مجلة الإبتسامة

مجلة الإبتسامة (https://www.ibtesamah.com/)
-   علم النفس (https://www.ibtesamah.com/forumdisplay-f_164.html)
-   -   فلسفة التحليل النفسي (https://www.ibtesamah.com/showthread-t_208334.html)

عبد الفتاح ب June 26, 2010 12:13 AM

فلسفة التحليل النفسي
 
عبد الفتاح بن عمار

إن اليهودي( سيجموند فرويد ) كان المؤسس الأول لمدرسة التحليل النفسي، وهي مدرسة تفسر سلوكيات الإنسان وتصرفاته تفسيرا جنسيا على الأغلب، وترجع أسباب الأمراض النفسية ومعظم أعمال الإنسان إلى دافع جنسي، كما أنه يعتبر الدين والقيم الروحية عائقا يمنع الفرد من تحقيق طموحاته ورغباته وحائلا أمام الإشباع الجنسي، مما ينعكس كل ذلك عليه سلبا، ويسبب له أمراضا مختلفة وعقدا نفسية حسب رأيه.
مؤسس هذه الفلسفة تربى على يد مربية مسيحية متشددة غرزت في نفسه عقدة ضد المسيحية. وكان طوال حياته لا يصاحب إلا الجنس اليهودي، ولا تطمئن نفسه إلا عندما يكون بينهم، وكان متشبعا بالأفكار التوراتية ومؤمنا بالمبادئ الصهيونية. ولما دخل الجامعة كان يفتخر أشد الافتخار بانتمائه إلى يهوديته، رغم أن اليهود كانوا وقتذاك يعانون نوعا من الاضطهاد والتمييز، ومع ذلك احتل عبر فترات عمره أرقى المراكز في أوروبا.
رحل من ( فيينا ) إلى باريس أين تتلمذ لمدة عام على يد " شاركوت " الذي كان أستاذه في تعليمه التنويم المغناطيسي، ولما شرع في استخدامه نجح في علاج عدة أعراض منها الهستيريا. لقيت نظريته التي أرجع فيها حالات الأمراض العصبية إلى الاضطرابات في الحياة الجنسية دعما من قبل أستاذه. بعد عودته إلى "فيينا " ظل يستخدم التنويم المغناطيسي في علاج الحالات العصبية المختلفة وعلى وجه الخصوص الهستيريا.
ثم عاد مرة أخرى إلى باريس والتحق بمدرسة " نانسي " وبدا غير مرتاح عندما علم أن أكثر الناس الذين ينجحون في العلاج بالتنويم المغناطيسي هم طبقة الفقراء، بينما كانت النسبة قليلة بين طبقة الأغنياء. ثم عاد مرة أخرى إلى فيينا وظل يمارس التنويم المغناطيسي حتى لقي نجاحا كبيرا. وكان يعمل في علاج المرضى بتعاون مع أحد أصدقائه الطبيب النمساوي (جوزيف بروير) في استخدام التنويم المغناطيسي مستعملين طريقة مخاطبة المنوم، ومنذ ذلك الوقت صارت تطبق طريقتهما على شكل مزيج من المخاطبة والتنويم، ولكن صديقه ( بروير ) لم يستمر في العلاج وأنصرف عنه تاركا الطريقة كلها.
ومما يؤكد أنه كان يهوديا متشبعا بالأفكار التوراتية، انخراطه في جمعية أبناء العهد (بناي برث)، وهي جمعية لم تكن تقبل في عضويتها إلا اليهود المؤمنين بالمبادئ التوراتية، وظل على مدى سنوات عديدة لا يتغيب عن اجتماعاتها لحظة واحدة. بالإضافة إلى هذا العمل كان يلقي بعض محاضراته فيها، ويعرض أفكاره في التنويم وتفسير الأحلام. وعمل جنبا إلى جنب مع (تيودور هرتزل) لتحقيق انشاء دولة صهيونية وخدمة أفكارها، وهما أول من ابتدأ فكرة (معاداة السامية) حيث كان هرتزل يروج لها سياسيا، وفرويد يحللها نفسيا، وبقي عضوا نشطا وقويا في الحركة الصهيونية منذ تأسيسها. غير أنه ترك بعد ذلك فكرة التنويم المغناطيسي ومخاطبة المريض نائما، ولجأ إلى فكرة أخرى سماها ب (التداعي الحر)، وهي طريقة يطلب بواسطتها من المريض أن يضطجع ويتحدث بطريقة حرة مفصحا عن كل ما يجول في خواطره. وكذلك كان يطلب من مرضاه أن يعرضوا عليه أحلاما رأوها في ليالي سابقة للاستفادة منها في التحليل النفسي، على ضوء ذلك وضع كتابا خاصا بتفاسير الأحلام.
أنشأ في فيينا مركزا علميا وجلب إليه العديد من الباحثين في علم النفس، إلا أن المركز لم يدم عمله طويلا، وأنقسم على نفسه إلى عدة مراكز. ثم أنشق عليه الكثير من أصدقائه اليهود وأسسوا دوائر نفسية خاصة بهم، وخالفوه الرأي في العديد من النظريات في علم النفس، فقد كانوا ينظرون للإنسان على أساس أنه مخلوق اجتماعي، على حين زعم فرويد أن الإنسان مخلوق تحركه غرائز جنسية بحتة. أضطر فرويد بعد هذا الاختلاف في الرأي إلى استبدال أفكاره بالدوافع الاجتماعية.
بعد انصراف الكثير عن الفرويدية الأم، تأسست بعدها المدرسة الفرويدية الحديثة، واتخذت من واشنطن مركزا لها في الطب العقلي، وأنشأت فروعا أخرى تميزت بالتأكيد على فلسفة العوامل الاجتماعية، وعملت على نقل التحليل النفسي وربطه بعلم الاجتماع بغرض البحث عن أصول الحوافز البشرية في خدمة متطلبات الوضع الاجتماعي، والتفاعل بين المؤسسات الاجتماعية والشخصية الفردية.
وكانت أهداف المدرسة التحليلية ترتكز على نظريات أساسية ثلاثة تعتبر مفاتيح السيكولوجية الفرويدية، وهي: الجنس، الكبت، والطفولة.
فنظرية الكبت تعتبر أهم قسم في التحليل النفسي والدعامة الرئيسة فيه، إذ تعتمد على الرجوع إلى مراحل الطفولة الأولى وما يسمى بالهجمات الخيالية التي كانت تنتاب الطفل وإخفاءه لحالات العشق الذاتي الكامنة في الحياة الجنسية ضمن خيالاته، وهي طريقة مشابهة للعلاج بخط الزمن. ومن ثم علل مص الطفل لأصابعه بمثابة تعبير عن أشكال السرور الجنسي الغرائزي أو باعتباره أحد أنواع التعلق به، ومثيله عض الأشياء والقيام ببعض الحركات باليدين أو الرجلين. وأرجع كل إشارة يقوم بها الطفل إلى مطالب جنسية نفسية تحركها دواع مكبوتة، وحسب رأيه فإن الصبي عندما لا يجد ما يشبع غريزته الجنسية يلجأ إلى العض والمص الذي فسره على أنه علامة الجوع الجنسي عند الطفل، وليست إشارة دالة على جوع الأعضاء إلى الطعام !.
ونظرية الجوع الجنسي كما يراها فرويد تعتمد على تكوين الإنسان البيولوجي الحيواني، إذ يرى أن أي عمل يريد الإنسان فعله لا يخرج عن دائرة الدافع الجنسي، فإذا نظر أحدهم مثلا إلى شخص آخر كانت نظرته جنسية، وإذا هم أحدهم بفعل شيء من الأشياء أول ما يخطر على باله الدافع الجنسي. فعلل الجنس على اعتباره العامل الرئيس في تفكير الإنسان وانشغالاته وسلوكياته، ولا شيء يوجد في تفكيره ونشاطاته اليومية إلا اللذة الجنسية الطاغية على كل عمل يقوم به، وأنه أداة تجعل الطفل مرتبطا بعالمه الخارجي مستجيبا لمنبهاته الجنسية.
وما يلاحظ في تفسيراته لبعض الأمراض أو الأعراض كالعمى والشلل كونها، كلها ناتجة عن هروبه من مواجهة حالة صعبة عجز عن تحقيقها، ويقصد بها عدم الممارسة الجنسية الحرة، ولذلك انعكست عليه إلى أعراض جسدية. وكذا بالنسبة لتفسيره للأحلام، فهو يرى الحلم انحرافا عن الرغبة المكبوتة في أعماق الإنسان النفسية عندما يقاومها ظاهريا في مستوى الشعور (العقل الواعي)، ثم تتحول تلقائيا إلى مستوى اللاشعور ( العقل الباطن)، ولما يستسلم البدن إلى النوم ويفقد إحساسه بالواقع الخارجي تحاول إيجاد مخرجا لها من أعماق النفس المكبوتة.
