الموضوع: فصل الربيع
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم March 18, 2012, 03:05 PM
 
Shade فصل الربيع

ايقاع الحرف

فصل الربيع

ناصر الحجيلان




أتذكر في طفولتي أن الناس يفرحون بدخول فصل الربيع فرحًا شديدًا ويستبشرون به، وكانوا في الغالب يُحضرون لرحلة في البرّ تكون فيصلا بين فترة الشتاء وفترة الربيع، وتبدأ الرحلة في الغالب من الصباح الباكر إلى مكان قريب من القرية. وعند الوصول إلى الجبل أو المكان المختار، يتراكض الأطفال في الصحراء وتنشغل النساء بجمع الأعشاب ويقضي الرجال وقتهم في إعداد القهوة وتجهيز الغداء. وبالنسبة للأطفال كانت اللحظة المهمة هي التي تعقب فترة الغداء، حيث نقوم بالتخلّص من الثياب الداكنة ونستبدلها بالثياب البيضاء التي تستمر معنا من ذلك اليوم وحتى نهاية الصيف، وينقسم الأطفال إلى مجموعتين تردد كل مجموعة أهازيج من مثل: «راح البرد»، وترد المجموعة الأخرى: «راح، راح». ولكني لا أتذكر أننا نبتهج بدخول البرد بمثل ابتهاجنا بالربيع.
بعد ذلك اليوم، قلّما تجد رجلا أو شابًا يلبس ثوبًا ملوّنًا، وكأنّ الناس يودّعون الشتاء وما فيه من برد ورياح ويستقبلون الربيع بشمسه الهادئة ونسماته المريحة. كان الآباء والأمهات يعرفون توقيت دخول فصل الربيع عن طريق الحسابات الفلكية، وكانوا لا يتّقون الهواء في هذه الفترة لأنها غير ضارة. وحينما كنت أدرس اللغة الفارسية في الولايات المتحدة الأمريكية علمت أن هناك نجمًا اسمه "النوروز" يعتبر ظهوره علامة على بداية فصل الربيع. وقد تأكدت بنفسي من الفرق الذي يجري على الأرض والنباتات قبل ظهور هذا النجم وبعد ظهوره، ففي اليوم التالي لظهوره تورق الأشجار وتتفتح الزهور ويعتدل الجو وتصفو السماء؛ وعرفت معنى بيت البحتري الشهير عن النوروز.
وفي الفارسية يعني النو-روز، اليوم الجديد، وبعد ظهوره يتساوى الليل والنهار ويتغير الجو والحياة على الأرض. ومنذ ذلك الوقت وأنا مشغول البال في دراسة تأثير النجوم والكواكب في السماء على الحياة في الأرض، ولاحظت أن المزارعين والرعاة يعرفون تأثير النجوم على الأرض من خلال حياتهم، فهناك أوقات محددة تصلح فيه زراعة محاصيل زراعية لا تصلح في سواها، وكل فترة من هذه الفترات تتحدد من خلال النجوم والطوالع. وقد أتيحت لي فرصة للاطلاع على ما كتبه د. يوسف البدر عن طاقة النجوم التسعة حيث يربط بين ما يحصل للبحر من مد وجزر مع تغير حالة القمر، لكي يكون بمثابة التأثير الواضح لما يحصل في السماء على ما في الأرض. وينطلق في تحليله لهذه التأثيرات من قوله تعالى في سورة النبأ: (وجعلنا نومكم سباتا، وجعلنا الليل لباسًا، وجعلنا النهار معاشًا، وبنينا فوقكم سبعًا شدادًا، وجعلنا سراجًا وهّاجًا، وأنزلنا من المعصرات ماءًا ثجّاجًا، لنخرج به حبّاً ونباتًا)، موضحًا أن خالق الكون سبحانه قد وضع الطاقات وتأثيرها، كما يحصل أن يعطي النهار طاقة صاعدة للمرء فيشعر بالنشاط والحيوية للعمل، ويعطي الليل طاقة انحدارية ضعيفة تجعل المرء يشعر بالكسل والرغبة في الراحة.
وهناك دراسات عديدة باللغة الإنجليزية عن الطاقة (غير المرئية) التي يملكها كل واحد منّا ومدى تأثيرها على الآخرين، ودراسات أخرى تركز على اكتساب المرء الطاقة السلبية أو الإيجابية، بل هناك عيادات علاجية لعدد من الأمراض عن طريق الطاقة الكهرومغناطيسية التي توجد في الجسم البشري بشكل عام ومقاديرها عند كل شخص حسب تكوينه المادي والنفسي والعقلي.
نعود إلى موضوع تأثير الكواكب على أمزجة البشر وطبائعهم اليومية، فهناك تأثيرات عامة يمكن ملاحظتها من خلال شعور المرء بالانشراح والارتياح مع النسيم الهادىء والجو العليل، أو شعوره بتعكر المزاج والعصبية مع الجو الحار والهواء الساخن. ولكن السؤال هو عن مدى وجود طاقة كهرومغناطيسية في المحيط الذي نعيش فيه، ومدى تأثير هذه الطاقة على الشخص الذي تتاح له فرصة للخضوع لتأثيرها سلبًا أو إيجابًا، ومدى دوام هذه الطاقة في المكان والزمان من عدمه. هذه الأسئلة وغيرها موضع نقاش ودراسة عدد من الباحثين والمهتمين بالتأثيرات غير المادية على الإنسان. والواقع أن لدينا مجموعة ملحوظات حول هذه الظاهرة، فنجد أن الشخص قد يقع على فكرة ملهمة وفريدة في وقت أو مكان أو ظروف معينة، ولو لم يُدونها أو يحفظها ربما تهرب منه فلا تعود؛ وقد سجّل هذه الملاحظة عدد من الشعراء والفنانين والمبدعين. وهناك ما يعرف بتأثيرات بعض الأشخاص على بعضهم، فهناك من تجلس معه أو تتحدث معه فيملؤك حيوية ونشاطًا ورغبة في العمل والإبداع ويحفزك على رؤية الحياة بمنظار مشرق ومبهج؛ وهناك من يُفرغ طاقتك الإيجابية ويملأ قلبك حسرة وغمًا بمجرد أن يجلس معك لدقائق أو يتحدث معك لفترة وجيزة.
وهذه الملحوظات المتواترة من عدد من الناس من مختلف الثقافات تجعلنا نفكر كذلك في تأثير الطاقة السلبية التي يملكها بعض الأشخاص (إن صح ذلك) على غيرهم، من خلال إصابتهم بالمرض أو الضرر الحسي كما يحصل فيما يُعرف بالعين الشريرة التي يُنظر إلى صاحبها على أنه يحمل طاقة سلبية تُصيب الآخرين بالأضرار حينما يلقي عليهم نظرة مسدّدة من عينه، أو يصفهم بجملة ذات تركيب بلاغي مدهش. وتراثنا الشعبي حافل بأمثلة كثيرة من القصص التي تكشف عن تأثيرات قوية لبعض الأشخاص على الأشياء أو الأشخاص. ولأن هذه الأفكار جاءت مع استهلال المقالة بفصل الربيع، فإن هذا الفصل قد زها بالطاقة الإيجابية من خلال تفتح الزهور واكتساء الأشجار بالأوراق واعتدال الجو وعودة الطيور المهاجرة، ومن المتوقع أن يكون هذا التأثير محفزًا للنفس البشرية على الفرح والشعور بالسعادة.

__________________



رد مع اقتباس