فيسبوك تويتر RSS



العودة   مجلة الإبتسامة > الروايات والقصص > روايات و قصص منشورة ومنقولة

روايات و قصص منشورة ومنقولة تحميل روايات و قصص منوعة لمجموعة مميزة من الكتاب و الكاتبات المنشورة إلكترونيا



إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم July 26, 2009, 08:37 PM
 
الطائرة المفقودة للروائي العالمي اغاثا كريستي

الطائرة المفقودة ..




ازاح الرجل الجالس إلى المكتب ثقالة الورق إلى يمينه بضع بوصات . كان وجهه اقربإلى أن يكون جامد السمات خلوا من التعبير اكثر من ان يكون غارقا في التفكير او شاردالذهن . وكان من الصعب عليك ان تتكهن بحقيقة عمره ، فهو لا يبدو كهلا ولا يبدوشاباً فقد كانت بشرته ناعمة ملساء خاليه من الغضون وإن أطلت من عينيه نظرة تستشفمنها الإعياء .

أما الرجل الآخر الذي يشاركه الغرفة نفسها فأكبر سنا وكانملوح الوجه اسمرارا ، وله شارب صغير عسكري الطراز ، وكان يبدو ملولا لا يستقر علىمقعده ، ولا يفتأ يذرع الغرفه جيئة وذهابا ، ومن حين لآخر يلقي بملاحظاته في كلماتحانقه .

إنفجر يقول ساخطاً :

-
كلها مجرد تقارير ! تقارير وتقاريرولكن لا نفع فيها ..

وتطلع الرجل الآخر الجالس إلى المكتب في الأوراقالمكدسة امامه ، والتي رشقت فيها بطاقة تحمل هذه الكلمات ( بيترتون ، توماس شارل) وبعد الاسم علامة استفهام كبيره .

ورفع الجالس إلى المكتب رأسه عن الأوراقوقال :

-
إنك طبعا قرأت كل هذه التقارير . أفلم تجد فيها بادرة ذاتجدوى؟

فأجاب الآخر متسائلا :

-
من يدري ؟!

-
صدقت .. تلك هيالمشكله .. فلا أحد يستطيع ان يقطع برأي .

وعقب الأكبر سنا بسيل من الكلماتبدا وكأنها تنطلق من مدفع رشاش :

-
تقارير من روما .. وتقارير من تورين .. لقد شوهد في الريفيرا.. وشوهد في انتورب .. من المؤكد أنهم رأوه في أوسلو .. ومنالمؤكد أنه رؤي .. في ستراسبورج، وكان سلوكه باعثا على الريبه ، وكذلك شوهد في شاطئاوستند وفي صحبته شقراء رائعة الجمال .. والبعض لمحوه في شوارع بروكسل ومعه كلبسلوقي .

ثم أردف في نبرة تتسم بالسخريه :

-
لم يبق إلا أن يشاهد فيحديقة الحيوان ، يحتضن حمارا مخططاً وحشياً .

وقال صاحب المكتب :

-
إنك رجل تفتقر إلى الخيال يا هوارتون أما أنا فأعلق شيئاً من الأهمية علىتقرير انتورب.

وارتمى الكولونيل هوارتون جالساً على مسند مقعد ، وقال فيإلحاح :

-
ولكن يجب أن نميط اللثام عن هذا اللغز، يجب أن نجد جوابا على هذهالأسئلة : (كيف واين ) إنك لا تستطيع ان تسكت على اختفاء عالم فذ كل شهر تقريبا ثمتجد نفسك عاجزا عن الإجابة على هذه الأسئلة البسيطة : ( كيف ولماذا وأين ) .أتراهحيث تعتقد أنه موجود أم انه ليس هناك ؟!

ثم أردف :

-
أتراك قرأت نتيجةالتحريات الأخيره ، عن بيترتون في أمريكا ؟!

وأومأ الرجل الجالس إلى المكتببرأسه إيجابا وقال :

-
الميول اليسارية المعروفة نفسها ، في الوقت الذي شاعتفيه واعتنقها الناس جميعا .. ميول غير ثابتة وذو طبيعه غير مستقره كما تبين فيمابعد ، وقبل الحرب انجز أعمالا هامة ذات شأن ، وعندما هرب مانهيم من ألمانيا عينبيترتون مساعداً له ، وانتهى به الأمر إلى أن تزوج ابنة مانهيم . ثم قفز إلى الشهرةباكتشافه المثير لتحطيم الذره ، والحق ان تحطيم الذره كان من دون شك اكتشافا ثوريادفع بيترتون إلى القمه وجعل منه قطبا من اقطاب العلوم الذريه. ولكن زوجته مالبثت انماتت عقب الزواج، فانهار بيترتون حزنا عليها وفجعه موتها ، ثم جاء إلى انجلترا وعملفي هارويل ثمانية عشر شهرا ، ومنذ ستة شهور تزوج للمرة الثانيه .



فتساءل هوارتون في حدة :

-
وما معلوماتنا عن زوجته؟!

-
لا شيء ذو أهميه ، كل مانعرفه عنها انها ابنة محام من اهل المنطقة وكانتتعمل في إحدى شركات التأمين قبل زواجها ، وليست لها فيما عرفنا اتجاهات سياسيةواضحه .

-
وما الذي يقولونه عنه في هارويل ؟

-
شخصية لطيفة محبوبه أماعن عمله فلا شيء ذا شأن بارز ، مجرد تحسينات أدخلها على جهاز تفتيتالذرة.



وران الصمت على الرجلين برهة من الوقت وكان حديثهما مجردثرثرة قطعا للوقت ، لا تتسم بشيء من الجدية فإن تقارير الأمن لا تحتوي عادة على شيءجدير بالاهتمام .

قال هوارتون متسائلا:

-
وطبعا كانت تحركاته محلمراقبه ، منذ حط قدميه في انجلترا ؟!

-
وكان كل شيء مرضيا تماما.

فقالهوارتون متأملا:

-
ثمانية عشر شهرا وهو تحت المراقبه . إنك تعلم أن هذهالمراقبة تثير اعصابهم .. إحتياطات الأمن المتواصلة تحطم نفسيتهم ، الشعور بأنهمدائما تحت المجهر ،، هذه الحياة المحسوبة عليهم في كل حركة من حركاتهم وكل لفتة منلفتاتهم .. كل هذا كفيل بأن يجعلهم عصبيين وان يحملهم على تصرفات شاذه. فقد رأيتالكثير من هذه الحالات .



وسكت هنيهة ثم استطرد يقول :

-
وعندئذ يبدأون في أن يحلموا بعالم مثالي ، عالم تسوده الحريه والأخوه ،وتتشارك فيه الدول في اسرارها العلميه ذات الطابع العسكري ، وتعمل متضافره من أجلخير الإنسانيه .وتلك هي اللحظه الملائمة كي ينقض عليهم شخص لا يهمه إلا أن يدمرالإنسانية ، إنه يرى الفرصة السانحة ويبادر إلى اقتناصها.

-
وددت لو اننيعرفت المزيد عن بيترتون ، لا اعني بذلك حياته او عمله وإنما الأشياء الأخرىالصغيره. إن هذه الأشياء التافهه تكشف الكثير.. النكات التي تضحكه ،، مايستفزهويثيره ،، مايجعله يسب ويلعن الأشخاص الذين يعجب بهم او يثيرون حنقه.

وتطلعإليه هوارتون في عجب واستغراب ثم تساءل :

-
وماذا بشأن زوجته ؟! أتراكاستجوبتها ؟!

-
عدة مرات .

-
اما من فائدة ترجى منها ؟

-
لالاشيء حتى الآن .

-
اتعتقد انها تعرف شيئا ؟!

-
إنها لم تعترف، طبعابأنها تعرف شيئا، أو انها لاحظت شيئا. لا قلق ولا حزن ولا يأس ولا اكتئاب. كانتتسير سيرا طبيعيا عاديا بلا ضغوط من اي نوع كان .. وهي تعتقد بأن زوجها قد اختطف .

-
وأنت لا تصدق هذا ؟!

-
إنني رجل كثير الوساوس والشكوك ولهذا لاأصدق أحدا.

قال هوارتون في بطء وتمهل :

-
على أية حال ينبغي على المرءأن يكون ذا ذهن متفتح بعيد عن التشبث.

ثم اردف :

-
ولكن مارأيك فيالزوجه؟

-
طراز عادي تلقاه كل يوم منهمكا في لعب البريدج.

-
هذا يزيدالأمر صعوبه وتعقيدا

-
إنها موجوده هنا الآن لمقابلتي ومن جديد سوف نعيدونبدأ فيما كنا فيه .

فقال هوارتون:

-
الآن لا داعي لبقائي ، فلا أريدأن احتجزك أكثر من هذا إذ ليس لدينا مانتداول فيه ، أليس كذلك ؟!

-
لا لسوءالحظ ولكني اريد منك ان تدرس تقرير وارسو وتتحرى عن دقة مافيه من معلومات إذ يتراءىلي انه بداية طيبه.

اومأ هوارتون برأسه موافقا وغادر الغرفه.

ورفعالجالس إلى المكتب سماعة التلفون وأمر باستدعاء مسز بيترتونلمقابلته.



******



سمعت نقرات خفيفه على الباب ودخلتمسز بيترتون. كانت امرأه طويلة القامة في حوالي السابعه والعشرين من العمر تتميزبشعر رائع أحمر اللون ذو مسحه نحاسيه. ولاحظ ان وجهها كان خاليا من التجميل .

اثارت هذه الملاحظات في نفسه الشعور بأن مسز بيترتون تعرف شيئا وتخفيماتعلم .

لقد علمته خبرته الطويله ان المرأه المسرفه في حزنها وقلقها لاتهمل ابدا تجميل وجهها ، فهي تعرف ان الحزن الشديد يضفي على وجهها سمة منفره بشعه ،فتبذل مافي وسعها لكي تصلح ما افسده الحزن. ولكن لعل مسز بيترتون آثرت ان لا تتجملحتى تبث في نفسه الاعتقاد بأنها شاردة الذهن غارقة في همومها لا تحفلبنفسها.



رحب بها الرجل واشار إلى مقعد ودعاها للجلوس ، وقبل انتستقر عليه هتفت به منبهرة الأنفاس :

-
اوه مستر جيسوب أما من نبأ عن زوجي؟!

-
يؤسفني يامسز بيترتون أن جشمتك مشقة الحضور ، ولكني أخشى أن لا تكون لديحتى الآن أنباء مؤكدة.

فعقبت اوليف بيترتون في كلمات سريعه :

-
اعرفهذا فأنك أشرت إلى ذلك في خطابك ، ولكني كنت أرجو ان يكون قد بلغك نبأ جديد منذبعثت إلي برسالتك .. ولكنني سعيدة بأنك دعوتني إلى الحضور فأسوأ مافي الأمر أني حينأخلو إلى نفسي في البيت لا أملك إلا أن افكر واتعذب فلا شيء لدي أفعله سوىهذا.

-
أرجو أن لا يضايقك يا مسز بيترتون أن اعود مره أخرى إلى ماكنا فيهوإلى ترديد الأسئلة نفسها ومعاودة الإلحاح على النقط نفسها ، فإن من المحتمل دائماأن تبدر كلمه واحده تكون مفتاحا لحل اللغز او ان تذكري شيئا نسيته في مرهسابقه.

-
إني أدرك ذلك فوجه إلي مرة اخرى الأسئلة نفسها إذا طاب لك ذلك .

واستهل مستر جيسوب استجوابها بأن قال:

-
كانت اخر مرة رأيت فيهازوجك في اليوم الثالث والعشرين من شهر أغسطس أليس كذلك ؟!

-
تماما يا سيدي .

-
وكان هذا عند مغادرته إنجلترا إلى باريس لحضور أحدالمؤتمرات؟!

-
نعم

-
وحضر زوجك اليومين الأولين من أيام انعقادالمؤتمر، ولكنه تخلف في اليوم الثالث وتبين انه ذكر لأحد زملائه أنه سيذهب بدلا منذلك في رحلة نهريه في نهر السين.

-
رحلة نهريه؟

-
نعم ، في تلك القواربالتي تجوب نهر السين.

ثم تأملها جيسوب بنظره فاحصه وقال:

-
ايدهشك هذاالتصرف من قبل زوجك يا مسز بيترتون؟!

فأجابت بشيء من التردد:

-
نعميدهشني .. فعهدي به أنه كان شديد الحرص على حضور المؤتمر.

-
هذا جائز ومع ذلكفإن الموضوع الذي كان مطروحا للمناقشة في المؤتمر في ذلك اليوم ماكان من الموضوعاتالتي تهم زوجك ولذا آثر ان يتخلف عن الجلسة وان يمنح نفسه عطلة يرتاح فيها ،، ولكنألا يبدو ذلك لك غريبا أن زوجك مولع بالرحلات؟!

وهزت رأسها إيجابا ، واستطردجيسوب :

-
وفي تلك الليله لم يرجع زوجك إلى فندقه ، وطبقا لمعلوماتناالمؤكده فإنه ماعبر الحدود ، أو على الأقل لم يستخدم جواز سفره في اجتيازها هذا إذاكان قد عبرها .

ثم اردف يسألها:

-
اتعتقدين ان لزوجك جواز سفر آخرباسم مستعار مثلا؟

-
لا بالطبع ، ما الذي يدعوه إلى ذلك؟!

-
ألم تري فيمتاعه مقل هذا الجواز ؟!

هزت رأسها نفيا بشده واضحه وقالت :

-
لا ،كما إني لا اصدق ابدا أنه يمكن ان يقدم على هذا.. إنه لا يمكن أن يغادر باريس عمداواختيارا كما تحبون أن تصوروا اختفاءه . لا بد ان شيئا حدث له ، او انه فقد ذاكرته .

-
اكانت صحته عادية وسليمه ؟!

-
نعم ، كان يجهد نفسه في العمل وفيبعض الأحيان يحس انه متعب مكدودا ولكن لاشيء اكثر من هذا.

-
ألم يكن يبدوقلقا او مكتئبا على اية صوره؟

-
لا لم يكن ابدا قلقا او مكتئبا لأي سببكان.

وبأصابع مرتعده فتحت حقيبتها وتناولت منديلها وسترت به وجهها . وتهدجصوتها وهي تقول :

-
إن الأمر فظيع ، فظيع جدا.. إني لا استطيع ان اصدق ما حدث .. إنه لم يسافر أبدا دون ان يخطرني ، لابد وان شيئا حدث له إما ان يكون قد اختطفوإما ان اعتداء وقع عليه . إني أحاول دائما طرد الأفكار والوساوس من ذهني ولكني فيبعض الأحيان لا املك إلا ان اتخيل ان التعليل الوحيد هو انه قتل .

-
ارجوكيامسز بيترتون ان تنزعي هذا الخاطر من رأسك إذا كان قد قتل فلا بد ان تكون جثته قداكتشفت الآن .

-
ومايدرينا أن يكون قد اغرق في احد الأنهار مثقلا بالأحجار ؟هذا مايحدث في بعض الأحيان.

-
إنك تسرفين في الأوهام والتخيلات يا مسزبيترتون.
-------------------------------
وأزاحت المنديل عن عينيها وحدجتهبنظره يتبدى فيها غضب شديد وقالت :

-
إني اعرف ما يدور في خلدك ، ولكن الأمرليس كما تتصور ، إن توم لا يمكن ان يبيع الأسرار او يفشيها . إنه لم يكن شيوعيا اوفاشستيا حتى يفشي اسرارا إلى هؤلاء او أولئك.

-
وماعسى ان تكون معتقداتهالسياسيه يامسز بيترتون؟

-
اعتقد انه كان في امريكا ديموقراطيا ، وهنا فيانجلترا كان يصوت مع حزب العمال.. وعلى اية حال فإنه لم يكن يهتمبالسياسه.

ثم اضافت بنبرة منطوية على التحدي:

-
انه كان عالما قبل كلشيء . وكان عالما فذا لامعا.

فقال جيسوب:

-
تماما كان عالما فذالامعا وتلك هي المشكله مايدرينا أنه عرض عليه مرتب ضخم أغراه بمغادرة البلاد ليعملفي مكان آخر .

تفجر الغضب في صوتها وهي تقول في انفعال:

-
هذا غيرصحيح.. وهو ماتحاول الصحف أن توحي به وتثبته في الأذهان، وهو مايدور في رؤوسكمجميعا عندما جئتم إلي تستجوبونني .. ولكنه ليس صحيحا . إنه ماكان ليرحل أبدا إلاإذا اخطرني أو على الأقل اعطاني فكره عن نواياه.

-
ألم يخبرك بشيء؟ ايشيء؟!

وللمرة الثانية كان يحدجها بنظرات متفحصة .

فأجابت :

-
لاشيء على الإطلاق .. إنني لا اعرف اين هو الآن ولكني اعتقد انه إما انيكون قد اختطف ,, او قتل.

-
إني آسف يا مسز بيترتون .. اسف جدا ولكن ارجوكان تتأكدي من اننا نبذل اقصى ما في وسعنا فنعرف حقيقة ما وقع لزوجك، إننا نتلقى كليوم تقارير من مختلف الجهات.

فتساءلت في حده:

-
ومالذي تحتويه هذهالتقارير؟!

-
إننا لا نزال ندرسها ونتبين صحتها من زيفها ، لكنها بوجه عامغامضه ولا شيء قاطع فيها.

فعادت تردد في صوت نابض باليأس:

-
ولكن يجبان اعرف مافيها ,, إنني لا استطيع ان استمر على هذا .

وران عليهما الصمتبرهه ثم قال جيسوب:

-
الذي احاول ان اصل إليه يامسز بيترتون هو ان اتمثل صورهصادقة لزوجك .. اي نوع من الرجال هو ؟ ولكني أرى انك لا تحاولين ان تساعديني ..

-
وما عساي استطيع ان اقول اكثر مما قلت؟ فقد اجبت على جميعاسئلتك.

-
صحيح انك اجبت على اسئلتي غير ان معظم اجاباتك كانت التفي اوالإنكار .. إني اريد ردا ايجابيا ردا بناءا. هل تدركين ما اعني؟ إنك تستطيعين انتنفذي إلى خبايا الرجل ودخائله إذا عرفت اي نوع من الرجال هو.

تريثت فترهمفكره ثم ردت:

-
فهمت ، وكل ما استطيع قوله هو ان توم كان رجلا مرحا ، لينالعريكه وكان طبعا قديرا في مهنته.

-
هذه اوصاف عامه يمكن ان تنطبق على ايانسان ، الا يمكن ان نتكلم عن صفات ذات طابع شخصي صفات اكثر اتصاقا به، مثل هل هومولع بالإطلاع والقراءه؟!

-
نعم إنه يقرأ كثيرا.

-
اي نوع من الكتبيؤثره؟

-
تراجم المشهورين وسير حياتهم.. وأيضا كتب الاجتماع وقصص الجريمهعندما يكون مجهدا .

-
إذن فهو قارئ تقليدي كمعظم الناس

ثم اردف يسألها :

-
ايلعب الورق او الشطرنج؟!

-
إنه يلعب البريدج ، وقد اعتدنا اننلاعب الدكتور إيفانز وزوجته مره او مرتين في الأسبوع.

-
هل لزوجك اصدقاءكثيرين ؟!

-
نعم فهو يحب الاختلاط والحياه الاجتماعيه .

-
ليس هذاماعنيت، وإنما اردت ان اسأل عما إذا كان رجلا يولي اصدقاءه اهتماماشديدا؟

-
إنه يلعب الجولف عادة مع واحد او اثنين من جيراننا.

-
أليس لهاصدقاء حميمون او خلان قدماء؟

-
كلا. إنك تعلم انه ولد في كندا وامضى فيالولايات المتحده ردحا طويلا من الزمن فلم تهيأ له الفرصه هنا لمعرفةالكثيرين.

تطلع جيسوب في ورقة منشوره امامه على المكتب وقال:

-
إننانعرف ان ثلاثة اشخاص من الولايات المتحده زاروه في الأيام الأخيره وأسماؤهم مسطورهلدي هنا.. وطبقا لتحرياتنا فإن هؤلاء الثلاثة هم الوحيدون الذين زاروه من خارجالبلاد.ولذلك فإننا نولي امرهم اهتماما خاصا واولهم ولتر جريفيث وقد زاركم فيهارويل.

-
صحيح فقد اتى إلى انجلترا وحضر لزيارة توم.

-
وماذا كان ردالفعل عند زوجك؟

-
دهش توم لرؤيته ولكنه كان سعيدا جدا بهذه الزياره فقد كانتبينهما في امريكا معرفة وثيقه.

فسألها جيسوب:

-
وعلى اية صوره بداجريفيث في نظرك؟

-
ولكنكم حتما تعرفون كل شيء عنه؟

-
نعم إننا نعرف عنهكل شيء، ولكني اريد ان اسمع منك انت رأيك فيه.

فكرت لحظه ثمردت:

-
إنه يبدو رجلا جادا يبعث مجلسه على الضجر، وكان مهذبا جدا شديدالمجامله في لقائه معي . ولاح لي انه مولع جدا بتوم ومتلهف إلى أن يحدثه عما جرى فيالولايات المتحده منذ ان بارحها توم إلى انجلترا . وأظن ان حديثه كان يدور حولالأخبار المحليه ولكنه لم يكن بالنسبة لي حديثا مسليا ، إذ لم اكن اعرف احدا ممنيتحدث عنهم وعلى اية حال فقد كنت بسبيل اعداد العشاء ولذا تركتهما معا يستعيدانالذكريات القديمه .

-
ألم يتحدثا في السياسه؟

تضرج وجه مسز بيترتوناحمرارا وردت:

-
لعلك تحاول ان تلمح إلى ان جريفيث شيوعي او فاشيستي ، إنيواثقه من انه ليس بهذا او ذاك ، إنه فيما اعتقد موظف في مكتب النائبالعام.

-
والآن فلننتقل إلى الزائر الثاني الذي اتى من وراء البحار ، الدكتورمارك لوكاس، إنكما التقيتما به صدفة في فندق دورسيت.

-
هذا صحيح ،، كنانتناول العشاء في دورسيت بعد خروجنا من المسرح، فإذا بنا نلتقي فجأه بهذا الرجل ،إنه يعمل باحثا كيماويا وآخر مره التقى فيها بتوم كانت في الولايات المتحده .. وهولاجئ الماني اكتسب الجنسية الأمريكيه وانت طبعا تعرف كل هذا.

-
نعم إني اعرفذاك يامسز بيترتون. هل دهش زوجك لرؤيته؟

-
نعم دهش جدا.

-
وهل سربلقائه؟

-
نعم ، نعم اظن ذلك.

-
ولكنك غير متأكده؟

-
قد فهمت منتوم فيما بعد ان هذا الرجل لا يهمه.

-
وهذا اللقاء ؟ اكان مجرد صدفه ؟ الميكن هناك تدبير سابق بحيث يبدو اللقاء عرضا؟!

-
كلا بل كانت مقابلهعارضه.

واستطرد جيسوب:

-
اما الزياره الأخيره فقد كانت صاحبتها سيدهتدعى مسز كارول سبيدر وكانت هي الأخرى قادمه من الولايات المتحده ، فكيف تمت هذهالمقابله؟!

-
اعتقد انها موظفه بالأمم المتحده وكانت قد تعرفت على توم عندماكان مقيما في امريكا، وقد اتصلت به تلفونيا من لندن واخبرته بوجودها في انجلتراوسألته عما إذا كنا نستطيع ان نتناول الغداء في يوم من الأيام ولكننا اعتذرنا عنعدم تلبية دعوتها.

-
إنك انت التي لم تزوريها، اما زوجك فقد لبىالدعوه.
فحملقت فيه دهشه وهي تقول :

-
ماذا تقول ؟

-
الم يقل لكزوجك انه زارها ؟

-
كلا لم يخبرني بشيء

وبدت مسز بيترتون قلقهومرتبكه/ واحس الرجل الذي استجوبها بالرثاء لها.



وغمغمت الزوجه فيصوت خافت مأخوذ:

-
من الغريب انه لم يحدثني بشيء عن زيارته لها.

-
لقدتناول الغداء معها في فندق دورسيت حيث كانت مسز سبيدر تقيم ، وكان ذلك في يومالأربعاء 12 اغسطس.

فقالت متأمله :

-
الأربعاء 12 اغسطس؟! نعم فقد ذهبإلى لندن في ذلك اليوم ولكنه لم يشر إلى التقائه بها.

ثم تفجر على لسانهاالسؤال الذي كان يصطخب في رأسها :

-
ماشكلها؟ ما هيئتها؟!

-
ليست منالنوع الرائع الخلاب يامسز بيترتون.. امرأه شابه كادحه في الثلاثين من العمر وليستمن النوع الذي يسترعي الأنظار، وليس هناك مايدل مطلقا على انها من النوع الذييسترعي الأنظار ، وليس هناك مايدل مطلقا على انها على صداقة وثيقه بزوجك / فهذا مايدعو إلى التساؤل عما حدا به إلى كتمان الأمر عنك .

-
نعم نعم ، إنه غريب حقا .
---------------------------
-
والآن ارجوك يامسز بيترتون. ان تفكري جيدا .. الم تلاحظي اي تغيير في سلوك زوجك منذ ذلك اليوم؟ اي حوالي منتصف شهر اغسطس؟ اعنيقبل سفره إلى المؤتمر بنحو اسبوع؟

-
لا .. لا.. لم الاحظ اي شيء.. كان سلوكهعاديا لم يطرأ عليه تغيير.

دق جرس التليفون الداخلي الموضوع على مكتبهفتناول السماعه وادناها من اذنه واتاه صوت من الطرف الآخر يقول :

-
هنا رجليريد ان يقابل احد المسؤولين بشأن موضوع بيترتون.

-
ما اسمه؟

خط جيسوبالاسم على قصاصه امامه ثم قال:

-
اهو بولندي الجنسيه؟

-
لا ادريياسيدي؟ انه يتكلم الانجليزيه بطلاقه ، ولكن بلكنه اجنبيه.

-
حسنا اطلب اليهان ينتظر ,

دفع جيسوب إلى مسز بيترتون بالقصاصه المسطور عليها الاسم وسألها

-
اتعرفين احدا بهذا الاسم؟!

اتسعت عيناها دهشه وهي تقرأ الاسم وخيلإليه ان بادره من الخوف غشت عينيها لحظة :

-
نعم اني اعرفه .. فقد بعث إليبخطاب بالأمس... إنه ابن خخالة زوجة توم الأولى. وقد وصل لتوه إلى هذه البلاد، وكانشديد الاهتمام بمسألة اختفاء توم، فكتب إلي يسألني عما اذا كانت لدي اية انباءعنه.

-
الم تسمعي عنه من قبل؟ الم تتقابلا؟

-
لا ، لم يحدثني زوجي عنهابدا ولم التق به في يوم من الأيام .

-
إذن من المحتمل ان يكون مدعيا؟

-
هذا الخاطر لم يدر بخاطري.

ثم اردفت :

-
كانت زوجة تومالأولى اجنبيه ، انها ابنة البروفيسور مانهايم. فهذا الشخص كما يتبدى من خطابه يعرفكل شيء عنها وعن توم. ولكن إذا كان مدعيا فما الهدف من وراء ذلك؟

فرد جيسوبباسما:

-
إنه السؤال العويص الذي يتردد على السنتنا بهذا المكتب. إننا دائمانسأل انفسنا ما الهدف من هذا وما الهدف من ذاك ؟ ومع ذلك فالجواب دائما مستعص لاسبيل إليه.

قالت مسز بيترتون:

-
إني لم اعد اطيق هذه الحال . لا شيءإلا ان اجلس وانتظر .. إني اريد ان اسافر إلى اي مكان على سبيل التغيير .. وإنيافضل ان اسافر إلى الخارج لأروح عن نفسي.. إني موشكه على الانهيار. إني احاول اناتشبث بالشجاعه ولكن اعصابي لم تعد تحتمل .. فقد كتبت إلى طبيبي استطلع رأيه ،فأشار علي بضرورة السفر على سبيل الاستجمام ثلاثة او اربعة اسابيع.

اخرجت منحقيبتها خطاب الطبيب ودفعت به إلى جيسوب فقرأه وأعاده إليها فسألته:

-
ايمكنالسماح لي بالسفر؟

نظر إليها بدهشه وقال:

-
طبعا يمكنك ان تسافري متىشئت يا مسز بيترتون.

-
كنت اخشى ان تعترضوا.

-
ولماذا نعترض؟ كلماهنالك هو اني اريد ان اعرف مقرك لأتصل بك إذا أتتنس بعضالأنباء.

فردت:

-
في نيتي ان اسافر إلى مكان مشمس ، اسبانيا اومراكش.

-
إذن اتمنى لك رحلة طيبه .

وانصرفت وهي ماتزال بادية القلقوالاضطراب.

ما ان انصرفت اوليف بيترتون حتى استدعي الزائر الذي كان فيالانتظار إلى مقابلة مستر جيسوب.

قال الزائر وهو يستوي جالسا على احدالمقاعد :

-
إني الميجور غلايدر ، وهاك خطاب تعريف من السفارةالأمريكيه.

جرى جيسوب بعينيه على سطور الخطاب في نظرة سريعه ، ثم وضعه أمامهعلى المكتب وسأله:

-
أية خدمة استطيع ان اؤديها لك يا ميجور ؟!

-
إننيقادم لتوي من الولايات المتحدة وقد اتيت إليك أسألك عما إذا كانت لديك أنباء جديدهعن توماس بيترتون الذي اختفى اخيرا بطريقة مثيره ، إن المرء لا يستطيع ان يصدقدائما ماتنشره الصحف ، وقد قيل لي انك الوحيد الذي لديه معلومات موثوق بها .

فقال جيسوب :

-
يؤسفني أنه ليست لدي معلومات مؤكدة عنبيترتون.

-
لقد خطر لي أنه ربما أوفد إلى الخارج في مهمة خاصه. مهمةسريه.

فقال جيسوب في كلمات متمهله :

-
إن بيترتون ياسيدي العزيز مجردعالم وليس دبلوماسيا او عميلا سريا.

استطرد الميجور غلايدر باللهجة الجديهنفسها :

-
إن الألقاب كثيرا ماتكون خداعه يامستر جيسوب ولعلك الآن تتساءل عمايدفعني إلى الاهتمام بهذا الموضوع .. إن توماس بيترتون يمت إلي بصلة القربى عن طريقالزواج .

-
إنك فيما اعتقد ابن اخت البروفسور مانهايم؟

-
آه إنكم هناتتحرون عن كل إنسان .

فغمغم جيسوب باسما :

-
إن الناس يأتون إلينا هناويفضون بما لديهم ، لقد كانت المسز بيترتون هنا وهي التي اخبرتني بهذا وقالت أيضاأنك بعثت إليها برساله.

-
نعم .. كتبت إليها اعزيها واسألها عما إذا كانتلديها انباء جديده.

واستطرد الميجور غلايدر يقول:

-
إن امي هي الأختالوحيده للبروفيسور مانهايم، وكانا شديدي التعلق كلاهما بالآخر ، وعندما كنت طفلاكنت اقضي معظم الوقت في بيت خالي ، وكانت إلزا بالنسبة لي بمثابة اخت شقيقه وعندمامات ابي وامي انتقلت للإقامة في بيت خالي وكانت اياما سعيده ثم جاءت الحرب بويلاتهاومآسيها ، وهرب خالي وإلزا إلى امريكا اما انا فبقيت في بولندا وانضممت إلىالمقاومة السريه ، وبعد ان وضعت الحرب أوزارها سافرت إلى الولايات المتحده لأزورخالي وابنة خالي ، هذا هو كل شيء.

وتابع الحديث قائلا:

-
وبعد ان فرغتمن انجاز المهام التي أوكلت إلي في اوروبا قررت ان استقر في الولايات المتحده بصفهدائمه لأكون على كثب من خالي وابنة خالي وزوجها ، ولكن ، وا أسفاه !! ماكدت اصل إلىأمريكا حتى مات خالي في حادث سياره ثم ماتت إلزا ابنة خالي ، اما توماس بيترتون زوجابنة خالي فرحل إلى انجلترا وتزوج للمرة الثانيه ، وعدت أنا كما كنت من قبل بغيراسرة ارتبط بها ، وعندئذ قرأت في الصحف نبأ اختفاء العالم الشهير توماس بيترتون ،فحضرت إلى انجلترا لأرى مايمكن عمله .

وتراخى الميجور غلايدر في مقعده وقالمتسائلا:

-
مستر جيسوب ، لماذا اختفى بيترتون؟

فقالجيسوب:

-
تمنيت لو اني عرفت .

-
ولكنك تشتبه في شيء ما على الأقل؟!

فقال جيسوب في حذر :

-
هذا جائز فاختفاء بيترتون ليس الأول مننوعه .

-
هذا صحيح فقد قرأت عن الكثير من حوادث الاختفاء.

واخذ الزائريشير في كلمات سريعه إلى عدد من حوادث الاختفاء التي وقعت في العهدالأخير

ثم عقب بقوله :

-
وكلهم من العلماء ، أليس هذاغريبا؟

لبث جيسوب صامتا .

فاستطرد الميجور جلايدر:

-
اتراهمذهبوا إلى ماوراء الستار الحديدي؟

-
هذا احد الاحتمالات ولكنه ليس احتمالاقاطعا ، فمن المستحيل انهم انضموا إلى إحدى الجماعات السريه الفاشستيه او انهمضاقوا بعملهم .

-
ولكنهم طبعا ذهبوا طواعيه واختيارا؟

فقالجيسوب:

-
حتى هذا السؤال من الصعب الإجابة عليه.

ثم اردف :

-
ولكن ماهو سر اهتمامك ببيترتون، وهو بالنسبة إليك ليس إلا مجرد نسيب عنطريق الزواج؟ بل إنك لم تقابله ابدا في حياتك .

-
هذا صحيح ولكن الأسره عندنامعشر البولنديين من الروابط الوثيقة وهي تفرض علينا التزامات لانملك ان نتحلل منها .

ونهض جلايدر واقفا واحنى رأسه تحية في جفاء وقال:

-
يؤسفني ان شغلتمن وقتك اكثر مما ينبغي ، شكرا على انك قابلتني

نهض جيسوب واقفا وهو يقول :

-
يؤسفني انني لم استطع ان اساعدك ولكني احب ان اؤكد لك اننا لا نعرف شيئاعلى وجه اليقين، ولكن إذا بلغني اي نبأ فأين يمكن ان اتصل بك ؟

-
طرف السفارةالأمريكيه ، واكرر لك الشكر.

وللمرة الثانيه انحنى تحية واستدارمنصرفا.

ورفع جيسوب سماعة التليفون يدعو الكولونيل هوارتون إلى مكتبه .

وابتدره جيسوب قائلا:

-
اخيرا بدأت الأمور تتحرك .

-
حقا وكيفحدث هذا ؟!

-
مسز بيترتون تريد ان تسافر إلى الخارج.

-
أتراها تنوي انتلحق بزوجها ؟

-
هذا ما ارجوه ، لقد جاءتني مزوده بتقرير طبي ينصحها بالسفرطلبا للراحه والاستجمام.

-
تدبير محكم منها.

فقال محذرا:

-
ومعذلك فقد تكون حقا مقبله على انهيار عصبي .

تساءل هوارتون:

-
هل استطعتان تنتزع منها شيئا؟

-
مجرد بادره ضعيفه، بيترتون كتم عن زوجته انه تناولالغداء في فندق دورسيت مع هذه المرأه المدعوه سبيدر.

فغمغم هوارتونقائلا:

-
اتعتقد ان لهذا صلة باختفائه؟

-
ربما فقد سبق ان استجوبتكارول سبيدر، امام لجنة فحص النشاط المعماري لأمريكا / وإن كاننت قد استطاعت انتثبت براءتها.

-
وهل اتصلت مسز بيترتون بإحد فأصدر إليها تعليماته بالسفر إلىالخارج ؟!

-
لم يزرها احد في بيتها وان كانت قد تلقت بالأمس خطابا من رجلبولندي هو ابن خالة بيترتون الأولى وقد كان هنا في مكتبي منذ قليل يستفسر عما لديمن أنباء.

-
أيكون هو الذي حرضها على السفر؟

-
هذا محتمل وإن كنت لاادري الحقيقه

-
وهل تنوي ان تضعه تحت المراقبه؟
-----------------------------
فأجاب جيسوب :

-
بل وضعته فعلا ، فقددققت الجرس السري مرتين بمجرد خروحه من مكتبي ..

فضحك هوارتون قائلا :

-
يالها من رموز سريه تفيد في حالات الاستعجال .

وعاد هوارتونيتساءل :

-
وإلى أية جهة تنوي بيترتون أن تسافر ؟ إلى سويسرا؟

-
بل إلىمراكش او اسبانيا



وقلب جيسوب بطرف اصبعه التقارير المكدسة امامهوقال:

-
هذان هما البلدان الوحيدان اللذان لم يرد إلينا منهما أي تقرير عنبيترتون.

وتراخى جيسوب في مقعده وأسند رأسه على ظهر المقعد وهويقول:

-
إنني لم اقم بعطلة منذ شهور ولعل مما يفيد صحتي ان أسافر إلى الخارجهذه الأيام ..

فضحك هوارتون وقال :

-
طبعا إلى مراكش او اسبانيا، وفياعقاب مسز بيترتون .

والتقت نظراتهما في تفهم كامل .
------------------------
"
انتبهوا .. انتبهوا .. شركة إيرفرانس .. الرحلةرقم 108 إلى باريس.. "

نهض الجالسون في قاعة الانتظار في مطار هيثرووتقاطروا متحهين إلى الباب ينشدون الطائره التي ستقلهم إلى باريس.

وتناولتهيلاري كرافن حقيبه سفرها الصغيره الحجم وانضمت إلى موكب المسافرين .

كانالجو باردا لاذعا في ساحة المطار وشدت هيلاري معطفها الفراء حول عنقها تقي نفسهالسعات البرد وهي تتبع المسافرين إلى حيث تستقر الطائره.

إذن فقد انتهى الأمر، هاهي ذي منطلقة هاربه بعيدا عن الاكتئاب والبرد والبؤس المميت . هاربه إلى الشمسالمشرقة والسماء الزرقاء الصافيه، إلى حياة دافقه .. وستطرح وراءها كل الهموموالأثقال، هذه الهموم المتسمه بالبؤس والقلق.

وتابعت طريقها إلى ممر الطائرهواستقرت على المقعد الذي أرشدتها إليه المضيفه .

ولأول مره منذ شهور خالجهاشعور بالراحة من العذاب الذي أمضّها بقسوة حتى لقد احست منه بما يشبه الألمالجسماني .

تمتمت تحدث نفسها في امل ورجاء :

-
سأهرب ، سأبتعد ، نعمسأبتعد !

وانتزعها من خواطرها هدير الطائرة الصاخب ولكنها مالبثت ان عادتتردد في نفسها :

-
الآن سأذهب وابتعد .

وبدأت الطائره تنزلق على ارضالممر ، وقد شد المسافرون احزمة الوقاية على بطونهم . ودارت الطائره نصف دورة فيساحة المطار ثم توقفت تنتظر إشارة الرحيل.

وخطر لها:

-
مايدريني لعلالطائرة قد تتحطم ، وعندها قد تكون تلك النهاية ، الحل الموفق لكل شيء.

وخيلإليها انهم انتظروا في ساحة المطار وقتا طويلا لا ينتهي مترقبين إشاره الرحيل إلىالحريه.

وهمست تخاطب نفسها :

-
يبدو أنني لن اسافر أبدا وسأظل هناحبيسة لا استطيع الفرار.

واخيرا هدرت المحركات من جديد وبدأت الطائره تجريعلى الممر الممهد المرصوف .. أسرع ثم اسرع .

-
ولكن من يدري .. ربما لن تعلوفي الجو .. أتكون هذه إذن هي النهايه؟!

ولكن الطائره اخذت تعلو في الجووبدأوا يبتعدون عن سطح الأرض .. وبدا كل شيء صغيرا ضئيلا حتى الهموم تضاءلت وانكمشتوحتى القلق تبدد وتوارى وبدت الأبنية والسيارات وكأنها لعب اطفال .

والآنكانوا فوق السحب البيضاء ، المشوبه بمسحه رماديه .. لا بد انهم الآن فوق القنالالانجليزي.

وارخت هيلاري جفونها واطبقت عينيها ، واسندت رأسها إلى ظهرالمقعد.

الهرب، الهرب .. فها هي ذي قد غادرت إنجلترا إلى غير رجعه ، هاهي ذيقد تركت خلفها نايجل وتركت خلفها تلك البقعه الحزينه المقبضه التي هي قبر بريندا .

كل ذلك تركته خلفها ، بعيدا ، بعيدا.

وفتحت هيلاري عينيها ثم عادتتطبقهما مره اخرى ثم مالبث النعاس ان طغى عليها واستغرقت في النوم .

******

وعندما صحت هيلاري من نومها كانت الطائره في طريقها إلى الهبوط .. لابد اذنانهم وصلوا باريس ..

وزايلت كرسيها وحملت حقيبتها ونزلت من الطائره إلىسيارة المطار ولكنها لم تكن باريس تلك التي نزلوا فيها .

اتت المضيفه الجويهإلى السياره وتحدثت إليهم بذلك الصوت الناعم الحنون المأثور عن المضيفات :

-
لقد اضطررنا أن نهبط في بوفيه لأن الضباب كثيف في باريس.

ونظرت هيلاري منوراء زجاج السياره لكن الرؤيه كادت تستحيل عليها فقد كانت بوفيه هي الأخرى غارقة فيالضباب. وتوقفت بهم السياره امام مبنى خشبي عتيق ليس فيه إلا بضعة مقاعد وأرائك منالخشب.

وطغى على هيلاري شعور بالانقبائ حاولت ان تدفعه عن نفسها ، وغمغمالرجل الجالس قربها :

-
إنه مطار حربي قديم بلا تدفئه ولا شيء من وسائلالراحه، ولكن ما احسل وهم فرنسيون ان يبخلوا علينا بالشراب.

ونطق الرجل حقا، فما هي إلا لحظات حتى اتى مضيف يدور عليهم بأقداح الشراب.

وتتابعت الساعاتدون ان يقع جديد، فيما عدى طائرات تنبثق متتابعه من استار الضباب وتحط متزاحمه علىارض المطار الصغير وتكدست القاعه بمسافرين حانقين متذمرين من التأخير الذي طرأ علىرحلاتهم.

واخيرا عندما هبط الليل اتت سيارات الأوتوبيس لتحمل المسافرين إلىباريس.

كانت رحله ممله مضجره انحشر الركاب في السيارات اربع ساعات إلى انشارفوا ضواحي باريس فبلغوها وقد انتصف الليل .

واسعد هيلاري ان تحمل حقيبتهاوتستقل تاكسيا وتمضي إلى فندق حجزت لها فيه احدى الغرف ، وكانت متعبه مكدوده، تهفوإلى حمام ساخن تلوذ بعده بالفراش.

وكان مقررا ان تبرح الطائره المسافره إلىكازابلانكا مطار اورلي في العاشره والنصف من صباح اليوم التالي ، بيد ان مطار اورليفي ذلك الصباح المعهود كان خليه من الفوضى والارتباك: مسافرون يروحون ويغدون ،موظفون يدخلون ويخرجون، حمالون يذهبون ويجيئون والطائرات مرصوصه على ارض المطارمكدسه متزاحمه إذ كان هناك تأخير في مواعيد السفر بسبب الضباب.

وقال لهاموظف الاستعلامات :

-
مستحيل يا سيدتي ان تسافري على الطائره التي سبق انحجزت لنفسك فيها مقعدا فأرجوك ان تنتظري في قاعة الاستراحه حتى يخلو مقعد في طائرهاخرى.

وعلى مضض مضت إلى قاعة الانتظار ترقب مقعدا يخلو لتجلس عليه .

وبعد ساعة قيل لها ان هناك مقعدا خاليا بالطائره المسافره إلى داكار، وفيالطريق إليها تهبط في كازابلانكا وإن كانت سوف تصل إليها متأخره ثلاث ساعات عنالموعد الذي كانت ترجوه.

قال الموظف : هذا كل ما استطيع فعله لأجلك سيدتي .

وتقبلت هيلاري كرافن المقعد المعروض عليها بغير تذمر او احتجاج دون انتتشبث بالمقعد الذي سبق ان حجزته على الطائره الأصليه إلى كازابلانكا.

وحينهبطت في كازابلانكا همس الخمال الذي اخذ حقائبها:

-
إنك لمحظوظه يا سيدتي أناتيت بهذه الطائره الإضافيه بدلا من طائرة كازبلانكا الأصليه التي كان مفروضا انتصل قبل هذه فإنها قد تحطمت ومات طاقمها ومعظم الركاب، فلم يبق منهم على قيد الحياةإلا اربعه اشخاص او خمسه نقلوا إلى المستشفى مصابين بإصابات جسيمه.

كان اولرد فعل في نفسها أن طغى عليها شعور جارف بالغضب وعلى غير وعي منها اصطخب داويا فيرأسها هذا السؤال:

-
ياإلهي لم لم اكن انا في هذه الطائره؟ لو إني كنت فيهالانتهى كل شيء. لا قلق ولا احزان ولا هموم. ألا ليتني كنت فيها. إن الذين استقلواهذه الطائره كانوا متشبثين بالحياة أما انا فلكم كنت ارحب بالموت.

وانهتإجراءاتها الجمركيه في دقائق قليله ومضت إلى إحدى سيارات التاكسي ذاهبه إلى فندقها. وفي غرفتها فتحت النوافذ واطلت على المدينه .. كانت السماء زرقاء صافيه والشمسمشرقة فياضة بالضوء
.

كان هذا ماترجوه .. كانت هذه هي الحياة التي سعت إليها .. الفرار .. الهرب ، بعيدا عن انجلترا. بيد انه في هذه اللحظه اعتصرت قلبها يدباردة ساحقه فقد ادركت في صدمه هزت كيانها ان الأمر هنا لا يختلف عما كان فيانجلترا ،لا مهرب ولا فرار.

كان قبر بريندا في انجلترا والماضي يجري فياعقابها ولا شيء يمكن ان يجعلها تنسى.

إن الخلاص الوحيد في حبوب منومه تفرغمنها في احشائها قنينه كامله.

وانبعثت واقفه وقد استقر رأيها على ان تبادرإلى الصيدليه، ففيها شفاؤها من المتاعب والهموم والأحزان.

ومضت إلى الخارجمسرعه كي تعود بما يجعلها تنام تلك النومه الأبديه المريحه التي تهفو إليها ..

*****

كانت هبلاري كرافن تعتقد ان من السهل شراء الجبوب المنومه فيالبلاد الأجنبيه . ولكنها لدهشتها ما لبثت ان ادركت انها كانت مخطئه في ظنونها . فقج رفض الصيجلي ان يزودها إلا بحبتين اثنتين وان لها ان شاءت المزيد ان تأتيهبتذكره طبيه. فشكرته هيلاري ودست في حقيبتها الحبتين . وفيما هي تغادر الصيدليهكادت تصطدم برجل طويل القامه جاد السمات ، فاعتذر لها بأدب بالانجليزيه. وسمعته وهيتنصرف يسأل الصيدلي عن معجون اسنان.


واحست بغصه انقبض لها قلبها فقد كانالمعجون الذي طلبه من الماركة نفسها التي يؤثر نايجل استعمالها. وعبرت الطريق إلىالصيدليه المقابله واتبعتها بغيرها حتى اكتملت اربعا ولفت نظرها ان لمحت فيالصيدليه الثالثه الرجل الجاد السمات نفسه ذا الوجه الذي يشبه وجه البومه، وكانيسأل عن معجون الأسنان نفسه الذي طلبه في الصيدليه الأولى.


عادت هيلاريإلى فندقها ، فأبدلت ملابسها ونزلت تتناول العشاء وقد كادت القاعه تقفر من النزلاءولكنها لمحت رجل معجون اسنان، جالسا إلى مائده ملاصقة للجدار يتناول طعامه وقد نشرامامه صحيفه فرنسية واستغرق في قراءتها.

وامرت لنفسها بطعام شهي وزجاجة منالنبيذ ، واقبلت تأكل وتشرب بنهم وهي تردد في نفسها:

-
وبعد فتلك هيالمغامره الأخيره ثم ينتهي كل شيء.

وصعدت إلى الغرفه وقد فرغت من الطعامفأغلقت الباب وراءها بالمفتاح وخلعت ثيابها وتناولت اللفافات الأربع التي اتت بهامن الصيدليات وفضتها وتناولت منها الحبوب المنومه ورصفتها على المنضده امامها ومضتتتأملها بصمت .

لم تكن متردده ولم تكن خائفه فذلك هو سبيل الخلاص .. ذلكاخيرا هو الفرار .. الفرار الحقيقي.

والأمر بعد هين بسيط : تبلع الحبوبوتزدردها بجرعه من الماء ثم تستلقي على الفراش وتنام ثم لا تستيقظ ابدا من النوم .

لم يكن في نفسها من الدين وازع يردها عما هي بسبيله فقد اتت وفاة برينداعلى كل ما بنفسها من شعور ديني ، فليس ثمة شيء له عندها قيمه او اهميه.

نعمإنها الآن بلا قيد يعرقل خطاها ، متأهبه للشروع في رحلتها إلى المصيرالمجهول.

ومدت يدها وتناولت الحبه الأولى رفعتها إلى فمها .. وفي هذه اللحظهطرق باب الغرفه نقرات خفيفه. قطبت هيلاري جبينها وتجمدت يدها في الهواء قبل ان تبلغفمها. ولكنها لزمت مكانها لا تفتح الباب معما يكن من امر فهي لن ترد عليه فلا يلبثان ينصرف .

ولكن الطرقات عادت تدق الباب من جديد ، وفي هذه المره كانت بصوتاشد واعلى. وفجأه اتسعت عيناها دهشه وهما مستقرتان على الباب..

رأت المفتاحالذي في ثقب الققل من الداخل يدور حول نفسه ثم يقفز من صثبه إلى الأرض مرسلا رنينامعدنيا ، ثم رأت مقبض الباب يتحرك ويدور ثم انفتح الباب وإذا برجل يدلف إلى الغرفه.

عرفت فيه على الفور ذلك الرجل الجاد السمات الذي رأته من قبل مرتين فيالصيدليه يشتري معجونا للأسنان ثم رأته يتناول بعد ذلك عشاءه فيالفندق.

واستدار الشاب فأغلق الباب وتناول المفتاح من على الأرض ودسه فيالثقب و اوصده ثم جاء عبر الغرفه إليها واستوى على احد المقاعد جاسا وقال فيبساطه:

-
إنني أدعى جيسوب.

تضرج وجه هيلاري احمرارا ومالت إليه عبرالمنضده التي بينهما وفي صوت يخالطه الغضب سألته:

-
هل لي ان اسأل عما اتيتتفعله في غرفتي؟

حدجها بنظره طويله ثاقبه وقال يسأل :

-
ما أعجب هذا !! إنني أنا الذي اتيت اسألك عما تفعلين انت في غرفتك؟

حملقت فيه باستغرابوتساءلت :

-
إنني لا افهم ماتعني ؟!

فأدار رأسه يتأمل الحبوب المنومهعلى المنضده ثم تطلع إليها قائلا:

-
لو انني مكانك لما فعلت هذا، فليس الأمركما تظنين.. إنك تعتقدين انك تتناولين الأقراص ، وتستغرقين في النوم ثم لا تنهضينأبدا ولكن ماسوف يحدث شيء غير هذا تماما.. فستعانين أعراضا اليمه .. تقلصات وقيءوآلام تمزق المصارين .. وإذا كانت طبيعة جسمك مقاومه للمخدرات ، فإن الحبوب المنومهلا تبدأ فعلها إلا بعد فتره طويله ، وفي خلال هذه الفتره يعثرون عليك ويحاولونانقاذك ، وتتعرضين لأشياء مؤلمه غسيل معده ، زيت خروع ، قهوه ساخنه كما يهزونك بعنفويلطمون وجهك حتى تستفيقي ، فهل انت مستعده لهذا؟

تراخت مسز كرافن في جلستهاواغتصبت ابتسامه خفيفه وقالت:

-
يالها من فكره سخيفه !! إذن فأنت تتخيل أننيكنت انوي الانتحار؟

-
إنني لا اتخيل ، ولكني على يقين .. فقد دخلت إلىالصيدليه لأشتري معجونا للأسنان حين كنت هناك تطلبين حبوبا منومه ولما لم اجد النوعالذي ابغيه ذهبت إلى صيدليه اخرى فإذا بك امامي تشترين حبوبا للمرة الثانيه وبدا ليالأمر غريبا فرأيت ان اتعقب خطواتك لأرى مايكون من امرك وطبعا لم يكن من العسير عليبعد ذلك ان اتكهن بما تنوين.

-
إنك قد تقدر ان تمنعني الآن من الإنتحار ،وقد تقذف بالحبوب من النافذه ولكنك لن تقدر ان تصدني غدا عن شراء حبوب اخرى او انالقي بنفسي إلى الطريق من سطح عماره عاليه ، او ان ارتمي أمام قطار مسرع .

-
إنك قد تحاولين ان تنتحري اليوم ، هذا صحيح ولكن إذا جاء الغد ثاب المنتحر إلى رشدهوعاوده صوابه ، هذا عادة مايحدث للمنتحرين.

-
هذا اذا كان المنتحر قد اقدمعلى فعلته وهو في فورة يأس مفاجئ أما انا فقد تدبرت الأمر في هدوء وبرود حتى استقرعليه عزمي .. ألا تعلم يا مستر جيسوب أنني امرأة ليس لديها ماتعيش من اجله، ومايجعلها تتشبث بالحياة؟

ثم اردفت :

-
زوجي الذي همت به حبا هجرني،وابنتي الوحيده التي اعبدها ماتت بالالتهاب السحائي، وانا بعد امرأه بلا اصدقاء اواقارب وليس لي هوايه تستهويني او عمل يشغلني ، فلم اذن اعيش؟

وبعد سكتةقصيره ، رفعت إليه رأسها قائله:

-
والآن يا مستر جيسوب هل لك ان تنصرفوتتركني لشأني ؟

-
لم يحن الوقت ، فإنني لم افرغ بعد من حديثي.

ثماستطرد على عجل :

-
الآن عرفت انك كارهه لدنياك غير متشبثه بالحياة وانكتنوين الانتحار ولكن الذي اتساءل عنه هو : لم آثرت الحبوب المنومة وسيلةللانتحار؟

فبدت الدهشة في عينيها وتساءلت:

-
ماذا تقصد؟

-
لقدعرفنا ان الحبوب المنومه غير مضمونه النتيجه ، فضلا عما يصاحبها من الام وكذلكالشأن بالنسبة إلى الارتماء تحت القطار ، او إلقاء نفسك من مبنى مرتفع، إنك قدتصابين بعاهه او بالشلل او ببتر ذراعيك اوساقيك ، ولكنك ستعيشين. هناك طرق اخرىللانتحار انجح واضمن.

-
طرق اخرى

-
طبعا.. طرق اخرى حافلة بالإثارهوالمتعه ومع ذلك فلست اكتمك انك قد تنجين من الموت ، ولكنك على الأقل ستجدين فيهاتسليه وطرافه تشغل فراغك وتبدد همومك .

فهزت رأسها في حيرةوتساءلت:

-
الحق اني لا ادري فيم تتحدث .

لاذ بالصمت برهة ثماردف:

-
لكي تدركي ما ابغي لابد ان اروي لك قصه صغيره فهل لك ان تعيرينيسمعك؟

-
إني مصغيه إليك فهات ماعندك.

-
إنك طبعا تطالعين الصحف ولابدانك قرأت حوادث اختفاء بعض العلماء في الشهور الأخيره وكان اخرها اختفاء عالم الذرهتوماس بيترتون.

فقالت هيلاري:

-
نعم لقد قرأت عنه فيالصحف.

واستطرد جيسوب:

-
إننا في بلد حر ولمن شاء ان يرحل أنى شاء.. ولكن في مثل هذه الظروف يجب ان نعرف لماذا اتختفى هؤلاء القوم، واين ذهبوا وكيفذهبوا؟ . هل اختفوا طواعيه واختيارا من تلقاء انفسهم ، ام انهم اجبروا على الذهاباو اختطفوا او هددوا وما هو الطريق الذي سلكوه في سفرهم وما هي المنظمة التي تتولىامرهم وماهو الهدف الذي ترمي إليه المنظمه. إننا نسعى إلى رد شاف على هذه الأسئلهولعل في مقدورك انت ان تساعدينا في الحصول على جواب لهذه الأسئله.

-
أنا ،ولكن كيف ؟! ولماذا؟!

فقال جيسوب:

-
منذ شهرين اختفى توماس بيترتونفجأه وهو في باريس تاركا امرأته في لندن وقد نزل اختفاؤه عليها نزول الصاعقه ، اوكذلك ادعت وزعمت وقد اقسمت على انه ليس لديها اية فكره عن مكانه وانها لا تعرف منالأمر شيئا، وقد تكون صادقه في اقوالها ، او كاذبه ، وانا من الذين يعتقدون انهاكاذبه

وتابع جيسوب الحديث قائلا:

-
وضعنا مسز بيترتون تحت المراقبهالدقيقه ومنذ اسبوعين جاءت تزورني في مكتبي وذكرت لي أن طبيبها امر بأن تسافر إلىالخارج للراحة والاستجمام لأنها ضاقت بأصدقائها واقاربها والمخبرين والصحفيين الذينلا يفتأون يلحون بالسؤال عن زوجها وكيف اختفى حتى لقد كادت تصاب بانهيار عصبي . وبالأمس غادرت مسز بيترتون إنجلترا إلى كازابلانكا.

فقالت متبرمه :

-
ولكن ما شأني انا بكل هذه القصه؟

فأجابها جيسوب باسما:

-
إن لك شأنا كبيرا لأن شعرك احمر .

-
ماذا تقصد؟

-
اهم مايمز مسزبيترتون هو شعرها الأحمر النحاسي واهم مايميزك انت ايضا هو الشعر الأحمر النحاسينفسه.

-
فليكن ، مجرد صدفه ، ولكن ما اهمية ذلك؟

-
أهميته ان طائرةكازابلانكا التي سافرت فيها مسز بيترتون تحطمت وقتل معظم من فيها اما هي فأخرجت منتحت الأنقاض وماتزال على قيد الحياة وقد نقلت إلى المستشفى ولكن الأطباء يرون انهالن تعيش إلا حتى صباح الغد.

ظلت هيلاري تتابعه بعينين تتساءلان عما يبغيمنها.

واستطرد جيسوب:

-
غدا ستلفظ مسز بيترتون انفاسها الأخيره ،ولكنها مع ذلك ستواصل رحلتها لأنك ستتقمصين شخصيتها وتنتحلين اسمها.

ظلتهيلاري تحملق فيه كالمشدوهه فاغرة فمها، ثم قالت :

-
ولكنهم طبعا سيعرفون فيالحال أني لست مسز بيترتون؟!

-
هذا يتوقف على الذين سيقابلونك ، وهل سبق انرأوا مسز بيترتون من قبل ؟ إن مثل هذه المنظمات تعمل عادة اسلوب الخلايا المستقلهفكل خليه مكونه من ثلاثة او اربعة اشخاص لا يعرفون الخلية الأخرى، حتى إذا وقعوا فييد الشرطه استحال عليهم ان يشوا بالآخرين ، لأنهم لم يروهم من قبل. ومعنى هذا انالذين سوف تلتقي بهم مسز بيترتون لا يعرفون عنها إلا انها ذات شعر احمر نحاسيوعينين زرقاوين خضراوين / وطولها خمسة اقدام وسبع بوصات وليست لها علامات مميزة ،هذه هي الأوصاف المدونه في جواز سفرها ومن حسن الحظ أن هذه الأوصاف جميعا تنطبقعليك.

فقالت معترضه :

-
ولكني لا اكاد اعرف شيئا عن مسزبيترتون!

-
سنزودك بما يكفي من المعلومات وسندبر الأمر على النحو التالي ،ستدخلين المستشفى ، وعندما يحين القضاء وتموت مسز بيترتون ستحلين مكانها وتنتحليناسمها اما هي فتدفن متخذه اسمك انت ، اي سيقال أن التي ماتت هي انت . اما مسزبيترتون اي انت فسيقال انها اصيبت بارتجاج في المخ في كارثة الطائره ، وهذا يتيح لكفرصة التخلص من المآزق التي قد تقعين فيها بأن تتظاهري بفقدان الذاكره من حين لآخر . ومع ذلك فقد ينكشف سرك وتقتلين ، ولكني لا احسبك تبالين بالموت مادمت لا تقيمينوزنا للحياة وتنشدين الانتحار ، فما رأيك ؟! اتقبلين هذه المهمه؟

ودون تردداجابت هيلاري كرافن :

-
ولم لا ؟ لقد قبلت ان اكون مسز بيترتون.

فقالجيسوب:

-
إذن هيا بنا فلا وقت لدينالنضيعه.
-------------------------
على مقعد حديدي صلب جلست هيلاري كرافنبجانب الفراش الذي ترقد عليه اوليف بيترتون معصوبة الرأس بالضمادات غائبة عن الوعي .وعلى الناحية الأخرى من السرير وقفت إحدى الممرضات والطبيب يتأملان المصابة . اماجيسوب فكان جالسا في ركن من الغرفه .

وتحول الطبيب إلى جيسوب قائلابالفرنسية :

-
لن يطول الأمر ، فإن النبض ضعيف جدا .

-
ولكن هل تموتقبل ان تسترد وعيها؟!

-
هذا ما لا استطيع ان اقطع به .. ربما استردت وعيهافي اللحظات الأخيره .

-
الا تستطيع ان تعطيها منبها؟!

هز الطبيب رأسهنفيا .. وغادر الغرفة والممرضه في اعقابه.

قال جيسوب يخاطب هيلاري كرافن :

-
لكم كنت اتمنى ان تسترد وعيها ولو لحظات حتى احصل منها على شيء منالمعلومات ، اي شيء مجرد كلمة عابره، مجرد إشاره او كلمة السر. حاولي ان تنصتيإليها جيدا ، وإذا تكلمت فحاولي ان تستدرجيها فقد تنطق بشيء حتى في غيبوبتها .

-
وهل نصارحها بأنها تحتضر وانها لن تعيش؟!

-
لا ادري يجب ان افكرفي هذا ...



****

مضت هيلاري تتأمل المرأه الراقده علىالفراش .. ترى هل جاءت حقا إلى مراكش لتقابل ذلك الزوج الذي اختفى؟ ام انها كانتموشكه على الانهيار فجاءت تنشد الراحة والاستجمام؟!

ومر الوقت حتى انقضتساعتان ، ثم فتح الباب وجاء الطبيب يعود مريضته مره اخرى .

جس نبضها ، ثمقال:

-
هناك بعض التغير وإن كان كل شيء يوشك ان ينتهي .

وتململتالمريضه في فراشها قليلا وفتحت عينيها لتجد نفسها تتطلع مباشرة في عيني هيلاري، ثمعادت واطبقتهما من جديد.

وهمست في صوت لا يكاد يبين:

-
اين انا؟!

وفي رفق اخذ الطبيب بيدها وأجاب :

-
إنك في المستشفى ياسيدتي ،لقد وقع حادث للطائرة .

فردت هامسه :

-
الطائره ؟!

وسألهاالطبيب :

-
اتريدين ان تتصلي بأي شخص هنا في كازابلانكا؟ إننا نستطيع اننبلغه أية رسالة منك.

فرفعت إلى الطبيب عينين باديتي الألم وردت :

-
لا .

ثم عادت من جديد إلى هيلاري وتساءلت :

-
من انت ؟

فمالتهيلاري فوقها وفي صوت جلي واضح النبرات قالت :

-
إني قادمه لتوي من انجلتراعلى إحدى الطائرات ، فإذا كان في وسعي ان افعل شيئا لأجلك فأخبريني علىالفور.

-
لا .. لا شيء .. إلا إذا...

وصمتت . فتطلع الطبيب إلىالمرأتين ثم مضى يغادر الغرفه وفي اعقابه الممرضه. وخلت المرأتان كل إلى صاحبتهاوبدا ان مسز بيترتون تجاهد لكي تنطق بشيء فقالت:

-
أخبريني .. اخبريني .. هل؟! هل...؟!

وادركت هيلاري دون عناء ما تسأل عنه مسز بيترتون فأجابت :

-
نعم إنك تحتضرين .. أهذا هو ماتريدين ان تسألي عنه؟! والآن سأحاول اناتصل بزوجك فهل تريدين إبلاغه رسالة منك؟!

-
أخبريه .. أخبريه ان يكون علىحذر .. بوريس .. بوريس .. بوريس شخص خطر.

وتسارعت انفاسها لاهثه وتنهدت .. ومالت هيلاري فوقها تسألها :

-
ايمكنك ان تذكري لي شيئا يساعدني في رحلتي .. اي شيء يمكنني من الاتصال بزوجك ؟!

-
الثلج.

استبدت الحيرة بهيلاريوجعلت تردد الكلمة في دهشه :

-
الثلج؟! الثلج؟!

ومضت تكررها تباعادون ان تفقه المقصود منها .

فلاحت على شفتي المحتضره ابتسامه واهنه ثم ضحكتضحكه مخنوقه لا تكاد تسمع وانفرجت شفتاها عن اغنيه شائعه من اغنيات الطفوله :

"
الثلج ، الثلج ، الثلج الجميل .. تدوسين على قطعه منه وتنزلقين .. ثمتذهبين .. تذهبين"

واخذت المحتضره تردد بصوتها الواهن الضعيف :

-
تذهبين .. تذهبين .. إذهبي وحدثيه عن بوريس .. إني لا اصدق هذا .. لا استطيع اناصدق ولكن ربما كان صحيحا .. وإذا كان فيجب ان يكون على حذر..

واختلجتالعينان والشفتان .. وماتت اوليف بيترتون ..



*****



كانت الأيام الخمسه التاليه اياما مضنيه مرهقه .. لازمت هيلاريكرافن في المستشفى غرفة خاصه لا تبرحها ، منهمكه في تلقي دروسها ، وفي كل مساءتمتحن فيما تلقنته طوال ساعات النهار ..

على ورقة أمامها سطرت كل المعلوماتالتي يعرفونها عن اوليف بيترتون ، وكان على هيلاري ان تعيها في ذاكرتها . المنزلالذي كانت تسكنه اوليف ، الخدم الذين عملوا لديها ، اسماء الاقارب والأصدقاء ، واسمكلبها المدلل وطائر الكناريا.. كل التفاصيل الخاصه بحياتها خلال الستة شهور الماضيةمنذ تزوجت .. حفلة القران وأسماء الوصيفات، مالذي كانت تفضله مسز بيترتون من طعاموشراب ..



وضاقت هيلاري بكثرة ما لقنت .. فسألت جيسوب :

-
هللهذا كله اهميه ؟!

-
ربما نعم ، ربما ، ولكن ينبغي ان تكوني متأهبه لكلالمفاجآت فقد تباغتين بسؤال ، أي سؤال ، فيجب ان يكون الرد حاضرا ، دون اي تفكير اوتردد .

واخذ يلقنها دروسا في الشفره وفي الكتابه السريه وفي وسائل الاتصالالخفيه. واخيرا ابدى جيسوب رضاه وارتياحه قائلا:

-
إنك في الحق تلميذهنجيبه، يمكن الركون إليها..إنني احب ان اذكر لك انك لن تكوني منعزله عنا .. فسوفنكون اتبع لك من ظلك معظم الأوقات ..



وتساءلت هيلاري :

-
وماذا يكون من امري عندما ابلغ نهاية المطاف .. اي عندما ارى نفسي وجها لوجه امامتوماس بيترتون؟!

فهز جيسوب رأسه بجديه وقال:

-
هنا موضع الخطر .. إذاسارت الأمور على الصورة التي نتخيلها فإننا سنكون بجانبك ، نحميك ونذود عنك .. ولكنيجب ان اذكرك بما سبق ان قلته لك وهو ان المخاطره هي اساس هذه المهمه .. فمنالمحتمل ان ينكشف امرك فيكون القتل مصيرك ..



ثم اردف :

بعدخروجك من المستشفى ستنزلين في الفندق نفسه الذي حجزت فيه مسز بيترتون غرفه لها وسوفترتدين ملابسها وتنسقين شعرك على الطراز الذي اعتادته . وقد عهدنا إلى طبيب مناطباء التجميل ان يدرس وجهك وأن يلصق عليه بعض رقائق البلاستيك تجعلك ادنى شبها إلىأوليف بيترتون . وحتى إذا فطن أحد إلى التحامها فسوف يعزو هذه الآثار إلى حادثالطائره .



وتأملته هيلاري بنظرة تقدير وإعجاب وقالت :

-
الحق انك دقيق في عملك لا تغفل شيئا.

-
هذا واجبي لأن اتفه الهنات كفيله بأنتفسد ادق التدبيرات . والآن ارجو ان تقصي علي ماحدث بينك وبين اوليف بيترتون. هلتلفظت بشيء قبل ان تموت ؟!

وروت له ماسمعته من المرأة التي كانت تحتضروقالت:

-
واهم مارددته هو قولها " قولي له ان بوريس شخص خطر"

فقالجيسوب :

-
بوريس؟! لا بد إذن انها تقصد الميجور بوريس جلايدر فقد زارني فيمكتبي زاعما انه ابن عمة زوجة بيترتون الأولى ، وإن لم اكن متأكدا من حقيقةشخصيته.. وقد امرت بتعقبه عند خروجه من مكتبي فذهب لتوه إلى السفارة الأمريكيه ثملم يخرج منها ، ويبدو انه تسلل من احد الأبواب الخلفيه ..

فقالت هيلاري :

-
هل لك ان تصفه لي؟!

فأدلى إليها بأوصافه ثم اردف :

-
صدقتمسز بيترتون فالميجور بوريس جلايدر شخص خطر ..
---------------------------
في قاعة الاستقبال في فندق سان لويس فيكازابلانكا جلست ثلاث سيدات كل منهن منهمكة بشأن يخصها . فالأمريكيه مسز كالفينبيكر جالسه إلى مكتب صغير مقبله على تسطير بعض الرسائل . والإنجليزيه مس هيذرنجتونمتراخيه في مقعد ضخم وبين يديها إبرة التيركو تطرز جاكته من الصوف من النوع الذيتألف السيدات الانجليزيات ارتداءه. اما الفرنسية مدموازيل جين ماريكو فكانت تجلسبجانب إحدى النوافذ تنظر إلى الخارج وهي تتثاءب من حين لآخر او تدير بصرها إلىالمرأتين بضيق وملل ..



وكانت مسز هيذرنجتون ومسز بيكر قد امضيتابضع ليال تحت سقف فندق سان لويس فتم بينهما التعارف، وذلك ان مسز كالفين بيكربسجيتها الأمريكية المتآلفه كانت لا تفتأ تتحدث إلى اي انسان بسماحةوانطلاق.


وبرز في مدخل القاعه فرنسي تبدو عليه سمة رجال الأعمال ، ثمارتد عنها راجعا حين رآها تكاد تبدو خالية وقد ألقى على جين ماريكو نظرة اسف .


فأخذت مس هيذرنجتون تعد الغرز التي طرزتها ، ثم همست تخاطب نفسها :


-
والآن ماهو نوع الغرزة التاليه ؟!


ووصلت امرأة اخرى ،طويلة القامة حمراء الشعر فأطلت على الغرفه وبدا عليها التردد قليلا ثم استدارتتسير في الممشى إلى قاعة الطعام .


فانتبهت مسز كالفين ومس هيذرنجتون مماكانتا فيه ودارت مسز بيكر حول المكتب الذي تجلس إليه وهمست في صوت به رنة منالانفعال :


-
أرأيت يا مس هيذرنجتون هذه المرأه ذات الشعر الأحمر التيأطلت على الغرفة ثم انصرفت ؟ انهم يقولون انها الوحيدة التي نجت من كارثة الطائرهالتي سقطت في الاسبوع الماضي .


-
لقد شاهدتها تأتي بعد ظهر اليوم إلىالفندق في عربة الإسعاف .


-
لقد اخبرني المدير أنها وصلت من المستشفىرأسا. ترى هل من الحكمة ان تخرج من المستشفى بمثل هذه السرعه وهي التي كانت مصابةبارتجاج في المخ؟!


-
إن ببعض أجزاء وجهها شريطا لاصقا من أثر إصابتهابالزجاج المهشم فيما اظن . إنها لمحظوظه إن نجت من الحريق.


فقالت مسزكالفين :


-
يالها من مسكينه عانت الأهوال. ترى هل كان زوجها معها ؟ وهللقي حتفه ام نجا من الموت ؟!


-
لا أظن فقد ورد في الصحف انه لم ينج منركاب الطائره الا امرأه واحده دون أن يشيروا إلى أن زوجها كان بصحبتها .


-
هذا صحيح ، وقالوا أنها تدعى مسز بيفرلي. كلا كلا ، بل مسزبيترتون.. نعم هذا هو اسمها .


فقالت مس هيذرنجتون وهي تفكر متأمله :


-
بيترتون ؟ آه هذا يذكرني بما قرأته عنه في الصحف ، نعم إني متأكده منان هذا هو اسمه.


وقالت الآنسة ماريكو تخاطب نفسها بالفرنسيه :


-
ألا تباً لبيير ! إنه لا يحتمل ولا يطاق ! لكن الصغير جولز لطيفوالأب ذو مركز مرموق ، فليكن ! لقد اتخذت قراري.


وفي خطى رشيقه متأنقهغادرت مدموازيل ماريكو قاعة الاستقبال.



*****


بعد ظهيرةذلك اليوم الذي ماتت فيه مسز بيترتون ، وكانت قد مرت خمسة ايام على كارثة الطائره ،خرجت مسز توماس بيترتون المزعومه من المستشفى مستقله إحدى سيارات الإسعاف إلى فندقسان لويس وهي تبدو شاحبة الوجه عليله ، تبدو على وجهها الضمادات والأربطة والشريطاللاصق.



واتصلت هيلاري باستعلامات الفندق وسألت عما اذا كانت هناكرسائل باسمها فأجيبت بالنفي .


كان عليها وهي تنتحل شخصية اوليف بيترتونان تتصرف بحرص وحذر وأن لا تقدم على اية خطوه إلا بعد تأن ورويه.


إن منالمحتمل ان تكون اوليف بيترتون قد تلقت تعليمات بأن تتصل بتليفون معين او شخص معينفي كازابلانكا فأنى لها ان تهتدي إلى ذلك؟!


إن كل مالديها لا يعدو جوازسفر اوليف بيترتون وخطابها الخاص بالاعتماد المالي، ودفتر تذاكر السفر الصادر منشركة كوك السياحية، وإخطارات الحجز بالفنادق ، وهذه عباره عن يومين في كازابلانكاوستة ايام في فزان ، وخمسة ايام في مراكش.


وطبعا انقضت هذه الايام وفاتموعدها بسبب حادث الطائره لكن لا بد ان هناك من سيجددها مرة اخرى فعليها ان تنتظروتترقب . أما خطاب الضمان المالي وجواز السفر ، فقد تولى امرهما مستر جيسوب فذيلالخطاب بتوقيع مزور لأوليف بيترتون ونزعت من الجواز صورة اوليف وحلت محلها صورةهيلاري كرافن .



وهكذا استقر الأمر لهيلاري كرافن وعليها ان تؤديدورها باطمئنان، وإذا ألفت نفسها موشكه ان تنزلق إلى مأزق فليس اسهل من ان تتشبثبطوق النجاة فتزعم أنها فقدت ذاكرتها أو بعض ذاكرتها نتيجة لإصابتها بارتجاج فيالمخ.



ولاذت هيلاري بغرفتها اربعة ساعات كامله إذ المفروض لمن كانفي مثل حالتها لم يغادر المستشفى إلا منذ لحظات أن يتريح ويستجم . ولكنها خلال هذهالساعات جعلت تستعيد إلى ذهنها كل ما لقنته عن حياة أوليف بيترتون من دقائقوتفصيلات حتى لا تفاجأ بسؤال تعييها الإجابة عليه فتنكشف خدعتها بانتحال شخصيةغيرها.



واخيرا تجملت قليلا ونزلت إلى قاعة الطعان لتناول العشاء. وما إن تراءت في مدخل القاعة حتى انتهبتها الأنظار من كل صوب وفطنت إلى همسات خافتهترددت في أرجاء القاعه ،بل قد تبادرت إلى سمعها بعض العبارات ترددهاالحاضرات.

واتت إمرأه قصيرة القامه متوسطة العمر تميل إلى البدانه وسحبتمقعدا ادنته منها وأنشأت تكلمها بلهجة امريكيه واضحه:

-
معذرة إن طرحت عليكسؤالا . ألست انت السيدة التي نجت بمعجزه من كارثة الطائره؟

نحت هيلاريالمجلة التي كانت تتصفحها وقالت :

-
نعم .

-
ياإلهي ! كانت كارثهرهيبه ! يقال ان ثلاثة فقط هم الذين نجوا من الحادث ، اليس كذلك ؟!

-
بلاثنان ، فقد مات أحد الثلاثة في المستشفى.

-
رباه .. إني لم اسمع بهذا بعديا مس .. يا مسز ...

فقالت هيلاري:

-
مسز بيترتون .

-
لكن ،اين كان مقعدك عند وقوع الحادث ؟! أعني في مقدمة الطائره ام عندذيلها؟!

وكانت هيلاري قد لقنت الرد على هذا السؤال وهي تتلقى دروس التعليماتالتي قد تحتاج إليها في انتحال شخصيتها الجديدة فردت:

-
بل في المؤخره .

-
إنهم يقولون إن هذا اسلم مكان في الطائره إذا ماوقع لها حادث .. إنيدائما اصر على الجلوس في المؤخره.

ونظرت إلى سيدة اخرى متوسطة العمرانجليزية السمات تجلس بالقرب منها ، فقالت تخاطبها :

-
أسمعت هذا يا مسهيذرنجتون؟! تماما كما كنت اقول لك بالأمس . يجب ان تصممي على الجلوس في مؤخرةالطائرة مهما حاولت المضيفه ان تغريك بالجلوس في المقدمة.

فردت هيلاريببساطه :

-
ولكن لا بد للبعض ان يجلس في المقدمه .

-
على اية حال لناكون انا من هذا البعض.

ثم اردفت :

-
إني ادعى مسز بيكر .. كالفنبيكر .. إني امريكيه الجنسية وقد وصلت لتوي من مونكادور ، أما مس هيذرنجتون فجاءتمن طنجه وقد تم التعارف بيننا هنا ... ترى هل تنوين السفر إلى مراكش يا مسزبيترتون؟!



فردت هيلاري :

-
هذا فعلا ما كنت انوي ، ولكنالحادث افسد الترتيبات .

-
طبعا طبعا .. لكن يجب ألا تفوتك زيارة مراكش .. ألا تقريني على هذا يامس هيذرنجتون؟!

فردت مس هيذرنجتون :

-
ولكنمراكش باهضة التكاليف وقيود تحويل النقد تزيد الأمر صعوبه ومشقة.

فأكملتمسز بيكر :

-
إن فندق ( المأمون ) من الفنادق الفاخره ، فيمكنك ان تنزلي فيه .

فانبرت مس هيذرنجتون تقول معترضه:

-
لكن اسعاره مرتفعه لا تحتملولا يمكن ان يخطر لي ان انزل فيه اما انت يا مسز بيكر فالأمر بالنسبة إليك يختلف إذلا قيود عليكم معشر الأمريكيين في تحويل ما تشاؤون من الدولارات.

فتابعت مسزبيكر متسائله:

-
وهل تنوين يا مسز بيترتون زيارة بلاد اخرى؟!

-
فينيتي زيارة فزان ، ولكن لا بد طبعا ان اجدد الحجز في الفندق.

-
طبعا فزيارةفزان او الرباط ينبغي ان لا تفوتك.

-
وهل سبق لكزيارتهما؟!
-----------------------
-
ليس بعد ، ولكني ذاهبه إليها قريباوكذلك مس هيذرنجتون.

وقالت مس هيذرنجتون:

-
اعتقد ان الحي القديم لايزال على حاله لم تفسده المدينه.

واستمر الحديث على هذا النحو برهة من الوقت، ثم استأذنت هيلاري في الانصراف متذرعة بالتعب ، إذ كان هذا هو اول يوم غادرت فيهالمستشفى ، وصعدت إلى مخدعها .

ترى، هل كانت هذه الاسئلة التي وجهتها إليهامسز بيكر مجرد حديث عابر ام استجوابا مقصودا له هدف مبيت؟!

ومهما يكن فقدقررت هيلاري كرافن ان تمضي في اليوم الثاني الى شركة كوك وتجدد الحجز في فزانوالرباط ، وذلك مالم يتصل بها اخد العملاء ليلقي إليها بتعليمات اخرى .

وفياليوم التالي لم تتلق أي خطاب او رسالة تليفونيه وما شارفت الساعه على الحادية عشرةحتى كانت في مكتب السياحه متخذة مكانها في الطابور الطويل المصطف امام الشباك .

واخيرا ، حان دورها وبدأت تحدث كاتب الحجز عما تبغي ، ولكن رئيسه بادرإليها من وراء مكتبه قائلا:

-
دعيني اولا اهنئك على نجاتك يا مسز بيترتون . اما عن الحجز فقد نفذت فعلا تعليماتك التليفونيه ، وهاهي التذاكرجاهزه.

تسارعت نبضات قلبها .. إنها لم تتصل بشركة كوك ولم تعهد إلى احدبالاتصال بها . إذن فالترتيبات الخاصة بسفر مسز اوليف بيترتون إنما تنظم بمعرفة شخصآخر مجهول .

وقالت :

-
لقد اتيت بنفسي لأني خشيت ان يكونوا قد اغفلواالاتصال بكم.

وفي صباح اليوم التالي كانت مسز هيلاري كرافن في طريقها إلىفزان

خيبت كازابلانكا احلام هيلاري كرافن، فقد بدت اشبه ببلدة فرنسيةالطابع، ليس فيها شيء من نسمات الشرق السحريه التي كانت تهفو إليها .

فأخذتتنظر من نافذة القطار إلى الاراضي المنبسطه امامها وهو منطلق عبر السهول ناحيةالشمال.

ولم يكن في المقصوره عداها إلا أربعة اشخاص ، فرنسي يجلس قبالتهاوله طابع الوسطاء المتجولين، وراهبة منزويه في احد الأركان واصابعها تجري علىمسبحتها ، وامرأتان مراكشيتان تتسامران في مرح وغبطه.

وحين تناولت هيلاريسيجاره من علبتها سارع الفرنسي يشعلها لها ، وكان ذلك بداية وصلت الحديثبينهما.



وقال لها الفرنسي فيما قال:

-
ينبغي يا سيدتي انتزوري الرباط. إنها رائعه ومن الخطأ ان تفوتك مشاهدتها.

فقالت:

-
سأحاول وإن لم يكن في الوقت متسع

ثم اردفت وقد لاحت على شفتيها ابتسامهخفيفه:

-
وفضلا عن هذا فإن نقودي وشيكه على النفاذ. إنك تعلم انهم لا يسمحونلنا بأن نأخذ معنا إلى الخارج إلا القليل.

فقال:

-
ولكن هذا امر سهلياسيدتي ، يمكنك تدبيره مع اي صديق لك هنا.

-
اخشى اني لا اعرف احدا فيمراكش.

فقال في سماحه:

-
في رحلتك التاليه حسبك ان تبعثي إلي بكلمهصغيره فأدبر لك الأمر، وهاك بطاقتي .. إنني اسافر إلى انجلترا كثيرا فيمكنك انتوفيني هناك ما اعطيه لك ..

-
شكرا لك ياسيدي فإني افكر فعلا في ان ازورمراكش مرة اخرى.

-
لاشك انك وجدت مراكش مختلفه تماما عن انجلترا فجوها كريه، شديد البرودة مغلف بالضباب.

ثم استطرد :

-
لقد تركت باريس منذثلاثة اسابيع وكانت هي الأخرى غارقة في الضباب والأمطار ، اما هنا فالشمس دائمامشرقة رائعه .. وإن كان الجو باردا إلى حد ما .. كيف كانت حالة الجو عندما غادرتانجلترا ؟!

فردت هيلاري:

-
ضباب خانق .

-
تماما تماما .. فهذاهو موسم الضباب .. وكيف كانت حالة الثلج ؟ الم يسقط عندكم هذاالعام؟!

تساءلت هيلاري في نفسها عما إذا كان هذا الفرنسي يتبع الأسلوبالانجليزي التقليدي فيدور حديثه عن الجو ، ام انه يهدف إلى شيء اخر حينما اشار إلىالثلج ؟! وهي الكلمة نفسها التي رددتها اوليف بيترتون قبيل ان تلفظ انفاسها الاخيره؟! هل الثلج ، وقد رددها مرتين .. مجرد كلمة عارضه .. ام رمز خفي ؟!

وتوقفبهم القطار اخيرا في فزان وقد هبط الليل ، وبادر الفرنسي يحمل عنها حقيبتها ،وسألها :

-
اذاهبه انت ياسيدتي إلى فندق ( قصر الجمال ؟!)

-
فردت ب: نعم . فاستطرد :

-
إنه يبعد عن المدينة ثمانية كيلومترات.

فقالت فيدهشه :

-
ثمانية كيلو مترات؟ إذن فهو في ضواحي المدينه.

-
إنه فيالحي القديم ، اما انا فسأنزل في احد فنادق المدينه التجاريه الجديده ولكن على منينشد الراحة والهدوء والاستجمام ان يهرع إلى قصر الجمال فقد كان هذا القصر مقامالإحدى الاسرات المراكشيه النبيله ، ثم تحول إلى فندق وهو يتميز بحدائقه الواسعهالرائعه كما انه مجاور للحي القديم ذي الطابع الشرقي الخلاب .

ثم اردف :

-
يبدو ان الفندق لم يوفد احد لاستقبالك فاسمحي لي ان استدعي لك تاكسيا .

-
شكرا لك يا سيدي .

وتحدث الفرنسي بالعربيه مع احد الحمالين ،وشيعها حتى استقرت في السياره ثم قال لها :

-
إن بطاقتي معك يا سيدتي فإناحتجت شيئا فلا تترددي في الاتصال بي ، إني نازل في فندق جراند اوتيل.. ولن اسافرإلا بعد اربعة ايام.

ورفع قبعته يحييها وانطلق بها التاكسي .

وتناولتهيلاري بطاقة الفرنسي لتقرأ اسمه : ( هنري لورييه ) ..

وانطلق بها التاكسيإلى ضواحي المدينه يشق الطرقات الريفيه ، وحاولت هيلاري النظر من النافذه ولكنالظلام كان سائدا يحول دونها وان تتبين معالم الطريق. فيما عدا بعض ابنيه متناثرهكان الضوء يشع منها.

وتزاحمت الخواطر في ذهنها وتدفقت واخذت تسائل نفسها:

-
ترى امن هنا تبدأ رحلتها إلى المصير المجهول ؟ وهل مسيو هنري لورييه عميلسري من عملاء المنظمه ؟!

وهل يكون هو الذي اغرى توماس بيترتون بأن يتخلى عنعمله ويهجر زوجته ويرحل عن وطنه. ثم إلى اين يمضي بها هذاالتاكسي؟!



ولكن التاكسي مالبث ان توقف بها امام فندق قصر الجمالفانتزعها من دوامة خواطرها المتضاربه الصاخبه.

نزلت من السياره ودخلت إلىالفندق تشق طريقها وسط جو شرقي اصيل فالثريات من النحاس المشغول والأرائك والوسائدبدلا من المقاعد متناثرة بألوانها الزاهيه البراقه والموائد في جميع الاركان وفوقهاصواني القهوة والأقداح اما غرفتها فكانت مزوده بكل وسائل الراحةالعصريه.



ابدلت هيلاري كرافن ثيابها ونزلت إلى قاعة المائده لتناولالعشاء وكان الطعام شهيا طيب المذاق.

ودارت ببصرها في انحاء القاعه تستجليوجوه الحاضرين وتنظر إلى الداخلين والخارجين.

واسترعى نظرها كهل ذو لحيةصغيره مدببه إذ كان الجرسونات جميعا يهرعون إليه مهرولين لأضأل إيماءه يبديها منرأسه أو اصبعه او حتى من حاجبه .

فأخذت تسائل نفسها عمن يكون هذا الرجل ذوالشخصيه المرموقه.

وإلى مائده اخرى وسط القاعه كان يجلس رجل الماني، كما كانهناك كهل تجالسه فتاه على غايه من الجمال تراءى لهيلاري انها لا بد ان تكون سويديهاو هولنديه.. كما كانت هناك اسره انجليزيه معها طفلان ، وكذلك تناثرت حول الطاولاتالاخرى جماعه من الامريكيين وثلاث من الاسرات الفرنسيه.

وما إن فرغت هيلاريمن العشاء حتى خرجت إلى الشرفة لتناول القهوه , وكان الجو باردا ، فسرعان مالاذتبمخدعها. وفي الصباح عادت إلى الشرفه والشمس تغمر الارض بالضوء واشعتها تبعث الدفء، فاتخذت مكانها تحت مظله تقيها الحرارهالمتوهجه.
------------------------------
وجاءت السويديه الشقراء فجلست إلىإحدى الطاولات واخذت تتثاءي في ضجر وملل وقد زمت مابين حاجبيها ثم اقبل رفيقهاالكهل ، وتساءلت هيلاري عما إذا كان زوجها او ابوها.

وحيته الفتاه في وجومدون ان تبتسم ثم مالت إليه تحدثه في عصبيه ، وانكمش الرجل وبدا كمن يعتذر إليها.

ثم اقبل الرجل ذو اللحيه المدببه واتخذ لنفسه مائده في اقصى الشرفه وهرولإليه الجرسون يكاد يركض ، فتلقى اوامره ثم انصرف مسرعا.

ولمست السويديهالحسناء ذراع رفيقها واتجهت ببصرها ناحية الكهل الملتحي وغمغمت ببعضالكلمات.

طلبت هيلاري كأسا من المارتيني وهمست تسأل الجرسون:

-
منيكون هذا الرجل الجالس في اقصى الشرفه؟!

فأجاب الجرسون في زهو وخيلاء :

-
إنه مسيو اريستيد.. إنه ثري جدا .. من كبار اصحابالملايين.

وتطلعت هيلاري إلى الرجل .. هذا العجوز المنكمش على نفسه .. هذاالمخلوق المغضن الوجه الذي يبدو اشبه بالمهرجين .. ألِأن خزائنه عامره بالماليولونه كل هذا الاهتمام؟!

ورفع الرجل رأسه وتلاقت نظراته بنظرات هيلاري برهه ... ثم مالبث ان اشاح عنها.

ونهضت السويدية الحسناء ورفيقها ودخلا إلىالمائده.

ثم رجع الجرسون يحمل كأس المارتيني وقال لها وقد وضعه امامها علىالطاوله:

-
هذا الشخص الذي مضى الآن إلى قاعة الطعام .. إنه قطب من اقطابالصناعة في العالم ، وهو غني جدا .. والسيدة التي معه نجمه من نجوم السينما .. ويقولون عنها انها جريتا جاربو اخرى .. إنها انيقه جدا وجميله جدا .. ولكنها دائماتتشاحن معه .. لا شيء يعجبها هنا .. فقد كرهت فزان حيث لا توجد محال ، وهي تريد انيذهب بها غدا إلى مكان اخر يبعث على التسليه.

ثم اردف :

-
حتىالاغنياء لا ينعمون بالهدوء وراحة البال.

وعند هذه الكلمات استدار الجرسونواسرع منصرفا ليلبي اشارة لأحد النزلاء.



وجاء إلى الشرفه من البارشاب فرنسي وسيم فرمى هيلاري بنظره طويله ذات مغزى خفي كأنما يقول لها:

-
مالذي يدعوك للبقاء هنا؟! لم لا تتمشين قليلا في الحديقه؟
!

ثم هبط الدرج إلىالحديقة وهو يتمتم بمقطوعه من إحدى الأوبرات الفرنسيه منشدا:

وكانت زهوراللورييه صفوفا طويله .. منتشيه تحلم احلاما جميله ..



فأيقظتكلماته في نفس هيلاري ذكرى بعيده .. ذلك الفرنسي الذي التقت به في القطار وقدمإليها بطاقته ، اما كان يدعي لورييه ؟! وها هوذا هذا الفرنسي يردد الكلمة نفسها .. زهرة اللورييه..

فهل ثمة ارتباط بين الأمرين ام مجرد مصادفه؟!

وفتحت حقيبتها وتناولت البطاقه .. نعم .. إنه يدعى هنري لورييه .. وعنوانه رقم 3 شارع كرواسانت ، كازابلانكا ..

وجعلت تقلب البطاقه بين يديهاوهي ساهمه شارده . ثم فطنت إلى آثار كتابه متخلفه على ظهر البطاقه بعد ان محيتالكلمات .

ورفعت البطاقه إلى عينيها في ضوء الشمس .. محاوله ان تتبين آثاراخرى مطموسه غير واضحه ..

وأخيرا قرأت كلمة : دانتان ...

ومضتتتساءل عما إذا كانت هذه الكلمات تنطوي على معنى خفي ..؟

ثم هزت كتفيهايائسه ونفضت الفكره من رأسها ودست البطاقه في حقيبتها.



وسقط ظل علىوجهها فرفعت رأسها مجفله . كان مستر اريستيد منتصبا على كثب منها وبين الشمس فوقعظله على وجهها .

بيد انه لم يكن ينظر إليها وإنما كان ينظر إلى التلالالبعيده عبر الحديقه .

وسمعتع يتنهد ثم يستدير فجأة متجها إلى قاعة الطعامفإذا بذراعه تصطدم بكأس المارتيني الموضوع على مائدتها فأطاح به إلى الارضوتهشم..

وتحول إبها المليونير اليوناني قائلا بالفرنسيه:

-
اه الفمعذره يا سيدتي ..

فتبسمت هيلاري في وجهه واكدت له ان الامر ليس بذي اهميه .. وتلبية لفرقعه خفيفه من اصبعيه جاء الجرسون مهرولا فأمره بأن يجلب للسيدة كأسااخر ، ثم كرر اعتذاره ومضى إلى قاعة الطعام .

وعاد الشاب الفرنسي من الحديقهوهو مايزال يترنم مغنيا وحين مر بجانب هيلاري تريث في مشيته عامدا . وإذ رأها لاتشجعه ولا تلقي إليه بالا هز كتفيه متفلسفا وتابع طريقه.

وحمل إليها الجرسونشرابها فسألته هيلاري:

-
هل ينزل مستر اريستيد في الفندق وحده ام معهحاشيته؟

-
إن الأثرياء من امثاله لا يسافرون وحدهم ابدا . إن معه وصيفهوسائق سيارته واثنان من السكرتاريه.

وحين ذهبت هيلاري إلى قاعة الطعام رأتاليوناني منفردا إلى إحدى الموائد كما كان شأنه في الليلة السابقه وإلى مائدة قريبهكان يجلس شابان رجح لديها انهما السكرتيران إذ كانا لا يفتآن ينظران إلى المائدهالتي يجلس إليها مستر اريستيد.



وانقضت الظهيره في سلام وهدوء وطابلهيلاري ان تمضي معظم الوقت في الحديقه غارقه بأحلامها وخواطرها ، ناعمة بالجوالشذي والنسمات العطره التي تنساب حولها.

واشرفت الشمس على المغيب وهبتنسمات بارده ارتعدت لها هيلاري ، فزايلت الحديقه إلى قاعة الجلوس فإذا بها تلتقيوجها لوجه بمسز كالفين بيكر .



فقالت لها الامريكيه :

-
قدوصلت لتوي بالطائره من كازابلانكا ، فإني لا اطيق القطارات باهتزازها وتأرجحها فوقالقضبان.

ولم تدع لهيلاري فرصه للحديث وانما استطردت ، على الفور تقول:

-
وكيف حالك الآن ؟ لا بد انك زرت المدينه القديمه اليوم ؟!

-
الحقانني امضيت نهاري استمتع بالشمس.

-
اه .. فقد نسيت انك خارجه لتوك منالمستشفى ، فلا بد بعد الارتجاج من الراحه والاستجمام ، وان ترقدي في غرفه معتمهمعظم ساعات النهار ، ورويدا رويدا يمكن ان تعتادي على المشي والتجول ، وعندئذسأدعوك إلى ان تصحبيني في بعض الرحلات ، لأني احب جعل ايامي حافله زاخره بالنشاطرغم مابلغت من العمر.

فهنأتها هيلاري بوفرة حيويتها ونشاطها .

واستطردت مسز بيكر:

-
اتذكرين السيده التي عرفتك بها في كازابلانكا؟ مس هيذرنجتون ؟ إنها قادمه اليوم بالقطار إذ تؤثره على الطائره.

واستمرتتقول مندفعه كالسيل الجارف :

-
لقد حجزوا لي غرفه لا تروقني ، ولكنهم وعدوابتغييرها ، وسأذهب إليهم الآن لأرى ما اتخذوا في هذا الشأن.

وانصرفت علىالفور تمشي في نشاط لا يتفق وسنها.

وعندما نزلت هيلاري إلى قاعة الطعام مساءذلك اليوم كانت مس هيذرنجتون هي اول شخص وقع عليه بصرها.

وبعد العشاء ،شربت السيدات الثلاث القهوة معا وتبادلن ملاحظات عابره عن نزلاء الفندق الذين كانوامتناثرين حول الطاولات يتناولون العشاء.
-----------------------
مضت هيلاريإلى مكتب الاستعلامات بالفندق، تخطرهم بعزمها على زيارة الحي الشرقي فزودوها بدليليصحبها إليه. ومضى الدليل تصحبه هيلاري يجتازان حديقة الفندق الشاسعة الارجاء ، حتىاذا انتهيا إلى طرفها القصي أخرج الدليل من جيبه مفتاحا كبير الحجم ، وفتح به باباتكاد تحجبه الأشجار عن النظر ودلف منه تتبعه هيلاري.


وتسمرت هيلاريمكانها في عجب ودهشه ، فقد الفت نفسها في دنيا غير تلك الدنيا التي كانت تعيش فيهامنذ لحظات. إذن فهذا هو الحي الشرقي الشهير.


شوارع ضيقه ملتويه لا تكادتتسع لاثنين يسيران جنبا إلى جنب ، وبيوت منخفضه متلاصة لو ان الاذرع ارتعت لطاولتسقوفها ، واناس يروحون ويغدون في عباءاتهم الوسيعه الفضفاضه ، اما الحوانيت فتكدستفيها السلع والتحف الشرقية الجميله المصنوعه من الجلد المزركش او النحاسالمشغول.


وفتنها المشهد وسحرها ، لولا هذا الدليل الذي كان لا ينفكيثرثر في اذنها من لحظة لأخرى:


-
انظري لهذا يا سيدتي .. تأملي ذلك .. هل يعجبك هذا ؟!


كأنما ليس لها عينان ترى بهما ..


واخيراقال لها الدليل بعد ان امتدت بهما الجولة وطالت:


-
والآن سأذهب بكياسيدتي إلى مشرب للشاي حيث تتناولين الشاي المغربي الشهير بمذاقهاللذيذ.


ومضى بها إلى مشرب يقع على سفح احد التلال.


فألفتنفسها داخل مبنى شرقي الطراز تناثرت فيه على ارض القاعه وسائد من الجلد المزكش،وارائك مكسوه بقماش منقوش زاهي اللون . وقدم إليها الشاي المخلوط بالنعناع في كوبزجاجية صغيرة الحجم وكان عليها ان تشرب مثنى وثلاث ورباع.


وقال لهاالدليل :


-
والآن سآخذك في السيارة إلى الضاحية لتري مشهد الطبيعه فيبلادنا وهو مشهد ساحر خلاب.


ثم اردف :


-
ولكن هذه الجرسونهستذهب بك اولا إلى الحمام إذا لا شك انك تريدين ان تغتسلي.


ودخلتالجرسونه في الحديث قائله بابتسامه لطيفه :


-
إن لدينا في فزان يا سيدتيحمامات رائعه لا تقل جمالا عما رأيت في لندن او باريس او شيكاغو.


ونهضتهيلاري عن الوساده التي كانت متربعه فوقها ومضت في اعقاب الجرسونه.


كانالحمام فعلا على غاية من الأناقة والنظافه وكان مزودا بالماء الساخن والبارد . وفرغت هيلاري من تجميل نفسها وهمت بالخروج .. ولكنها حين ادارت مقبض الباب استعصىوابى ان ينفتح.


عقدت هيلاري مابين حاجبيها دهشة وغضبا إذ مامعنى ان تحبسفي الحمام ؟ ومن يكون ذلك الذي اوصد عليها الباب من الخارج؟


وهمت بأنتقرع الباب لولا أن فطنت إلى باب اخر يقوم في الجدار المقابل فسارت إليه وأدارتمقبضه فانفتح على الفور.


وجدت نفسها في غرفه صغيره شرقية الطراز معتمةالضوء. وحين الفت عيناها الرؤيه وادارت بصرها في انحاء المكان ، إذ بها تراه جالساهناك على اريكه يدخن سيجارته في هدوء.


ذلك الفرنسي الذي التقت به فيالقطار .. مسيو هنري لورييه.

لم ينهض الفرنسي ليحييها وإنما لزم مكانهواكتفى بأن يقول لها :


-
طاب يومك يا مسز بيترتون.


ولبثتمكانها برهة جامده بلا حراك ، وطغت عليها دهشة لجمت لسانها وشلت تفكيرها .


ثم بدأت تستعيد رباطة جأشها .


إذن فقد بدأت الرحلهالحقيقيه ! إذن فهذه هي المغامرة التي كانت تترقبها .. إن عليها ان تتصرف طبقا لماكان مفروضا ان يصدر عنها هي .. عن مسز بيترتون الحقيقيه..


إن عليها انتحسن اداء دورها وإلا اودت بنفسها إلى التهلكه ..


وقالت بعد ان تمالكتوسيطرت على اعصابها :


-
الديك انباء لي ؟ ايمكنك انتساعدني؟


فأومأ إيجابا ثم اردف بنبرة لوم وعتب :


-
ما بالككنت في القطار متحفظه حذره مع انني ظللت طوال الوقت احدثك عن الجو؟


الجو ؟ ترى مالذي قاله مسيو لورييه عن الجو؟ نعم فقد تكلم عن البرد .. وعن الضباب .. وعن الثلج .. آه عن الثلج..


(
الثلج ) الشيء نفسه الذيتحدثت عنه اوليف بيترتون وهي تحتضر وتلفظ نفسها الاخير ..


وتذكرت علىالفور اغنية الطفوله التي رددتها عندئذ وبادرت على الفور تكرر المقطوعة نفسها :


الثلج .. الثلج .. الثلج الجميل .. تدوسين على قطعة منه وتنزلقين .. ثمتذهبين تذهبين ..


وقال لورييه :


-
تماما .. إنها كلمة السرالمتفق عليها فلماذا لم تستجيبي إذ ذاك وتردديها على الفور كما امرت؟!


قالت هيلاري :


-
اغاب عنك اني كنت مريضه ؟ فقد كنت فيالطائره التي سقطت واصبت بارتجاج في المخ اثر على ذاكرتي إلى حد ما .. إني لا ازالاذكر الماضي بدقائقه وتفاصيله ، ولكني في بعض الاحيان اشعر بفراغ وينمحي كل شيء منذهني ..


-
إني استطيع ان ادرك هذا .. ولكن المشكله هي هل انت في حالهيمكنك معها ان تواصلي الرحله ؟


فردت في حماس :


-
طبعاسأواصل الرحله .. إن زوجي ..........


فقاطعها :


-
إن زوجكعلى مافهمت بانتظارك في لهفة وشوق ..


فتبسم في وجهها بيد ان ابتسامتهكات متسمه في ثناياها بقسوه واضحه .. فسألها :


-
اتعتقدين ان السلطاتالانجليزيه اتقنعت بإجابتك عندما استجوبتك ؟!


-
وأنى لي ان اعلم ؟ ولكنيبدو انهم كانوا راضين. ولكني اعتقد انهم وضعوني تحت المراقبه منذ غادرت البلاد . إني طبعا لم افطن إلى ان هناك من يتعقبني لكن لدي إحساسا داخليا بهذا .


-
هذا شيء طبيعي توقعناه وادخلناه في حسابنا .. نحن لسنا بالأطفالالبلهاء يا مسز بيترتون. إنك كنت تحت المراقبه منذ اللحظة التي اختفى فيها زوجك ،ومع ذلك استطعنا ان نبلغك رسالتنا ، اليس كذلك ؟


-
طبعا طبعا ..


-
والآن سأزودك بتعليماتنا الجديده .. بعد غد تسافرين لمراكش طبقالجدول الحجز السابق.. وفي مراكش ستتلقين برقية من انجلترا تحملك على ان تتخذي علىالفور الإجراءات اللازمه للعوده.


قالت باستغراب :


-
هلسأعود لإنجلترا ؟!


فرد بجفوه:


-
انصتي إلي ولا تقاطعيني .. ستحجزين لك مكانا في الطائره التي ستغادر كازابلانكا في اليوم التالي


-
وهب ان المقاعد كلها كانت مشغوله ؟!


-
لن تكون كلها مشغوله .. ستجدينمقعدا شاغرا في انتظارك .. فقد اتخذنا العدة لكل شيء .. والآن هل وعيت التعليماتتماما؟!


-
وعيتها تماما.


-
إذن عودي إلى الدليل فقد طالانتظاره .. وبهذه المناسبه فقد تعرفت إلى سيدتين في قصر الجمال .. إحداهما امريكيهوالأخرى انجليزيه .. أليس كذلك ؟!


فردت في نبرة من الوجل :


-
نعم .. فهل اخطأت بهذا؟! فقد فرضت الامريكيه نفسها علي ، ثم عرفتنيبزميلتها .. إني آسفه ..


-
هوني عليك فهذا التعارف يلائم خطتي .. يحسنبك ان تحاولي اقناع إحداهما بمرافقتك في رحلتك لمراكش..


-
سأحاول ياسيدتي وإن كنت لا ادري إن كانت ستقبل ام لا ..


-
إذن إلى اللقاء .. طابيومك ..


فرجعت هيلاري إلى الحمام ومن الغريب ان الباب المفضي إلى المشرباستجاب لها حين ادارت مقبضه .


قالت مس هيذرنجتون تخاطب هيلاري كرافن :


-
إذن فأنت مسافره غدا إلى مراكش ؟ ولكنك لم تقيمي في فزان سوى فترهوجيزه.


-
لقد استمتعت منها بما يكفي .. ولعلي استطيع ان اغري ايكمابمصاحبتي في رحلتي لمراكش فقد سعدت بالتعرف بكما ، وسفر المرء وحيدا يبعث علىالضجر


فردت مس هيذرنجتون:


-
اجو ان تعفيني من هذه الرحله فقدزرت مراكش من قبل .


اما مسز بيكر فقد علقت قائله :


-
لقد كنتفي مراكش منذ شهر ولكن لم لا ازورها مرة اخرى ؟! إني ولوعه بالرحلات. والمرء حينيزور بلدا للمرة الثانيه فإنه يستشف منها ما لم يفطن إليه اول مره .. إني ذاهبه منفوري لأحجز تذكرة السفر .


خلت هيلاري كرافن بنفسها وانهالت على ذهنهاالخواطر صاخبه متضاربه كأنها دوامه في لجة من الماء .. وانتزعت نفسها من خواطرهاحين سممعت بغتة بجانبها صوت يقول :


-
اتسمحين لي يا سيدتي ان اجالسكبرهه ؟!


وكان المتحدث هو ذلك المليونير اليوناني ذو اللحية المدببه : مسيو اريستيد ، وسحب كرسيا وجلس بجانبها ثم قدم إليها سيجاره واشعل لنفسه اخرى ..


-
ترى هل اعجبتك هذه المدينه يا سيدتي؟!


-
لا ادري لأنيلم اقض فيها إلا برهة وجيزه.


-
هل زرت الحي الشرقي ؟


-
إنهرائع خلاب.


-
صدقت .. إنه رائع حقا .. إنه موطن الماضي .. الماضيبدسائسه وهمساته الخافته وغموضه السحري وعواطفه الجياشه الفاتره.


ثماردف:


-
اتعرفين يا سيدتي ما يطوف بذهني حين اجوس خلال شوارع فزانالضيقه المتعرجه؟ إني عندئذ اذكر شوارع لندن المتسعه المكشوفه. هناك كل شيء واضحصريح ، اما هنا فالغموض هو السائد والستائر تخفي كل ما يجري وراءها .. اتعرفين ياسيدتي إني احسدك على التجربه التي مررت بها بحادث سقوط الطائره ؟ فقد تمنيت لو انيكنت مكانك .. إنها لمغامره رائعه ان يرى المرء الموت ثم إذا به يرتد إلى الحياة .. ذلك شيء ينقي الروح ويطهرها ..


وكما جاء فجأة ، انصرف فجأة .. وهيلاريتتابعه بنظرة تفيض بالدهشة والاستغراب ..
الفصل الثامن :


في قاعةالانتظار بالمطار كانت هيلاري كرافن تترقب قيام الطائره وإلى جانبها مسز بيكر تصبفي اذنيها ثرثرتها التي لا تنتهي وتجيب في شرود على الاسئلة التي توجه إليها .


ولكن سيل الحديث المتدفق مالبث ان اتخذ مجرى اخر فقد التفتت مسز بيكرإلى شابين كانا يجلسان عن كثب ، احدهما امريكي يتألق وجهه دائما بابتسامه عريضهمشرقة ، والآخر فيما يبدو هولندي ان نرويجي السحنه ، واكثر جدا ووقارا من صاحبه .


وقالت مسز بيكر تخاطب الامريكي :


-
إني احب ان اعرفكبصديقتي مسز بيترتون يا مستر .. يا مستر ..


-
اندرو بيترز .. واصدقائيينادوني باسم آندي ..


فنهض الاخر ووقف وانحنى باحترام ، وقدم نفسهبقوله :


-
توركيل ايريكسون .


وقالت مسز بيكر :


-
والآن وقد تعارفنا ، هل نحن جميعا ذاهبون لمراكش؟! هي اول زيارهلصديقتي لهذه المدينه .


فقال النرويجي ايريكسون:


-
وهي اولزياره لي ايضا.


فقال بيترز :


-
وهذا ينطبق علي .


وعلا صوت الميكرفون بكلمات متداخله غير واضحه ، فهموا منها ان موعدقيام طائرتهم قد حان.


وبخلاف هؤلاء الأربعه ، ضمت الطائره شخصين اخرين ،رجلا فرنسيا وراهبه صارمة القسمات جامدة الوجه.


واسندت هيلاري رأسها إلىظهر المقعد ..


فأطبقت عينيها وران عليها النعاس..


ومالبثتان استغرقت في النوم ..


صحت هيلاري فجأه من النوم ، ولاحظت ان الطائرهتنحدر إلى الأرض مخفضه من سرعتها ، ومالت إلى النافذه تطل من ورائها ، بيد انها لمتر أثرا لأي مطار ..


وتثاءب الفرنسي وقال:


-
يبدو انناسنهبط ، ولكن لماذا ؟!


فقالت هيلاري:


-
فعلا فقد اخذتالطائره بالهبوط ..


ودارت الطائره حول نفسها عدة دورات وتوقفت محركاتهاوسكن الهدير .. ترى ..هل اصابها خلل ما ؟! ام ان الوقود نفدمنها..


ارتطمت العجلات بالأرض ، وجرت فوقها وهي تهتز وتتأرجح فوقالمطبات غير المستويه . وجاء الطيار من مقصورته يقول لهم :


-
ارجوكمجميعا ان تتفضلوا بالنزول .


وغادروا الطائره تباعا ، واحدا تلو الاخر ..

لم يكن مطارا ذلك الذي هبطوا فيه ، وإنما كانت بقعة منعزله في قلبالصحراء الممتدة بلا حدود .



وقالت هيلاري متسائله في صوت تغشاهالحيره:


-
ولكن مالذي جرى ؟ لماذا نزلنا هنا ؟!


قال الطيارمجيبا :


-
إننا على كل حال لن نبقى إلا دقائق قليله..


ورمىبصره عبر الافق ناحية الجبال المكسوه بالثلوج ثم قال :


-
لقد تأخرتقليلا ولكن هاهي ذي قادمه على البعد.


وقال المسافر الفرنسي:


-
قد فهمت أنه ستكون في انتظارنا سيارة ميكروباص لكي نكمل الرحلة فيها ..


وعادت هيلاري تتساءل :


-
هل اصاب المحركعطب؟


وابتسم بيترز ابتسامته العريضه المألوفه ، والتي تشيع في كل ثناياوجهه وقال:


-
كلا ان المحرك سليم ، ولكن كان لابد ان يدبروا شيئا من هذاالقبيل ..


واخيرا جاءت السياره الميكروباص ، يقودها سائق من البربر، فيسرعة خاطفه اضطر معها أن يضغط فراملها بكل قوه حتى توقفت بجوارهم في المكان المناسب ..


ولدهشة هيلاري سمعت مسز بيكر تصدر امرا بقولها:


-
هيااسرعوا فلا نريد ان نتأخر اكثر من هذا ..


ومضى السائق إلى الجزء الخلفيمن السيارة وفتح الباب فانكشف عن صندوق ضخم يشغل المؤخره..


وتعاون بيترزوايريكسون مع السائق والطيار على إنزال الصندوق إلى الارض في جهد ومشقه إذ بداثقيلا مرهقا ..


فأقبل الفرنسي على الصندوق يفتح ويرفع غطاءه فاقتربت منههيلاري محاولة النظر لما بداخله ..


فأخذت مسز بيكر بذراعها تنحيها جانباوهي تقول:


-
لو اني مكانك لما خاولت النظر إلى مافي الصندوق .


-
ولم لا ؟ مالذي في الصندوق؟


تألقت ابتسامة بيترز العريضهوقال :


-
إني اعرف مافيه .. إن فيه مجموعه من الجثث ..


رددتهيلاري في ذهول :


-
جثث ؟


-
نعم جثث ... جثث اشتريت بطريقهقانونيه سليمه لإجراء بحوث طبيه عليها ، والذي اشتراها هو الدكتوربارون.


واشار إلى الرجل الفرنسي ، ثم استطرد ..


-
هنا تنتهيرحلتنا يا مسز بيترتون .. أعني المرحلة الاولى من الرحله ، ستوضع الجثث في الطائرهثم تشعل فيها النيران ، وسوف نراها على البعد ونحن نستقل الميكروباص شعله متأججه .


وغمغمت هيلاري :


-
ولكن لماذا؟ لماذا ؟!


وكانالدكتور بارون هو الذي اجاب.. فقال :


-
ولكنك تعرفين طبعا ، إلى اي مكانسوف نذهب ، إننا ذاهبون للمصير المجهول .
الفصل التاسع:

-
والآن ارجو انتستقلوا الميكروباص ، وأن تسرعوا فقد تأخرنا على الموعد المحدد ..
وصعدوا إلىالميكروباص والتفتت هيلاري إلى السيدة الامريكيه وقد بدأت تدرك حقيقة الوضع وسألتها :
-
إذن فأنت مايسمونه بضابطة الاتصال؟
فأجابتها مسز بيكر :
-
تماما .. إنني ضابطة الاتصال التي تتولى العلاقات العامه ، فليس ما يثير الشك رؤية سيدهامريكيه تنتقل بين مختلف البلاد وتتحدث إلى هذا وذاك ، فتلك طبيعةالامريكيين..
واستطردت مسز بيكر :
-
وسوف يكون خبرا مثيرا ان يقرأ الناس فيالصحف ان طائره سقطت بمسز بيترتون للمرة الثانيه ، وإن كانت هذه المرة قد احترقت معسائر الركاب ، ولم يعثر في الحطام إلا على جثث شوهتها النيران واختفت معالمهاالمميزه ..
واطلقت مسز بيكر ضحكة مرحه ، فأدركت هيلاري مدى دهاء الخطه المدبرهوبراعتها .. فقالت :
-
وهؤلاء الاخرون ؟! ما شأنهم ؟!
فردت مسز بيكر :
-
الدكتور بارون من اشهر علماء الجراثيم ، ومستر ايريكسون من افذاذ علماء الطبيعه ،اما مستر بيترز فباحث كيماوي شهير. ومس فيدهايم ليست راهبه طبعا ، وإنما هي اخصائيهفي الغدد . اما انا فلا انتمي إلى البيئة العلميه وإنما مجرد ضابطة اتصال..
-
ومس هيذرنجتون ، ماشأنها ؟!
-
شأنها فيما اعتقد هو مراقبتك وتتبع خطواتك مذ حللتبكازابلانكا وكذلك التأكد من ان احدا لا يقتفي اثرك ، وإن كنت في حقيقة الأمر لااعرف شيئا عنها ، فربما كانت غير منتميه إلينا ..
وهتفت مسز بيكر:
-
آه .. انظري .. ها هي ذي تشتعل ..
ومالت هيلاري إلى النافذه تنظر منها فرأت على البعدشعله تتأجج من النيران وسمعت دوي انفجار خافت ..
ورمى بيترز برأسه إلى الوراءوقال وهو يضحك :
-
غدا تنشر الصحف بالخط العريض : ستة اشخاص يلقون حتفهم عندماهوت بهم الطائره وهم في طريقهم إلى مراكش ! ولن يخطر لهم ببال أبدا أن هؤلاء الستهكانوا من قبل جثثا هامده شبعت موتا ..
همست هيلاري:
-
هذا مخيف .. مخيفجدا..
-
اتعنين الانطلاق للمصير المجهول؟!
كان بيترز هو الذي تكلم ، وكانالان يبدو جادا ، تبددت من سماته إمارات المرح التي كانت تغشاه..
واستطرد :
-
هذا صحيح ولكنه الطريق الوحيد ، إننا الآن نطرح الماضيوراءنا ونخطو إلى المستقبل ..
وأضاء وجهه بإشراقة من الحماس والانفعال وقال:
-
الآن نهجر خلفنا الأشراروالمجانين .. الحكومات الفاسده وتجار الحروب .. سنذهب إلى دنيا جديده ، دنيا العلم، بعيدين عن الحثالة والقاذورات ..
زفرت هيلاري نفسا عميقا وقالت عن عمد :
-
قولك هذا شبيه بما كان يردده زوجي دائما ..
فقال:
-
زوجك؟! اتعنين توماسبيترتون؟! إنني لم اتعرف عليه ابدا في الولايات المتحده ، وإن كانت بعض المؤتمراتقد ضمتنا اكثر من مره .. إن جهاز تفتيت الذرة الذي وفق إليه من اعظم الاختراعات فيالعصر الحديث ، وإني لأجله واقدره من اجل هذا ,, إنه كان يعمل مساعدا لبروفسورمانهايم ، اليس كذلك ؟


فأومأت هيلاري إيجابا .. فاستطرد بيترز:
-
قدقيل لي انه تزوج ابنة مانهايم ، ولكنك طبعا لست ..
فقاطعته :
-
إني زوجتهالثانيه فقد ماتت الزا في امريكا ..
-
اه .. اه .. إنني اذكر هذا الان .. وبعدوفاتها سافر بيترتون لإنجلترا ليعمل هناك .. ثم اذهل العالم بأن اختفى فجأه ..
وضحك بيترز واستطرد :
-
وتلاشى فجأة وهو يحضر احد المؤتمرات في باريسوابتلعه المجهول..
وكان هذا هو الذي يثير الفزع في قلب هيلاري .. إن المنظمهتجيد تدبير الخطط ..
جميع تدابير الامن التي اتخذت لحمايتها .. جميع التدابيرالتي وضعت لتتبع خطواتها .. كل هذا قد انهار وذهب هباء .. فلا احد الآن يعرف مكانها .. غدا سيقال ان مسز بيترتون لقيت حتفها عندما سقطت بها الطائره للمرة الثانيه ،ولن يخطر ببال احد انها الان في قلب الصحراء منطلقة إلى المصير المجهول حيث سبقهاإليه توماس بيترتون من قبل ... فقد اختفت اثارها ولم يعد باقيا إلا طائره محترقهورماد ست من الجثث ..
ترى هل يستطيع جيسوب ان يعرف انها هي هيلاري كرافن لا تزالعلى قيد الحياه وأن جثتها ليست بين الجثث المحترقه؟! اغلب الظن انه لن يعرف ابدافقد دبرت الخدعه بدهاء منقطع النظير ..
إنهم الآن ستة اشخاص في سيارة ميكروباص ... في قلب الصحراء فكيف يمكن ان تختفي آثارها بمثل هذه السهوله!!!

ألايحتمل ان يرى السيارة اي انسان ؟ هل قضي عليهم بأن تنقطع صلتهم إلى الأبد بعالمالبشر؟! إن هذا يبدو مستحيلا .. رغم براعة الخطه ودهائها ..
وهمست هيلاري:
-
لكن الى اين نحن ذاهبون ؟!
فردت مسز بيكر :
-
مهلا ولا تتعجلي ..سوف تعرفينكل شيء في الوقت المناسب ..

وتابعت السياره طريقها بلا هوادة ، وهيلاريلائذه بالصمت تضرب في متاهات الخيال والوساوس ..
ومال رأسها فوق صدرها .. ومالبثت ان اخذتها غفوه من النوم ..
*****
في رفق لمس بيترز ذراعها وهو يقول :
-
استيقظي إذ يبدو اننا بلغنا مكانا ما ..
وهبطوا جميعا من السياره وكانالليل قد ارخى سدوله واشتد الظلام.. وعلى ضوء احد المشاعل ساروا إلى بيت ريفي تحفبه الاشجار وعند بابه امرأتان من البربر تتسامران بالضحك ..
واقتيدت السيداتالثلاث ، هيلاري ومسز بيكر والراهبه إلى غرفه فيها ثلاث مراتب وبعض الاغطيه ولا شيءغير ذلك من الأثاث ..
وقالت مسز بيكر :
-
وددت لو اني الآن في فندق قصرالجمال انعم بالراحه على فراش وثير فقد حطمت السياره اضلعي ..
فردت عليهاالراهبه في صوت جاف به مسحه من الاسترجال:
-
الراحه نقمة تخلق الضعف والمذلةوالهوان ..
فتطلعت إليها مسز بيكر تتأملها ثم قالت:
-
إني استطيع ان اتخيلكمس فيدلهايم جاثيه على الارض فوق الحصى والاحجار تبتهلين وتصلين دون ان يداخلكالتعب او الانهاك ..
ثم التفتت إلى مسز بيترتون قائله :
-
بعد ان نتعشى سآتيكبقرص من الاسبرين فتستغرقين في النوم بعد مشقة هذه الرحلة المضنيه .
وجيء لهنبالطعام والشاي المعطر بالنعناع وما ان اتين عليه متعجلات حتى هرعن إلى مراقدهنوغرقن في نوم عميق ..
وقالت مسز بيكر لصاحبتيها في الصباح ان الرحلة لن تعاودمسيرتها إلا عند هبوط المساء. وجاءت إليهن خادمتان بثياب وطنيه فقالت مسز بيكر :
-
سنردي الزي الوطني المراكشي منذ هذه اللحظه ونخلع الثياب الاوروبيه ..
فأمضت النساء الثلاث نهارهن بين الفراش وبين الجلوس في سطح البيت يشرفن علىمشاهدة الطبيعه التي تدور حولهن وعلى قريه ريفيه تظهر لهن من البعيد ..
واخيراحانت ساعة الرحيل وقد توارت الشمس وراء الافق ... وفي هذه المره لم يستقلوا السيارهالميكروباص المقفله وإنما انحشروا في سياره سياحيه مكشوفه وكانت النساء يرتدين الزيالوطني المراكشي وعلى وجوههن نقاب مسدل اما الرجال فلبسوا الجلاليب والعباءاتالفضفاضه..
وتتابعت ساعات الليل والسياره تمر بهم عبر الصحراء الممتده وهمصامتون يداعب النوم اجفانهم والمقاعد غير المريحه تقض اجسادهم المرهقه ..
وقالاندي وقد تبدد الليل وبزغت الشمس وتوقفت بهم السياره فنزلوا منها لتناول طعامالفطور :
-
كيف حالك يامسز بيترتون؟ فقد كانت ليله مضنيه؟
-
طول الليلوالأحلام المزعجه تراودني .. أين نحن الان ياترى؟!
-
من يدري ؟ فهي مجرد صحراءلا اول لها ولا اخر وهذا ما يلائم الخطه المدبره حتى لا نخلف وراءنا اثرا يهتدى بهالينا ..
فأطلق ضحكته المرحه المعهوده واستطرد :
-
اولا طائره تنفجر ويحترقركابها جميعا .. وثانيا سياره ميكروباص عليها لوحه تشير إلى انها تابعه لبعثههندسيه تمسح الارض.. وفي اليوم التالي سياره سياحيه تستقلها جماعه من البربر وهوشأن شائع في مثل هذه المناطق .. اما المرحله التاليه من الرحله فهي مالا علم لنا به ..
فتساءلت هيلاري:
-
لكن ماهي وجهتنا؟!
فهز اندي كتفيه ورد :
-
لاجدوى من السؤال فتلك دائما اسئله لا جواب عليها ..
------------------------------------
استمرت الرحلة الغامضه اياما اخرى . كانت هيلاري تعيش معهم وتؤاكلهم ، وتحدثهم وتخاطبهم، ومع ذلك فقد ظلت طوال الوقتتحس انها بعيده عنهم ، لا تشاركهم آراءهم ومعتقداتهم كأنما بينهم وبينها سدهائل.


فهذا هو الدكتور بارون لا يتمنى إلا شيئا واحدا ، هو ان يحصل علىالنقود فيغرق نفسه في معمله بين اجهزته وانابيب الاختبار. وكان من حين لآخر يحدثهاعن قوة التدمير المروعه التي يمكن ان تحتوي عليها انبوبه في حجم قبضة اليد.


وسألته :


-
ولكن ايمكنك حقا استعمالها ؟


فنظرإليها بانفعال جنوني وقال:


-
ولم لا ؟ مادام الامر ضروريا ..


وسرى الرعب بأوصالها ، وهز اعماقها هزا عنيفا وداخلها شعور بالخوفمنه .. ومن الاخرين .


هاهو ذا رجل يتحدث بمنتهى الاستخفاف عن إبادةملايين البشر دون ان تهتز شعرة في رأسه ..


وكذلك كانت هيلاري تكره تلكالسيده المتعجرفه المستعليه هيلدا نيدهايم .. ولكنها كانت تميل إلى اندي بيترز وإنافزعها منه ذلك الوميض المتألق الذي كان يغشى عينيه من حين لآخر ..


قالتله يوما:


-
إنك لا تريد خلق دنيا جديدة لأن الذي يسعدك هو تدمير هذهالدنيا التي تعيش فيها.


قال مستنكرا :


-
ماذا تقولين يااوليف؟!


-
إن الأمر واضح ولست مخطئه . إني اكاد المس الحقد الذي يتأججبه صدرك. الحقد ، الكراهيه، الرغبه في التدمير ، هذا هو مايجيش به صدرك .


اما نظرة هيلاري لايريكسون كانت مختلفه .. فهو رجل حالم .. رجل مثاليمتعلق بالأوهام.


كان دائما يردد:


-
نحن معشر العلماء يجب اننسود العالم .. نحن الذين يجب ان نحكم ونسيطر .. مقاعد الحكم لم تخلق إلا للعباقره.


وهكذا كانوا جماعه واحده، يضمهم مكان واحد ، ولكن معتقداتهم ونوازعهمكانت متنافره متناقضه ، بيد انه كان يجمعهم هدف مشترك/ ذلك انهم كانوا جميعايتطلعون إلى وهم وسراب.


وفي نهاية اليوم الثالث هبطوا قريه صغيره،ونزلوا في خان وطني متواضع وطلبت إليهم مسز بيكر ان يخلعوا الزي المراكشي وانيعودوا إلى ثيابهم الأوروبيه.


وقالت لهم :


-
ارجو ان تسرعوالأن الطائره تنتظرنا.


فقالت هيلاري باستغراب:


-
طائره؟!


-
نعم .. فحسبنا هذه السياره التي قضت مناالاضلع.
__________________
واستقلوا الطائره وكان القائد فرنسي الجنسيهبارعا بمهنته. وطاروا بضع ساعات فمرت بهم الطائره بأمان من وسط الجبالالشاهقه.


وبعد ظهر اليوم التالي اخذت الطائره تهبط إلى الأرض حتى استقرتعجلاتها على سهل تحف به الجبار في مطار بدائي يقوم عند طرفه القصي بناءابيض.


فمشت بهم مسز بيكر إلى البناء وهي تقول آمره:


-
عليكمان تغتسلوا وتتناولوا القهوة قبل ان تستقلوا السيارات .


واغتسلوا ومشطواشعورهم وجاءهم الخدم العرب بالقهوة والسندويشات وتأهبوا لمواصلة السفر .


فقالت لهم مسز بيكر وفي تنظر في ساعتها:


-
لقد ان لي اناترككم أيها الاصحاب فتلك هي المرحلة الأخيره من الرحله .


فسألتهاهيلاري:


-
اراجعة انت إلى مراكش؟!


-
وكيف ارجع اليهاوالمفروض اني ميته حرقا في الطائرة التي سقطت؟! إن ورائي مهام اخرى في بلادثانيه.


-
ولكن هبي ان احدا القتى بك صدفة ممن عرفوك فيمراكش؟


-
وهل صعب علي ان اتخلص من هذا المأزق؟ سأزعم بأن لي شقيقةتشبهني تمام الشبه وهي التي احترقت في الطائره. وطبعا سيكون لدي جواز سفر باسم اخروسأغير لون شعري ونبرات صوتي.


فازدادت هيلاري إعجابا بالخطه المدبره . وودعت مسز بيكر باقي رفاق السهر ، فاستقلت الطائره ، ومالبثت ان علت في الجو وتوارتوراء الافق.


*****


جاءهم احد الخدمالعربقائلا:


-
السيارات جاهزة ايها الساده.


كانت بانتظارهمسيارتان كاديلاك يقودهما سائقان يرتديان الزي الرسمي فاتخذت هيلاري جلستها فيالمقعد الامامي بجانب السائق الفرنسي ، وكانت من حين لآخر تحدثه حديثا عابرا عنالمشاهد التي تمر بها السياره .


وسألته اخيرا:


-
ترى هل تطولالرحله ؟!


-
المسافة من المطار للمستشفى تستغرق حوالى ساعتين ياسيدتي .


طنت الكلمات في اذنيها ، ولأول مره فطنت إلى ان هيلدا نيدهايم كانتالآن تلبس زي الممرضات.


وعادت تسأل السائق الفرنسي:


-
حدثنيقليلا عن المستشفى.


-
إنها من اروع المستشفيات في العالم ومزوده بأحدثالأجهزه العلميه وكثير من كبار الأطباء يزورونها من حين لآخر ثم يرحلون وهم يثنونعليها اعظم الثناء. إن الأبحاث التي تجري فيها لخير الإنسانيةجمعاء.


فقالت هيلاري تجاريه :


-
طبعا .. هذا لاشكفيه.


-
فيما مضى كان هؤلاء التعساء يرسلون إلى جزيره مهجوره فيقضونماتبقى من حياتهم حتى يدركهم الموت . اما الآن فهم يعالجون هنا بالدواء الذي اكتشفهالدكتور كولوني ، وقد ثبت نجاحه في معظم الحالات حتى الحالات المستعصيهالمزمنه.


عجبت هيلاري لحديث السائق إذ لم تكن تدري من هؤلاء الذين نعتهمبالتعساء ولا أي داء يعانون .


توقفت بهم السياره امام المستشفى،فاستقبلهم زنجي يرتدي ثيابا بيضاء فتح لهم البوابة ودعاهم للدخول .


ورأتهيلاري نفسها في فناء كبير حجز معظمه بسور من القضبان والأسلاك ووراء السور كانجماعة من الناس يتمشون رائحين غادين.


فاستداروا ينظرون للقادمين الجدد ،وعندها هتفت هيلاري وهي تشهق في رعب :


-
يا إلهي .. إنهم مصابون بالجذام !!!!!!!!!!!!!!!!!


ولفرط فزعها طغت على اوصالها رعده كادت معها انتتهاوى على الارض مغشيا عليها
------------------------------
اغلقت البوابهوراء القادمين الجدد مرسله رنينا حادا ، بدا في هذا السكون الشامل كأنه صادر منمطارق تدق السندان دقا عنيفا ,, وخيل إلى هيلاري ان رنين البوابه كان يحاكي صوتايقول: انتم يامن تدخلون اطرحوا الامل فأنتم لاتعودون ..


نعم تلك هيالنهايه .. النهايه الحقيقيه نهايه بلا رجعه .. إنها الآن وحيده وسط الاعداء ولنتمضي دقائق معدوده حتى تواجه باكتشاف امرها وانفضاح سرها ..


دار بخلدها : الآن انطبقت علي المصيده ، ولم يعد أمامي سبيل إلى الفرار .. سوف لا يقع عليهابصر توماس بيترتون حتى ينطلق صارخا : ولكن هذه ليست زوجتي ..


وتنتهبهاالعيون من كل جانب .. بنظرات حانقه شزراء .. جاسوسه في وسطهم ؟ وخطر لها ان تعكسالموقف: فبدلا من ان يصرخ بيترتون بأن هذه ليست زوجتي ، ستبادره هي بمجرد ان يقعبصرها عليه : كلا ليس هو زوجي ..


وإذا استطاعت ان تجعل الحماس يدب فيصوتها والرعب يطل من عينيها فسوف تنجح في إثارة الشكوك ،، وسوف يرتابون ويتساءلون : ترى هل بيترتون هو حقا بيترتون ام عالم اخر انتحل شخصيته واندس بينهم ؟ هل هوالجاسوس اما هي فالزوجة الحقيقيه؟!


ولكن اليس معنى هذا ان يصبح بيترتونهو الضحيه ؟! وأن يقضى عليه بالهلاك ؟!


إن ضميرها لم يبكتها ولن تندمابدا فبيترتون خائن انحاز إليهم وجاء اليهم ليبيعهم اسرار بلاده ، فهو اهل لأن يموتدون شفقه او رحمه ..


انتزعها من خواطرها اليائسه رجل عملاق الجسم وسيمالوجه ، اقبل على الجماعه يستقبلهم ويحييهم واحدا تلو الاخر ..


وحين مديده يصافح هيلاري رسم على شفتيه ابتسامه باهته مصطنعه وقال لها :


-
لاشك انك متلهفه إلى لقائه ..


اشتد اضطرابها واخذتها غشيه عابره من الدواروشردت عيناها بنظره تجردت من التعبير .


بادر اندرو بيترز بلمس ذراعهافي رفق ، وسندها وهو يقول للمضيف الذي جاء يرحب بهم :


-
لعلك لا تعلمان الطائره سقطت بالسيده بيترتون وأنها اصيبت بارتجاج في المخ ، وقد زادتها هذهالرحلة المضنيه المتواصله ارهاقا فوق ارهاق . إنها الآن يجب ان تستريح ساعة اوساعتين في غرفه معتمه .


استشفت هيلاري من صوته ومن ذراعه التي تسندهابادرة من الرحمه والإشفاق ولكنها استجمعت شجاعتها ورفعت رأسها وقالت :


-
كلا كلا .. يجب ان اقابل توم .. إذهبوا بي إليه في الحال .. اريد اناراه حالا ..


قال الرجل العملاق الوسيم :


-
بالتأكيد ياسيدة بيترتون .. إني استطيع ان ادرك حقيقة مشاعرك ..


أشار إلى امرأه تقفعلى قيد خطوات وهو يقول :


-
دعوني اقدم لك الآنسه جينسون ..


وقدم إليها القادمين الجدد كل واحد بدوره .. ثم قال :


-
ستصحبكم الآنسه جينسون إلى مكتب التسجيل وتقدم إليكم شرابا ريثما اصطحب السيدةبيترتون إلى زوجها وسأعود إليكم بعد برهه وجيزه ..


استدار منصرفا وفياعقابه هيلاري كرافن وحانت منها لفته إلى الوراء ورأت بيترز يتابعها ببصره وخيلإليها انه يهم في تردد ان يلحق بها ثم آثر البقاء ..


وقال لها الرجل وهويمشي بها في دهاليز طويله ملتويه :


-
إنني ادعى بول فان هايديم .


وقالت له هيلاري :


-
إنه لأمر فظيع .. مرعب .. اعني هؤلاءالمجذومين ..


فقال :


-
إنك لن تلبثي ان تألفي رؤيتهم ..


توقف فجأه عند احد الابواب وقرع الباب ، ثم تريث برهه قبل ان يفتحه ..


وقال :


-
بيترتون .. هاهي ذي هنا اخيرا .. زوجتك.


وتنحى عن الباب قليلا ليفسح لها مكانا للدخول ..


دخلت هيلاري إلى الغرفه .. الآن لا سبيل إلى التراجع ..


لاسبيل إلى التردد .. تقدمت إلى الداخل .. تقدمت إلى الأمام .. إلى القدر المحتوم ..
الفصل الثاني عشر :


كانت المرأه التي ترأس مكتب التسجيل شبيههبالسجانات في صرامة وجهها وجمود قسماتها .. ورحبت بالدكتور بيترتون في كلمات وجيزهمقتضبه.. وقالت له :


-
إذن .. فقد جاءت السيدة بيترتوناخيرا


كان يبدو من لكنتها انها سويسريه.


اشارت إلى هيلاريتدعوها إلى الجلوس وفتحت درجا تناولت منه عدة استمارات نشرتها فوق المكتب .. ومضتتدون بعض البيانات.


وقال بيترتون :


-
إني ذاهب إلى عملي يااوليف فالحقي بي عندما تفرغين


انصرف بيترتون وأوصد الباب وراءه ،والتفتت رئيسة مكتب التسجيل إلى هيلاري وقالت :


-
والآن اسمك بالكاملوالسن ومحل الميلاد واسماء الابوين .. والامراض الخطيره ، وهواياتك المختلفهوالاعمال التي التحقت بها ومؤهلاتك العلميه والاطعمه التي تفضلينها وهناك اسئلهاخرى سوف اوجهها إليك فيما بعد ..


ابتسمت هيلاري في اعياء واخذت تجيبعلى الاسئله والمرأة ماضيه في تدوينها بالاستمارات التي امامها ..


واخذتالاسئله تتوالى تباعا جتى لكأنها سيل جارف لا ينتهي ..


واخيرا رفعتالمرأة رأسها وقالت :


-
هذا هو ما يختص به هذا المكتب والآن سأبعث بكإلى الدكتوره شوارتز لتفحصك من الناحية الطبيه.


وتساءلتهيلاري:


-
وهل هذا ضروري ؟!


-
ضروري جدا يا سيدة بيترتون .. فإننا هنا نؤمن بالكمال ونحب ان نثبت كل شيء في السجلات ..


وقامتالدكتوره شوارتز بفحص هيلاري فحصا دقيقا استغرق فتره قصيره ثم قالت لها :


-
والآن عليك الذهاب إلى الدكتور روبيك.


-
ومن يكون الكتورروبيك هذا؟


-
طبيب نفسي ..


-
ولكني لست بحاجه إلى طبيب نفسي ..


-
لا داعي للانزعاج سيده بيترتون .. إن ما سيدور بينكما لا يعدواختبارا للذكاء وتحديد معالم شخصيتك..


كان الدكتور روبيك سويسريا.. فيالاربعين من العمر .. ورحب بهيلاري في لطف ودماثه .. وتصفح البطاقه التي بعثت بهاإليه الدكتوره شوارتز ثم قال:


-
يسعدني ان اعرف ان صحتك جيده ياسيدةبيترتون ..


ثم اردف ..


-
لقد بلغني انك تعرضت لحادث سقوططائره منذ فتره وجيزه إليس كذلك؟!


-
بلى وقد امضيت خمسة ايام في مستشفىكازابلانكا..


-
ولكن خمسة ايام لا تكفي إطلاقا .. كان يجب ان يستبقوكاكثر من هذا..


-
كنت تواقه إلى مغادرة المستشفى لأواصل رحلتي ..


-
هذا تصرف غير سليم ، فالإصابه بارتجاج المخ تحتاج إلى فتره طويلهمن الراحه والاستجمام.. إنك قد تترائين سليمه في البدايه ولكن هناك احتمالا كبيرالآثار جانبيه خطيره .. إن جهازك العصبي فيما ارى مضطرب إلى حد ما ، وهذا راجع دونشك إلى مشقة الرحله .. وإلى الارتجاج في الوقت ذاته ..




AlEX 7
مشاهدة الملف الشخصي
ارسال رسالة خاصة الى AlEX 7
ارسال بريد الى AlEX 7
البحث عن المزيد من المشاركات التي كتبت بواسطة AlEX 7

10-04-2006, 13:44 #34
AlEX 7
عضوة














--------------------------------------------------------------------------------

ثمسألها :


-
هل تشعرين بصداع ؟


-
نعم صداع شديد جدا .. ومن حينلآخر اشعر بالدوار وافقد ذاكرتي ..


-
بالتأكيد .. بالتأكيد .. إننياستطيع ان ادرك هذا ، والآن سأجري بعض الاختبارات .. لأتبين مستوى عقليتك ..


ومضى الدكتور روبيك يجري عليها اختباراته ويوجه إليها بعض الأسئلهويدون حصيلة ذلك كله في استماره امامه .. واخيرا قال :


-
ارجو الا يسوءكيا سيدتي ان اقول إنه مما يسعدني ان افحص الآن شخصا ليس من العلماء العباقره ..


ضحكت هيلاري وقالت :


-
وما الذي يسوؤني من هذا وانا اعلماني لست بالعبقرية او النابغه؟


فقال الدكتور روبيك :


-
وهذامن حسن حظك يا سيدتي .. فإن حياة العباقرة جحيم لا يطاق ..


واستطرد :


-
إنني هنا لا اتعامل إلا مع قوم مفرطي الذكاء .. وهؤلاء معرضون دائماللاختلال العصبي تحت وطأة الضغط الذي يعانونه .. فالعالم يا سيدتي ليس باردا هادئاكما يبدو في الظاهر . فإن انهماكه في عمله يجعل اعصابه مرهقه إلى اقصى حد .. ولافرق في هذا إطلاقا بين الممثله الأولى او بطل التنس او عالم الذره ..


-
صدقت .. فقد خبرت هذا بنفسي ..


إذ كان من المفروض انها عاشرت بيترتونفتره طويله باعتبارها زوجته .. وهو دون شك من العلماء العباقره .. وكأنما اراد انيقتضب الحديث .. فمد إليها يده فجأه يصافحها وهو يقول :


-
والآن ستذهبينإلى الانسه لاروش .. لتمضي بك إلى قسم الملبوسات لتختاري ما يروقك من الثياب ..


كانت النساء اللائي التقب بهن هيلاري جميعا حتى تلك اللحظه يعملنكأنهن آلات ميك********************************يه .. ذكرتها بالإنسان الآلي .. روبوت .. اما الآنسه لاروش .. فكانت على العكس .. مرحه .. متدفقه بالحيويه .. ارتاحت هيلاري إلى لقائها ..


قالت لها الفتاه :


-
إني سعيدهبأن اتعرف إليك يا سيدتي وارجو ان اوفق في تقديم كل مساعده ممكنه ..


ثماستطردت ..


-
بما أنك وصلت الآن لتوك .. فلاشك في انك مازلت متعبه ولذلكاشير عليك ان تكتفي الآن بانتقاء بعض الثياب الضروريه وفستان واحد .. وغدا وفي خلالالايام التاليه يمكنك ان تلقي نظره على مالدي من ثياب ومن مستحضرات التجميل ..


فقالت هيلاري :


-
كل ما ارجوه الآن .. ان امتلك مشطاوفرشاه ..


ضحكت الانسه لاروش في مرح ومضت تدون مقاس عميلتها في مفكرهلديها ثم قالت :


-
سأبعث على الفور إلى جناحك بكل ماوقع عليه اختياركوإنه ليسعدني ان تترددي على المتجر من حين لآخر ، فقد تبينت ان لك ذوقا رفيعا فيالاختيار. اما هؤلاء السيدات العالمات .. فقد ضقت بهن ذرعا.. خاصة وانهن لا يبديناي اهتمام بمستحضرات التجميل ..


ثم استطردت :


-
منذ نصفساعه كانت لدي هنا واحده منهن .. اثارت اعصابي .. إحدى رفيقاتك في السفر ..


فقالت هيلاري :


-
لعلك تعنين هيلدا نيدهايم ..


-
تماما هذا هو اسمها .. إنها المانيه بالتأكيد .. والألمانيات عادةلا يحفلن بالتجميل ، مع انها يمكن ان تبدو جميله لو انها ابدت بعض الاهتمام بنفسها .. إنها دكتوره فيما فهمت .. ولكن الرجل لا يبحث عن المؤهلات العلميه وإنما عن لمسةمن الجمال والأنوثه .


اه وهاهي ذي اخرى لا يتأتى لرجل ان يتطلع إليهابتاتا ..


فقد بدت الآنسه جينسون في مدخل الغرفه ، وفوق عينيها نظارتهاالصغيره العتيقة الطراز ..


وقالت الآنسه جينسون:


-
اذا كنتقد فرغت يا سيدة بيترتون فسأصحبك لمقابلة نائب المدير الدكتور نيلسون .


قالت هيلاري في نفسها : كل من هنا يحمل لقب دكتور عداي انا ..


ثم رفعت صوتها متسائله :


-
وما هو تخصص الدكتورنيلسون؟!


-
إنه ليس طبيبا ، فهو حاصل على الدكتوراه في الاداره ومنعادته ان يقابل كل وافد جديد ليتحدق إليه ولكنك لنن تقابليه بعد هذا إلا إذا ثارتمشكله مهمه ..


*****


نهض الدكتور نيلسون من وراء مكتبهيحييها ويشد على يدها في حراره ..


-
يسعدني ان اراك بيننا يا سيدةبيترتون دعيني اهنئك بالنجاة من هذا الحادث المؤسف الذي وقع لطائرتك ..


وشكرته هيلاري على لطفه واستطرد يقول :


-
إني على استعدادلأن اجيب عن اي سؤال يخطر بذهنك فهل لديك ما تحبين ان تستفسري عنه؟


فبدت امارات الحيره على وجه هيلاري وقالت :


-
الحق اني لاادري ولكن لعل كل ما يعنيني ان استفسر عنه هو ان اعرف اين انا الآن ..؟!


ابتسم الدكتور نيلسون واجاب:


-
إني ادرك ما يجول بذهنك .. إنكم تعتقدون جميعا للوهلة الاولى لفرط ما سمعتم من مفتريات انكم ذاهبون إلىموسكو .. وراء الستار الحديدي .. ولكن لا ياسيدتي .. إنك الآن في افريقيا .. في قلبالصحراء المراكشيه .. ومستعمرة الجذام التي تعيشين فيها الآن هي بمثابة الستارالحديدي لأنها ترد عن علمائنا المتطفلين الذين يحاولون اكتشاف مقرهم ..


قالت هيلاري :


-
صدقت .. فقد تصورت في البدايه اننامسافرون إلى موسكو ..


-
إنك ستعيشين هنا في عزله تامه عن العالم ولكنوسائل الترفيه والتسليه متوافره .. إن لزوجك عمله الذي قد يشغله عنك فقد ينكب علىالعمل ليل نهار ولا يفرغ لك إلا نادرا ، ولكن يمكنك ان تشغلي نفسك بقضاء الوقت معزوجات العلماء وسوف تجدين انهن لطيفات ذوات ود ..


سألته هيلاري في شيءمن الإحجام :


-
ولكن هل يسمح لنا بالخروج ؟!


فتطلع إليهاوقال مترددا :


-
الخروج يا سيدة بيترتون؟! .. سؤال طبيعي لا بد ان يصدرعن كل وافد جديد . لكن المبدأ الاساسي الذي تدين به منظمتنا هو اننا هنا في دنياقائمه بذاتها فلا شيء يدعونا إلى ان نتجاوز حدودها ونذهب إلى خارجها .. إنها دنياكامله .. ذات اكتفاء ذاتي شامل ..

قالت هيلاري وقد رجعت إلى جناحها :


-
إن الحياة هنا شبيهة بجو المدارس ..


فقالبيترتون:


-
هذا هو ما يحسه المرء في البدايه انا نفسي داخلني هذا الشعورحين جئت ..


كان الحديث بينهما يدور في تحفظ وحذر .. خشية ان يكون هناكميكروفون مدسوس بين الاثاث او في الجدران ..


ثم اردف ..


-
وهذا ما يرتد بنا إلى عهد الطفوله السعيده ..


وغمز بعينه فلم يغب عنهاالنذير المقصود .. وبدا لها الأمر كله عجبيا ..


هاهي ذي في قلب الصحراءتشارك رجلا غريبا مخدعه وتشاطره الفراش ذاته ومع ذلك فإن في التوجس والقلق والخطرالمسيطر عليهما ما جعل الرابطة التي بينهما مفككه منفصمه ..


عادت هيلاريإلى الحديث فقالت :


-
لقد اجروا علي عدة فحوص طبيهونفسيه.


-
هذا هو ما بفعلونه دائما مع الوافدين الجدد .


-
وهل فحصت انت ايضا؟


-
هذا امر طبيعي..


-
وبعد هذا قابلتالدكتور نيلسون نائب المدير فتبادلنا الحديث برهه قصيره .


-
إنه إداريحازم قدير .


-
ولكني لم اقابل المدير بعد.


-
احسب انك لنتقابليه ابدا وإن كان من حين لآخر يلقي علينا بعض المحاضرات .. وهو رجل ذو شخصيهجذابه ..


قطب بيترتون جبينه وادركت هيلاري انه يريد ان يثنيها عن مواصلةهذا الحديث .. فما كان منها إلا ان لاذت بالصمت ..


قال لها بيترتون ..


-
إنهم يتناولون العشاء هنا ابتداء من الثامنه مساءا .. فيحسن بنا ياعزيزتي ان نتأهب للنزول ..


ابدلت هيلاري ثيابها وارتدت الفستان الذيجاءت به من قسم الملابس ..وتحلت بقلاده من اللآلئ المقلده ..


هبطا معاإلى قاعة الطعام وخفت الآنسه جينسون إلى استقبالهما قائله:


-
لقد اعددتلكما مائدة كبيره يشارككما فيها بعض رفاق زوجتك في السفر فضلا عن الدكتور مارشيسونوزوجته ..


-
ارشدتهما إلى الطاوله المقصوده وكان اندرو بيترز و إيريكسونقد سبقا إليها وانتظما حولها وقدمت هيلاري زوجها إلى الرجلين .. ولم يلبث الدكتورمارشيسون وزوجته أن لحقا بهم وقدمهما بيترتون إلى الآخرين وهو يقول :


-
سيمون وانا نشتغل معا في معمل واحد ..


كان سيمون مارشيسون شابا نحيفا فيالسادسة والعشرين ذا وجه باهت اللون .. اما زوجته بيانكا فكانت ممتلئة الجسم إلى حدما وفي حديثها لكنه اجنبيه واضحه ..


رحبت بيانكا بهيلاري في لهجة مهذبهولكن في شيء من التحفظ ثم قالت متسائله:


-
إنك لست عالمه فيما اعتقد؟!

-
كلا .. إني لم أتلق تدريبا علميا .. فقد كنت اعمل سكرتيره قبل زواجي ..


وقال الدكتور مارشيسون :


-
لقد درست زوجتي الاقتصادوالقانون التجاري وهي تلقي علينا بعض المحاضرات من حين لآخر وإن كانت لا تجد إلانفرا قليلا يؤم محاضراتها ..


فهزت بيانكا كتفيها في استخفافوقالت:


-
لقد استطعت على أية حال ان التمس هنا ما اشغل به وقتي .. فقدبدأت ادرس احوال مجتمعنا هذا حتى اعمل على تطويره وتحسينه. ومادامت السيدة بيترتونغير قائمه ببحث علمي فإن في وسعها ان تساعدني في مهمتي ..


وسارعتهيلاري ترحب بالاقتراح ..
واضحكهم اندرو بأن قال:


-
ارجوا ان يعهدواإلي بالعمل على الفور .. وإلا انقلبت تلميذا امضي وقتي في لعب البلي ..


قال سيمون مارشيسون في حماس :


-
هذا مكان رائع للبحثالعلمي فكل الاجهزة متوافره ولا احد يقحم نفسه او يقطع عليك عملك ..


سأله بيترز :


-
ما تخصصك يادكتور؟!


اخذالرجلان يتداولان حديثا علميا بحتا فتحولت هيلاري إلى إيريكسون الذي كان متراخيا فيمقعدهبعينين شاردتين وسألته:


-
وانت .. اتراك ايضا تحس حنيناللوطن؟!


-
إني رجل لا اؤمن بمثل هذه الترهات الفارغه ... الوطن .. روابطالاسره والطفل .. مشاعر المحبه والوفاء .. كل هذا هراء .. إن المرء لكي يعمل يجب انيكون حرا طليقا .. لا يشده اي نوع من القيود ..


-
او تشعر بأنك هناستكون حرا طليقا؟!


-
هذا ما ارجوه .. وإن كنت لا ادري حقيقة حتى الآن ..


مالت بيانكا إلى هيلاري وهي تقول :


-
بعد العشاء لديناالكثير مما نشغل به وقتنا .. غرفة لعبة البريدج مثلا .. والعاب الورق الاخرى .. قاعة السينما تعرض افلاما حديثه .. وقاعة التمثيل تعمل ثلاثة ايام كل اسبوع .. وكذلك سهرات راقصه من حين لآخر ..


قطب ايريكسون جبينه وقال :


-
كل هذا لغو لا جدوى من ورائه .. إنه يصرف الباحث عن عمله ويبددنشاطه ..


قالت بيانكا :


-
كل هذا الذي تسميه لغوا ضروري لنامعشر النساء ..


فتطلع إليها بنظره بارده .. كأنما يقول : وحتى انتن معشرالنساء لا ضرورة لكن ..


تعمدت هيلاري ان تتثاءب وقالت :


-
اما انا فسآوي الليله إلى فراشي مبكره .. إذ ما زلت متعبه مرهقه..


فقالتلها بيانكا :


-
إنك على حق ياعزيزتي .. فقد كابدت الاهوال .. فضلا عنهذه الرحلة المضنيه ..


فقال بيترتون وهم يزايلون المائده:


-
الجو الليله منعش لطيف.. وقد اعتدنا ان نقضي بعض الوقت في حديقه السطح قبل ان نمضيإلى العمل او النوم .. فلم لا تصحبيننا ياعزيزتي اوليف ؟


كانت حديقةالسطح تحفة فنيه رائعه .. كانت بستانا حافلا بأجمل انواع الأزهار واندرها .. تتوسطها نافوره صغيره يتدفق منها الماء رشاشا متناثرا تنعكس عليه اضواء ملونه خلابه ..


قالت هيلاري في افتتان :


-
إني لا اصدق ما تراه عيناي. ايقوم هذا في قلب صحراء قاحله مجدبه ؟ لكأني اعيش في قصة من ليالي الف ليله..


فقالت مارشيسون:


-
صدقت يا سيدة بيترتون .. ولكن مادامالماء غزيرا والمال متوافرا فلا شيء مستحيل ..


-
ولكن .. من اين لكمبهذا الماء الغزير ؟!


-
من نبع عميق حفرناه في الجبل بأحدث الاساليبالعلميه ..


واخذوا يتمشون في حديقة السطح قليلا .. ويتسامرون بالحديث .. ثم انسحبوا واحدا بعد الآخر .. ولم يبق اخيرا إلا توماس بيترتون وزوجته هيلاريكرافن .. اخذ بيدها واجلسها على إحدى الأرائك المتناثره في ارجاء الحديقه ووقف فيمواجهتها وحدجها بنظرة متسائله وقال:


-
والآن .. من انت بحقالسماء؟!


رفعت وجهها تتطلع إليه برهه دون ان تجيب .. وبدلا من ان تردعلى سؤاله قالت تسأله :


-
لماذا كذبت فزعمت انيزوجتك؟!


تبادلا نظرات صامته .. واخيرا قال بيترتون .. :


-
مجرد نزوه طارئه .. لقد خطر لي انك ربما جئت لكي تخرجيني من هنا .. ياإلهي.. هذاسؤال توجهينه إلي؟! ان الإجابه واضحه معروفه !!!


فعادت تسأله :


-
ولكن كيف جئت إلى هنا ؟!


-
إذا كنت تقصدين اني اختطفت .. او ان شيئا من هذا القبيل قد حدث .. فانزعي من رأسك مثل هذه الفكره من رأسك .. لقداتيت إلى هنا من تلقاء نفسي وبمحض إرادتي .. وكنت ممتلئا حماسه ..


-
وهلكنت تعرف انك قادم إلى هذا المكان ؟!


-
لا .. لم يخطر لي قط أنني آت إلىافريقيا .. ولم احاول قط ان اسأل .. لقد احتواني البريق الخداع واخذتني الكلماتالحماسيه : السلام العالمي .. الحريه المطلقه .. اقتسام الأسرار العلميه بين دولالعالم جمعاء .. القضاء على الرأسماليين وتجار الحروب .. نعم .. كل هذه الترهاتالخرافيه ..


واردف :


-
وصاحبنا بيترز الذي صحبك في رحلتك .. إنه هو ايضا ابتلع الطعم ..


-
ومالذي اكتشفته بعد انوصلت؟!


-
سوف ترين بنفسك .. ولكن يكفي ان اقول لك .. إن الحريه التيحلمنا بها .. لا وجود لها هنا ..


وجلس إلى جانبها مقطب الجبين ثم قال :


-
ونفس الوضع هو الذي اثارني في انجلترا وجعلني اكره البقاء فيها .. إجراءات الامن الصارمه .. التجسس على حركاتي وسكناتي .. تعقب خطواتي ومحاسبتي علىكل كلمه اتفوه بها .. كل هذا حطم اعصابي ..


واستطرد بنفس النبرة اليائسه :


-
ثم جئت إلى هنا .. فإذا الفردوس الموعود مجرد سراب .. لقد عانيتنفس الأوضاع .. بل اشد هولا..


وتابع الحديث ..


-
احدثالأجهزة العلميه رهن إشارتنا والمال متوافر لإجراء الابحاث التي نجريها ولكني معهذا لا املك إلا ان اشعر يأني في سجن تحف به الأسوار والقضبان ..


رانعليهما الصمت .. ثم استدار إليها متسائلا:


-
والآن لنعد إلى ما كنا فيه .. مالذي جعلك تحضرين إلى هنا وتزعمين انك اوليف ؟!


قالت :


-
اوليف ....


ثم امسكت تلتمس الكلمات الملائمه لكي تجيب عن السؤال .


عاد يتساءل :


-
ولكن اين اوليف ؟ مالذي جرى لها؟


ناورت وتحايلت على الكلمات ثم اضطرت اخيرا إلى ان تجيب .


حملق إليها شاردا ثم قال :


-
إذن فأوليف ماتت ..


غرق في صمت طويل ثم رفع رأسه اخيرا وقال:


-
اوليف ماتتوحللت مكانها .. ولكن لماذا؟!


كان الجواب حاضرا في ذهنها .. لم تكنهيلاري كرافن حتى هذه اللحظه مطمئنه تماما إلى بيترتون .. وكانت تراه مزعزع الأعصابوقد اوشك ان ينهار.. فمن دواعي الحكمه ان تحجب دونه اسرارها ..


لقد قاللها في بداية الحديث انه يحسبها جاءت لكي تنقذه وتخرجه من هنا ، فلم لا تجاريه فيمااعتقد ؟


إن من الحماقه ان تصارحه بأنها مجرد جاسوسه اوفدها جيسوبلتوافيه بما تقع عليه من معلومات..


قالت تجيب على سؤاله:


-
كنت مع زوجتك في المستشفى حين ماتت فتطوعت لأداء هذه المهمه وقررت ان انتحل شخصيتهاواسمها خاصه وان قوامي يشبه قوامها وشعري الاحمر في لون شعرها .


فقال:


-
حقا فإن لك نفس الشعر الأحمر النحاسي ..


ثم اردف :


-
ولكن مالرساله التي ارادت اوليف ان تبلغها إلي؟!


فسألته :


-
اتعرف شخصا يدعى بوريس؟!


-
نعم .. بوريس جلايدر .. إنيلم اقابله مطلقا .. ولكنه إبن عمة زوجتي السابقه ...


-
لقد ارادت اوليفان تكون على حذر منه وقالت إنه خطر..


-
خطر؟ ولماذا يكون خطرا علي؟! هذاعجيب.!! اتراه قابل اوليف؟!


فقالت :


-
إنها لم تقابله ولكنهاتلقت رسالة منه ..


-
ومالذي قاله لها؟!


-
هذا مالا علم لي به، ولكنها اضافة عباره اخرى .. قالت : تذهبين تذهبين .. اذهبي وحدثيه عن بوريس .. إني لا اصدق هذا .. لا استطيع ان اصدق .. ولكن ربما كان صحيحا .. وإذا كان .. فعليهان يكون على حذر ..


وكانت هذه اخر كلمات نطقت بها .. ثم لفظت انفاسهاالاخيره .


-
بوريس؟ ولكن .. لماذا ؟ لماذا ؟ هذا مالا استطيع اناتبينه..


لاذ بالصمت برهة ثم عاد يقول :


-
يا إلهي .. لقدقضي علي بأن ابقى هنا إلى الأبد وراء القضبان ..


فقالت هيلاري بصوت مليءبالثقه والإيمان :


-
بل لا بد ان تخرج من هنا ..


-
ولكن كيف؟ كيف ؟ إن هذا لمستحيل ..


فقالت :


-
لا مستحيل في الدنيا .. سوف نجد وسيله ..


لم تكن هيلاري مؤمنه بما تقول .. ولكنها ارادت ان تبثفي نفسه الشجاعة والأمل .. حتى لا تنهار اعصابه .


واستطردت :


-
لا داعي لليأس .. هناك سجون ومعتقلات حصينه استطاع من فيها انيهربوا منها بوسيلة ما .. بحفر نفق مثلا .. كل ما هنالك ان الأمر يحتاج إلى التأنيوإلى الوقت ..


فردد في يأس :


-
ومن أين لي الوقت ؟ ألاتعرفين مايحدث هنا؟ إنهم يريدون من العالم الذي يأتون به هنا أن ينتج شيئا .. يريدون منه ان يبحث وان يخرج عليهم باكتشاف عبقري.. أنا إن عجز .. فهل تدرينمصيره؟!

فقالت :


-
يعيدونه إلى بلاده دون شك !!


فأجاب :


-
بل يتخلصون منه .. يقتلونه !!


-
يقتلونه!! إني لا اصدق هذا ..


-
بل تلك هي الحقيقه .. لأنه لم يعد ذانفع لهم بل اصبح عبئا عليهم .. وقد اصبحت انا هذا العبء المكروه فإن شعوري بأننيسجين هنا شل تفكيري ولم اعد قادرا على موالاة البحث فلم انتج شيئا منذ حضرت .. وقدظنوا ان ابتعادي عن زوجتي هو الذي جمد عبقريتي ولذلك ارسلوا يستدعونها .. والآن وقدحضرت انت باعتبارك زوجتي .. فإنهم لن يصبروا علي اكثر من هذا .. فإما ان انتج .. وإما ان اقتل ..


اخذت هيلاري بذراعه وهي تقول:


-
والآنفلنعد إلى جناحنا .. فقد تأخر بنا الوقت ..


ثم اردفت :


-
نممطمئنا فسوف نجد وسيله للفرار.. نعم .. حتما سوف نهرب ...
-----------------------------
في فندق المأمون في مراكش .. كانت الآنسههيذرنجتون مجتمعه برجلين .. احدهما جيسوب والآخر فرنسي تشع عيناه ذكاء ..


ولكن هيذرنجتون هذه لم تكن تلك التي رأيناها من قبل تتعرف إلى هيلاريفي كازابلانكا وفزان .. وتمضي معها معظم الوقت ..


كان لها حقا نفسالقوام ونفس الملامح .. ونفس هيئة الشعر وتنسيقه .. ولكن هيذرنجتون هذهكانت تبدواصغر سنا واكثر حيويه فقد كانت عند لقائها بهيلاري تخفي سماتها الحقيقيه ..


وقال لها جيسوب مستطردا في الحديث :


-
إذن فؤلاء همالوحيدون الذين اتصلوا بها في فزان؟!


فقالت :


-
كان هناكايضا هذه المرأه المدعوه كالفين بيكر .. التي تعرفت إلي وإلى اوليف بيترتون .. وقدحيرني امرها كثيرا .. فقد بدا لي انها اقحمت نفسها على السيدة بيترتون .. بيد انهاامريكية الجنسية .. ومن عادة الامريكيين ان يتوددوا ويتحدثوا إلى كل انسان على غيرسابق معرفه..


وعقب جيسوب :


-
هذا صحيح..


فقالتجانيت هيذرنجتون :


-
ولكن الغريب الذي يسترعي النظر انها استقلت نفسالطائره ..


فتساءل جيسوب:


-
اتريدين القول ان سقوط الطائرهكان حادثا مدبرا؟!


ثم التفت إلى الرجل الفرنسي وسأله :


-
مارأيك في هذا يا ليبلان؟!

فأجاب الفرنسي:


-
هذا محتمل وإن كان منالمستحيل ان نقيم الدليل على هذا فقد احترقت واحترق كل من فيها ..


-
ومارأيك في الطيار؟!


-
الكادي ؟ إنه طيار مغامر مرن الضمير .. ولا يسعى إلاوراء المال ولا يؤمن بشيء من المعتقدات السياسية .. بل لا شأن له بالسياسة علىالإطلاق ..


-
إذن فلا يمكن ان يكون قد قام بتخريب الطائره لكي ينتحرويضحي بنفسه ..


فقال ليبلان :


-
عثرنا بين حطام الطائره علىسبع جثث محترقه متفحمه اختفت معالمها ..


وعادت الآنسه هيذرنجتون إلىمتابعة حديثها فقالت :


-
وقد تبادلت السيده بيترتون بضع كلمات مع اسرهفرنسيه كانت تنزل مع اطفالها في نفس الفندق وكان في الفندق ايضا سويدي من الأثرياءمع إحدى نجوم السينما وكذلك السيد اريستيد المليونير اليوناني صاحب آبارالبترول.


فقال ليبلان :


-
هذا الرجل عجيب الشأن فعلى الرغممن ملايينه التي لا تحصى فهو عزوف عن النساء ولا يلعب الميسر وليس لديه جياد للسباقوإنما يحبس نفسه في قصره في اسبانيا لا يبرحه إلا نادرا وليس له من هواية إلا جمعالتحف الصينيه ..


واستطردت جانيت هيذرنجتون:


-
وفيما اعلم لمتتبادل السيده بيترتون حديثا لا مع الثري السويدي ولا مع المليونير اليوناني ..


فسألها جيسوب :


-
والخدم والجرسونات ؟


-
هذامحتمل دائما .. وقد زارت المدينه القديمه مع احد الأدلاء وبمجرد عودتها قررت انتسافر إلى مراكش فمن المحتمل ان يكون احد قد اتصل بها في اثناء زيارتها للمدينهالقديمه ..


قال جيسوب :


-
وكذلك قررت السيده كالفن بيكرفجأه أن تصحبها في رحلتها إلى مراكش .. ألا يبدو هذا امرا غريبا .. وهي التي كانتفي مراكش منذ فتره وجيزه .. ؟!


ومضى جيسوب يذرع الغرفه وهو غارق فيالتفكير ثم قال :


-
كلما تمعنت في الأمر ازددت اقتناعا بأن سقوط الطائرهكان حادثا مدبرا ..


فقال ليبلان:


-
من السهل جدا الهبوطبالطائره إلى الأرض وإحراقها عمدا ثم الادعاء بعد ذلك بأنها سقطت واحترقت .. ولكنكيف نعلل وجود الجثث بين الحطام ؟ هل يمكن ان يرضى ركابها بأن يقبعوا في داخلهاساكنين حتى يحترقوا؟!


قال جيسوب:


-
فلنلق نظره اخرى علىقائمة الركاب ..


تناول ليبلان ورقه مطويه من جيبه ونشرها امامه وانكبعليها الرجلان يتصفحانها ..


-
السيده كالفن بيكر امريكيه .. السيدهبيترتون انجليزيه .. توركيل إيريكسون نرويجي في السابعه والعشرين .. وإني اذكر اسمهفقد سبق له ان القى بعض المحاضرات في الجمعيه الملكيه ..
استطردليبلان:



-
وبعد ذلك راهبه المانيه ثم اندرو بيترز الأمريكي الجنسيه .. والدكتور بارون .. اشهر علماء الجراثيم في العالم ..


فقال جيسوبمعقبا:


-
محال ان يكونوا قد ضحوا بهؤلاء الأفذاذ عمدا .. لابد ان فيالأمر سرا .. ولكن المشكله هي تلك الجثث التي وجدت محترقه بين الحطام ..


رن جرس التليفون وتناول ليبلان السماعه .. وانصت برهة إلى محدثه ثم قالوقد اشرق وجهه وتألقت عيناه :


-
حسنا حسنا جدا .. ابعث بهم إلي فيالحال..


ثم تحول إلى جبسوب قائلا:


-
يبدو ياعزيزي انك علىصواب فيما ذهبت إليه .. لقد امرت رجالي بأن ينتشروا في كل مكان يبحثون ويتحرون .. وقد عادوا إلي بمعلومات مهمه جدا ..


فتساءل جيسوب :


-
حقا ؟ومالذي جاءوا به؟!


-
مهلا مهلا وسوف ترى ..


فتح الباب بعدلحظات ودخل رجلان يرتدي احدهما الزي الأوروبي .. وكانت ثيابه معفره دلالة على انهقادم لتوه من السفر .. وكان برفقته رجل اخر يرتدي العباءه المراكشيه الفضفاضه ..


قال الأوروبي :


-
لقد قمنا بتحريات واسعه ووعدنا من يدليإلينا بأية معلومات بمكافأة جزيله .. وقد انتشر صاحبنا هذا ( وأشار إلى الرجلالعربي ) وافراد اسرته واصدقاؤه في كل مكان يسألون ويستفسرون .. وقد رأيت أن اتي بهمعي لتسمع منه بنفسك مالديه من معلومات ..


والتفت ليبلان إلى العربيقائلا:


-
إن لك فيما ارى ياصاح عيني صقر تستطيع ان تريا كل شيء ولا يمكنان يفوتهما شيء .. فهيا هات ماعندك ..


اخرج الرجل من طيات عباءته لؤلؤهكبيره يضرب لونها إلى القرمزي وقال :


-
إنها شبيهه تماما باللؤلؤة التيعرضتموها علي وعلى رجالي .. لقد عثرنا عليها ..


تناولها منه جيسوبوقارنها بلؤلؤة اخرى اخرجها من جيبه فكانتا متماثلتين تماما .. ثم اخذ عدسه مكبرهوفحص اللؤلؤتين بدقه ..


وغمغم يقول :


-
نعم .. إن العلامهظاهره .. إنها فتاه رائعه .. لقد نفذت تعليماتي .. يالها من فتاه ..


وفيخلال ذلك كان ليبلان منهمكا في استجواب الرجل العربي فلما فرغ منه تحول إلى جيسوبوقال :


-
هذه اللؤلؤه يازميلي العزيز وجدت على مسافة نصف ميل من حطامالطائره .. وجثتها ليست قطعا إحدى الجثث السبع المتفحمه التي وجدت بين الحطام ..


قال ليبلان وهو يتصفح قائمة الركاب مرة اخرى :


-
اوليفبيترتون .. والدكتور بارون .. هذان الاثنان على الاقل ذاهبان حتما إلى حيث يرادلهما ان يذهبا .. اما الامريكيه كالفن بيكر .. فيمكننا ان نخرجها من حسابنا .. وتوركيل ايريكسون له ابحاث عرضت على الجمعيه الملكيه العلميه .. والأمريكي بيترز .. باحث كيماوي طبقا لما ورد في جواز سفره .. والراهبه الألمانهي هيلدا .. يمكن انتكون عالمه متنكره في هذا الزي .. الواقع أن الجماعخ كلها من الاخصائيين .. فهلجمعوهم معا في طائره واحده لكي يحرقوها ويقضوا عليهم ؟؟... هذا بالتأكيد فرض مستبعد .. أخرجوهم بالتأكيد من الطائره .. ثم احرقوها .. فمن اين جاءوا بالجثث التي وجدتمتفحمه بين الحطام ؟!


فقال جيسوب :


-
فلنطرح هذا البحثالآن جانبا .. فهو ليس بذي اهميه .. المهم اننا عرفنا ان ركاب الطائره لم يحترقوامعها وإما بدأوا رحلة جديده من حيث عثرنا على الحطام .. فما الخطوه التاليه ؟! هلنزور موقع الحادث ؟!


وبدأت حملة بحث دقيقه على طول الطريق .. اسئلة فيكل خان .. واسئلة في كل محطة بنزين .. واسئله في مختلف القرى ..


واخيرااسفر البحث عن شيء..


قال ليبلان :


-
انظر يا صديقي .. لقدفتشوا المراحيض كما امرت .. فعثروا على هذه اللؤلؤة في خان عبدالله .. ملصقهبالجدار بقطعه من اللبان .. وقد استجوبناه وافراد اسرته فأنكروا كل شيء في البدايهثم اعترفوا .. قالوا ان ستة اشخاص في سيارة رحلات نزلوا بالخان .. وذكروا انهم بعثهالمانيه للبحث والتنقيب عن الآثار .. وطلبوا منهم ان يتكتموا لأنهم يقومون بالعملخفيه دون تصريح من الحكومه .. ونقدوهم من المال قدرا كبيرا .. وفي قرية الكيف .. عثر بعض الغلمان على لؤلؤتين اخريين .. وبذلك عرفنا اتجاه السياره ..


وفي الصباح التالي .. جاء ليبلان باكتشاف جديد .. لقد عثر العرب علىثلاث لآلئ صفت على شكل مثلث .. وملصقة فوق قطعه من اللبان ..


وقال جيسوب :


-
اللآلئ المثلثة الشكل معناها ان الطائره هي وسيلة الانتقال فيالمرحلة القادمه من الرحله ..


فقال ليبلان :


-
إنك على صوابياصديقي .. فقد عثروا على هذه اللآلئ في مطار حربي مهجور كان يستعمل خلال الحرب ..


ثم اردف :


-
والآن فتلك هي المشكله بل اعتقد المشاكل: طائره مجهوله تتجه إلى مكان مجول ..


تنهد قائلا :


-
وعند هذاتتوقف ابحاثنا ويضيع منا الأثر ...
-------------------------
اقبلت الآنسةجينسون بعينيها الذابلتين تتألقان تحت نظارتها العتيقه الطراز .. ذات الزجاج السميكوقالت تخاطب هيلاري :


-
لدينا اجتماع هذا المساء .. سيخطب فيه المديرنفسه ..


فقال بيترز معلنا :


-
حسنا .. فقد كنت اتمنى انالقي نظره على هذا المدير الخفي ..


فرمته الانسه جينسون بنظرة لوم وعتابثم استدارت منصرفه ..


وقال بيترز :


-
يبدو لي انها والهة فيحبه كما كانوا يتفانون في حب هتلر ..


فقالت هيلاري :


-
وهذاما يتراءى لي .. إنها فاشستيه متحمسه..


فقال بيترز مستطردا :


-
حين غادرت الولايات المتحدة كنت ممتلئا حماسا وشبابا .. اتوق إلىدنيا تسودها الاخوة والسلام .. ولكن لو اني توقعت اني سألقي بنفسي بين براثن هذاالديكتاتور لما بارحت وطني ..


فهتفت هيلاري وقد تضرج وجهها احمرارا..


-
لكم يسعدني ان اسمعك تقول هذا .. وكم اسعدني ان التقيت بك هنا .. فأنت رجل ظريف ومرح ..


فقال ضاحكا :


-
يبدو لي انك ضقتبمعاشرة العباقره ..


فأجابت :


-
هذا صحيح .. ثم انك تغيرتكثيرا في الايام الاخيره .. فقد زايلك شعور الكراهيه والمراره ..


-
إنكمخطئه في هذا .. فهنا في اعماقي لايزال الحقد كامنا يتأجج ويتلظى .. نعم يا اوليف .. هناك اشياء يجب ان يكرهها الإنسان ..


بعد العشاء انعقد الاجتماع الذياشارت إليه الآنسه جينسون في قاعة المحاضرات .. وحضره جميع اعضاء البحث العلمي منعلماء ومساعدين وكيميائيين وغيرهم ..


اتخذت هيلاري مجلسها بجانب زوجهاالمزعوم بيترتون .. وهي اشد ما تكون لهفة إلى مشاهدة الرجل الذي يدير هذا المركزويفرض عليه قيوده واغلاله ..


لقد سألت عنه زوجها فكانت إجابته متسمهبالغموض .. فقد قال:


-
لقد رأيته مرتين فقط .. وهو رجل عظيم .. ذو شخصيهطاغيه جباره .. يستحوذ على عقلك ويخضعك لسلطانه فور ان يتكلم ..


اخيراظهر الرجل على منصة الخطابه ووقف الحضور جميعا تحية له .. كان رجلا متوسط العمرمتين البنيان .. لابالطويل ولا بالقصير .. يتميز بعينين تشعان ذكاء متألقا ولهنظرات نفاذه كأنما يسري فيها تيار كهربي قوي ..


وحين وقف ليتكلم تعلقتبه العيون في انتباه شديد .. استهل خطابه بأن قال :


-
دعوني اولا ارحببزملائنا الجدد الذين انضموا إلينا في الأيام الاخيره ..


ثم شرع بعدهذا يتحدث عن اهداف المنظمه وامانيها ..


حاولت هيلاري فيما بعد انتستعيد إلى ذهنها ماسمعته .. فاستعصى عليها الامر .. وخيل إليها انه لم يتفوه إلابكلمات عاديه مرسله جوفاء .. وإن كان الإنصات إليه امرا مختلفا جدا .. فحين يتكلم .. تحس بسحره يطغى عليك ويأخذك ويحتويك ولكن إذا ما حللت كلماته فسوف تجدها مجردلغو لا يقدم ولا يؤخر .. ذكرت هيلاري عند هذا ماحدثها به صديق لها عاش في المانيااثناء الحرب .. وكيف كان الشعب الالماني يجن ويشتعل حين يستمع إلى هتلر ..


وكان الخطيب هذه الليله ايضا من هذا الطراز العجيب ..


سحرالحاضرين بكلماته فجعلوا يتابعون كلماته مشدوهين .. كأنما يهيمون في السماوات ..
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
ثلاث قصص عن الحب , للروائي الروسي الكبير إيفان تورغينيف , حصريا من معرفتي معرفتي الروايات والقصص المترجمة 45 April 25, 2018 06:50 PM
اغاثا كرستي :: وسحر الشرق موعد#مع الشاطئ شخصيات اجنبية 11 April 27, 2011 10:43 PM
رواية الحزام للروائي السعودي أحمد أبودهمان بندر بن عبدالله كتب الادب العربي و الغربي 6 March 24, 2009 11:32 PM
اغاثا كريستي مؤلفة القصص البوليسية mohasmem شخصيات اجنبية 5 September 14, 2008 07:01 AM
المتنصتون للروائى احمد والى طومان باى كتب الادب العربي و الغربي 0 July 17, 2008 07:08 PM


الساعة الآن 03:03 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر