الموضوع: طلب كتاب
عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم March 27, 2009, 10:02 AM
 
رد: طلب كتاب





القصة مع انها قديمة لا تتواجد الكترونيا مع الاسف ...

ربما يسعفنا الاخ والاستاذ / ابو عبدالله

وتكون متواجده في مكتبته الخاصة ...




في العدد الحادي عشر، تشرين الثاني 1962، من مجلة اتحاد الكتاب السوفيات الشهرية، "نوفي مير"، تجرأ رئيس التحرير، ألكسندر تفاردوفسكي وهو يومها أحد أعيان المناصب الثقافيين، على نشر قصة كاتب مغمور، ألكسندر سولجنتسين، في الرابعة والأربعين من العمر، يدرس الفيزياء في إحدى مدارس ريازان، الى الجنوب الشرقي من موسكو والى الشرق من تولا، في قلب روسيا وسهولها وسهوبها. ووسم الكاتب قصته، على ما سماها ـ ولم يسمها "رواية"، وأقام على الاسم في أعماله القصصية التالية ـ وسمها بـ "يوم (من أيام أو حياة) إيفان دينيسوفيتش"، وإيفان أو فانيا دينيسوفيتش (ابن دينيس)، وهو في القصة أو معظمها شوخوف وفي أحيان قليلة إيفان دينيسيتش، معتقل في معتقل أو معسكر كاراغاندا بسيبيريا، على ما كان سولجنتسين نفسه. وقبل كاراغندا كان في أوست ـ إيجما، وهو معسكر آخر، مختلط، لا يقتصر على السياسيين، وتمزج فيه الإدارة السياسيين بالمجرمين أو المدانين العاديين. وفي عام 1951 كان قضى في الاعتقال ثمانية أعوام تامة، وبقي عامان من مدة محكوميته، أو "تعرفته" على قول شوخوف، فيتم ثلاثة آلاف وستمئة وثلاثة وخمسين يوماً، على ما يحصي في الأسطر الأربعة والأخيرة من القصة الأولى. ويستدرك: "والثلاثة الزائدة مردها الى السنوات الكبيس".
اليقين والقبر
والكاتب، صاحب "يوم (من أيام) إيفان دينيسوفيتش"، قضى 8 أعوام في المعتقلات المتفرقة. وأخلي في 1953، عام وفاة جوزيف ستالين، الى عشرات الآلاف من زملائه وأقرانه. ولكن المعتقل العائد الى الحرية، شأن السياسيين من أمثاله أو المدانين بتهمة سياسية، نفي الى بلدة في كازاخستان، على ما هي حال افكينغ كوستوغلوتوف، أحد المصابين في "جناح السرطان" (1966ـ 1967، "قصة"سولجنتسين الطويلة والأخيرة قبل منفاه أو منافيه خارج روسيا والاتحاد السوفياتي في خاتمة العقد. فالسياسيون المدانون لا يردهم قضاؤهم مدة اعتقالهم كاملة الى الحياة المدنية العادية، ولا يرد إليهم أهليتهم المدنية و "كرامتهم". فهم إذا أدوا "تعرفتهم"، وهذا بعد أن كانت، الى 1948، عشرة أعوام، بلغت 25 عاماً بعد 1948.
وأصيب الكاتب، في بلدة المنفى الكازاخية، بالسرطان. ولكن سولجنتسين غالب المرض الخبيث وغلبه هو لم يبلغ الأربعين. وقدر له بعدها أن يعمر الى التسعين إلا شهوراً قليلة. فبقي من "انتصاره" على المرض، على قول قاله هو على نحو مقالة المرء لنفسه وردده رواة الأخبار و "الباباراتزي" (صحافيو النجوم والفضائح) وحملوه على التنبؤ والادعاء، بقي يقين متين بأن خلاصه من المرض إنما هو لأمر ندب إليه، ولا يملك هو أن يعود فيه أو يتخلى عنه. فلم يشك الرجل يوماً في عودته الى بلده الحر حراً. وهو قضى نحو ربع قرن في المنافي، وكانت الأعوام العشرة الأولى (1970ـ1980) أيام سَعْد الاتحاد السوفياتي وتوسعه بآسيا (فيتنام، 1972، وأفغانستان، 1978) وأفريقيا (أثيوبيا وأنغولا، 1976) ومده نفوذه في الشرق الأوسط وبعض أوروبا نفسها (البرتغال، 1974 ـ 1976). فلم تفل الانتصارات السوفياتية عزيمة الناجي من السرطان. فكتب الى مؤتمر اتحاد الكتّاب السوفيات الرابع، في أيار 1967، غداة مصادرة السلطات مخطوطة الجزء الأول من "جناح السرطان"، وامتناع ثلاث دوريات أدبية من نشره، خطاباً في الرقابة. ودعا السلطات والكتّاب جميعاً الى إلغاء الرقابة على الأدب والكتابة والرأي، على صور الرقابة ووجوهها كلها.
