فيسبوك تويتر RSS


  #1  
قديم December 8, 2009, 09:20 PM
 
النمور الاسيوية

مرحبا
حد عنده بحث جاهز أو كتب تتكلم عن النمور الاسيوية؟

أتمنى المساعدة
  #2  
قديم December 9, 2009, 11:35 PM
 
رد: النمور الاسيوية

النمور الآسيوية أو نمور شرقي آسيا هو لقب يطلق على اقتصاد دول؛ تايوان، سنغافورة، هونغ كونغ وكوريا الجنوبية. سميت بهذا الاسم لتحقيقها معدل نمو اقتصادي كبير وتصنيع سريع خلال الفترة ما بين الستينيات والتسعينيات, وفي بداية القرن الواحد والعشرين تحولت هذه البلدان إلى بلدان متقدمة، وساعدت في نمو اقتصادات بعض الدول الآسيوية.

النمور الآسيوية تمتلك توجه مشاركة خاصة مع بعض الدول الآسيوية ذات الاقتصاد الجيد، مثل الصين واليابان.

المصدر هنا
=====

تجربة النمور الاسيوية والعوامل التي ادت الى ازمتها


1. مقدمة
2. الظروف والعوامل التي أدت إلى نجاح تجربة النمور الآسيوية
أ. عوامل داخلية
ب. عوامل خارجية
3. أهم الإنجازات التي حققتها النمور الآسيوية
4. آلية حدوث الأزمة وأثرها على النمور الآسيوية
5. الدروس المستفادة من هذه التجربة


مقدمة:

لقد شكلت دول جنوب شرق آسيا أو ما عرف بالنمور الآسيوية تجربة مهمة أعجب فيها العالم بأسره. فقد استطاعت خلال فترة قصيرة لا تتجاوز 25 سنة أن تحقق نمواً هائلاً وتطوراً كبيراً، وأخذ المديح ينهال عليها من كل دول العالم وخاصة من قبل اقتصاديي البنك الدولي وصندوق النقد الدولي الذين رأوا فيها نموذجاً يجب على الدول النامية ودول العالم الثالث أن تستفيد منها وتحذوا حذوها إذا أرادت الخلاص من التخلف.
ولكن هذه الدول فاجأت العالم في صيف عام 1997 بالأزمة الاقتصادية التي وقعت فيها. لقد كانت هذه الأزمة قوية وعنيفة فعصفت باقتصاديات هذه الدول وعرضتها لمآزق اقتصادية واجتماعية خطيرة حيث هوت فيها أسعار الأوراق المالية إلى الحضيض وانهارت أسعار صرف عملاتها بشكل كبير، وانخفضت معدلات النمو الاقتصادي وتراجع أداء الصادرات، وزادت البطالة إلى مستويات عالية، وتعرض مستوى المعيشة للتدهور السريع، واضطرت هذه الدول في مواجهة محنتها أن ترضخ للوصفة المعروفة لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي مقابل تقديم القروض العاجلة لها.















الظروف والعوامل التي أدت إلى نجاح تجربة النمور الآسيوية:

أ.العوامل الداخلية:

تضافرت مجموعة مهمة من العوامل الداخلية لإنجاح تجربة النمو الاقتصادي في دول النمور. بعض هذه العوامل يرجع إلى ظروف الوفرة النسبية للموارد البشرية، وبعضها يرجع إلى السياسات الاقتصادية الكلية التي طبقتها الحكومات في هذه الدول.
بالنسبة للوفرة النسبية في عنصر العمل: فعندما بدأت هذه الدول تجربتها الإنمائية في الخمسينات كانت تعاني من البطالة، حيث كانت أسواق العمل تعج بأعداد هائلة من القادرين على العمل، ومما فاقم معدلات البطالة حالة الركود الذي خيم على هذه الدول آنذاك وارتفاع معدل نموها السكاني، فلجأت الحكومات في هذه الدول إلى استثمار هذه الميزة النسبية في الصناعات التصديرية كثيفة العمالة وذات الأجر الرخيص.
واتخذت هذه الحكومات مجموعة من الإجراءات لضمان استثمار هذه الميزة النسبية لفترة طويلة:
1. توفير الغذاء الضروري بأسعار رخيصة ( باعتباره معيار الدخل ).
2. حرمان العمال من تنظيماتهم النقابية والسياسية التي تدافع عن حقوقهم.
3. تطبيق سياسات مالية ونقدية صارمة لتحاشِ الوقوع في التضخم، من أجل المحافظة على معدل الأجر الحقيقي.
4. عدم وجود قوانين للحد الأدنى للأجور وعدم التشدد في مراعاة ساعات العمل.
وكان من نتيجة هذه السياسات أن أصبح متوسط الأجر في مستوى منخفض جداً مقارنةً مع الأجر في العالم، وبالتالي فإن تكاليف المنتجات التحويلية كثيفة العمالة كانت منخفضة جداً.







جدول رقم 1
مقارنة بين متوسط أجر العامل الصناعي في سنغافورة ومتوسط أجر
العامل الصناعي في بعض البلدان الصناعية الرأسمالية عام 1985
نسبة متوسط أجر العامل في سنغافورة إلى متوسط الأجر في الدول الصناعية الأجر الشهري للعامل بالدولار الدولة
17.2%33%17%24.9%29.2%23.4%100% 198410392001136911681458342 الولايات المتحدةفرنساهولنداألمانيا الغربيةبريطانيااليابانسنغافورة
المصدر: المحنة الآسيوية، د. رمزي زكي، ص 24

وفيما عدا وفرة عنصر العمل كانت هذه الدول تتسم بندرة واضحة في الموارد الطبيعية وبالتالي كان اعتمادها على الخارج يكاد يكون كاملاً في تأمين المواد الغذائية والمواد الخام والطاقة. وفي ضوء هذه الندرة الشديدة اعتمدت على استراتيجية إنمائية محددة، فحواها الاعتماد على مجموعة معينة من الصناعات التصديرية التي تقوم على استيراد المواد الأولية من الخارج وتصنيعها في الداخل معتمدة على الوفرة النسبية لعنصر العمل.
هذا الأمر أدى إلى ظهور العجز في ميزان مدفوعات هذه الدول في المراحل الأولى من النمو ( الخمسينات والستينات )، لكن حكومات هذه الدول أدركت بأنها إذا لم تستطع استدراك هذا الأمر فإنها ستحاصر بأزمات النقد الأجنبي والديون الخارجية وبالتالي تهديد التجربة بكاملها، لذلك وضعت نصب أعينها أن تصل إلى مرحلة تسبق فيها معدلات نمو الصادرات معدلات نمو الوردات، وهي المرحلة التي وصلت إليها جميع هذه الدول في العقد السابع من القرن العشرين.
أما بالنسبة للسياسات الاقتصادية الكلية التي انتقتها حكومات هذه الدول فكانت ذات تأثير ايجابي في خلق البيئة الاقتصادية المحلية المناسبة لدفع قوى النمو والتقدم، أهم هذه السياسات:
1. الدور الذي قامت به الدولة في بناء شبكة البنية التحتية على درجة عالية من التقدم والكفاءة.
2. الاهتمام الكبير الذي أولته الدولة للاستثمار في البشر، من زيادة في مخصصات الإنفاق العام على التعليم والصحة والإسكان والبحث العلمي والتقدم التكنولوجي، وبالتالي فإن ذلك انعكس في نمو إنتاجية العمل من ناحية وفي استيعاب التكنولوجيا المستوردة والدخول في مرحلة التطوير التكنولوجي من ناحية ثانية.
3. الدور الذي لعبته مجموعة السياسات النقدية والمالية لإبعاد شبح التضخم، وكان لذلك أثر ايجابي في النمو الاقتصادي ونمو الصادرات والسيطرة على الأجور.
4. العناية الخاصة بقطاع الصادرات نظراً لمكانته الارتكازية في تجارب هذه الدول. فقد حرصت هذه الدول على استقرار أسعار الصرف وعلى إعفاء المواد الوسيطة والسلع الإنتاجية المستوردة اللازمة للصناعات التصديرية من الرسوم الجمركية، ووفرت التسهيلات المصرفية لتشجيع الصادرات.
5. حرصت الدولة لتتجنب الوقوع في فخ المديونية الخارجية أن تقلل باستمرار وبأسرع وقت ممكن من حجم فجوة الموارد ( أي الفجوة بين معدل الاستثمار المنفذ والادخار المحلي ) وذلك من خلال تشجيع المدخرات المحلية ( سعر فائدة مرتفع – تطوير سوق الأوراق المالية – تنويع أجهزة تعبئة المدخرات ) ونتيجة لهذه السياسات استطاعت هذه الدول أن تحقق أعلى معدلات ادخار في العالم، الأمر الذي جعلها تتحول إلى بلدان مصدرة للاستثمارات الخاصة اعتباراً من الثمانينات. فعلى سبيل المثال: معدل الادخار المحلي في هونج كونج بلغ 33% من الناتج المحلي الإجمالي، 36% في كوريا الجنوبية عام 1995، سنغافورة 40% من الناتج المحلي الإجمالي. وبالتالي فإن الديون الخارجية ظلت في حدود آمنة، وكان يمكن خدمة أعبائها دون حدوث ضغوط على سعر صرف العملة الوطنية أو على الاحتياطيات الدولية للبلد. ففي حالة سنغافورة لم تتعد خدمة الدين 0.5% من حصيلة الصادرات 1988، بينما كان هذا المعدل يتراوح بين 25-70% في معظم البلدان النامية.
6. عمدت الحكومات في هذه الدول على انتهاج سياسة واعية لتشجيع وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة إليها وتهيئة المناخ المناسب لها لكي تحقق معدلات مرتفعة للربح تغريها على المجيء.



ب.العوامل الخارجية:

1. الدور الذي لعبته الحرب الباردة بين العملاقين ( الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة ). فنتيجةً لتبعية أنظمة الحكم لهذه النمور للغرب الرأسمالي فإن المعسكر الغربي حرص على مساعدة هذه الدول بسخاء لتسريع نموها الاقتصادي وتحديثها كنموذج رأسمالي بديل للنموذج الاشتراكي المجاور لها. بالإضافة إلى هذه المساعدات والتسهيلات فإنه نتيجة لوجود قواعد عسكرية للغرب الرأسمالي في هذه البلدان وخصوصاً الولايات المتحدة فإن ذلك خفف من عبء الإنفاق العسكري ومصاريف الدفاع.
2. نظام النقد الدولي الذي كان يعمل حتى بداية السبعينات، هذا النظام حقق استقراراً عالمياً في أسعار صرف عملات مختلف بلدان العالم، وبالتالي فإن هذا النظام وفر لها الدخول في صفقات تصدير واستيراد طويلة الأجل وهي مطمئنة لعدم وجود تقلبات فجائية وحادة في أسعار الصرف، كما أن هذا النظام وفر لها موارد السيولة عند الحاجة بأسعار فائدة معقولة.
3. الاستفادة الكبيرة التي حققتها هذه الدول من التخفيضات الجمركية في ضوء النظام العشري للتفضيلات الجمركية التي أقرته الجات في أوائل السبعينات، فلولا امكانات التصدير غير المعاق إلى البلدان الرأسمالية الصناعية الذي وفرته هذه التخفيضات ما كان من الممكن لتجربة النمور الآسيوية أن تشهد هذا النجاح الذي حققته.











أهم الإنجازات التي حققتها النمور الآسيوية:

1. استطاعت هذه الدول أن تغير من بنيان إنتاجها المحلي الإجمالي لصالح القطاعات والفروع ذات الإنتاجية الأعلى وذات الأثر التنموي الانتشاري الواسع.

جدول رقم 2
تغيير بنيان الإنتاج المحلي الإجمالي في دول النمور الآسيوية
فيما بين 1965-1995 ، % من الناتج المحلي الإجمالي
النصيب النسبي للخدمات النصيب النسبي للصناعة النصيب النسبي للزراعة الدول
1995 1965 1995 1965 1995 1965
50%64%83% 46%74%58% 43%36%17% 25%24%40% 7%00 38%3%2% كوريا الجنوبيةسنغافورةهونج كونج
المصدر: المحنة الآسيوية، د. رمزي زكي، ص 34

2. في ضوء هذا التغيير البنياني، حققت دول النمور معدلات نمو اقتصادي لافتة للنظر من حيث ارتفاعها وبشكل مستمر خلال الفترة 1965-1995، فخلال الفترة من 1965-1980 استطاعت كوريا أن تحقق متوسط معدل سنوي بحوالي9.6 % و 9.4% في الفترة 1980-1990 و 7.2% ممن 1990-1995، وفي سنغافورة كانت هذه المعدلات 10.1%، 6.4%، 8.7% على التوالي للفترات نفسها. وفي هونج كونج كانت المعدلات 8.6%، 6.9%، 5.6% على التوالي وأيضاً للفترات نفسها. ( من أعلى معدلات النمو الاقتصادي في العالم ).
3. حققت هذه الدول تقدماً كبيراً في مجال التكنولوجيا. ففي بداية مراحل النمو ركزت هذه الدول على التكنولوجيا البسيطة ذات الكثافة العالية لعنصر العمل وذلك من أجل امتصاص فائض العرض من القوة العاملة الرخيصة وغير الماهرة والتخلص من مشكلة البطالة والتغلب جزئياً على مشكلة التمويل في المراحل الأولى من النمو لأنها قللت الحاجة إلى الاستثمارات المرتفعة، ثم استطاعت هذه الدول استخدام التكنولوجيا كثيفة رأس المال.
4. التفوق الاستثنائي في مجال التصدير: فقد استطاعت كوريا أن تنمي صادراتها خلال القترة 1965-1980 بمتوسط معدل سنوي 27.2%، وسنغافورة بمعدل 4.7% وهونج كونج 9.5% خلال الفترة نفسها.
الجدول رقم 3
معدل نمو الصادرات
1990-1995 1980-1990 1965-1980 الدول
7.7%12.1%15.8% 13.7%12.2%15.4% 27.2%4.7%9.5% كوريا الجنوبيةسنغافورةهونج كونج

