عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم February 10, 2010, 09:35 AM
 
التربية في سورة الحجرات

وقفات تربوية مع سورة الحجرات



المقدمة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره،ونعوذ بالله من شرور انفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ،ومن يضلل فلا هادي له ،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما .
قال تعالى : (يأأيها الذين ءآمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) سورة آل عمران الآية 102

أما بعد

فإن خير الكلام كلام الله ،وخير الهدي هدي محمد صلى الله علية وسلم ، وبهذين الأصليين اهتدت الأمة قديماً ،وهما سبيل نجاتها في سائر الأزمان والأحوال ، من تمسك بهما رشد واستقام ومن ضل عنها غوى وهوى.
وانسجاماً مع هذه القناعة وتفاعلاً مع هذا اليقين طفقت أعيش مع كتب الله ، فكم من سور فيه كل واحدةً منها تهدف لهدف معين في هذه الحياة لتساعدنا على معرفة أحكام ديننا الحنيف ، ومن تلك السور سورة الحجرات التي تهدف إلى ترسيخ قواعد تربوية في نفوس المسلمين فهي بمثابة مدرسة متكاملة تربى في ضوئها أصحاب محمد صلى عليه وسلم ، فإنها مع قصرها ، وقلة عدد آياتها جاءت شاملة لآداب وأحكام وأوامر ونواهٍ لاتجدها مجتمعة في سورة سواها.
فهي سورة جليلة ضخمة بمعناها ، تتضمن حقائق كبيرة من حقائق العقيدة والشريعة ، ومن حقائق الوجود والإنسانية ، حقائق تفتح للقلب والعقل آفاقاً عالية وآماداً بعيدة وتثيرفي النفس والذهن خواطر عميقة ومعاني كبيرة وتشمل من مناهج التكوين والتنظيم وقواعد التربية والتهذيب ومبادئ التشريع ، ما يتجاوز حجمها وعدد آياتها مئات المرآت. وهي تبرز للمتمعن فيها أمام أمرين عظيمين للتدبر والتفكير.
أولهما أنها تكاد تستقل بوضع معالم كاملة , لعلم رفيع كريم نظيف سليم متضمنة القواعد والأصول والمبادئ والمناهج التي يقوم عليها هذا العالم رالتي تكفل قيلمة أولاًً ، وصيانته أخيراً...... عالم يصدر عن الله ويتجه إالى الله ويليق أن ينتسب إلى الله....عالم نقي القلب ، نظيف المشاعر ، عف اللسان وقبل ذلك عف السريرة ، عالم له أدب مع الله وأدب مع الرسول وأدب مع نفسه وأدب مع غيره أدب في هواجس ضميرة وفي حركات جوارحه وفي الوقت ذاته له شرائعة النظمة لأوضاعة وله نظمه التي تكفل صيانته وهي شرائع ونظم تقوم على تلك الأدب.
وثانيهما الجهد الضخم الثابت المطرد الذي تمثله توجيهات القرآن الكريم والتربية النبوية الحكيمة لإنشاء الجماعة المسلمة وتلربيتها التي تمثل العالم الرفيع الكريم الذي تحقق على الأرض ولم يكن فكرة مثالية ولا خيالاً أدبياً، فكانت الرعاية الإلهية تحف هذه الجماعة المختارة لحمل الأمانة الكبرى فكانت بحق خير أمة أخرجت للناس وقرنها خير القرون .
وبما أن السورة تحدثت عن الآداب فقد ابتدأت أولاً بالحديث عن الأدب مع الله تعالى ثم ثنت بالحديث عن الأدب مع رسوله صلى الله عليه وسلم ثم تحدثت عما ينبغي أن بتحلى به المؤمن من الآداب الإجتماعية في علاقاته مع الآخرين وصلاته بهم ممايدل دلالة واضحة على إتصال الأخلاق بالإيمان وإنبثاقها عنهما.
وإذا أمعنا النظر أكثر وأكثر في هذه السورة الجليلة لاستطعنا أن نلمس فيها نوعين من الدراسة:
دراسة تحليلية:
تشمل أسباب النزول وبعض الأحكام التي وردت في السورة وتكون بذلك قد أوضحت مدلولات الآيات ولم يبقى شئ غامض وأوضحت معانيها .
دراسة موضوعية :
وهي التي تعتبر مكملة للدراسة التحليلية خاصة أنها وسيلة لفهم الدراسة الموضوعية وأنها أساس لما يأتي بعده وكل ذلك ضمن ضوء هذا البحث .
ثم سأختم بخاتمة مناسبة مع ذكر ثبت للمصادر والمراجع ومن ثم فهرس الموضوعات.
هذا وأسأل الله جل وعلا أن يجعل هذا البحث نافع ومحقق للأهداف التي كتبت من أجلها ، وأن يجعله خالص لوجه الكريم فكما قال تعالى { وعلمك مالم تكن تعلم } . سورة النساء الآية 113.
وقال تعالى { ولايحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء }.سورة البقرة الأية255
************************************************
التسمية
هذه السورة اسمها الحجرات لورود هذه المفردة ، نزلت في المدينة وهي أول سورة مدنية ، وهذا له دلالة معينة فهي من السور ذات الرموز البنائية التربوية التعاملية التي تحتاجها الأمة ، والمتأمل للسورة المدنية يجدها هكذا فبعد الانتهاء من البناء العقدي للنفوس في المرحلة المكية وصار لديها استعداد لتقبل وتنفيذ أمر الله بكل طواعية وتلقائية وانقيادية ، لأن ذرات الإيمان قد امتزجت مع خلايا الدم في عروق المؤمنين فصاروا أداة لينة في تقبل التكاليف التي أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصار لديهم استعداد للتضحية ، والدليل أنهم قدموا أرواحهم رخيصة في سبيله سبحانه وتعالى ، لهذا صار لابد من اكتمال المشروع الإسلامي خلال المرحلة الثانية منه ، وهي المرحلة المدنية . فلقد تم البناء الأول في المرحلة المكية وهي ترسيخ أسس هذا الدين وهو التجرد من شوائب التبعية للقبلية والأسياد والسجود للأصنام إلى صرف السجود والخضوع إلى رب واحد بدلاً من الأرباب بكل عفوية ومحبة وخوف ورجاء وتلقائية واندفاع ، فصاروا بحاجة ماسة إلى البناء الآخر وهو بناء التعامل ، لأن من يتبع هذا الدين ينتظره دور خطير على مسرح الحياة لإنقاذ البشرية وإخراجها إلى ساحات النور ، فلابد من أن نقدم الصورة الحقيقية لهذا الدين كما أراد الله أن يكون .

وهي أول سور المفصل لكثرة الفصل فيها بالسور ، أو لأنه محكم لا نسخ فيه ، وسميت بالحجرات لأن الله تعالى ذكر فيها تأديب أجلاف العرب الذين ينادون رسول الله من وراء الحجرات ، وهي حجرات نسائه المؤمنات الطاهرات .

وتسمى أيضاً بسورة الأخلاق والآداب ، فقد أرشدت إلى آداب المجتمع الإسلامي وكيفية تنظيمه ، وأشادت بمكارم الأخلاق وفضائل الأعمال ، ونودي فيها بوصف الإيمان خمس مرات .

فموضوع هذه السورة كسابقتها : أحكام شرعية وهي أحكام تتعلق بتنظيم المجتمع الإسلامي على أساس متين من التربية القوية والأخلاق الرضية فهي في الأمر بمكارم الأخلاق ورعاية الآداب ، وآدابها خاص وعام .

وإن سورة الحجرات فيها منهج يجب أن يعلمه كل منا لأبنائنا بعد أن نتعلمه نحن أولاً ، ففيها السلوك الإسلامي الذي لو اتبعه المسلمون لتغير الحال .
*************************************************


الوحدة الموضوعية لسورة الحجرات

بما أنها سميت سورة الأخلاق والآداب لكثرة التركيز على أخلاق وآداب معينة يجب على المؤمن التحلي بها ، فأرفع تلك الآداب وأعلاها هو التلقي عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في كل شأن وعدم التقدم على أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في شيء ثم يأمر المؤمنين بالتقوى .
• ثم تتحدث السورة عن الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مرتبط مع الآية الأولى فمن عرف قدر الرسول عليه السلام ومكانته عند ربه فلابد من أن يتأدب معه .

• ثم تتحدث السورة عن المنهج الذي يلتزمه المسلم في تلقي الأخبار وقبولها وروايتها وهو التثتبت والتحري وعدم تناقل الأخبار بدون تروٍ أو معرفة صدقها من كذبها .

• ثم تتحدث السورة عن المنهج الذي يجب على الأمة المسلمة أن تلتزمه تجاه أولادها اذا قام بين فئتين منهما خصومة وشجار أدى الى الخصومة والقتل ، فموقف الأمة أن تحكم شرع الله وهدي نبيه وعدم التقدم بين يدي الله ورسوله وتعمل على الصلح بين الفئتين .

• ثم أعلنت قيام رابطة الاخاء والود بين المؤمنين وحذرت من تفكك الجماعة المؤمنة واثارة النزاع بين أفرادها وتوليد الأحقاد والضغائن والكراهية بسبب السخرية والهمز واللمز والتنابز بالألقاب ، سواء بين الرجال أو النساء أو بسبب سوء الظن بالمسلم والتجسس ( تتبع العورات ) والغيبة والنميمة .

• ثم أعلنت مبدأ الاخاء الانساني، والمساواة بين الشعوب والأفراد من مختلف الأجناس والألوان ، فلا عداوة ولا طبقة ولا عنصرية ، وانما التفاضل بالتقوى والعمل الصالح ومكارم الأخلاق.

• وتختتم السورة بالكلام عن الأعراب، فميزت بين الايمان والاسلام وذكرت عن صفات المؤمنين وشروط المؤمن الكامل وعابت المن على الرسول بالاسلام ووضعت ضابط احترام القيم الدينية والأخلاقية وهو رقابة الله جل جلاله لعباده وعلمه بغيب السماوات والأرض وبصره بجميع أعمال الخلق .

خاتمة للوحدة الموضوعية :
وكما ربطت الآية الأولى المؤمنين بتقوى الله والايمان بأسماء الله وصفاته فانها تختتم كذلك بصفة من أعظم صفات الله سبحانه انها صفة العلم التي اختتمت الأية الأولى بها . فما أجملها من خاتمة تربط بين أول السورة وآخرها .
رد مع اقتباس