ومما يؤكد تشبعه بالأفكار التوراتية البحتة ما ذكر في نظريته للحرب، إذ زعم أن الحرب محاولة جماعية لإبقاء الذات حية، والذي لا ينخرط في الحرب تنعكس هواجسها عليه داخليا، أي بمعنى أن الذي لا يشارك عمليا في الحرب تتحول هواجسها إلى حرب نفسية داخلية فتفني نفسه بالصراعات الداخلية. ولذلك فهو يرى أنه لا مفر للمرء من المشاركة في حرب واقعية حتى يفني غيره، بدلا من أن يفني نفسه بالصراعات والكوابيس النفسية. ويبدو من خلال نظريته أنه لا يتصور أمة قائمة بلا حروب، مما يؤكد أن علم النفس الذي ابتدعه هذا الفيلسوف لم يكن مبنيا على نظرية علمية مجردة من أهداف سياسة الفكر اليهودي التوسعي. وقد ثبت تاريخيا أن ( هرتزل ) مؤسس الكيان اليهودي كان يروج لإنشاء الدولة الصهيونيةسياسيا بينما كان (فرويد ) يدعمها بالتحليل النفسي ويحلل أهدافها نفسيا، ويعمل من أجل إنشاء دولة يهودية في فلسطين، وكان يرى أنه لا مناص للشعب اليهودي من لمّ شمله وقيام حرب لتحقيق تلك الأهداف، وبالتالي وضع اليهودي حسب هذه الفلسفة أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن تقتل عدوك وتفنيه والإشارة هنا إلى اغتصاب أرض فلسطين، وإما أن تموت بهواجس الحرب النفسية. ومجمل هذه الأقوال مصادرها توراتيةكما جاء في هذا النص: "اعبروا في المدينة وراءه واضربوا. لا تشفق أعينكم ولا تعفوا الشّيخ والشّابّ والعذراء والطّفل والنّساء اقتلوا للهلاك... نجّسوا البيت واملأوا الدّور قتلى ...سفر حزقيال : 9/5.
وأقواله تتطابق تماما مع الممارسات الإسرائيلية الإرهابية الممنهجة في قتل الشعب الفلسطيني، وكذلك تتطابق تماما مع النصوص التوراتية التي تحث اليهود ترويع الشعوب ونشر الفساد في الأرض وقتل الشيوخ والأطفال حسب ما جاء في هذا النص التوراتي الذي ذكر أن الرب كلم موسى وقال له: " انتقم نقمة لبني إسرائيل من المديانيين. فتجند بنو إسرائيل على مديان كما قال الرّبّ: وقتلوا كلّ ذَكَر وسبَوْا نساء مديَن وأطفالهم. ونهبوا جميع مواشيهم وكلّ أملاكهم. وأحرقوا جميع مدنهم بمساكنهم وجميع حصونهم بالنّار....فالآن اقتلوا كلّ ذكر من الأطفال. وكلّ امرأة عرفت رجلاً بمضاجعة ذكر اقتلوها. لكن جميع الأطفال من النّساء اللواتي لم يعرفن مضاجعة ذكر: أبقوهنّ لكم حيّات ". سفر العدد : 31/1
ولعل التحليل النفسي الفرويدي هو السياسة النفسية المطبقة على شعوب المنطقة، وهو تعبير صادق لما جاء في هذا النص التوراتي: "وحرّموا (اقتلوا) كل ما في المدينة من رجل وامرأة من طفل وشيخ حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف". يشوع :6/21
وفي نص توراتي آخر يقول رب الجنود: " أنت لي فأس وأدوات حرب فاسحق بك الأمم واهلك بك الممالك، واكسر بك الفرس وراكبه واسحق بك المركبة وراكبها، واسحق بك الرجل والمرأة واسحق بك الشيخ والفتى واسحق بك الغلام والعذراء، واسحق بك الراعي وقطيعه واسحق بك الفلاح وفدانه واسحق بك الولاة والحكام". إرميا 51/ 20 23
إنها فلسفة فريدة من نوعها علمت اليهود أساليب القتل والتخريب والظلم والعدوان، ولا شك أن الأعمال الهمجية التي تقوم بها إسرائيل اليوم ومنذ نشأتها مستمدة من التعاليم التوراتية التي توصي اليهود بقتل الصغير والكبير والحيوان وتدمير البيوت وتجريف المزارع وكل ما يوجد على الأرض كما جاء في هذا السفر التوراتي الذي يقول أن مردخاي، وهو أحد ملوك اليهود أعطى لليهود إذنا بأن يقتلوا كل من صادفهم من صغير وكبير دون رحمة: ...أعطى الملك اليهود في مدينة أن يجتمعوا و يقفوا لأجل أنفسهم ويهلكوا ويقتلوا ويبيدوا قوة كل شعب وكورة تضادهم حتى الأطفال والنساء وأن يسلبوا غنيمتهم... وكثيرون من شعوب الأرض تهودوا لأن رعب اليهود وقع عليهم". استير: 8/11
على ضوء هذه البراهين لم يبق لمن يتحجج بأن نظريات فرويد ليست لها خلفيات دينية، حتى وإن كان طوال حياته يتستر بالأفكار العلمانية. فأفكاره لا شك أنها مستمدة من الفكر الصهيوني الذي له جذور توراتية، وهذه الأسفار معظمها تحرض اليهود على سفك الدماء وقتل الأبرياء بغير حق، وتجعل الإنسان اليهودي بين موقفين لا ثالث لهما: إما أن تقتل غيرك، وإما أن تنتقل الصراعات والكوابيس النفسية إلى أعماقك.
وأما فكرة (النقل) القائلة بإمكان المريض نقل حبه أو بغضه المكبوت في أعماق الذكريات أو ما شابه ذلك إلى الطبيب المعالج، وضرب مثلا على صحة قوله ببروير الذي تعرض لحب مريضة كان يعالجها ثم انتقلت عواطفها المكبوتة إليه، فاضطر إلى التخلي عن طريقة العلاج برمتها.
طريقة انتقال عواطف المريض أو وساوسه معروفة في العلاج الروحاني، إذ من المؤكد انتقال الروح الشريرة من المريض الممسوس إلى المعالج مع انتقال الأعراض التي كان يعاني منها المريض، ولكن إذا كان المعالج متحصنا ومتمكنا فإنه بوسعه حماية نفسه وحماية المريض وطرد الروح الماسة.
والمثال الثاني قيل أن فرويد استفاد من قصة أسطورية لأوديب تروي أن شخصا قتل أبيه وتزوج أمه، ثم أنجب منها وليدا، ولم يكن واعيا لما فعل، ولما أفاق وعلم بحقيقة ما فعل بأمه سمل عينيه. أعتبر فرويد تلك القصة حجة في محور تحاليله المختلفة، إلا إن مثل هذه القصة الشاذة تعتبر نسب وقوعها ضئيلة في كل المجتمعات القديمة والحديثة رغم أن بعض المجتمعات القديمة كانت تجيز مضاجعة الابن لأمه. غير أنه لا يمكن بأي حال أن نجعل من القصص الشاذة مقياسا لكل الحالات، والشاذ لا يقاس عليه، لكن ما عرف عن فرويد أنه غالبا ما كان يتحجج بشواذ الأمثلة وعوارض الحالات لا بجوهر الموجودات.
ولكن مقاصد الفلسفة الفرويدية كانت دائما يسودها الغموض ولا يراد بها البحث العلمي النزيه، إذ كان يتحجج بأمثلة ظاهرها ليس توراتيا، لكن في واقع الأمر كانت مضامينها توراتية قلبا وقالبا، ومن أمثلة ذلك، هذه القصة التوراتية التي تنطبق تماما مع القصة المذكورة آنفا من حيث الشكل والمضمون، تقول القصة: " وصعد لوط من صوغر فسكن في مغارة بالجبل هو وابنتاه. وقالت البكر للصغيرة، أبونا قد شاخ، وليس في الأرض رجل يدخل علينا، هلمي نسقي أبانا خمرا ونضطجع معه فنحيي من أبينا نسلا، فسقتا أباهما خمرا في تلك الليلة، ودخلت البكر واضطجعت مع أبيها، ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها، وحدث في الغد أن البكر قالت للصغيرة: إني قد اضطجعت البارحة مع أبي: نسقيه خمرا الليلة أيضا، وقامت الصغيرة واضطجعت معه، ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها، فحبلت ابنتا لوط من أبيهما، فولدت البكر ابنا ودعت اسمه مؤاب، وهو أبو المؤابيين إلى اليوم، والصغيرة أيضا ولدت ابنا ودعت اسمه بن عمي وهو أبو بني عمي إلى اليوم ". سفر التكوين :19/3.

