عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم May 19, 2010, 12:37 PM
 
تحبّ أن تكون من العباقرة!

تحبّ أن تكون من العباقرة!



تحبّ أن تكون من العباقرة!
إذاً لم لا تفكّر كما يفكّرون؟

ميكاييل ميكالكو –بتصرّف-

كيف يخرج العباقرة بأفكارهم؟ ما القاسم المشترك بين نمط التفكير الذي أبدع "الموناليزا" وذاك الذي أبدع "النسبية"؟
ما الذي يميز أساليب التفكير لدى كل أينشتاينات وأديسونات وموتزارات ودافينشيات التاريخ البشري في كل القارات؟
ماذا يمكن أن نتعلمّ عن أدمغتنا وتفكيرنا من النظر في أدمغتهم وتفكيرهم؟

على مر السنين حاول كثيرٌ من العلماء والباحثين دراسة العبقرية من خلال إحصاءات حيوية معينة. في دراسةٍ أجريت أوائل القرن العشرين لاحظ أحد الباحثين أن أكثر العباقرة كانوا أبناءً لرجالٍ تجاوزوا الثلاثين ونساءٍ لا يتجاوزن الخامسة والعشرين، وكانت طفولتهم في العادة طفولة ضعف ومرض. ولاحظ آخرون أن كثيراً من العباقرة كانوا عزّاباً (مثل ديكارت) أو دون آباء (مثل ديكنز) أو دون أمّهات (مثل داروين) وفي النهاية تبيّن أنّ الترحال بين أكداس المعطيات وتحاليل المكوّنات الخلقية والبيئية لن يوصل إلى السر المنشود.

حاول الأكاديميون أيضاً قياس الصلة بين الذكاء والعبقريّة، ولكنّ الذكاء لم يكن سرّ العبقرية. لقد رأينا مارلين فوس سافانت صاحبة أكبر مُعاملِ ذكاء IQ مسجّل حتى الآن (228!) لم تقدم شيئاً يذكر في حقل العلم أو الفن، وإنما بقيت كاتبة عمود صحفي "اسأل ومارلين تجيب" في مجلة عادية. وفي الجانب المقابل نرى ريتشارد فاينمان الملقّب "بآخر العبقريات الأمريكية العظيمة" الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء والذي كان في الثالثة والعشرين من عمره أحد أكثر الناس تمكناً في أسس العلم على وجه الأرض (لم يكن يجاريه في ذلك المستوى سوى ثلة من العباقرة من وزن آينشتاين الأمريكي ولانداو الروسيّ) لا يسجّل في اختبار مُعامل الذكاء إلاّ 122 نقطة، معدّل جيّد ولكنه بعيد جداً عن الاستثنائية ويتجاوزه بسهولة معظم الفيزيائيين العاديين.

هل تنظر من نافذة مختلفة؟ وهل ترى ما لا يراه المطلّون معك من النافذة ذاتها؟
العبقرية ليست تسجيل علامة كاملة في اختبارات التأهل لدخول الجامعة، ولا إتقان عشر لغات في سن السابعة، ولا حل الألغاز المستعصية في لمح البصر.
بعد كثيرٍ من الأخذ والرد والبحث والتمحيص بدأه عالم النفس الرائد "غيلفورد" (الذي دعا في ستينات القرن العشرين إلى اهتمامٍ علمي بالعبقرية) توصّل علماء النفس إلى أنّ الإبداعيّة creativity ليست مرادفاً للذكاء intelligence. يمكن أن يكون المرء مبدعاً أكثر بكثير جداً مما هو ذكيّ، أو ذكياً خارقاً دون أن يكون مبدعاً متميزاً.

يمكن لمعظم البشر متوسّطي الذكاء –بعد تزويدهم بالمعطيات الخاصة بمشكلة معينة- أن يتوصل إلى الحل التقليديّ المتوقّع. مثلاً: عندما نسأل ما نصف الثلاثة عشر؟ فإن معظمنا سيجيب فوراً: ستة ونصف.

في العادة نفكّر نحن البشر تفكيراً تكرارياً ارتدادياً reproductive. إننا نستند في حل المشكلات الراهنة إلى المشكلات الماضية المشابهة.

عندما تواجهنا مشكلة فإننا نرجع إلى ما تعلّمناه من المدرسة والعمل والحياة ونركّز بحثنا عن طريقةٍ أثبتت جدواها في الماضي ، وبعد ذلك نقوم تحليلياً باختيار الطريقة الواعدة بناءً على تجاربنا السابقة، مستبعدين الطرق الأخرى جميعاً، وسائرين في الاتجاه الواضح المحدّد نحو الحل. بسبب صحة الخطوات المستنبطة من تجاربنا السابقة، تجدنا واثقين ثقةً صلبةً عمياء بسلامة استنتاجاتنا.

العباقرة لا يفكّرون هكذا. إنهم يفكرون تفكيراً توليدياً productive. عندما تواجههم مشكلة فإنهم يسألون: بكم طريقة مختلفة يمكنني النظر إلى المسألة؟ كيف يمكنني معالجة هذه الرؤية بطريقة مختلفة؟ كم لديّ من طريقة مختلفة لحل هذه المشكلة؟ هكذا يتساءلون ولا يقولون: ترى ماذا رأيت وسمعت من الآخرين عن حل أمثال هذه المشكلة؟

إنّهم يتجهون إلى الخروج بالعديد من الإجابات المختلفة، التي يمكن أن يكون بعضها غير تقليدي أو فريداً لم يسبقهم إليه أحد. وإزاء سؤالنا عن حصيلة تقسيم الثلاثة عشر على اثنين يمكن للمفكّر التوليدي أن يقول: هناك طرقٌ عديدةٌ للتعبير عن ثلاثة عشر، وكذلك طرقٌ عديدة للتقسيم. وإليكم بعض الأمثلة:
13 / 2 = 6.5 (تقسيم قيمة العدد)
13 / 2 = 1 و 3 (تقسيم مكوّنات العدد)
1 و 11 (تقسيم مكوّنات العدد المكتوب بترميز آخر) = / 2 XIII
8 (تقسيم مكوّنات العدد المكتوب بترميز آخر وبطريقة تقسيم أخرى) = / 2 XIII
نصفُ ثلاثة عشر = 4 ( تقسيم عدد حروف كتابة العدد)

في نمط التفكير التوليديّ يتجه المرء إلى استنباط أكثر ما يمكن من التوجّهات الممكنة، وينظر في أقلّها وضوحاً وأبعدها احتمالاً مثلما ينظر في أوضحها وأقربها إلى البديهة.

إذاً: ما الفرق بينك وبين آينشتاين؟
الاندفاع في مواصلة الاستكشاف والتمحيص -حتّى بعد توصّل المرء إلى حل- هو المطلب المهم. ولذلك عندما سئل آينشتاين عن الفرق بينه وبين الناس العاديين قال: عندما تطلب من الإنسان العادي استخراج إبرة من كومة قش فإنّه سيتوقف عن البحث فور عثوره عن الإبرة، وأمّا أنا فأغوص في الكومة حتّى أستخرج كل الإبر الممكن وجودها فيها.

عندما كان العبقريّ ريتشارد فاينمان يصطدم بعقبةٍ مستعصية فإنّنا نراه يبتكر طرقاً جديدة في النظر إليها. كان يرى أن سرّ عبقريته هو مقدرته على تجاهل كيفية نظر من قبله إلى المسألة وابتكار طريقة نظر وتفكير جديدة.

كان فاينمان ينادي بتعليم التفكير التوليدي الخلّاق في المؤسسات التعليمة وإحلاله محل التفكير التكراريّ. كان يعتقد بأنّ المستخدم الناجح للرياضيات إنّما هو من يبتكر طرقاً جديدة في التفكير بالموضوعات التي يواجهها. حتّى لو كانت الطرق القديمة معروفةً معرفةً جيدة فقد كان فاينمان يرى أن من الأفضل للإنسان ابتكار طريقته الخاصة الجديدة كلّياً، أو طريقته الخاصة في تطبيق المعروف من قبل.

مسألة 29 + 3 تعتبر من مسائل المرحلة الثالثة في تعليم الصغار لأنّ حلّها يتطلّب تقنية "الحمل" المتقدّمة. ويلفت فاينمان نظرنا إلى أن أطفال المرحلة الأولى يمكنهم حلّ هذه المسألة بطريقة مختلفة. إنهم يضيفون الواحد ثلاث مرات (30، 31، 32). ويمكن للطفل أن يضع الأرقام على مستقيم مدرّج ويعدّ الفراغات، وهو أسلوبٌ مفيد في استيعاب مبادئ الكسور والقياس. كان يشجّع تعليم الناس البحث واكتشاف طرقٍ جديدة في مشاهدة ومعالجة المشكلات والتعلم من التجربة والخطأ.

إن تعليمنا التكراري يؤدّي إلى تخشّب تفكيرنا، وهذا هو السبب في كثرة إخفاقنا لدى مواجهة مشكلات جديدة ليس بينها وبين التجارب السابقة سوى شبه سطحي ظاهريّ. تعليمنا التكراري يقودنا إلى الأفكار المعهودة وليس إلى الأفكار الأصيلة. وطالما أنّنا نقوم بما اعتدنا القيام به ونفكر كما اعتدنا أن نفكّر فمن أين لنا أن نرى غير ما كنا نراه وأن نصل إلى غير ما كنّا نصل إليه؟

تغيير الأفكار يتطلّب شجاعةً ومقدرةً أكثر من الثبات عليها:
حتّى عام 1968 كان السويسريّون اللاعب الأكبر في صناعة الساعات العالمية. في مخابر أبحاثهم ظهرت قبل ذلك التاريخ بفترة طويلة فكرة ساعة الكوارتز الإليكترونية. وعلى أبواب مصنّعي الساعات السويسريين تلقّت هذه الفكرة الرفض والإبعاد مرةً بعد مرة!

استناداً إلى تجاربهم الماضية كان أولئك المصنّعون يعتقدون أنّ هذه التقنية لا يمكن أن تبقى وتزدهر في المستقبل. لقد كانت تفتقر إلى كل ما يظنّونه عنصراً حتمياً في صناعة الساعة من تروس ومحاور ولوالب. لكن بعد أن تلقّفت سيكو اليابانيّة هذه الفكرة ورعتها حق رعايتها شهد ذلك العام صعود نجمٍ جديد بمنتَجٍ رائع اكتسح سوق الساعات في العالم كلّه.

- وهذه شركة ريمينغتون مصنّعة أول كمبيوتر في العالم (يونيفاك) ترفض تغيير تفكيرها وتحجم عن عرض كمبيوترها على مؤسسات الأعمال آنئذٍ لاقتناعها بأنّ ذلك الجهاز إنّما خلق من أجل مراكز الأبحاث. وتأتي بعدها شركة IBM لتتفرّد وحدها بسوق حواسيب الشركات، ولتقع هي أيضاً فيما وقعت فيه ريمينغتون ولتقول "بناءً على خبرتنا في أسواق الحاسوب، لا مكان لهذا الجهاز لدى الأفراد. ويصرّح أحد المسؤولين الكبار بأنّه لا يكاد يوجد في العالم غير خمسة أو ستة أشخاص يمكن أن يحتاجوا إلى حاسوبٍ شخصيّ! وبعدئذٍ جاءت آبل وتغيّر وجه العالم وأصبحنا اليوم نتندّر بأفكار تلك الأيام!

في عالم الأحياء، يلاحظ العلماء أن "خزّان المورّثات" المفتقر إلى حدٍ معين من التنوّع سيكون عاجزاً مع مرور الوقت عن التكيّف مع الظروف المتغيّرة وسيكتب عليه الانقراض. مع مرور الوقت ستتحوّل مكتسبات الكائن الحيّ –الفعّالة في الماضي- إلى نقاط ضعف في الحاضر والمستقبل تمحو مقدرته على البقاء.

وداخل نظم تفكير البشر تحدث عمليةً مشابهة. لدينا جميعاً ذخائر غنية من الأفكار والمفاهيم المكتسبة من تجاربنا السابقة تضمن لنا الاستمرار والازدهار. ولكن ما لم يكن لدينا تدفّق دائم لدماء جديدة في شرايين تفكيرنا فإنّ نظم تفكيرنا المعهودة سوف تركد وتتخشّب وتصبح في النهاية خالية من الميزات الكافية لنجاحها وبقائها.

ربما تعرف كم تعرف ولكن لا يمكنك أن تعرف كم تجهل
إذاُ: جرّب كل شيء

عزيزي القارئ: هل تظن نفسك بعيداً عن التشبّث بأفكارك القديمة؟ على ماذا تبني هذا الظنّ؟ هل تدرك أنّ أخطر ما في التمسّك بالأفكار القديمة والتوقّف غير المبرّر عند قناعاتٍ معينة أنّ صاحبه لا يرى نفسه متشبّثاً بأفكاره القديمة؟

في عام 1899 قدّم تشارلز دويل مدير مكتب براءات الاختراع الأمريكي اقتراحاً إلى الحكومة بإغلاق المكتب لأن كلّ ما يمكن للبشر اختراعه قد تمّ اختراعه.
في عام 1923 قال الفيزيائي الكبير روبرت ميليكان –الحائز على جائزة نوبل- "ليس هناك أيّ فرصةٍ على الإطلاق لأن يتمكّن الإنسان يوماً من تسخير الطاقة الذريّة"
في عام 1866 اخترع الألمانيّ فيليب ريس آلةً يمكنها بث الموسيقا عبر أسلاك. لم يكن بينه وبين اختراع الهاتف إلاّ خطوات بسيطة، ولكنّ كلّ من صادفهم من خبراء الاتصالات الألمان أقنعوه بأنّ اختراعاً كهذا لا حاجة للسوق به، حيث كانت اتصالات التلغراف تؤدّي كل ما يحتاجه الناس. بعد خمسة عشر عاماً اخترع أليكساندر غراهام بيل جهاز الهاتف وأصبح مليونيراً كبيراً وكانت ألمانيا أحد أهم الزبائن المتعطّشين إلى منتجه!
عندما كان فريد سميث طالباً في كلية إدارة الأعمال بجامعة ييل خرج بفكرة فيدرال إكسبريس للتوصيل الفوريّ عبر أنحاء الولايات المتحدة جميعاً. استخفّ بالفكرة وخطّأها مكتب البريد الأمريكيّ، وشركة التوصيل UPS، وأستاذ إدارة الأعمال المشرف على سميث، وكذلك كثيرٌ من الممارسين في حقل التوصيل، ورأوا استناداً إلى خبرتهم أنّ السوق ليس فيه كثيرٌ من العقلاء المستعدّين لدفع أجورٍ عالية مقابل توصيل سريعٍ ومضمون!

إنّ الشخص الأقل ذكاء والأدنى معرفةً ليس محكوماً بالعجز عن رؤية ما يراه الأذكى والأعلم. العكس هو الصحيح في كثير من الأحيان. إن الخبرة في مجالٍ ما كثيراً ما تكون أكبر حاجز بين المرء وبين رؤية الدروب المفتوحة فيه. ولذلك ينبغي على كل إنسان أن لا يخشى من التجربة وأن لا يخجل من الخطأ. إن الغزارة في المحاولات والانتشار والتنوّع في الإطلالات هي الطريقة الأنجح لإبقاء خزان الأفكار حياً متجدداً ومزدهراً.

يمكنك أن تعرف كم تعرف ولكن هل يمكنك أن تعرف كم تجهل؟ يمكنك أن تعرف كم يجهل غيرك في حالة واحدة: إن كنت تحيط علماً بكل شيء. لا إله إلاّ الله العليم الحكيم!
ولأنّ البشر لا يستطيعون أن يعرفوا كم يجهلون يصبح من المهمّ جداً إقدامهم على التجريب المتنوّع المتجرّد من المعارف التكرارية المعهودة.
العالم ليس خريطةً مكشوفةً نتتبّع رسمها، بل هو أحجيةٌ هائلةٌ لا يعلمُ صورتها الكاملة إلاّ خالقها. ولأنّك لا تعرف موضع كل قطعة معرفةً مطلقة، ولا تعرف مدى قابليتها للتبادل والتنويع، يصبح من المهمّ جداً الانطلاق انطلاقاً حرّاً ومتجرّداً كانطلاق الأطفال في تقليب قطع الأحجيات واستكشاف إمكانيّاتها، يصبح الانطلاق الحر غايةً في حد ذاته.

وحده من ينطلق إلى التحليق دون حدّ يمكنه معرفة الحد الذي يمكن الوصول إليه

بعد أن عرفنا أهمية الانطلاق والتنويع الحر في التفكير، ورأينا أنه ضرورة بقاء وممارسة واعية وليس ميزةً عابرة أو منفعيّة محدودة فإنّنا نسأل:
كيف يفجّر العباقرة المبدعون تلك الينابيع الفياضة من البدائل والعلاقات؟ لماذا نجد الكثير من أفكارهم قيّماً ومتنوعاً؟ كيف يولّدون تلك التنويعات المتحرّرة الطفوليّة العابثة التي تسير بنا إلى الأصيل والمبتكر؟

هناك شريحة متزايدة من الباحثين ترى دلائل تشير إلى إمكانية تمييز طريقة تفكير العباقرة. من خلال دراسة مذكرات، ومراسلات ، ومحادثات، وأفكار كبار عباقرة العالم توصّل هؤلاء الباحثون إلى مجموعةٍ من إستراتيجيات وأنماط التفكير المشتركة بين العباقرة تمكّنهم من توليد ذلك التنوّع المتفجر الحر من الأفكار الأصيلة الفريدة.

عزيزي القارئ: في الجزء التالي من هذه المقالة نلقي نظرةً على تلك الأنماط والإستراتيجيات المتبعة لدى أصحاب التفكير الإبداعيّ. فحتّى ذلك الحين دمتم متجدّدين.




للموضوع بقيه
عالم الابداع
رد مع اقتباس