باعماله، بل لابدّ ان يعرف
ايضا احكام الوضع حتى يكون قيامه بالعمل وفق الحكم الشرعي، وحتى يتّصف
عمله بالصلاح.

رابعا:


التواصي بالحقّ عمل من الاعمال الصاحلة أفرده الله سبحانه وتعالى بالذكر لعلوّ
قدره ورفعه منزلته فهو منبع الخير وصمّام الامان للاستقامة على دين الله في الامة
وفي الدولة الاسلامية ولا يكون هذا الامر بالصورة المطلوبة وبالشكل الذي يحقّق
الغاية الاّ عن طريق الالتزام بالحزب الاسلامي الصحيح ، القائم على فكرة الاسلام
بالتفصيل، ويحمل الدعوة الاسلامية لاستئناف الحياة الاسلامية ويحملها الى العالم.

خامسا:

التواصي بالصبر من اعمال التواصي بالحق وهو لازم لحامل الدّعوة لزوم الماء والهواء
للحياة، لانّ الصبر يعني الثبات على الاسلام ودعوته مهما كانت المصائب والعواقب
والصعوبات ، وانعدام الصبر يعني الانحراف والهلاك.

فالله عزّ وجلّ قد أفرده بالذكر لبيان حيويّته وعظم ثوابه ، والنصوص في هذا
الامر كثيرة .

انّ حياة الانسان كلمح البصر ولكنها تحتاج الى صبر لا حدّ له , وهذا يتطلّب جعل
الصبر سجيّة من السجايا وصفة راسخة في اعماق النفس . فاذا كان ثواب الصبر
بغير حساب ، فهو لا يترسّخ الاّ بحمل الدّعوة الاسلامية ، وان ثواب حمل الدعوة
الاسلامية عن طريق الحزب السياسي الصحيح يفوق ثواب الصبر بكثير وعليه
فالربح الكامل ضمن حدود الانسان لا يتحقق للمسلم الا من خلال الالتزام بالجماعة
الاسلامية الصحيحة التي تتفهّم الاسلام وتجسّده في افرادها وتريد تجسيده في
الحكم وتكون قوّامة على الامّة الاسلامية في افكارها ومشاعرها , وعلى الدولة
في تطبيقها للاسلام عن طريق محاسبة الحاكم ، وتحمل دعوة الاسلام الى العالم
بالقيادة الفكريّة.







[/color][/size]
رد مع اقتباس
  #2  
قديم December 21, 2009, 08:13 PM
 
رد: وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر

الشكر كل الشكر على التفسير
الموضوع اكثر من ممتاز
يديك العافية
__________________
أنا لست رعديدا يكبل خطوه ثقل الحديد
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
بيان توضيحي بشأن موضوع(وجاءت سكرة الشوق بالحق) سراااب666 شعر و نثر 3 August 10, 2009 03:04 PM
الى كل الذين تحملوا عناء الحياة وتمسكوا بالصبر والتحدي جمعية حنين للمعاق الترحيب بالاعضاء الجدد ومناسبات أصدقاء المجلة 7 April 5, 2009 04:53 PM


الساعة الآن 01:43 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر