عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم July 15, 2010, 08:56 PM
 
رد: أبطال باقون في الذاكرة...

الشهيد البطل ديدوش مراد







مولده:


مراد ديدوش الابن الأصغر لعائلة قبائلية، مكونة من ثلاثة أولاد تملك مطمعا شعبيا صغيرا وسط العاصمة بشارع ميموني، وكانت انتقلت إلى العاصمة في منتصف العشرينات..


في الوقت الذي كانت الأم المرحومة " فاطمة ليهم" تحمل في بطنها مراد، اشترى الأب "أحمد " قطعة أرض بشارع "ميموزا" بحي "لارودوت" la redoute والمسمى الآن بالمرادية تخليدا للشهيد.


وتمكنت العائلة من بناء المنزل قبل ازدياد الإبن الأصغر الذي جاء إلى الدنيا بإحدى غرفه، وكانت العائلة متفائلة بهذا المولود الذي يقال عنه أنه "مسعود" .وشاء الله أن يولد مراد في يوم 14 جويلية 1927 والذي يصادف العيد السنوي للثورة الفرنسية، ولكن وطنية الأب واعتزازه بدينه وكرهه للاستعمار، وعملائه خاصة جعله يسجله بالبلدية على أنه ولد يوم 13 جويلية 1927 بدل الرابع عشر.


وتكون بذلك هذه الحادثة بمثابة درس لقنه الشيخ " أحمد" لابنه الأصغر في الوطنية التي كان أهل المداشر والقرى يعتزون بها وينتهزون الفرص لإبرازها في وقت ظن البعض أن الجزائر أصبحت فرنسية.



حياته:


زاول دراسته الابتدائية بالعاصمة التي تحصل فيها سنة 1939 على الشهادة الابتدائية لينتقل بعدها إلى المدرسة التقنية " بالعناصر" حيث درس إلى غاية سنة 1942 حيث يقرر مراد الانتقال إلى قسنطينة لمواصلة دراسته فيها هناك توفي والده وكان عمره لا يتجاوز 23 سنة.



وفي تلك الفترة بدأ مراد يتعاطى السياسة مع بعض زملائه في خلايا حزب الشعب الجزائري بقسنطينة وكان ذلك جليا في رسالة بعثها لأسرته والتي أثارت دهشة شقيقه " عبد الرحمن " الذي قال: " لقد بعثناه ليدرس فلماذا يتعاطى السياسة "؟ فأجابته الأم بحنان : " ذلك هو قدره ..." .



في سنة 1944 يلتحق مراد بمؤسسة السكك الحديدية بالعاصمة بعد حصوله على شهادة الأهلية وذلك كموظف في إحدى محطات القطار بالعاصمة، وبعد شهور قلائل، أشرف مع نخبة من شباب الحركة الوطنية على مظاهرات الأول من شهر ماي 1945 بالعاصمة، وينظم إلى حزب الشعب الجزائري وحركة انتصار الحريات الديمقراطية بصفة دائمة ويغادر بذلك مؤسسة السكك الحديدية في منتصف سنة 1945.



من هذا التاريخ إلى غاية سنة1948 نشط الشهيد في عدة جوانب بدءا من النشاط الكشفي حيث أسس سنة 1946 فرقة للكشافة الإسلامية الجزائرية، ثم انظم إلى المنظمة المسلحة، وسنة من بعدها أنشأ ناديا رياضيا لمختلف الرياضات سماه" راما" "rama"، الراسينغ الرياضي الإسلامي الجزائري والذي كان لاعبا فيه بالإضافة إلى كونه المشرف عليه ماديا و تنظيميا. ثم جمد نشاطه بعدما قرر الحزب إرساله إلى قسنطينة حيث عين كمسؤول للحزب على مستوى عمالة قسنطينة سنة 1948. وقد اشتهر آنذاك باسم " le petit

" لقصر قامته (1.68 م تقريبا) وهو الاسم الذي ظل أولاد الحي وكل من عرفه في تلك الفترة ينادونه به حتى من الميدان النضالي والسياسي.


مكث في قسنطينة طيلة سنتين نشط خلالها في كثير من القرى والمد اشر المحيطة بقسنطينة وخاصة قرية "السمندو" وقرية " بيزو" التي تحمل إسمه اليوم، إلى غاية التحاقه بجبال الأوراس رفقة نخبة من شباب الحركة الوطنية لأسباب أمنية، ليتدرب هناك على الرمي بالسلاح ويصبح ماهرا فيه.


وفي سنة 1952، يرجع ديدوش إلى العاصمة ليعين كمسؤول من ناحية البليدة وفي تلك الفترة أثبت لكل من عرفه أنه صاحب مغامرة وشجاعة نادرا ما تكون عند المسؤولين، فلقد تم القبض عليه بمدينة " المدية" من طرف شرطي، وشاءت الأقدار أن هذا الشرطي من معارفه و لكونه كان يقطن حيا مجاورا للحي الذي ينشط فيه مراد في ميدان الرياضة، فاستغل الشهيد هذا الجانب والتساهل الذي أبداه الشرطي تجاهه، فعندما وصلا مركز الشرطة، عاين ديدوش مراد المكان قبل أن يقوم بأي عمل ،وكان يرتدي " قشابية" فلما طلبوا منه تقديم وثائقه الشخصية، استأذنهم في نزع " القشابية" ورماها على وجوههم قبل أن يقفز فوق حائط

قصير يفصل المكاتب عن الساحة ويلتحق بالبليدة مشيا على الأقدام بعدما عبر أعالي البليدة.


وبعد هذه الحادثة، قرر الحزب إرسال ديدوش إلى فرنسا رفقة بوضياف، فطلب من صديقه:" قاسي عبد الله عبد الرحمن" أن يزوده بشهادة الميلاد للحصول على وثائق شخصية باسم مستعار فكان" قاسي عبد الله عبد الرحمن" هو اسمه الجديد.


ويرحل إلى فرنسا ليمكث بها إلى غاية 1954 حيث يرجع إلى أرض الوطن أشهرا قليلة قبل اندلاع الثورة ليساهم في إنشاء اللجنة الثورية للوحدة والعمل،ويعين في أكتوبر من نفس السنة مسئولا على منطقة قسنطينة للإشراف على تفجيرات الثورة بالولاية الثانية، وليعرف هناك باسم: السي عبد القادر.


وكان الشهيد من الأوائل الذين سقطوا في حرب التحرير وذلك يوم 18 جانفي 1955 بعد معركة قرب بوكركار خاضها رفقة 17 مجاهدا يرأسهم بنفسه وبمساعدة زيغود يوسف الذي سلمه ديدوش كل الوثائق وأمره بالإنصراف قبل أن يستشهد وتصدق مقولته ويبرهن للجميع أنه عاش بحق من أجل الجزائر ومات من أجلها ولم يحمل في قلبه غير حبها وحب أبنائها المخلصين لها.


لماذا رفض" ديدوش مراد"الزواج ؟؟؟


سؤال كثيرا ما يتردد: لماذا لم يتزوج ديدوش مراد ؟؟؟؟


الجواب وجدناه عند صديقه المجاهد "سي عبد الرحمان" الذي قال: إن إخلاص مراد للقضية التي نذر نفسه لنصرتها جعلته لا يستطيع حتى التفرغ للتفكير في هذا الأمر، وخاصة أن جل المشرفين على تحضير الثورة كانوا يفضلون تجنيد الشباب الأعزب لاعتبارات أمنية وكذا للتفرغ للعمل الثوري.


وهو في قسنطينة، اقترح عليه أحد أصدقائه الزواج بإحدى أخواته ولكن إجابة الشهيد كانت كسائر المرات أن الوقت لم يحن للتفكير في ذلك.




تكوينه الديني:


في منزل عائلة ديدوش كانت هناك مدرسة قرانية قبل أن تتحول إلى مخبزة يشرف عليها عبد الحميد،وبمجرد بلوغ مراد –أربع سنوات- أخذه والده عند الشيخ أرزقي والطاهر ليلقنه القران الكريم, ويستمر ذلك إلى غاية التحاقه بالمدرسة النظامية، وذلك سنة 1933, وكانت هذه السنوات بمثابة الإسمنت المسلح الذي بني عليه التكوين القاعدي لشخصية الشهيد المتشبعة بالتعليم الإسلامية التي لقنها بدوره لشباب الكشافة الإسلامية الجزائرية بفوج"الأمل ".


كما كانت اللقاءات العفوية التي كان يجريها مع الشيخ خير الدين – وهو مدرس بالمدرسة الفرونكو إسلامية – عند حلاق الحي تعكس مدى ثقافة مراد الإسلامية, حيث كان يقوم بتحليل أوضاع العالم الإسلامي والعربي وكأنه خريج جامعة الزيتونة أو الأزهر, وهو الذي كان لا يتعدى عمره آنذاك العشرين سنة.


وكانا هو و الشيخ خير الدين يتفقان على أن خلاص هذه الأمة يكمن في تشبثها بإحياء دينها ولغتها.. وأنه لامناص من بلوغ ذلك .



خفيف الروح:


كان الشهيد رحمه الله أصغر الستة المفجرين للثورة: بن بولعيد – بن مهيدي – بوضياف – كريم بلقاسم – بيطاط – "ديدوش " وأكثرهم انفعالا وأحرصهم على تلطيف الجو بالنكت والضحك المشوق.


ففي إحدى الليالي صعد مراد رفقة بن بولعيد إلى شجرة مثمرة لجار فرنسي, ولم ينزل حتى تركها وكأنها لم تثمر قط, والإحراج في ذلك أنه لم يكن لذلك الفرنسي أولاد فأضطر بوقشورة إلى اختلاق قصة حتى لا يكشف أمر استضافته لغرباء قد يوجه أنظار البوليس الفرنسي نحو البيت المقيمين به.




وكان أفراد أسرته وأصدقاؤه لا يتعرفون على المكان الذي كان يوجد فيه طيلة غيابه لأن السرية في العمل كانت مطلوبة, لأسباب خاصة به.


والسكان في سيدي الجليس (في قسنطينة) يؤكدون في هذا المجال قصة تكشف عن (الدم البارد) الذي كان يتمتع به ديدوش وكان ذلك في شهر ديسمبر 1954 وكان على موعد في قسنطينة مع شخص ليحاول إقناعه بالانضمام وكان الموعد في مقهى.


ودخل ديدوش المقهى والبوليس يقتفي خطاه وكان ديدوش يعرف أن البوليس وراءه لكنه لم يكن يعرف أن البوليس قد عرفه وأنه يقصده هو بالذات وعندما جلس ديدوش داخل المقهى لاحظ أن الدورية البوليسية تتوجه نحوه بالذات لتطلب منه ورقة التعريف فلم يضطرب ولم يتحرك ومد يده بكل هدوء إلى جيبه وأخرج مسدسا من نوع (باربيلوم) وأمرهم أن يرفعوا أيديهم فامتثلوا ثم أمرهم أن يستديروا نحو الجدار ففعلوا ثم خرج بكل هدوء وذاب في المدينة.



مع ثورة نوفمبر 1954 :



إن من يعرف ديدوش مراد يتأكد أنه ينتظر هذا اليوم على أحر من الجمر إذ كان من الذين حرروا النداء الثوري الموجه إلى الشعب الجزائري والذي أعلن فيه بداية الثورة.


وعندما أعلنت عقارب الساعة الثانية عشر من أول نوفمبر كان "مراد" على رأس فرقة من الأبطال في الشمال القسنطيني يطلق أول رصاصة معلنة بدأ العد التنازلي للوجود الاستعماري الفرنسي .


منذ تلك اللحظة و ديدوش مراد في عمل دؤوب.. لا تنام له عين ولا يهدأ بال... فقد كان يغتنم كل فرصة تتاح له لتسديد الضربات للاستعمار الفرنسي. وكان في نشاطه هذا وكأنه يعلم أن حياته في الثورة لن تتجاوز ثلاثة أشهر....



وبالرغم من قصر المدة التي عاشها في الكفاح المسلح إلا أنه كان مثالا للقائد العظيم الذي يعرف كيف يحول الهزيمة إلى نصر.



و في 18 جانفي 1955 بينما كان في مجموعة من 18 مقاتلا متجها من "السفرجلة" قرية قريبة من بلدية زيغود يوسف متجها إلى بوكركر فوجدوا أن الأرض محاصرة بالعدو من كل جهة وتبين أن القوات العسكرية المحاصرة كانت هائلة وقد قدرت بخمسمائة جندي فرنسي معززين بالعتاد الحربي المتطور،لكن مراد ديدوش بعد وقفة تأملية قصيرة وبعد نظرة خاطفة ألقاها على المكان الذي ستدور فيه المعركة اتخذ موقفا حزما وهو يعلم مسبقا نتائجه ويعلم أن محاولة الانسحاب هو الانتحار المحقق والجبن الذي لا يتفق وطبيعة المجاهد المؤمن, فوقف بين جنوده في صدق العزيمة وقوة الإيمان وحسن اليقين وقال: في لهجة صادقة مؤثرة ما معناه

"لا نستطيع الخروج الآن بعد أن إحكام العدو الحصار إذن فالمعركة لازمة, يجب على واحد منكم أن يتذكر أسلوب حرب العصابات على الطريقة الفردية فعلى كل واحد منكم أن يعتمد على نفسه فقط, في مواجهة العدو, ويجب أن تتذكروا وعلى الأخص أن المعركة التي سنخوضها بعد قليل معركة هامة, وأعنى الأهمية المعنوية , والنتائج البعيدة التي تترتب عنها..


إن العدو لم يعرف إلى اليوم درجة مقاومتنا عندما نواجهه وجها لوجه, في معركة مثل هذه, والشعب يروي عنا الأساطير, لكنه لم يسبق أن شاهد معركة تكشف له عن مبلغ ثباتنا في القتال, ودرجة قوتنا في الدفاع عن أنفسنا.إذن فالمعركة المقبلة تجربة أساسية للعدو, ولنا وللشعب ويجب أن نقيم للعدو الدليل على أنه تجاه جيش ثوري يدافع عن مبدأ يدفع في سبيله أغلى ما يملك, ويجب أن تكون هذه المعركة, مصدر اعتزاز للشعب حتى يزداد تعلقا بالثورة وحتى لا يقول عنا أننا لا نحسن الدفاع عن أنفسنا, فكيف نستطيع حماية الشعب, فبذلك فقط نسهل المهمة على إخواننا الذين يبقون بعدنا, ولا نخلف لهم تركة تثقل كاهلهم".


وفي حدود الساعة الثامنة صباحا بدأت المعركة، وأعجب ما يبعث على الدهشة بحق أن أكثر سلاح المجاهدين من النوع البسيط العتيق الذي لا يشجع على الوقوف أمام المسلحين ببنادق الصيد الجديدة السليمة وكيف بالوقوف تجاه المدافع والرشاشات والقنابل والطائرات في مغامرة حربية خطيرة كهذه ولكنه الإيمان والشجاعة وحب التضحية التي تهتف بين جنبي المجاهد الجزائري أن تحصى من فروا وسلموا.


وعندما أوشكت المعركة أن تنتهي رأى جنديا في موضع مكشوف, وبرز لينصحه بحسن الاختفاء, فانهال عليه وابل من الرصاص فسقط شهيدا.


وفي الخامسة مساءا انتهت المعركة باستشهاد سبعة مجاهدين, أما حصيلة الجيش الفرنسي فقد كانت ثقيلة حيث قتل 80 وجرح 02 وأسر 01.


وكان أول من استشهد من القادة الثوريين وانتهت حياته النضالية البطولية لتبتدئ حياته التاريخية الخالدة التي لا ترضخ للفناء.


وأصبح قبره مزارة يقصدها الناس من كل حدب لتبادل قصص الثورة وحكايات الجهاد, واستلهام الدروس والعبر فكانوا يجتمعون حوله ويعرضون صورا من نضاله السياسي, وكفاحه البطولي وحياته النموذجية و تضحياته في سبيل إعلاء كلمة الحق و لتعيش الجزائر حرة مستقلة.



ثم يتفرقون وقد تفاعلوا بهذا الجو الثوري, وتزودوا بالإرادة و العزيمة التي تدفعهم إلى الميدان للدفاع عن الوطن والاستشهاد من أجله كما دافع عنه واستشهد في سبيله صاحب هذا القبر.



وقد خلفه في القيادة رفيقه البطل زيغود يوسف, الذي سار على دربه لتستمر الثورة و لتقدم الجزائر قوافل الشهداء من خيرة أبنائها إلى أن أشرقت شمس الحرية و أضاءت ربوع هذا الوطن الحبيب.





نترحم على أرواحكم الطاهرة يا شهداء الجزائر....




المجد والخلود في جنان الغفور المنان لشهدائنا الأبرار....




رد مع اقتباس