عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم April 19, 2008, 11:19 PM
 
حكم بناء الكنائس والمعابد الشركيه في بلاد المسلمين

حكم بناء الكنائس والمعابد الشركية في بلاد المسلمين

تأليف

فضيلة الشيخ

إسماعيل بن محمد الأنصاري

تقريظ صاحب السماحة العلامة الجليل الأثري

الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز


يرحمه الله - آمين - لهذه الرسالة




بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين .

أما بعد ، فهذه الرسالة مهمة في حكم بناء الكنائس والمعابد الشركية في بلاد أهل الإسلام ، جمعها العلامة الشيخ إسماعيل بن محمد الأنصاري الباحث في رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد - جزاه الله خيرا وزاده علما وتوفيقا - ردا على ما نشرته بعض الجرائد المصرية في جواز إحداث الكنائس في البلاد الإسلامية .

وقد قرأت هذه الرسالة من أولها إلى آخرها فألفيتها رسالة قيمة ، قد ذكر فيها مؤلفها ما ورد في بناء الكنائس والبيع وسائر المعابد الكفرية من الأحاديث النبوية والآثار وكلام أهل العلم في المذاهب الأربعة ، وقد أجاد وأفاد وختمها برسالتين جليلتين عظيمتي الفائدة للإمام العلامة أبي العباس شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .

ولا ريب أن موضوع الرسالة مهم جدا ولا سيما في هذا العصر الذي كثر فيه اختلاط الكفار بالمسلمين ونشاط النصارى في بناء الكنائس في بعض البلاد الإسلامية ولا سيما بعض دول الجزيرة العربية .

وقد أجمع العلماء رحمهم الله على تحريم بناء الكنائس في البلاد الإسلامية ، وعلى وجوب هدمها إذا أُحدثت ، وعلى أن بناءها في الجزيرة العربية كنجد والحجاز وبلدان الخليج واليمن أشد إثما وأعظم جرما ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بإخراج اليهود والنصارى والمشركين من جزيرة العرب ، ونهى أن يجتمع فيها دينان ، وتبعه أصحابه في ذلك .

ولما استخلف عمر رضي الله عنه أجلى اليهود من خيبر عملا بهذه السنة ، ولأن الجزيرة العربية هي مهد الإسلام ومنطلق الدعاة إليه ومحل قبلة المسلمين فلا يجوز أن ينشأ فيها بيت لعبادة غير الله سبحانه كما لا يجوز أن يقر فيها من يعبد غيره .

ولما حصل من التساهل في هذا الأمر العظيم رأيت أن نشر هذه الرسالة مفيد جدا إن شاء الله ، بل من أهم المهمات ولهذا أمرت بطبعها ونشرها وتوزيعها على حساب رئاسة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد نصحا للأمة وبراءة للذمة ومساهمة في إنكار هذا المنكر العظيم والدعوة إلى إنكاره والتحذير منه ، وأسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يطهر بلاد المسلمين عموما والجزيرة العربية خصوصا من جميع المعابد الشركية ، وأن يوفق ولاة أمر المسلمين إلى إزالتها والقضاء عليها طاعة لله سبحانه وامتثالا لأمر رسوله عليه الصلاة والسلام وسيرا على منهج سلف الأمة وتحقيقا لما دعا إليه علماء الإسلام من إزالة الكنائس والمعابد الشركية المحدثة في بلاد المسلمين ، إنه جواد كريم .

وصلى الله وسلم على عبده ورسوله وأمينه على وحيه نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان .

أملاه الفقير إلى عفو ربه : عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الرحمن آل باز - الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد .

حرر في ليلة الخميس 25 / 10 / 1400 هجرية .




بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

وبعد : فقد نشرت جريدة الشرق في عددها الصادر في يومي الثلاثاء والأربعاء 13 - 14 / 2 / 1979 أن الدكتور صوفي أبا طالب رئيس مجلس الشعب المصري صرح في ندوة جماهيرية عقدت لبحث تطبيق الشريعة الإسلامية بأن من أهم الأسس الدالة على عظمة الإسلام وسموه التي يجب أن تقوم عليها العلاقة بين الأغلبية الإسلامية والأقليات المسيحية عند تطبيق الشريعة الإسلامية في الدول الإسلامية المختلفة ومن بينها مصر إطلاق حرية الأقليات في السماح لهم ببناء الكنائس .

وحيث إن إطلاق الحرية في ذلك لم يسوغه شرع قط بل جميع الشرائع متفقة على تحريم الكفر الذي يقتضي تحريم إنشاء مكان يكفر فيه بالله تعالى ، والكنيسة لا تتخذ إلا لذلك فقد تعقبنا رأيه ذلك بهذا الرد المرتب على ما يلي :

1 - بيان ما ورد من الأحاديث في منع ذلك .

2 - ذكر ما ورد من الآثار عن الصحابة في ذلك .

3 - إيراد نصوص المذاهب الأربعة في الموضوع .

4 - تقسيم البلاد التي تفرق فيها أهل الذمة والعهد وحكم الكنائس فيها .

5 - خاتمة في تحقيقات لشيخ الإسلام ابن تيمية في الموضوع تحتوي عليها رسالتان له .

والله أسأل التوفيق وهو حسبي ونعم الوكيل





بيان ما ورد في منع إحداث الكنائس في بلاد الإسلام من الأحاديث

وردت أحاديث في منع إحداث الكنائس في بلاد الإسلام نذكرها فيما يلي:

1- ما رواه أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حبان المعروف بأبي الشيخ في كتاب شروط الذمة ، قال : حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحارث ، ثنا سليمان بن داود أبو أيوب ، ثنا سعيد بن الحباب ، ثنا عبيد بن بشار ، عن أبي الزاهرية ، عن كثير بن مرة قال : سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تُحدثُوا كنيسة في الإسلام ولا تُجددوا ما ذَهَب منها . ومن طريق أبي الشيخ بهذا السند روى السبكي في فتوى له في منع ترميم الكنائس هذا الحديث في الباب الذي عقده للأحاديث الواردة في منع ذلك .

ثم قال :" هكذا في هذه الطريق عبيد بن بشار وأظنه تصحيفا ، فقد رواه أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ الجرجاني في كتابه ( الكامل ) في ترجمة سعيد بن سنان عن أبي الزاهرية عن كثير بن مرة قال : سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا نذر في معصية ، ولا يمين في معصية ، وكفارته كفارة يمين ، قال ابن عدي وبإسناده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تبنى كنيسة في الإسلام ولا يجدد ما خرب منها ثم قال السبكي : سعيد بن سنان ضعفه الأَكثرون ووثقه بعضهم ، وكان من صالحي أهل الشام وأفضلهم وهو من رجال ابن ماجه ، كنيته أبو المهدي ، وذكره عبد الحق في الأحكام " .

2 - ما رواه أبو داود في باب إخراج اليهود من جزيرة العرب من سننه وهو من أبواب كتاب الخراج والفيء والترمذي في كتاب الزكاة من جامعه .

وقال أبو داود ج 2 ص 148 ( مطبعة مصطفى البابي الحلبي الأولى ) : " حدثنا سليمان بن داود العتكي ، ثنا جرير ، عن قابوس بن أبي ظبيان ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تكون قبلتان في بلد واحد .

وقال الترمذي في : " باب ما جاء ليس على المسلمين جزية " حدثنا يحيى بن أكثم ، ثنا جرير ، عن قابوس بن أبي ظبيان ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تصلح قبلتان في أرض واحدة وليس على المسلمين جزية قال : وحدثنا أبو كريب ، أخبرنا جرير ، عن قابوس بهذا الإسناد نحوه ، وفي الباب عن سعيد بن زيد وجد حرب بن عبيد الله الثقفي قال أبو عيسى : حديث ابن عباس قد روي عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا " اه . كلام الترمذي .

قال السبكي في فتوى له في منع ترميم الكنائس ، وهي ضمن الجزء الثاني من فتاويه ، قال ( ص 374 - 375 ) : " وهذا الحديث قد اختلف في إسناده وإرساله ، فرواه العتكي وأبو كريب عن جرير عن قابوس كما رأيت ، ورويناه مقتصرا على الفصل الثاني من شقيه ، وهو قوله : ليس على مسلم جزية في كتاب الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلّام الذي سمعناه على شيخنا الدمياطي بسماعه من ابن الجميزي ، قال أبو عبيد ، ثنا مصعب بن المقدام ، عن سفيان بن سعيد ، عن قابوس ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا . وجرير وإن كان ثقة لكن سفيان أجل منه ، فعلى طريقة المحدثين المرسل أصح ، وعلى طريقة بعض الفقهاء في المسند زيادة ، وقد ذكر الترمذي الخلاف في إسناده وإرساله ، وقابوس فيه لين مع توثيق بعضهم له ، وكان يحيى بن سعيد يحدث عنه ، ويحيى لا يحدث إلا عن ثقة ، وفي القلب منه شيء ولا يتبين لي قيام الحجة به وحده ، وعدت الشيخ نور الدين البكري في مرضه فسألني عن هذا الحديث وقال : ما بقي إلا تصحيحه ، وأفتى بهدم الكنائس وبإجلاء اليهود والنصارى " اه المراد من كلام السبكي .

وقد ذكر شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية في فتوى له ، في الكنائس ذكرها ابن القيم في كتاب أحكام أهل الذمة ( 2 685 ) ذكر أن حديث : لا تكونُ قبلتانِ في بلدٍ واحد رواه أحمد وأبو داود بإسناد جيد ، وجزم بأن شرط عمر في شروطه المشهورة أن لا يجددوا في مدائن الإسلام ولا فيما حولها كنيسة ولا صومعة ولا ديرا ولا قلاية ؛ امتثال من عمر لهذا الحديث لا تكون قبلتان في بلد واحد .

3 - ما رواه أبو داود في " باب الإقامة بأرض الشرك " من سننه قال ( 2 84 ) قال : " حدثنا محمد بن داود بن سفيان ، ثنا يحيى بن حسان قال : أخبرنا سليمان بن موسى أبو داود قال : ثنا جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب قال : حدثني خبيب بن سليمان ، عن أبيه سليمان بن سمرة ، عن سمرة بن جندب : أما بعد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله . قال السبكي في فتواه في منع ترميم الكنائس ص 375 من الجزء الثاني من فتاوى السبكي قال : " لم يروه من أصحاب الكتب الستة إلا أبو داود ، وبوَّب له " باب الإقامة في أرض الشرك " ، وليس في سنده ضعف ، فهو حديث حسن ، ثم ذكر السبكي أن أبا الشيخ قال : " حدثنا إسحاق بن بيان الواسطي ، ثنا فضل بن سهل ، ثنا مضر بن عطاء الواسطي ، ثنا همام ، عن قتادة ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تُسَاكِنُوا المشركينَ ولا تُجَامِعُوهم ، فَمنْ سَاكَنَهُم أو جامعهم فَهو مِثلُهم ، وذكر السبكي أن هذا الحديث هو معنى الحديث الأول ، وأن الكتابي يسمى مشركا ، فالحديث على ذلك يشمله عنده فيستدل به على تحريم مساكنته ، ثم قال : " والمساكنة إن أخذت مطلقة في البلد يلزم أن لا يكون لهم في تلك البلد كنيسة ؛ لأن الكنيسة إنما تبقى لهم بالشرط إذا كانوا فيها " اه .

4 - ما رواه مالك في " ما جاء في إجلاء اليهود من المدينة " ، من الموطأ عن إسماعيل بن أبي حكيم أنه سمع عمر بن عبد العزيز يقول : " كان من آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال : قاتل الله اليهود والنصارى ، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد لا يبقين دينان بأرض العرب . وروى مالك أيضا في ذلك الباب عن ابن شهاب : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يجتمع دينان بجزيرة العرب . قال مالك : قال ابن شهاب : ففحص عن ذلك عمر بن الخطاب حتى أتاه الثلج واليقين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يجتمع دينان في جزيرة العرب . فأجلى يهود خيبر .

قال مالك : " وقد أجلى عمر بن الخطاب يهود نجران وفدك . فأما يهود خيبر فخرجوا منها ليس لهم من الثمر ولا من الأرض شيء . وأما يهود فدك فكان لهم نصف الثمر ونصف الأرض ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان صالحهم على نصف الثمر ونصف الأرض فأقام لهم عمر نصف الثمر ونصف الأرض قيمة من ذهب وورق ، وإبل وحبال وأقتاب ، ثم أعطاهم القيمة ثم أجلاهم منها " اه .

ومرسل ابن شهاب الذي ورد في رواية مالك الأخيرة وصله صالح بن أبي الأخضر ، عن الزهري ، عن سعيد ، عن أبي هريرة . أخرجه إسحاق في مسنده ورواه عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، فذكره مرسلا . وزاد فقال عمر لليهود : " من كان منكم عنده عهد من رسول الله فليأت به وإلا فإني مجليكم " . ورواه أحمد في مسنده موصولا عن عائشة ولفظه عنها قالت : آخر ما عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يترك بجزيرة العرب دينان . أخرجه من طريق ابن إسحاق : حدثني صالح بن كيسان ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن عائشة . . أفاد جميع ذلك - أي ما ذكرناه في مرسل ابن شهاب الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه " تلخيص الحبير " .

وأما أرض العرب وجزيرة العرب الواردتان في روايتي الموطأ ، فقد قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر في الجزء الأول من " التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد " : وأما قوله : " أرض العرب " و " جزيرة العرب " في هذا الحديث ، فذكر ابن وهب عن مالك قال : أرض العرب مكة والمدينة واليمن . وذكر أبو عبيد القاسم بن سلام عن الأصمعي قال : جزيرة العرب من أقصى عدن أبين إلى ريف العراق في الطول ، وأما في العرض فمن جدة وما والاها من سائر البحر إلى أطراف الشام .

وقال أبو عبيد : جزيرة العرب ما بين حفر أبي موسى إلى أقصى اليمن في الطول ، وأما في العرض فمن بير يبرين إلى منقطع السماوة ، قال أبو عمر : أخبرنا بذلك كله أبو القاسم عبد الوارث بن سفيان وأبو عمر أحمد بن محمد بن أحمد ، قالا : حدثنا محمد بن عيسى وأخبرنا أبو القاسم بن عمر بن عبد الله قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن علي قال : حدثنا أحمد بن خالد ، قالا جميعا : حدثنا علي بن عبد العزيز عن أبي عبيد القاسم بن سلام في كتابه في شرح غريب الحديث ، وبجميع الشرح المذكور .

وقال يعقوب بن شيبة : حفر أبي موسى على منازل من البصرة في طريق مكة خمسة منازل أو ستة .

وقال أحمد بن المعذل : حدثني يعقوب بن محمد بن عيسى الزهري قال : قال مالك بن أنس : جزيرة العرب المدينة ومكة واليمامة واليمن . قال : وقال المغيرة بن عبد الرحمن : جزيرة العرب المدينة ومكة واليمن وقرياتها . وذكر الواقدي عن معاذ بن محمد الأنصاري أنه حدثه عن أبي وجزة يزيد بن عبيد السعدي أنه سمعه يقول : القرى العربية : الفرع وينبع والمروة ووادي القرى والجار وخيبر ، قال الواقدي : وكان أبو وجزة السعدي عالما بذلك ، قال أبو وجزة : وإنما سميت قرى عربية لأنها من بلاد العرب .

وقال أحمد بن المعذل : حدثني بشر بن عمر قال : قلت لمالك : إننا لنرجو أن تكون من جزيرة العرب - يريد البصرة - لأنه لا يحول بينكم وبيننا نهر ، فقال : ذلك أن كان قومك تبوءوا الدار والإيمان " قال أبو عمر رضي الله عنه : قال بعض أهل العلم : إنما سمي الحجاز لأنه حجز بين تهامة ونجد ، وإنما قيل لبلاد العرب جزيرة لإحاطة البحر والأنهار بها من أقطارها وأطرافها ، فصاروا فيها في مثل جزيرة من جزائر البحر " اه . ما في التمهيد عن أرض العرب وجزيرة العرب .

5 - ما رواه أحمد بن حنبل وأبو عبد القاسم بن سلام عن توبة بن نمر عمن أخبره : قال أحمد بن حنبل ، ثنا حماد بن خالد الخياط ، أخبرنا الليث بن سعد ، عن توبة بن نمر الحضرمي ( قاضي مصر ) عمن أخبره ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا خِصَاء في الإسلام ولا كنيسة .

وقال أبو عبيد في كتاب الأموال : " حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث بن سعد قال : حدثني توبة بن النمر الحضرمي قاضي مصر عمن أخبره قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا خصاء في الإسلام ولا كنيسة

قال أبو الحسن علي بن عبد الكافي السبكي في فتوى له في منع ترميم الكنائس في ج 2 من فتاوى السبكي ص 374 بعد إيراده هذا الحديث من طريقي الإمامين أحمد بن حنبل وأبي القاسم بن سلام : " استدلوا به على عدم إحداث الكنائس ، ولو قيل إنه شامل للإحداث والإبقاء لم يبعد ، ويخص منه ما كان بالشرط بدليل ويبقى ما عداه على مقتضى اللفظ ، وتقديره : لا كنيسة موجودة شرعا " اه .



ذكر ما ورد في إحداث الكنائس في بلاد الإسلام من الآثار :

ورد في منع إحداث الكنائس في أمصار المسلمين آثار نذكر منها ما يلي :

أولا : ما رواه أبو عبيد القاسم بن سلام في " كتاب الأموال " قال : " حدثني أبو الأسود عن أبي لهيعة يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الخير قال : قال عمر بن الخطاب : " لا كنيسة في الإسلام ولا خصاء " حدثني أحمد بن بكير عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عمر مثل ذلك ، ولم يذكر عن أبي الخير " اه .

ورواه علي بن عبد العزيز قال : " حدثنا أبو القاسم ، حدثني أبو الأسود ، عن ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الخير مرثد بن عبد الله اليزني قال : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " لا كنسية في الإسلام ولا خصاء " .

وقد ورد في الشروط المشهورة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " أن لا يجددوا في مدائن الإسلام ولا فيما حولها كنيسة ولا صومعة راهب ولا قلاية " . وفيما يلي نص تلك الشروط التي جاء فيها ذلك الشرط .

قال الخلال في كتاب " أحكام أهل الملل " : أخبرنا عبد الله بن أحمد ، حدثني أبو شرحبيل الحمصي عيسى بن خالد قال : حدثني عمر أبو اليمان وأبو المغيرة قالا : أخبرنا إسماعيل بن عياش قال : حدثنا غير واحد من أهل العلم قالوا : كتب أهل الجزيرة إلى عبد الرحمن بن غنم : " إنا حين قدمت بلادنا طلبنا إليك الأمان لأنفسنا وأهل ملتنا على أنا شرطنا على أنفسنا أن لا نحدث في مدينتنا كنيسة ولا فيما حولها ديرا ولا قلاية ولا صومعة راهب ولا نجدد ما خرب من كنائسنا ولا ما كان منها في خطط المسلمين ، وأن لا نمنع كنائسنا من المسلمين أن ينزلوها في الليل والنهار ، وأن نوسع أبوابها للمارة وابن السبيل ، ولا نؤوي فيها ولا في منازلنا جاسوسا ، وأن لا نكتم غشا للمسلمين ، وأن لا نضرب بنواقيسنا إلا ضربا خفيا في جوف كنائسنا ، ولا نظهر عليها صليبا ولا نرفع أصواتنا في الصلاة ولا القراءة في كنائسنا فيما يحضره المسلمون ، وأن لا نخرج صليبا ولا كتابا في سوق للمسلمين ، وأن لا نخرج باعوثا - قال : والباعوث يجتمعون كما يخرج المسلمون يوم الأضحى والفطر - ولا شعانين ، ولا نرفع أصواتنا مع موتانا ، ولا نظهر النيران معهم في أسواق المسلمين ، وأن لا نجاورهم بالخنازير ولا يبيع الخمور ، ولا نظهر شركا ولا نرغب في ديننا ولا ندعو إليه أحدا ، ولا نتخذ شيئا من الرقيق الذي جرت عليه سهام المسلمين ، وأن لا نمنع أحدا من أقربائنا أرادوا الدخول في الإسلام ، وأن نلزم زينا حيثما كنا ، وأن لا نتشبه بالمسلمين في لبس قلنسوة ولا عمامة ولا نعلين ولا فرق شعر ولا في مراكبهم ولا نتكلم بكلامهم ولا نكتني بكناهم ، وأن نجز مقادم رؤوسنا ولا نفرق نواصينا ونشد الزنانير على أوساطنا ، ولا ننقش خواتمنا بالعربية ، ولا نركب السروج ، ولا نتخذ شيئا من السلاح ولا نحمله ولا نتقلد السيوف ، وأن نوقر المسلمين في مجالسهم ونرشدهم الطريق ، ونقوم لهم عن المجالس إن أرادوا الجلوس ، ولا نطلع عليهم في منازلهم ، ولا نعلم أولادنا القرآن ، ولا يشارك أحد منا مسلما في تجارة إلا أن يكون إلى المسلم أمر التجارة ، وأن نضيف كل مسلم عابر سبيل ثلاثة أيام ونطعه من أوسط ما نجد . ضمنا لك ذلك على أنفسنا وذرارينا وأزواجنا ومساكيننا ، وإن نحن غيرنا أو خالفنا عما شرطنا على أنفسنا وقبلنا الأمان عليه فلا ذمة لنا وقد حل لك منا ما يحل من أهل المعاندة والشقاق " .

فكتب بذلك عبد الرحمن بن غنم إلى عمر بن الخطاب ، فكتب إليه عمر : " أن أمض لهم ما سألوا والحق فيهم حرفين اشترطهما عليهم مع ما شرطوا على أنفسهم : أن لا يشتروا من سبايانا ، ومن ضرب مسلما فقد خلع عهده " .

فأنفذ عبد الرحمن بن غنم ذلك وأقر من أقام من الروم في مدائن الشام على هذا الشرط .

‌‌‌ وذكر‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌ سفيان الثوري ، عن مسروق ، عن عبد الرحمن بن غنم‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌ ‌‌‌‌‌‌‌‌‌قال : ‌‌‌‌كتبت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين صالح نصارى الشام وشرط عليهم فيه أن لا يحدثوا في مدينتهم ولا فيما حولها ديرا ولا كنيسة ولا قلاية ولا صومعة راهب ، ولا يجددوا ما خرب ، ولا يمنعوا كنائسهم أن ينزلها أحد من المسلمين ثلاث ليال يطعمونهم ، ولا يؤووا جاسوسا ، ولا يكتموا غشا لمسلمين ، ولا يعلموا أولادهم القرآن ، ولا يظهروا شركا ، ولا يمنعوا ذوي قراباتهم من الإسلام إن أرادوه ، وأن يقروا المسلمين ، وأن يقوموا لهم من مجالسهم إذا أرادوا الجلوس ، ولا يتشبهوا بالمسلمين في شيء من لباسهم ولا يتكنوا بكناهم ، ولا يركبوا سرجا ، ولا يتقلدوا سيفا ، ولا يبيعوا الخمور ، وأن يجزوا مقادم رؤوسهم ، وأن يلزموا زيهم حيثما كانوا ، وأن يشدوا الزنانير على أوساطهم ، ولا يظهروا صليبا ولا شيئا من كتبهم في شيء من طرق المسلمين ، ولا يجاوروا المسلمين بموتاهم ، ولا يضربوا بالناقوس إلا ضربا خفيا ، ولا يرفعوا أصواتهم بالقراءة في كنائسهم في شيء من حضرة المسلمين ، ولا يخرجوا شعانين ، ولا يرفعوا أصواتهم مع موتاهم ، ولا يظهروا النيران معهم ، ولا يشتروا من الرقيق ما جرت فيه سهام المسلمين .

فإن خالفوا شيئا مما شرطوه فل ذمة لهم ، وقد حل للمسلمين منهم ما يحل من أهل المعاندة والشقاق .

وقال الربيع بن تغلب : حدثنا يحيى بن عقبة بن أبي العيزار ، عن سفيان الثوري والوليد بن نوح والسري بن مصرف يذكرون عن طلحة بن مصرف ، عن مسروق ، عن عبد الرحمن بن غنم قال : كتبت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين صالح نصارى أهل الشام :

" بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا كتاب لعبد الله عمر أمير المؤمنين من نصارى مدينة كذا وكذا : إنكم لما قدمتم علينا سألناكم الأمان لأنفسنا وذرارينا وأموالنا وأهل ملتنا ، وشرطنا لكم على أنفسنا أن لا نحدث في مدائننا ولا فيما حولها ديرا ولا قلاية ولا كنيسة ولا صومعة راهب ، فذكر نحوه " .

قال الإمام ابن القيم بعد أن أورد في كتابه " أحكام الذمة " تلك الشروط من الطرق التي ذكرناها قال : " وشهرة هذه الشروط تغني عن إسنادها ، فإن الأئمة تلقوها بالقبول وذكروها في كتبهم واحتجوا بها ، ولم يزل ذكر الشروط العمرية على ألسنتهم وفي كتبهم ، وقد أنفذها بعده الخلفاء وعملوا بموجبها ، فذكر أبو القاسم الطبري من حديث أحمد بن يحيى الحلواني : حدثنا عبيد بن جياد ، حدثنا عطاء بن مسلم الحلبي ، عن صالح المرادي ، عن عبد خير قال : رأيت عليا صلى العصر فصف له أهل نجران صفين ، فناوله رجل منهم كتابا فلما رآه دمعت عينه ثم رفع رأسه إليهم فقال : يا أهل نجران هذا والله خطي بيدي وإملاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : يا أمير المؤمنين ، أعطنا ما فيه ، قال : ودنوت منه فقلت : إن كان رادا على عمر يوما فاليوم يرد عليه ، فقال : لست براد على عمر على عمر شيئا صنعه ، إن عمر كان رشيد الأمر ، وإن عمر أخذ منكم خيرا مما أعطاكم ، ولم يجر عمر ما أَخذ منكم إلى نفسه إنما جره لجمعة المسلمين " .

وذكر ابن المبارك عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي أن عليا رضي الله عنه قال لأهل نجران : " إن عمر كان رشيد الأمر ولن أغير شيئا صنعه عمر " وقال الشعبي : قال علي حين قدم الكوفة : " ما جئت لأحل عقدة شدها عمر " اه . كلام ابن القيم ، ، وقد روى السبكي في فتواه في منع ترميم الكنائس من طريق أبي يعلى الموصلي رواية الربيع بن تغلب ، عن يحيى بن عقبة بن أبي العيزار ، عن سفيان الثوري والربيع بن نوح والسري ، عن طلحة بن مصرف ، عن مسروق ، عن عبد الرحمن بن غنم ، رواها بكاملها .