وثبت أن فكرة الجنس عند فرويد جذورها دينية بحتة مقتبسة عن قصة (آدم) و(ليليت) جنية الليل المذكورة في كتب اليهود، وهي قصة طاغية على العقيدة الدينية اليهودية تتحدث عن قصة خلق آدم.

والقصة كما ذكرتها الكتب العبرية تدور في بدايتها بين آدم وليليت (زوجته الأولى) حسب المزاعم التوراتية، وقبل أن نتطرق إلى قصتها كما رويت في سفر التكوين وكتاب التلمود، يجدر بنا أن نشير أن (ليليت الشيطانة) الأولى عرفت بأسماء متعددة في عقائد المهتدين والوثنيين في العصور القديمة. عرفت باسم (كالي) وهي آلهة الجنس وقتل الأطفال في الديانة الهندوسية، وهي نفسها في المعتقدات السومرية والبابلية والكنعانية والمجوسية وعرب الجاهلية مع اختلافها في الاسم. وانتهت في اعتقاد الناس اليوم باسم (التابعة) التي تتعقب النساء وقتل الأطفال.

فطبقا للتفسيرات العبرية فإن الله خلق " ليليت" بطريقة متساوية مع خلق آدم، وجعلها زوجة له. غير أنه نشب خلاف بينهما ولم يتفقا عن كيفية المعاشرة الجنسية، فلم تقبل بالخضوع لآدم، ورفضت أن يلقي جسده فوق جسدها أثناء الجماع. وقد بررت موقفها هذا باعتبارها خلقت من التراب نفسه الذي خلق منه آدم، ولذلك أرادت أن تكون طريقة الجماع والإشباع الجنسي متكافئا بينهما. موقفها المتعنت زاد آدم غضبا وقلقا، ولما اشتدت حدة الخلاف بينهما، هربت (ليليت) من الجنة.

من هنا تكونت صورة (ليليت) الأولى باعتبارها إلهة الدعارة والاستمناء والجنية الباغية، وإلى يومنا هذا ما زالت تصور في خلد الفكر اليهودي على أنها الجنية التي تغري الرجال وتقتل الأطفال، لأنها ترفض الأمومة والزوجة الخاضعة للرجل. وحسب الروايات العبرية دائما فإن الله عاقب ( ليليت ) بأن تظل أبدا المرأة الغاوية والشهوانية لرفضها الخضوع لآدم ولهروبها من الجنة. وقضى لها أن تعيش في الأماكن المقفرة بين الحيوانات الكاسرة إلى اليوم.

بحجة صحة القصة الخرافية روج اليهود منذ القدم لفكرة حرية المرأة والمطالبة بالمساواة في الحقوق الجنسية، لذا فإن النظريات الفرويدية لم تكن إلا نسخة من الأدب الجنسي في الكتاب المقدس ألبسها ثوبا آخر. فإذا كانت قصة الخلق الأولى حسب اعتقاد اليهود أساسها الجنس، فلا غرابة أن تكون فلسفة ونظريات فرويد مبنية على أساس جنسي بحت ! سيما إذا علمنا أن إله اليهود تصوره النصوص التوراتية بالكائن الشهواني المغرم بالنساء الذي يحب الجنس ومغازلة العذارى لدرجة أنه يوجد في الكتاب المقدس من أوصاف الغزل ما لم يوجد في الأدب الجنسي.
روي أن الرب شاهد رجلا كان يمر بشارع مدينة يهودية فاعترضت سبيله امرأة ترتدي لباس زانية، أمسكت بيده وقبلته ووضعت ووجهها على وجهه وهي تقول له: " بالديباج فرشت سريري بموشى كتان من مصر، عطرت فراشي بمر وعود وقرفة، هلم نرتو ودا إلى الصباح نتلذذ بالحب، لأن الرجل ليس في البيت ذهب في طريق بعيدة، أخذ صرة الفضة بيده يوم الهلال يأتي إلى بيته، أغوته بكثرة فنونها بملث شفتيها طوحته". الأمثال 7/16 21
وذكر في سفر الأمثال رواية جنسية تحث الرجل أن يتولع بالمرأة الفتاة وكيفية التغزل بثديها: " و افرح بامرأة شبابك، الظبية المحبوبة والوعلة الزهية ليروك ثدياها في كل وقت وبمحبتها اسكر دائما". الأمثال 5/ 18 19
ومن الأدب الجنسي في الكتاب المقدس ما ذكر في هذه الأسفار: " لقد شبهتك يا حبيبتي بفرس في مركبات فرعون، ما أجمل خديك بسموط وعنقك بقلائد... نصنع لك سلاسل من ذهب مع جمان من فضة... صرة المر حبيبي لي بين ثديي يبيت... ها أنت جميلة يا حبيبتي ها أنت جميلة عيناك حمامتان ". 1/ 9 نشيد الأنشاد
وفي رواية جنسية أخرى تقول: " أدخلني إلى بيت الخمر وعلمه فوقي محبة، شماله تحت راسي ويمينه تعانقني". 2/ 4 6 نشيد الأنشاد
وهذه الرواية الجنسية تبين أن وضع النقاب لتغطية الوجه كان من عادات اليهوديات قبل أن تستعمله نساء الشعوب المجاورة: " ها أنت جميلة يا حبيبتي، ها أنت جميلة عيناك حمامتان، من تحت نقابك شعرك كقطيع معز رابض على جبل جلعاد، أسنانك كقطيع الجزائز الصادرة من الغسل اللواتي كل واحدة متئم وليس فيهن عقيم، شفتاك كسلكة من القرمز وفمك حلو خدك كفلقة رمانة تحت نقابك، ثدياك كخشفتي ظبية توأمين يرعيان بين السوسن" 4/ 1 5 نشيد الأنشاد
وأقصى وصف الأدب الجنسي في الكتاب المقدس ما جاء في هذا السفر: " ما أجمل رجليك بالنّعلين يا بنت الكريم. دوائر فخذيك مثل الحلي، صنعة يديّ صنّاع. سرّتك كأس مدّورة لا يعوزها شراب ممزوج. بطنك صرة حنطة مسيجة بالسّوسن ثدياك كخشفتي توأمي ظبية. قامتك هذه شبيهة بالنّخلة وثدياك بالعناقيد. قلت إنّي أصعد إلى النّخلة وأمسك بعذوقها وتكون ثدياك كعناقيد الكرم. ليتك كأخ لي الرّاضع ثدي أمّي. وهي تعلمني فأسقيك من الخمر الممزوجة من سلاف رماني. شماله تحت رأسي ويمينه تعانقني " . نشيد الأنشاد 7/1
على أساس هذه التصورات الجنسية بنيت العقيدة اليهودية باعتبارها وحيا إلهيا، ومن رحمها خرجت الفلسفة الفرويدية، ولذلك فلا أحد يمكنه إلقاء اللوم على فرويد بسبب ربطه مشاعر الإنسان وطبائعه بالجنس فقط، إذا كانت أسفار الكتاب المقدس مليئة بمثل هذه الكلمات الإباحية الجنسية، وإذا كان الإله العبري يفرض على عباده عقوبة ممارسة الزنا قسرا، فلا عجب أن تقوم فلسفة كهذه على طابع جنسي كما جاء في قصة حزقيال الذي أوحى إليه الرب أنه عاقب امرأتين بالزنا وجعلهما فريستين تنهش لحمهما الزناة: " يا ابن آدم (؟!): كان هناك امرأتان ابنتا أم واحدة وزنتا بمصر في صباهما زنتا. هناك دغدغت ثدييهما وهناك تزعزعت ترائب عذرتهما. واسمهما أهولة الكبيرة وأهوليبا أختها. وزنت أهولة من تحتي ولم تترك زناها من مصر أيضًا لأنهم ضاجعوها في صباها. وزعزعوا ترائب عذرتها وسكبوا عليها زناهم. لذلك سلمتها ليد عشاقها الذين عشقتهم. هم كشفوا عورتها. فلمّا رأت أختها أهوليبة ذلك أفسدت في عشقها أكثر منها وفي زناها أكثر من زنا أختها. عشقت بني أشور فرسانَا راكبين الخيل كلّهم شبّان شهوة. وزادت زناها. ولمّا نظرت إلى رجال مصورين على الحائط عشقتهم عند لمح عينيها إياهم. وأرسلت إليهم رسلاً فأتاها بنو بابل في مضجع الحبّ ونجّسوها بزناهم... وأكثرت زناها بذكرها أيّام صِبَاها الّتي فيها زنت بأرض مصر. وعشقت معشوقيهم الذين لحمهم كلحم الحمير ومنيهم كمني الخيل. وافتقدتِ رذيلة صباكِ بزغزغة المصريين ترائبك لأجل ثدي صباكِ " . سفر حزقيال 23/.1.
وفي قصة أخرى تقول أن الرب عاقب امرأة بالزنا وهيج عليها عشاقها: " قال السّيّد الرّب: ها أنذا أهيج عليك عشاقك ينزعون عنك ثيابك... ويتركونك عريانة وعارية، فتنكشف عورة زناك ورذيلتك وزناك ". حزقيال 23/22.
وفي رواية أخرى تقول أن الرب يدفع الزانية لإغراء الناس بجمالها وعورتها: " من أجل زنا الزّانية الحسنة الجمال صاحبة السّحر البائعة أممًا بزناها وقبائل بسحرها. ها أنذا عليك يقول ربّ الجنود: فأكشف أذيالك إلى فوق وجهك، وأُري الأممَ عورتك". ناحوم 3/4 .
وفي قصة أخرى تقول أن الرب حذر بني إسرائيل إن لم يمتثلوا لأوامره ويسمعوا كلامه، فإنه سيجعل فيهم الزوجة تخون زوجها وتضطجع مع غيره: " خاطب الرّبّ بني إسرائيل مهدّدًا إيّاهم: أن لم تسمع لصوت الرّب إلهك: تأتي عليك جميع اللعنات وتدركك... تخطب امرأة، ورجل آخر يضطجع معها ". التثنية 28/15
إذن، فكيف لا يكون تفكير فرويد جنسيا وهو اليهودي المتشبع بالأفكار التوراتية من الرأس إلى أخمص القدمين. إن كل ما جاء به فرويد لا يمثل حقيقة بأي شكل من الأشكال لا في الجنس ولا في المنام ولا تمت نظرياته بصلة إلى أي واقع وعمل مجرب، ولا يوجد ما يؤدها في الدين أو العلم النزيه. إنما استغل اليهود فكرتا التحليل النفسي والتنويم المغناطيسي، لتخدير عقول الناس وخدمة قضيتهم قبل كل شيء. وبالفعل قد حققوا ما أرادوا بعدما نوموا عقول الشعوب بالتنويم الشيطاني، واليوم جاءوا بفكرة برمجة العقول وتغيير الذهنيات ومسح الذكريات وخلق عقول جديدة دينها الأوهام وربها الشيطان.

والذي يدرس سيرة فرويد الذاتية سيتأكد كونه كان يتظاهر بالإلحاد وانتمائه إلى الفكر العلماني، ولكن يبدو أن إيمانه بيهوديته كانت أعظم من إيمانه بأي نظرية من النظريات الأخرى التي لا تخدم مصلحة القضية اليهودية وإقامة دولتها. والشواهد تثبت أنه كان من ضمن الشخصيات الذين ناقشوا ظاهرة كراهية اليهود (معاداة السامية ) وأرجعها نفسيا إلى اللاشعور وغيرة الأمم من اليهود كونهم شعب الله المختار وأبناء الله في الأرض، وبسبب تمسكهم بالختان الذي تتقزز له بعض الشعوب باعتباره يسبب أمراضا للجهاز التناسلي، والإشارة هنا على وجه الخصوص النصارى الذين تحرم ديانتهم الختان.

يعتبر فرويد الامتناع عن ممارسة الجنس في سن مبكرة يجعل الإنسان ضعيفا جنسيا بل قد يؤدي إلى تعطيل الغرائز الجنسية، ويعمم نظريته لتشمل حالة الضعف الجنسي جميع فئات الناس، رغم أن الإصابة بمثل هذه الحالات نادرة الوقوع. وإيمانا بنظريته دعا الناس جميعا إلى إشباع غرائزهم الجنسية وتحرير أنفسهم من القيود الدينية التي يعتبرها أحد الأسباب في إضعاف القدرات الجنسية وقتلها. وحتى لا يكون عرضة للعقد النفسية المختلفة نصح فرويد بأن يكثروا من الجماع بشكل غير محدود. غير أن الواقع يدحض هذه المزاعم جملة وتفصيلا، وقد رأينا شبابا بلغوا الأربعين من العمر ولم يسبق لهم أن مارسوا الجنس مرة واحدة، وحين تزوجوا لم يجدوا صعوبة في الممارسة الجنسية وما يعوق العلاقة الخاصة، وكانت حياتهم تسير بشكل طبيعي، كما رأينا شبابا لا تتجاوز أعمارهم العشرين سنة ولكنهم ضعفاء جنسيا وتنعدم في نفوسهم الرغبة الجنسية، بل قد يوجد من الشباب من ليست له رغبة كافية في ممارسة الجنس على الإطلاق مستثنين بذلك من كانت لهم حالات مرضية معينة.

ومن أغرب ما أدعاه فرويد قوله أن فض بكارة العذرى تحمل أمراضا ومشكلات لكلا الزوجين، واستدل على صحة قوله ببعض عادات الأقوام البدائية التي ما زالت تعيش في حضيض الهمجية، أين يفوض أمر فض بكارة العروس ضمن احتفال وطقوس دينية لشخص آخر غير الزوج. ولعله بهذا القول يظهر حجم كراهيته للعلاقات الشرعية، لأنه لا يوجد دليل علمي ولا ديني ولا منطقي يؤكد على أن فض بكارة العروس من غير الزوج لا تحدث أمراضا، في حين إذا فضت بكارتها من قبل زوجها أحدثت لهما أمراضا. والأغلب الأعم أن فلسفة فرويد في مسألة الجنس ترجمة واضحة لتلك الأقوال السالفة الذكر التي تشجع على البغاء والرذيلة والعدوان والقتل السافر، وإلا أين الدليل العقلاني والعلمي الذي يثبت صحة أقواله؟!!

إن هذه الفلسفة الضالة أدت فعلا في أماكن أوروبية إلى إسناد فض بكارة العروس أثناء زفاف رسمي كنائسي إلى رجل غير الزوج. وأصبحت بعض الكنائس الأوروبية تطبقها، وعندما يأتي عروسان إلى كنيسة تأخذ ضمن مراسيمها هذه الفكرة لعقد القران وتحضر رجلا ثم تسند إليه فض بكارة العروس !! ولا شك أن عملا كهذا ليس من عادات وتقاليد الشعوب الأوروبية الأصيلة بقدر ما هو ناتج عن فلسفة تضليلية زرعها فرويد في أوساط الشعوب المسيحية.

ولو تأملنا بقلوب حية سياسة الفلسفة الفرويدية لوجدناها تهدف بالدرجة الأولى إلى خدمة العنصر اليهودي التي تطبع على الإباحية أكثر مما تخدم الديانة اليهودية، لأن فرويد حتى وإن كان يهوديا متشبعا بالأفكار التوراتية لم يكن يهتم بالدين كاهتمامه بالشخص اليهودي المقدس، فهو كغيره من اليهود لا يثقون لا بإله ولا بأنبياء ، ويتهمونهم جميعا في بعض الأسفار بالزنا والخيانة والغدر وما إلى ذلك من أوصاف مهينة لا تليق بمقام الأنبياء، وأسفار الكتاب المقدس خير شاهد على ذلك، إذ تحتوي على الكثير من الشتائم والأقوال البذيئة .

جاء في سفر أيوب 29/16: " إليك أصرخ فما تستجيب لي يوما. أقوم فما تنتبه إلي. تحولت إلى جاف من نحوي ".

ذكر في أحد الأسفار أن الله يغض بصره عن الظلم: " والله لا ينتبه إلى الظلم " . سفر أيوب 24/1

وفي سفر آخر توجه اتهامات صريحة للرب بالظلم والاستبداد وطغيانه على البشر: " يلقي هوانا على الشرفاء، ويرخي منطقة الأشداء ... يكثر الأمم ثم يبيدها" . سفر أيوب 12/6.

وجاء في قول آخر: " إن الله قد عوجني ولف علي أحبولته. ها إني أصرخ ظلما فلا يستجاب لي ". سفر أيوب 19/6

لقد تأكد من خلال مقارنة نصوص بعض أسفار الكتاب المقدس ببعض ما جاء في فلسفة فرويد النفسية، أنها تعبر بطريقة نفسية عن مقاصد الأسفار التوراتية، وصح أنها اتخذت منها منالا يقاس عليه ونموذجا نسجت على منواله، وأنه لم يكن موقفه من الإله والأنبياء والدين والعقيدة مخالفا لمعتقدات أسلافه القدماء، فهو يحمل في نفسه طبيعة العنصر اليهودي التي لا تتبدل ولا تختلف مع الأزمنة بغير الصور والأشكال، بحيث ورثوا ديانة قامت على مفاهيم تمجد العنصر اليهودي وتهين الإله والأنبياء، وإلام يفسر قولهم أنه يظلم عباده ويقتلهم بلا حكمة كما جاء في سفر أيوب: " هو ذا الله، لا يأتمن عبيده. وإلى ملائكته ينسب حماقة. سكان بيوت يموتون بلا حكمة ". سفر أيوب 4/18 .
أتظنون أن فرويد قد تطاول على ديانة شعبه بكسر جدار تبرير معاشرة المحارم؟ وفي قصة لوط يوجد من صور الفواحش ما يندى له الجبين، فضلا عن ما جاء أيضا في بعض أسفار العهد القديم من أن الرب أباح الزنا وأمر النبي (هوشع) بأن يتخذ لنفسه امرأة زانية حسب ما ورد في النص التالي: " أذهب خذ لنفسك امرأة زانية وأولاد زنى لأن الأرض قد زنت زنى " . سفر هوشع الإصحاح:1/2.
والنص التوراتي يشير بكل وضوح إلى أنه لم تبق في الأرض عفة، لذلك صار الزنا ممارسته مباحة. وهذا القول كاف لتبرير معاشرة المحارم وإباحة الزنا والسماح للناس بممارسة الجنس بكل أشكاله علنا. فإذا كان رب اليهود قد أباح الزنا بنص توراتي، لم يبق أمام فرويد وعامة اليهود إلا أن يطبقوا تعليمات كتابهم المقدس وإشاعة تعاليمه في الأرض عبر أفكار فلسفية تحقق تعاليم الفلسفة الدينية اليهودية. ولعل معظم القصص التي يقحمها فرويد في أقواله كأمثلة لنظرياته كلها مستمدة من التراث اليهودي القديم الذي استخلص منه جل نظرياته وقدمها بوجه علمي أو فلسفي إلى رعاع البشر، خدمة لأهداف صهيون. " ليس إله في كلّ الأرض إلا في إسرائيل ". ملوك الثاني :5/15
وفي نص آخر حث إله بني إسرائيل شعبه أن يكون سليطا على الأمم الأخرى: عسكريا واقتصاديا وفكريا، وسياسيا، ولعل فلسفة علم النفس تصب في هذا الغرض حيث استخدمت كوسيلة من وسائل خدمة المشروع الصهيوني. وقد بدا واضحا من خلال السياسات الأوروبية والأمريكية أنها ضربت فيتو صارم لا يجوز بموجبه انتقاد دولة إسرائيل أو توجيه اللوم إليها في أي قضية من القضايا رغم أنها ترتكب يوميا عشرات المجازر في حق الشعب الفلسطيني، ولعل ذلك يكون عملا بوصية الرب الذي يتمثل في اللوبي اليهودي المهيمن على مراكز القرار الأمريكي كما جاء في هذا النص: " إيّاك يا إسرائيل قد اختارك الرب إلهُك لتكون له شعبًا خاصًّا من جميع الشّعوب الذين على وجه الأرض " . التثنية:7/6
وعملا بوصية رب إسرائيل فإن أمريكا وأوروبا أصبحتا ترعيان إسرائيل رعاية كاملة، وأما باقي الدول وخاصة بعض الدول العربية صارت تتسابق لكسب ودها والظفر بإقامة علاقة حسنة معها. جاء في سفر أشعيا قول الرب: " قد اجتمعوا كلّهم لأنّه تتحوّل إليك ثروة البحر. ويأتي إليكِ غِنى الأمم. وبنو الغريب يبنون أسوارك. وملوكهم يخدمونك. ليؤتى إليك بغنى الأمم، وتُقادُ ملوكهم. لأنّ الأمم والمملكة التي لا تخدمك . تبيد وخرابًا تخرب الأمم " .اشعيا :60/4
وفي ذات السياق جاء في سفر اشعيا: " ويقف الأجانب ويرعون غنمكم. ويكون بنو الغريب حرّاثيكم و كرّاميكم. أمّا أنتم فتُدعَون كهنة الرّبّ. تُسمّوْن خدّام إلهنا. تأكلون ثروة الأمم وعلى مجدهم تتآمرون " .اشعيا:61/5
ومن خلال العين التوراتية نظر فرويد إلى الديانات الأخرى نظرة احتقار وازدراء واعتبرها أوهاما لا دليل على صحتها، لأنه عرف من الدين إلا دينه المحرف الذي استلهم منه أفكاره والذي لا توجد فيه صفة من صفات الكمال الإلهي ولا إشارة واحدة تنزه الإله الخالق عن النقائص، بل إن الإله الذي يتحدث عنه الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد له صفات بشرية يظهر حينا ويتوارى أحايين أخرى، يأكل ويشرب، ويحب مغازلة النساء، وهو ليس خالقا ولا واجدا ولا رازقا، إنما هو أقرب إلى شبح متسلط حسب ما ذكر في بعض الأسفار السابقة..!!

ولا يوجد في أقوال فرويد ما يشير إلى أن دينه أفضل الأديان وأصحها بقدر ما كان يرى أن شعبه هو أخير الشعوب، من سلالة مختارة لا يستحق التشرد، ويجب أن يكون له وطنا قوميا ودولة تقود رعاع الجويم اللاهثين وراء الجنس كما يقود الرعاة قطيع الغنم وسلخهم من كل القيم النبيلة بحجة التحرر من الأفكار السلبية والخرافات والتحلل من الأوهام التي لا تتفق مع واقع سياستهم المفروضة على العالم.

الخوف وأقسامه عند فرويد ( الفوبيا )
ينقسم الخوف حسب نظرية فرويد إلى قسمين رئيسين عند الكبار والصغار هما:
القسم الأول: ويسميه فرويد بالمخاوف الموضوعية الحقيقية ويربطه بموضوع معين، مثل الخوف من الظواهر الطبيعية والحيوانات والحشرات والأمراض والموت وما إلى ذلك من حالات عدة يمكن أن تصنف تحت هذا القسم. وعند الأطفال الخوف من الكلب أو الحصان أو الأشكال المرعبة.

القسم الثاني: ويسميه بالمخاوف العامة، وهي مخاوف غير محددة في ذهن الإنسان ولا ترتبط بأي موضوع مصاحب لحالة من الحالات، وصاحب هذا النوع من الخوف تجده دائما متشائم وحزين ويشعر بالرعب وحدوث المفاجآت في كل لحظة. وعند الأطفال الخوف من الظلام والموت والعفاريت ..

غير أن بعض علماء النفس أرجع ظاهرة الخوف أو الهلع إلى ضعف البنية العصبية للإنسان وصنفوها ضمن جملة الخصال غير المحمودة، وضعف الشخصية من الناحية الفسيولوجية وعدم الرغبة في مواجهة المواقف الصعبة التي تحيق بالشخص، إضافة إلى ضعف الثقافة الفكرية، وأرجعوا بعض أسبابه إلى ظروف وملابسات المشاكل التي تصادفه يوميا، ويبدو أن ظاهرة الخوف أسبابه تنقسم إلى ثلاثة أقسام حسب ما نرى:

القسم الأول: وهو قسم فطري في النفس البشرية، يولد مع الولد حتى أنه يلاحظ فزعه مذ ولادته حين يسمع أصواتا عنيفة أو حركات قوية ... وذكر هذا النوع في القرآن كما جاء في قوله تعالى: " إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا "، وهو طبيعة فطرية موجودة في الإنسان والحيوان والحشرات، وليست صفة عرضية على الكائنات الحية، بل هي طبيعة من طبائع المخلوقات الحية، وما من مخلوق حي إلا ونجد الخوف طبيعة موروثة يدب في نفسه.

القسم الثاني: قد يتربى في نفس الإنسان بسبب اقترافه لذنب أو ارتكابه لمخالفة قانونية يظن أنها تعرضه لعقوبة أو لحبس أو لمشكلة من المشاكل.

القسم الثالث: وهو ناتج عن مس شيطاني، ولعله أخطرهم، لأنه يتحول إلى خوف قهري يصعب على الممسوس السيطرة عليه أو التقليل من وقع وساوسه، وقد ينتاب الموسوس الخائف من حين إلى حين، ويأتيه على شكل استشعار ينبئه بخبر أو بوقوع حادث يجعله متخوفا طوال الوقت دون تحديد مصدره، مما يسبب له انهيارا نفسيا. يقول تعالى في الخوف الذي سببه وساوس الشيطان: (إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين)، وكذلك يلقي الله الخوف في قلوب الذين لا يؤمنون به كما ذكر في هذه الآية: (فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب).

فمصادر الخوف متعددة قد تكون من ملك من الملائكة يقذفه في قلوب الذين ظلموا كما ذكر في عدة آيات قرآنية، وبعضه قد يكون من همزات الشيطان، والشيطان كائن روحاني غير مدرك ولكنه يدغدغ أحاسيس النفس بالخوف، فنجد الإنسان المصاب بهذه الأعراض يخاف من كل شيء، وبؤرة الخوف في بدن الإنسان توجد فوق منطقة الصرة، وعادة ما نجدها تدق باستمرار، وهي علامة تدل على أنه من صنع المس الشيطاني.

لقد بدأت تتكشف عيوب الفلسفة الكاذبة التي ظلت لسنوات طوال يعتبرها الناس حِكما نفسية لا يمكن التفريط في شيء منها، وكذلك بدأ إنسان هذا العصر يدرك أن معظم نظريات فرويد كانت مضللة، وقد أظهرت الأبحاث العلمية أن المؤمن بالله هو أكثر الناس راحة نفسية وأطولهم عمرا، داحضة مزاعمه القائلة بأن الإنسان المتدين عصابي مغترب عن الواقع الدنيوي. وفي هذا الموضوع يعلق ناقد الطب النفسي ( توماس تساز Thomas Szasz ) بقوله: "أن كل علاج نفسي يهتم بالكيفية التي على الإنسان أن يعيش من خلالها، وكيفية تنظيمه لحياته الأسرية والجنسية وبمعنى الحياة - وكل هذه المواضيع هي في النهاية مواضيع يعالجها الدين. ففرويد لم يكن إلاّ حاخاماً مُقَنَّعَا ً". لقد صدق صاحب هذا القول، وأكد أن فرويد لم يكن إلا حاخاما يروج لخدمة مشروع صهيون بأسلوب التحليل النفسي.

لقد ورث النفسانيون عن فرويد مفاهيم خاطئة عن الدين والتدين، فبالنسبة للعلوم النفسية فإنه يحمل معنى الاعتقاد الخرافي، وبالنسبة لمعظم النفسانيين يعني النكوص إلى الوراء وإلى مرحلة أكثر بدائية من الوعي والفرار من مواجهة الواقع المعيشي للحياة. غير أن المتأمل في منظومات العلوم النفسية يجدها من دون شك عبارة عن اعتقادات وهمية قائمة على الخرافات والأساطير والاستسلام الأعمى لنظريات مؤسسها.

فنظرية علم النفس لم تكن إلا مشروعا أسسه اليهود ليكون دينا دنيويا بديلا لجميع الديانات، تعزز بترسانة ضخمة من الأضاليل لينوب عن المذاهب الأخرى في التمثيل بين الآراء والتطبيق لتتمهد له مسالك التغلغل في كل جانب من جوانب العلوم، ويجري تطبيقه على كل منحى من مناحي الحياة الإنسانية، وتتشعب حقائقه في كل ناحية من نواحي النظر والاعتقاد حتى يكاد لا يعرض على العقل عائق في تقبله وما ينطوي عليه، وأن لا يدين الإنسان لسلطان غير سلطان علم النفس، وأن يوائمه في مشكلات يومه، ولا يغني عنه سواه. ومهما يكن من رأي في هذا الموضوع فإن علم النفس لم يكن إلا مذهبا يحمل عقيدة أسفار توراتية تدعو اليهود إلى إخضاع شعوب العالم وحكامه إلى سلطانهم باستخدام جميع الأساليب، ولكن هذه الأجيال الصاعدة بدأت تصحو من غفوتها، وأدركت الأخطار الممثلة في الأفكار والنظريات الجديدة التي بدأت تغزو العالم تحت عناوين براقة بهدف إزالة أفكار يعتبرونها سلبيات واستبدالها بالإيجابيات لعولمة الفلسفات الوثنية.

وعلى ما يبدو فإن مرحلة التنويم المغناطيسي والتحليل النفسي قد ولت، ووجد أصحاب هذه الأفكار أنفسهم في مواجهة إقبال متبدل، وأصبحت فكرة الدين الدنيوي الذي يريدون استبداله بالدين السماوي، لا يستطيع مع كل وسائله وأساليبه، وكل متغيراته إشباع رغبات البشر، ولا يستطيع سد أي ثغرة من ثغرات الفراغ الداخلي الذي يعذب إنسان هذا العصر. فالإنسان المؤمن بالله يشعر على الدوام بأن حياته مرهونة بقضاء الله وقدره ونفسه مشبعة بالإيمان، وهو عامل رئيس يجعله أكثر مقاومة وصمودا في وجه الكثير من الصراعات النفسية والمؤثرات الاجتماعية وأزمات الحياة والمشقة، ويسهل إستراتيجية التأقلم الفاعلة مع الأوضاع المتغيرة وحصول الشفاء، ويجعله أقل خوفا من الموت، يجعله إيمانه بربه لا ينجر وراء الإدمان على المخدرات وفعل المحرمات التي غالبا ما تعرضه إلى الوقوع في الأمراض الجنسية، وهي الوصفة التي لا توجد في عيادات علم النفس.

ولو رأى النفسانيون ما يحدث للمصابين بالمس الشيطاني في قاعات المعالجين الروحانيين، وكيف تتكلم الجن والشياطين بألسنتهم، وكيف يصرخون ويولولون ويتخبطون على الأرض كالشياه الذبيحة، وكيف يتحول النحيل الهزيل منهم إلى شخص يملك قوة عدة أشخاص، ثم كيف تتغير حالته النفسية وملامح وجهه وسلوكياته من حال إلى حال. بعد حصول ذلك كله يتعافى من مرضه وتتحرر نفسه من الوسواس والخوف والقلق والصداع، وتدب في نفسه السكينة والطمأنينة ويشعر بالخفة والاسترخاء الجسدي وفراغ داخلي منعش، ثم يجد نفسه قد تخلص نهائيا من العبء الذي كان يحمله وكأنه خرج للدنيا أول مرة، لو رأوا بأم أعنيهم تلك المشاهد لخجلوا من أنفسهم واحتقروا علم النفس الذي لا علم له.

في دراسة أجراها النفساني ( ديفيد لارسون ) من المعهد القومي لأبحاث رعاية الصحة روكفيلي ماريلاند الولايات المتحدة الأمريكية بصورة منهجية في موضوع يتعلق بالعلاقات بين الإيمان والصحة النفسية توصل إلى النتيجة التالية: " يؤثر التدين في 84% من الحالات بشكل إيجابي وفي 13% بشكل حيادي وفي 3% فقط ظهر أن التدين مضر صحياً. ويستهلك المؤمنون العقاقير والكحول أقل بكثير من غيرهم، ويرتكبون الانتحار أقل، ويملكون نسبة طلاق منخفضة، ويمارسون جنساً أفضل". وأظهرت دراسات أخرى أنه لا توجد علاقة بين العصابية ( عدم الاستقرار الانفعالي) والتدين، بل توجد أدلة واضحة تثبت أنهم يتمتعون بدرجة عالية من الاستقرار النفسي واستعدادا قويا لمواجهة الاضطرابات النفسية وقدرة التغلب عليها، وذلك وفقا لقوة إيمان الشخص. وتوصلت الدراسات إلى نتيجة مفادها أن استقرار ضغط الدم لدى كل من يذهبون إلى أماكن العبادة بانتظام، يكون ضغطهم منخفضا وأقلهم تعرضا للأمراض، وطبقا لهذه المقاييس كانت النتيجة خلافا لنظريات فرويد وأتباعه.

فهل أقتنع العلم أخيرا أن نظريات فرويد وداروين وغيرهم كانت فاسدة وضيقة الأفق، ولا تمثل بأي شكل من الأشكال الواقع الإنساني والاجتماعي والنفساني لكل إنسان، وإنما جاءت كفكرة لنشر الفجور الفكري والإلحاد والزندقة والرذيلة واحتقار الإنسان باعتباره حيوان خلق لإشباع غريزته الجنسية لا غير.

إن أغلب دراسات علم النفس المعتمدة على نتائجها حاليا، جاءت من خلال تجارب أجريت على مرضى مصابين بالمس والجنون بعد إخضاعهم لتقنيات سحرية مثل التنويم المغناطيسي والبرمجة، وتمت بناء على كلمات غير دقيقة تلفظ بها المريض أو على صور تخيلية زائفة رآها خلال خضوعه لعملية تنويمية. وعلى ضوء نتائج مشكوك في صحتها أسست نظريات علم النفس. فمثلا أجرى نفسانيون في الولايات المتحدة دراسات على أشخاص غير متدينين فكانت النتيجة حسب قول كل واحد منهم: " إني أرى الكيفية التي سأتغلب فيها على هذا الموقف الخاص في المستقبل". على حين حصلت المجموعة المتدينة بعد تغميض العينين على القول: "أستطيع أن أتصور كيف سيكون المسيح معي في هذا الموقف الذي أحاول التغلب عليه ". وما لا يدع مجالا للشك فإن الصور التخيلية التي رأتها المجموعتان من صنيع قرين كل شخص منهم. وأن الذين رأوا المسيح إلى جانبهم، فإن ذلك لا يمثل صورته الحقيقية، إنما هي شكل من أشكال التلاعب بالصور الزائفة. وكل دراسة تأتي نتائجها من هذا الطريق قد تكون مرتبطة بشكل الاعتقاد وعلى أسلوب اللعبة، وكما يريد لها القرين الروحاني، ولذلك أسست نظريات علم النفس على قواعد خاطئة.

مبادئ العلاج النفسي


يقوم علم النفس الاستشفائي على مبادئ تهدف إلى علاج الاضطرابات النفسية والأعراض الجسدية مستعملا وسائل نفسانية خاصة، ويعمل على إقامة روابط متميزة شفوية بين المعالج والمتعالج. ويعتمد على منطلقات وأسس نظرية للتحليل النفسي من حيث المنظور الفرويدي الذي يعتمد على التداعي الحر وتفسير الأحلام وسبر أغوار العقل اللاواعي حسب مزاعم أصحاب هذا العلم لإيجاد تحليل مناسب للاضطرابات الإنسانية باعتماده طرق إيحائية كالتنويم المغناطيسي والإيحاء المدعوم بالأدوية والاسترخاء والحلم والإيحاء تحت تأثير العقاقير... ويبدو أن العلاجات النفسية عامة والإيحاءات بصورة خاصة تعتمد على مدى قدرة الإنسان في فهم أولويات عمل الدماغ، غير أن البعض يعتبر انتظار حلول تأتي من الدماغ بعيد المنال، ويرون أن الحل يكمن في التعجيل بتدريب الإنسان على كيفية استخدام قدراته الخارقة التي ما زالت مجهولة في مكامن نفسه، سيما وأن العلم الحديث لم يبلغ أشواطا متقدمة في هذا المجال، بل بقي لحد الآن عاجزا لم يتوصل لتحديد ماهيتها ومعرفة خصائصها بالشكل المرغوب. ويرى فريق آخر أنه يجب التوفيق بين موقف الإيمان الذي يعتمد على نصوص دينية في العلاج، وبين الموقف الفسيولوجي الذي يعتمد على الدراسات العلمية وتعميق قدرات المعالج والتخلي عن المبادئ العلاجية القديمة، وعدم انتظار أحجيات الدماغ المألوفة والإسراع بتدريب الإنسان على استخدام قدراته الخارقة التي عجز العلم في تحديدها بشكل كامل.

وسيبقى علم النفس الركيزة الأساسية لكل التقنيات العلاجية في العالم الغربي، وقد تستخلفه البرمجة اللغوية العصبية أو قد تظهر تقنيات جديدة أخرى أكثر تطورا كلها تكون منبثقة من علم النفس التحليلي ولا يستطيع أي دين من الديانات مزاحمته في الغرب، وستظل هذه التقنيات تستلهم أفكارها من الديانات الوثنية والسحر كوسيلة للعلاج أو لأغراض أخرى.

أما في العالم الإسلامي يبدو الأمر مختلفا، ومن الصعب أن تصمد هذه التقنيات في وجه العلاجات الروحانية المستمدة من الدين الذي شجع على العلاج والتداوي بطرق روحانية مشروعة لا تخالف الشرع نصا وروحا. وقد بدأ يدرك الإنسان المسلم أن علم النفس يعد مشروعا نفسانيا تغريبيا، مبادؤه قائمة على تجريد الإنسان من معتقداته الروحانية ولا يعترف بتأثيرات الدين في النفس البشرية، ويرد كل عامل مرضي إلى غير مصدره الحقيقي. فضلا عن أن الدين الإسلامي جاء بكنوز عظيمة، وجعل من الرقية علاجا نفسانيا كاملا، نتائجها الاستشفائية تفوق نتائج علم النفس بكثير، ولكنها تحتاج بالضرورة إلى اختصاص وإلى نوع من التطوير في الشكل والمضمون، ويجب أن تزود بتقنية لا تخالف المبادئ الدينية الصحيحة، وكذلك يتطلب تحريرها من بعض القيود والمفاهيم الخاطئة حتى تتمكن من أن تصبح علما نفسانيا قائما بنفسه، يلجأ إليه جميع الناس، ولا يمكن أن يكون حبيس فئة خاصة باللباس والاعتقاد. وأما أن يترك العلاج الروحاني هكذا في متناول عامة الناس وفي يد المشعوذين فإنه سيبقى بالنسبة للعلوم الأخرى علاجا شعبيا لا قيمة له. وإذا تمكن هذا العلم النفساني القرآني من وضع قواعد علاجية وتحسين صورته مع توفير الإمكانات اللازمة، فإن النتائج ستكون جيدة، ووقتها سيستغني الإنسان المسلم عن هذه الربائب الممثلة في تقنيات مستمدة من ديانات وثنية وفلسفات إلحادية.

فالرقية رغم أنها علم نفساني مستمدة من القرآن أقبرت مع وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام واستخلفت بعد عهد الصحابة الكبار بكتابة الحروز وتعليق التمائم وممارسة كل أشكال الشعوذة والسحر، وأصبح رجل الدين مقصد الناس لكتابة الحروز والدجل، وبدلا من أن يجتهد علماء الدين لمعرفة فوائد الرقية عملا بقوله تعالى: (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين) تراهم يحثون الناس بالتوجه إلى طب مستمد من السحر.

حدثني أحد الذين كان يعاني أعراضا سببت له اكتئابا وقلقا لفترة من الزمن، أنه عالج عند طبيب نفساني لعدة سنوات، وكلما زاره استبدل له دواء آخر حتى أنه تناول جميع أنواع الأدوية التي توصف من قبل أطباء النفس. ولما ذاع صيت أحد الأطباء النفسانيين في منطقة من مناطق الجزائر قصده رغبة في العلاج، فوجد الدخول إليه يتطلب موعدا وانتظار أيام عديدة. ولما سنحت فرصة الدخول إليه وصف له أعراضه المرضية، فوصف له الطبيب دواء، وكان المريض حافظا على ظهر قلب لكل أسماء الأدوية التي تناولها على مدى سنوات العلاج. فقال المريض للطبيب: إن الدواء الذي وصفته لي تناولته مدة سنوات ولم يفدني شيئا، فاستبدل الطبيب دواء آخر، فقال له المريض: هذا أيضا تناولته ولم يفدني شيئا، وهكذا كلما وصف له دواء إلا وقال له: إني تناوله كذا من سنة حتى آتى على ذكر جميع الأدوية التي توصف في العلاج النفسي. عندئذ وقف الطبيب حائرا من أمر المريض ، ثم قال له: أعلم أن الطب النفساني لا يشفي أمراضا، وإنما يسكن أعراضا، وأنتظر إلى أن يكتشف العلم دواء جديدا خاصا بك. قال المريض: تبين لي بعد ذلك برغم كثرة المرضى الوافدين إليه من كل حد وصوب أنه لا يتميز عن غيره من الأطباء، وإنما كان يستخدم السحر لجلب الزبائن.

كلمة أخيرة في علم النفس
لا بد من القول أن التشكيك في نظريات فرويد وغيره من علماء اليهود تعد جريمة لا تغتفر، وكفرا بالعلم كله، ولذلك استغل اليهود ضعف المسلمين وخلافاتهم فشروا ذمم بعض العلماء وجعلوهم أدوات تبشيرية لبث سمومهم وأفكارهم الضالة، فروجوا من جانبهم لكل الآراء والنظريات الفاسدة وأقحموها بكل الحيل والوسائل إلى ساحة فكر الأمة الإسلامية والعربية بحجة أنها علوم جديدة يجب اقتناءها، وكونها حاجة ماسة تقتضيها متطلبات ظروف العصر، وكانت النتيجة أن ظهرت في بلادنا جماعة (عبدة الشيطان)، وفرق التشكيك في الدين والعقيدة.

وذهب فريق منهم إلى أبعد الحدود وساعد في ترسيخ كل الأفكار الوافدة من الغرب بقصد التخلص من كل القيم الأخلاقية والدعائم الدينية التي تقوم عليها عقيدة المسلم. وفريق آخر أشترك في حبكتها وإشاعتها في المؤسسات التعليمية والثقافية بقصد أو بغير قصد. ومن جانب آخر استغلت الدوائر الصهيونية الوضع المأسوي الذي ينتاب الأمة الإسلامية فسيطرت على معظم مصادر الإعلام والفكر ومقدراتهما لتحريف عقائد المسلمين والتشكيك في مبادئهم الدينية والأخلاقية، واستطاعت من خلال ذلك نشر نظريات زائفة وآراء شاذة وأفكار بالية ودخيلة وفاسدة تخالف قانون الفطرة الإنسانية.

وأنه أصبح رجل الدين في بلادنا يتجنب الخوض في هذه المسائل لعدم إلمامه بمعرفة موضوع هذه الفلسفات، تفاديا لمخالفة رأي الفلسفة النفسية وأصحابها ومجاملة الذين تخرجوا من مدارس الفكر اليهودي الذي أكتسح العالم بأسره وزيف العقائد والديانات وزرع أتباعه في كل المؤسسات وعلى رأسها المؤسسات الإعلامية والثقافية ومنها بعض المؤسسات الدينية.

واللافت للنظر أن مبتكري فكرة علم النفس كان جل رجالاتهم من أصول يهودية ينتمون إلى طائفة الكابالا الصوفية التي تقوم أعمالها على استخدام الجن والشياطين في الصناعات وتغيير الذهنيات وتنويم العقول لخدمة أهداف إسرائيل القومية والدينية. وأن قناعتهم راسخة كون هذه الأرواح لها تأثير حقيقي في المخلوق البشري، لذلك ابعدوا من فكرهم وفلسفاتهم كل ما يشير إلى ذلك السر حتى لا يجدون من يزاحمهم في استخدامها ومعرفة أي سر من أسرارها، وأوهموا الناس بنظريات وفرضيات لا أساس لها من الصحة. رغم أن العهد الجديد وهو كتاب مكمل للعهد القديم فيه من أخبار إخراج المسيح للشياطين من أبدان البشر ما لا يوجد في أي كتاب آخر.

فهم مثلا يسندون غواية آدم إلى حية، قيل أنها كانت أحيل المخلوقات وأعلمهم بأسرار الملأ الأعلى وبوصية الله لآدم، ولا يعترفون بضلوع الشيطان في الغواية ولا كونه كان سببا في خروجه من الجنة. والذي يتدبر في سياق قصة آدم كما جاءت في أعداد الإصحاح الثاني والثالث من سفر التكوين يبدو له أن الله قد كذب عن آدم وحواء، وأن الحية (إبليس) كان أصدق من الله. وإسناد الشر إلى الحية حيلة من الحيل التوراتية هدفها تبرئة الشيطان من قصة الغواية ونفي صلته بخروج آدم وحواء من الجنة حسب ما جاء في هذا النص التوراتي: (وَكَانَتِ الْحَيَّةُ أَحْيَلَ جَمِيعِ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ الَّتِي عَمِلَهَا الرَّبُّ الإِلهُ، فَقَالَتْ لِلْمَرْأَةِ: أَحَقًّا قَالَ اللهُ لاَ تَأْكُلاَ مِنْ كُلِّ شَجَرِ الْجَنَّةِ؟ فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ لِلْحَيَّةِ: مِنْ ثَمَرِ شَجَرِ الْجَنَّةِ نَأْكُلُ، وَأَمَّا ثَمَرُ الشَّجَرَةِ الَّتِي فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ، فَقَالَ اللهُ: لاَ تَأْكُلاَ مِنْهُ وَلاَ تَمَسَّاهُ لِئَلاَّ تَمُوتَا. فَقَالَتِ الْحَيَّةُ لِلْمَرْأَةِ: لَنْ تَمُوتَا! بَلِ اللهُ عَالِمٌ أَنَّهُ يَوْمَ تَأْكُلاَنِ مِنْهُ تَنْفَتِحُ أَعْيُنُكُمَا وَتَكُونَانِ كَاللهِ عَارِفَيْنِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ).

إن سر الأسرار لاستعظام اليهود على غيرهم تكمن في هذه الفلسفات السحرية التي يسلطون بها التوابع على أعدائهم البشر. وما رؤية الحية في المنام إلا شيطان مسلط يتبع صاحبه بالغواية والتضليل، وفي اعتقادهم كلما كان حجم الحية كبيرا كان شرها أكبر، على سبيل المشابهة بين الضرر والحجم حتى وصل حجمها في أساطيرهم إلى حجم ما يسمى ب (التنين)، وليس لليهود اعتقادا غير هذا الاعتقاد. ولا يوجد في التوراة الأولى ما يشير إلى أن الغواية كانت من تدبير الشيطان، بل لا يوجد في دينهم ما يدعوهم إلى إسناد الشر إليه وحده، فكما أنهم نسبوا الشر إليه نسبوا كذلك فعله إلى الله، ففي المرة التي ورد فيها ذكر اسم الشيطان بصيغة العلم اسندوا إليه إغراء داود بإحصاء الشعب اليهودي كما جاء في أعداد الإصحاح الحادي والعشرين من سفر الأيام الأول (الأسفار التاريخية): ووقف الشيطان ضد إسرائيل وأغوى داود ليحصى إسرائيل فقال: داود ليوآب ولرؤساء الشعب: اذهبوا عدوا إسرائيل من بئر سبع إلى دان، وآتوا إلي فاعلم عددهم.

ولهذا لم يجد الفلاسفة الدينيون اليهود الأوائل ما يدعوهم إلى إسناد الشر والفساد إليه، لأنه لم يذكر قط في أي كتاب من كتبهم قبل عصر المنفى إلى أرض بابل سنة 586 قبل الميلاد. ثم جاء ذكره بعد هذا العصر في بعض كتبهم على الوصف لا على التسمية، بمعنى المقاوم والمعترض والخصم، ولم يذكر بصيغة العلم إلا في الإصحاح السالف الذكر، والإصحاح الأول من سفر أيوب على هذا النحو: " وكان ذات يوم أنه جاء بنو الله ( الملائكة) ليمثلوا أمام الرب وجاء الشيطان أيضا في وسطهم فقال الرب للشيطان: من أين جئت ؟ فأجاب الشيطان الرب وقال: من الجولان في الأرض ومن التمشي فيها، فقال الرب للشيطان: هل جعلت قلبك على عبدي أيوب؟ إنه ليس مثله في الأرض..". وهكذا تصور التوراة الشيطان على أنه الكائن الذي لا يخضع لسلطان الله في الأرض.

angel eyes June 27, 2010 07:08 PM

رد: فلسفة التحليل النفسي
 
مشكور على المقال


الساعة الآن 01:20 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر