عرض مشاركة واحدة
  #53  
قديم January 25, 2009, 09:17 PM
 
رد: رواية ( ذاكرة الجسد ) .رواية رائعة للكاتبه أحلام مستغانمي ...كاملة !!





كم من مرة قرأت هذا المقطع. بأحاسيس جديدة كل مرة، بشكٍّ جديد كل مرة، وتساءلت بعجز من لا يحترف الشعر.. أين ينتهي الخيال.. وأين يبدأ الواقع؟
أين يقع الحد الفاصل بين الرمز والحقيقة؟
كانت كل جملة تلغي التي سبقتها. وكانت المرأة هنا جسداً ملتحماً بالأرض إلى حد لم يعد فيه الفصل أو التمييز بينهما ممكناً.
ولكن كانت هناك كلمات لا تخطئ بواقعيتها وبشهوتها المفضوحة:
"مرري على جسدي شفتيك"
"أشعليني أيا امرأة من لهب"
"تقربنا شهوة للجسد"
"توحدت فيك"
أكانت الثورة إذن حشواً من الكلمات لا أكثر برّأ بها زياد نفسه؟
كان يفضّل أن يهزمه الموت ولا تهزمه امرأة. قضيّة كبرياء.. مراوغة شخصية.. "أميرة موتي.. تعالي..".
ها هو الموت جاء أخيراً. وأنت تراك جئت في ذلك اليوم؟
هل انفرد بك حقاً.. أمرّرت على جسده شفتيك.. أأشعلته.. أتوحّد فيك.. وهل..؟
من الأرجح أن يكون ذلك قد حصل. فتاريخ هذه القصيدة يصادف تاريخ سفري إلى إسبانيا.
كان القلب قد بدأ يطفح بعاطفة غريبة لا علاقة لها بالغيرة.
نحن لا نشعر بالغيرة من الموات.. ولكننا لا يمكن أن نغيّر طعم المرارة في هذه الحالات.
فهل أمنع عيني اللتين يستوقفهما اللون الأحمر، من أن تقرأ هذه الخاطرة.. دون دموع.
"لم يبق من العمر الكثير
أيتها الواقفة في مفترق الأضداد
أدري..
ستكونين خطيئتي الأخيرة
أسألك.
حتى متى سأبقى خطيئتك الأولى
لك متّسع لأكثر من بداية
وقصيرة كل النهايات.
إني أنتهي الآن فيك
فمن يعطي للعمر عمراً يصلح لأكثر من نهاية!"
تستوقفني بعض الكلمات، وتستدرجني إلى الذهول..
ويأخذ الحبر الأحمر فجأة لوناً شبيهاً بدم وردي خجول يتدحرج على ورق.. ليصبح لون "خطيئتك الأولى..".
فأسرع بإغلاق تلك المفكرة وكأنني أخاف إن أنا واصلت قلب الصفحات، أن أفاجئكما في وضعٍ لم أتوقعه!
يحضرني كلام قاله زياد مرة في زمن بعيد.. بعيد.
قال: "أنا أكنّ احترماً كبيراً لآدم، لأنه يوم قرر أن يذوق التفاحة لم يكتف بقضمها، وإنما أكلها كلّها. ربما كان يدري أنه ليس هناك من أنصاف خطايا ولا أنصاف ملذّات.. ولذلك لا يوجد مكان ثالث بين الجنة والنار. وعلينا _تفادياً للحسابات الخاطئة_ أن ندخل إحداهما بجدارة!"
كنت آنذاك معجباً بفلسفة زياد في الحياة. فما الذي يؤلمني اليوم في أفكار شاطرته إياها؟
ترى كونه سرق تفاحته هذه المرة من حديقتي السرية؟ أم كونه راح يقضمها أمامي.. بشهية من حسم اختياره وارتاح؟
"لا تملك الأشجار إلا
أن تمارس الحب واقفة أيضاً
يا نخلة عشقي.. قفي
وحدي حملت حداد الغابات التي
أحرقوها
ليرغموا الشجر على الركوع
"واقفة تموت الأشجار"
تعالي للوقوف معي
أريد أن أشيّع فيك رجولتي
إلى مثواها الأخير.."
فجأة بدأت أشعر بحماقة فتح تلك المفكرة.
أتعبتني تأويلاتي الشخصية لكل كلمة أصادفها.
وبدأت أشعر بالندم. فأنا برغم كل شيء لا أريد أن أكره زياد اليوم. لا أستطيع ذلك.
لقد منحه الموت حصانة ضد كراهيتي وغيرتي. وها أنا صغير أمامه وأمام موته.
ها أنا لا أملك شيئاً لإدانته، سوى كلماته القابلة لأكثر من تأويل. فلماذا أصرّ على تأويلها الأسوأ؟
لماذا أطارده بكل هذه الشبهات، وأنا أدري أنه شاعر يحترف الاغتصاب اللغوي، نكاية في العالم الذي لم يخلق على قياسه، بل ربما خلق على حسابه. فهل أطلق النار عليه بتهمة الكلمات؟
لقد ولد هكذا واقفاً.. ولا قدر له سوى قدر الأشجار. فهل أحاسبه حتى على طريقة موته.. وعلى طريقة حبّه؟
وأذكر الآن أنني عرفته واقفاً.
أذكر ذلك اليوم الذي زارني فيه في مكتبي لأول مرة، عندما أبديت له بعض ملاحظاتي عن ديوانه، وطلبت منه أن يحذف بعض القصائد.
أذكر صمته، ثم نظرته التي توقفت بعض الوقت عند ذراعي المبتورة، قبل أن يقول تلك الجملة التي كانت بعد ذلك سبباً في تغيير مجرى حياتي. قال لي: "لا تبتر قصائدي..سيدي، ردّ لي ديواني. سأطبعه في بيروت.."
لماذا قبلت إهانته يومها، دون رد؟ لماذا لم أصفعه بيدي الثانية غير المبتورة وأرمي له بمخطوطه؟
ألأنني احترمت فيه شجاعة الأشجار ووحدتها، في زمن كانت فيه الأقلام سنابل تنحني أمام أول ريح؟
واقفاً عرفت زياد.. وواقفاً غادرني.



drawFrame()






أما مخطوط تركني كأول مرة. ولكن دون أيّ تعليق هذه المرة.
لقد أصبح بيننا _منذ ذلك الحين_ تواطؤ الغابات... واليوم صمتها.
فجأة استيقظت داخلي بقايا مهنة سابقة. ورحت أقلّب ذلك الدفتر وأعدّ صفحاته وأتصفحها بعيني ناشر. وإذ بحماس مفاجئ يدبّ في قلبي ويغطّي على بقية الأحاسيس. وقرار جنوني يسكنني.
سأنشر هذه الكتابات في مجموعة شعرية، قد أسمّيها "الأشجار" أو "مسودات رجل أحبك".. أو عنواناً آخر قد أعثر عليه أثناء ذلك.
المهم.. أن تصدر هذه الخواطر الأخيرة لزياد. أن أمنحه عمراً آخر لا صيف فيه.. فهكذا ينتقم الشعراء دائماً من القدر الذي يطاردهم كما يطارد الصيف الفراشات..
إنهم يتحوّلون إلى دواوين شعر. فمن يقتل الكلمات؟
***
أنقذني دفتر زياد من اليأس دون أن أدري..
منحني مشاريع لأيام كانت فارغة من أي مشروع. فقد حدث في تلك الأيام أن قضيت ساعات بأكملها وأنا أنسخ قصيدة، أو أبحث عن عنوان لأخرى، وأحاول ترتيب فوضى تلك الخواطر والمقاطع المبعثرة، لوضعها في سياق صالحٍ للنشر.
كنت أشعر بلذّة ومرارة معاً..
لذّة الانحياز للفراشات، وبعث الحياة في كلماتٍ وحدي أملك حق وأدها في مفكرة، أو منحها الخلود في كتاب.
ومرارة أخرى..
مرارة التنقيب في أوراق شاعر مات، والتجول في دورته الدموية، في نبضه وحزنه ونشوته، ودخول عالمه المغلق السري دون تصريح ولا رخصة منه، والتصرف نيابة عنه في الاختيار وفي الإضافة والحذف.
أحقاً كنت أملك صلاحية كهذه..؟ ومن يمكن أن يدّعي أنه لسبب أو لآخر موكّل بمهمة كهذه؟
ولكن من يجرؤ أيضاً على الحكم بالموت على كلمات الآخرين، ويقرر الاستحواذ عليها وحده؟
كنت أدري في أعماقي، أنه إذا كان لموت الشعراء والكتّاب نكهة حزن إضافية، تميزهم عن موت الآخرين، فربما تُعزى لكونهم وحدهم عندما يموتون يتركون على طاولتهم ككل المبدعين، رؤوس أقلام.. رؤوس أحلام، ومسودات أشياء لم تكتمل.
ولذا فإن موتهم يحرجنا.. بقدر ما يحزننا.
أما الناس العاديون، فهم يحملون أحلامهم وهمومهم ومشاعرهم فوقهم. إنهم يلبسونها كل يوم مع ابتسامتهم، وكآبتهم، وضحكتهم، وأحاديثهم، فتموت أسرارهم معهم.
في البدء، كان سر زياد يحرجني، قبل أن يستدرجني إلى البوح، وإذا بكتاباته تخلق عندي رغبة لا تقاوم للكتابة.
رغبة كانت تزداد في تلك المرات التي كنت أشعر أن كلماته لا تطال أعماقي، وأنها أقصر من جرحي. ربما لأنه كان يجهل النصف الآخر للقصة، تلك التي كنت أعرفها وحدي.
متى ولدت فكرة هذا الكتاب؟
ترى في تلك الفترة التي قضيتها محاصراً بإرث زياد الشعريّ، في ذلك اللقاء غير المتوقع لي مع الأدب والمخطوطات التي انفصلت عنها منذ انفصالي عن وظيفتي.. منذ عدة سنوات في الجزائر؟
أم في لقائي غير المتوقع الآخر، مع مدينة حجز لي القدر نفسه موعداً متأخراً معها؟
أكان يمكن لي أن أجد نفسي وجهاً لوجه مع قسنطينة، دون سابق إنذار، دون أن تنفجر داخلي الدهشة، شلالات شوق وجنون وخيبة..
فتجرفني الكلمات.. إلى حيث أنا!

أنتهي الفصل الرابع


وإلي فصل جديد من الراويه



__________________

&&&


أتمني ياعيوني أن تشعري بالفرحه
وأن تغمضي أهدابك
أتمني ياعيوني أن تمضي سنين العمر
ولا يمر العذاب بأعتااااابك
كفاكي بالله دمعا وشكوي تملئها السرااااب
أمضي ودعي الدمع وكفي ذكري لأحزانك

أفتحي حضنك وخديني
وجوة قلبك ضميني
نفسي أغمض مرة عيني
وألاقي دقاتك بتناديني
تعالي وضمي قلبي أكتر
ورجعيلي الحلم الأخضر

قلب مليان بالحب