مجلة الإبتسامة

مجلة الإبتسامة (https://www.ibtesamah.com/)
-   سيرة و قصص الانبياء و الصحابة (https://www.ibtesamah.com/forumdisplay-f_91.html)
-   -   سيرة الامام ابن تيمية (https://www.ibtesamah.com/showthread-t_124125.html)

مواطن++ July 30, 2009 06:35 PM

سيرة الامام ابن تيمية
 

ترجمة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله


هو شيخ الإسلام ابن تيمية ، فلا أدري ما أحدثكم عن أخباره وعن واقعه، ولكني أذكر لكم وقفات، وللعلم بأن هذه الدورة أعتبرها دورة مختصرة، ولعل الله أن ييسر أن نكمل هذه الأبيات، وإن في نفسي أن هذا الوقت ربما لا يكفي، ولكن سوف نجاهد النفس ما استطعنا ألا نتوسع توسعاً كثيراً في بعض الأمور، لكن ما سنحتاجه سنقف معه. وسوف يكون منهجنا -إن شاء الله- حل العبارات التي ذكرها المؤلف شيخ الإسلام رحمه الله تعالى، ثم التعرض للمسائل العلمية التي تطرق لها، ثم ذكر ما نحتاج إليه مما نراه مكملاً لهذه المسائل، ولعلنا -إن شاء الله- في كل جزئية من الجزئيات نذكر المصادر والمراجع العلمية التي يمكن أن يستفيد منها طالب العلم حول هذه القضايا التي ذكرها الشيخ رحمه الله تعالى، وربما نذكر في أثناء عرضنا مقدمات نحتاج لها دائماً، ويحتاج لها كل دارس لكتب العقيدة، خاصة أن الناس في حاجة إلى ذكر شيء من القواعد والتأصيل في المنهج، وخاصة في مسائل الاعتقاد. وإذا عرف الناس قواعد في الصفات، وقواعد في الربوبية، وقواعد في الألوهية، وقواعد في الغيبيات، وكيف كان السلف رحمهم الله تعالى يتعاملون مع النصوص، أصبح يقرأ في أي كتابٍ على ضوء بصيرة ونور، فتلك القواعد كان قصب السبق في تأصيلها أو جمعها وتبينها هو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.......



نسب شيخ الإسلام ابن تيمية



شيخ الإسلام : هو أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني الدمشقي، ويقال: الحنبلي ، وإن كان في النفس منها هنيهة، ولكنا نقول: إنه درس على مذهب الحنابلة، ونعتبره إماماً مجتهداً رحمه الله تعالى، ويفتخر الحنابلة وإن كان السلفيون منهم أن شيخ الإسلام منهم، ويوجد من لا يكون من الحنابلة على منهج سلف الأمة، وهذا أمر سيأتي الكلام عليه، ولكنا سنذكر تقعيداً -إن شاء الله- حول هذا الأمر، وهو أن الأئمة الأربعة كلهم على منهج سلف الأمة. وما نقل عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى: أنه مر في مراحل حياته، واستتيب عدة مرات كما نقله الإمام عبد الله بن الإمام أحمد في كتابه: السنة، نقول: هذه مرت في أول حياته، وأما آخرها فإنه كان على ما كان عليه سلف الأمة رحمهم الله تعالى. والحنابلة كغيرهم من الأئمة من الطوائف أو المذاهب الأخرى، فيوجد من أتباع أبي حنيفة والشافعي ومالك من ليس على منهج سلف الأمة في باب الصفات أو في باب القضاء والقدر، ولكن التقعيد عندنا: من وافق الكتاب والسنة سرنا على ضوئه، ومن خالف ذلك لم نلتفت إليه، والعبرة بالمنهج لا بالأشخاص، نحن لا نعبد أناساً أو أشخاصاً معينين، وقد يرد في الذهن ما قاله الشاعر:
أنا حنبلي ما حييت وإن أمت فوصيتي للناس أن يتحنبلوا
نقول: المقصود من هذا البيت أنه على مذهب الإمام أحمد في مسائل الاعتقاد، وهذا أمر سيأتي -إن شاء الله- بيانه: أن كل من انحرف ثم رجع إلى منهج أهل السنة أعلن أنه على مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى، ونقول: ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِى [الجمعة:4] شرَّف الله هذا الإمام بأن أصبح منافحاً عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وعن عقيدة الإسلام، ومبيناً للمنهج الحق. ذكر العلماء من صفات شيخ الإسلام بأنه الإمام الفقيه، المجتهد الناقد، المفسر البارع، الأصولي، علم الزهاد، نابغة دهره، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن الإمام المجتهد شيخ الإسلام مجد الدين ، صاحب المنتقى رحمه الله، قال كثير من أهل العلم: إنه كالعلم فلا يحتاج أن يطلب فيه.




مولد شيخ الإسلام ابن تيمية وبداية طلبه العلم

ولد رحمه الله تعالى يوم الإثنين العاشر من ربيع الأول سنة (661ه) بحران ، وقدم به والده مع إخوانه إلى دمشق عند استيلاء التتر على كثيرٍ من بلاد الإسلام سنة (667ه)، فسمع في أثناء قدومه من علماء دمشق عدداً كبيراً رحمه الله تعالى، عُني رحمه الله بعلم الحديث، وسمع المسندات وحفظ كثيراً منها، وسمع كتب السنة الستة، ومعجم الطبراني، وكتباً حديثية كثيرة، حتى قال بعض أهل العلم ومن معاصريه: أي حديث لا يعرفه شيخ الإسلام ابن تيمية فليس بحديث، وإن كنا نقول: في هذا نوع من المبالغة، لكنه ثناء عليه بما آتاه الله من العلم. قرأ رحمه الله كتباً كثيرة، ورزقه الله حافظة قوية، وكان سريع القراءة رحمه الله، وسبحان الله! أقول للأحبة: من آداب طالب العلم أن يكثر من القراءة، ويسهل عليه بعد ذلك أن يقرأ، بعض طلاب العلم ربما يقرأ في كتاب فيشعر أنه لا يقضي عشر صفحات إلا في وقت طويل، وبعضهم مع الاستمرار يقرأ في جلسة واحدة ما بين الظهر إلى العصر مقدار مائتي صفحة إلى ثلاثمائة صفحة ويفهم ما فيها؛ نظراً لأنه ينمو عنده قضية التحصيل والقراءة، وهكذا ما ينمو من قضية الحفظ. أقبل رحمه الله تعالى على تفسير القرآن، وكان متميزاً فيه، وذكروا أنه فسر سورة نوح في سنوات عديدة، كان يشرحها يوم الجمعة رحمه الله تعالى، وهذا يدل على سعة إطلاعه ومعرفته وإدراكه بتفسير القرآن. كان لسجنه أثراً عظيماً جداً في تعمقه وفهمه لكتاب الله تعالى، يقول لما سجن: لا أدري ماذا أجزي من سجنني على ما حصل لي من الخير، فسجن معه أخويه، وكان يسجن هو ويدخل أخوه معه من أجل أن يخدمه رحمه الله تعالى، وكانا يعرضان القرآن، يسمع بعضهم لبعض، وفي سنته الأخيرة التي توفي فيها مكث في السجن سنتين ثم توفي، قالوا: إنه ختم ثمانين ختمة وهو يتأمل القرآن، وكان يستحضر الآيات كأن المصحف أمام عينيه رحمه الله تعالى، مما يدل على قوة حافظته، يقول لما سجن: سبحان الله! بدأنا نفهم القرآن ونتأمله، والسبب أنه لما كان خارجاً كان اهتمامه بمناظرة المبتدعة، وبشرح بعض الكتب والتوسع فيها، وتبيين وتأليف بعض المسائل في الاعتقاد وغيره، فلما سجن تفرغ لكتاب الله تعالى رحمه الله ورضي عنه. قالوا: إنه تأهل للإفتاء والتدريس وعمره دون العشرين سنة، وأصبح يفتي بعد أن بلغ عشرين سنة. قالوا عن حافظته: إنه ما حفظ شيئاً فنسي، وتولى التدريس بعد وفاة والده الذي تعلم عليه، ودرس بدار الحديث في أول سنة (683ه). كان يحضر دروسه بعض مشايخه وعلمائه ويتعجبون من فطنته وذكائه، ومن استحضاره للنصوص، وسبحان الله! رجل تميز بفنون عديدة، وإذا تكلم بفنٍ معين ظن السامع أنه لا يجيد إلا هذا الفن، بل والأعجب من ذلك أنه درس علم الفلسفة، وهو خلاف ما كان عليه الإمام الغزالي عفا الله عنا وعنه وهو أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي الذي يسمى حجة الإسلام الفقيه الشافعي المشهور. ذاك درس العلم وخاض في الفلسفة قبل أن يؤصل عقيدة أهل السنة والجماعة ، وكتب كتابه العجيب الذي اسمه (المنقذ من الضلال ) ، ذكر في مقدمته أنه كان من منهج الإمام أحمد رحمه الله تعالى عدم القراءة في كتب أهل البدع، وعدم الحضور في حلقاتهم، وعدم الاجتماع بهم، ولا التعلم عليهم، ولا دراسة علومهم، قال: ولكني لم آخذ بها، فدرس الفلسفة وخاض فيها، حتى قيل فيه: أراد أن يبتلعها فغُص بها، حتى توفي وفي قلبه شيء من الفلسفة، ولم يرجع إلى ما كان عليه سلف الأمة رحمهم الله تعالى ورضي عنهم. بخلاف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فإنه ما درس الفلسفة إلا لحاجة بيان بطلان ما كانوا عليه، ولأن الفلاسفة كان لهم قوة وصولة في عصره رحمه الله، وحتى أنه يناظر الفلاسفة ويبين لهم شيئاً من أصولهم لم يفهموها هم، بل لم يطلعوا عليها من كلام كبار أئمة أهل الكلام ، مما يدل على اطلاعه رحمه الله تعالى. ومن اللطائف: أنه تناظر مع أبي حيان رحمه الله، وهو الإمام المفسر، وكان أبو حيان قد أعجب بشيخ الإسلام أشد الإعجاب، وأثنى عليه أشد الثناء، وكتب رحمه الله ثناءً عليه، ولكنه لما ناظره في مسائل نحوية -وكان من كبار أئمة النحو- وبين أن هذا القول ليس بصحيح، فرد عليه بأن سيبويه قد قال كذا، قال: لقد أخطأ سيبويه في كتابه (الكتاب ) -وهو من أنفس الكتب التي كتبت في النحو- في ثمانين موضعاً، ثم قال: لا تعرفها أنت ولا غيرك، فغضب عليه أشد الغضب، وبعدها عاداه أشد المعاداة، مما يدل على سعة اطلاعه في النحو والفلسفة وفي مسائل الاعتقاد وغيره. وقالوا عنه رحمه الله: كان يتميز بأن عنده دراية ومعرفة بأقوال الصحابة أمراً عجيباً، ويتميز بالإسناد. ولذلك كلما وجدت عالماً يربطك بما كان عليه سلف الأمة في الفقه، والأصول، والعقائد، والحديث، وغيرها فامسك بغرزه؛ لأنه يرجعك إلى المنبع، ويؤصل لك المنهج، وتستفيد منه استفادة عظيمة. ذكر الإمام الذهبي رحمه الله ترجمة له وافية، وذكر في معجم شيوخه في ترجمة شيخ الإسلام ابن تيمية قال: إنه برع في التفسير وغاص في دقائقه ومعانيه بطبع سيال، وخاطر إلى واقع الإشكال ميال، واستنبط منه أشياء لم يسبق إليها، وبرع في الحديث وحفظه، فقلَّ من يحفظ مثلما يحفظه رحمه الله، وكان لا يحفظ شيئاً إلا ويعزوه إلى أصوله وإلى صاحبه الذي قاله، وكان شديد الاستحضار للأدلة وإقامتها، وفاق الناس في معرفة الفقه واختلاف مذاهب الفقهاء، وفتاوي الصحابة والتابعين رضي الله عنهم، بحيث أنه إذا أفتى في مسألة لم يلتزم بمذهب معين، بل يقوله مع دليله رحمه الله، وأتقن العربية أصولاً وفروعاً وتعليلاً واختلافاً، ونظر في العقليات.. إلى غير ذلك مما قال. ثم قال في آخره: وأوذي رحمه الله في ذات الله تعالى من قبل المخالفين، وأخيف في نصرة السنة المحضة، حتى سار على منارة، وعلى وضوح، ولكن الله جمع له قلوب أهل التقوى، وجمعهم على محبته، والدعاء له، وكبت الله أعداءه، وهداه إلى صراطه المستقيم، وبين أن له علماً بالملل والنحل وغيرها. قال الإمام الذهبي رحمه الله مع جلالته في آخر ترجمته له: وهو أكبر من أن ينبه على سيرته مثلي -يعني في عظمته ومحبته له وإعجابه به- فلو حلفت بين الركن والمقام وكنت صادقاً لحلفت أني ما رأيت بعيني مثله رحمه الله تعالى ورضي عنه، مما يدل على تمكنه ومعرفته.



تصانيف شيخ الإسلام ابن تيمية


تصانيفه رحمه الله كثيرة جداً، ولن أتعرض لتصانيفه لوجود كثير منها، وقد ذكروا أنها بغلت (300) مجلد، وبعضهم أوصلها إلى (500) مجلد، وذكروا أن كتبه لو قسمت على حياته فكأنه يكتب كل يوم مائة صفحة، وكان له خطاً عجيباً ربما لا يقرؤه إلا ابن القيم رحمه الله من سرعة كتابته وتأليفه، وذكروا أنه لما سجن في القلعة كان يكتب كتباً هناك، وكان الطلاب يصلون إليه، وذكروا أنه كتب في آخر حياته لما سجن ستين مجلداً، وبعدها كان الناس يفدون إليه إلى السجن ويتعلمون، فعلم الوالي هناك بهذا فأمر بسحب كتبه، وسحبت كذلك أقلامه، وما كان يكتب، قالوا: فكان يكتب بالفحم -لعله كان في السجن يوقد له- على الأوراق وغيرها رحمه الله تعالى.




صفة شيخ الإسلام الخلقية

ذكروا في صفته الخلقية أنه: كان أبيض .. أعين .. أسود الرأس واللحية .. قليل الشيب .. شعره إلى شحمة أذنيه .. وكأن عينيه لسان ناطق، يعني في نظرته تشعر بالرجولة والقوة والشجاعة، بعيد ما بين المنكبين .. جهوري الصوت .. فصيحاً .. سريع القراءة .. تعتريه حدة، أي: شدة، ولكنه يقهرها بالحلم رحمه الله وغفر له. قال الإمام الذهبي رحمه الله في صفاته الخلقية: كان محافظاً على الصلاة والصيام، معظماً لشعائر الله ظاهراً وباطناً، لا يؤتى على سوء، أي: لا يذكر فيه شيء مما يقدح به، سبحان الله! ادعى عليه أناس واتهموه.




الاتهامات والامتحانات التي واجهها شيخ الإسلام

نقول قاعدة: كل صاحب نعمة محسود، وكان شيخ الإسلام ابن تيمية قد حسده من كان في عصره من أقرانه من العلماء وطلاب العلم، وكان من أكبرهم ابن مخلوف المالكي القاضي ، اتهمه رحمه الله بأنه خالف ما كان عليه سلف الأمة ، وذكر اتهامات له في العقيدة وهي باطلة: منها: أن شيخ الإسلام يقول: إن الله فوق العرش حقيقة، وإن الله يتكلم بحرف وصوت، ولعل هذا الكلام يومئ إلى أن هذا الإمام المالكي كان على مذهب الأشاعرة نتيجة هذا التهمة لما وشى به عند الحاكم، وكان ذلك في عشرين رمضان سنة (705ه) نتيجة حبس شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في برج من الأبراج هناك أياماً، ثم نقل منه ليلة العيد إلى حبس معروف بالجب عندهم، رافقه أخوه شرف الدين عبد الله و زين الدين عبد الرحمن . وممن اتهمه كذلك الصوفية ، وكان شيخ الإسلام من أشد الناس إنكاراً على الصوفية ، وتكلم عليهم كلاماً قاسياً قوياً، وسبحان الله! عجباً من هؤلاء الصوفية ما أقل عقولهم، وما أقل فقههم، ابن عربي و ابن الفارض وغيرهم من الذين يتكلمون بكلام إلحادي وكفري، ومع ذلك يبجلونهم هؤلاء القوم، يقول أحدهم وهو ينفض جبته: ما في الجبة إلا الله، ويذكرون أشعاراً شركية وإلحادية ومع ذلك يعتبرونهم من كبار الأئمة، ابن الفارض قُتل بفتوى علماء زمانه لإلحاده، ومع ذلك يعتبر شهيد الصوفية ، وأن الناس وشوا به ولا يعرفون كلامه. لما تكلم شيخ الإسلام رحمه الله في الصوفية وعقد له مجلس قضاء الشافعية، وادعي عليه بأشياء رحمه الله، ومع ذلك لم يثبت منها شيء، ودحض حجتهم وباطلهم. ومما حدث له كذلك: الإفتاء في مسألة الطلاق، وكان رحمه الله تعالى يفتي بأن الطلاق الثلاث يعتبر طلاقاً واحداً وقد رجع، وهذه المسألة خلافية ولن أتعرض لها بشيء، ويفتي بها سماحة شيخنا العلامة حفظه الله وأمد في عمره، نتيجة لما أخبر الناس بهذا الخبر امتحن رحمه الله من قبل علماء زمانه وقضاتهم، وكان نتيجتها أنه رحمه الله تعالى مُنع من الإفتاء بذلك، ولكنه سئل مرة أخرى فافتى بها وكانت النتيجة أن حبس في القلعة خمسة أشهر وثمانية عشر يوماً، وأخرج يوم الإثنين في عاشوراء سنة (721ه). ومنها كذلك: افترى عليه بعض المفترين ومنهم الطوفي ، وكان على مذهب الحنابلة ولكنه أشعري، وكان شيخ الإسلام ابن تيمية قد رد على الأشاعرة وأبطل ما كانوا عليه من المذهب في أغلب كتبه رحمه الله تعالى، وتكلم على الإمام الغزالي وبأنه من أئمة الأشاعرة ومن منظريهم، وله كتب في ذلك في الرد عليهم. وتكلموا عليه كذلك في مسألة النزول، وكذلك في غيرها من المسائل، وكانت النتيجة أن عقد له مجلس ونوقش فيه ورد عليهم. من الاتهامات العجيبة التي اتهمه بها ابن بطوطة، قد نقول: يستحق أن نقول له: قبحه الله إن ثبتت عنه هذه الكلمة، ذكر ابن بطوطة صاحب الرحلة المشهورة أنه دخل دمشق، وذكر أنه رأى شيخ الإسلام ابن تيمية، وقال: إنه من كبار فقهاء الحنابلة، ورآه يتكلم في فنون عديدة، وتكلم.. قال: وحضرت له يوم الجمعة وهو يعظ الناس على منبر الجامع ويذكرهم، قال: فكان من جملة كلامه -أي: شيخ الإسلام- أن قال: إن الله ينزل إلى السماء الدنيا كنزولي هذا، ونزل شيخ الإسلام درجتين، وهذا كلام باطل وليس بصحيح، وأصبح الناس يتناقلون هذا الكلام، ورد عليه جمع من تلامذة شيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهم، ومنهم: ابن عبد الهادي رحمه الله وهو من كبار تلامذته، ومنهم: أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب في طبقات الحنابلة .. وغيرهم، وذكروا أن الوقت الذي زار فيه ابن بطوطة دمشق كان شيخ الإسلام ابن تيمية في القلعة مسجوناً، فكيف يخرج هنا وهناك، ذاك أمر لا يقر به إلا غلاة الصوفية. ولكننا نقول: إن شيخ الإسلام ابن تيمية لا يقول مثل هذا الكلام وهو أعظم من نافح عن عقيدة السلف الصالح ، وأعظم من قرر منهج أهل السنة والجماعة رحمه الله تعالى، وحاشاه أن يتكلم، ولكن ليس إلا الحسد والكذب، وليس غريباً أن يوجد هذا من الأقران وغيرهم، أو من المبتدعة في مقالاتهم. ولعلي أذكركم بقصة من اللطائف للصوفية كانت لهم، ذكرها الشعراني في طبقاته، وكان من العجائب التي ذكر: أن أحد أئمة الصوفية، وكان يعتبر ولياً من أولياء الله، ويعظمونه ويجلونه، دخل المسجد يوم الجمعة فصعد المنبر، ثم قام خطيباً في الناس، وقال: أشهد أن لا إله لكم إلا إبليس عليه الصلاة والسلام، فقال الناس وهم حضور: كفر الشيخ، كيف يقول هذا الكلام، فنزل عليهم بسيفه وخرج أغلب من في المسجد مخافة منه، قالوا: فجلس على المنبر والناس لم يستطيعوا الدخول لما رأوا من كلامه، ومكث إلى قريب العصر، يقول: فجاء رجل من قريةٍ من القرى إلى هذه البلدة التي فيها الشيخ القبيح، فقالوا: أما علمت ما قال الإمام والشيخ والولي؟ قال: ماذا قال؟ فذكروا له، فقال: قبحكم الله، والله لقد كان بنا خطيباً صلى بنا الجمعة وخطب بنا أربع خطب، وهو في قرية وقال كذلك، ولكن شيخ الإسلام ابن تيمية لن يقول مثل هذا الكلام، وهو أعظم من نافح عن عقيدة السلف الصالح ، وأعظم من قرر منهج أهل السنة والجماعة وحاشاه أن يتكلم بهذا، ولكن هذا سببه الحسد والكذب، وليس غريباً أن يوجد هذا من الأقران وغيرهم، وخاصة إذا كانوا من المبتدعة. وقد ذكروا أنه رحمه الله سجن سجوناً عديدة، منها: أنه سجن في قلعةٍ في الشام في رجب سنة (720ه) إلى عاشوراء سنة (721ه)، وسجن في القلعة في القاهرة ، كذلك سجن في الجب، أُدخل رحمه الله سنة (698ه) وذكر بعضهم أنه أخرج بعدها بسنوات. ذكر الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى كلاماً عظيماً جداً في سجن شيخ الإسلام ابن تيمية ، وأنه توفي رحمه الله تعالى في السجن، ويقال: لما توفي كانت وفاته يوماً مشهوداً، ضاقت بجنازته الطرق، وسارع الناس من كل فج عميق يتقربون إلى الله بحضور جنازته رحمه الله تعالى، وكلهم يسارع إلى حمل جنازته. ذكروا من صفاتها: أنه أغلقت الحوانيت والمحلات، حضرها عدد من الرجال والنساء قدَّر بعضهم بأنها أكثر من مائتي ألف شخص. وذكروا -وإن كان هذا غلواً ولا نرتضي بالغلو- أن طاقيته رحمه الله بيعت بخمسمائة درهم، ولكنا نقول: إن هذا من التبرك غير المشروع، وقاعدتنا أنه لا يجوز التبرك بأحدٍ كائناً من كان إلا برسول الله صلى الله عليه وسلم بذاته، أما ما عداه فسوف يأتي إن شاء الله بيان شيء من التبرك. ذُكر في جنازته الضجيج والبكاء والتضرع إلى الله، والناس أخذوا يزورون قبره رحمه الله، ورثاه جمع من الناس، صلي عليه مراراً، صلى عليه الشيخ محمد بن تمام مع الناس في القلعة، ثم صُلي عليه بجامع دمشق عقب صلاة الظهر، ثم صلى عليه أخوه زين الدين في سوق الخيل مرة ثالثة، ثم دفن بعد ذلك، توفي في الصباح ولم يدفن إلا قريب العصر رحمه الله تعالى. ذكر بعضهم أنه صلي عليه صلاة الغائب في كثير من البلدان المجاورة، حتى ذكروا -وإن كان هذا فيه مبالغة- أنه صلي عليه في الصين، وفي اليمن .. وفي غيرها من البقاع.



أعداء وخصوم شيخ الإسلام ابن تيمية

من أشد الناس عداوة لشيخ الإسلام ابن تيمية -أنا أذكر لكم بعض الأمثلة سريعاً، وإلا فأعداؤه كثر وأغلبهم من المبتدعة، وليس غريباً أن المبتدعة يقفون في وجوه أئمة أهل السنة. ممن ذكر اليافعي في مرآة الجنان في كلامه على شيخ الإسلام ابن تيمية ، قال: إن له مسائل غريبة أُنكر عليه فيها، وحبس بسببها مباينة لمذهب أهل السنة . سبحان الله! كل طائفة مبتدعة ترى أنها على السنة، ولكن هذا كلام باطل، وإنما كما قال الشاعر:
وكل يدعي وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهم بذاك
أي: ليست ليلى تعرف صاحبها، وكل الناس يتمنى أن ليلى له. ذكر اليافعي أن من أقبح ما نقد على شيخ الإسلام ابن تيمية نهيه عن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وطعنه في مشايخ الصوفية العارفين، وذكر منهم: حجة الإسلام أبو حامد الغزالي ، والإمام أبو القاسم القشيري ، وابن عربي ، والشاذلي ، وخلائق من أولياء الله الكبار، والصفوة الأخيار. سبحان الله! ذكر الغزالي في المنقذ من الضلال بعد أن بحث في المذاهب وتخبط فيها، ذكر في آخر الأمر أن أصح المذاهب وأرجحها والذي تبين له الحق فيها هو مذهب الصوفية ، ولكن هذا الكلام باطل، وهو مسكين لم ير النور، وإنما رأى ظلمة فظن أنها خير، ولا شك أن هذا الكلام ليس بصحيح. وممن ذكر كلاماً ينقد فيه شيخ الإسلام ابن تيمية عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني، قال: ومن أشنع وأبشع ما نقل عنه رحمه الله في حديث النزول: (ينزل ربنا ثلث الليل الآخر .) كما ذكره ابن بطوطة ، وقد بينا كلام ابن بطوطة أنه كلام ليس بصحيح، ونقل من مسألة شد الرحال، وغيرها من الأمور. ومن أعداء شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا العصر أو في العصر القريب، وله تلامذة ولا زالوا: محمد بن زاهد الكوثري ، نذر حياته كلها للقدح في عقيدة أهل السنة والجماعة ، وكان أسلوبه ساخراً وقحاً قبيحاً في تكلمه على شيخ الإسلام ابن تيمية وعلى تلامذته، اتهم ابن تيمية رحمه الله تعالى بأنه يلعب في دين الله تعالى، وأنه يفتي بفتاوي منحرفة عن الدين، ونقل عن شيخ الإسلام عقائد فاسدة ذكرها ابن حجر الهيتمي المكي وهذا من أعداء شيخ الإسلام ، وذكر نقلاً عن اليافعي قال: وهو بشر له ذنوب وأخطاء. وذكر كذلك تلميذه ابن القيم رحمه الله تعالى، وعرج على شيخ الإسلام في هذا العصر الحديث القريب الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى بأن أمهات العقائد التي عند ابن تيمية و ابن القيم وتلامذته تنحصر بأمهات عقائد موجودة عند محمد بن عبد الوهاب ، وذكر بأنها تشبيه الله بخلقه، وتوحيد الألوهية والربوبية، وعدم توقير النبي صلى الله عليه وسلم، وتكفير المسلمين، وهي شنشنة نسمعها من قديم، ولكن الحق أبلج والباطل لجلج. وذكر أن محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى قلد فيها ابن تيمية ، وهو مخترع توحيد الألوهية والربوبية الذي تفرع عنه عدم توقير الرسول عليه الصلاة والسلام، وتكفير المسلمين، ولكن كبرت كلمة تخرج من أفواههم. ذكر عن ابن تيمية كلاماً .. ومن ألفاظه التي يقول في ابن تيمية : كافر، مفتون، شاذ، ضال .. وغير ذلك، بل ذكر عن ابن القيم : المتعصب الشاذ المعتوه والوقح المزور .. إلخ، قاتله الله أنى يؤفك، وذكر عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وأخف ما قال عنه: إن وصفه بالجهل والكفر .. إلخ. ذُكر في رسالة لطيفة جداً لشيخنا الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد حفظه الله وأمد في عمره اسمها: براءة أهل السنة من الوقيعة في علماء الأمة ، ذكر فيها كلاماً لطيفاً، وذكر في كلامه لابن القيم الكوثري وأتباعه، من كلامهم: أن ابن القيم غبي وجاهل ومهاتر وتيس حمار ومعتوه .. إلى غيره قبح الله الظالمين، وذكر من كلامه في ابن تيمية قال: وقد سئمت من تتبع مخازي هذا الرجل المسكين الذي ضاعت مواهبه في شتى البدع، وتكلمنا على الشيخ السقيم ما يشفي! ولا شك أن كلامه هذا كلام باطل، ورحم الله شيخنا الشيخ أحمد ابن تيمية ورضي عنه، وجعلنا ممن يستفيد من علمه وعلومه. وختاماً: أسأل الله تعالى أن ينفعنا وإياكم بما نعلم، وأن يجعل ما نعلم حجة لنا لا علينا. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. ......

عبد القادر خليل August 6, 2009 02:08 AM

رد: سيرة الامام ابن تيمية
 
شكرا على المجهود


الساعة الآن 01:50 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر