عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم August 7, 2010, 06:15 PM
 
Icon7 طه حسين .. ][ الكفيف الذي أنار قلب الأمة ][ ... !



عميد الأدب العربي " طه حسين "

][ الكفيف الذي أنار قلب الأمة ][

*

*

*


ولد طه حسين في الرابع عشر من نوفمبر سنة 1889 في عزبة "الكيلو" التي تقع على مسافة كيلو متر من "مغاغة" بمحافظة المنيا بالصعيد الأوسط، وكان والده حسين عليّ موظفًا صغيرًا رقيق الحال في شركة السكر، يعول ثلاثة عشر ولدًا سابعهم طه حسين..!


ضاع بصره في الثالثة من عمره بعد اصابته بالرمد، حفظ القرآن الكريم قبل أن يغادر قريته إلى الأزهر، وتتلمذ علي يد الإمام محمد عبده

ولكن قابلته مشكلة هامة، وهي أن أساتذته كانوا يدرسون العلم بشكله التقليدي غير مطلعين على الحديث منه، بالإضافة لعدم إلمامهم بالثقافات الأخرى مما جعل التعليم يأخذ شكل جامد غير متجدد، ولم يرض طه حسين أن يكون تعليمه بهذا الشكل فاصطدم كثيراً بشيوخه حيث كان يعارضهم، ويجادلهم في تفسير بعض أمور النحو واللغة، والأدب مما أدخله في مشاكل دائمة معهم.


قرر طه بعد ذلك الانتقال لجامعة عادية، وليست جامعة دينية فقام بالالتحاق بالجامعة
المصرية في عام 1908 فتلقى الدروس في الحضارة الإسلامية، والحضارة المصرية القديمة بالإضافة لدراسته للجغرافيا، والتاريخ، واللغات السامية والأدب، والفلسفة، وخلال هذه الفترة قام بتحضير رسالة الدكتوراه، والتي ناقشها في الخامس عشر من مايو 1914م، فتخرج من الجامعة حائزاً على درجة الدكتوراه في الأدب العربي وكان موضوع رسالته عن أبي العلاء المعري، وهو أحد شعراء العرب البارزين، والذي فقد بصره صغيراً أيضاً مثل طه حسين.


*

*


*



لم يكتفِ طه حسين بهذا القدر من التعليم على الرغم من حصوله على درجة الدكتوراه، ولكن دائماً كانت لديه رغبة لتلقي المزيد من العلم، فقرر أن يسعى من أجل السفر إلى فرنسا، وبالفعل تمكن من الحصول على بعثة لفرنسا فبدأ بعد ذلك مرحلة جديدة في حياته فالتحق بجامعة مونبليه في عام 1914م حيث تخصص في الأدب، والدراسات الكلاسيكية وتخرج منها بتفوق كالعادة، وكان الوحيد من ضمن طلبة البعثة الذي تمكن من تحقيق النجاح.


انتقل بعد ذلك للعاصمة الفرنسية باريس للدراسة بجامعة السوربون، وذلك في الفترة ما بين " 1915 – 1918" والذي حقق فيها النجاح أيضاً فتخرج منها حاصلاً على درجة الليسانس، كما حصل على شهادة الدكتوراه عن رسالة أعدها باللغة الفرنسية موضوعها "دراسة تحليلية نقدية لفلسفة ابن خلدون الاجتماعية".


وفي فرنسا التقى طه حسين مع شخصية رائعة أعانته كثيراً في هذه الفترة في حياته، وكانت هذه الشخصية هي السيدة سوزان التي تزوجها في عام 1917 وكان لهذه السيدة عظيم الأثر في حياته فقامت له بدور القارئ فقرأت عليه الكثير من المراجع، وأمدته بالكتب التي تم كتابتها بطريقة بريل حتى تساعده على القراءة بنفسه، كما كانت الزوجة والصديق الذي دفعه للتقدم دائماً وقد أحبها طه حسين حباً جماً، ومما قاله فيها أنه "منذ أن سمع صوتها لم يعرف قلبه الألم"، وكان لطه حسين اثنان من الأبناء هما أمينة ومؤنس.

*

*


*



عاد من فرنسا سنة 1918 بعد أن فرغ من رسالته عن ابن خلدون، وعمل أستاذًا للتاريخ اليوناني والروماني إلى سنة 1925 حيث تم تعيينه أستاذًا في قسم اللغة العربية مع تحول الجامعة الأهلية إلى جامعة حكومية. وما لبث أن أصدر كتابه "في الشعر الجاهلي" الذي أحدث عواصف من ردود الفعل المعارضة. كان من أولئك الذين تصدوا لنقد هذه الفكرة الأديب الألمعي والمحقق الكبير محمود محمد شاكر، بل دارت بينهما عدة نقاشات حيال ذلك وكان محمود إذ ذاك في ثاني سنيّه الجامعية، وانتهى ذلك بخروج محمود محمد شاكر من الجامعة.

تواصلت عواصف التجديد حوله، في مؤلفاته المتتابعة، طوال مسيرته التي لم تفقد توهج جذوتها العقلانية قط، سواء حين أصبح عميدًا لكلية الآداب سنة 1930، وحين رفض الموافقة على منح الدكتوراه الفخرية لكبار السياسيين سنة 1932، وحين واجه هجوم أنصار الحكم الاستبدادي في البرلمان، الأمر الذي أدى إلى طرده من الجامعة التي لم يعد إليها إلا بعد سقوط حكومة صدقي باشا.


*

*


*



في عام 1926 ألف طه حسين كتابه المثير للجدل "في الشعر الجاهلي" وعمل فيه بمبدأ ديكارت وخلص في استنتاجاته وتحليلاته أن الشعر الجاهلي منحول، وأنه كتب بعد الإسلام ونسب للشعراء الجاهليين
فتصدى له العديد من علماء الفلسفة واللغة ومنهم: مصطفى صادق الرافعي والخضر حسين ومحمد لطفي جمعة والشيخ محمد الخضري وغيرهم. كما قاضى عدد من علماء الأزهر طه حسين إلا أن المحكمة برأته لعدم ثبوت أن رأيه قصد به الإساءة المتعمدة للدين أو للقرآن. فعدل اسم كتابه إلى "في الأدب الجاهلي" وحذف منه المقاطع الأربعة التي اخذت عليه.



*

*


*



دعا طه حسين إلى نهضة أدبية، وعمل على الكتابة بأسلوب سهل واضح مع المحافظة على مفردات اللغة وقواعدها، ولقد أثارت آراءه الكثيرين كما وجهت له العديد من الاتهامات، ولم يبالي طه بهذه الثورة ولا بهذه المعارضات القوية التي تعرض لها ولكن أستمر في دعوته للتجديد والتحديث، فقام بتقديم العديد من الآراء التي تميزت بالجرأة الشديدة والصراحة فقد أخذ على المحيطين به ومن الأسلاف من المفكرين والأدباء طرقهم التقليدية في تدريس الأدب العربي، وضعف مستوى التدريس في المدارس الحكومية، ومدرسة القضاء وغيرها، كما دعا إلى أهمية توضيح النصوص العربية الأدبية للطلاب، هذا بالإضافة لأهمية إعداد المعلمين الذين يقومون بتدريس اللغة العربية، والأدب ليكونا على قدر كبير من التمكن، والثقافة بالإضافة لاتباع المنهج التجديدي، وعدم التمسك بالشكل التقليدي في التدريس.

من المعارضات الهامة التي واجهها طه حسين في حياته كما ذكرنا تلك التي كانت عندما قام بنشر كتابه "الشعر الجاهلي" فقد أثار هذا الكتاب ضجة كبيرة، والكثير من الآراء المعارضة، وهو الأمر الذي توقعه طه حسين، وكان يعلم جيداً ما سوف يحدثه فمما قاله في بداية كتابه:

" هذا نحو من البحث عن تاريخ الشعر العربي جديد لم يألفة الناس عندنا من قبل، وأكاد أثق بأن فريقا منهم سيلقونه ساخطين عليه، وبأن فريقا آخر سيزورون عنه ازورار ولكني على سخط أولئك وازورار هؤلاء أريد أن أذيع هذا البحث أو بعبارة أصح أريد أن أقيده فقد أذعته قبل اليوم حين تحدثت به إلى طلابي في الجامعة.

وليس سرا ما تتحدث به إلى أكثر من مائتين، ولقد اقتنعت بنتائج هذا البحث اقتناعا ما أعرف أني شعرت بمثله في تلك المواقف المختلفة التي وقفتها من تاريخ الأدب العربي،وهذا الاقتناع القوي هو الذي يحملني على تقييد هذا البحث ونشره في هذه الفصول غير حافل بسخط الساخط ولا مكترث بازورار المزور .

وأنا مطمئن إلى أن هذا البحث وإن أسخط قوما وشق على آخرين فسيرضي هذه الطائفة القليلة من المستنيرين الذين هم في حقيقة الأمر عدة المستقبل وقوام النهضة الحديثة، وزخر الأدب الجديد".


*

*


*



أثرى طه حسين المكتبة العربية بالعديد من الأعمال والمؤلفات، وكانت هذه الأعمال الفكرية تحتضن الكثير من الأفكار التي تدعو إلى النهضة الفكرية، والتنوير، والانفتاح على ثقافات جديدة، هذا بالإضافة لتقديمه عدد من الروايات، والقصة القصيرة، والشعر نذكر من أعماله المتميزة " الأيام" عام 1929م والذي يعد من أشهر أعماله الأدبية، كما يعد من أوائل الأعمال الأدبية التي تناولت السيرة الذاتية.

ونذكر من أعماله أيضاً "على هامش السيرة، حديث الأربعاء، مستقبل الثقافة في مصر، الوعد الحق، في الشعر الجاهلي، المعذبون في الأرض، دعاء الكروان، فلسفة ابن خلدون الاجتماعية، من بعيد، صوت أبي العلاء، الديمقراطية في الإسلام، طه حسين والمغرب العربي".

كما قام بترجمة عدد من المؤلفات الهامة إلى العربية، وترجمت مؤلفاته هو شخصياً إلى عدد من اللغات، وله العديد من البحوث.
  • الفتنة الكبرى عثمان.
  • الفتنة الكبرى علي وبنوه.
  • في الشعر الجاهلي.
  • الأيام.
  • دعاء الكروان.
  • شجرة البؤس.
  • المعذبون في الأرض.
  • على هامش السيرة.
  • حديث الأربعاء.
  • من حديث الشعر والنثر.
  • مستقبل الثقافة في مصر.
  • أديب
  • مرآة الإسلام
  • الشيخان
  • الوعد الحق
  • جنة الشوك
  • مع أبي العلاء في سجنه
  • في تجديد ذكرى أبي العلاء
  • في مرآة الصحفي

*

*


*


حصد طه حسين الكثير من التكريم، والجوائز في العديد من المناسبات نذكر منها حصوله على أكثر من 36 جائزة مصرية، ودولية منها وسام قلادة النيل 1965م، وجائزة الدولة التقديرية في الآداب كما قلده ملك المغرب محمد الخامس وسام الكفاءة الفكرية وذلك عندما قام طه حسين بزيارته للمغرب وهو وسام رفيع يقدم للعلماء والأدباء وغيرهم من المتميزين، وجائزة الأمم المتحدة لإنجازاته بالنسبة لحقوق الإنسان وذلك في عام 1973م، وقامت فرنسا بمنحه وسام اللجيون دونيه من طبقة جراند أوفيسيه، هذا بالإضافة لحصوله على عدد كبير من الدكتوراه الفخرية من جامعات عالمية مثل ليون ومونبلييه، وروما، وأثينا، ومدريد، وأكسفورد.

كما تم اختياره عضواً في عدد من الهيئات فكان عضوًا بالمجمع العلمي المصري، والمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، وعضوًا مراسلاً للمجمع العلمي العربي بدمشق، والمجمع العلمي العراقي، وعضوًا أجنبيًّا في المجمع العلمي الفرنسي، والمجمع العلمي الإيطالي، وعضوًا عاملاً بمجمع اللغة العربية منذ عام 1940م، كما تم انتخابه نائبًا لرئيس المجمع عام 1960م، وكان أول من شغل هذا المنصب، كما تم انتخابه رئيسًا للمجمع عام 1963م خلفًا للمرحوم الأستاذ أحمد لطفي السيد، وظل في هذا المنصب حتى وفاته.

*

*

*


توفى طه حسين في 28 أكتوبر 1973م ( عن عمر يناهز 84 عاماً. ) ، وهو نفس العام بل نفس الشهر الذي حققت فيه مصر انتصارها بعبور قناة السويس، واسترداد أراضيها من براثن الاحتلال الإسرائيلي.
قال عنه محمود عباس العقّاد إنه"رجل جريء العقل مفطور على المناجزة، والتحدي" فاستطاع بذلك نقل الحراك الثقافي بين القديم، والحديث من دائرته الضيقة التي كان عليها إلى مستوى أوسع وأرحب بكثير.
وقال عنه الدكتور إبراهيم مدكور "اعتدّ تجربة الرأي وتحكيم العقل، استنكر التسليم المطلق، ودعا إلى البحث، والتحري، بل إلى الشك والمعارضة، وأدخل المنهج النقدي في ميادين لم يكن مسلَّمًا من قبل أن يطبق فيها. أدخل في الكتابة والتعبير لونًا عذبًا من الأداء الفني حاكاه فيه كثير من الكُتَّاب وأضحى عميدَ الأدب العربي بغير منازع في العالم العربي جميعه".


*

*

*



رد مع اقتباس