وكان للدعوة هذه، في موسكو والولايات السوفياتية الأخرى، معنى قد يفوت من لا يعلم أن الرقابة الحزبية والأيديولوجية والبوليسية لم تكن تقتصر على ما ينشر ويطبع ويقال اليوم، بل تتعدى اليوم، وشؤونه، الى الأمس القريب والبعيد، والى التراث الروسي والأوروبي كله. وتطلق يد الرقيب، وهو أجهزة عنكبوتية لا تحصى أذرعها ومقصاتها ومفاصلها، في أعمال الماضي، وفي أعمال الآتي التي تنتظر الولادة والنور. فتصدى الكاتب الروسي "الجديد" للرقابة وأجهزتها وفلسفتها أو فكرتها على نحو عُرف به من بعد، ولم توهنه الأعوام، ولا أوهنه تقادمها ومضيها: "يسعني القول، مطمئناً ورابط الجأش، أنني قائم بما يترتب على مهمة الكاتب وعمله في الأوقات والظروف كلها، لا أستثني منها القبر. ففعلي، إذ ذاك، يكون أقوى وأمضى من فعلي حياً. وليس في مستطاع أحد أن يعترض مسالك الحقيقة. وأنا أرضى الموت نفسه في سبيل ظهور الحقيقة. وقد تنبهنا أمثولات لا تحصى، أخيراً، الى ألا نطبق على قلم كاتب لا يزال على قيد الحياة".
والحق أن انقضاء نيف وأربعين عاماً على كتابة الكتاب هذا، أو الرسالة، وتغير الأحوال وتقضي الزمن، ومحوه الصروح والآيات "العظيمة" والباهرة (أين "القبور" من عهود بريجنيف وسوسلوف وبونوماريف وقادة الكي جي بي الذين تولى بعضهم مثل أندروبوف الأحكام؟)، لم تنزع من كلمات صاحب "يوم (من أيام) إيفان دينيسوفيتش" و "بيت ماتريونا" و "جناح السرطان" (وهي، يومها، الى "حادثة في محطة كريتشيتوفكا" و "في سبيل القضية"، أعمال سولجنتسين كلها وكانت ذريعة لجنة جائزة نوبل السويدية الى منح الكاتب الروسي جائزتها في 1970)، لم تنزع منها قوة الوعيد والنذير ولا سند الزمن المديد الذي يصدر الوعيد والنذير عنه. فصاحب الكلمات القوية والواثقة هذه لا يجهر رأياً أو ظناً، فيعود في هذا أو ذاك، و "يجري نقداً ذاتياً"، على ما كانت أجهزة الأحزاب الشيوعية المسفيته والمليننننة (من لينين وشروطه) تقول، ويعفو عما مضى وقال. فرأي أو ظن أو قول مثل هذا، يرجع فيه صاحبه ويصححه، لا سند له من صاحبه، ولا من "حياة" صاحبه، على قول شولوبين، الشيوعي القديم والموشك على الموت كمداً وإنكاراً وداعية "اشتراكية أخلاقية" في محاورته كوستو غلوتوف في الجزء الثاني من "جناح السرطان". وقد يصح في مقالة سولجنتسين ما قاله كيركيغارد في ديكارت، وفي دليل التفكر ("أنا أفكر") على الكون ("أنا موجود"): لو كان صاحب دعوى التفكر أو الفكر، والمتصدي للدعوى، غير ديكارت، وهو قوة حجته في نفسه ومن نفسه، لما كان للدعوى من القوة والرجحان ما لها. ولو لم تتردد في جنبات كلمات الكاتب الروسي الناجي من السرطان، والحقيقة من 8 أعوام في معتقلات الأشغال الشاقة، والمقاتل 4 سنوات (1941ـ 1945) جندياً ثم نقيب مدفعية على جبهات لينينغراد وأوريل وبيلاروسيا وبروسيا الشرقية ـ لو لم تتردد في كلماته أصداء "حياته" هذه ويقينها، و "حياة" من شاركوه اختباراته وشاركهم اختباراتهم ويقينهم، لذهبت الأصداء هذه هباء و "رجعاً"، على قول لوركا في حوافر الخيل الرائحة الى اشبيلية.
ورد معلقون وشراح كثيرون يقين سولجنتسين، وقوة مخاطبته وكلامه الحكام والطغاة و "أصنام الكهف" ـ على قول شولوبين إياه مستعيراً من فرنسيس بيكون وتعليله التصديق والإذعان بالخوف من الحرية والاختبار ـ الى إيمانه المسيحي الراسخ و "الأعمى"، إيمان "الموجيك: (الفلاح) الروسي المطبق. وقد يميل الرأي الى مثل التعليل هذا. فالكاتب حسب أن وضعه حياته ومماته، فرداً عاري اليدين وحاسر الرأس، في كفة ميزان واحد نظير كفة أخرى فيها "أبطال" الحرب العالمية الثانية، ووارثو انتصارات ستالينغراد وكورسك، وفاتحو شرق أوروبا الى نهري أودير ونايس، والمدججون بآلاف الرؤوس النووية والهيدروجينية والصواريخ العابرة للقارات، حسب الكاتب أن فعله هذا ليس عقيماً ولا أقطع من غير ذرية. ومن يصنع هذا، ويصدق صنيعه، لا بد أن يكون به مس من "شيطان" الإيمان الفلاحي. فكيف الحال وهو يزعم البحث عن "الصديقين". وعن البسطاء، ملح الأرض والأبدال ودعائم العرش الذين يمسك بهم الله الأرض والسماء أن تسوخا، على قول محدثي الإمامية من قراء الكتب القديمة وفيها كتب بني إسرائيل والنصارى والصابئة.
شعب "الأرخبيل"
ومن إيمان سولجنتسين الفلاحي الموجيكي، والغيبي والقومي الروسي والأرضي الطيني، خلص حرسيو اللجان المركزية، وشرطة "أجهزة الدولة الأيديولوجية"، والتقدميون في أرجاء الخراب النامي (والأرجاء "العربية" من ولايات في الصدارة)، الى رجعيته. وحملوا نبؤاته على أسربة الهذيان والهاذي. وماشى الحكواتي والمسخراتي العظيم، اللابس جلد المولود في روستو على نهر الدون والحال في إهابه، التهمة هذه. وبالغ في المماشاة والمحاكاة. وأسلمته حكايات المعتقلات والكولوخوزات والمصحات "الصغيرة" والمتواضعة الى جداريات أدبية وتاريخية "استقصائية" عريضة عرض التاريخ الروسي المحموم، وشقائه واضطراباته وفتنه. فكتب "أرخبيل الغولاغ" (إدارة المعتقلات المركزية، بحسب تعريف المترجم عابراً اللفظة في إحدى صفحات "يوم..." التي تصف رئيس رهط إيفان، تيورين، بـ "ابن الغولاغ الصريح") في 1974، في ألف وثلاثمئة صفحة.
وأدخل شوخوف، إيفان ابن دينيس، وتيورين، وأليوشكا المعمداني الأوكراني، وقيصر، والقطان، والمولدافي، واللاتفيين، والتتاري، و "الأعرج" اللئيم، و "الأصم" النبيه سينكا كليفشين، وفيتيوكوف الخاسر، وكوليا فدوفيشكين الممرض، وفولكوفوي الضابط الآمر، وكيلغاس وغوبتشيك، وغيرهم كثير من الرهط 104، أدخلهم سولجنتسين، وعشرات غيرهم ممن ملأ بهم سيرتي الكولخوز والمصح، في "شعب" الأرخبيل المترامي. وهو مثَّل على هذا "الشعب"، ومادته ورعاياه هم "لزيك" أي المعتقل العادي و "القاعدي"، بنحو ثلاثمئة معتقل آخر، من جزر الأرخبيل و "طبقاته" (بحسب الأوقات والخبرة)، تقصى الكاتب أخبارهم وسيرهم، وأدرجهم سواقي وروافد وأذرعاً في نهر الشقاء الروسي العظيم والعريض. فرفع من السير والأخبار والتراجم صرحاً عالياً أخرج الى الضوء الحاد والساطع أركان الكرملين، وديكتاتورية البروليتاريا، وقيادة الطبقة العاملة، و "علم" التاريخ المادي والديالكتيكي، والأممية.
فإذا بالأركان هذه تكاد تقتصر على مخفر اللوبيانكا، مقر الجهاز الأمني المركزي، ودماغ الأرخبيل. ولحمة اللوبيانكا وسداها هما (أو هي) ما لم ينفك سولجنتسين في أعماله كلها عن مسألته، والإلحاح فيها. وهو ـ على ما لاحظ كلود لوفور في أفضل تعليقة كتبت ربما على "تقصي" سولجنتسين "الأدبي" (على ما وسم "أرخبيله") ـ العلة في إرادة العبودية، والإذعان لسلطان واحد. فكتب الطود الروسي، في "الأرخبيل" وفي "عقد" "آب 14" ـ كناية عن الشهر الذي اندلعت فيه الحرب الأولى الكونية وأرهص بالحوادث التي أدت الى ثورة روسيا الأولى والديموقراطية في شباط 1917 وهي شاغل الكاتب المؤرخ _ كتب "نقضاً على الواحد"، على ما وسم الكاتب الفرنسي الشاب وصديق ميشال دو مونتاني، اتيين دولا بوويسي، رسالته في إرادة العبودية (1546 ـ 1554).
فاهتز صنم "الواحد" السوفياتي، أو اضطرب. وكان العام 1974، عام نشر "أرخبيل الغولاغ" بالروسية وبلغات كثيرة نقل إليها (ولم تدر به العربية الى اليوم)، معلماً في الطريق الى تآكل السلطان السوفياتي الشيوعي، من غير مبالغة ولا افتعال. واستبق سولجنتسين صنفاً من الرجال نسب الى الشقاق، أو "الانشقاق" (وهي لغة في الشقاق والمشاقة والتقوض والخروج)، وعرف بالمنشقين. ومن أعلامهم، فيما بعد، فاتسلاف هافل التشيكي، وساخاروف، العالم النووي الروسي، وليش فاليسا (ليخ فاونسا) البولندي على نحو آخر، وعشرات غيرهم. وهذا الصنف الذي ابتكره سولجنتسين، على وجه أو آخر، يجمع من غير جامع واحد (على قول شولوبين) أفراداً ينهضون من غير عشيرة ولا عصبية، على قول ابن خلدون ساخراً، ويخرجون على السلطان الفرعوني وليس بيدهم مقلاع داود.
وهم لا يخرجون طلباً لملك "يحاولونه" (امرؤ القيس المنحول)، بل مندوبين من تلقائهم الى كلمة حق و "حياة". وتوالى خروج مثل هؤلاء في روسيا نفسها، وفي أطرافها المجرية والبولندية والتشيكية والألمانية والرومانية والبلغارية. واتفق الخروج هذا مع مفاوضات هلسينكي على معاهدة أمن وتعاون بأوروبا وقعت في 1976، وآذنت بانحسار المهابة المعنوية والأخلاقية "الاشتراكية". فاقتصرت هذه، من بعد، على الدبابات وطواقمها. وفي الأثناء، خرجت من أنقاض الاستبداد وشقوقه أصوات كثيرة كانت اللوبيانكا السوفياتية، ووكالاتها في العواصم، تشد على أعناق أصحابها وحناجرهم وأقلامهم وتخنقها. ورفدت أصوات الكتاب والناشطين والمثقفين "البورجوازيين" (وهذه نظير "الأميركان" و"الصهاينة" في أدب حرسيينا) حركات نقابية، بعضها عمالي وبروليتاري صميم. و"التضامن" في غدانسك ببولندا المثال الأقوى والأوضح على الحركات هذه. وربما كان الخروج على هذه الصورة، أي خروج أفراد، من غير سلاح ولا لحمة ولا سند ولا تهيب، في طلب كلمة حق وحياة وروح، سولجنتسينياً، مهما كان رأي ألكسندر سولجنتسين في ليبرالية بعض الحركات هذه، أو في اقتفائها المثال الغربي السياسي "التعددي" والاقتصادي الاستهلاكي "الركيك".
وهو نعى على المثال هذا قصوره عن جبه عودة "لأصنام" وانبعاثها. ونعى عليه ميله الى مهادنة الاستبداد. فكان صاحب "بيت ماتريونا"، الوديعة، والنفس الزكية التي قتلها أهلها، حليف الرئيس الأميركي المحارب رونالد ريغان، خصم "امبراطورية الشر" السوفياتية. وكان حليف نيكسون، الرئيس الأميركي الآخر، على دعاة انسحاب مبكر من فيتنام، وعلى أنصار سياسة أميركية خارجية لا تأخذ الحركات القومية المسلحة بظنة الشيوعية وتهمتها وجريرتها. وحين تداعت الشيوعية في روسيا، وفتح تداعيها باب "سجن الشعوب"، على ما سميت السلطنة الحمراء، وخرجت شعوب جارة من السجن، وبعضها مثل الشعب الأوكراني كان توأم الروس منذ قرون طويلة ومصدر بعض أعظم رجالاتهم، أصاب سولجنتسين حزن عميق. ولم يعزه مآل الأمر الى يلتسين، وأوليغارشية "الحيتان"، وقراصنة القطاع العام، ورجال المال والتجار. فأيقظ هذا نعرة على بعض هؤلاء، وفيهم يهود. فكتب صاحب "يوم..." و "جناح السرطان" و "أرخبيل الغولاغ"، ومعتقلاته، وهي شأن مصحه، تعج باليهود الضحايا، كتاباً في جزئين، أرخ فيه لليهود بين ظهراني الروس، هو آخر كتبه الكبيرة أو من أواخرها. وعندما خلف بوتين يلتسين حيا الكاتب الخلف الملتبس.



__________________