5. كانت من نتيجة هذه الإنجازات أن تحسن مستوى المعيشة في هذه الدول واتجاه متوسط دخل الفرد للتزايد وبمعدلات كبيرة.
الجدول رقم 4
تطور نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في بعض
دول النمور الآسيوية خلال الفترة 1960-1995 (بالدولار)
متوسط معدل النمو 1995 1990 1980 1970 1960 الدولة
7.1%6.4%5.8% 56631345111911 413298775897 195359075939 96730673128 52015101631 كوريا الجنوبيةسنغافورةهونج كونج
المصدر: المحنة الآسيوية، د. رمزي زكي، ص 42

ورغم كل هذه الإنجازات الضخمة إلا أن ذلك لا ينفي ما شاب التجربة من سلبيات وعيوب ونواقص وتناقضات. من هذه العيوب:
1. الاستغلال الفادح الذي وقع على العمال والنساء والأطفال.
2. التفاوت الصارخ الذي حدث في توزيع الدخل والثروة القوميين بين مختلف الطبقات والشرائح الاجتماعية.
3. الضعف الشديد لمنظمات المجتمع المدني، وحرمان الناس من حقوقهم في التنظيم النقابي والسياسي وغياب كامل للديمقراطية.
4. الإهمال الشديد للبيئة وما أدى ذلك إلى زيادة درجات تلوث الجو والمياه والأرض.
5. الضعف الأساسي في هذه التجربة أنها اعتمدت بثقل كبير على فلسفة التصدير الذي يقود النمو Export led growth ، الأمر الذي جعل هذه الدول أكثر حساسية في تلقي الصدمات الخارجية.

آلية حدوث الأزمة وأثرها على دول النمور الآسيوية:

بدأ ت ظروف نشوء الأزمة تتشكل بعدما رضخت هذه الدول لضغوط البلدان الصناعية والمنظمات الدولية ( صندوق النقد الدولي - البنك الدولي و منظمة التجارة العالمية ) ولأصحاب المصالح بتنفيذ سياسات تدخل ضمن ما يسمى بالعولمة، أي الاندماج بسرعة في الاقتصاد العالمي من خلال نهج ليبرالي متطرف يزيح الدولة بعيداً عن الإشراف والرقابة، وكان من أهم هذه السياسات:
1. إجراء عمليات تحرير مالي ونقدي واسعة شملت التخلص من القيود والضوابط التي كانت مفروضة على حركة رؤوس الأموال الأجنبية، دخولاً وخروجاً، مع السماح بعمليات الإقراض والاقتراض بالعملة المحلية، وفتح الأسواق المالية في هذه الدول أمام المستثمر الأجنبي.
2. زيادة سعر الفائدة في الداخل بفارق كبير عن الخارج.
3. ثبات أسعار الصرف في هذه الدول تجاه الدولار الأمريكي، وهو الأمر الذي وفر ضماناً للمستثمرين الأجانب ضد مخاطر تقلبات هذه الأسعار. وبذلك أصبح بإمكان المستثمر أن يحسب ويقيم بدقة عملياته وأرباحه وتحويلاته للخارج.
بالإضافة إلى هذه السياسات ظهور العجز في الميزان التجاري لهذه الدول، فقد أصبح الميزان التجاري في هذه الدول خلال الثمانية عشر شهراً السابقة للأزمة يعاني من العجز، ويعود ذلك إلى التراجع الذي حدث في الصادرات والنمو الكبير الذي طرأ على الواردات.
بالنسبة للصادرات فإن تراجعها كان بسبب:
1. موجة الركود الاقتصادي العالمي عموماً، وفي البلدان الصناعية خصوصاً التي تستوعب الشطر الأكبر من صادرات هذه الدول.
2. ارتفاع درجة التنافس بين صادرات هذه الدول، فهذه الدول لم تقم أي نوع من التكامل الإنتاجي فيما بينها. فكل دولة لجأت إلى تنمية وتطوير الصناعات والفروع ذاتها التي نمّتها وطورتها الدول الأخرى، الأمر الذي خلق صفة هيكلية تعاني منها، وهي ارتفاع درجة التنافس فيما بينها.
3. دخول الصين كمنافس قوي لهذه الدول حيث أصبحت تنتج السلع نفسها التي تخصصت بها النمور الآسيوية وتقوم ببيعها بأسعار تنافسية شديدة بسبب رخص كلفة العمل الصينية مقارنة بكلفة العمل في النمور الآسيوية.
أما بالنسبة للواردات، فقد شهدت خلال الثمانية عشر شهراً السابقة على الأزمة نمواً كبيراً بسبب إجراءات تحرير التجارة الخارجية وخفض الضرائب على الواردات وبالذات على السلع الكمالية والمعمرة وغير المعمرة التي تستهلكها الطبقة الوسطى التي زادت دخولها وارتفع مستوى معيشتها وبدأت تميل لتقليد الأنماط الاستهلاكية الغربية.
في ضوء السياسات السابقة أصبحت دول النمور الآسيوية نقطة جذب شديدة لحركة رأس المال المالي العالمي المضارب، وبعد أن كانت هذه الدول مراكز جذب قوية لحركة الاستثمارات الأجنبية المباشرة في عقدي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي أصبحت منذ انتهاجها لهذه السياسات مركز جذب للاستثمارات الأجنبية في الحوافظ المالية.
كان المستثمرون الأجانب يدخلون إلى هذه الدول بالدولار ثم يقومون بتحويله إلى عملة البلد واستخدام حصيلة ذلك في شراء الأراضي والعقارات والأوراق المالية، والمضاربة عليها، مما رفع سعرها بشكل مصطنع، ثم يقومون بعد ذلك ببيع هذه الأصول محققين بذلك أرباحاً كثيرة يحولونها إلى دولارات من سوق الصرف المحلي، في ضوء سعر الصرف الثابت، للخارج. ومع تزايد هذه التحويلات للخارج تعرض سعر الصرف للعملة الوطنية لضغوط شديدة، بلغت ذروتها في حالة تايلاند يوم 2 تموز 1997.
فمنذ الربع الأول من عام 1997 كان العجز في الحساب الجاري وكذلك الديون الخارجية وأعباء خدمتها قد تصاعدت على نحو واضح مما جعل الكثير من المتعاملين في سوق الأوراق المالية وسوق الصرف الأجنبي في تايلاند يتنبأون بأن البلد مقبل على تخفيض في قيمة عملته، وبالتالي فإن المستثمر الأجنبي الذي أدخل كمية معينة من رأسماله بالدولار إلى البلد ثم حولها إلى البات ليستثمرها بعد ذلك في الداخل، سوف يخسر بعد حدوث التخفيض، لأن قيمة أصوله المستثمرة، مقومة بالدولار، سوف تنخفض. وحينما ساد هذا الشعور بدرجة قوية بين المستثمرين الأجانب والبنوك الأجنبية وتجار العملة وسرت إشاعة قوية بأن السلطة النقدية في تايلاند سوف تتخلى عن تثبيت البات تجاه الدولار، تزايدت موجات بيع الأصول المالية منذ الربع الأول من هذا العام (1997). وقام البائعون بشراء الدولار من السوق المحلي والخروج به من تايلاند. ومنذ ذلك الوقت بدأ سعر صرف البات يتعرض لضغط واضح، حاول بنك تايلاند المركزي مواجهة هذا الضغط من خلال ضخ المزيد من الدولارات، مستخدماً في ذلك احتياطياته الدولية لكي يدافع عن سعر صرف البات، وخسر البنك المركزي في أسبوع واحد 20 مليار دولار بعد أن تعرض البات لحركة محمومة من المضاربات من تجار العملة. وفي 2 تموز 1997 بيعت كميات هائلة من الأوراق المالية ومن حصيلة بيعها تم شراء مقادير كبيرة من الدولار الأمريكي من سوق الصرف المحلي. ولم تفلح جهود البنك المركزي في وقف التدهور في سعر صرف البات رغم ضخ كميات هائلة من الدولار في السوق. فقام بنك تايلاند المركزي بالتخلي عن ربط البات بالدولار وقرر تعويم سعر صرفه في ذلك اليوم، مما أدى إلى مزيد من تدهوره، لدرجة أن سعر صرف البات في هذا اليوم وحده تدهور بنسبة 20% واستمر التدهور بعد ذلك ليصل سعر صرف الدولار إلى 36.30 باتاً في 22 أيلول 1997 بعد أن كان 24.65 باتاً في 30 حزيران 1997، وهو ما يعكس تدهوراً بنسبة 47.3% في غضون هذه الفترة القصيرة. وزاد في خطورة الأمر، أن هذا الانخفاض الذي حدث في سعر الصرف قد اقترن أيضاً بتدهور شديد في حجم الاحتياطيات الدولية لدى البنك المركزي، مما أدى إلى مزيد من إضعاف الثقة في البات وأضعف بالتالي من الجدارة الائتمانية للاقتصاد التايلندي في الأسواق الدولية.
وسرعان ما انتشرت النيران في باقي النمور الآسيوية بسبب الطبيعة المتشابهة والمتنافسة لاقتصادياتها ( حيث كل دولة نمت وطورت الفروع والصناعات نفسها التي نمتها وطورتها النمور الأخرى )، ومن هنا فإن أي تخفيض يطرأ على قيمة عملة أي دولة الأمر الذي ربما يؤدي إلى تحسين صادراتها، سرعان ما يؤثر في باقي النمور الأخرى مما يدفعها أيضاً إلى التخفيض ( وهو ما يعرف بحرب التخفيضات ). وهكذا حدث السيناريو نفسه في كل من اندونيسيا والفلبين وماليزيا وكوريا الجنوبية. وانتقلت العدوى، بدرجات متفاوتة، إلى كل من هونج كونج وسنغافورة. فتهاوى سعر الرينغيت الماليزي بنسبة 24% خلال الفترة ما بين 30 حزيران و 22 أيلول 1997، وسعر الروبية الاندونيسية بنسبة 25%، والبيزو الفلبيني بنسبة 26%. وفي أوائل شباط 1998 كانت نسب تدهور هذه العملات مقارنةً مع بأسعار تموز 1997 كما يلي:
الرينغيت الماليزي -34.46%
الروبية الاندونيسية -74.4%
البات التايلندي -45.82%
البيزو الفلبيني -33.58%
دولار سنغافورة -13.83%
دولار تايوان -15.82%
وون كوريا الجنوبية -45.89%
وصاحب ذلك هبوط حاد في أسعار الأوراق المالية، أصاب المتعاملون بها خسائر رأسمالية فادحة. فخلال الفترة من تموز-تشرين الأول 1997 هوت أسعار الأسهم بنسبة تقدر بحوالي 65% في ماليزيا وتايلاند والفلبين واندونيسيا. وأعلن الأمين العام لمنظمة آسيان، أنه منذ تموز1997 وحتى أوائل كانون الثاني 1998 بلغ حجم خسائر النمور الآسيوية 700 مليار دولار. بالإضافة إلى حركة النزوح الهائلة التي حدثت لرؤوس الأموال الساخنة لخارج البلاد.
ومما زاد الطين بلة، أن البنوك التجارية المحلية والشركات الكبيرة كانت قد تورطت في الاقتراض الخارجي قصير الأجل، حيث كانت تقترض من أسواق النقد الدولية ثم تقوم بتحويل قروضها التي حصلت عليها بسعر فائدة أقل من سعر الفائدة المحلي إلى العملة المحلية وإعادة إقراضها أو استخدامها في عمليات المضاربة، وبالذات في مجال الأراضي والعقارات، ولهذا فإنه حينما تدهور سعر الصرف للعملة المحلية في صيف 1997 تعرضت هذه البنوك والشركات لمتاعب شديدة جداً، لأنه أصبح عليها أن تشتري الدولار بأسعار متزايدة ( مقوماً بالعملة المحلية ) لكي تدفع ديونها الخارجية قصيرة الأجل بالعملة الأجنبية، الأمر الذي ألحق بها خسائر جمة. وزاد الموقف حرجاً أن البنوك التجارية لجأت إلى استخدام أصولها قصيرة الأجل في استثمارات طويلة الأجل، مما عرض الكثير منها لحالات الإعسار المالي ( نقصان السيولة النقدية )، بل ولحالات عدم القدرة على الدفع ( الإفلاس ) وفوق ذلك ما قامت به بعض البنوك من إفراط في زيادة الائتمان المصرفي فوق حدود الأمان المصرفي المتعارف عليها، للمضاربة في البورصات وفي سوق الأراضي والعقارات، مما أوقعها في مشكلات عويصة فيما بعد.
وكان من الطبيعي، في هذه الحالة، أن لا تتمكن هذه الدول من دفع أعباء ديونها الخارجية في هذا العام. بالإضافة لما أحدثه النزوح الهائل لرؤوس الأموال إلى الخارج من تزايد في العجز في موازين مدفوعاتها، وهو الأمر الذي تطلب مزيداً من الاقتراض الخارجي. لكن المقرضين كانوا قد أحجموا عن توفير القروض التي طلبتها هذه الدول بسبب التدهور الذي حدث في سمعة جدارتها الائتمانية في أسواق النقد الدولية. مما دفع الحكومات في هذه الدول إلى طلب التوقف عن سداد الديون الخارجية، والدخول في مفاوضات إعادة الجدولة وطلب مساعدة صندوق النقد الدولي، الذي أخذ يكيل الاتهامات والانتقادات لهذه الدول وللسياسات التي اتبعتها بالرغم من أنه قبل فترة قصيرة من وقوع الأزمة كان يشيد بتجربة هذه البلدان، وبالتالي اشترط صندوق النقد على هذه الدول الامتثال لبرنامج صارم للتثبيت الاقتصادي، وهو برنامج نمطي يفرضه خبراء الصندوق على مختلف البلاد التي تقع في مأزق استدانتها الخارجية مهما كانت ظروفها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وقد استجابت النمور الآسيوية لشروط البرنامج باستثناء ماليزيا.
ومن الإجراءات التي طلبها صندوق النقد الدولي من هذه الدول، خفض الإنفاق الحكومي وزيادة الضرائب وأسعار الخدمات العامة وزيادة أسعار الفائدة وتقييد الائتمان المصرفي.
لقد أدى ارتفاع سعر الفائدة على النحو الذي أوصى به الصندوق، بالإضافة إلى سياسة تقييد الائتمان المصرفي إلى أن تصبح معظم الشركات المحلية على شفا الإفلاس والتصفية والبيع، وتمكن المستثمرون الأجانب من شرائها بأسعار بخسة، وقد أدى ذلك إلى زيادة عدد العاطلين عن العمل وعزز هذه الزيادة إصرار الصندوق على خصخصة الشركات العامة وتسريح عشرات الألوف من عمالها، كما أصر الصندوق على أن تتخذ هذه الدول المزيد من السياسات التي من شأنها فتح اقتصادياتها (رغم انفتاحها أصلاً )، مثل تحرير التجارة الخارجية من خلال تخفيض التعريفات الجمركية وإلغاء الحماية المحلية للصناعات الوطنية وإلغاء القيود عن ملكية الأجانب للشركات والبنوك المحلية، وإلغاء القيود على الاستثمارات الأجنبية في مجال الأسواق المالية...... الخ.
وهي السياسات التي مكنت الدائنين والمستثمرين الأجانب من زيادة سيطرتهم على اقتصاد هذه الدول وتزايد نصيبهم في ملكية الثروة القومية والدخل القومي. كما أدت إلى إفقار شديد لنسب عريضة من السكان، فارتفعت نسبة من يقعون تحت خط الفقر المطلق تحت تأثير تفاقم البطالة وإلغاء الدعم وارتفاع أسعار ضروريات الحياة وخفض ( أو إلغاء ) برامج المساعدات الحكومية، وحدوث انتكاسة في اتجاهات التنمية البشرية التي كانت قد تحسنت كثيراً وكان من الطبيعي في هذه الحالة أن تتوتر الأوضاع الاجتماعية والسياسية والأمنية في هذه الدول، حيث زادت حركة الاعتصامات والمظاهرات للاحتجاج على ارتفاع الأسعار وزيادة البطالة وتدهور مستويات المعيشة، ولقد اتخذت هذه التوترات بعض مظاهر العنف والفوضى.
والأمر الجدير بالملاحظة في هذه التطورات، أن أزمة الديون الخارجية التي وقعت فيها هذه الدول والتي جعلتها عاجزة عن دفع أعباء ديونها الخارجية، لم تكن نتيجة للاقتراض الحكومي أو بسبب القروض التي حصل عليها القطاع العام، بل راجعة كلياً إلى نشاط القطاع الخاص الذي سُمح له أن يقترض من الخارج بدون رقابة. ومثال ذلك كوريا الجنوبية، ففي الوقت الذي بلغت فيه الديون الخارجية على هذه الدولة عام 1997 حوالي 153 مليار دولار أمريكي، كان يقع على عاتق البنوك الكورية مبلغ 99 مليار دولار، بالإضافة إلى مبلغ 43 مليار دولار مستحق على الشركات الكبرى.



الدروس المستفادة من هذه التجربة:

1. إن الأزمة التي اندلعت في دول النمور الآسيوية قد وضعت حداً للأوهام التي راجت حول العولمة ومزاياها للبلدان النامية.
2. كان من المعتقد لدى كثير من الاقتصاديين، أن أزمة المديونية الخارجية للبلدان النامية قد نجمت عن تضخم الإنفاق الحكومي ودور الحكومات في النشاط الاقتصادي وعن ممارسات القطاع العام. وقد كشفت أزمة دول النمور الآسيوية عكس ذلك، حيث أن تفاقم المديونية الخارجية فيها، والتي فجرت الأزمة عام 1997 لم تكن راجعة للنشاط الحكومي بل نتيجة للميل المفرط للقطاع الخاص في هذه الدول للاستدانة من الخارج.
3. إن البلد الذي يتسرع في فتح اقتصاده وسوقه على السوق العالمي وإلغاء القيود على حرية دخول وخروج رؤوس الأموال في أي وقت تشاء وانفتاح الأسواق النقدية والمالية أمام نشاط هذه الأموال يضع مصيره في قبضة المضاربين.
4. لا بد من الاستفادة من الوفرة النسبية التي يتمتع بها البلد في عناصر الإنتاج في تحديد مجالات الإنتاج والتخصص واختيار التكنولوجيا.
5. أكدت الأزمة على حقيقة أساسية وهي أن تفاقم الديون الخارجية كان وسيظل دوماً هو المستنقع الرئيسي الذي تنفجر فيه الأزمات المالية والنقدية، وهي الطريق الذي يقود إلى جهنم، أي إلى طلب إعادة جدولة الديون والرضوخ لبرامج التثبيت الاقتصادي لصندوق النقد الدولي ذات الطابع الانكماشي وما يتلو ذلك من تفجير البطالة والركود وارتفاع الأسعار وزيادة الفقر والحرمان وارتهان موارد البلاد والتحكم في مسارات النمو لصالح خدمة أعباء الديون المؤجلة.
6. كما كان غياب الديمقراطية وانتشار الفساد في كل المجالات وسوء توزيع الدخل القومي لصالح فئة قليلة من المجتمع وغياب الشفافية، الدور الهام في تفاقم أزمة هذه البلدان.
7. كشفت هذه الأزمة على ضرورة إعادة الاعتبار لدور الدولة وأهميته في ضبط آليات الحركة للنشاط الاقتصادي.
8. لفتت هذه الأزمة الانتباه إلى ضرورة السعي للتعاون والتضامن والتكامل الاقتصادي فيما بين دول العالم الثالث.


انتهى البحث
عبد الرحمن تيشوري


المصدر :: عبد الرحمن تيشوري - تجربة النمور الاسيوية والعوامل التي ادت الى ازمتها
========
========


النمور الآسيوية.. الأزمة والانهيار والعودة إلى الصدارة
''النمور الآسيوية'' مصطلح دلالة، أطلق على مجموعة من بلدان جنوب شرقي آسيا في الربع الأخير من القرن الماضي، حيث ساد فيها نموذج تنموي، أشير له كنموذج يحتذى للبلدان النامية.
العام 1997 حدثت أزمة مالية حادة لتلك الاقتصاديات بدأت في تايلند، لتصيب بعدواها جملة البلدان المعنية. وإن بأحجام ومستويات متباينة.
بعد عقد من الزمن، أين أصبحت تلك الاقتصاديات؟ وكيف استطاع بعضها تخطي الأزمة وتداعياتها؟ وما مصير البعض الآخر، ولماذا تخلف عن إمكان النهوض مجددا؟
أسئلة تطرح، في وقت مفصلي في تحليل وفهم آليات التطوير والتنمية الاقتصادية، وبظل صيغ لحركة المال المضارب عبر البورصة، يشهد فيها تقدما وفعالية في الدور التمويلي وتعظيم المداخيل، علما بأن الأزمة المذكورة، حدثت بدور أساس للرأسمال المضارب.
يستحق هذا الموضوع، المتابعة الأدق والاشمل، حتى لو كانت البداية، القاء ضوء ولو كان خافتا على مصير ما سمي ب''النمور الآسيوية'' وهل عاد بعضها نمرا، أم...؟
النمر حيوان شرس من فصيلة السنيوريات الأربعة، من صفاته السرعة والمباغتة، وهو هجين بين الأسد والنمر الأسود. وإضافة الى بعده القدسي في الثقافة الآسيوية، يرتبط عربيا بصفة اضافية تعني الصيد والقنص، والقدرة على التخفي وعدم الظهور ثم الانقضاض (الموسوعة).
هل هذا ما انطبق على البلدان الآسيوية الجنوبية الشرقية، حتى نعتت بالنمور؟
إن المسيرة الاقتصادية لهذه البلدان، بحسب دراسة نشرتها صحيفة ''القبس'' الكويتية تفيد الانطباق الكامل مع تلك المعاني. فقد حققت البلدان المعنية، قفزات اقتصادية صناعية تحديدا في أواخر القرن الماضي، كانت مدعاة للذهول والتساؤل والجدال، حيث وصل معدل نموها الى 10%، طبعا لكل بلد من بلدان النمور حكايته مع التطور، ورغم ذلك كان لها ما يجمعها من السمات والصفات. لعل أهمها هو أنها خالفت السائد حينها في الأدبيات الاقتصادية، تلك التي قرأت النمو كمرادف لتوفير الثروات الطبيعية، التي استبدلت بالتركيز على الاستثمار في أحد عوامل الإنتاج المتوافرة عندها، ألا وهو الإنسان نفسه.
ونذكر من أهم الظواهر الاقتصادية المشتركة بينها الآتي:
تبني الليبرالية الاقتصادية، وتشجيع استقدام الاستثمارات الأجنبية.
الاستناد الى التصنيع، تصديرا الى الدول الغنية.
الاقتداء بالنموذج الياباني للنمو الاقتصادي.
غياب الديموقراطية في البنى السياسية والسلطوية.
هكذا خلال فترة زمنية قصيرة نسبيا لا تتعدى 25 سنة، قبل وقوع الأزمة، حققت النمور نموا، رأت فيه مؤسسات العولمة الاقتصادية نموذجا يحتذى.
أزمة فنهوض
وحدثت الأزمة الكبرى العام،1997 بداية من تايلند، ثم انتقلت العدوى الى باقي البلدان. والسؤال الآن، بعد سنوات عشر هل استطاعت النمور تخطي آثار الأزمة، واستيعاب تداعياتها؟
بالوقائع، يبدو هذا السؤال في غير مكانه، فلم يتعد الزمن عمر السنة، حتى كانت معظمها، تصحو من كبوتها وتخرج من أزمتها. حتى وصلت احتياطياتها اليوم مجتمعة من العملة الاجنبية نحو 3 تريليونات دولار، وتضاعف تدفق رؤوس الأموال الى اسواقها نحو 6 مرات. وصادراتها الخارجية تمثل حصة كبيرة من اجمالي التجارة العالمية، ومعدلات نموها تتراوح بين 9.5%. تعلمت من تجربتها، وحولت الاخفاق الى نجاحات مشهودة، مستندة الى منظومة فكرية قيمية، تقدس العمل والتخطيط الدقيق.
شخصت أسباب الأزمة، دون مكابرة او هاجس ''المؤامرة''، وقامت بحزمة إصلاحات اقتصادية ومالية جادة وشفافة، فأعادت هيكلة اقتصادها وتنظيم مؤسساتها المالية، وفرضت الرقابة على تحركات رؤوس اموالها، باختصار عادت الى المسرح الاقتصادي أقوى وأفضل.
عاملان أساسيان شكلا رافعة إعادة البناء والنهوض:
أولهما: دعم صندوق النقد الدولي وتقديمه قروضا للطوارئ، مثال على ذلك 17 مليار دولار لتايوان، 50 مليارا لاندونيسيا، 58 مليارا لكوريا الجنوبية.
ثانيهما: وجود ثروة بشرية مؤهلة تأهيلا عاليا، شكلت رصيدا أساسيا للقيام بمستلزمات تصحيح الخلل.
سنغافورة لم تنتظر طويلاً
تتربع سنغافورة اليوم على عرش مؤشرات الحرية الاقتصادية، وهي قاعدة أساسية لنقل البضائع والخدمات الى الأسواق العالمية، فعلى ارضها أنشط مرافئ الحاويات في العالم، حيث يصل تداول الحاويات الى 5.18 ملايين سنويا، كما تتمتع بخطوط مواصلات شاملة جوا وبحرا، وهي اليوم اكثر الدول جاهزية من حيث توصيل الشبكات عبر تقنية المعلومات. ويقيم في سنغافورة سبعة آلاف شركة متعددة الجنسيات، وتغطي شبكة اتفاقيات التجارة الحرة اليوم نحو 60% من الناتج المحلي السنغافوري.
اقتصاد المعرفة
لماذا سنغافورة مركز جذب بهذا الحجم للشركات العالمية؟ الجواب يقدمه وجود أهم مراكز الابحاث والتطوير عالميا، فاقتصادها بات اقتصاد معرفة، حيث تخصص 2% من الناتج المحلي للأبحاث، والاتجاه اليوم الى تخصيص 3%، والاهم من ذلك هو توثيق العلاقة بين هذه المراكز البحثية والقطاعات الاقتصادية، خصوصاً الصناعة. وتتكاثر نسبة العاملين في الابحاث لتصل الى 4745 عاملا من كل مليون نسمة، علما أن هذه النسبة في الولايات المتحدة هي 4484 عاملا.
القطاع الوظيفي في سنغافورة من الأرشق في العالم، حيث يوجد فقط 50 الف موظف، ينالون أعلى الرواتب، فمثلا راتب الوزير 1.2 مليون دولار سنويا، اي ثلاثة اضعاف راتب الرئيس الاميركي، وراتب رئيس الحكومة مليونا دولار، لذلك ينخفض الفساد الاداري والمالي الى حد كبير، وتتصدر مؤشرات الشفافية في العالم.
الإنتاجية العالية
العمالة أفضل الموارد السنغافورية، حيث تتميز بالإنتاجية العالية والمهارة الفنية وأخلاقيات العمل الرفيعة، ويعتبر الانترنت أسلوب حياة، فمن كل عشرة اشخاص 9 يستخدمون البريد الالكتروني، اي 90% من السكان، و75% من الأسر تقتني جهاز كمبيوتر، ومنهم 28% اكثر من اثنين.
وصلت عوائد صناعة التكنولوجيا العام ,2006 الى 7.22 مليارات دولار، بزيادة 8% عن العام الذي سبق (حسب دائرة الاحصاء)، وتنعم سنغافورة بأحدث مستويات وسائل التعليم وشموله، وقد تصدرت الاولمبياد العالمي في امتحانات المواد العلمية العام .2006
تشجيع زيادة النسل
يتميز سكان سنغافورة نحو 4 ملايين نسمة، بمستوى معيشة عال، وبتقاليد منفتحة (كوسموبوليتية)، تحتضنهم ظروف استقرار وامان وسمعة طيبة في انجاز الاعمال، اضافة الى حماية متشددة للملكية الفكرية، حتى اصبحت مركزا موثوقا به لعمل الشركات وتواجدها.
ونتيجة للتطور المنجز وللحاجة المتزايدة للعنصر البشري، تنفق اموالا طائلة على تشجيع النسل، فقد تم انفاق 300 مليون دولار تشجيعا لهذا التوجه العام .2006
كيف لا، وحصة الفرد من الناتج الوطني العام 2006 تقريبا 31 الف دولار سنويا.
هل عادت نمراً؟
هذه الانجازات، قامت على اسس متينة في الاقتصاد السنغافوري، حيث شكل قطاع الصناعة 27% والناتج، والخدمات والتجارة الثلثين الباقيين. وتمثل النمو الاقتصادي العام 2006 بواقع 66% عن السنة التي سبقتها، وكان في سلع الالكترونيات والكيماويات، وخدمات الهندسة والعلوم الطبية الحيوية. ارقام الانتاج تشير الى الموقع المتقدم في الاقتصاد العالمي، حيث تتلخص بالقياس العالمي بالآتي:
70% من منصات استخراج البترول البحرية، 50% من المراكب السريعة، 35% من الزجاجيات المتعددة الكربونات لصنع الاقراص المدمجة C.Ds، 25% من ماكينات قطاع البيع، تحوي ثالث اكبر مصفاة بترول، ومن اكبر شركات الاتصالات.
بالقياس الآسيوي، تحوي احد اكبر مؤسسات انتاج البتروكيماويات، واكبر مركز لصيانة واعادة بناء محركات الطيران.
ويعمل الاقتصاد السنغافوري اليوم على تطوير قطاعات ناشئة مهمة منها: التقنية الحيوية والدقيقة، التعليم الدولي، تنقية البيئة والطاقة البديلة.
واخيرا، هل سنغافورة النمر قبل الازمة، عادت نمراً؟ ام أسداً يكلل رأسه التاج في النشاطات الاقتصادية وفي الدور على صعيد العلاقات الاقتصادية الدولية؟
ماليزيا: الأزمة كبوة جواد
الجودة والتصدير قاطرة التنمية في ماليزيا. فاكتسبت سمعة طيبة، وان كبت مع أزمة النمور 1997 استطاعت ان تنهض بسرعة وتعاود الانطلاق محققة افضل اداء اقتصادي في اقليم جنوب شرق آسيا. وقد تميزت في المرحلتين قبل الأزمة وبكيفية النهوض تاليا.
ومن اهم مميزاتها، توزيعها للثروة لصالح الفقراء، اصحاب البلد الاصليين، الذين يشكلون نحو نصف المواطنين، مقابل الاقليات الغنية، وعلى رأسهم الصينيون والهنود المسيطرون على الاقتصاد.
مرت ماليزيا في مرحلتين أساسيتين في النشاط الاقتصادي، الاولى: احلال المنتجات الوطنية مكان الواردات، والثانية: التحول الى سياسة التصدير، عبر النمو الصناعي والتحول الهيكلي.
كانت الزراعة تشكل 39.3% العام 1957 والعمالة فيها 61.3%، فتحولت الى 13.6%، في حين ان الصناعة كانت 11.1% والعمالة 6.4%، وصلت الى 33.1% والعمالة 25.9%. هذا التغيير والتبديل في البنية الاقتصادية، ادى الى نمو الصادرات المصنعة، ورفع مستوى تقنيات العمل.
أهم أسباب النجاح
قامت السياسات الاقتصادية الماليزية على قاعدة تأمين البيئة المؤاتية لنمو المدخرات، ولجذب الاستثمارات الاجنبية، واستطاعت ادارة مشكلة التضخم المالي، ونقص العمالة. فركزت على التخصيص الكفء للموارد المتاحة، والتوجه نحو الاستخدامات الاستثمارية ذات الانتاجية الاعلى.
محور فلسفة الادارة الاقتصادية الماليزية، يتلخص في المزج الجيد بين آليات السوق والتدخل الحكومي، وكذلك اشراك مختلف الفئات الاجتماعية في عملية التنمية، بقيادة ادارة اقتصادية حكيمة توحي بالثقة.ركزت ماليزيا بعد الأزمة على استعادة قيمة العملة والحفاظ عليها، زيادة متوسط الدخل ودعم الفقراء، تخفيف حدة التضخم والحفاظ على القدرة الشرائية للاجر. استندت هذه التوجهات على التمدين ''عكس الترييف''، لتصل نسبة سكان المدن الى 60%. وعلى التدريب والتأهيل المهنيين، وبالتالي عرض قوة العمل الماهرة والقادرة على سد حاجات الصناعة المتنامية، كما انها عملت على التقليل من الاعتماد على العمالة الاجنبية.
التعليم على حساب الأمن
لذلك كان من الضروري تحسين مستوى التعليم، وربط الاجور بانتاجية العمل. ولهذا كانت خطوة تقليل الانفاق الحكومي على مصروفات الامن 0.8%، وزيادة المصروفات على التنمية 16.3% من الموازنات.
لذا حسب دائرة الاحصاء المركزي، كانت المؤشرات الاقتصادية الماليزية، تؤكد تحقيق الاهداف. فقد وصل النمو العام 2006 الى 6%، وفي الاشهر الثلاثة الاولى من العام 2007 الى 5.3%. وتراجعت نسبة التضخم الى 2% فقط العام .2006
وكانت الخدمات والبناء اساس المساهمة في النمو، حيث كانت النسب 9.6% و4% على التوالي: اما الزراعة فكانت 2% والصناعة 1.7% والتعدين 1.1%.حصة الفرد من الصادرات 4800 دولار، وهذا اعلى من حصة الفرد الاميركي حيث تصل الى 3100 دولار.اذن، عادت ماليزيا نمرا اقوى وافضل من السابق.
كوريا الجنوبية الأكثر نضجاً
تعتبر التجربة الكورية الجنوبية، اكثر التجارب نضجا، فقد تحولت من الدولة الآسيوية الثالثة الاكثر فقرا في الخمسينات الى المرتبة الثالثة اقتصاديا في آسيا بعد الصين واليابان، والعاشرة على صعيد العالم.
تشكل الصادرات اليوم 40% من النشاط الاقتصادي، وتنمو بوتائر لافتة، فمن 29% العام ,2003 الى 31.2% العام ,2004 ووصلت الى 255 مليار دولار العام ,2005 في حين كانت نسبة النمو الاقتصادي عموماً 10%.
تعد السيارات من اهم المنتجات الكورية، 3.2 ملايين سيارة العام ,2005 عدا عن المصانع الكورية المنتشرة خارجها.
اعتمدت الولايات المتحدة الأميركية على كوريا كأحد اسواق دائرة الضوء السبع، لذا ركزت عليها في تعاملاتها الاقتصادية.
بعد الأزمة وعلى مسار العام ,2000 حققت كوريا الجنوبية تقدما هائلا على صعيد الاتصالات والتكنولوجيا، ووصلت ايراداتها اليومية منها العام 2005 ما يفوق 300 مليون دولار، حيث وصلت في شهر يناير/ كانون الثاني وحده الى 5.7 مليارات دولار، وكقيمة سنوية 85 مليار دولار (حسب وزارة التجارة والصناعة)، اما نسبة النمو العام 2007 لهذا القطاع تحديدا يتوقع ان يصل الى 8%.
تقلصت معدلات البطالة العام 2006 الى 3.9% من حجم العمالة البالغة 23 مليون من مجموع سكاني نحو 48 مليون نسمة، واسواق الطلب على العمالة مفتوحة تستوعب كل قادم، خصوصاً في قطاعي الزراعة والخدمات.
وللدلالة على حجم الطلب على العمل، نشير الى ارتفاع اعداد المتقاعدين الذين يحصلون على عمل مرة ثانية (وزارة التجارة)، من المتوقع، (ودائما حسب وزارة التجارة)، ان تحتل كوريا الجنوبية المركز الثامن عالميا العام 2020 على صعيد سرعة النمو.
تايلند شرارة الأزمة
تايلند التي انطلقت منها شرارة الأزمة، دخلت مرحلة النقاهة العام ,1999 فزاد معدل نموها 4.4%، ثم وصل العام 2005 الى 10%، وتركزت قطاعاتها الاقتصادية على الصناعة 40% والزراعة 11% و49% خدمات.
تميزت بانتاج الاثاث، والبلاستيكات، والمجوهرات، واجهزة الكمبيوتر، فكان معدل نمو صادراتها العام 2006 ما يقارب 7%، أما أهم الصادرات فهي اجهزة الكمبيوتر والملابس والأرز. رغم ان معدل التضخم العام 2005 وصل الى 3%، فقد كان نصيب الفرد من الناتج المحلي 6900 دولار.وتستورد السلع الرأسمالية والاستهلاكية والسلع الوسيطة، وسددت قروضها لصندوق النقد الدولي، ونما الاستثمار الخارجي بمعدل 19%، ولم تصل الى مستوى إخوانها، لكنها تسير في طريق النمو الحقيقي.
إندونيسيا ومشكلة القطاع البنكي
آخر الدول التي سددت قروض الإنقاذ، البالغة 7.8 مليارات، لكنها ايضا سددت قبل اربع سنوات من تاريخ الاستحقاق، لتوفر 200 مليون دولار فوائد الدين.
انطلقت بعد الأزمة على اسس قوية، ونما اقتصادها بمعدل 6% العام ,2006 وايضا العام ,2007 وذلك بدعم من الاستهلاك المتنامي والصادرات المتزايدة لسلع مختارة، وقد بلغت صادراتها (حسب دائرة الاحصاء الاندونيسي) 100 مليار دولار العام ,2006 وتمتعت باستقرار اسعار صرف عملتها، والبورصة فيها تحوز على افضل ثالث مؤشر بعد تايلند وكوريا الجنوبية. كما يبلغ احتياطيها النقدي نحو 47 مليار دولار.
لكن المشكلة تتركز في:
- معدل التضخم 9% وسعر الفائدة 10.25%.
- قطاعها البنكي قلل من حجم وشأن الانجازات، حيث يفتقر للكفاءة والادارة الجيدة للقروض وعدم التعاون مع مجتمع الأعمال وتفشي ظاهرة القروض غير المسددة، ومجمل السيولة الفائضة توظف في أذونات وسندات الخزانة.
- تخلف النظام الضريبي، اضافة الى انتشار الفساد والممارسا ت غير التنافسية.
- كذلك هناك ثلثا الشعب الاندونيسي تحت خط الفقر، ومتوسط دخل الفرد المعلن 1300 دولار، يضاف الى كل هذا تفشي ظاهرة البطالة تقريبا 20%.
هونغ كونغ ومرض السارس
العام 2006 احتفلت هونغ كونغ بالذكرى التاسعة لانضمامها الى الصين، تحت شعار ''بلد واحد ونظامان مختلفان'' استقلال في ادارة الحكم وارتباط في الدفاع والعلاقات الدبلوماسية.
استطاعت ان تتخلص من الركود الاقتصادي، ويتزايد فيها الناتج نموا من 3.2% العام ,2003 الى 6.8% العام ,2004 و7.3% العام ,2005 وصولا الى 8.2% العام ,2006 وهكذا تمضي بانتعاش اقتصادي واستقرار مضمون الخطى والوجهة.
ورغم انها احدى الدول الأكثر كثافة سكانية في العالم، فمعدل الحياة فيها الأعلى 78.6 سنة.
وهكذا رغم تأثرها الشديد بأحداث 11 سبتمبر الاميركية، وبانتشار مرض السارس، وصلت نسبة البطالة الى 4.9% فقط، والطلب على العمالة بازدياد.

المصدر ::النمور الآسيوية.. الأزمة والانهيار والعودة إلى الصدارة - عالم الاقتصاد - صحيفة الوقت البحرينية - يومية سياسية مستقلة

رابط المقال :
https://www.alwaqt.com/art.php?aid=90803
__________________





 

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
طفل رضيع يتزوج من كلبة في الهند لحمايته من هجمات النمور لولو999 قناة الاخبار اليومية 4 October 22, 2009 07:18 PM
@ معلومات عن النمور @ لا تدعها تفوتك أرجون معلومات ثقافيه عامه 11 September 2, 2009 01:23 PM
كتاب لا غنى عنه في طرق تحضير اجمل و اشهى الاطباق الاسيوية addmman وصفات الطبخ 1 May 28, 2009 05:43 PM


الساعة الآن 04:39 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر